الفصل الأول

الحرب العالمية الثانية وتدمير النظام القديم

لا مناص من بدء أي نقاشات تخص الحرب الباردة بالحرب العالمية الثانية. فهذه الحرب، التي تعد — وفق أي معيار يمكن تصوره — الصراع الأكثر تدميرًا في تاريخ البشرية، تسببت في مستويات لا نظير لها من الموت والدمار والحرمان والفوضى.

يقول المؤرخ توماس جي باترسون: «إن الدمار الرهيب الذي شهده العالم بين عامي ١٩٣٩ و١٩٤٥ كان شاملًا وعميقًا لدرجة انقلب العالم معها رأسًا على عقب. ليس فقط عالم البشر بعماله ومزارعيه وتجاره وموسريه ومفكريه الأصحاء المنتجين، ليس فقط ذلك العالم الآمن بعائلاته ومجتمعاته المتماسكة، ليس فقط ذلك العالم العسكري بقوات العاصفة التابعة للنازي وطياري الكاميكازي اليابانيين الانتحاريين، بل كل هذا معًا وأكثر.» وبزعزعة «عالم السياسات الراسخة والحكم والتقاليد الموروثة والمؤسسات والتحالفات والولاء والتجارة والطبقات الاجتماعية»، خلقت الحرب ظروفًا جعلت صراع القوى العظمى محتمل الحدوث بدرجة كبيرة، إن لم يكن حتميًّا.

عالم انقلب رأسًا على عقب

تسببت الحرب في مقتل نحو ٦٠ مليون شخص، قرابة ثلثيهم من المدنيين. تكبد الطرف الخاسر للحرب؛ دول المحور المكونة من ألمانيا واليابان وإيطاليا، أكثر من ٣ ملايين قتيل من المدنيين، وتكبد الطرف المنتصر؛ الحلفاء، أكثر من هذا الرقم بكثير: إذ لقي نحو ٣٥ مليون مدني حتفهم جراء الحرب. كانت نسبة الضحايا مذهلة؛ إذ لقي نحو ١٠ إلى ٢٠ بالمائة من إجمالي سكان الاتحاد السوفييتي وبولندا ويوغوسلافيا حتفهم، وتراوحت النسبة بين ٤ و٦ بالمائة من إجمالي سكان ألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر واليابان والصين. ومثلما يستمر عدد ضحايا هذا الصراع العالمي الطاحن في الاستعصاء على أي جهود إحصائية دقيقة، فإن فداحة الخسائر البشرية التي حصدها تظل بالتأكيد مستعصية على الاستيعاب على نحو صادم بعد مرور جيلين على انقضاء الحرب العالمية الثانية، تمامًا كما كانت عقب انتهاء الصراع مباشرة.

بنهاية الحرب عم الخراب أغلب القارة الأوروبية. وقد وصف رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، بكلمات قوية ليست بالغريبة عليه، أوروبا ما بعد الحرب بأنها «كومة من الأنقاض، ومقبرة، وأرض خصبة للأوبئة والكراهية». ووفق تعبير المراسل ويليام شيرر فإن برلين كانت «أرض خراب تام، ولا أظن أن دمارًا وقع من قبل قط على مثل هذا النطاق». في الواقع، عانى كثير من أكبر مدن وسط وشرق أوروبا مستويات مقاربة من الدمار؛ إذ سُوي ٩٠ بالمائة من مباني كولونيا ودوسلدورف وهامبورج بالأرض جراء قصف طائرات الحلفاء، وتهدم ٧٠ بالمائة من المباني الموجودة بوسط فيينا. وفي وارسو، كما نقل لنا جون هيرشي، دمر الألمان المدينة «على نحو منهجي، شارعًا شارعًا، وزقاقًا زقاقًا، ومنزلًا منزلًا. ولم يتخلف شيء سوى هياكل خربة». وقد كتب السفير الأمريكي آرثر بليس لين، عند دخوله تلك المدينة التي مزقتها الحرب، في يوليو من عام ١٩٤٥ قائلًا: «كانت رائحة اللحم البشري المحترق المثيرة للغثيان تحذرنا من أننا على وشك دخول مدينة للموتى.» وفي فرنسا، دُمر خُمس مباني الدولة بشكل كليٍّ أو جزئي، وفي اليونان بلغت هذه النسبة الربع. وحتى بريطانيا العظمى التي لم تُحتل فقد عانت ضررًا بالغًا، تسبب فيه بالأساس القصف النازي، في الوقت الذي خسرت فيه ما يقدر بربع ثروتها القومية على امتداد الصراع. كانت خسائر الاتحاد السوفييتي هي الأكبر على الإطلاق؛ إذ لقي ما لا يقل عن ٢٥ مليون شخص حتفهم، فيما شُرد ٢٥ مليونًا آخرون، ودُمر ٦ ملايين مبنى، وسويت أغلب مصانع الدولة ومزارعها المنتجة بالأرض. وعلى امتداد أوروبا، تسببت الحرب في تشريد ٥٠ مليون شخص، أطلق على نحو ١٦ مليونًا منهم، على سبيل التخفيف، لقب «النازحين» من جانب الحلفاء المنتصرين.

كانت الظروف في آسيا بعد انتهاء الحرب على الدرجة عينها من القتامة. تعرضت المدن اليابانية كافة للدمار بفعل القصف الأمريكي المتواصل، ووصلت نسبة المناطق الحضرية المدمرة على نحو تام إلى ٤٠ بالمائة. تعرضت طوكيو، كبرى المدن اليابانية، لقصف عنيف من جانب قوات الحلفاء حتى إن أكثر من نصف مبانيها سُوي بالأرض تمامًا. أما هيروشيما وناجازاكي فقد لقيتا مصيرًا أبشع حين ألقي على المدينتين قنبلتان ذريتان أنهتا الحرب في المحيط الهادي ومحتا المدينتين من الوجود. شرد نحو ٩ ملايين ياباني قبل أن يعلن قادة البلاد الاستسلام. وفي الصين، التي امتدت عليها المعارك لأكثر من عقد، أصاب الخراب منطقة منشوريا الصناعية، وأغرقت مياه الفيضانات مزارع النهر الأصفر. وقُتل نحو أربعة ملايين إندونيسي كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة للصراع، وهلك مليون هندي بسبب المجاعة التي سببتها الحرب في عام ١٩٤٣، تبعهم مليونا شخص في الهند الصينية بعدها بعامين. ومع أن السواد الأعظم من جنوب شرق آسيا نجا من أهوال الحرب المباشرة التي حلت باليابان والصين وكثير من جزر المحيط الهادي، فإن مناطق أخرى، كالفلبين وبورما، لم تكن محظوظة بالمثل. فأثناء المراحل الأخيرة من الصراع دُمر ٨٠ بالمائة من مباني العاصمة مانيلا تمامًا أثناء القتال الهمجي. وتسببت معركة مماثلة في وحشيتها في بورما، حسب شهادة القائد الحربي با ماو «في تحويل جزء كبير من البلاد إلى أنقاض».
figure
خريطة ١: وسط أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.1

لم يتسبب النطاق العريض من الموت والدمار الذي خلفته الحرب في دمار الجزء الأكبر من أوروبا وآسيا وحسب، بل دمر النظام الدولي القديم بالمثل. يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي دين أتشيسون: «إن نظام وبنية العالم الذي ورثناه من القرن التاسع عشر ولَّيَا بالكامل إلى غير رجعة.» في الواقع، إن النظام الدولي المتمركز حول أوروبا الذي هيمن على العالم على مدار الخمسمائة عام الماضية اختفى تمامًا بين عشية وضحاها. وعوضًا عنه، ظهر للنور قوتان عسكريتان عاتيتان الواحدة منهما في حجم القارة — توصفان بالفعل بأنهما قوتان عظميان — وكلتاهما تعتزم إرساء نظام عالمي جديد يتفق مع احتياجاتها وقيمها. وبينما دخلت الحرب مرحلتها الأخيرة، صار جليًّا لأي مهتم بالسياسة العالمية ولو من بعيد أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يملكان أغلب الأوراق العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. بيد أن هذين الحليفين اللذين تحولا إلى غريمين اتفقا على هدف واحد؛ ضرورة استعادة مظهر السلطة والاستقرار بكل سرعة؛ ليس فقط بالمناطق التي تأثرت على نحو مباشر بالحرب، بل على مستوى النظام الدولي الأوسع أيضًا. كانت المهمة عاجلة بقدر ما هي ثقيلة، وكما حذر وكيل وزارة الخارجية الأمريكي جوزيف جرو في يونيو ١٩٤٥ فإن «الفوضى قد تنتج عن المحنة الاقتصادية والاضطراب السياسي السائدين حاليًّا».

تكمن الجذور المباشرة للحرب الباردة، على الأقل على المستوى البنيوي الواسع، في التقاطع بين العالم المنهك بفعل صراع عالمي مدمر، والرؤى المتعارضة للنظام الدولي التي سعت واشنطن وموسكو لفرضها على العالم الهش الذي مزقته الحرب. من الحتمي أن تنشأ درجة ما من الصراع كلما انقلب نظام دولي سائد، وما يصاحبه من توازن لنظم القوى، رأسًا على عقب. ومن الطبيعي أن نتوقع حدوث هذا حين تحدث عملية التغير العنيف هذه على ذلك النحو الصادم المفاجئ. ومن ثم، لم يكن التوتر والشك والتنافس الذي شاب العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بعد انتهاء الحرب بالأمر المفاجئ. ومع هذا فإن عوامل مثل «درجة» و«نطاق» الصراع الناتج، وخاصة «مدته»، لا يمكن تفسيرها من واقع القوى البنيوية وحدها. إن التاريخ، على أي حال، مليء بأمثلة لقوى عظمى اتبعت سبيل التفاهم والتعاون، واختارت العمل في تناغم بهدف إرساء نظام دولي مقبول من كل الأطراف قادر على الوفاء بأكثر الاهتمامات جوهرية لكل طرف. وقد استخدم الباحثون مصطلح «السيادة المشتركة للقوى العظمى» لوصف مثل هذه النظم. لكن بالرغم من آمال بعض المسئولين البارزين في كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، لم يكن بالإمكان تحقيق هذا تلك المرة. أسباب ذلك تعود إلى قلب مسألة أصول الحرب الباردة، لكن يمكن القول باختصار إن التباين الصارخ في الطموحات والاحتياجات والتاريخ والمؤسسات الحاكمة والأيديولوجيات ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هو ما حول مواقف التوتر الحتمي إلى تلك المواجهة التي استمرت أربعة عقود والتي نسميها بالحرب الباردة.

الرؤى الأمريكية لنظام ما بعد الحرب

خرجت الولايات من حطام الحرب العالمية الثانية بخسائر متواضعة نسبيًّا. فبالرغم من مقتل قرابة ٤٠٠ ألف من جنودها وبحارتها في الصراع ضد قوات المحور، ثلاثة أرباعهم تقريبًا في ميادين المعارك، فإنه يجب التأكيد على أن هذه الأرقام تمثل أقل من واحد بالمائة من إجمالي ضحايا الحرب، وأقل من اثنين بالمائة من الخسائر البشرية التي تكبدها حليفها؛ الاتحاد السوفييتي. وبالنسبة لأغلب المدنيين، وفي تناقض صارخ لنظرائهم عبر أوروبا وشرق آسيا وشمال أفريقيا وغيرها من المناطق، لم تمثل الحرب أي معاناة أو حرمان، بل مثلت رخاء يصل إلى حد الوفرة. تضاعف إجمالي الناتج المحلي بين عامي ١٩٤١ و١٩٤٥، ما وفر اقتصادًا عالي الإنتاجية، وقضاء تامًّا على البطالة للمواطنين الذين اعتادوا الحرمان الذي فرضه عقد الكساد المنقضي. ارتفعت الأجور الحقيقية بسرعة وعلى نحو مباغت خلال سنوات الحرب، ووجد الأمريكيون على الجبهة الداخلية أنفسهم وسط فيض من السلع الاستهلاكية التي باتوا قادرين الآن على شرائها. وقد علق مدير مكتب التعبئة الحربية وإعادة التحويل على هذا قائلًا: «الشعب الأمريكي واقع في معضلة طيبة تتمثل في ضرورة تعلمه كيف يعيش على مستوى معيشي أعلى بخمسين بالمائة مما اعتاد العيش عليه من قبل.»

في مارس ١٩٤٥، عبر الرئيس المنتخب حديثًا هاري إس ترومان عن الواقع الواضح وضوح الشمس حين قال: «لقد خرجنا من هذه الحرب ونحن أقوى أمة في العالم، بل ربما أقوى أمة على مر التاريخ.» لكن لم يكن باستطاعة المنافع الاقتصادية التي جناها الشعب الأمريكي من وراء الحرب أو القوة العسكرية العاتية أو القدرة الإنتاجية أو المكانة الدولية التي حظيت بها الدولة خلال صراعها ضد عدوان قوات المحور أن تقلل من الشكوك المفزعة المتعلقة بالعالم الجديد الذي أذنت الحرب بوجوده. لقد بدد الهجوم الياباني على بيرل هاربر تمامًا وهم التحصن الذي تمتع به الأمريكيون منذ نهاية الحروب النابليونية في بداية القرن التاسع عشر. ومن الممكن ربط هوس الأمن الداخلي، الذي صار الأساس الذي قامت عليه السياسة الخارجية والدفاعية على امتداد حقبة الحرب الباردة، على نحو مباشر بالأحداث التي بددت تلك الخرافة ووصلت إلى ذروتها بالهجوم الياباني في السابع من ديسمبر ١٩٤١. ولم يحدث أن عايش الشعب الأمريكي مثل هذا الهجوم المباشر غير المتوقع تمامًا على أراضيه إلا بعد ذلك بستين عامًا مع الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن.

استقى المحللون الاستراتيجيون عددًا من الدروس من الهجوم الياباني الجريء، كان لكل درس منها تبعاته المستقبلية؛ أولًا: صاروا مقتنعين بأن التكنولوجيا، خاصة القوة الجوية، قلصت الكرة الأرضية لدرجة لم يعد معها الساتر الأمريكي المتمثل في المحيطين قادرًا على توفير الحماية الكافية من الهجوم الخارجي. يتطلب الأمن الحقيقي الآن أن يبدأ الدفاع بعيدًا عن السواحل الأمريكية، أو يتطلب عمقًا دفاعيًّا، باللغة العسكرية. قاد هذا المفهوم مسئولي الدفاع في إدارتي روزفلت وترومان إلى المناداة بتأسيس شبكة عالمية متكاملة من القواعد الجوية والبحرية تحت السيطرة الأمريكية، إضافة إلى التفاوض على حق عبور قواتها العسكرية على نطاق واسع. سيمكن هذان الأمران الولايات المتحدة من نشر قواتها على نحو أكثر سهولة في مناطق الصراع المحتملة إضافة إلى منع أو ردع أي أعداء مستقبليين قبل أن يملكوا القوة الكافية لمهاجمة الأراضي الأمريكية. يمكن التعرف على مقدار اتساع المتطلبات الخاصة بالقواعد العسكرية الأمريكية من واقع قائمة المواقع «الضرورية» التي أعدتها وزارة الخارجية عام ١٩٤٦ التي شملت ضمن مواقع أخرى كلًّا من بورما وكندا وجزر فيجي ونيوزيلندا وكوبا وجرينلاند والإكوادور والحماية الفرنسية بالمغرب والسنغال وأيسلندا وليبيريا وبنما وبيرو وجزر الأزور.

ثانيًا، والأوسع نطاقًا: قرر كبار المحليين الاستراتيجيين الأمريكيين أن القوة العسكرية للدولة يجب ألا يُسمح لها بالضمور. وقد اتفقوا على أن القوة العسكرية الأمريكية يجب أن تشكل عنصرًا جوهريًّا للنظام العالمي الجديد. ومن ثم، أصرت إدارتا فرانكلين دي روزفلت وهاري إس ترومان على الحفاظ على القوات الجوية والبحرية في أفضل حالة ممكنة؛ فتحقق لها حضور عسكري قوي في المحيط الهادي، وهيمنة على نصف الكرة الغربي، ولعبت دورًا محوريًّا في احتلال دول الأعداء المنهزمة كإيطاليا وألمانيا والنمسا واليابان، وواصلت احتكارها للقنبلة الذرية. وحتى قبل بداية الحرب الباردة كان المخططون العسكريون الأمريكيون يعملون انطلاقًا من تصور ممتد للأمن القومي.

عزز تلك النظرة الواسعة لمتطلبات الأمن القومي درس ثالث عظيم استقاه واضعو السياسات الأمريكية من خبرة الحرب العالمية الثانية: وتحديدًا، أنه لن يُسمح ثانية لأي دولة معادية، أو تحالف من الدول، أن تملك السيطرة الغالبة على شعوب وأراضي وموارد أوروبا وشرق آسيا. تعد المنطقة المركزية لأوراسيا، كما يحلو للجيوسياسيين (خبراء الجغرافيا السياسية) تسميتها، أعظم مغانم العالم الاستراتيجية والاقتصادية؛ إذ جعلت توليفة الموارد الطبيعية الغنية والبنية التحتية الصناعية المتقدمة والعمالة الماهرة والمنشآت العسكرية المتقدمة منها نقطة ارتكاز القوة العالمية، وهو ما أوضحته على نحو مؤلم أحداث عامي ١٩٤٠ و١٩٤١. فحين سيطرت قوات المحور على أغلب أوراسيا في أوائل الأربعينيات، حازت الوسائل التي تمكنها من شن حرب طويلة الأمد وقلقلة اقتصاد العالم وارتكاب جرائم شنيعة ضد الإنسانية، إضافة إلى تهديد، وفي النهاية مهاجمة، العالم الغربي. خشي مسئولو الدفاع الأمريكان من أنه في حالة تكرار هذا الاحتمال ثانية، سيعاني النظام الدولي اضطرابًا عنيفًا، وسيختل ميزان القوى العالمي على نحو خطير، وستكون سلامة الولايات المتحدة في خطر شديد. علاوة على ذلك، حتى لو أمكن تجنب شن هجوم مباشر على الولايات المتحدة، فسيظل الزعماء الأمريكان مجبرين على الاستعداد لمثل هذا الهجوم؛ هذا سيعني زيادة حادة في كل من الإنفاق العسكري وحجم المؤسسة الدفاعية الدائمة، وأيضًا إعادة ترتيب الاقتصاد المحلي وتقليص الحريات السياسية والاقتصادية الأثيرة داخل البلاد. باختصار، من شأن سيطرة دول المحور، أو أي عدو مستقبلي، على أوراسيا أن يعرض اقتصاد الحرية السياسي للخطر، ذلك الاقتصاد الذي تقوم عليه القيم والمعتقدات الأمريكية الجوهرية. وبهذا قدمت الحرب العالمية الثانية دروسًا صعبة حول أهمية الحفاظ على توازن إيجابي للقوى في أوراسيا.

وفق التفكير الأمريكي، كانت الأبعاد العسكرية الاستراتيجية للنظام العالمي مرتبطة على نحو وثيق بالأبعاد الاقتصادية. نظر المخططون الأمريكيون إلى إرساء نظام اقتصادي دولي أكثر حرية وانفتاحًا كأمر لا غنى عنه للنظام الجديد الذي عقدوا العزم على بنائه على أنقاض أكثر صراعات التاريخ ترويعًا. وكما يذكر وزير الخارجية كوردل هَل فإن الخبرة علمتهم أن التجارة الحرة تعد شرطًا أساسيًّا للسلام، وأن الأمور التي ميزت عقد الكساد كالاكتفاء الذاتي والاتفاقات التجارية المغلقة والحواجز الوطنية أمام الاستثمار الأجنبي وتقلب سعر صرف العملة كانت تشجع على التناحر والصراع بين الدول. أما في العالم المفتوح، وفق الوصفة الأمريكية، فسيكون أكثر ازدهارًا، والعالم الأكثر ازدهارًا سيكون بالتبعية أكثر استقرارًا وسلامًا. ولتحقيق هذه الغايات، ضغطت الولايات المتحدة بشدة في المجالس الدبلوماسية خلال سنوات الحرب من أجل إقامة نظام اقتصادي متعدد الجوانب للتجارة الحرة وفرص الاستثمار المتساوية لكل الدول وأسعار صرف مستقرة وإمكانية التحويل التامة للعملة. وفي مؤتمر بريتون وودز الذي انعقد في أواخر عام ١٩٤٤، حظيت الولايات المتحدة بإجماع عام على هذه المبادئ، إضافة إلى الدعم لإنشاء هيئتين دوليتين محوريتين هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية (البنك الدولي)، المعنيان بالمساعدة في حفظ استقرار الاقتصاد العالمي. كانت استفادة الولايات المتحدة، أكبر دولة رأسمالية بالعالم والدولة التي كانت بنهاية الحرب تنتج نسبة مذهلة قدرها ٥٠ بالمائة من منتجات العالم وخدماته، من النظام التجاري الجديد متعدد الأطراف الذي تبنته بقوة إدارتا الرئيسين روزفلت وترومان ومجتمع الأعمال الأمريكي استفادة مؤكدة. كانت المُثل الأمريكية ممتزجة بالمصالح الأمريكية في نسيج واحد لا ينفصم.

في ديسمبر ١٩٤٤، أظهرت المقالة الافتتاحية لجريدة شيكاجو تريبيون تفاؤل المجتمع الأمريكي وثقته بنفسه حين أعلنت في فخر أنه «من حسن طالع العالم»، وليس الولايات المتحدة وحدها، أن «القوة والنوايا الحسنة التي لا يرقى إليها شك تلاقت» الآن في الجمهورية الأمريكية العظيمة. مثل هذه القناعات عن المصير الصحيح للولايات المتحدة تضرب بجذورها العميقة في التاريخ الأمريكي والثقافة الأمريكية. فقد قبل الصفوة ومن دونهم بفكرة أن من مسئولية دولتهم التاريخية تشكيل عالم جديد أكثر سلامًا وازدهارًا واستقرارًا. لم يظهر زعماء الولايات المتحدة أي شكوك حول قدرة أمتهم على تحقيق مثل هذا التحول الخطير، ولم يتقبلوا احتمال وقوع أي صراع بين النظام العالمي الذي سعوا لتشكيله ومصالح واحتياجات بقية البشرية. وبفخر شعب لم يعرف الفشل إلا فيما ندر، رأى الأمريكيون أنهم قادرون، وفق تعبير دين أتشيسون، على «السيطرة على التاريخ وتطويعه». عقبة وحيدة لاحت على هذا الطريق؛ إذ حذرت مجلة لايف في عدد يوليو لعام ١٩٤٥ من أن الاتحاد السوفييتي «هو المشكلة رقم واحد التي يواجهها الأمريكان؛ لأنه الدولة الوحيدة في العالم التي تملك القدرة الفعالة على تحدي مفاهيمنا عن الحقيقة والعدالة والحياة الطيبة».

الرؤى السوفييتية لنظام ما بعد الحرب

جاء برنامج العمل السوفييتي لنظام ما بعد الحرب وليد مخاوف أمنية متأصلة. وكما هو الحال في حالة الولايات المتحدة، كان لهذه المخاوف أسس تاريخية وثقافية وأيديولوجية. كانت ذكرى هجوم هتلر على الأراضي السوفييتية في يونيو ١٩٤١ لا تزال ماثلة في الأذهان، بل كان لها وقع أبشع من ذكريات الأمريكيين عن هجوم بيرل هاربر. كان هذا أمرًا طبيعيًّا في بلد عانى مثل هذه الخسائر الرهيبة. احتل الألمان تسعًا من الجمهوريات الخمس عشرة التي تؤلف الاتحاد السوفييتي سواء بشكل كلي أو جزئي. ندر وجود مواطن سوفييتي لم تمسه الحرب على نحو شخصي، تلك الحرب التي أطلق عليها «الحرب القومية العظمى». فقدت كل أسرة تقريبًا أحد أفرادها، وكثير من الأسر فقد أكثر من فرد. وبالإضافة إلى ملايين الأرواح التي أزهقت بفعل الصراع، دُمرت ١٧٠٠ مدينة وبلدة وأكثر من ٧٠ ألف قرية وضيعة، و٣١ ألف مصنع. دُمر السواد الأعظم من مدينة لينينجراد، أكبر مدن البلاد التاريخية، بفعل حصار متواصل تسبب وحده في هلاك أكثر من مليون شخص. وأشاع الهجوم الألماني الخراب في قاعدة الدولة الزراعية؛ إذ دمر ملايين الأفدنة من المحاصيل وسبب نفوق عشرات الملايين من الأبقار والخنازير والغنم والمعز والخيول.

امتزجت الذكريات القاسية للهجوم والاحتلال الألماني مع ذكريات أخرى أقدم — عن الغزو الألماني إبان الحرب العالمية الأولى وتدخل قوات التحالف خلال الحرب الأهلية الروسية ومحاولات نابليون لغزو روسيا في مطلع القرن السابق — لتغرس في القيادة السوفييتية هوسًا بضمان حماية وطنهم من أي انتهاكات مستقبلية. لقد تسبب الاتساع الجغرافي الهائل للاتحاد السوفييتي، تلك الدولة التي تغطي سدس مساحة اليابسة بالكرة الأرضية وتعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة الولايات المتحدة، في جعل مهمة الدفاع القومي الملائم شديدة الصعوبة. إن المنطقتين الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية؛ روسيا الأوروبية وسيبيريا، تقعان في أقصى طرفي الدولة، وكلتاهما أظهرتا في الماضي القريب ضعفًا بالغًا أمام أي هجوم. تقع الأولى قبالة الممر البولندي الشهير، وهو طريق الغزو الذي تدفقت منه قوات نابليون والقيصر وهتلر بكل سهولة في الماضي. أما سيبيريا فقد وقعت مرتين خلال الخمسة والعشرين عامًا الماضية ضحية للعدوان الياباني. علاوة على ذلك، لسيبيريا حدود برية طويلة مع الصين؛ تلك الجارة غير المستقرة التي لا تزال تموج بالثورة. لا وجود لدول مجاورة صديقة، مثل المكسيك وكندا، ولا وجود لمحيطين يحيطان بالدولة بحيث يسهلان مهمة مخططي الدفاع السوفييت.

إن الحاجة القاهرة للدفاع عن الأراضي السوفييتية تمثل أساس جميع الخطط السوفييتية لعالم ما بعد الحرب. وفي هذا الصدد كان اعتراض طريق الغزو البولندي، أو «البوابة»، يأتي في المرتبة الأولى. وكما قال ستالين فإن بولندا كانت «مسألة حياة أو موت» لبلاده. وكما قال الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين للمبعوث الأمريكي هاري هوبكينز في مايو ١٩٤٥ فإنه «في غضون خمسة وعشرين عامًا غزا الألمان روسيا مرتين عن طريق بولندا. لم يمر الشعب البريطاني ولا الأمريكي بمثل هذه الغزوات الألمانية، وهي شيء شنيع يصعب للغاية تحمله … ولهذا من مصلحة روسيا الأساسية أن تكون بولندا بلدًا قويًّا وصديقًا لنا». ولأن ستالين كان مقتنعًا بأن ألمانيا ستتعافى سريعًا وتمثل من جديد خطرًا على الاتحاد السوفييتي، فقد رأى أنه من الحتمي أخذ خطوات والعالم لا يزال سهل التشكيل لضمان الوفاء بالاحتياجات السوفييتية المستقبلية. تضمنت هذه الخطوات، على الأقل، تولي حكومات مذعنة ومؤيدة للاتحاد السوفييتي الحكم في بولندا وغيرها من دول شرق أوروبا المحورية، ومد الحدود السوفييتية إلى أقصى مدى لها قبل الثورة، وهو ما يعني ضم دول بحر البلطيق والجزء الشرقي من بولندا ما قبل الحرب، وأن يكبح جماح ألمانيا من خلال إخضاعها لنظام احتلال قاسٍ وتقويض التصنيع على نحو منهجي وإلزامها بتقديم تعويضات شاملة. يمكن للتعويضات الألمانية أيضًا أن تسهم في جهود إعادة البناء الضخمة التي تواجه الاتحاد السوفييتي الذي يسعى للتعافي من آثار الحرب المدمرة.

إلا أن تلك الخطط، المبنية على صيغة «الأمن من خلال التوسع» القديمة كان بحاجة للموازنة ضد رغبة مكافئة للحفاظ على إطار عمل التعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى الذي تطور خلال سنوات الحرب، حتى لو لم يكن ذلك التعاون مثاليًّا. إن مصلحة الكرملين في الإبقاء على مشاركته في «التحالف العظيم» الذي تشكل في خضم تلك الحرب الشاملة لم ترتكن إلى العاطفة، التي لم يكن لها مكان في الدبلوماسية السوفييتية، بل على مجموعة من الاعتبارات العملية؛ أولًا: أدرك الزعماء السوفييت أنه ينبغي تجنب حدوث انفصال تام عن الغرب، على الأقل في المستقبل المنظور. ففي ظل الخسائر الرهيبة في الطاقة البشرية والموارد والقدرة الصناعية للبلاد بسبب الحرب، من شأن أي صراع مبكر عن أوانه مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن يضع الاتحاد السوفييتي في موقف ضعف شديد، خاصة بعد أن أظهرت الولايات المتحدة قدراتها الذرية في أغسطس ١٩٤٥. ثانيًا: كان ستالين وكبار قادته العسكريين يأملون أن تفي الولايات المتحدة بوعدها بتقديم المال السخي لدعم جهود إعادة الإعمار. ومن المرجح أن تأتي سياسة التوسع الجامح بأثر عكسي؛ لأنها قد تتسبب في التعجيل بإنهاء التحالف الذي قام خلال سنوات الحرب ومن ثم الإمساك عن تقديم المساعدات الاقتصادية الذي يسعى الاتحاد السوفييتي للحيلولة دونه.

وأخيرًا: كان الاتحاد السوفييتي يسعى لأن يُنظر إليه كقوة محترمة مسئولة بعد أن ظل منبوذًا لفترة طويلة. ومن قبيل المفارقة أن السوفييت كانوا يسعون للحصول على احترام الدول الرأسمالية عينها التي علمتهم قناعاتهم الأيديولوجية أن يحتقروها. لم يكن الروس، بالطبع، يريدون الاحترام وحسب، بل أصروا على أن يكون لهم صوت مساوٍ في المجالس الدولية وأن يحظوا بقبول لمشروعية مصالحهم. والأهم من ذلك أنهم سعوا للحصول على اعتراف غربي رسمي بحدودهم المتوسعة إلى جانب القبول، أو على الأقل الإذعان، لمجال نفوذهم البازغ في أوروبا الشرقية. كل تلك الاعتبارات عملت على كبح أي ميول متهورة لابتلاع أي أراضٍ تسمح القوة العاتية للجيش الأحمر بابتلاعها.

إن تولي أحد أكثر حكام التاريخ قسوة وشراسة وتشككًا مسئولية تلك السياسة المتوازنة للاتحاد السوفييتي في ذلك المنعطف الحرج يضفي عنصرًا شخصيًّا حتميًّا على قصة طموحات موسكو لما بعد الحرب. لقد هيمن ستالين المستبد على القرار السياسي السوفييتي قبل الحرب وخلالها وبعدها، ولم يسمح بأقل قدر من المعارضة. وعنه يقول نيكيتا خروشوف، خليفة ستالين: «كان يتحدث وكنا نستمع.» ويرى المؤرخ جون لويس جاديس أن الثائر البلشفي السابق «غير وجه الحكومة التي أدارها، بل حتى البلد الذي حكمه، خلال الثلاثينيات إلى امتداد هائل لشخصيته المتشككة بطبيعتها.» لقد كان «عملًا أنانيًّا محضًا تسبب في مآسٍ لا حصر لها». وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، نظر ستالين إلى حلفائه الغربيين، مثلما نظر إلى جميع المنافسين المحتملين بالداخل والخارج، بأعمق نظرات التشكك وعدم الثقة.

جوزيف ستالين

حكم ستالين الجورجي المولد، ذو الأصل المتواضع والمفتقر إلى الشخصية الكاريزمية والموهبة البلاغية، بلده بقبضة حديدية منذ أواسط العشرينيات حتى وفاته في عام ١٩٥٣. أحكم الديكتاتور السوفييتي قبضته على مقاليد السلطة في ثلاثينيات القرن العشرين، وكان الثمن الذي دفعه أبناء بلده في سبيل ذلك فادحًا؛ إذ لقي قرابة العشرين مليون مواطن سوفييتي حتفهم كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لسياسة ستالين التعاونية التي فرضها على الزراعة السوفييتية والقمع الممنهج.

ومع هذا لا يسعنا النظر إلى السياسة الخارجية الروسية بوصفها نتاجًا بسيطًا صريحًا لقسوة ستالين وتعطشه الذي لا يهدأ إلى السيطرة، مع ما تحمله هذه العوامل من أهمية مؤكدة. فبالرغم من كل قسوته وارتيابه، وبالرغم من تعامله الوحشي مع أبناء بلده، اتبع ستالين سياسة خارجية حريصة حذرة، وكان دومًا يسعى لموازنة الفرص بالمخاطر. وكثيرًا ما حسب الديكتاتور الروسي بحرص شديد «ميزان القوى» السائد. وقد أظهر بوضوح احترامه كشخص واقعي للقدرة الصناعية والعسكرية المتفوقة التي تملكها الولايات المتحدة وكثيرًا ما قبل بالحلول الوسط إذا بدا له أن التمسك بمطالبه قد يولد مقاومة. إن احتياجات الدولة السوفييتية، التي دائمًا ما كان يوليها ستالين الأولوية على رغبته في نشر الشيوعية، أملت عليه أن يتبع استراتيجية تخلط بين الانتهازية والحذر والنزعة للوصول إلى حلول وسط، لا استراتيجية توسع عدواني.

أثرت الأيديولوجية الماركسية اللينينية التي قامت عليها الدولة السوفييتية على تطلعات وسياسات ستالين وكبار رفاقه، وإن كان على نحو معقد يصعب تحديده. فالإيمان المترسخ بتعاليم ماركس ولينين بثت فيهم إيمانًا عقائديًّا بالمستقبل؛ إحساسًا مطمئنًا بالثقة في أنه بصرف النظر عن أي آلام قد تواجهها موسكو على المدى القصير، فإن التاريخ سيقف إلى جوارهم. رأى ستالين وصفوة الكرملين أن الصراع بين العالم الاشتراكي والعالم الرأسمالي حتمي، وكانوا واثقين من أن قوى ثورة الطبقة العاملة ستنتصر في النهاية. وبناءً عليه لم يكونوا مستعدين للضغط أكثر مما ينبغي حين يكون ميزان القوى في مصلحة الغرب. وعن هذا يقول وزير الخارجية في إم مولوتوف: «تؤيد أيديولوجيتنا العمليات الهجومية حين يكون ذلك ممكنًا. أما حين لا يكون ذلك ممكنًا، فإننا ننتظر.» لكن إذا ولد اليقين الأيديولوجي الصبر الحذِر في بعض الأحيان، ففي أحيان أخرى كان يشوه الواقع. على سبيل المثال، فشل الزعماء الروس في تفهم السبب وراء نظر مواطني ألمانيا الشرقية وأوروبا الشرقية إلى قوات الجيش الأحمر على أنها قوات احتلال لا تحرير، وظلوا على اعتقادهم بحتمية وقوع حرب بين الدول الرأسمالية المتنافسة وأن النظام الرأسمالي سيمر بحالة كساد عالمي أخرى قريبًا.

بثت الأيديولوجيات في السوفييت والأمريكيين إيمانًا راسخًا بالأدوار العالمية التاريخية التي تلعبها كل من دولتيهم. وعلى كل جانب مما سيعرف سريعًا بمعسكري الحرب الباردة، رأى الزعماء والمواطنون العاديون أن بلادهم تسعى لتحقيق أغراض أكبر بكثير من مجرد تعزيز مصالحها القومية. وفي الواقع، رأى السوفييت والأمريكان على حدٍّ سواء أنهم يتصرفون انطلاقًا من دوافع نبيلة هي؛ إرشاد البشرية نحو عصر جديد من السلام والعدالة والنظام. وإضافة إلى القوة الساحقة التي امتلكتها كل دولة من الدولتين في وقت كانت أغلب دول العالم الأخرى خائرة القوى، وفرت هذه القيم الأيديولوجية المتعارضة تعارضًا تامًّا وصفة مؤكدة للصراع.

هوامش

(1) From Robert Schulzinger, American Diplomacy in the Twentieth Century (Oxford University Press, 1994).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤