مسرحية السبعة ضد طيبة

مقدمة

تتعلق قصة أوديبوس١ وأسرته، المعروفة جيدًا من بين القصص الطيبية لسوفوكليس، بالجيل السابق لجيل حصار طروادة. وهي كقصة أجاممنون، تتتبَّع أثرَ لعنةٍ حلَّت بأسرة، وجَدَّدَت نفسها بنَزَق الأجيال المتعاقِبة وعدم تَقْواها. وهي على نقيض الأوريستيا لا تحمل رسالةَ أملٍ في «التطهُّر الداخلي»، ولا تبيد اللعنةُ نفسها إلا بشهرة تلك الأسرة.
عندما بدأت المسرحية كان أوديبوس قد مات منذ مدة، وتعارَك ولداه إتيوكليس Eteocles وبولونيكيس Polyneices. ويمكننا أن نستنتج أنه كان بينهما اتفاق على اقتسام الحكم فيما بينهما بالتساوي والسلطة الملكية التي ورثاها عن أبيهما. غير أن إتيوكليس حاوَل أن يستأثِر بالسلطة وحده، ولذلك ذهب بولونيكيس يطلب مساعدةَ أدراستيس Adrastes،٢ ملك أرجوس وستة ملوكٍ آخَرين؛ وبذا جلب قواتٍ ضخمةً مختلطة ليهاجم بها المدينة التي وُلِد فيها.
غير أن الأخوَيْن كانا قد تنازَعا أيضًا مع أوديب قبل موته. وسببُ هذا النزاع غير واضح، ولكنه يتعلَّق بالطريقة التي عامَلا بها والِدَهما بعد أن ظهرتْ حقيقةُ زواجه المحرَّم التي أعمى نفسَه بسببها. وإذ غضب أوديب من سلوكهما معه لعنهما، وضمَّنَ لعنتَه النبوءةَ القائلة بأن غريبًا يأتي من البحر، ومولودًا من النار، يقسو عليهما عند تقسيم الميراث بينهما. ويُحَلُّ هذا اللغز في سياق المسرحية. فالغريب هو الحديد، ذلك المعدن الذي استُورد حديثًا من بونطوس Pontus (بونطوس لفظ إغريقي بمعنى «بحر»). لقد اقتسم إتيوكليس وبولونيكيس ميراثَهما بالحديد المقسَّى في النار والمشحوذ.
ترجع تلك اللعنة إلى زمنٍ سابق، فقد صبَّها لايوس Laius٣ والِدُ أوديب؛ إذ حذَّره أبولو من أن أحد أبنائه سيقتله، وأمره بأن يعيش ويموت بغير إنجابِ أطفال. فلما عصى هذا الأمر، جلب عليه عصيانُه عداوةَ أبولو. وقد حاوَل إصلاحَ خطئه بالتخلُّص من طفله؛ فكانت النتيجة المعروفة هي المادة التي كوَّن منها سوفوكليس مسرحيةَ «الملك أوديبوس».

وفي مسرحية «السبعة ضد طيبة»، يكون إتيوكليس عالمًا بتلك اللعنة التي نزلت بأسرته، حقَّ العلم، ولا سيما لعنة أوديب التي كانت تطارده في أحلامه. وإذ شغله الاستعداد للقتال والتفكير فيه، نسي مصيرَه الحالك، وأبدى تواضُعًا واعترافًا بالآلهة في سلوكه إزاء تهديداتِ عدوِّه، فأرسل أبطالَه المحاربين الذائعي الصيت، واحدًا واحدًا، ليُواجِهوا هجومَ الملوك عند ستة أبواب من أبواب طيبة السبعة.

وعندما لم يَبْقَ غيره، أخبره الرسول بأن شقيقه بولونيكيس يقود الهجومَ بنفسه على الباب السابع. وينصح كلٌّ من الرسول والكوروس إتيوكليس بأن يتحاشى سفْكَ دماء أخيه بأن يرسل في طلبِ مُحارِبٍ آخَر، أو بأن يغيِّر الخطةَ التي صمَّم عليها من قبلُ. وليس رفضه أن يفعل هذا راجعًا فقط إلى خشيته الظهورَ بالخوف من أخيه، ولا إلى خجله من مواجَهة شقيقه وتنفيذ ما اعتزم عليه، وإنما يرجع أيضًا إلى الإحساس الإغريقي بالمأساة، الذي شعر به، وإلى اعتقاده بأنه لا مفرَّ من القضاء المحتوم. فعندما سمع أن أخاه قد وصل إلى الباب السابع، أدرَكَ من فوره أن اللعنة قد أحكمَت قبضتَها عليه، فقال في نفسه إنه يستطيع أن يتحاشاها بتغيير خطته في هذه الفرصة، بيْدَ أنها سوف تُمسِك به مرةً أخرى في مظهرٍ ربما كان أشد هولًا وأعظم إيلامًا. إذن، فهي نازلةٌ به لا مَحالةَ، ولا سبيلَ إلى الإفلات منها.

هكذا نظر إتيوكليس إلى الموقف. أمَّا الكوروس فنظر إليه من جانبٍ آخَر. فلو ركن إتيوكليس إلى التواضُع والتقوى، اللذين أبداهما، وتبادَل الأبوابَ مع محارِب آخَر من الأبطال الستة، لَسار كل شيءٍ على ما يرام، ولَانصرف عنه غضبُ الآلهة الذي كان يغلي وقتذاك حارًّا. فإن سفْكَ دم الأقارب عندئذٍ معناه اليأس من الهروب من اللعنة، وتحقيق المصير الذي ترسله السماء على المدينة. وبمعنًى آخَر، يشعر الكوروس أنه بالرغم من أن اللعنة حقيقة واقعة، فإن مصيرَ بيتِ أوديب يقع في تلك اللحظة فيما يختاره إتيوكليس. ولما كان هو رجلًا بتلك الصفة وابن أوديب، فإنه سينصرف من تلقاء نفسه ويختار الطريقةَ الخاطئة. بيْدَ أنه لا تزال هناك فرصةٌ لإمكان الاختيار الصواب، وبذا أَرْضَى الآلهة. غير أن أيسخولوس لا يَعْرض هذه في نتيجة الآراء الحُرة، ولكنه يَعْرضها في النَّص كما هي في نصِّ مسرحية أجاممنون Agamemnon.
الفعل الدرامي قليل جدًّا في هذه المسرحية، ويتكوَّن حوالي ثُلثِه من المنظر الذي يصف فيه الرسول كلَّ بطل في الجيش الغازي، ويصف أسلحتَه وأخلاقه؛ فيصوِّر الخمسةَ الأوائل منهم شديدِي الكبرياء والغطرسة؛ وهذا يجعل إتيوكليس يتأكد من عدم وقوف الآلهة إلى جانبه. أمَّا أمفياراوس Amphiaraus، البطل السادس، ففي غاية التواضُع والتقوى، وكان متردِّدًا في القيام بأي دورٍ في تلك الحرب. فكان من الممكن استغلال هذه الطِّيبة، بيْدَ أن إتيوكليس اختار لاسثينيس Lasthenes لكي يُواجِه أخاه، وترَكَ النتيجةَ للآلهة. بعد ذلك تأتي ذُرْوةُ العمل الدرامي، وهي وجود بولونيكيس أمام الباب السابع. هذا كل ما يمكن أن يوجد في الصورة الدرامية لهذا المنظر الطويل الراكد. ومع ذلك، فلا يوجد فقط خيالٌ طليق وكلامُ مؤثِّر في كل حلقة وفي أناشيد الكوروس، بل وتتضمن المسرحية كلها كمجموعة واحدة، متعةً إضافية عندما ندرك أنه قد تناوَلَ نتائجَ السياسة الأثينية بوضوحٍ وبقوة. وكما قال أريستوفانيس في مسرحية «الضفادع»، هذه قبل كل شيء مسرحيةٌ زاخرة بالروح الحربية. ظهرت هذه التمثيلية سنة ٤٦٧ق.م. أيْ بعد أن دمَّر الفرس أثينا تدميرًا شاملًا باثنتَي عشرة سنة فحسب. وطالما حث قادةُ أثينا البعيدو النظر مُواطِنيهم على أن يحيطوا تلك المدينة بسورٍ منيع؛ لأن قوَّتَها المتزايِدة قد خلَقَت لها الأعداءَ في كل مكان، حتى في بلاد الإغريق نفسها. وما من شكٍّ في أن بالمسرحية كثيرًا من العبارات التي تحمل إلى النظَّارة تحذيرَ الشاعر لهم ونُصْحه إياهم بالتزام الحكمة في الوقت المناسب؛ ففي خلال سنة أو اثنتَين من ظهور تلك المسرحية بُدِئ في تحصين الأكروبول بطريقةٍ جدية.
مسرحية «السبعة ضد طيبة» ثالث مسرحية في مجموعة ثلاثية؛ الأولى منها «لايوس»، والثانية «أوديب». ولا بد أن تألُّقَ وشهرةَ مسرحية سوفوكليس التي عنوانها «الملك أوديب»، هما المسئولان عن اختفاء مسرحية أيسخولوس في نفس الموضوع. بيْدَ أنه يتضح من بعض الإشارات في هذه المسرحية أن أيسخولوس قد تتبَّعَ الهيكل العام لهذه القصة كما نعرفها. ولسوء الحظ، ليس نص المسرحية هو ما تركه أيسخولوس؛ فبعد أن مضى على وفاة ذلك الشاعر خمسون سنة أو يزيد، عندما كانت مسرحية أنتيجوني Antigone لسوفوكليس من أشهر المسرحيات في القائمة الأثينية، كُتِبت خاتمةٌ جديدة لمسرحية أيسخولوس هذه، تقدِّم أنتيجوني وإيسميني Ismene٤ والإعلان الذي يُحرِّم دفْنَ بولونيكيس، وتَحَدِّي أنتيجوني. وأسلوبُ هذه الخاتمة الزائفة رائعٌ، وإن النظَّارة الإنجليز لَيشعرون بأنها أنقذَت هذه المسرحيةَ الفاترة في اللحظة الأخيرة. غير أن الشاعر كان يقصد، دونَ أي شك، أن يُنهِي المسرحية بالحِداد على الأخَوَين، وبموتهما انقطع دابرُ تلك الأسرة وتحقَّقت اللعنة. أما الأختان فلا أهميةَ لهما، وليس لمنظرهما الذي يقدِّم بابًا جديدًا في القصة، مكانٌ في المسرحية الثالثة من هذه المجموعة. وبما أن الخاتمة الأصلية — التي ربما كانت تتراوح بين عشرين وخمسين سطرًا — مفقودة، فليس أمامنا إذن إلا أن نترجم المسرحيةَ كما هي في المخطوطات.

أشخاص المسرحية

  • إتيوكليس Eteocles: ملك طيبة.
  • جندي.
  • كوروس من النساء الطيبيات.
  • أنتيجوني Antigone، إسميني Ismene: شقيقتا إتيوكليس.
  • رسول.
  • ستة أبطالٍ طِيبيِّين مسلَّحين، وجنود آخَرون، ومُواطِنون وخَدَم.
  • المنظر: ميدان فسيح في مدينة طيبة. بعض التماثيل البدائية للآلهة، قائمة فوق قواعدها. يمتد المنظر في الخلفية فوق سور المدينة إلى الوادي الطِّيبي، حيث يعسكر الجيش المحاصِر. الوقتُ قُبَيْل الفجر.

***

(يدخل عدد من المواطنين وهم يتكلَّمون بحِدة، ثم يسكتون فجأةً عندما يصل إتيوكليس. يتبع إتيوكليس بعض الجنود، وقد ارتدى ثياب ملك، ولكنه غير متوَّج.)

إتيوكليس : أيها المواطنون، يا أبناء كادموس Cadmus،٥ إن الرجل المُمسِك بدفَّة الدولة، ويدير من مقصورته، بعينَين ساهرتَين، مصائرَ مملكته، يجب أن يتكلَّم بما يتطلَّبه الموقف؛ فإن سار كل شيءٍ حسبما نهوى، فشكرًا للسماء، ولكن إذا — لا قدَّرَت السماء — قابَلنا سوء الحظ، فإن إتيوكليس سيكون الاسمَ الوحيد الذي تتناوله الألسنة في كل شارع بالتهديدات وعويل المواطنين الساخطين،
عسى زوس الحافظ، أن يحفظ منه المدينةَ التي أسَّسها كادموس! ولكنكم كذلك، يجب أن تقوموا بدوركم.

الشاب الذي لا يزال تنقصه الرجولة، والرجل العجوز المُسِن،

الذي مضى خيرُ جزءٍ من حياته، ليستخدم كلٌّ منهما قوتَه الحيوية إلى أقصى ما بوسعه، وليُراقِب كلَّ طريق كما يتطلَّب الواجب، احرسوا مدينتَكم خير حراسة، واحرسوا مذابحَ آلهتها، حتى لا يَبيد مَجْدُها اللائق، واحرسوا أولادَكم، وهذه الأرضَ العزيزة، أُمَّكم ومربيتَكم؛ لأنها عندما كنتم أطفالًا تَحْبُون، غذَّتكم بتُرْبتها الحَنُون التي ترحِّب بكل آتٍ جديد، وتحمَّلَتْ عبءَ تربيتكم وتنميتكم، وجعلتكم رجالًا جديرين بتأسيسِ البيوت، وحمْلِ التروس، والنمو في القوة والقيمة، والقدرة على تلبيةِ طلبِ هذا اليوم.

إن كفَّة الحظ راجحة في جانبنا حتى الآن، فشكرًا للآلهة التي أعطتنا خلال مدة الحصار الطويلة هذه،

الميزةَ في الحرب. أمَّا الآن، فإن عرَّافَنا،٦ الذي يحتفظ بطيور العِرَافة، وبغير مساعَدة النار يخبر بمجرد السماع والتأمُّل، بطريقةٍ لا تخطئ، عما تدل عليه الأَفْؤُل. فلما فسَّرَ مثلَ هذه العلامات، قال إن هجومًا ضخمًا بين الآخيين، يُدَبَّر الآن في هذه الليلة لاقتحام مدينتنا.

إذن، فإلى الأسوار! تجمَّعوا عند الأبراج والأبواب، إلى الأمام، في كامل أسلحتكم، سيطروا على قمة الأسوار،

واملئوا كلَّ موضعٍ في كل حصن،

واثبتوا في مدخل الباب

بشجاعة. ولا تخافوا قطُّ حشودَ الأجانب هذه!

فإن الربَّ سيعطي النصر.

(يصيح المواطنون ويهتفون.)

وقد أرسلتُ الكشَّافين ليستطلعوا جيشَ العدو، وأنا واثق من أنهم لن يضيِّعوا وقتًا، وسيقدِّمون تقريرَهم بسرعة، حتى أكون آمِنًا من كل مُباغَتة.

(يدخل جندي.)

الجندي : أي إتيوكليس العظيم النبل، يا ملك الكادميين، ها أنا ذا آتيك بأنباءٍ موثوقٍ بها عن جيش العدو، حيث رأيتُ بعينَيْ رأسي كلَّ ما يدور هنالك.
أخذ الأبطالُ السبعةُ، قوَّاد الجيوش، ثورًا وقطعوا رَقبتَه، وجمعوا الدمَ في تِرسٍ أسود، وغمسوا أصابعَهم في دم الثور، وأقسموا يمينًا باسم «القسوة» المرهوب، وباسم «الفزع» المتعطِّش للدماء، على أنهم إما أن يُبِيدوا مدينةَ الكادميين، ويجعلوا أرضَها يَبابًا، أو يموتوا.

ويختلط دمُهم بتربتنا. وجاءوا بتذكارات خاصة بهم لتُعلَّق على عربة أدراستوس Adrastus،٧ وتُؤخذ إلى والديهم في الوطن، وبكوا بالدموع، ولكن ما من واحدٍ منهم نطقَ بكلمةِ حُزن. كانت قلوبهم من الحديد، مُستَعِرَة بالشجاعة، كالشَّرر المنبعث من عينَي الأسد.

لم أتوانَ في المجيء بهذه الأخبار، رغم سوئها، وتركتهم يسحبون الأزلام، جاعِلين الحظَّ يقرِّر كيف يقود كلٌّ منهم جيشَه لاقتحام أبوابنا.

إذن، فانتقِ في الحال أقدرَ محارِبي المدينة وضَعْهم عند الأبواب المفتوحة؛ فإن كامل قوة أرجوس تزحف علينا الآن بأقصى سرعة، وإن البخار الأبيض لأنفاس خيولهم لَيملأ السَّهْلَ برمته. لذا، كُن رُبانًا حكيمًا للسفينة، وتأكَّد من مَناعة كل شيء قبل أن تنفجر عاصفةُ الحرب على أسوار مدينتنا.

فإن أمواج المحارِبين المسلَّحين تزمجر فوق اليابسة، ولكي تلاقيهم استخدِم

كلَّ وسيلة تبدو أتمَّ استعدادًا. سأراقِب بعينٍ يَقِظة، بالنهار، بما لا يقل عنك، وآتيك بالتقارير الحقيقية من ساحةِ الوغى مباشَرةً؛ فإنك إذا ما حُذِّرتَ من قبل، لم يُصِبْك الأذى.

(يخرج الجندي.)

إتيوكليس : أي زوس، أيتها الأرض، أيها الآلهة الذين يحرسون هذه المدينة! أي لعنة والدي أوديب،٨ القوية في الانتقام! انظروا إلى هذه المدينة، التي تتدفَّق منها الصلاةُ باللغة الإغريقية،
لا تسلِّموها إلى أعدائها

مدمَّرةً، محطَّمة، وبيتها ومذابحها مهدَّمة وسطَ التراب! لا تسمحوا قطُّ باستعباد حرية هذه المدينة، مدينة كادموس، في السلاسل والأغلال القاسية. هبُّوا إلى مساعَدتنا، فإن قضيتنا المشتركة لَتنطقُ من أجلنا؛ لأن الأرض المزدهرة تمجِّد الآلهة.
(يخرج إتيوكليس،٩ يتبعه المواطنون. بعد لحظة يدخل كوروس من النساء، من جميع الأعمار، في فوضى واضطراب، يَنظرْنَ نحو السهل المكشوف.)
الكوروس : أواه! إنني أبكي ألمَ الفزع المريع! لقد انطلق جيشهم، وغادَر المعسكر.
انظروا! ها هم قادمون، يتدفَّقون قُدُمًا، يتقدَّمهم الفرسان،

أعرف ذلك من النَّقْع المُثار في الجو،

الذي رغم كونه عديمَ الصوت، فإنه يروي القصةَ الحقيقية في وضوح.

(يُسمَع ضجيج وصَخب من بعيد.)

إن وَقْع حوافر الخيل فوق الأرض قد أربَكَ حواسِّي.
وإن الصوت ليقترب، إنه يطير،

إنه يقعقع برعد سيل الجبل غير المقاوَم!

اسمعونا، اسمعونا، اسمعونا، أيها الآلهة والربَّات!

إن الموت ينقضُّ علينا،

هلمُّوا إلى نجدة أسوارنا، واحمونا!

فالجيش ذو التروس البيضاء والأسلحة المشحوذة،

يهجم على مدينتنا.

أيُّ آلهة، أو أية ربَّات، ستنقذنا أو تشدُّ أَزْرَنا؟

لماذا لا أَخِرُّ متوسِّلة في الحال

وأُمسِكُ بالتماثيل المقدَّسة؟

اسمعونا، يا مَن تجلسون على عروش المباركين!

هذا وقت التعلُّق بالتماثيل، لماذا ننتظر مُرتبِكات؟

أتسمعون صليلَ التروس، أو لا تسمعونها؟

فإذا كنتم لم تسمعوها، فلماذا نلجأ إلى الصلاة،

ونتوسَّل بهدايانا من الأثواب والأكاليل؟

إني لَأرهبُ ذلك الصليل، إن ذلك الصوت ناشئٌ عن عشرة آلاف رمح.

أي أريس، ماذا أنت فاعل؟

هل ستَهجر هذه الأرضَ التي هي أرضُك منذ البداية؟

أيها الربُّ ذو الخوذة الذهبية، تطلَّعْ وانظر إلى مدينتنا، التي أطلقْتَ عليها، فيما مضى، اسمَ «مدينتك المحبَّبة»، وإن أنفاس أريس لَتطردهم.

إذن، فيا زوس، أي أبتاه زوس، السيد الملك،

أرجِعْ أعداءَنا على أعقابهم، واسلبهم فريستَهم!

إن الأرجوسيين لَيُحاصِرون قلعةَ كادموس،

وقد رُوِّعنا بآلات الحرب.

إن قِطَعَ اللُّجُم التي بين أسنان الخيول، لَتُنشِد أغنيةً للقتل، هناك سبعة قوَّاد، وهم يُمسِكون رِماحَهم في أيديهم، وتتألَّق أسلحتُهم ويعلو بريقها على كل ما سِواها، يَسْحبون الأزلام ويتخذون مواقفَهم كلٌّ منهم عند الباب الذي يقع من نصيبه.

وأنتِ، أيتها المولودة من زوس،

أي إلاس١٠ القوية، المُمَجَّدة في القتال،

كُوني مخلِّصتنا!

وأنتَ، يا خالِق الخيول، يا ملك البحار،

يا برسايدون، اضرب برمحك الثلاثي الشعاب، رمح صيادي السمك،

اجلبْ علينا خَلاصًا من الفزع.

وأنت يا أريس، يا أريس،

احرس المدينة التي سمَّاها كادموس،

احمنا بحضورك البرَّاق.

وأنتِ أيضًا، أيتها الربَّة الكوبرية، أم عشيرتنا،

ساعِدينا، فرغم أننا مولودون من دَمِكِ،

فإننا بالصلوات التي نقدِّمها للآلهة،

نتقرَّب إليكِ وندعوكِ.

وأنتَ أيضًا يا أبولو، أيها الإله الذئب، تحَوَّلْ ذئبًا واهجم على قطيع رجال العدو، مُعْطيًا أنينًا نظير أنين.

وأنتِ أيضًا، أيتها العذراء، ابنة ليتو١١ أَحضِري قوسَكِ.

(فترة توقُّف، يُصغِي خلالها الجميع بانتباه، ثم يَقطعْنَ الهدوءَ بصرخةِ فَزَع.)

لقد سمعتُ قعقعةَ العربات!
إنها تطوف حول المدينة، أيتها الملكة هيرا.

هذا الصوت ناشئ عن خشخشة محاور عجلات العربات الثقيلة الأحمال. أَشفِقي علينا يا أرتيميس!

إن الجو لَيَضطربُ من اهتزاز الرماح.

ماذا سيحدث لمدينتنا؟

ماذا سيتمخَّض عنه هذا الحادث؟

ما هو الغرض الذي يأمر به الرب؟

(يُسمَع صوتُ ارتطامٍ بالخارج، فتصرخ النسوةُ من جديد.)

صه! إن الأحجار لَتنهالُ على قمةِ أسوارنا! أي أبولو المحبوب!
وتُصلصِل التروسُ ذوات الإطار البرنزي، عند الأبواب.

وأنتِ أيتها الملكة أثينا،١٢ المبارَكة في المعارك، التي أعطاكِ زوس السُّلطةَ المقدَّسة لتقرِّري مصير الحرب، قِفِي إلى جانبنا، وأَنقِذي وطننا؛ هذه المدينة ذات السبعة الأبواب.

اسمعونا، أيها الآلهة الكامِلو القوة،

اسمعونا، أيها الآلهة الملوك، والربَّات،

يا حافِظي حصون مملكتنا:

لا تخونوا مدينتَنا

من جهاد القتال هكذا

إلى أعداء ذوي عقول أجنبية.

استمعوا إلينا، نحن الفتيات، كونوا عادِلين وأَنصِتوا

إلينا ونحن نبسط أيدينا إليكم بالصلاة.

اسمعونا، يا آلهتنا، وخلِّصونا،

قِفُوا بمُحاذاة مدينتنا، وأَظهِروا لها محبتَكم.

تذكَّروا تقدميات هذا الشعب،

وعندما تتذكَّرونها، خلِّصونا!

فَلْتتركَّزْ أفكارُكم على الطقوس المقدسة لمدينتنا

وضحاياها المخلصة.

(يدخل إتيوكليس.)

إتيوكليس : أيتها المخلوقات التي لا تُطاق، إنني أسألكن،
هل هذه هي طريقة إنقاذنا؟

هل هذا مما يشجِّع مُقاتِلينا الواقفين على الأسوار؛

أن ترتمين على تماثيلِ آلهتنا الحارسة

وتعوِّلْنَ وتَصرخن، الأمر الذي يمتعض منه كل ذي لُب؟

النساءَ! أرجو أن أُجَنَّبَ مئونة الحياة بينهن،

سواء في وقت الحرب، أو خلال نعمة السلام!

أعطِ النساءَ حريتَهن،

تجدهن جريئات فوق ما يُطاق، ولكن ما إن يشعرن بالخطر حتى يُضاعِفن

كلَّ صعوبة، في المدينة وفي البيت.

انظرْنَ الآن، إنكن بالاندفاع مذعورات هنا وهناك،

تغمرْنَ قلوبَ مواطنينا بالخوف والجبن؛

وبذا ينال العدو كلَّ ميزة يرغب فيها،

بينما نحن في داخل الأسوار، نقطع رقابنا بأنفسنا.

هذا ما يتأتَّى من الحياة وسطَ حشدٍ من النساء.

والآن، كل مَن لا يخضع لسلطتي،

سواء أكان رجلًا أو امرأة، أو أي شيءٍ بين هذا وتلك،

سيُحكَم عليه بحجر الموت.١٣ نعم، سيموت

دون استئناف الحكم، ستَرْجمه أيدي الشعب بالأحجار، حتى يموت.

الحرب من شئون الرجال، ولسنا بحاجةٍ إلى كلام النساء.

ليس لكُنَّ مكانٌ هنا، ادخلْنَ إلى بيوتكن حيث لا تُحدِثن ضررًا.

أسَمِعتُنَّ هذا، أو لم تَسْمعن؟ أو هل أنتُنَّ صُمُّ الآذان؟
الكوروس : يا ابن أوديبوس العزيز،
إن ما خوَّفني هو صوت قعقعة وخشخشة العَرَبات،

صراخ المحاور والعجلات الدوَّارة،

ونغمة الدفَّة الخَشِنة

التي تُمسِك الخيول من أفوهها،

القِطَع الحديدية المشكَّلة بالنار، التي تضبطها.١٤
إتيوكليس : إذن، فهل يهجر قائدُ الدفَّة الذي يعمل في بحرٍ هائج
عجلةَ الدفة ويهرع إلى مُقدَّم السفينة؟
الكوروس : كلَّا، ولكني أثِق في الآلهة؛ ولذا جريتُ إليها، إلى هذه
التماثيل العتيقة، مباشَرةً

عندما سمعتُ صوت ذلك الارتطام القاتل على أبوابنا.

نعم، ساقَني الفزعُ عندئذٍ

إلى الصلاة للآلهة المباركة

لتضع يدًا حامية فوق مدينتنا.
إتيوكليس : صَلِّين لكي تظل أسوارنا ثابتةً أمام رمح العدو.١٥
أليس هذا من صالح الآلهة؟ لأنهم يقولون

عندما يستولي العدوُّ على مدينة، ترحل عنها جميع آلهتها.
الكوروس : أتمنى ألَّا أعيش لأرى
مجلسَ الآلهة الكامل هذا يهجرنا،

والجنود الأجانب تملأ الطُّرقات في مدينتنا،

يهدمون، ويحرقون، ويحطِّمون.
إتيوكليس : صَلين إذا شئتن، ولكن لماذا تبتعدن عن المعقول؟
لماذا يقول المثل السائر يجب البحث عن الأمان؟

إن «الطاعة» هي أم «الأمان»، وهي كذلك زوجة «المخلص».
الكوروس : هذا صحيح! ولكن قوة الآلهة لا تزال أعلى،
وغالبًا عندما يكون الناس عاجزين إزاء الكارثة،

عندما تغشى عيونَهم سحبٌ قاتمة.

حتى في أشد الأحزان عنادًا،

فإن عَوْن الآلهة يَدُلُّهم على الطريق.
إتيوكليس : إن خدمة الآلهة، والتقدمات الدموية، والتضحية
من أجل الآلهة، هي كل ما يهتم به الرجال، عندما يجرِّبون قوتَهم مع العدو. أمَّا مهمتكن، فهي أن تَمكثْنَ في البيوت.
الكوروس : سنعيش بعون الآلهة، في مدينةٍ غير مقهورة، وتبتعد عن أسوارنا جموعُ الأعداء،
ليست الآلهة غاضبة؛ لأننا نصلِّي لهم.
إتيوكليس : لا أمانع في تمجيدكن للآلهة،
على أن يكون هذا في هدوءٍ وعدمِ خوف،

إنكن تَنْشرنَ اليأس بين مواطنينا.
الكوروس : لقد أرعبَتني أصواتُ الحرب المفاجئة المختلطة، فجريتُ من هنا مذعورةً إلى الأكروبول؛
بيت الآلهة المقدَّس.
إتيوكليس : أصغين إليَّ، إذا بلغ مسامعَكن أن الرجال يموتون ويُجرَحون، فلا تستقبِلْنَ الأخبارَ بالصراخ، فإن دم الرجال غذاءٌ لأريس.
الكوروس : هناك! إنني أسمع صهيلَ خيول!
إتيوكليس : لا تهتمي بالسمع إلى هذا الحد.
الكوروس : إن قلعتنا تَئِنُّ من أساسها!
ها هم قد التفُّوا حولنا.
إتيوكليس : لا شكَّ في أنني سأهتم بهذا الأمر، اتركي كل شيء لي.
الكوروس : إنني خائفة، إن صوت الطرق على الباب يعلو.
إتيوكليس : صه! لا يجب أن نتحدَّث هكذا عن المدينة.
الكوروس : أيها الآلهة الذين تُقاسِموننا حياتَنا! لا تهجروا هذه الأسوار.
إتيوكليس : فَلْيأخذكن الطاعون! أَلَا تتذرَّعْنَ بالصبر وتُمسِكْن ألسنتكن عن الثرثرة؟
الكوروس : أيها الآلهة، نحن شعبكم، احفظونا من الاستعباد.
إتيوكليس : إنكن اللواتي تجعلْنَ مني عَبدًا، ومنَّا جميعًا.
الكوروس : أي زوس، القادر على كل شيء، سدِّدْ ضرباتك ضد أعدائنا.
إتيوكليس : أي زوس، أية هدية منحتَنا عندما خلقتَ النساء!
الكوروس : تتألم النساء كما يتألم الرجال إذا ما سقطَت مدينتُهم.
إتيوكليس : أتنطقن بمثل هذه الألفاظ،١٦ وأيديكن على التماثيل المقدسة؟!
الكوروس : لقد فقدتُ شجاعتي، وذهب الذعرُ بلساني.
إتيوكليس : أتوسَّل إليكن! لا تُجبِرنني على اتخاذِ إجراءاتٍ أكثر خشونة.
الكوروس : لسنا نعلم ماذا تريد منا، أوضِحْه لنا.
إتيوكليس : أريد أن تُمسِكْنَ ألسنتكن التعيسة، ولا تخوِّفن أصدقاءَكن.
الكوروس : سمعًا وطاعة، فالقَدَر واحد للجميع، سنتحمَّله.
إتيوكليس : تسرُّني هذه النغمة أكثر من السابقة. والآن اعملن أكثر من ذلك.
لا تتشبَّثْنَ بهذه التماثيل، وصَلِّين صلاةً أحسن من الأولى، أن تقاتل الآلهةُ من أجلنا، وأصْغِين أولًا إلى نذوري، ثم ارفعن صرخةَ النصر القوية بقلوبٍ طيبة، صرخة التضحية التي يألفها الإغريق قاطبة، لتُحَمِّسَ رجالنا وتجعلهم غيرَ هيَّابين في الميدان.

وأنا من ناحيتي، أنذر لآلهة مملكتنا الحارسين، الذين يسهرون على حقولنا وعلى شوارع مدينتنا،

وإلى نافورة ديركي Dirce، وإلى نهر إسمينوس، أنه إذا صار النصر لنا، ونجَت هذه المدينة، تجري دماءُ الأغنام فوق مذابح آلهتنا،

وأذبح لها الثيران، وأكرس التذكارات،

من أثواب أعدائنا. استمعوا إلى صلاتي، أيها الآلهة:

«أثواب أعدائنا، ومغانم المعارك المشقوقة بالسيوف،

سأعلِّقها كأكاليل في معابدكم المقدَّسة.»

هذا ما يجب أن تكون عليه صلاتكن، وليس بهذا النحيب المرتفع،

وليس بالنطق بتلك الألفاظ البربرية الحمقاء أمام الآلهة، الذين، بكل تأكيد، لن ينقذوكن مما سوف يأتي. وفي هذه الأثناء، سأختار ستة رجال، ثم أعود، فأضعهم معي، وأكون أنا سابعهم، لحراسة أبوابنا السبعة، لكي نكون متعادِلين مع العدو في العِزَّة والقوة، وإلا فستصل الإشاعات السريعة إلى شعبنا،

وتملؤها بُحمَّى الخوف الباطل.

(يخرج إتيوكليس.)

الكوروس : ها أنا ذا أطيعك، غير أن عقلي متيقِّظ بالخوف.
والقلق المجاوِر لقلبي،

يُشعِل نارَ الخوف من الجموع التي تحاصِرنا،

فأكون أشبهَ بيمامة ترهب،

من أجل سلامةِ صِغارها في عشِّها،

الأفعى الزاحفةَ بقسوةٍ إلى فراش تلك الصغار.

انْظُرْ إلى حيث يتقدَّم نحو أسوارنا

أولئك المحاربون، الذين من كل نوع، إنهم أُمَّة تحمل السلاح!

ماذا سيكون مصيرنا؟

وانظر ثانيةً، ها هم يقذفون وابلًا من الأحجار الحادة الأطراف،

على الرجال المعتدين بالسيف والمقلاع.

أيها الآلهة السماوية المولد،

ضَعُوا كلَّ قوة

لإنقاذ المدينة والعشيرة التي أسَّسها كادموس.

أية مملكة صالحة للسُّكنى ستجدونها خيرًا من هذه،

إذا سلَّمتم إلى أعدائنا أرضَنا العميقة،

وينبوع ديركي، أكثر الأمواه تغذيةً

التي يصبُّها بوسايدون، مطوِّق الأرض،

وأولاد تيثيس، ليشربها رجالنا؟!

ولهذا، أيها الآلهة الحارسون،

أنْزِلوا الفوضى بالجيش الواقف عند أبوابنا،

واقتلوا رجالَه وهم يقذفون بتروسهم،

واربحوا المجدَ لأنفسكم بين شعبنا.

هلموا إلى إنقاذ مدينتنا،

ثبِّتوا عروشَكم بيننا،

استجابةً لنحيبنا المرتفع وصلواتنا.

كم يكون مؤسفًا أن يُحكَم هكذا

على مدينة عريقة بالفناء،

ويُستولى عليها بالسيف، وتُستعبَد،

وتصبح أكوامًا من الرماد المنهار،

وتُترك وحيدةً يجللها العار،

بأيدي الآخيين Achaians ومشيئة الآلهة،

الذين يرمِّلون النساء، صغيرات وكبيرات،

ويجرُّونهن من شعورهن كما تُجَرُّ الخيول،

وقد غَدَت ثيابهن أسمالًا على أجسادهن،

وعند الجلاء عن الخرائب، ترتفع صرخةُ

الأصواتِ المختلطة الصادرة من أولئك الأسرى

الذاهبين إلى حتفهم.

إنه لَمستقبلٌ مفزع، ذلك الذي أرهبُه.

يجب أن تُذْرَف الدموع من أجل الفتيات الرقيقات التربية،

اللواتي قَطفْنَ زهرةَ عذريتهن قبل طقوس الزواج،

ويَسِرْنَ في الطريق المقيت إلى بيوتٍ جديدة.

ماذا سيكون مصيرُهن؟ أقول إن الموتى يتمتعون بحظٍّ أعظم سعادة.

عندما تنهزم مدينة

يلاقي أهلُها كثيرًا من الآلام والمِحَن،

فيقبض رجلٌ على رجلٍ آخَر، أو يقتله،

ويجلبون النار، ويغدو المكان كله فاسدَ الجو بالدُّخَان.

ويسيطر جنودُ أريس على الناس زَرَافات زَرَافات،

ويتنفَّس القنوط فوق المشاعر الموقرة.

يملأ الطُّرقاتِ ضجيجُ الصياح،

ويسقط سورُ الأبراج،

ويواجِه الرجلُ الرجلَ فيسقط أمام الرمح،

مضرَّجًا بالدم، وتصيح أمهات الأطفال الحديثي الولادة

باكياتٍ على أطفالهن المذبوحين على صدورهن،

وتُشتِّت العصاباتُ الجوَّالة أفرادَ الأسرة الواحدة.

ويلتقي الناهِب بالسالِب، وكلاهما مُحَمَّل،

وخالي اليد ينادي خاليَ اليد

ليجرِّب حظَّه معه غير قانِعٍ

بنصيبٍ أقلَّ أو معادِل لنصيبِ زميله،

فيقول كلٌّ منهما: «إنك لا تستطيع أن تسعى لنفسك،

فإذا تخلَّفتَ، فمَن كان ينتظرك؟»

هناك مخزون من الطعام مبعثَر فوق الأرض بغير نظام،

وهذا منظرٌ تَحزن له ربَّةُ البيت،

وهدايا الأرض الجميلة مُلْقاة، بعضها مع بعض بدون اعتناء،

أسفلَ بقايا الأطعمة المتروكة بغير اهتمام.

أمَّا الفتيات الصغيرات، وقد غَدَوْنَ إمَاء، وجديدات على الأحزان،

وصِرْنَ جوائزَ حرب، فيَنتظرهن فراشٌ مُؤسِف،

فراشُ رجلٍ كلُّ حظِّه أنه هزم عدوَّه،

هناك يلتقين ليلًا مع فضِّ بكارتهن،

ويستبدلْنَ بالراحة ألمًا، ودموعًا لا تنقطع.
الكوروس الأول : صديقاتي العزيزات، انظرن! لا شكَّ في أن هذا هو الجندي العائد
ليخبرنا بشيءٍ جديد من ميدان القتال،

إنه يجري بسرعةٍ كما لو كانت قدماه عجلتَي عربة.١٧
الكوروس الثاني : وها هو الملك نفسه، ابن أوديب،
يصل في الوقت المناسب، ليسمع الأخبار التي يحملها الرسول،

وهو كذلك، يُسرِع خطْوَه في عجلةٍ ظاهرة.

(يدخل الجندي من جانب، وإتيوكليس من الجانب الآخر، يتبعه ستة أبطال وجنودٌ آخَرون.)

الجندي : لقد عرفتُ تمامًا تنظيمَ الأعداء،
يمكنني أن أخبرك بمَن يقف عند كل باب تبعًا للأزلام.

وقف توديوس Tydeus عند الباب البرويتيدي Proetid، مزمجرًا،

ولكنه، رغم هذا لا يستطيع أن يَعْبر نهر إسمينوس؛

إذ حَرَّمَ عليه ذلك

العرَّاف؛ لأن الذبائح لم تكن مقبولة،

وإذ جُنَّ جنودُ تورديوس هذا بتعطُّشه للقتال، غدا كالأفعى

تفحُّ ظُهرًا، فأخذ يَهْذي ويكيل الشتائم

قائلًا إن العرَّاف ابن أويكليس Oecles١٨

ماهر في الروغان والابتعاد

عن طريق الموت، وجبان القلب حتى في القتال.

وبينما هو يصيح مِلْءَ شِدقَيْه، يقذف بثلاثِ ريشات طويلات ظليلات، من قبرة خوذته،

بينما من داخل ترسه، تُرسِل الأجراسُ المصنوعة من البرنز رنينًا مفزعًا،

وقد نقش على صفحة هذه الأداة الوَقِحة، سماء

تتألَّق بالنجوم، وفي وسطها

يُضِيء البدرُ المجيد وضَّاحًا بين النجوم،

فيبدو كأنه عين الليل ذاتها.

وهكذا يفخر بجنون، متبخترًا في حلَّتِه الحربية؛

فأخذ يصيح بجانب شاطئ النهر،

متلهفًا إلى القتال،

كحصانِ عَرَبةٍ متوحِّش،١٩ يعض على قطعة اللجام،

قلقًا من انتظارِ صوتِ البوق،

فمَن ذلك الذي سترسله لمواجَهته؟ مَن هو الجدير بالثقة

ليحافظ على باب بروميثيوس عندما يسقط الحاجز؟
إتيوكليس : لا يخيفني ما يلبسه الرجل،
فليس في مقدور الصور أن تُحدِث جِرَاحًا،

كما أنه ليس بوسع دُروعه ولأجراسه أن تؤذي بغير رحمة.

أمَّا ذلك الليل الذي تخبرنا به،

وبريق النجوم السماوية المنبعِث من ترسه،

فهي خزعبلات يمكن التنبؤ بها عن ذلك الرجل.

ماذا يحدث لو سقطت ليلة الموت على عينَيه؟ أعتقد أن رمز الغرور هذا يبرر بعدل معناه لنفس الرجل الذي يحمل ذلك الرمز، وتصير كبرياؤه تنبؤًا ضد نفسه.

لدينا هنا، ابن أستاكوس Astacus الشجاع، لمقاتَلة تونديوس،

إنني أُعَيِّنه بطلًا لذلك الباب، فإن مولدَه

نبيل، ويحترم عرش «الاحتشام»،

ويمقت ألفاظَ الزَّهْو، ولا يسعى إلى أيِّ فعلٍ يجلب العار،

اللهم إلا في أعمال القتال.

لدينا فرع صغير نشأ من أولئك الذين أبقاهم أريس من الرجال المزروعين،٢٠ وهو ميلانيبوس Melanippus، ابن أرضنا بحق.

سيرسل أريس، ربَّة «واجب القرابة»، بحظ الضربة، هذا أكيد وعدل، يرسلها قانونه

لحماية الأرض التي ولدته، من سيف العدو.

(يخرج ميلانيبوس.)

الكوروس : إذن، فعسى بطلنا، الذاهب إلى هناك، أن يقاتل من أجل مدينتنا باسم العدالة،
وأن تمنحه الآلهة النصر،

غير أنني أرتعد وَجِلًا عندما أرى

الموتَ الأسود لأولئك الرجال

الذين يموتون وهم يقاتلون من أجل أعِزَّائهم.
الجندي : كذلك، عسى الآلهة أن تمنح ميلانيبوس، النصر!
أما الباب الإلكتراني Electran، فذهب بالقرعة إلى

كابانيوس Capaneus.٢١

وهو شخص متغطرِس، أشبه بالعملاق، وأسوأ من ذلك

السالف الذِّكر.

يبدو الصَّلَفُ في ثرثرته، أكثر مما تتَّصِف ألفاظه بالناحية الإنسانية،

وإنه لَيرسل

تهديداتٍ غريبةً مُخِيفة ضد أسوارنا،

تهديداتٍ لا بد أن تحبطها الآلهة.

فيقول: سواء أراد الرب أو لم يُرِد، فسينهب هذه المدينة،

وليس بمقدور صاعقة زوس نفسِه،

لو قُذِفت عند قدمَيه، أن تُوقِفه. أمَّا البروق والصواعق، فهو يعتقد أنها لا تزيد على حرارة أشعة الشمس في وقت الظهيرة.

ويتخذ مستشارًا له، حامل نار غير مسلَّح،

كل سلاحه مشعل متأجِّج النار يقبض عليه بكلتا يدَيه،

ألفاظُه بالحروف الذهبية، هي: «سأحرق هذه المدينة.»

إذن، فأرسِل لمنازَلته بطلًا. مَن سيذهب إليه؟

مَن ذلك الذي يقف أمامه غير هائب لجميع زَهْوه؟
إتيوكليس : ميزتنا على هذا أيضًا، تزيدنا ربحًا على ربح؛
فعندما تنتفخ كبرياء الناس بالحماقة، يغدو لسانهم أداةَ اتهامهم.

ليست تهديدات كابانيوس مجرد ألفاظ، وإنما هو على استعداد لأن يعمل متحديًا الآلهة. فعندما يفخر بجنون، مِلْءَ رئتَيه،

فإنه يرسل تحدِّيه القاتل إلى السماء، فتتضخَّم

ألفاظُه كما ترعد الأمواج في أُذن زوس.

وإنني لعلى يقينٍ من أن حامل ناره سيُوافِيه

بما يستحق؛ الصاعقة، غير المشابهة لحرارة أشعة الشمس في وقت الظهيرة. لقد عيَّنتُ لمواجَهته رجلًا

حاقِد الألفاظ، ملتهِب الشجاعة؛ إنه بولوفونتيس Polyphontes، الذي ستكون قوته دِرعًا أكيدة، تَقِينا بنعمة أرتيميس،٢٢ بطلتنا، وبنعمة الآلهة الآخرين.

(يخرج بولوفونتيس.)

والآن، اذكر اسمَ بطلٍ آخَر، والباب الذي عُهِد إليه به.
الكوروس : الموت لمن يزهو عاليًا ضد مدينتنا!
لتَكُن الصاعقة هي السلاح المُوقِف له،

قبل أن يقتحم بيتي.

وَلْيَكُن أول تقهقُرٍ لرمحه الوَقِح

خرابًا على نفسه!
الجندي : والتالي بعد ذلك في سَحْب أزلام الأبواب، ليعرف
الباب الذي سيهاجمه.

قفز الزلم الثالث من الخوذة البرنزية المقلوبة، فأرسل إتيوكلوس

Eteoclus منقضًّا بجنوده على الباب النياستاني Neistan،

وقد تلهَّفَت أفراسُه القَلِقة، إلى اقتحام المدخل، فأخذت تدفع جباهَها وهو يُدِيرها، تارةً إلى هذه الجهة، وطورًا إلى الجهة الأخرى.

أمَّا خياشيمها الأنبوبية فمليئةٌ بالأنفاس الحيوانية المزهوة،

وترسل موسيقى وحشية. وفوق ترسه شارةٌ

غير متواضعة، وإنما هي: رجل في حلَّةٍ حربية يتسلَّق سورَ العدو بواسطة سُلَّم، لكي ينهب المدينة،

كذلك يصيح هذا الرجل، وكلامه مكتوب هناك:

«لن يصدَّني أريس نفسُه عن أسوارهم!»

أَرسِل ضدَّه رجلًا نثق في قدرته

على دَرْءِ أغلال الرِّقِّ عن مملكتنا.
إتيوكليس : هاك الرجل في الحال؛ سأُرسِل ميجاريوس Megareus، أحد أفراد العشيرة المزروعة، وابن كريون Creon؛٢٣ إنه رجل تقوم يداه له بتنفيذ ما يَفْخر به. فَلْيَقع عليه اختيارنا، وَلْيُرافِقْه الحظ. لن تستطيع الحمحمةُ الوحشية للخيول الشاخرة
أن تزحزحه مرتجفًا عن ذلك الباب. فإمَّا بالموت سيدفع دَيْنه الطبيعي لأرض وطنه، أو يهزم رجلَين وقلعة فوق ترسه،

سيحمل مغانمه إلى وطنه ليُشَرِّف بيتَ أبيه.

هيَّا، واذكر لنا ثرثرةَ البطل التالي، ولا تترك شيئًا.
الكوروس : أيها المدافعون عن أوطاننا!
إننا نصلِّي طالباتٍ النجاحَ لقضيتنا،

والموتَ لأعدائنا.

فكما أنهم في زَهْوهم الجنوني

يهدِّدون مدينتنا في صَلَف،

فَلْينظر زوس المنتقِم إليهم بغضب.
الجندي : وأمَّا رابع بطل سحب زلم الباب التالي لأثينا أونكا٢٤ فأقبل يصيح ليتخذ مكانه؛ إنه هيبوميدون Hippomedon، الفارع الطول، العظيم الجثة. صدِّقني عندما أقول، إنني لمَّا أبصرتُ
ترسَه الضخم المستدير، الشبيه بالجرن، ولاحَظْتُه وهو يطوح به،

ارتعدتُ؛ إذ لم يكن هذا من العمَّال الخامِلين، الذين ينقشون

مثل تلك الصنعة على تروسهم، بل نقش شارته رسم توفون Typhon، وفمه يتنفس النار فيخرج الدخان الأسود متألقًا، حتى ليكاد يكون لهبًا،٢٥ وعليه لفات أجسام الأفاعي

تجري حول الحافة لتضم الغِلاف الخارجي،

وتثبته في هيكل الدائرة المُنْبَعِج التجويف.

فصاح صيحة الحرب، إذ تقمَّصه أريس، وغدا كأتباع باخوص Bacchus،٢٦ نشوان بشهوة الحرب، تقدح عيناه بالفزع.

فكِّرْ مليًّا فيمَن يحاول منازَلة مثل هذا الرجل،

وقد زها عند أبوابنا بالهزيمة المصحوبة بالذعر والفزع.٢٧
إتيوكليس : لدينا أولًا، أونكا بالاس، المجاوِرة لباب مدينتنا، والتي تمقت غطرسةَ الرجال، وهذه ستُرْبِكُ تلك الأفعى الباردة.
وهي تسعى إلى جحرها وصغارها. وثانيًا هوبربيوس Hyperbius المقدام ابن أرينوبس Oenops؛ وهذا رجلٌ كُفْء لمواجَهة ذلك الرجل.

إنه راغب، منذ لحظة اختياره، في الوقوف على مدى

دوره إزاء ما يتطلَّبه الموقف،

أمَّا جسمه وروحه وأسلحته، فكلُّها مؤهَّلة لمثل هذه المنازَلة. وقد فعل هيرميس حسنًا في الاختيار بين هذين؛

فهذا الرجل عدو لمَن سيواجهه،

وترى منقوشًا على ترسَيْهما صور الآلهة التي

سيضعان كُلًّا منها في مواجَهة الآخَر،

وهي كذلك متعادية، فعلى ترس أحدهما توفون يتنفَّس اللهب،

بينما يجلس الأب زوس لا يتحرَّك فوق ترس هوبربيوس، وقد التهبت صاعقة النار في يده. وأعتقد أنه ما من رجلٍ رأى زوس مهزومًا. هذه هي الآلهة المناصِرة لهما؛ وهكذا نكون نحن مع الجانب الظاهر، وهم مع الخاسر؛ إذ إن قوة توفون في المعارك تقل كثيرًا عن قوة زوس. وإذا كنا نأمل، مع الاختيار الموفَّق بين هذين الرجلَين، أن النصر

سيتجاوب مع رمزَيهما، إذن فسيعرف هوبربيوس

يدَ زوس المنقِذة؛ زوس الذي يحمل هوبربيوس ترسَه.
الكوروس : أُومِنُ بأن خصم زوس — ذلك الذي يحمل صورة توفون فوق ترسه؛ توفون المولود من الأرض، والمكروه،
وهذه صورة يمقتها كلٌّ من: القوى غير المنظورة،

والجنس البشري، والآلهة الخالدين —

سيضرب رأسه التراب أمام أبوابنا.
الجندي : عسى أن يتحقَّق هذا! وبعد ذلك سأتحدَّث عن الرجل الخامس،
الواقف عند الباب البورَّاياني Borraean، بجانب قبر أمفيون Amphion٢٨ بن زوس. إنه يُقسِم بالرمح الذي في يده،

الذي يُقَدِّره حسب اعتقاده أكثرَ من الإله أو من عينَيه، إنه سيدمِّر مدينة كادموس، حتى بالرغم من زوس. هذه هي طريقة كلامه، ذلك الجَرْو المتورِّد الخدَّين، ابن المرأة المتوحشة الجوَّابة للتلال،

إنه رجلٌ نصفُ غلام. ولماذا؟ فإنه الآن فقط، يُرسِل فوق خدَّيه خصلاتٍ غضَّةً من الشعر الأجعد، ومع ذلك فإنه تقدمه ليدل على كبرياء ليست أنثوية كاسمه،٢٩

ولكنه، مع ذلك متوحِّش ذو عينَين مخيفتَين. إنه يقف عند بابنا،

ليس بغير ثرثرة، وترسُه ذو الإطار البرنزي، مستدير الشكل، يحمي كلَّ جسمه، ويرسل الإهانةَ إلى مدينتنا. والصورة المتألقة المنقوشة صورة سفنكس Sphinx،٣٠ آكلة لحوم البشر، مثبتة بمهارة على الترس،

بحيث تتحرَّك حول محور، وتحمل أسفلها رجلًا من شعبنا الكادمي؛ وهذا مما يُؤخَذ على هذا المحارب، ويُلقي عليه كامل ثقل أسلحتنا. وأظنه لم يأتِ ليقاتل بالتجزئة في هذه الحرب، وإنما ليحقِّق رحلته الطويلة. وهو من أركاديا، بارثينوبايوس. هذا رجلك، وهو غريب، وَجَدَ في أرجوس

المأوى والتنشئة النبيلة، والآن لكي يسدِّد دَيْنه يقذف على هذه الأسوار بتهديدات، أرجو أن تحبطها السماء.
إتيوكليس : عسى أن ينالوا، هم وتجديفاتهم، وشارات غرورهم جميعًا،
عنفَ غضبهم، على يد السماء!

وأن تكون نهايتهم مثلَهم، مدمرة وشريرة.

أمَّا لمواجَهة هذا أيضًا، ذلك الأركادي الذي تَصِفه، فلدينا رجل غير مزهو، وإنما تتطلَّع يده إلى العمل؛ إنه أكتور Actor،٣١ شقيق البطل الذي اخترناه قبلَه. لن يَدَع أكتور هذا الفيضَ من الأقوال غير المدعمة بالأعمال، يتدفَّق

ليروي الأعشاب الضارة، ولن يَدَع عدوًّا على ترسه صورة ذلك الوحش المقيت، يمر داخل أبوابنا. ستلوم السفنكس حامِلَها، عندما تجد نفسَها تحت أسوارنا محطَّمة ومطروقة، بحيث يصير خارجها في داخلها.٣٢ لعل كل لفظ من كلامي يتحقَّق بعطف السماء.
الكوروس : لقد ضُرِبتُ إلى وسط قلبي في الصميم، وتصلَّبَ شعري رعبًا،
عندما سمعتُ عبارات الزَّهْو

التي تفوَّه بها هؤلاء الرجالُ المتشدِّقون الزنادقة. عسى الآلهة، إذا كانت آلهة، أن تحطِّم مثل أولئك الرجال في القتال.
الجندي : أمَّا السادس فهو جندي يتحاشى الفخر،
إنه عرَّاف يقاتل بشجاعة. إنه أمفياراوس٣٣ القوي.

يقف عند الباب الهومولوياني Homoloean، يكيل الشتائم لتوديوس العظيم، فيصيح قائلًا: «إنه قاتِل ومحفِّز على الشغب العام،

علَّمَ أرجوس طُرقَ الشر، أكثر من جميع مَن عداه؛

إنه أعظم كاهن في سفك الدماء، ومُوقِظ لأرواح الانتقام،

ومستشار أدراستوس في هذه الحرب الشعواء.»

بعد ذلك يرفع بصره إلى السماء، وينادي عاليًا على مَن جعله مَوْلدُه شقيقَك، فينادي بولونيكيس، أي «الباحث عن النزاع»، مقيمًا مرتَين على ذلك الاسم المشئوم،٣٤ ويتكلَّم هكذا: «لا شك في أن مثل هذا العمل يسرُّ الآلهة، وهو ممجَّد في كلٍّ من سماعه وتركه ميراثًا للصغار؛ أن تجلب جيشًا أجنبيًّا ليهاجم ويدمِّر

مدينةَ آبائك، ويضع في التراب آلهةَ مملكتك!

هل من الصواب أن تردم الينبوعَ الذي غذَّى حياتك؟

عندما تجعل أرضَك أسيرةَ سيفِك

لأنك غَيُور، فكيف يعمل ذلك على نجاح قضيتك؟

أمَّا عني، فإن أرض هذه المملكة هي التي سأغنيها،

سيقوم قبري ووحيي على أرضٍ أجنبية.

إذن، هيَّا بنا نقاتل؛ لأنني أرى الموتَ وليس العار.»

هكذا تكلَّم العرَّاف، وأمسك ترسَه بغير حَرَاك؛ ذلك الترس البرنزي الذي لم يُنقَش على سرته أية علامة؛

لأنه لا يهتم بأن يبدو أشجعَ شخص، بل ليحصد هكذا أخاديد عقله الخصبة، التي تنشأ عنها النصائح السليمة. وأشير بأن ترسل نِدَّه محارِبًا يكون حكيمًا وشجاعًا؛

فالرجل الذي يحترم الآلهة، هو مَن يُخشى جانبُه.
إتيوكليس : حسنًا، عسى المرء أن يلعن الفرصة التي تجمع رجلًا برجل،
التَّقيُّ بغير التقيِّ، والطيب بالشرير. لا شيء أسوأ في أي مشروعٍ من صحبة السوء.

وليس محصولها نعمة؛ لأنه عندما تحرث الحماقة، فلن يكون محصولُها غيرَ الموت. قد ينضمُّ الربَّان الطيِّب إلى سفينة،

حيث ينوي بحَّارتُها المجرِمون الشرَّ،

فينال نفسَ مصير أولئك الرجال الذين يمقت الربُّ نوعَهم،

أو في المدينة، يقع رجلٌ طيب وسطَ الأشرار الذين يظلمون الأغراب، ويَنْسَون الآلهة؛ إنه كذلك رغم براءته، يقع في نفس الشَّرَك المُعَدِّ لهم، ويُرَوَّض ويُخْضَع بسَوْط السماء غير المحابي.

هكذا الحال مع أمفياراوس؛ ذلك الرجل المحتشم الشجاع،

المستقيم والوَرِع، والعرَّاف القويُّ، المتحالِف

ضد رأيه مع المجدفين المتغطرسين،

في رحلةٍ بعيدةٍ سيثبت أنها أطول من أن يعود منها أي إنسان،

فإنه إذا شاء زوس، سيُجَرُّ معهم إلى أسفل الأرض.

الحقيقة أنني أعتقد أنه لن يستطيع أن يهاجم الأبواب، ليس بسبب اليأس أو الجبن، وإنما لأنه يعرف تمامًا أيَّ مصيرٍ ينتظر قتاله، إذا كان لكلمة أبولو أن تثر، ولطريق الرب أن يلتزم السكون، وإلا فقُلِ الصدق. ورغم هذا سنعادله برجل، هو لاسثينيس Lasthenes القويُّ، ذلك البواب العديم الكرم،

المتَّصِف بحكمةِ الشيوخ وعضلاتِ الشباب، وعينٍ يَقِظة كقدمه الخفيفة الحركة، وذراعِ رمحٍ سريعةِ الانقضاض على الموضع العاري بجانب ترس العدو.

ومع ذلك، فالنصر بين البشر هدية السماء.
الكوروس : أيها الآلهة، اسمعوا صلاتَنا،
وامنحونا ما نطلبه بعدل:

امنحوا مدينتنا النصر،

وحوِّلوا خطرَ السيف

إلى أولئك الذين يغزون أرضنا،

وهم لا يزالون خارج تحصيناتنا،

عسى زوس أن يضربهم

بصاعقة ويقتلهم!
الجندي : وسأخبرك الآن بالرجل السابع، الذي عُهِد إليه بالباب السابع، إنه شقيقك بولونيكيس، الذي يطلب الحظَّ لنفسه، ويطلب لك اللعنات والدمار، ويصلي طالبًا أنه،
وهو واقف على الأسوار، بصفته القاهر،

ويُنشِد على أرضنا صيحاتِ النصر الوحشية،

أن يتمكَّن من قِتالك، وبعد أن يُجندِلَك، يموت إلى جانبك،

أو إذا عشتَ (يصيح هكذا) وهو الأمرُ الذي يجلب العارَ عليه،

أن ينتقم منك انتقامًا مماثلًا بالمنفى

فينفيك، كما نُفِي هو. هكذا يصيح،

مناديًا الآلهةَ الخاصة بالأقارب والوطن؛

لكي تَشْهد عليه وتبجِّل صلاتَه هذه،

الزاخرة بالنزاع والعنف المناسبَين لاسمه!

والترس الذي صنعه جديدًا، كامل الاستدارة،

نُقِشت عليه شارةٌ مزدوجة، مُصمَّمة ببراعة:

محارِب كامل التسلُّح، من الذهب المطروق،

وتقوده سيدةٌ تمشي أمامَه في تواضُع.

يقول إن اسمها «العدالة» كما يُستدلُّ من الكتابة؛

«سأُرجِع هذا الرجلَ من المنفى،

سيمتلك مدينة، وفي بيت أبيه

يروح ويجيء كما يشاء.»

هذه هي الأدوات التي يحملونها معهم. ولك الآن أن تقرِّر مَن سترسل. وسأحمل الرسالةَ، فهذا هو واجبي، ولكنك ربَّان مدينتنا وعليك اختيار الرجل.
إتيوكليس : أيها البيت الذي تسوقه الآلهة إلى الجنون، الذي تمقته الآلهة إلى هذه الدرجة،
أَيَا بيتَ الدموع غير المنتهية، بيتَنا، بيتَ أوديب!

إنها لعنته تلك التي تُثمِر فينا نحن أبناءه.

ومع ذلك، فليس هناك متَّسَع من الوقت للدموع أو للأنين، خوفًا

من أن يأتي هذا الألم بميزةٍ أكثر سحقًا لنا؛

فسرعان ما سنعرف، عن بولونيكيس، الذي هو اسمٌ على مُسَمًّى،

عن الحقيقة الكامنة في حلته الحربية،

وعما إذا كان سيستطيع أن ينتصر

ويحضر من المنفى بحروفٍ من الذهب المشغول

تتألَّق فوق ترسه، متصلة بالجنون.

إذا كانت ابنةُ زوس العذراء، العدالة، سبَقَ أن

ابتسمت لأعماله وأفكاره، فقد ينال العودة.

ولكن ليس عندما أفلَتَ من ظُلْمة الرَّحِم،

ولا وهو طفل، ولا عندما بلغ طورَ الرجولة لأول مرة، ولا عندما صار شعر لحيته كثًّا، سواء بالكلام أو بالمظهر،

يُمكِن أن تعلن عنه «العدالة» الآن، وهذا مؤكَّد، على الأقل

أكثر من جميع ما عداه،

عندما تقاسي مدينتُه العنفَ على يده،

أن تقف العدالة إلى جانبه، فهل ستنضمُّ هي إلى شخصٍ متلهف إلى العنف بهذه الكيفية، فإن العدالة إن فعلتْ سُمِّيتْ كاذبة.

سأذهب بهذه الثقة لمواجَهته، أنا نفسي.

ومَن له حقٌّ أقوى مني؟ رئيسٌ ضد رئيس،

سأكون ندًّا له، أخًا في مواجَهة أخ، وعدُوًّا أمام عدو.

(إلى أحد الخدم) اجْرِ وأحضِرْ لي دروع٣٥ الركبة والساق،

لتحميني من الرماح والحجارة.
الجندي : كلَّا، أيها السيد المحبوب، ابن أوديب!
لماذا تقارن خُلقَك المحمود بتجديفات أخيك؟

يكفي أن يحارِبَ الكادميون يدًا بيد

مع رجال أرجوس، فالدمُ المسفوك هكذا يُمكِن ترضيتُه

ولكنَّ دمَكما واحد، فمثل قتل الأخ هذا، لن يستطيع

الزمنُ أن يُطهِّر من التلوث به.

وإذا لم يكن هناك مَفرٌّ من تحمُّلِ ذلك المصير،

فَلْنتحمَّلْه خاليًا من العار،

فماذا غير هذا يُمكِن تمجيدُه بين الموتى؟!

غير أن المصير المقرون بعدم الشرف، يهدم آخِر

آمالِك ويمنعه من الكلام.
الكوروس : علامَ عوَّلتَ يا بني؟
لا تجعل العاطفة المتأجِّجة

والتلهُّف إلى القتال يَذهبان بك بعيدًا.

هذه الضرورة التي تشعر بها، شرٌّ من الشرور،

اتركه قبل أن يستفحل أمرُه.
إتيوكليس : على هذه الصورة يريد الربُّ هذا العملَ
المنتقلَ بسرعةٍ إلى الرأس هكذا،

إذن، فَلْنَدَع ريحَ المصير، ومدَّ الجحيم، وكراهيةَ فويبوس،٣٦

تذهب بعشيرة لايوس إلى الدمار، إلى آخِر رجلٍ فيهم.
الكوروس : إنك مَسُوقٌ بتأثيرِ لهفةٍ وحشية
إلى وَصْمةِ دمٍ دينية، ستكون ثمرتُها مُرَّة؛

لأن اللحم الذي تمزِّقه، لحمُ رجل،

وليس الدمُ شرعيًّا.
إتيوكليس : نعم، لقد اختارَتْني لعنةُ أبي الشريرة، لهذه الوَصْمة الدينية،
وتطاردني بعينَين جافتَين عديمتَي الرحمة،

مؤكِّدةً لي أنه من الخير التعجيلُ بالموت وليس إرجاؤه.
الكوروس : امتنِعْ عن الإصغاء إليها! فما إن يستقرَّ رخاؤُك،
حتى لا يمكن أن تُوصَف بعد ذلك بالجبن، أَلَا ينزاح طيفُ ذلك البيت، ذو العباءة السوداء، عندما تتقبَّل الآلهة التقدمات من يدك؟
إتيوكليس : إنني لعلى يقينٍ من أن الآلهة، قد كفَّتْ عن التفكير فينا.
والتقدمة التي تريدها منا هي أن نموت.

إذن، فلماذا نهرب من نهايتنا المحدَّدةِ لنا؟
الكوروس : تنازَلْ عن رأيك الآن، بينما الوقت لا يزال متَّسعًا. فحتى الآن قد تتغير روح عداوة الآلهة، بعد ذلك الوقت الطويل،
وتحبوك بمصيرٍ أكثر اعتدالًا،

رغم ثَوَرانها الآن، كما كانت من قبل.
إتيوكليس : أشعلَتْ ثورةُ أوديب غضبَ الآلهة هذا، ما أَصْدَقَ شبح أحلامي في التنبؤ!
ذلك الشبح الذي يأتي كلَّ ليلة لتوزيع ميراثنا.
الكوروس : فَلْيحثَّك كلامُ امرأة على التنازُل عن رأيك، حتى ولو كان على الرغم منك.
إتيوكليس : قولي ما تشائين، وأتمِّي قولَكِ، فلا أريد خُطبةً طويلة.
الكوروس : اذهب حيثما شئتَ، إلا إلى الباب السابع، أرجوك.
إتيوكليس : لقد عقدتُ النية على هذا، وليس بوسعِ جميع كلامكِ أن يثبِّطَ الآن من عزيمتي.
الكوروس : يحظى الانتصار المنطوي على عدم الشجاعة، برضا الآلهة.٣٧
إتيوكليس : ليس هذا شعارًا يقبله رجل مسلَّح.
الكوروس : هل أنت على استعدادٍ لسلبِ دمِ أخيك؟
إتيوكليس : لا مفرَّ من الهلاك إذا ما أرسلَته الآلهة.

(يخرج إتيوكليس.)

الكوروس : إنني لَأرتجفُ من تلك الثورة التي تجلب الدمارَ على عشيرة بأكملها،
واهًا، واهًا لذلك الإله المخالِف لغيره من الآلهة،

المعصوم من التنبؤ بالشر،

أما وقد أثارَت لعنةُ الأب الإيرينوس Erinyes،٣٨

فإني أراها الآن تنفِّذ صلاةَ الغضب،

التي نطق بها أوديب في أثناء محنته،

إنها هذه الكراهية التي نراها

تَسُوق ابنَي أوديب إلى أن يُهلِك كلٌّ منهما الآخر.

ويُقَسِّم الغريب ميراثَهما،

فإن خالوبوس Chalybus القادم من سكوثيا البعيدة ليكون موزِّعًا فظًّا لممتلكاتهما، هو الصُّلْب القاسي القلب، ذلك الصلب الذي شَكَّل القالب، وعيَّنَ لهما الأرض بقدر ما يستطيع الموتى أن يمتلكوا،

غير أنه لا نصيب لهم في هذه السهول الممتدة.

عندما يموت الناس بأيدي أقاربهم،

عندما يقتل الأخُ أخاه،

ويشرب ترابُ الأرض

الدمَ القرمزي الذي يَسْوَدُّ ويجف،

فمَن ذا الذي يستطيع وقتئذٍ أن يقوم بالتطهير؟

مَن ذا الذي يُمكِنه أن يغسلَ ذلك الدم؟

واهًا لك، أيها البيت ذو الآلام المذنبة،

قديمها وحديثها، مختلطة معًا!

إنني أُشير إلى خطيئة اقتُرِفت منذ زمنٍ بعيد،

فجلبَت العقابَ السريع وقتذاك،

ولكنها رغم هذا لا تزال قائمةً حتى الجيل الثالث،

عندما عصى لايوس أبولو،

الذي حذَّره ثلاثَ مرات بالوحي الكثير،

من مِحرابه البوثيِّ القائم في سرة الدنيا،

أنه إذا أنقذ مدينتَه،

فسيموت بغير ذُرية.

فلما سيطَرَ عليه نزَقُ الحب

أنجَبَ لنفسه، ولهلاكه،

أوديب قاتل الأب،

الذي بَذَرَ الحبوبَ في الحقل المُحرَّم،

رَحِم أمِّه الذي نما فيه،

فقاسى المحصولَ الدموي لفِعْلته؛

إذ جاء بهما روحُ الجنون معًا،

وسُلِب كلٌّ منهما إدراكه.

فأقبلَت المتاعبُ تَتْرى كالبحر يرسل أمواجَه إلى الأمام متلاحِقة،

فتتكسَّر لجة، وترفع التالية لها، فتتكوَّم ثلاث لجات معًا،

وتَثُور أمواجُه حول هيكل مدينتنا،

ولا يزيد سُمْك حاجزنا، الفاصل بين الحياة والموت عن سُمْك حائط،

لذا أخشى على طيبة وعلى أسرة ملوكها،

لئلا تُطحَن معًا جميعًا.

عندما تَصدر لعنةٌ من وحيٍ قديم

وتقع تمامًا، فإنها تستقر ثقيلةَ الوَطْء؛

لأن قُوَى الدمار نشيطة، ولن تمرَّ دون أثر.

وعندما يزدهر الناس، الذين يعيشون بالخبز،

ويصيرون عظماء،

عندئذٍ لكي يخفِّفوا حمْلَ السفينة،

يدفعون الغرامةَ من أعماقِ مخزنها.

أيُّ رجل نال تكريمًا

من الآلهة أو من مُواطِنيه في الميدان الزاخر،

كما كَرَّموا أوديب

يوم خلَّصَ مملكتنا

من ذلك الشيطان الذي كان يأكل لحومَ البشر؟

ولكن ذلك الرجل التعيس، عندما أدرك زواجَه المشئوم،

تعذَّبَ وثار، في جنونِ قلبه،

وباليد التي قتلَت أباه، ضاعَفَ آلامَه فأتلَفَ عينَيه

اللتين لم تُطِيقا النظرَ إلى أولاده.

وعندما ضنَّ عليه ولداه بمكانه في وطنه،

صبَّ عليهما في ساعةِ هياجه، وبلسانٍ مرير،

وا أسفاه! صبَّ عليهما اللعنات؛

أنهما يقتسمان ميراثَهما في الوقت المناسب

بالعنف وبالسيف المقسِّم.

إنني لَأرتجف خوفًا من أن تكون،

الإيرينوس السريعة الأقدام تُنَفِّذ لعنتَه في هذه اللحظة.

(يدخل رسول.)

الرسول : الشجاعةَ، الشجاعةَ، أيها الأطفال المرتجفون عند رُكَب أمهاتكم!
إن مدينتنا طِيبة بمأمن من الرِّق! لقد تَمخَّض زهو أولئك الرجال المتغطرسين،

عن لا شيء. لقد وصلَت طِيبة إلى الهدوء بعد العاصفة.

لم يحدث تسرُّب في الموجات الهادمة، وأسوارُنا سليمة؛

إذ صدَّ رجالنا الموثوق بهم الأعداء. فوقفوا كالمتاريس أمام الأبواب، وكل شيءٍ على ما يرام — في معظم الجهات — عند الستة الأبواب، أما الباب السابع فإن الرب أبولو، قائد السبعة٣٩

المرهوب، قد وقف بنفسه، ونقل خطيئةَ لايوس القديمة إلى حيِّز التنفيذ الملائم، على عشيرة أوديب.
الكوروس : ماذا حدث؟ أتنتظر مدينتُنا فزعًا جديدًا؟
الرسول : المدينة آمِنة. أمَّا ابنا أوديب …
الكوروس : ماذا عنهما؟ لقد حيَّرتني. أخشى أن أسمع …
الرسول : هيَّا الآن، والتزمي الهدوء وأصغي إليَّ. ابنا أوديب …
الكوروس : يا للشقاء! لا أستطيع التخمينَ بما هو أسوأ.
الرسول : كلاهما متعادلان تمامًا.
الكوروس : هل في النهاية المريرة؟ إنك لَتخبرني بما يُحزِن.
الرسول : مات الأخوان كلاهما. قتل كلٌّ منهما الآخَر.
الكوروس : كان كلٌّ منهما مثل أخيه في اللهفة على القتل.
الرسول : يشبه كلٌّ منهما الآخَر في المصير الذي قادهما كليهما،
ذلك المصير الذي يُبِيد عشيرتَهما المنكودة الطالع.

إذن، تمدُّنا هذه الحادثة، بمادةٍ لكلٍّ من الفرح والدموع؛

تزدهر مدينتنا، ولكنَّ زعيمَيها وقائدَيها

قد اقتسما هكذا بالصلب السكوثي المطروق، مبلغَ ميراثهما.

والأرض التي يمتلكانها هي ما يحصل عليه كلٌّ منهما لقبره

أينما ذهبا.

تحملهما الريحُ المشئومة؛ ريحُ لعنةِ والدهما الحزين. وهكذا أُنقِذت طِيبة، إلا أن ملِكَيها الشقيقَين سقطا، وتشرَّبت الأرض دماءهما التي سفكتها أيديهما.

(يخرج الرسول.)

الكوروس : أيا زوس القوي، ويا أيها الآلهة الحارسون لمدينتنا،
والمنقذون الحقيقيون لأسوار كادموس هذه!

هل لي أن أبتهج وأصيح فَرَحًا

بأن طِيبة قد أفلتَت دون أذى؟

أو هل أبكي من أجل قائدَينا في الحرب —

مأسوفًا عليهما، ومشئومين، وبغير ولد —

اللذين كاسمَيهما،٤٠ والمفعمَين بالحقد والعداوة،

قد هلكا بواسطة هدفهما الآثِم؟
الكوروس : أيا لعنة العشيرة، أي لعنة أوديب، القاتمة العنيدة!
إن بردًا مخيفًا ينزل على قلبي،

والأغنية التي أنشدتها في نظرتي المرتبكة،

عندما سمعتُ عن أناس ينزفون الدم، ويموتون ميتةً تعيسة،

أكانت أنشودة الدفن — بغير شكٍّ طالع نحس — أن ننشد مثل هذه الأنشودةِ في وقت القتال؟
الكوروس الثاني : ليس الأمر هكذا، بل هي اللعنة التي نطق بها والدُهما
أصابَت هدفَها بغير تأجيل،

والسبب في كل هذا هو عصيان لايوس.

وما من قلقٍ على المدينة

يستطيع درْءَ ما تنبَّأ به العرَّافون.

أيهذا الذي ينبغي لنا أن نَبْكيه،

هل فعلتَ ذلك الشيء العسير التصديق؟

أهذه هي الحقيقة الواقعة، وليست شائعة؟

(يُرَى موكب قادم ومعه جثتا إتيوكليس وبولونيكيس.)

انظروا! هذا المنظر يتكلَّم بوضوح، ولسنا بحاجةٍ إلى رسول.
بوسعنا أن نرى النهايتَين القاتلتَين المتبادلتَين

لشخصين انضمَّا إلى مصيرٍ واحد يكسر قلوبنا.

ماذا هناك غير الحزن، وها هو ابن الحزن،

يعود أخيرًا إلى بيته الشرعي؟

هيَّا يا صديقاتي، أحضِرْنَ تأوَّهاتكن لريحٍ مواتية، لضربةٍ باليد على الرأس من أجل ارتطام المجذاف بالماء، وهذا هو الطقس المألوف ليرسل السفينةَ المقدسة٤١ ذات الأشرعة السوداء، إلى أخيرون، ولا يرسل أكاليل من الأزهار،

عسى أبولو ألَّا يَطأ الأرض،

التي ترحب بالجميع على حدٍّ سواء،

حيث لا تضيء شمسٌ الظلامَ.

(تُوضع الجثتان على الأرض. تدخل أنتيجوني وإيسميني.)

انظروا! ها هما أنتيجوني وإيسميني٤٢ هنا،
أمامهما واجبٌ مرير؛ أن تحزنا على شقيقَيهما.

أعرفُ أن أحزان صدرَيهما الجميلَين،

ستخرج بكل إخلاص،

كاملةً ومعها النحيب الملائم.

ولكن قبل أن تنطقا به، يقضي علينا واجبنا بأن نبكي بصوتٍ مرتفع، بترتيلةِ شيطان المصير، وننشد ترنيمةَ انتصارِ الموت البغيضة.

آهٍ يا هاتان الأكثر تعاسةً من شقيقَيكما

مِن بين كلِّ مَن يربطْنَ أثوابَهن على صدورهن!٤٣

إنني أبكي وأنتحب، ليس بالتظاهر

وإنما بإخلاص، ومن القلب يخرج بكائي الحاد.
الكوروس الأول : وا أسفاه، أيها الرجلان الضالَّان!
يا مَن لم تستطع عزيزتاكما أن تحثَّكما،

واللذين لم تُتعِبكما الشرور!

وبكل شجاعتكما المؤسفة،

ظهر أن ما خرَّبتماه هو بيتُ أبيكما.
الكوروس الثاني : يُؤسِفنا حقًّا، أن اللذين خرَّبا بيتهما
حظِيا لنفسَيهما بموتٍ مُؤسِف.
الكوروس الأول : وا أسفاه! (إلى بولونيكيس) أنت، يا مَن هدمتَ الأسوار؛
أسوار نفس وطنك! وأنت يا مَن (إلى إتيوكليس) حصلتَ على تاج ملك

لضرر نفسك.

(إلى كليهما) والآن قد سَوَّيتما نزاعَكما بالسيف.
الكوروس الثاني : لقد قامت إيرينوس بتنفيذ لعنة أبيكما أوديب بدقة.
الكوروس الأول : انظروا، أين ضُرِبا كلاهما على الجانب الأيسر.
الكوروس الثاني : مضروبتان حقيقةً، هاتان الجثتان اللتان نمتا من لحمٍ واحد!
الكوروس الأول : لم يكونا في وَعْيهما!
الكوروس الثاني : للأسف كانا ملعونَين،
مُقدَّرًا لهما الموت المتبادَل!
الكوروس الأول : كانت ضربة القضاء التي قاسَيَاها قاتلةً لكلٍّ من البيت والحياة، يعضدها غضبُهما العنيد.
الكوروس الثاني : وبقضاء عديم المحاباة،
نزلت عليهما لعنةُ أبيهما.
الكوروس الأول : ينتشر صوتُ النحيب في كافة أنحاء أرضنا، فأبراجُ المدينة حزينة، والتربة حزينة على الرجلَين اللذين كانت تحبهما.
وتنتظر جميعُ طِيبة، غير المطالب بها، وَرَثةً جُددًا؛

طِيبة التي ماتا من أجلها!
الكوروس الثاني : من أجلها ذهب نزاعُهما إلى غايته القاتلة.
الكوروس الأول : لقد اقتسما ميراثهما بقلوبٍ توَّاقة، غيورَين من نصيبهما العادل، ولا لومَ على قاضيهما٤٤
من جانب أولئك الذين يُحبُّونهما.
الكوروس الثاني : ما مِن شكرٍ قُدِّم لأريس.
الكوروس الأول : جاءت بهما النصال الحديدية إلى حيث يرقدان،
وسرعان ما ستُقَسِّم لهما النصالُ الحديدية أرضَ أبيهما.

وقد يتساءل المرء: أية أرض — وكيف قُسِّمت؟

— ستكون نصيب كل منهما لقبره؟
الكوروس الثاني : بينما نودِّعهما
يمزِّق النحيب العالي قلوبَنا،

فإن بكاءنا تلقائي، وأحزاننا خاصةٌ بنا.

لا فرْحَ في آلام أفكارنا،

وتنهمر دموعنا من قلوب تذوي

عند البكاء على هذين الأميرَين.
الكوروس الأول : يا لهما من رجلَين تعيسَين! بوسعنا أن نسجِّل لهما أنهما زوَّدا مُواطِنِيهما، كما زوَّدا الأجانبَ من كل رُتبة،
بوليمةِ موتٍ فخمة مدمِّرة.
الكوروس الثاني : كان مصيرًا شاقًّا ذلك الذي لاقَته أمهما، أكثر مما لاقَت جميع النساء اللواتي يُسمَّينَ أمهاتٍ لأولاد. أخذَت ابنَها وزوجَها لها، وهذان هما الولدان اللذان أنجبَتهما، وهذه هي نهايتهما.
اليدان اللتان نمتا من نفس البذرة

حطَّمت حياةَ كلٍّ منهما.
الكوروس الأول : هذان اللذان نَمَوا من نفس البذرة زُرعا الآن معًا على الأرض، ومعهما عشيرتهما.
اقتسما حياتهما بحَدِّ العداوة،

وبلغ نزاعهما غايتَه بالغيرة الجنونية.
الكوروس الثاني : لقد انتهى عداؤهما الآن، واختلطت حياتهما حيث تتشرَّب الأرض بِرْكة من الدماء،
وهما الآن بحق من دَمٍ واحد.

كان حاسمًا وجافًّا في المنازَعات،

ذلك الغريب القادم من البحر، الذي يقفز من داخل النار، الحديد المشحوذ من حدٍّ واحد،

ومُقسِّمًا فظًّا وقاسيًا للممتلكات.

أهو أريس الذي يحقِّق لعنة الأب؟
الكوروس الأول : يا لهما من نفسَين مسكينتَين، نالتا نصيبهما —
مقياس الإنسان — الذي يمنحه الرب،

ولكن سيكون تحت جسمَيهما كميةٌ من الثَّرى عديمةُ القرار.
الكوروس الثاني : آه! لقد توَّجتما عشيرتَكما بأكاليل عديدة الأحزان!
وفي آخِر النهار يكون النصر لِلَّعنات، التي تصرخ بانتصارها الحاد على الخراب الشامل لذلك البيت المدحور.

هناك تذكار الدمار عند الباب الذي اقتتلا أمامه،

فجندلهما كليهما، مصيرُهما

قبل أن يكُفَّ كلٌّ منهما يدَه.

(تنتقل أنتيجوني وإسميني الآن إلى وسط منصة المسرح لتبكيا على الجثتَين.)

أنتيجوني : كما أعطيتَ جراحًا أُصِبتَ بجراح أيضًا.
إسميني : وكما قَتلتَ قُتِلتَ أيضًا.
أنتيجوني : بالرمح قَتلتَ.
إسميني : وبالرمح متَّ.
أنتيجوني : مؤسِف في هجومك.
إسميني : ومؤسِف في آلامك.
أنتيجوني : فَلْيرتفع البكاء …
إسميني : وَلْتسقط الدموع …
أنتيجوني : عليك يا مَن متَّ.
إسميني : عليك يا مَن قَتلتَ.
أنتيجوني : قلبي هائج بالتنهُّدات.
إسميني : روحي تَئِنُّ داخل جسمي.
أنتيجوني : وا شقيقاه، الذي أبكيه!
إسميني : وا شقيقاه، المأسوف عليه غاية الأسف!
أنتيجوني : قتلك أخوك.
إسميني : قتلتَ أخاك.
أنتيجوني : هذا حزن مزدوج، أُعبِّر عنه.
إسميني : هذا حزن مزدوج، أراه.
أنتيجوني : حزنٌ إلى جانب حزن!
إسميني : حزنٌ أخٌ لحزن!
الكوروس : أيها القَدَر، ذو الهبات القاسية، والمحزنة،
أيها الظل العظيم لأوديب،

أيتها الإيرينوس القاتمة، ما أشدَّ قُوَّتكِ!
أنتيجوني : هذا منظر محزن وفظيع.
إسميني : هكذا أرحِّب به من منفاه.
أنتيجوني : وعندما قَتل عجَز عن نَيْل وطنه.
إسميني : وعندما أنقذ وطنَه، فَقَد حياتَه.
أنتيجوني : فَقَد حياته.
إسميني : وأخذ حياةَ أخيه.
أنتيجوني : واهًا لكما، أيها الابنان المتهوِّران!
إسميني : واهًا لكِ أيتها النهاية الميئوس منها!
أنتيجوني : نفس الاسم المحزِن لكلَيهما.
إسميني : نفس الدموع لألم مثلث الوَقْع.
الكوروس : أيها القَدَر، ذو الهبات القاسية، والمحزنة،
أيها الظل العظيم لأوديب،

أيتها الإيرينوس القاتمة، ما أشدَّ قُوَّتكِ!
أنتيجوني : تعرف الآن أنك أذنبْت.
إسميني : علمتَ في نفس اللحظة …
أنتيجوني : عندما رجعتَ إلى طِيبة.
إسميني : عندما اخترتَ أن تقاتل أخاك.
أنتيجوني : أفظِعْ بها قصة!
إسميني : أفظِعْ به منظر!
أنتيجوني : وا أسفاه، لهذه الآلام!
إسميني : وا أسفاه، للظلم الذي وقع …
أنتيجوني : على البيت الملكي وعلى طِيبة.
إسميني : وعليَّ أكثر منهما.
أنتيجوني : وا أسفاه، لوقوع هذه الحماقات والمِحَن!
إسميني : وا أسفاه، لمن عُذِّبا أكثرَ من جميع البشر!
أنتيجوني : اللذان في حماقتهما …
إسميني : كانا كمَن به مسٌّ من الجن.
أنتيجوني : أيَّ مكانٍ نجد لندفنَهما فيه؟
إسميني : حيث ينالان أعظمَ التمجيد.
أنتيجوني : وا أسفاه! وا أسفاه!
فإذا رقدا بجانب أبيهما أتعباه.

(يدخل رسول.)

الرسول : كُلِّفتُ بأن أعلن آراء وقرارات مَن هم نوَّاب الشعب في هذه المدينة الكادمية. لقد تقرَّر اعترافًا بإخلاص إتيوكليس لمدينته، أنه يُدفن
في تربة وطنه؛ لأنه من أجل قضيته اختار أن يتحدَّى الأعداء، مضحِّيًا في ذلك بحياته، وبذا يكون بريئًا أمام معابد آلهة أبيه، فمات في موضع الشرف الذي يليق بالشُّبَّان أن يموتوا فيه. هذه هي رسالتي بخصوصه. أمَّا بخصوص أخيه بولونيكيس الراقد هنا، فإن جسمه سيُلقى بغير دفن لتمزِّقَه الكلاب؛ ذلك الذي كان سيدمِّر هذه المدينة الكادمية، لو لم يقف أحدُ الآلهة في طريقه برمح أخيه؛ ولذلك فسيقاسي الآلام، حتى في موته من أجل التلوث الذي أحدثَته جريمتُه ضد آلهة والده،

الذين أهانهم — هذا الرجل — هاجمًا بقوةٍ أجنبية على مدينتنا ليدمِّرها. فجزاؤه

الخِزْي، ويكون قبرُه الوحيدُ بطونَ الطيور الشريدة، ولن تكوِّم فرقةٌ من العبيد الترابَ فوق جثته،

ولن تُنشَد أية تراتيل جنائزية تكريمًا له، ولن يُقِيم أقرب أقربائه أية طقوس جنائزية.

هذا مصيره الذي قرَّرته له السلطة.
أنتيجوني : وأنا أردُّ على سلطتك القائمة في طِيبة:
إذا لم ينضمَّ إليَّ أي فردٍ آخَر في دفنه، فسأدفنه أنا، وأتحمَّل أية أخطار قد تنتج عن دفن شقيقي. كما أنني لا أخجل من أن أعصي الدولةَ هكذا وأتحدَّاها.

هناك نداء آخَر، من اللحم الواحد، الذي صنعنا كلينا — لحم الأم الحزينة، ولحم الأب المنحوس الطالع — لن يُهمَل. وعلى ذلك فإن قلبي يقف بسرور الأخت المُخلِصة إلى جانبه في مِحْنته، يقف الأحياء بجانب الموتى.

لن يمزِّق ذئبٌ خاوي البطن لحمَ أخي،

ولن أَدَع إنسانًا يقرِّر ذلك! ورغم أنني امرأة، فسأدبِّر له قبرًا، وأحفر الأرض وأحمله في القماش الرفيع لهذا الثوب الثمين، وأدفنه بيدي، وما من قرارٍ سيُوقِفني. لن أخاف، وإنما سأجد السبيل.
الرسول : أحذِّركِ، لا يتطرَّقَنَّ إلى ذهنكِ أن بمقدوركِ أن تتحدَّي الحكومة.
أنتيجوني : أحذِّركَ ألَّا تعلنني، إنك تضيع وقتَك سُدًى.
الرسول : يُبدِي الشعبُ الحديثُ التحرُّر، مُعامَلةً قبيحة.
أنتيجوني : إذن، فَلْتَكُن قبيحة. لن يُحرَم أخي قبره.
الرسول : أتكرِّمين بالدفن عدُوًّا للشعب؟!
أنتيجوني : لقد حدَّدَتِ الآلهة منذ زمنٍ بعيدٍ أيةَ أمجادٍ تكون من حقه.
الرسول : هذا إذا لم يكن قد أغرَقَ بلاده، منذ ذلك الوقت، في ذعرٍ قاتل.
أنتيجوني : لقد ظُلِم. لم يفعل أكثرَ مِن أنْ ردَّ على ظُلْمٍ بظُلْم.
الرسول : وقد هاجَمَنا جميعًا لأن رجلًا واحدًا ظلمه!
أنتيجوني : النزاع، من بين سائر الآلهة، أطولها جدالًا.
كفى خطابات طويلة. سأدفنه.
الرسول : افعلي ما يحلو لكِ، ولكنني حذَّرتكِ.

(يخرج الرسول.)

الكوروس : يا للأسف، يا للأسف!
أيتها الإيرينوس الفخورة الظافرة، يا أرواح الشر،

محطِّمات الأُسَر، اللاتي قطعن

جذور وأغصان أسرة أوديب!

ماذا سيحدث؟ إلى أي جانبٍ أنحاز؟

أيُّ حَلٍّ يمكنني العثور عليه؟ كيف أطيق ألَّا أَبْكِيك،

وألَّا أَتْبعك حتى قبرك؟

ولكنني خائفة،

إنني أبتعد عن غضب المواطنين.

ستجد كثيرًا من النائحين، يا إتيوكليس،

فهل سيرحل هو، هذا الروح المسكين، من غير نواح،

ولن يرتِّل عليه أحدٌ سوى شقيقته؟ مَن ذا الذي يُوافِق على هذا؟
الكوروس الأول : فَلْتفعل الحكومة، أو لا تفعل، كما تشاء. سنَتبع نحن
بولونيكيس إلى قبره، ونشترك في دفنه.

فهذا الحزن يخصُّ كلَّ عشيرة كادموس،

وما تعتبره الحكومة صوابًا

يتغيَّر بتغيُّر الزمن.
الكوروس الثاني : وسنذهب نحن مع إتيوكليس؛ حيث إن العدالة والحكومة تتكلمان هنا بصوتٍ واحد؛ لأنه هو قبل الجميع
الذي بعد الآلهة المباركين وزوس القوي،

بصفته مرشدًا لمدينتنا الكادمية، قد أنقذنا من الانقلاب،

ومن أن تبتلعنا موجةُ الغُزاة الأجانب.

(تُحمل الجثتان، واحدة إلى اليسار، والأخرى إلى اليمين. يتبع نصفُ الكوروس جثة، والنصفُ الآخَر الجثةَ الثانية.)

١  ابن الملك لايوس الطيبي وجوكاستا. ولقد شاعت نبوءة بأن لايوس سيُقتل بيد ابنه، فأمر والده بالتخلُّص من أوديبوس، وأن تُثقَب قدماه، وتُشد فوق جبل كيثايرون (ومن هنا جاء اسمه متورِّم القدمَين)، ولكن العبد آثَرَ أن يعطيَه إلى راعٍ من رُعاة الملك بولوبوس الكورنثي على أن يتخلَّص منه؛ فحمله الأخير إلى القصر، حيث اعتنى بولوبوس بتربيته، واتخذته بيرويبويا ابنًا لها لافتقارها إلى ولد.
٢  ابن تيلاوس ملك أرجوس. لما طرده أمفياراوس من أرجوس هرب إلى بوليبوس جَدِّه من أمه، وكان ملِكًا على سوكيون Sycion، فاعتلى العرش بعد وفاته، ورجع بعد ذلك ملِكًا إلى أرجوس وزوَّج أختَه إريفيلي من أمفياراوس الذي كان قد اصطلح معه.
٣  ملك طيبة، ابن لابداكوس وزوج جوكاستا التي أنجَبَت له أوديبوس.
٤  ابنة أوديبوس وشقيقة أنتيجوني.
٥  كادموس هو المؤسس الأسطوري لطِيبة. وكانت مدينته تُسمى أولًا كادميا Cadmea، وفي القرن الخامس كانت الكادميا هي أكروبول طِيبة. وكانوا يعتقدون أنها المدينة الأصلية المسوَّرة. ويتحاشى أيسخولوس طوالَ هذه المسرحية ذِكْر اسم طِيبة الذي كان يَمْقته الأثينيون؛ إذ في سنة ٤٧٩ق.م. أيْ قبل تأليف هذه المسرحية باثنتَي عشرة سنة، حارَبَت قوةٌ من طِيبة إلى جانب الفُرْس الغُزاة، في موقعة بالاتيا. وعندما يستعمل أيسخولوس اسمَ كادميا، لا يحدِّد تاريخَ مسرحيته فحسب، بل ويتجنَّب ذِكْرَ اسمٍ يمقته متفرِّجوه. وليس العنوان «السبعة ضد طيبة» هو العنوان الذي ظهرت به المسرحية في أول عهدها، وإنما استعمله أريستوفانيس بعد ذلك بحوالي ستين عامًا.
٦  أغلب المؤكَّد أن مَن يقصده أيسخولوس هنا هو تايريسياس Teiresias، الذي تروي الأساطيرُ أنه عاش حتى رأى أكثرَ من سبعة أجيال.
٧  ابن تيلاوس ملك أرجوس.
٨  المعنى الحرفي لهذه العبارة هو: «يا لعنة والدي وإيرينوسه Erinys القوية (جمعها Erinyes).» وقد استُعمِلت كلمة إيرينوس هذه كثيرًا في هذه المسرحية، وتدل على مخلوقٍ أرقى من البشر يتعلَّق بفكرة تنفيذ العقاب. إنه روح الانتقام أو روح الحقد الدفين الكامن في الطبيعة الأخلاقية، وليس في الطبيعة الإنسانية، وتمثَّل الإيرينوس (وخصوصًا في الأوريستيا Oresteia) على أنها مخلوقاتٌ من الإناث، بَشِعة المنظر، مَقِيتة الطلعة، ذات أجنحة، وترتدي ثيابًا سوداء، تطارد وتعذِّب مَن اقترفوا جرائم معينة، مثل قتل الأم. وعلى ذلك إذا لعن أبٌ أبناءَه، كما فعل أوديب، قامت الإيرينوس بتنفيذ ما تتضمَّنه اللعنة. وإيرينوس الفرد (وهو المعنى المستعمَل كثيرًا في هذه المسرحية) ليس مفهومًا تمامًا، وإنما يقرب من «الروح الشريرة» أو الشيطان الذي يَنُوب عن المرء في مطارَدة مَن أذنب معه.
٩  توجد بعض إشارات في النص إلى أن المنظر يتغيَّر عند هذه النقطة من الأجورا Ogora (أو مكان الاجتماع) إلى الأكروبول، وكذلك عند خروج إتيوكليس للمرة التالية (كما سيأتي فيما بعدُ) إلى الأجورا، ولكن جميع المظاهر الأساسية يمكن تمثيلها في منظرٍ واحد.
١٠  لقب لأثينا.
١١  ابنة كويوس وفويبي، ووالِدة أبولو وأرتيميس من زوس.
١٢  لم تكن هذه الربَّةُ من آلهة الإغريق، وإنما كانت لديهم «أونكا Onca». كان ذلك هو الاسم الأصلي لتلك الربَّة الفينيقية النشأة، التي كانت تُشَبَّه بأثينا في طِيبة، وكان لها معبدٌ خارج المدينة بقُرب أحد الأبواب.
١٣  يشير بهذا إلى طريقة التصويت عن الاتهام أو البراءة بوضع حجر أسود أو أبيض في آنية. وفي العبارة التالية جناس في نوعَي الأحجار المسبِّبة للموت.
١٤  ما يصفه الشاعر في هذه الفقرة هو العجلات وأجهزة العربات والأصوات التي تُحدِثها وهي تمر. والصور المستعمَلة في وصفها هي المزامير الموسيقية (تُستعمَل نفسُ كلمة Syrinx للمزمار وللثقب الأسطواني الموجود في سرَّة العجلة)، وأجهزة قيادة السفينة التي استخدم مصطلحاتها للتعبير عن اللجام، والقطع الحديدية التي تُوضع في أفواه الخيول. والمعنى كله معقَّد في اللغة العربية، ولكن هذه أشياء مألوفة في كل يوم للأغارقة؛ فاستخدامُ الدفَّة للحصان يشبه استخدام اللجام للسفينة. وتعطي الترجمة المعنى بصورةٍ مفهومة، ولا نحاول أكثر من الإشارة إلى الاستعارات والكنايات.
١٥  يعود الشاعر هنا إلى استخدام الكنايات البحرية: فالمصطلح To hold Firm يعني «لا ينفذ إليه الماء». وكلمة Spear ومعناها رمح، يقصد بها قاع السفينة. وهكذا يصوِّر سفينةً تصطدم بأخرى.
١٦  تدل العبارة «إذا سقطت مدينتهم»، بطريقٍ غير مباشِر، على الكارثة التي تجعل هي نفسها الكارثةَ وشيكةَ الوقوع، وهذه في حد ذاتها إهانةٌ للآلهة التي تُطلَب مساعدتُها.
١٧  المعنى الحرفي لهذا العبارة هو: «يحثُّ بسرعته المَحاوِر الحامِلة لقدمَيْه.» وسواء وجدَت الأذنُ الإغريقية مثلَ هذه العبارة المألوفة ذات نغمة جدية، أو وليدة الهياج، أو شعرية، أو ذات دعابة خفيفة، فمن المحتمَل عدم إمكان استعمالها.
١٨  من المؤكد أنه ليس تايريسياس، وإنما هو أمفياراوس Amphiaraus.
١٩  تنصبُّ مقارَنة الشاعر هنا على سباق للعربات، وليس على معركة. وفي السطر التالي تدل كلمة «الحاجز» على الساق التي تقف الخيول وراءها، ويُعلِن سقوطُها عن بدء السباق.
٢٠  عندما جاء كادموس أولًا، إلى الموضع الذي بُنِيت فوقه طِيبة، قتَلَ تنِّينًا كان يحرس ذلك المكان. وبأمر أثينا زرع أسنانَه في الأرض، فخرج منها رجالٌ مسلَّحون شرعوا يتحاربون، بعضهم مع بعض. ومَن عاش منهم أخيرًا ساعَد كادموس في تأسيس تلك المدينة، وصار أسلاف الأريستوقراطية الطيبية.
٢١  يدل هذا الاسم على كلمة Kapanos بمعنى «دُخَان»، وهذه صورة من الألفاظ الموحية. كما يشير المعنى إلى نهاية ذلك الرجل؛ إذ ضرَبَه البرقُ في أثناء الهجوم.
٢٢  لسنا نعرف بوضوحٍ لماذا ذَكَر اسمَ أرتيميس بنوعٍ خاص. فربما كان البابُ الإلكتراني مكرَّسًا لها، وربما كان بولوفونتيس نفسه كاهنًا لها.
٢٣  ملك طِيبة، ابن مينويتيوس وشقيق جوكاستا زوجة لايوس.
٢٤  لم تكن هذه الربَّة من آلهة الإغريق، وإنما كانت ربَّتُهم المناظِرة هي «أونكا Onca». وهذا الاسم فينيقي الأصل لربَّة كان أهلُ طيبة يشبِّهونها بأثينا. وكان لها معبد خارج أسوار طِيبة بقُرب هذا الباب.
٢٥  المعنى الحرفي لهذه العبارة هو: «شقيق النار». والموضع الكلاسيكي لهذا الرمز المنقوش على المعدن أو المُطَعَّم به، هو بلا شكٍّ ترسُ أخيل الموصوف في الأنشودة الثامنة عشرة من الإلياذة.
٢٦  هو ديونيسوس، إله الخمر.
٢٧  يبدو أن هناك استعارةً في كلمة هزيمة. والمعنى هو أن الزَّهْو العريض الذي يزهو به هيبوميدون، يكاد يجعل الهزيمةَ حقيقةً واقعة.
٢٨  ابن زوس وأنيتوبي، وشقيقٌ توءمٌ لزيثوس. وُلِد فوق جبل كيثايرون، حيث تُرِك ليتولَّاه الرعاة.
٢٩  كناية عن الاسم Parthenopaeus؛ فكلمة Parthenos معناها «فتاة عذراء». وكان هذا ابن الفتاة أتالانتا Atalanta.
٣٠  مخلوقة خرافية هي ابنة توفون وإخيدنا. كان الإغريق يصوِّرونها منذ العصور الأولى، وكذلك المصريون، كوحشٍ مجنَّح له رأس وصدر امرأة، وجسم أسد.
٣١  ابن مورميدون وباسيديكي، ووالد يوروتيون وفثيا وفيلوميلا. وهو الذي طهَّر بيرسيوس من الخطيَّة التي ارتكبها حين قتل فوكوس.
٣٢  كانوا ينقشون صورة السفنكس نقشًا بارزًا. واللفظ الإغريقي معناه «مطروق إلى الخارج» من داخل الترس. أمَّا في القتال فتصبح هذه العملية عكسية، فتطرُق رماحُ الكادميين المعدنَ البارز، وتجعله يتجه إلى الداخل.
٣٣  ابن أويكليس وهوبيزمنيسترا. وُهِب القدرةَ على التنبؤ، كما لعب دورًا خطيرًا في الصيد الكالودوني وحملة تجارة سفينة الأرجو.
٣٤  المعنى الحرفي لهذه العبارة هو: «مقيم مرتَين على الاسم في نهايته»، فكلمة Poly-neices معناها «نزاع كثير».
٣٥  تبعًا لما يقوله توكير في هذه الطبعة، يلبس المحارب الهوميري دروعَه أولًا؛ حيث إن دروع الجسم تَعُوق الانحناء. وهكذا يتَّضِح أن الأبطال الستة كانوا مرتدين الدروعَ فوق منصة المسرح، بينما لم يكن إتيوكليس هكذا. هذه مسألة مهمة إذ تبيِّن أن قرار إتيوكليس في الذهاب لمواجَهة أخيه، مفاجأةٌ للرسول، بينما الكوروس، مهما اعتبره أحد الأبطال، لا بد أن يفترض أنه غيَّرَ رأيه.
٣٦  انظر الفقرة الثانية من نشيد الكوروس، التالي.
٣٧  أُوجِزَ هذا السطر كثيرًا، ولو أُطنِب فيه لَصار معناه: «إن مجرد الانتصار، حتى ولو كان انتصارَ الجبان، لَيدلُّ على موافَقة الآلهة، فماذا أكثر من هذا يُمكِن أن يحظى انتصارُك بقبول الآلهة، عندما يكون رفضك أن تقاتل بولونيكيس ليس وليدَ الجبن، وإنما هو نتيجةٌ للنزعة الدينية.»
٣٨  ربَّاتُ الانتقام، ويُسمَّون أيضًا اليومينيديس. هن بناتُ جيا من دماء أورانوس.
٣٩  هناك عدة ارتباطات لأبولو بالعدد سبعة. ويقترح توكير أن «قائد السبعة» هنا، ربما كان رُتبةً في الأسطول الأثيني. وبذا نجد الشاعر يستمر في استخدام المجاز البحري.
٤٠  يشير إلى إتيوكليس الذي معنى اسمه «المَجْد الحقيقي»، واسم بولونيكيس الذي ينصبُّ معناه على الصفة في صيغة الجمع، ويعني «مفعم بالعداوة». غير أن التمييز بينهما في اللغة العربية شاقٌّ عسير.
٤١  يفكِّر الكوروس في السفينة التي تُحمل فيها الأرواح عبر نهر الموت، فيناقض بينها وبين «السفينة المقدسة» التي تقلع كل سنة من أثينا إلى ديلوس Delos في مهمة رسمية لتقديم صلاة الشكر لأبولو من أجل انتصار ثيسيوس على المينوطور. ومعنى ديلوس «المنظور بوضوح»، فكُرِّسَت تلك الجزيرةُ لأبولو، ولم يُسمَح بدخولها لغير المُطهَّرين دينيًّا.
٤٢  هذه السطور الاثنا عشر التي تقدِّم هاتَين الشقيقتَين، زائفة (انظر المقدمة)، وأنشودة الحِدَاد التي خُصِّصت لهما لتُنشِداها على التعاقُب، قد تكون مكتوبةً للكوروس. وإن نهاية هذه المسرحية كلها، منذ دخول الرسول زائفة.
٤٣  ربما دلَّ هذا التعبير على سيداتٍ ثريَّات أو من ذوات المركز الاجتماعي.
٤٤  أي الصلب، بحسب اللعنة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤