الكائن الخرافي الصيَّاد!

لم يكُن قائد الطائرة أفضل حالًا من علماء المقر … فقد جحظت عيناه … وشُلَّ تفكيره … حتى رأى كرة الماء تُهاجم الطائرة … فعندما يعجز العقل عن تفسير ما يراه … يتوقَّف عن التفكير … ولم يشعر إلا والطائرة تَهوِي بسرعة كبيرة نحو الأرض … في منطقة مزدحمة بالسكان … والناس تجري هنا وهناك فزِعين … ولولا استعادته السيطرة عليها لتسبَّبَت في كارثة مروعة.

وعندما استقرَّت الطائرة في السماء … وهدأت أعصابه … دار بها في حلقات واسعة … تزداد اتساعًا في كل دورة … بحثًا عن كرات الماء … إلا أن محاولاته باءت بالفشل … فقام بالاتصال بإدارة المنظمة … التي أبلغته بأنَّهم يتابعون حركتها عن طريق القمر الصناعي … فقد تكشَّفَت لهم … أنَّ طاقتها الداخلية لها مجال يُحيط بها، ممَّا جعل تتبُّعها أمرًا ممكنًا.

وفي منتصف الليل تمامًا … وعند تعرُّضها لضوء القمر … تحوَّلَت هذه الكرة إلى رزاز متناثر وتلاشى هذا الرزاز مُخلِّفًا وراءه الدهشة والحيرة في عقول كل علماء المنظَّمة … وصدرَ الأمر لقائد الطائرة بالعودة، ولعلماء المنظَّمة بالبحث عن ماهية هذه الكرة؟ وفي كيفية دخولها المقر؟ … وأين تم تصويرها؟ ومتى؟

وفي اليوم التالي، ومن داخل الفقاعة الزجاجية … بقاعات الاجتماعات … خرجت كرة ماء أخرى … وارتفعت في فضاء الغرفة … فالْتَقطتها إحدى كاميرات المراقبة، وتابعها أحد ضباط الأمن عَبْر شاشته الخاصة في ذهول … وما كاد يفيق لنفسه حتى جرى إلى القاعة يستطلع الأمر. وما إنْ شعرَتْ به الكرة، حتى هبطت تُشاغله … فجرى خلفها محاولًا الإمساك بها فراوغَته يمينًا ويسارًا … وشعرَ أنَّه على وشك الفوز بها … وحلِّ اللغز الذي حيَّر المنظمة كلها … فطاردها في كل ركنٍ ذهبَت إليه … إلا أنَّ الوقت طال … دون أن يتمكَّن منها … ونال الإرهاق منه … وبطأت حركته … والكرة تدور حول رأسه … وشعر أنَّه مُنوَّم مغناطيسيًّا … عندما حملقت عيناه في ألوانها … ولم يتمكَّن من مدِّ يديه أو قبضته للقبض عليها!

وسار خلفها مسلوب الإرادة … إلى أن عادت إلى الفقاعة الزجاجية مرة أخرى … فوقف مذهولًا … يرقب الهرم القابع بداخلها وهو يتحوَّل إلى كوكب … يعكس أشعة لا يعرف مصدرها … وشعر بها تتسلَّل داخله … ودون أن يدري غادر القاعة إلى جراج المقر … فاستقل سيارة جيب وانطلق بها مُحطِّمًا باب الخروج ممَّا أثار دهشة ضباط الأمن.

•••

وعلى أسفلت طريق «الإسكندرية» الصحراوي … كانت تجري سيارتان جيب … كلاهما للمنظَّمة … وكان قائد إحداهما، يراقب قائد الأخرى.

وفي اتصال بقيادة المنظَّمة، أخبر الضابط رؤساءه … بأنَّه أثناء فترة خدمته … لمح الضابط «حسام» يترك موقعه في عجالة متوجِّهًا إلى قاعة الاجتماعات.

وبعد فترة من مكوثه بها … خرج مندفعًا بالعربة في اتجاه الإسكندرية على الطريق الصحراوي … وأنَّه خرج في إثره … ولم يتركه يغيب عن عينه … وختم اتصاله بقوله: معكم ضابط «أشرف» … انتهى.

ردَّت عليه قيادة المنظَّمة بأن يتابع مراقبته … ويواصل الاتصال بالمقر … وعَبْر شبكة اتصالات المنظَّمة … عُقد اجتماع طارئ … بناءً على طلب قيادة أمن المقر … فقد جاء قائد الأمن شعورًا بأنَّهم اقتربوا من الشياطين اﻟ «١٣»، وطلب منه رقم «صفر» شَرْح تَصوُّرِه وطَرْح مُعطياته، فقال: بالأمس فاجأتنا كرة الماء العجيبة بما فعلَته … ومن المؤكَّد أنَّه لم يكُن وهمًا … لأنَّ معظم العاملين بالمقر تابعوها معنا.

واليوم … خرج أحد ضباطنا الأكفاء من غرفة المراقبة … إلى قاعة الاجتماعات جريًا … ومكث بها بعض الوقت … والذي حدَّده زميله بأربعة دقائق … ثم خرج يجري إلى جراج المقر … فاستقل سيارة جيب … وانطلق بها في اتجاه الإسكندرية.

رقم «صفر»: على الطريق الصحراوي؟

القائد: نعم.

رقم «صفر»: ومَن ذلك الضابط؟

القائد: اسمه «حسام».

رقم «صفر»: أعرفه، إنَّه ضابط ممتاز.

القائد: كل تقاريره تقول ذلك.

رقم «صفر»: أتكون كرة الماء قد أثَّرت على اتزانه العقلي؟!

القائد: لا أعتقد.

رقم «صفر»: وماذا ترى؟ وما في هذه الأحداث يُقرِّبك من الشياطين؟

القائد: بما أنَّنا حتى الآن لم نجد تفسيرًا معقولًا لهذه الكرة … وبناءً على هذا التصرُّف الذي قام به واحد من أكفأ ضباطنا … وهو تصرُّف غير مسئول، حيث ترك موقع خدمته وانطلق خارج المقر … بإحدى سيارات المقر، وهذا يعني أنَّه لم يكُن في وعيه.

رقم «صفر»: تقصد أنَّه كان مُنوَّمًا؟

القائد: أعتقد أنَّه كان مُسيَّرًا ومُوجَّهًا.

رقم «صفر»: وتقصد أنَّ الشياطين تعرَّضوا لنفس التأثير؟

القائد: نعم بتأثير من ذلك المخلوق المائي العجيب.

رقم «صفر»: هل هذا يعني أنَّهم لم يخرجوا من مصر؟!

القائد: لا أستطيع أن أجزم بهذا الأمر، ولكن وإن خرجوا فعبر أجهزة غاية في التقدُّم.

رقم «صفر»: كطبق طائر مثلًا؟

القائد: فلتسمح لي يا سيدي بأن ألجأ لهذه التصورات بعد ما رأيناه من كرة الماء.

رقم «صفر»: لا عليك أيُّها القائد … فكلنا في حيرة … ولا نستطيع تفسير ما رأيناه … تفسيرًا معقولًا … ولكن أخبرني، هل قمت بفحص قاعة الاجتماعات؟

القائد: هناك خبراء يقومون الآن بفحصها … وستعرف النتيجة بعد أن ينتهوا.

رقم «صفر»: أرجوا ألا يستغرقوا وقتًا طويلًا.

القائد: سأعرف حالًا.

وقام القائد بالاتصال بخبراء المنظمة، الذين أكدوا أنَّهم لم يعثروا على أدلة تفيد وجود شيء غير عادي … وكان رقم «صفر» يسمع ما يقولونه … فشكرهم … وأنهى الاجتماع لرغبته في فحص القاعة بنفسه … فطريقة العمل المعتادة … لا تصلح في مثل هذه الأوقات … ومع أحداث غريبة كهذه.

وبناءً على أوامره … أُخليت القاعة تمامًا من كلِّ ما فيها … وتم استبعاد ضباط الأمن … وإيقاف عمل كاميرات المراقبة الخاصة بالقاعة وبالممرات المؤدِّية لها … واستعدوا لحضور رقم «صفر»، وفريق الحراسة الخاصة به … والذي انتشر بين طرقات الطابق الأول للمقر بمجرَّد حضوره … ليس لشكهم في سوء الإدارة الأمنية … ولكن لتجنُّب رؤية أحد العاملين للزعيم.

وبمجرَّد دخوله القاعة … جال فيها ببصره … حتى رأى النافورة القابعة داخل الفقاعة فخطى نحوها خطوات بطيئة متأنية … وعيناه تفحصانها بتأمُّل … فهي الآلة الوحيدة بالغرفة … المثيرة للخيال.

وقد شده كثيرًا رزاز الماء المتكاثف على شكل الفقاعة … فتبدو من خلاله أنوار النافورة الداخلية وكأنَّها لمدينة أوروبية في ليلة ممطرة … وشعر أنَّه يقف بالفعل بين طرقات هذه المدينة، ورفع يده ليمسح عن جبهته قطرات الماء المتساقطة عليها فلم يجد شيئًا … فانتبه لنفسه … وأخذ يدور حول المائدة … بين المقاعد يفحص النافورة بعناية … وهو يغمغم قائلًا: إنَّها خطيرة … وأشك أنَّها ليست نافورة فقط … فقد كدت أن أُنوَّم مغناطيسيًّا … لا شك أنَّ هذه النافورة بها طاقة هائلة … ومجالها المغناطيسي غير عادي … فمَن الذي أتى بها إلى هنا؟ إنَّ إجابة هذا السؤال ستقودنا إلى نتائج كثيرة ومثيرة.

ويبدو أنَّ الطاقة المغناطيسية القابعة في النافورة … لم يرضها أن يتخلَّص رقم «صفر» سريعًا من تأثيرها وألَّا تنجح في تنويمه والسيطرة عليه، فدفعت إلى الغرفة بكرة ماء … لم يلاحظها رقم «صفر» في أول الأمر … إلَّا أنَّه عندما رآها … نثرت في فضاء الغرفة رزازًا … لم يستطع تتبعه … ومن خلفه تجمَّع هذا الرزاز مرَّة أخرى … مكونًا كرة … دارت حول رأسه دورات سريعة … شلَّت قدرته على الحركة والتركيز … فصرخ مناديًا حُراسه الذين دفعوا باب القاعة بعنفٍ … فلم يروا إلا رقم «صفر» واقفًا ينظر أمامه وهو يترنَّح … فأسنده بعضهم … وانتشر الباقون يبحثون بين المقاعد وتحت المائدة … فصاح فيهم قائلًا: لا شيء عندكم … لا شيء … عمَّا تبحثون؟!

فسأله أحدهم قائلًا: سيدي … ألم تستغث بنا؟

رقم «صفر»: نعم … فقد أصابني دوار … وشعرت بالإعياء، وخفتُ أن أسقط مغشيًّا عليَّ … هيا بنا … فلننصرف.

بعد أن خلا المكان تمامًا … من فريق الأمن الخاص برقم «صفر» عادت الكاميرات للعمل … وانتشر أفراد الحراسة بين الطرقات … وشرع مهندسو المنظمة في تركيب المزيد من الكاميرات في قاعة الاجتماعات … وأضافوا لها عدادات لقياس الأشعة وكاميرات تصوير بالأشعة تحت الحمراء … والكثير من الأجهزة العلمية الفائقة التقدم، بناءً على توصيات رقم «صفر» … الذي شعر هو الآخر بأنَّ الطريق إلى الشياطين … يبدأ من هذه النافورة.

ولم يصرح بما يدور في ذهنه لأحد … ذلك أنَّه لم يكوِّن صورة واضحة بعدُ … لما يمكن مواجهته.

وتساءل بينه وبين نفسه: هل هو عدو عاديٌّ ذو إمكانات علمية وتكنولوجية هائلة؟! أم إنه كائن غير عاديٍّ يمتلك قوًى وخواص غير عادية … ومواجهته ستحتاج لأسلوب غير عادي.

وإذا كان هذا الكائن من خارج كوكب الأرض، فهل سنحتاج إلى مواجهة؟

في هذه الأثناء كان الضابط «أشرف» يقطع طريق «مرسى مطروح» خلف زميله «حسام» ولم يفكر أن يقترب منه أو أن يحتك به، فهذه كانت الأوامر، وبعد أن خرجا من «مرسى مطروح»، وفي طريقهم إلى المقر السري … لفت نظره عن بُعد … وبين مجموعة من التلال … مبنى حديث على شكل هرم … وقد تُركت الأرض المحيطة به كما هي بلا تمهيد … وعندما عاد لمراقبة «حسام» لم يجد له أثرًا فاضطربت أعصابه … وسحب عصا تغيير السرعة للسرعة الخامسة … وضغط بدال السرعة بعنفٍ … فقفزت السيارة تلتهم الطريق بحثًا عن «حسام» وبينه وبين نفسه يغمغم قائلًا: كفانا مفقودين يا «حسام»!

وترك الطريق، وزمجر محرك السيارة … وعجلاتها تتسلَّق المرتفعات المجاورة، وتعرَّضَت أكثر من مرَّة للسقوط … إلا أنَّ ذلك لم يُثنِه عن البحث عن «حسام»، وارتفع صوته وهو يقول: يا «حسام» … إنَّك مهمتي التي لم أفشل فيها … فأنت طريقنا للشياطين.

وهنا سمع صوت من تابلوه السيارة … رقم «صفر» يقول: «أشرف» … رقم «صفر» معك.

أشرف: تمام سيد «صفر».

رقم «صفر»: هل ضاع منك «حسام»؟

أشرف: نعم يا سيدي!

رقم «صفر»: منذ متى؟

أشرف: منذ عشر دقائق فقط!

رقم «صفر»: إذَن لم يَضِع.

أشرف: أتمنَّى ذلك يا سيدي.

رقم «صفر»: وأين أنت الآن؟

أشرف: في أوَّل الصحراء الغربية.

رقم «صفر»: في طريق المقر الكبير؟

أشرف: نعم.

رقم «صفر»: الأمر خطير.

أشرف: سيدي … أرى مبنًى هرميَّ الشكل حديثًا على بُعد نصف كيلومتر منِّي تقريبًا.

رقم «صفر»: قد يكون استراحة.

أشرف: لا أظن … فهو مُحاط بتلالٍ … ولا يوجد طريق مُمهَّد للوصول إليه.

رقم «صفر»: ولا أرض مستوية، تصلح كمهبط لطائرة هليكوبتر؟

أشرف: لا يا سيدي … لا يوجد مهبط طائرات.

رقم «صفر»: «أشرف» … أتذكُرُ المدخل القديم للمقر السري الكبير؟

أشرف: تقصد نفقًا … ذا باب صخري … نهايته قد تكون داخل هذا الهرم.

رقم «صفر»: هذا ما أقصده.

أشرف: إذن ﻓ «حسام» يمكن أن يكون …

رقم «صفر»: قد دخل النَّفَق وفي طريقه للهرم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤