المطاردة!

صوت من القاعة: واختطافك للنافورة؟

أحمد: إنَّها تمثيلية قُمت بها أنا و«عثمان» … تنفيذًا لأوامره.

رقم «صفر»: تقصد أنَّه لا يعرف أنَّك لم تعُد تحت سيطرته؟

أحمد: نعم.

رقم «صفر»: إذَن علينا أن نهاجمه لفِّك أَسْر الشياطين، وتدمير ذلك المعتقل.

أحمد: إنَّ هذا الهرم به مواد نووية، ومفاعلات صغيرة … قد تضر البلد، وسوف نتعامل معه نحن من الداخل، بما لا يخلِّف نتائج خطيرة.

رقم «صفر»: وماذا يُدعى هذا الرجل؟

أحمد: فرانسوا.

رقم «صفر»: إنَّ مهمتنا مع هذا الرجل شاقة … فنحن نريد إنقاذكم من بين يديه … وفي نفس الوقت … نريد الاطلاع على النتائج المبهرة التي وصل إليها.

أحمد: وهذا هو هدفي أيضًا … المهم الآن أن أعود بسرعة إلى هناك، وإلَّا افتُضح أمري.

رقم «صفر»: وكيف سأتصل بكم؟

أحمد: سأترك لكم خريطة مقاسات الهرم واتجاهاته الجغرافية، عليكم بتنفيذه في أرض المقر … وستحصلون على مجال طاقة أستطيع الاتصال بكم عبره … شكرًا لكم … اطمئنوا علينا … إلى اللقاء.

انصرف «أحمد» مسرعًا … واستقل سيارته من خارج مبنى إدارة المقر … وانطلق … وفي أثره سيارة أخرى كانت مختبئة بين الصخور على جانب الطريق، وقد شعر بها «أحمد»، وعرف أنَّه مراقب منذ أن توجَّه للمقر وأنَّ كل حديثه تم تسجيله، فأكمل طريقه دون أن يلتفت خلفه، إلا أنَّه لاحظ أن قائد السيارة الأخرى كان يُظهر له نفسه بصورة مستفزة … وكأنَّه يقول له … لقد رأيتك، ولكنَّك لن تستطيع الهرب … فزملاؤك عندنا … إلا أنَّه لم يكُن يعرف الشياطين وعقولهم، وحيلهم التي جعلت إدارة المنظمة تطلق عليهم هذا اللقب.

وكل ما عرفه أنَّ «أحمد» سيتوقَّف بالسيارة على بُعد عدة أمتار … فقد سمع صوت انفجار العجلة الأمامية، وبالفعل انحرفت سيارة «أحمد» على يمين الطريق لتتوقَّف بعد عدة أمتار … ثم نزل منها يستطلع أحوال العجلة … وهو يتظاهر بالقرف واليأس … ثم دار حول السيارة يجس العجلة الاحتياطية المعلَّقة خلفها … إلا أنَّه لم يحلها … وجلس بجوار السيارة مُبديًا علامات اليأس والإحباط.

وقد كان قائد السيارة الأخرى يُراقبه عن بُعد … وعندما رأى ما آلَ إليه حاله اقترب منه يعرض عليه أن يأخذه في طريقه، إلا أنَّه لم يوافق … فتحيَّر الرجل … ويبدو أنَّ ما لديه من أوامر، تمنعه من العودة بدونه … فلم يجِد مفرًّا من إجبار «أحمد» على الركوب معه تحت تهديد السلاح، فركب معه وفي نيته أن يتخلَّص منه، فقد أصبح خطرًا عليه … بعدما رأى وسمع ما سمع.

وبعد فترة من المسير … وكان الرجل قد ترك ﻟ «أحمد» القيادة وجلس هو بجانبه شاهرًا مسدسه في وجهه، شعر بالملل يتسلَّل إلى نفسه … فأراد أن يُشعل سيجارة … فنحَّى المسدس جانبًا، وأخرج علبة السجائر من جيبه، وعينه على «أحمد» ثم أخرج سيجارًا وأشعلها، وكانت هذه فرصة طيبة ﻟ «أحمد» لكي يتصرَّف بسرعة، وضربه بكف يده ضربة قوية تسبَّبت للرجل في إغماءة عميقة … ففتح «أحمد» الباب ودفعه خارج السيارة … وانطلق يكمل الطريق إلى الهرم النووي.

وقبل أن يصل إلى الباب الصخري … كانت أجهزة المراقبة في الهرم تحسب ما تبقَّى له من أمتار، حتى لا يصطدم بالباب، فانفتح تلقائيًّا.

ودلف منه إلى نفق مُظلِم طويل … لا يكاد يرى فيه عجلة القيادة، ولولا الخط المضيء المرسوم على طريق النفق … ما استطاع أن يبلغ نهايته … والتي كان مسيو «فرانسوا» ينتظره عندها، وقد استقبله وفي عينيه قلق بادٍ لم يستطع «أحمد» تفسير أسبابه بالضبط … فهل هو سبب تغيُّبه، أم لانقطاع الاتصال بينه وبين رجله، الذي كان يراقبه، والذي كان قد تركه في الطريق بين الحياة والموت.

إلا أنَّ ما لم يعرفه «أحمد» … أنَّ «إلهام»، و«عثمان»، و«ريما»، و«فهد» استطاعوا الهرب … وأنَّ مجموعة من الرجال الأقوياء، عتاة الإجرام، انطلقوا في أثَرهم … تصحبهم مجموعة من الكلاب البرية الشرسة، والتي لا تعرف إلا نشب الأسنان والأظافر، وتمزيق اللحم، وقد حكَت له ذلك «زبيدة» … وزاد عليه «مصباح» بأنْ أخبره أنَّهم لم يهربوا بأيديهم فارغة … فقد استطاعوا الحصول على ملف الأسرار الخاص بالمسيو «فرانسوا»، والذي يحوي أهم معادلات الهرم النووي.

إلا أنَّ ما أخبره به «قيس» … كان أكثر هذه الأخبار إثارةً ومدعاة للقلق … لقد أطلق «فرانسوا» العديد من كرات الماء المشعَّة في أثَرهم … وهذا هو الخطر الحقيقي على حياتهم … فهذه الكرات … من الصعب الإفلات منها.

ورأى «أحمد» أنَّه من المهم أن يخرج في أثَرهم … ليقف معهم في هذه المحنة … إلا أنَّ عيون «فرانسوا» المنتشرة في كل مكان … لم تترك له الفرصة للخروج.

وتذكَّر تليفونه المحمول … فذهب إلى دورة المياه، وأخرجه من جيبه، وتحرَّك مجال الطاقة من حوله … فقد شاهد كرات الماء تتدافع في الفضاء المحيط به … فغادر الحمَّام مسرعًا.

إلا أنَّه لم يستطع السيطرة على تدخُّلات مجالات طاقة هرم «فرانسوا» النووي، وهرمهم في المقر الصغير بالقاهرة … ورأى كرات الماء والسوائل الموجودة في المكان … تتدافع، وكلُّ مَن يعملون بالمقر … يجرون هربًا منها … وصوت «فرانسوا» يصرخ فيهم قائلًا: تصرَّفوا … هذه السوائل مُشعَّة، ولن ترحم مَن تصطدم به … إلا أنَّ كرات السوائل ازداد عددها … وزادت سرعتها بشكل كبير … ورأى الشياطين «فرانسوا» يستقل سيارته ليغادر المكان، وفي نيته أن يترك الموجودين يتعرَّضون للإشعاع، حتى يسيطر على الموقف، وإلى أن يحسب حساباته … ويقيم معادلاته … يكون كل مَن في الهرم … قد هلكوا … وتحولوا إلى نفايات ذرية.

وفي لَمْح البصر، كان «أحمد» بجواره، يفتح باب السيارة … ويسحبه خارجها … وقبل أن تمتد يده لسحب مسدسه … كان قد ضربه ضربة قوية … وسبقه إلى مسدسه، فانتزعه من بين ملابسه … ثم لصقه في ظهره، وأمَرَه بالتحرُّك أمامه.

فصرخ فيه قائلًا: لقد آثرت الفرار وتركتنا بينها.

فرانسوا: فلندخل إلى غرفة مكتبي ونتحدَّث.

أحمد: لا مانع عندي.

وفي غرفة مكتبه … توافد جميع الشياطين المتبقِّين … فتقاسموا المقاعد، وتركوه واقفًا … وقد جلس «أحمد» على الكرسي الخاص به … خلف المكتب، فنظر له مليًّا، ثم قال: لقد أحضرتنا هنا كفئران تجارب، أليس كذلك؟

فرانسوا: لا … إننا شركاء في البحث!

مصباح: لسنا شركاءك … أنت لا تشارك أحدًا … فقد تركتَ بلدك وحضرتَ إلى هنا حتى لا يشاركك أحد فيما وصلتَ إليه.

فرانسوا: إنَّ ما وصلت إليه لخدمة الإنسانية!

زبيدة: إنَّ ما وصلتَ إليه … لخدمة أغراضك فقط … وإلا ما معنى ألَّا تسجله في أي أكاديمية علمية … ولم تنشره في أي دوريات علمية ليستفيد به الناس؟!

فرانسوا: إنَّ اكتشافي لم يكتمل بعدُ.

أحمد: إنَّك تكذب يا «فرانسوا»، والدليل أنت … لقد عدتَ إلى شبابك، رغم أنَّك تخطَّيتَ الخمسين.

فرانسوا: أنا؟!

أحمد: لسوء حظك أننا نعرفك قبل اكتشافك هذا!

فرانسوا: صدِّقوني هذا الأسلوب سيضرنا جميعًا.

قيس: وما هو الأسلوب الذي تريد أن نتعامل به؟

فرانسوا: أولًا … يجب أن تعلموا أنَّكم لن تخرجوا من هنا … قبل أن أجعلكم تنسون كل ما عرفتموه عنِّي … وعن تجاربي.

أحمد: لقد سبقنا مجموعة من الزملاء وخرجوا.

فرانسوا: لن يذهبوا إلى بعيد … فمَن لم يلحقه رجالي … ستلحقه الكلاب، ومَن سيفرُّون من الكلاب … ستقضي عليهم كرات الماء.

وهنا … سحب «أحمد» أمان المسدس، وألصقه بجبهته، وهو يقول له: اتصل برجالك ومُرْهم بالعودة فورًا.

فرانسوا: سيعود رجالي … وماذا عن الكلاب!

أحمد: سنخرج للحاق بهم.

فرانسوا: لن تتمكَّنوا … لم يَعُد لديكم وقت.

أحمد: إذَن سنقتلك جزاء ما صنعتَ.

لم يطرف ﻟ «فرانسوا» جَفن، وكأنَّه كان متأكدًا أنَّ «أحمد» لن يقتله … ولكن لماذا كان متأكِّدًا هكذا … هل كان يشعر برغبته في معرفة ما توصَّل إليه … إنَّه بالطبع رجل ذكي … وإلا ما وصل إلى ما وصل إليه.

وعَبْر زجاج نوافذ غرفة مكتب «فرانسوا»، شاهد الشياطين كُتَل السوائل تتجمَّع … كرات كبيرة، وتسبح في فضاء المكان، تهدِّد كلَّ الموجودين … ممَّا أثار غضب «أحمد»، فدفع — ولأول مرة — «فرانسوا» بغلظةٍ، فأسقطه على الأرض، ثم قال له: وماذا بعدُ يا «فرانسوا»؟ ماذا سيحدث؟ تُهدد البشرية بالتلوث الإشعاعي … وبالأمراض والموت؟ ألم تفكِّر في هذا قبل أن تبدأ تجاربك؟ إنَّ الطاقة الذرية كالمارد في مصباح علاء الدين، إذا أخرجتَه فلن تستطيع إعادته للمصباح … وها هو قد خرج … ولماذا لم يحدث ذلك في بلدك؟ لماذا أتيت إلى هنا لتُجري تجاربك الخطيرة؟ هل الناس في بلدك أفضل وأهم من الناس في بلدي؟

فرانسوا: لم يكن ذلك قصدي … ولكني أستحلفك بالله أن تعينني على الخروج من هنا، وسأستعيد السيطرة على المكان … ولكن على ألَّا تخرجوا من هنا.

لم يكُن أمام «أحمد» اختيار آخَر … فقتله أو تدمير المكان سيُعرِّض الناس في الخارج لخطر هذه الكرات المشعة … والتي اكتسبت طاقة حركتها من الهرم، ولولا تجارب «فرانسوا» النووية لَمَا تلوَّثت بالإشعاع … ولصارت كائنات جميلة، تُضفي على المكان الذي تسير فيه شعورًا بالانتعاش والحيوية … ولأمكن استخدامها في علاج مشاكل صحية كثيرة تواجه البشر، وعلى رأسها … الشيخوخة.

وعندما نظر في عيون الشياطين، قرأ في عيونهم جميعًا الموافقة على أن يتركه يخرج … فأبعد عنه المسدس، وأشار له برأسه، فابتسم في ارتياح، وهو يقول: هكذا أراك عاقلًا متزنًا، وتخاف على أرواح زملائك.

ثم فتح الباب بيده اليمنى، وباليد اليُسرى أمسك بهوائي، رفعه إلى مستوى رأسه، فانقضَّ عليه «مصباح»، بينما انتزع «قيس» منه الهوائي … وتركوه يصرخ خارج غرفة المكتب … فقد كانوا كلهم في دهشة لرغبته في الخروج في وجود كل هذه الكرات المشعة … ولم يكتشفوا سبب ذلك إلا عندما شاهدوا ذلك الهوائي معه … والذي يقوم عن طريقه بتوجيه الكرات … وبالطبع، لم يستطع الدفاع عن نفسه ضد هذه الكرات الشوارد … فأخذ يجري يمينًا ويسارًا، محاولًا تفاديها … إلى أن وصل إلى سيارته … وقبل أن يغلق بابها عليه، كانت إحدى كرات الماء قد دخلت السيارة … فأسرع بمغادرتها، لتقابله كرة أخرى … فتصطدم برأسه … وتتفتَّت رزازًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤