هل نُسف المقر السري؟

أسرع «عثمان» وقفز إلى النافذة، وأخذ يُطلِق صيحة البومة بسرعة وبقوة، ولم تمرَّ لحظات، حتى سمع «عثمان» طرقًا أسفل النافذة … نظر الشياطين جميعًا إلى مصدر الصوت.

قال «أحمد»: هل هناك أحد؟

عثمان: نعم … القارب …

سمع الشياطين طرقات أخرى، ثم ظهر وجه «فهد». ارتسمت الدهشة على وجه الشياطين … هل يمكن أن يظهر أحد الشياطين في تلك اللحظة!

قال «فهد»: إننا جاهزون … بقية الشياطين معي … وعملاء آخرون.

أحمد: ماذا نفعل الآن؟

فهد: دقيقة واحدة.

اختفى «فهد» لحظة في الوقت الذي ظهر فيه «مارتيني» وبيده مسدَّس!

صرخ «خالد» الذي كان يقف وحده: «مارتيني»!

قفز «قيس» كالصاعقة على «مارتيني» ثم لطَمه بقبضته وانهال عليه باللكمات حتى سقط!

ظهر «فهد» وبيده بعض الآلات … أعطى بعضها ﻟ «عثمان» … ثم قال: ابدأ في خلع القضبان.

أحمد: هناك قروش أسفل النافذة؟

فهد: لقد نظفنا المنطقة تمامًا ببعض الأحماض القاتلة.

صعد «قيس» و«بو عمير» … بجوار «عثمان»، وبدءوا جميعًا ينزعون قضبان النافذة … كانت القضبان مثبتة بطريقة لا يُمكِن خلعها.

اختفى «فهد» مرةً أخرى. قال «عثمان»: من الصعب خلع القضبان.

كان «بو» قد بدأ يَسيح من التيار الكهربائي … وأخذت الغازات تملأ المكان، حتى إن الشياطين لم يستطيعوا التنفس جيدًا … بدءوا يسعلون بشدة … لكن «فهد» ظهر من جديد وبيده آلة كهربائية.

قدمها إلى «عثمان» وقال: أليست لديكم فيشة كهربائية في الحائط؟

عثمان: لا أدري، ولكن يُمكن استخدام فيشة الثلاجة.

أخذ الآلة الكهربائية، ثم أسرع إلى الثلاجة، خلع السلك. وثبت سلك «الوابور» … ثم ضغط الزر، فانطلقت شعلة كهربائية قوية، أسرع إلى قضبان النافذة وسلَّط عليها الشعلة الكهربية. فبدأت تلين حتى انفصلت عن البناء، لم تمض لحظات، حتى كانت النافذة بلا قضبان … صرخ «عثمان»: هيا يجب أن نخرج من هنا.

أسرع الشياطين … الواحد بعد الآخر في الخروج من النافذة.

كان هناك سلَّم معلَّق على الجدار. نزل الشياطين عليه بسرعة … وأسفل السلم كان هناك لنشٌ متوسط الحجم ألقى الشياطين أنفسهم في «اللنش» الذي انطلق بهم بعيدًا.

قال «أحمد»: هل نترك العصابة؟

ضحك «باسم» وقال: نعم؛ سنتركُهم للجحيم.

كان اللنش ينطلق بسرعة رهيبة. ولم تمضِ دقائق، حتى توقَّف اللنش. وقال «باسم»: انظروا … هذه نهاية العصابة.

ضغط على زر في التابلوه الذي أمامه، فدوى انفجار رهيب، جعل لحظة الفجر كأنها وضح النهار. لحظة ثم ارتفعت ألسنة اللهب … لقد انفجر مقرُّ العصابة جميعه …

كان الشياطين يُراقبون ما يحدث، والدهشة تملأ وجوههم.

سأل «أحمد»: ماذا حدث؟

قال «رشيد»: لقد وضعنا حزامًا من المفرقعات حول المقر جميعه … هذه كل المسألة.

تمطَّى «أحمد» … ثم قال: إنني في حاجة شديدة إلى النوم. لكن ماذا حدث لمقرنا السري؟

قال «رشيد»: سوف تعرف ذلك … عندما نصلُ إلى هناك.

لقد تركنا المقرَّ منذ ساعات … ولم يكن شيء قد حدَث بعد.

نظر «أحمد» إلى «قيس»: إنني لم أعرف ماذا حدث في القاهرة، عندما تبعتُما «شل».

قيس: لم نجده، فإما إنه ضاع منَّا، وإما إنه لم يكن الرجل المقصود.

ألقى «أحمد» نفسه على جانب من جوانب اللنش … كان الهواء رقيقًا، وضوء النهار هادئًا، مما جعل «أحمد» يستغرق لتوه في النوم.

كان صوت ماكينة اللنش رتيبًا … فاسترخى الشياطين في هدوء يرقبون طيور «النورس» التي كانت تطير حولهم … كان منظر «النورس» رائعًا. ظل «بو عمير» يراقبه ثم قال: إنه يذكرني بتلك المسرحية الخالدة للكاتب الشهير «أنطون تشيكوف».

قال «رشيد»: لعلك تقصد مسرحية طائر «النورس»؟

بو عمير: نعم … لقد قرأتُها مؤخرًا … وأعجبتني جدًّا.

سكت الجميع، ولم يَكن يُسمع سوى صوت ماكينة اللنش … الرتيب … مر وقت طويل واللنش يتهادى على صفحة الماء. وكانت ألسنة اللهب في مقر العصابة، لا تزال تلوح من بعيد.

نظر «عثمان» إلى «أحمد» المستغرق في النوم وابتسم قائلًا: تصوروا أن «أحمد» لم يحرك عضوًا في جسمه منذ رقد.

خالد: لقد تعب تمامًا. أظن أنه لم ينَم منذ أمس.

مرة أخرى، ركنوا إلى الصمت، واستغرقوا في تأمل الأمواج الصغيرة التي تُتابع اللنش وكأنها تطارد بعضها.

لحظة. ثم تقلَّب «أحمد» وفتح عينيه … ثم أغمضهما بسرعة … كان الضوء قد أصبح قويًّا، سأل وهو ما زال مغمض العينين: هل سنقطع الرحلة بحرًا؟

رد أحد بحارة اللنش: إننا فقط سوف نرسو في منطقة بعيدة … وهناك ستجد سيارة في انتظارك.

بدأت ملامح الشاطئ تظهر. وقف الشياطين يرقبون الشاطئ الذي أخذ يقترب، ويقترب، حتى ظهرت سيارة هناك … صاح «رشيد»: ها هي … وأشار بيده.

مضى نصف ساعة ثم بدأ اللنش يهدئ من سرعته … فقد اقترب الشاطئ.

نزل الشياطين بسرعة، فوجدوا أحد الرجال يَبتسِم عندما رآهم. وكان «هاندل» فقال مرحبًا بهم: أبلغكم تحيات رقم «صفر».

حياه الشياطين ثم ركبوا السيارة التي انطلقت بهم. سأل «أحمد»: إلى أين؟

هاندل: إلى «أثينا»، لقضاء عطلة هناك.

أحمد: أتمنَّى أن أعود إلى القاهرة فورًا.

هاندل: أوامر رقم «صفر» … أن تقضوا إجازة في «أثينا» إننا في موسم الاحتفالات والأعياد، ويُمكن أن تقضوا إجازة رائعة.

صمت الشياطين، ولم يكن يُسمَع سوى صوت السيارة تقطع بهم الطريق، غير أنَّ «أحمد» الذي كان يُفكِّر، قال: ألا تُوجد رسائل من رقم «صفر»؟ أتمنَّى أن أعرف ماذا حدث هناك.

ابتسم الرجل وقال: الرسالة التي وصلتنا كانت تقول: كل شيء على ما يرام … إجازة طيبة للشياطين. توقفت السيارة أمام فندق فخم، قال «أحمد»: هل ننزل هنا؟

هاندل: نعم … «هيلتون أثينا».

نزل الشياطين بسرعة … كانت مفاجأة …

لقد وجدوا «إلهام» و«هدى» و«زبيدة» و«ريما». تبادل الشياطين التحية بحرارة … ضحك «أحمد» وقال: اجتماع بعد نصف ساعة في حجرتي.

ضحك الشياطين وقال «باسم»: وأين حجرتك إذن؟

قال «أحمد» مُبتسمًا: هذه مهمة الشياطين.

بعد نصف ساعة كان الجميع حول مائدة الإفطار. سأل «أحمد»: ماذا حدث في المقر السري؟

إلهام: هل تذكر ما قاله رقم «صفر» من أن هناك خطة تُعد، سوف نعرفها فيما بعد؟

أحمد: نعم … أذكر ذلك.

أخذت «إلهام» تحكي ﻟ «أحمد» ماذا حدث في المقر السري. لقد أعد مقرًّا مشابهًا تمامًا للمقر الحقيقي … بكل ما فيه من أجهزة … واستطاع رقم «صفر» أن يقدم لأفراد العصابة الذين سيقومون بالاستيلاء على المقر، خريطة تُوصلهم إليه، ووقع أفراد العصابة في الفخ، لقد وصلوا إلى المقر المزيف، ومن هناك، بدءوا يرسلون إشارات إلى المقر الرئيسي لهم في اليونان، غير أن هذه الإشارات كانت تصل إلى المقر السري للشياطين أولًا بأول … فعرفنا كل شيء، عرفنا أين أنتم، وكيف قُبض عليكم … من خلال الرسائل المتبادلة بين المقر الرئيسي للعصابة والمقر السري المزيف … لأنَّ نفس الرسائل كانت تصل إلينا … وعندما عرف رقم «صفر» أن الموقف بالنسبة لكم أصبح سيئًا. أرسل بقية الشياطين إليكم، بالخطة التي نُفِّذت وهي نسف مقر العصابة بمن فيه … في نفس اللحظة، التي انفجر فيها مقر العصابة، كان هناك انفجار آخر، في المقر المزيف … وهكذا انتهوا جميعًا.

كان «الشياطين» قد تركوا الأكل وأخذوا ينصتون إلى حديث «إلهام» … غير أن «أحمد» كان يريد المزيد من التفاصيل. ولذلك قال: ليتني كنت هناك، إنني أريد أن أعرف ما حدث …

زبيدة: ستعرف بالتأكيد عندما نعود.

انهمك الشياطين في تناول الطعام … وجاء صديقهم يسأل مبتسمًا: هل كل شيء على ما يرام؟

قيس: نعم …

هاندل: هل أنتم على استعداد لرحلة خارج «أثينا» الآن؟

نظر الشياطين إلى بعضهم … ثم نظروا إلى «أحمد». ابتسم «أحمد» وقال: بالرغم من أنني متعب تمامًا وما زلت في حاجة إلى النوم … إلا أنني في حاجة أيضًا إلى نسيان تلك المغامرة القاتلة … لقد كان «كابو» هذا كابوسًا.

شعر الشياطين بالنشاط … لقد كانوا جميعًا في حاجة إلى الانطلاق. انتهوا من طعامهم. وقال الرجل: اللقاء أمام الفندق بعد ربع ساعة.

انصرف الشياطين كلٌّ إلى حجرته … وعندما دخل «أحمد» وبدأ في خلع ثيابه سمع جهاز الإرسال يزن … فعرف أن هناك رسالة من رقم «صفر». كانت الرسالة تقول: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» … أرجو أن تستمتعوا برحلة طيبة.

إن كل الأمور على ما يرام.

رد «أحمد»: من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»: كل الأمور عندنا على ما يرام. تحياتنا!

أبدل ملابسه بسرعة … ثم خرج إلى حيث تقف السيارة أمام الفندق. كان الشياطين جميعًا هناك.

تحركت السيارة بمجرد أن صعد «أحمد»؛ فقال الرجل: هل نذهب إلى معبد الأكروبول؟

أبدى الشياطين موافقتهم، فانطلقت السيارة، إلى حيث ذلك المعبد الأثري القديم.

سأل «رشيد»: متى يحكي لنا «أحمد» ما حدث؟

ابتسم «أحمد» وقال: في القاهرة … إننا الآن في رحلة راحة … ثم ابتسم ثم أكمل كلامه: أو … تحتاجون إلى مغامرة جديدة؟

ضحك الشياطين. وبدأ الرجل يشرح لهم الطريق الذي تسير فيه السيارة، حتى إذا اقترب معبد الأكروبول، سأل: هل تتناولون الغداء في الهواء أو في الفندق؟

أجمع الشياطين على أن الغداء في الهواء أجمل. قال «عثمان»: نردي الغداء يف الهوأ! ثم انفجر ضاحكًا …

ضحكت «هدى» وقالت: هذه أسهل لغة عندنا.

أحمد: نعم … لكن «مارتيني» تصور أننا نتحدث لغة من عالم آخر … ولو أنه وضع الحرف الأخير في كل كلمة قبل سابقه لأصبح شيطانًا هو الآخر.

وانفجر الشياطين في الضحك …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤