المقدمة

أما بعدُ فيقول الفقير إليه تعالى فيليب بن نصر الله بن أنطوان بن نصر الله بن إلياس بن بطرس دي طرازي: إنني منذ سنتين أذعتُ نشرةً معلِنًا فيها عزمي على تأليف كتابٍ شامل لتاريخ الصحافة العربية في مشارق الأرض ومغاربها، فصادف مشروعي ارتياحًا لدى روَّام المسائل التاريخية الذين أتحفوني برسائل التنشيط واستحثوني على إبراز هذا الفكر إلى حيز العمل، ولا يخفى ما يحول دون ذلك من المصاعب الكثيرة التي تستلزم درسًا طويلًا وجهدًا متواصلًا؛ لقلة ما كُتب في هذا الموضوع حتى الآن. ولما كان قدماء الصحافيين قد طواهم الزمان وكادت آثارهم تنقرض بمرور الأيام اضطررتُ إلى التفتيش عن صحفهم بكل وسيلةٍ فعالة فضلًا عن مفاوضة الشيوخ من معاصريهم لبلوغ الضالة المنشودة، فكأن خدمة الأدب والأدباء ذلَّلت أمامي كلَّ الصعاب، ومهَّدت لي سبيل الوصول إلى الغاية المقصودة بعد البحث المدقق. ولكي يحيط العموم علمًا بأهمية هذا المشروع أكتفي بإيراد عبارةٍ شهيرة قالها أحد أفاضل الكتَّاب وهي تستحق أن تُكتب بماء الذهب: «البلاد التي لا صحافة فيها لا صحة فيها.»

فأقدمت على تحقيق هذه الأمنية تعزيزًا لمقام صحافتنا الشريفة وإعلاءً لمنارها أمام الغربيين الذين برزوا في هذا الفن الجليل وجاهدوا في جادَّته الجهاد الحسن. وهكذا تيسر لي بعد العناء الشديد أن أسدَّ هذه الثلمة في لغتنا العربية وأزفَّ عملي لكل ناطق بالضاد. وهو يحتوي على أخبار الصحف إفرادًا وإجمالًا مع أميال أصحابها وأسماء محرريها وتراجم المشاهير منهم بعبارة يفهمها الخاص والعام. وتخليدًا لذكرهم زيَّنتُ الكتاب برسوم الصحافيين الذين توفقت إلى الحصول عليها بعد بذل النفس والنفيس، آسفًا لعدم الفوز برسومهم قاطبةً، فجاء سفرًا جزيل المنافع لا يستغني عنه السياسي والصحافي والمؤرخ والشاعر والأديب والمصوِّر والتاجر والأستاذ والتلميذ والحاكم والمحكوم؛ إذ يجد فيه كل واحد منهم ما يتوق إليه من ضروب السياسة، أو كنوز الصحافة، أو آثار التاريخ، أو أساليب النظم، أو بدائع الرسوم، أو أطايب الأخبار والفكاهات؛ ما لا يلاقيه في كتابٍ سواه؛ فإنه أشبه شيء بدائرة معارف عصرية لا تقتصر موادها على الصحافة فقط، بل تتضمن أيضًا أكثر مطالب العلوم والآداب والفنون المفيدة.

وقد انتقدتُ كل جريدة أو مجلة أو نشرة أو رسالة موقوتة بما تستحقه من المدح والذم، بقطع النظر عن مذاهب أربابها وأحوالهم الشخصية، وذلك بنيَّةٍ صادقة وقصدٍ سليم. واستندت فيما رويتُه إلى أوثق المصادر حرصًا على الحقيقة وعملًا بحرفة التاريخ. وقسَّمت الكتاب إلى أربعة أقسام أو حقب، بحيث تتناول كل حقبة قسمًا من أخبار الصحافة، ثم صدَّرته بتوطئةٍ ذات ثمانية فصول؛ في تعريف الصحافة وآدابها وأسماء مؤرخيها وغير ذلك مما تهم معرفته إتمامًا للفائدة، وختمته بجدولٍ عام يشتمل على أسماء الصحف بلا استثناء شيء منها، على قدر ما يستطيعه باحثٌ محقق في بلاد الشرق، وقد رتبتها بحسب البلدان والممالك التي ظهرت فيها، متتبعًا في تاريخ صدورها نظام الأقدم فالأقدم، وجعلت بجانب كلٍّ منها اسم صاحبها وبيان خطتها ويوم نشأتها؛ ليكون العمل وافيًا بكل أطرافه. ومع إقراري الصريح بأني لست من فرسان هذا الميدان فإنني واثق بشهامة القراء الكرام وحَمَلة الأقلام وسائر أرباب النهضة الأدبية أنهم سيتلقَّون كتابي بسرور، ويطالعونه بلذة، ينسياني شيئًا من التعب الذي عانيته في المراجعة والمقابلة والمراسلة والبحث والتنقيب، وحسبي الله ونعم الوكيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤