مفاجأة من القاهرة!

قال «أحمد» … أظن أنَّنا يَجب أن ننام بسرعة … فلسنا ندري متى ننام مرة أخرى. وفي الصباح، يُمكن أن نقول كلماتنا الأخيرة على الإفطار.

انصرف الشياطين كلٌّ إلى حجرته … ولم يَسهر منهم أحد سوى «أحمد» الذي أحضر ورقًا وقلمًا، وجلس يُكوِّن مجموعات العمل.

«عثمان» و«هدى» في «السودان» … «بو عمير» و«إلهام» في «الجزائر» … «مصباح» و«خالد» في «ليبيا» … «زبيدة» و«فهد» في «تونس» … «ريما» و«قيس» في مصر … «باسم» و«رشيد» للبقاء في المقر السري.

طوى «أحمد» الورقة التي كتب عليها المجموعات. لحظة ثمَّ سمع دقات جهاز الاستقبال أسرع إليها … وبدأ يتلقى إشارة داخلية، كانت عبارة عن الشفرة الجديدة، وعلى طريقة «التيكرز» طُبعت الشفرة ثلاث عشرة نسخة. وعندما انتهت تمامًا حملها «أحمد» ومن خلال ممر هوائي يربط بين حجرات الشياطين، أرسل «أحمد» نسخة إلى كل واحد في حجرته.

جلس يقرأ الشفرة ويعيدها مرات، حتى استوعبها تمامًا. ثم أحرقها تمامًا، وألقى بنفسه في السرير … فاستغرق لتوِّه في النوم.

كان واضحًا أن الأيام القادمة سوف تكون مشحونة تمامًا … فعصابة «سادة العالم» ليست ككل العصابات … إنها منتشرة في كل بلاد الدنيا، ولها أعمال إجرامية كثيرة … ولهذا فإن الصراع معها لن يكون بسيطًا. كل هذا جعل «أحمد» يستيقظ في الليل نظر في ساعة يده … كانت الساعة حوالي الرابعة صباحًا. امتلأ بالدهشة؛ فهذه أول مرة … يستيقظ فيها في مثل هذه الساعة … أو يصاب بالأرق … في النهاية قام إلى الحمام وأخذ دشًّا ساخنًا، ثم عاد إلى سريره. لكنه لم يستغرق في النوم. لقد ظلَّ يفكر في عمل الصباح. سوف ينطلق الشياطين. كلٌّ في اتجاهه، وهو سيكون همزة الوصل بينهم جميعًا، ولهذا فإنه سوف يتعرَّض لجهد مُضاعَف هذه المرة. ظلَّ يفكر في الأسماء الثلاثة التي ذكرها رقم «صفر» «كولدر» و«مودست» و«شل». وبدأ رأسُه يدور، فذر إن النوم قادم. لكنه لم ينم. ينبغي أن يمارس رياضة رتيبة تبعث على النوم … لجأ إلى عد الأرقام واحد. اثنان. ثلاثة. أربعة. … ظل يعدُّ حتى وصل إلى رقم لم ينطقه … فقد استغرق في النوم ولم يستيقظ إلا عندما رن جرس داخلي فوق رأسه … نظر في ساعة يده. كانت الساعة قد جاوزت الثامنة، حاول أن يتذكر ما حدث أمس … ابتسم … لقد تذكر آخر رقم نطقه، قبل أن يستغرق في النوم. كان رقم ثلاثة وثلاثين. قفز بسرعة من سريره إلى الحمام، اغتسل واستبدل ملابسه، ثم أسرع إلى حجرة الطعام … كان الشياطين هناك!

ضحكت «زبيدة» وهي تقول: لقد نمتَ بما يكفي لأن تَستيقظ ثلاثة أيام.

ابتسم «أحمد» قائلًا: صباح الخير أيها الشياطين، لقد كانت ليلة غير هادئة بالنسبة لي … رغم أن الشياطين لا يَعرفُون الأرق.

حكى «أحمد» ما حدث له أمس، فضحكوا جميعًا … وبينما كانوا يتناولون الطعام سأل «أحمد»: هل قرأتم الشفرة الجديدة؟

وعرف منهم أنهم قرءوها … وحفظوها وأحرقوا الأوراق كالتعليمات. قال «أحمد»: الآن. إليكم تنظيم المجموعات.

أخذ يقرأ التكوينات التي وضعها في الليل، ثم قال: سوف أكون بينكم جميعًا وطبعًا، سوف يكون المقر في طريقي دائمًا أعرف فيه المزيد من المعلومات. لهذا. من يصل إلى شيء يرسله إلى رقم «صفر» أولًا بأول.

كان الإفطار قد انتهى. وقف «أحمد» وقال: الآن، يجب أن نبدأ عملنا فورًا. أخذت كل مجموعة طريقها … بعد أن قال لهم «أحمد»: إننا لن نخرج دفعة واحدة حتى لا نتعرَّض لشيء … فالحذر ضروري تمامًا … من الآن.

ركبت كل مجموعة سيارتها، وبقي «أحمد» مع «باسم» و«رشيد» كان يضع تقريرًا ليتركه، حتى يقدمه الاثنان إلى رقم «صفر»، وما إن انتهى من كتابة التقرير حتى قال: تحياتي إليكما! عليكما تنسيق العمليات. خذا حذركما، سوف تجدان معلومات عند رقم «صفر» عن أجهزة التنصُّت المتحرِّكة … إنها سوف تنفعكم كثيرًا.

تبادلوا السلام، ثم انصرف «أحمد» ركب سيارته، ثم أخذ طريقه إلى أقرب مطار … ومنه أخذ الطائرة إلى القاهرة … ومن المطار أخذ سيارةً أخرى، وفي طريق المطار شاهد سيارة «ريما» وقيس فأمسك سماعة اللاسلكي وبدأ الحديث إلى «ريما».

أحمد: سوف نلتقي في مقرِّنا هناك … لقد قصدت أن أكون وحدي حتى نكون كلاعب الكرة. نهاجم بثلاثة وندافع بثلاثة، مع أننا خمسة فقط.

ضحكت «ريما» وردت: فكرة طيبة. غير أنك سوف تُجهد تمامًا.

أحمد: إننا أمام اختبار قاسٍ … إذا لم نَنجح فيه … سوف ينتهي كل شيء … تحياتي إليكما وإلى اللقاء!

ريما: إلى اللقاء هناك.

داس «أحمد» أكثر على البنزين، فانطلقت السيارة بسرعة أكبر … حتى إنه تجاوز سيارة «ريما» و«قيس»، وأشار لهما إشارة ضوئية، ثم استمر في الطريق.

كان «أحمد» يفكر في بقية الشياطين … أين هم الآن؟ وهل يسير كل شيء على ما يرام؟ إنه يعرف أن «مصباح» و«خالد» سيكونان أول من يبدأ العمل؛ فهما أقرب إلى «ليبيا» … وعليه أن يغوص في شوارع القاهرة … ثم يبدأ دورة سريعة على فنادق الدرجة الأولى هناك. جولة يتحقق فيها من وجود أحد من هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم رقم «صفر»، ثم يعود سريعًا إلى «ليبيا»، وفي الطريق يُمكن أن يعرف الأنباء عن المقرِّ السري، وجولته في القاهرة فقط لتأمين تحرُّكات «ريما» و«قيس».

كان الطريق أقل ازدحامًا من مرات كثيرة قطعها «أحمد»، وربما لأن الوقت قبيل الظهيرة. وهي ساعة يقلُّ فيها عدد السيارات. التي يُفضِّل سائقوها أن يُسافروا إما في الصباح الباكر، أو آخر النهار … لهذا كانت سيارته منطلقة بأقصى سرعتها. لقد كانت خطته أن يصل وقت الغداء … حتى يكون النزلاء جميعًا في المطعم.

لم تكد الساعة تدق الثانية عشرة، حتى كان «أحمد» يقف أمام مدير فندق «الشيراتون» أخرج له بطاقته، ثم دار بينهما حديث سريع، أخذ «أحمد» بعدَه طريقه إلى المطعم اختار مائدة يُمكن من مكانها أن يُراقب المطعم كله … مرَّ بعينيه على المناضد التي كانت مشغولة، ثم طلب مدير المطعم، الذي أتاه مُبتسمًا. سأله «أحمد»: هل النزلاء جميعًا هنا؟ أخرج مدير المطعم كشفًا، مر بعينيه عليه. ثم ابتسم: ليسوا جميعًا … شكره «أحمد» وبدأ يَرقُب الجالسين.

في خلال عشر دقائق كان قد استوثق من أنه لا يوجد أحد من الثلاثة.

انصرف بعد أن شكر المدير، أخذ طريقه إلى «الهيلتون» … كان الغداء ما زال يقدم إلى النزلاء … عرف في النهاية أن هناك عددًا لن يَحضر الغداء لأنهم سوف يتناولونه في منطقة الأهرامات، لأنه وفدٌ سياحي، وسوف يكون الوفد في خيمة عربية. لمشاهدة بعض الفنون الشعبية في سهرة.

انطلق بسيارته إلى فندق «مينا هاوس» كان بعض النزلاء قد انتهى من طعامه وانصرف، ولم يكن مُمكنًا أن يَعرف شيئًا. اتجه إلى استعلامات الفندق، حيث يُسجِّل النزلاء أسماءهم … فوقف عند اسم معيَّن ينزل وحده … كان الاسم هو «أنهيلار» عرف رقم جواز سفره وجنسيتَه … ودوَّنَهما في مفكِّرة صغيرة. قال له موظف الاستعلامات إنه نزل من يومين فقط، وإنه يظهر دائمًا وحده، ويفضل الجلوس حول حمام السباحة، غير أنه يَقضي معظم وقته خارج الفندق … وأنه قصير القامة … صامت دائمًا … ونادرًا ما يتحدث إلى الناس.

كان لا تزال هناك فنادق كثيرة «شبرد» و«كليوباترا» و«جولي فيل» توقف عند اسم «جولي فيل» شعر أنه يُمكِن أن يجد فيه شيئًا … فالفندق في منطقة منعزلة في طريق «مصر-الإسكندرية» الصحراوي … أسرع إلى سيارته وانطلق إلى «الجولي فيل». عندما استقرَّت سيارته هناك، اتجه إلى مدير الفندق وبطريقة ذكية عرف كل المعلومات التي يُريدها. هناك اثنان ينزلان معًا، قادمين من إيطاليا وآخر ينزل وحدَه … ويَحمل جواز سفر أمريكي … وإن كان معظم النزلاء ينزلون بمُفردهم؛ فمعظمهم من رجال الأعمال.

انصرف «أحمد» ودار دورات سريعة على الفنادق الكبرى، ثم اتجه إلى المقر السري للشياطين — هناك وجد «ريما» و«قيس» كانا يجلسان في حالة قلق. وما إن رأياه حتى قفزت «ريما» مرحبة به. كان يبدو مشغولًا. قالت «ريما»: ينبغي أن تأخذ دشًّا باردًا، حتى تستردَّ نشاطك، واضح أنك مجهد.

ابتسم «أحمد» وهو يُلقي بنفسه في أحد المقاعد … ثم قال: ولديَّ بعض المعلومات التي جمعتها، سوف أخبركما بها ثم أذهب إلى المطار.

قيس: ينبغي أن تنام قليلًا.

أحمد: سوف أنام في الطائرة.

وقف بسرعة، ثم أخذ طريقه إلى الحمام. قالت «ريما»: يبدو أنه حصل على معلومات هامة.

قيس: سوف نعرف سريعًا.

أسرعت «ريما» تجهز بعض الطعام الخفيف ﻟ «أحمد» و«قيس» يُساعدها.

وعندما رأى «أحمد» الطعام ابتسم قائلًا: إنني أكاد أهلك جوعًا.

جلس يأكُل بسرعة، ويتحدَّث في نفس الوقت. قال لهما: هناك سهرة في خيمة بجوار «صحارى سيتي» سوف تضمُّ وفدًا سياحيًّا … ينبغي أن تَذهبا إلى هذه السهرة … في فندق «الميناهاوس» هناك نَزيل يَنبغي أن تُراقباه … اسمه «أنهيلار» أما فندق «الجولي فيل» نحتاج منكم إلى جولة طويلة … بقية الفنادق، أعتقد أنها ليسَت بذات أهمية، ولكن لا تُهملوا شيئًا.

قيس: هناك فنادق الدرجة الثانية، وفنادق الأحياء الشعبية.

أحمد: هذه أيضًا تحتاج منكما إلى جولة، وأظن أننا نَعرف معظمها، إن لم يكن جميعها.

فرغ «أحمد» من طعامه، أخرَجَ من جيبه عدة ورقات صغيرة، وضعها على المائدة، ثم قال: هذا تقرير سريع عن جولتي في الفنادق. لا تنسَوا إرسال معلوماتكم أولًا بأول إلى رقم «صفر».

أمسك سماعة التليفون، ثم اتصل بشركة الطيران «الليبية» عرف أن هناك طائرة ستقوم بعد ثلاث ساعات، وأن فيها أماكن خالية … ووضع السماعة وقال: لا يزال أمامي بعض الوقت.

جلس وهو يتمطَّى. قالت «ريما»: ترى ما هي الأنباء في المناطق الأخرى؟

أحمد: سوف أخبركما إذا جدَّ جديد. وعليكما بإرسال إشارات متوالية حتى نكون على اتصال مستمر.

جلس بعض الوقت، ثم وقف قائلًا: أستودعكما الله. تحياتي!

سلَّم عليهما ثم خرج إلى الشارع، ولكنه عاد مرة أخرى، وقال ﻟ «قيس»: تعال معي، فسوف أترك سيارتي هنا … وسوف أعود مرةً أخرى.

صحبَه «قيس» و«ريما» إلى المطار.

كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرًا … ودرجة الحرارة مرتفعة نوعًا ما.

غير أن السيارة كانت مكيفة. ظلوا يتذكرون تلك الأيام التي قضاها الشياطين في القاهرة والمغامرات التي دارت في شوارعها … عندما وصلوا إلى طريق المطار. نظر «أحمد» في ساعته وقال: لا يزال أمامنا بعض الوقت، دعونا نمشَّ على مهل.

أبطأ «قيس» السيارة … غير أن أحدًا منهم لم يَنطق بكلمة … وعندما اقتربت السيارة من المطار … كان يبدو أن طائرة ما … قد وصلت لتوِّها … فالازدحام عند باب الخروج كان واضحًا. توقفت السيارة، ولفت نظر «قيس» شخصٌ ما. قال ﻟ «أحمد»: هل ترى هذا الشاب؟

نظر «أحمد» في الاتجاه الذي يشير إليه «قيس» ثم شرد قليلًا … وقال: هل تعني «شل»؟

قيس: ألا تظن؟

لم ينزل «أحمد» من السيارة. كان هناك شاب، تنطبق عليه أوصاف «شل» التي ذكرها رقم «صفر» وكان أكثر ما جذب انتباههم، أنه كان يَتفاهم مع أحد سائقي التاكسي … نزل «أحمد» من السيارة بسرعة، وأخذ طريقه إلى الشاب … مرَّ من خلفه يستمع ما يقول … كان الشاب يتحدث اللغة العربية بلكنة أجنبية.

توقَّف «أحمد» في نفس اللحظة التي ركب فيها الشاب التاكسي. وانطلق به. أسرع «أحمد» إلى «قيس» و«ريما» … وقال لهما: عليكما بمتابعته، من الضروري أن أكمل طريقي … أنا في انتظار أخبار منكما.

انطلق «قيس» بالسيارة في أعقاب التاكسي الذي لم يكن قد غاب عن عينيه بعد، وأخذ «أحمد» طريقه إلى داخل المطار. متجهًا إلى مكتب الشركة الليبية سأل عن التذكرة فوجدها … وعرف أن الطائرة لم تصل بعد.

أخذ طريقه إلى صالة المطار … ثم توقف عند بائع الجرائد … لكن فجأة تحولت عيناه إلى اتجاه ما. لقد كانت هناك مفاجأة جديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤