سر القاعدة الهرم!

صدرت الأوامر لكل أجهزة الاستشعار عن بُعد، وكل أجهزة التصنُّت، وكل كاميرات التصوير … وكل أجهزة الرادار المزوَّد بها القمر الصناعي الخاص بالمنظمة لكشف غموض ذلك الهرم، ومعرفة ما يدور بداخله.

وتحرَّكَت سيارات الوسائل المساعدة من المقر السري الكبير، والقريب من موقع الهرم، في طريقها إليه بناءً على أوامر رقم «صفر» … الذي قرَّر الانتقال إلى المقر الكبير ليكون قريبًا من موقع الأحداث … فهو يشعر أن الشياطين داخل هذا الهرم.

وعندما مرَّت طائرته على المنطقة الموجود بها … طلب رقم «صفر» من قائدها التحليق فوقه، إلا أنَّها — وبمجرد دخولها المجال المغناطيسي له — اضطربت جميع أجهزة توجيه الطائرة … واختلَّت عصا القيادة في يدِ القائد.

وشعرَ كلاهما بأنَّهما يتعرَّضان لضغط قوي، فقد سمعا طنينًا قويًّا في أذنيهما، وشعرا بضيق في التنفُّس، وغثيان ورغبة في القيء.

وانحرف مسار الطائرة، في زاوية حادة، لتقترب من قمة إحدى التلال، وقائدها يحاول محاولات يائسة مع أجهزة التوجيه، لتفادي الاصطدام، والموت قتلًا.

وعندما نجح في الإفلات من الاصطدام، انحرفت به الطائرة في طريقها للاصطدام بقمة أخرى لتلٍّ آخَر.

فصاح فيه رقم «صفر» قائلًا: أوقف عمل جميع الأجهزة الإلكترونية والكهربية … ونفَّذ الطيار ما سمعه، وبدأت الطائرة تستعيد اتزانها ولكنها في نفس الوقت تهبط هبوطًا عموديًّا إلى أسفل، في منطقة بعيدة عن موقع ذلك الهرم.

وعندما اقتربت من الأرض … تحدَّث الطيار إلى رقم «صفر» قائلًا: سيد «صفر» … الأرض هنا غير ممهدة … لهبوط طائرة عليها.

رقم «صفر»: أعلم … وعليك التصرُّف.

الطيار: ليس أمامنا غير الصعود مرَّة أخرى.

رقم «صفر»: نفِّذ.

وشعر الطيار بارتياح عندما طاوعته الطائرة … وعادت أجهزتها للعمل بكامل كفاءتها.

فسأل رقم «صفر» قائلًا: يا سيد «صفر» … أعتقد أنَّنا لم نحلِّق مرَّة أخرى فوق هذا الهرم.

رقم «صفر»: بالطبع لا.

الطيار: إلى أين نذهب إذَن؟

رقم «صفر»: إلى المقر الكبير.

وحلَّقت الطائرة في طريقها إلى المقر السري الكبير … في الوقت الذي كانت جميع أجهزة الاتصال بالمقر الصغير تحاول الاتصال بالطائرة دون جدوى … فقد ظهر «أحمد» و«عثمان»، واختفيا، دون أن يستطيع أحد من العاملين بالمقر اللحاق بهما، وعقب اختفائهما، اختفت الفقاعة الزجاجية وبها النافورة!

ودبَّ النشاط في جنبات المقر، وفُتحت خطوط اتصال ساخنة بين رقم «صفر» وبين قيادة المنظمة … وبعد محاولات مضنية، استطاعوا الاتصال بقيادة وحدة الحرب الإلكترونية والتي كانت سياراتها تحيط بمنطقة البناء الهرمي … وطلبوا منهم التحرِّي عن سبب انقطاع اتصال رقم «صفر» بهم، وعدم تمكُّنهم من الاتصال به … فشرحوا لهم أسباب ذلك وتوصَّلوا إلى اتفاقٍ، أن يستقبلوا هم الاتصال ثم يعيدوا بثَّه مرَّة أخرى، ليصل إلى رقم «صفر».

ورغم الإمكانات الهائلة التي تتمتَّع بها هذه الوحدات … فإنَّ الطاقة الهائلة التي بثَّها الهرم استطاعت أن تخترق جدران سيارتها … وتصيب كل أجهزة الاتصال والتجسُّس بها … بالعطب … وبعد أن كان الشياطين ومن خلفهم المنظمة يرون أنَّ العالَم حولهم عبارة عن قرية صغيرة، بفضل أجهزتهم التي تتيح لهم الاتصال والالتقاء والاجتماع في أي وقت، مهما كانت المسافات بينهم، أصبحوا يشعرون أنَّهم معزولون … وتائهون في هذه الصحراء دون معين.

وفي محاولات يائسة لإصلاح ما سبَّبه هذا الهرم ومَن يقبعون بداخله … خرج مهندسو الصيانة يحيطون بالسيارات … ممسكين في أيديهم بأجهزة كشف الأعطال وأسبابها، ويتشاورون فيما يمكن عمله.

وفجأة … لمعَتْ عيونهم، وهم ينظرون لِمَا في أيديهم غير مصدِّقين … فقد توهَّجَت شاشات أجهزة كشف الأعطال … بألوان مثيرة … في الوقت الذي سمعوا فيه أصوات محرك سيارة تأتي من بعيد … فاختفوا خلف سياراتهم حتى اقتربت منهم … وأصبحت في مرمى بصرهم … ففُتحت في أحد التلال فوهة صخرية كبيرة … مرقت منها السيارة … وقد لمحوا فيها كلًّا من «أحمد» و«عثمان».

وقف الجميع مذهولين لِمَا رأوه … ولم يفيقوا إلا على اتصال رقم «صفر» يدعوهم جميعًا إلى اجتماع عاجل في المقر الرئيسي.

وانسحبت جميع سيارات وحدة الحرب الإلكترونية في طريقها للمقر، وتوافد رجال المنظمة على قاعات الاجتماعات تباعًا … وفي الميعاد المحدَّد بالدقيقة أُطفئت أنوار القاعة وساد الصمت فيها، ترقُّبًا لحضور رقم «صفر» … وعندما أُضيئت الشاشة الكبيرة … انتظروا أن يسمعوا صوته … إلا أنَّ ما رأوه … جعل أصواتهم تعلو بآهات الدهشة، فقد كان «أحمد» يقف أمام الشاشة يلقي عليهم تحية المساء، وعَلَت همهمات الحاضرين بعشرات الأسئلة التي تنتظر الإجابة، وهنا تدخَّلَ رقم «صفر» قائلًا: أولًا، مساء الخير.

الحاضرون: مساء الخير يا سيد «صفر».

رقم «صفر»: أعرف أنَّها مفاجأة لنا جميعًا أن نرى «أحمد»، وبالطبع هي مفاجأة سارة. ولكن علينا أن نعطي أنفسنا الفرصة أن نسمعه.

أحمد: سأتكلَّم في مساحة الوقت المسموح لي … أما من أين أبدأ … فسأبدأ من لحظة اهتمامنا بالهرم وبالشكل الهرمي … فمنذ أن انتقلنا إلى المقر السري الجديد المطل على بانوراما الأهرام … ونحن مشغولون جدًّا … بهذا السحر الذي تُضفيه على المكان … وبعظمة هذا البناء الذي يُعد العجيبة الأولى في العالَم، إنَّ هرم خوفو وحده … يُعد عالمًا قائمًا بذاته … وإليكم بعض المعلومات عنه، التي أعرف أنَّ معظمكم يعرفها … ولكن أذكرها على سبيل التذكرة فقط … فقاعدته مثلًا مساحتها اثنا عشر فدانًا ونصف، وعدد أحجاره ٢,٣٠٠,٠٠٠ حجر، ومتوسط وزن كل حجر منها ٢٫٥ طن، وارتفاعه ٥٠٠ قدم، إنَّه أضخم وأثقل وأكمل إنشاء معماري صنعته يد إنسان، فهل يُعقل أن يُشيد كل هذا البناء المعجزة، لكي يضم تابوتًا حجريًّا فارغًا؟ بالقطع لا.

وهذا ما دفعنا للبحث عن المزيد من أسرار الهرم والشكل الهرمي … ولعلمكم، فإنَّ عدد الباحثين عن سر الأهرامات في العالم يتضاعف كل عام وهم بالآلاف.

وسأبدأ الحديث عنهم، بالحديث عن «م. بوني» العالم الفرنسي الذي استطاع أن يثبت أنَّ الأجسام المبنية على نمط الهرم الأكبر … والموضوعة في نفس اتجاه الشمال–الجنوبي المغناطيسي، تخلق نوعًا غامضًا من الطاقة تؤثر على الأجسام الحية والجماد تأثيرًا ماديًّا واضحًا … وأجرى بحوثًا وتجارب، جمع نتائجها في كتاب بعنوان «اكتشافات خارقة وراء السِّتار الحديدي»، والذي اشترك في كتابته كل من «أوستراند» و«شرودر».

رقم «صفر»: وما علاقة هذا باختفائكم؟

أحمد: لقد قرأنا أنَّ للهرم أسرارًا وخواصَّ خارقة … توصَّل العلماء إليها وبالطبع لا يعرفها الإنسان العادي … فلو قمت بصنع نموذج مُصغَّر للهرم من الورق المُقوَّى، أو من الخشب بنفس مواصفات هرم «خوفو» … على أن يتخذ نفس وضعه الجغرافي، فإنَّه يَخلُق مجالًا قويًّا غير عاديٍّ، يشفي الجروح، ويعالج آلام الأسنان والصداع النصفي والروماتيزم … والماء الذي يوضع في مجال الطاقة الذي يخلُقهُ الهرم بداخله … يُعيد الشباب للبشرة التي تُغسل به؛ لذلك فقد قُمنا بصنع هرم كبير … في حديقة فيلَّا مقر الهرم الخلفية … المواجهة لهرم «خوفو».

رقم «صفر»: وأقمتم فيه؟!

أحمد: قبل أن نقيم فيه … أجرينا كل التجارب التي قرأنا عنها … فثبتت صحتها.

رقم «صفر»: ودفعكم هذا إلى مزيد من التجارب؟

أحمد: نعم … واكتشفنا أن ما توصَّل إليه العلماء قليل.

رقم «صفر»: أوَلَم يعلنوا كل ما توصَّلوا إليه؟

أحمد: أعتقد هذا … فقد توصَّلنا إلى نتائج مُبهِرة عن سلوك الليزر داخل الهرم.

رقم «صفر»: نتائج تجارب قمتم بها أنتم؟

أحمد: نعم.

رقم «صفر»: يا لكم من شياطين!

ابتسم «أحمد»، وأكمل قائلًا: هذه الفترة، وأثناء سفرنا في مهمة «سويسرا» اشتريت نافورة على شكلٍ هرمي، داخل كرة زجاجية.

في هذه اللحظة علت الهمهمات داخل القاعة … واسترسل «أحمد» في كلامه، إلا أنَّ الأصوات لم تهدأ، ممَّا دفع رقم «صفر» لأن يطلب منهم الهدوء قائلًا: أرجوكم أن تتحكَّموا في أعصابكم … حتى نستطيع سماع بقية الأحداث.

فعَلَا صوتٌ من القاعة يسأله قائلًا: تقصد أنَّ هذه النافورة تخصُّك؟!

أحمد: نعم … ولم أكُن أدري حين اشتريتها، أنَّها ستتحوَّل كلَّ هذا التحوُّل.

رقم «صفر»: تقصد أنَّها كانت مجرد نافورة عادية؟

أحمد: نعم … وقد رافقتني في غرفتي لوقت طويل … إلى أن صنعنا ذلك الهرم … وحدَّدنا المكان الذي سنقيم فيه، بناءً على دراسات واقتراحات كثيرة مع مجموعة الشياطين.

رقم «صفر»: وأقمتم به بعلم إدارة المقر؟

أحمد: لقد أقمنا الهرم بعلمهم، وأقمنا فيه كثيرًا بعلمهم … وهم معتادون على أسلوب حياتنا المليء بالتجارب والدراسات.

رقم «صفر»: إذَن ما الذي طرأ مؤخَّرًا … حتى نصل إلى ما نحن فيه الآن؟

أحمد: لقد كنَّا في كل مرَّة نغيِّر من زوايا وارتفاعات الأرفف التي نضع عليها الأشياء والطعام والنافورة.

وكذلك القاعدة التي كنَّا نجلس عليها … حتى حدث ذات يوم أن شعرنا بمجال قوي شديد داخل الهرم، يؤثر على أعصابنا واتزاننا وتركيزنا … فغادرنا الهرم ومعنا النافورة … التي تحولت إلى ما هي عليه الآن، فقد سكنها مجال قوي غير عادي … كل هذا والأمر مقبول … إلا أنَّ ما حدث بعد ذلك … هو الذي صنع الطفرة التي كان من نتيجتها ما نحن فيه الآن.

وهنا عَلَت أصوات من جنبات القاعة تقول: وماذا حدث للشياطين؟

أحمد: ليس هذا مجال الحديث عمَّا يحدث … ولكني أطمئنكم أنَّنا بخير.

رقم «صفر»: أكمِل إذن ما حدث.

أحمد: ما حدث أنَّ أحد علماء الذرة الكنديين — وقد كان مهووسًا بالأهرامات — حضر إلى «مصر» لزيارتها، وقابلناه أمام هرم «خوفو».

وأجرينا معه حوارًا … عرض علينا فيه بعض ما توصَّل إليه من نتائج وتجارب، دمج فيها الطاقة النووية بالطاقة الداخلية للهرم … وقد شعرنا وقتها أنَّه يستثيرنا لنخبره بالمزيد عمَّا توصَّلنا إليه … إلا أنَّنا لم نفصح عن شيء آخَر … وسافر هذا الرجل … لكنه عاد بعد شهرين في صورة أخرى غير التي قابلناه عليها … فقد كان أصغر عمرًا بحوالي عشرين عامًا … حتى ظننا أنَّه ليس نفس الرجل.

رقم «صفر»: وهل تأكدتم أنَّه هو؟!

أحمد: أنت يا سيدي تعرف أنَّنا لنا طرقنا الخاصة في معرفة ذلك … ولكني أؤكِّد لكم … أنَّ هذا الرجل … وصل إلى أحد أهم أسرار الهرم.

رقم «صفر»: وهل أطلعكم عليها؟

أحمد: لا … بل نحن أطلعناه على ما حدث للنافورة … فطلب منَّا أن يصطحبها معه لفترة على أن يعيدها مرة أخرى.

رقم «صفر»: وكيف وافقت؟

أحمد: تقصد أنَّه كان سيهرب بها؟

رقم «صفر»: جائز بعد ما حدث لها.

أحمد: لم أكن أتوقَّع منه ذلك … وقد أعادها الرجل إلينا بعد فترة قصيرة … إلا أنَّها لم تعُد كما هي … لقد تحوَّلت إلى صياد ماهر … وقادتنا مسلوبي الإرادة إلى معقل هذا العالِم.

رقم «صفر»: تقصد كرة الماء؟!

أحمد: نعم … إنَّه سلاح هذا الرجل … والذي ينطلق من النافورة … إنَّها تعد القاعدة.

صوت من القاعة: وكيف تسلك هذه الكرة المائية هذا السلوك العاقل؟!

أحمد: لقد شحنها بكمية طاقة هائلة … في هذا المولد المعجزة … الذي يجمع بين الطاقة الداخلية للهرم … والمفاعل النووي … ومفاعل الليزر.

رقم «صفر»: وكيف هربت؟

أحمد: لقد نسي هذا الرجل أن هرمنا هذا صنعناه مواجهًا لهرم «خوفو» الذي لا يزال موجودًا … ولا يعرف أن مجالًا مشتركًا للطاقة نشأ بينهما … وأن تليفوني المحمول هو حلقة الوصل بيني وبينهما.

رقم «صفر»: أي أنَّ تليفونك المحمول أنقذك؟

أحمد: بل تجاربنا المستمرة … وحبنا للمعرفة … وعلاقتنا القوية بتاريخنا وأجدادنا … أيها السادة … إنَّ الذي أنقذنا بعد الله «خوفو».

رقم «صفر»: والشياطين؟!

أحمد: إنَّهم يعيشون داخل الهرم … في مجال طاقة لا يسمح للعقل باتخاذ قرار أو التركيز للوصول إلى نتيجة.

رقم «صفر»: ولماذا يحتجزكم؟

أحمد: لأنَّ لدينا ما يُهدد اكتشافاته.

رقم «صفر»: وهل سيترككم؟

أحمد: لا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤