جراس يضرب الطبل عاليًا وسط «جماعة ٤٧»

عندما أجريتُ مع جونتر جراس حوارًا في صنعاء على هامش ملتقى الرواية العربية الألمانية في اليمن عام ٢٠٠٤م، تَحدَّث عن دور «جماعة ٤٧» في تكوين ذائقته الأدبية. وكان جراس أصبح بعد قراءته من «طبل الصفيح» الرمز الحي لهذه الجماعة، وما أحرزته من شهرة، وما تَمتَّعَت به من نفوذ. وعندما نال جائزة نوبل عام ١٩٩٩م، ألقى كلمة قصيرة خلال مأدبة العشاء التي أُقيمَت في استوكهولم يوم العاشر من ديسمبر، متذكرًا فيها راعيه الأدبي هانز فيرنر ريشتر الذي توفي عام ١٩٩٣م، معترفًا بفضله؛ لأن ريشتر هو الذي علَّمه «التسامح، والإصغاء إلى زملائه».

في صنعاء تساءل صاحب «طبل الصفيح»: لماذا لا يجتمع كتَّاب البلدان العربية معًا مرة في العام حتى يتعرفوا إلى جديد بعضهم البعض؟ وأعرب جراس عن اعتقاده بأن مثل هذه الاجتماعات والمناقَشات مع النقاد سَتُولِّد حركة أدبية قوية. وبالنظر إلى الغزو الأمريكي للعراق آنذاك، أكَّد جراس أن جماعة كهذه من الممكن أن تضطلع بدور مُهِم بعد الحرب.

وبالطبع، لا يمكن استنساخ التجارب التاريخية، وما حدث في ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي، لا يمكن أن يُبعث إلى الحياة في العراق مثلًا في مطلع الألفية الثالثة. بالرغم من ذلك تمثل «جماعة ٤٧» تجربة مهمة، يمكن الاستفادة منها في بلدان أخرى وفي زمان آخر. ١

جهد فرد يفوق عمل مؤسسات

كان الأمر بالأحرى مُصادَفة عندما تَقابَل الناقد هانز فيرنر ريشتر مع الكاتب ألفريد أندريش وعَدَد من الكُتَّاب في السادس والسابع من سبتمبر عام ١٩٤٧م في بافاريا بجنوب ألمانيا. كان الهدف من اللقاء إصدار مجلة أدبية جديدة بعنوان «العقرب» تكون لسان حال الكُتَّاب الشبان في ألمانيا بعد الحرب. وكان ريشتر وأندريش أَسَّسَا في العام نفسه مجلة بعنوان «النداء»، حققت نجاحًا كبيرًا وتخطت مبيعاتها المئة ألف نسخة، غير أن السلطات الأمريكية في برلين منعتها بسبب ما تتضمنه من انتقادات لقوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية والفرنسية. المنع كان أيضًا مصير مجلة «العقرب» التي لم يُسْمَح لها بالصدور على الإطلاق. وهكذا فكر ريشتر وزملاؤه في تنظيم ملتقًى للأدباء الشبان، يَقْرَأ كل منهم فيه من أعماله غير المنشورة، وبعد القراءة يُفتتح باب النقاش والتعليق، ولا يُسمح للكاتب بأن يرد على ما يُوجَّه إليه من نقد. لم يكن يخطر على بال أحد آنذاك أن ذلك اليوم في شهر سبتمبر من عام ١٩٤٧م كان ساعة ميلاد الجماعة التي تحولت بمرور الزمن إلى أسطورة أدبية وظاهرة ما زال بعض الكُتَّاب الألمان يَتباكَون على احتضارها، ويفتقدون وُجودَها، ويَدْعُون إلى تأسيس جماعة شبيهة.

بعد النجاح الذي حققه اللقاء الأول، قرر ريشتر تنظيم هذا الاجتماع بصورة دورية. وهنا اقترح البعض إطلاق اسم على هذا اللقاء الأدبي، واقترح الكاتب والناقد هانز جيورج برنر اسم «جماعة ٤٧»، على غرار الجماعة الإسبانية «جيل ٩٨» التي تأسست في أعقاب هزيمة إسبانيا أمام الولايات المتحدة عام ١٨٩٨م. وافق ريشتر على الاقتراح؛ لأنه رأى أن الاسم لا يلزم بشيء، ولا يحدد اتجاهًا أدبيًّا مُعيَّنًا.

كان الصحفي هانز فيرنر ريشتر هو المُحرِّك لأنشطة هذه الجماعة حتى تَوقُّفها عام ١٩٦٧م، فكان هو الذي يقوم بدعوة الكُتَّاب الذين يعرفهم أو الذين يزكيهم أحد معارفه لحضور الاجتماع السنوي، وهو ما عرَّضه إلى اتهامات بالديكتاتورية، وكان رده عليها بسيطًا: «إنها دائرة أصدقائي، ولهم أُنظِّم مرة في العام احتفالًا يُطلق عليه الجماعة ٤٧». كان اللقاء يدوم في العادة ثلاثة أيام ويُعْقَد كل عام في مكان مختلف، ولا يحضره الأشخاص نفسهم بالضرورة. لم تكن هناك عضوية أو لوائح تنظيمية أو سعي لفرض نوع مُعَيَّن من الأدب. كان المشاركون ينظرون إلى هذا الاجتماع على أنه ورشة عمل أدبية وساحة لتجريب الجديد. رغم ذلك كان هناك طموح سياسي واضح إلى إحداث تغييرات في المجتمع عبر الأدب، ومحاربة عقلية الخنوع والطاعة العمياء للسلطة التي أدَّتْ بالألمان إلى كارثة النازية. أرادت الجماعة في بداياتها أن تكون مدرسة لتعلُّم الديمقراطية عبر الأدب، وكان الشعار الذي رفعه مؤسسها ريشتر: النقد والسِّجال والقَلق. لم يكن ريشتر موهوبًا في الأدب أو النقد، وعندما قرأ مرةً من نصوصه، تَعرَّض إلى هجوم حادٍّ من زملائه. غير أن قدرات ريشتر التنظيمية كانت عظيمة. وهكذا أصبح نجاح الجماعة هو إنجاز حياته. ويبين هذا النجاح ما يستطيعه فرد إذا كان مُخلِصًا وعاشقًا لما يفعل. ما قام به ريشتر بمجهود ذاتي تعجز عن القيام به، في كثير من الأحيان، مؤسسات رسمية، ضخمة التمويل.

جراس يقرع الطبل بقوة آسرة

كان لقاء الجماعة عام ١٩٥٨م في قرية «جروس-هولتس-لويته» في جنوب ألمانيا لقاء تاريخيًّا بكل معنى الكلمة. كان الاجتماع في فندق ريفي عريق نزلت فيه ذات ليلة الإمبراطورة النمساوية: ماريا تريزيا وابنتها ماري أنطوانيت. وهناك، وقف كَاتِب شاب شِبه مجهول آنذاك يُدعى جونتر جراس ينتظر — تحت قرون الأيائل التي تزين قاعة المطعم — دوره في القراءة. يقول ريشتر عن ذلك اللقاء: إنه لم يكن يتوقع أن يقرأ جراس شيئًا مُتميِّزًا. توقَّع أن يقرأ عدة قصائد أو مسرحية أخرى من مسرحياته. قبل أن يأتي دور الشاب في القراءة، سأله ريشتر عما سيقرؤه، مضيفًا: «أريد أن أعرف حتى أخصص لك الوقت اللازم.» فأجابه جراس: سأقرأ من رواية. تَعجَّب ريشتر؛ فلم يكن يعرف أن جراس يكتب الرواية. التفتَ إليه وكرَّر نصيحته: ولكن عليك القراءة بصوت عالٍ وبوضوح! أصغى جراس للنصيحة، وظل طيلة حياته يفعل ذلك.

بعد أن قرأ جراس الجُمَل الأولى من «طبل الصفيح» شعر ريشتر وكأن القاعة قد مسها تيار كهربائي. تَوقَّف الناقد رايش-رانتسكي عن تدوين ملاحظاته، وفَغَر البعض فاه، في حين راح الناقد يواخيم كايزر يهز رأسه مبتسمًا في وَداعَة. «أدركتُ آنذاك»، سيقول ريشتر لاحقًا، «أن هذه الجُمَل بداية نجاح عظيم لجماعة ٤٧. ولكنني كنت أخشى أن يتسلل الضعف إلى النص بِمُضِي جراس في القراءة. غير أن ذلك لم يحدث.»

عندما أنهى جراس قراءة فصلين من «طبل الصفيح»، تَدافَع الحاضرون في اتجاهه وأحاطوا به، وتعالَت عبارات مثل: رائع، مبهر، ممتاز! كان ريشتر قد ألغى منح الجوائز في عام ١٩٥٥؛ لأنه شعر أنها أدت إلى تُفشِّي روح المُنافَسة والسِّباق، وهو ما لم يكن يريده. فيما بعد قال ريشتر متذكرًا: «كنت أعلم أن عليَّ منح الجائزة هذا العام، لكني كنت مُفلِسًا.» خرج ريشتر من القاعة وقابَل الناشر زيجفريد أونزِلد، مدير دار زوركامب الشهيرة. أمسك أونزِلد به قائلًا: «هانز فيرنر، لا بد أن تمنح جائزة هذه السنة!» وعندما قال له إنه لم يجمع نقودًا للجائزة، قال له أونزلد: «سأتبرع لك ﺑ ٥٠٠ مارك.» ثم نصحه بسؤال الناشرِين الآخرِين. ولكن لم يكن ثَمَّة ناشرون آخرون. كان هناك مُحرِّرون يعملون في دور النشر، وهؤلاء اتصلوا بدور النشر التي يعملون بها، وبعد ساعة تَجمَّع لدى ريشتر ثلاثة آلاف مارك، ثم جمع ألفين آخَرَين، وهكذا أصبحت قيمة جائزة ذلك العام خمسة آلاف مارك، فاز بها جراس من الجولة الأولى بأغلبية الأصوات. كان مبلغًا خرافيًّا بالنسبة للكاتِب المُعدم؛ ولذلك كانت الجائزة حاسمة في حياة جراس، وهو اعتبرها فيما بعد أهم جائزة حصل عليها، حتى لقد بَدت له أهم من جائزة نوبل؛ لأنها وفَّرَت له أمانًا ماديًّا سمح له بإنهاء الرواية التي حقَّقَت له الشهرة العالمية وهو في الثانية والثلاثين من عمره.

تزايدت أهمية الجماعة منذ مطلع الخمسينيات، وبلغت ذروتها مع قراءة جراس. وبعد أن كان هذا المنتدى الأدبي لقاء بين أصدقاء، بدأ الإعلام يغزو لقاءات الجماعة، وأصبحَت القراءات أكثر احترافية، وشرع بعض الكُتَّاب يتدرب طويلًا على قراءته قبل الظهور أمام الجماعة. وبحصول عدد من أعضاء الجماعة على الشهرة ازداد اهتمام الصحافة الأدبية بالجماعة التي انضم إليها نُقَّاد معروفون. وهكذا تحول الاجتماع إلى ملتقًى كبير يجذب الصحفيين والنقاد المُحترِفِين والناشرين، وهو ما أدَّى إلى انصراف بعض الأعضاء القُدامى المؤسِّسِين عن لقاءات المجموعة. هاينريش بُل مثلًا — الذي حصل على جائزة الجماعة في عام ١٩٥١م عن قصته الساخرة «الخراف الضالة» — بَرَّر غيابه قائلًا: إن حضور اجتماع به نحو ١٥٠ كاتبًا، وإلى جانبهم جيش من النُّقاد والناشرِين والصحفيين والمصوِّرِين، يمثل «عذابًا» له. وأعلن بُل آنذاك عن مخاوفه من أن «تتحول الجماعة إلى مؤسَّسَة». التخوف نفسه أعلنه أحد الأعضاء المؤسِّسِين، وهو الكاتب ألفريد أندرش الذي قال: «لقد أصبحَت الجماعة سوقًا أدبية.» وكان الأديب الكبير توماس مان (١٨٧٥–١٩٥٥م) قد انتقد عام ١٩٥٢م بحدة «سوقية النقاش» داخل الجماعة، واعتبر أن ذلك يُفقدها مصداقيتها. كما بدأ النقد يعلو من داخل الجماعة نفسها؛ إذ بدأ النقد التلقائي بين الزملاء يتوارى، في حين احتل النُّقَّاد المحترفون الصفوف الأمامية. وكان هناك من انتقد «الشو» النقدي الذي يسود اللقاءات، مثل الناقد جونتر بلوكر الذي تساءل ساخرًا: كيف سيكون رد فعل الحاضرِين لو جلس فرانتس كافكا أو روبرت موزيل أو جوتفريد بِن على «الكرسي الكهربائي» ليقرءوا نصوصهم في ملتقى الجماعة؟ بالتأكيد كانت نصوصهم ستُمزَّق تمزيقًا!

شبح «جماعة ٤٧»

عشية الحركة الطلابية عام ١٩٦٨م بدت «جماعة ٤٧» بعيدة كل البعد عن الواقع السياسي، لهذا بقي كتَّاب مثل الشاعر إنتسنسبرجر، والمسرحيِّ بيتر فايس، والشاعر إريش فريد بَعيدِين عن الجماعة؛ لأنهم كانوا يعتبرون مسائل مثل الصراع في فيتنام وقضايا العالم الثالث أهم بكثير من النقاشات التي تدور في دائرة مُغلَقة من الأعضاء. عجزت الجماعة آنذاك عن استيعاب التيارات الأدبية الجديدة أو المواهب الشابة المتمرِّدة، فكانت بداية نهايتها. ولعل إطلالة الكاتب النمساوي بيتر هاندكه في اجتماع عام ١٩٦٦م الذي عُقِد في برينستون بالولايات المتحدة الأمريكية خير تعبير عن هذا الصدع الذي ألمَّ بالمؤسسة وأدى إلى انهيارها. تجرأ الشاب البالغ من العمر آنذاك الثالثة والعشرين وحضر الاجتماع السنوي دون دعوة. ظهر هاندكه أمام الأعضاء بهيئة فوضوية وشعر طويل وصل إلى الأكتاف، ثم سَبَّ الحاضرِين واتهمهم ﺑ «العُنَّة اللغوية» و«العجز عن الوصف» واتهم النقاد بأن أدواتهم «عفا عليها الزمن». بالطبع كان هدف هاندكه من هذا الظهور أن يستفيد من شهرة الجماعة ليرسخ سُمْعَته كاتبًا شابًّا مستفزًّا. غير أن شهرة هاندكه الأدبية تكونت وترسخت خارج هذه المؤسَّسة الأدبية التي كانت — من وجهة نظر الشبان — قد هَرِمت وبصدد الاحتضار، وهو ما حدث بالفعل في العام التالي، ١٩٦٧م؛ حيث التقى أعضاء الجماعة للمرة الأخيرة في بولفرموله في منطقة فرانكن بجنوب ألمانيا. وجد الكُتَّاب أنفسهم مُحاصَرِين بالطلبة المُحتجِّين الذين استخفُّوا ﺑ «الشعراء» الذين يجتمعون في أبراجهم العاجية ليتحدثوا في أمور نخبوية. استهجن البعض ظهور الطلبة، بينما حاوَل البعض التحاوُر معهم. وبدَا واضحًا أن حلم هانز فيرنر ريشتر قد انهار؛ أي اللقاء بعيدًا عن ضوضاء الرأي العام للنقاش لمدة ثلاثة أيام حول الأدب. بدَت الجماعة في طور الاحتضار؛ ولذلك قرر ريشتر التخطيط لآخر اجتماع في عام ١٩٦٨م ثم إعلان حَل الجماعة رسميًّا.

كان من المُخطَّط الالتقاء في قصر بالقرب من مدينة براغ، غير أن الأحداث السياسية التي حاولت الجماعة أن تظل بمنأى عنها كانت أسرع؛ إذ فاجأ «ربيع براغ» الجميع، واقتحمَت قوات حلف وارسو الأراضي التشيكوسلوفاكية، فأُلغي الاجتماع. وبعد «الثورة المخملية» وانهيار النظام الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا عام ١٩٨٩م، وبعد أن تولى الكاتب والسياسي فاتسلاف هافيل رئاسة البلاد، أرسل هافيل الدعوة إلى «جماعة ٤٧» الأدبية لتعويض ما فاتهم عام ١٩٦٨م. وبالفعل عُقد الاجتماع الأخير للجماعة بالقرب من براغ في مايو ١٩٩٠م، وصدرت شهادة وفاة المجموعة بعد ثلاثة وعشرين عامًا من توقف اجتماعاتها.

عشرون عامًا حافلة (من ١٩٤٧ حتى ١٩٦٧م) كانت فيها لقاءات أعضاء الجماعة حدثًا أدبيًّا وإعلاميًّا بكل معنى الكلمة. خلال تلك الفترة تَسَيَّد أعضاء الجماعة المشهد الأدبي، وارتبطت النقاشات والسجالات الكبرى في ألمانيا الاتحادية بجماعة ٤٧. وعندما أصبحَت «مؤسسة» تمنح وتمنع، وفَقدَت تلقائيتها وروح الهواية فيها، ولم تَعُد تَقدُّمِيَّة أو طليعية، احتضرت الجماعة غير مأسوف عليها من جانب الكُتَّاب الشبان الذين كانوا يرونها «جماعة سُلْطَوية»، و«مافيا أدبية»، وامتدادًا لتراث «المجتمَع البطريركي»، حتى إن الأديبة النمساوية إلفريده يلينك (جائزة نوبل ٢٠٠٤م) أطلقت عليها آنذاك «نادي السادِيِّين».

ورغم مرور عقود على انتهاء هذه الأسطورة ما زال البعض يتذكر بحنين بالِغ هذه الجماعة وتأثيرها في الأدب الألماني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولا يجب أن ننسى أن الأديبَين اللذين حصَلَا على جائزة نوبل بعد الحرب العالمية الثانية كانا من أعضاء الجماعة، وهما هاينريش بُل (١٩٧٢م) وجونتر جراس (١٩٩٩م). وما زال «شبح» هذه الجماعة — على حد تعبير الناقد هلموت بوتيجر — يحوم بين الكُتَّاب والصحفيين. وقد حاول البعض خلال السنوات الماضية استدعاء هذه التجربة، فأطلق جونتر جراس نفسه «جائزة ألفريد دوبلين» في عام ١٩٧٩م، وخصَّصَها — على غرار ما حدث له مع «طبل الصفيح» — للنصوص غير المنشورة، وتبلغ قيمة الجائزة في الوقت الراهن ١٥ ألف يورو، وحصل عليها كتَّاب جدد نالوا الشهرة بعد ذلك، مثل إنجو شولتسه ونوربرت جشتراين وأويجن روجه.

وفي عام ١٩٩٧م، وبمناسبة مرور خمسين عامًا على تأسيسها، اندلع الجدل حول الجماعة مجددًا، واستطلعت الصحافة الثقافية في ألمانيا رأي الأدباء حول السؤال التالي: هل يحتاج المشهد الأدبي إلى جماعة أدبية جديدة؟ كان موقف معظم الأدباء الذين شاركوا في هذا الاستطلاع رافضًا للفكرة؛ فالظروف تغيرت، والأدب الألماني لم يَعُد له مَرْكَز، بعد أن أصبح متنوعًا وفرديًّا. لقد كانت «جماعة ٤٧» ابنة عصرها، ابنة حقبة «أدب الأنقاض»، وثمرة الرغبة الجماعية في البداية الجديدة بعد الحرب التي دمرت كل شيء، وبحلول عصر آخر، كان دورها قد انتهى إلى غير رجعة.

١  هناك عدد كبير من الأعمال التي تناولت بالبحث جماعة ٤٧ وتأثيرها في الأدب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استندتُ في هذه المقالة بصورة أساسية على كتاب هاينتس لودفيج أرنولد وكتاب هلموت بوتيجر، ويحمل كلاهما عنوان: «جماعة ٤٧». انظر قائمة المراجع في نهاية الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤