إلياس بك حبالين
هو إلياس بن يوسف بن طنوس بن يوسف حبالين ولد في ٥ تشرين الأول ١٨٣٩ في قرية الزوق بجبل لبنان، وتعمد في ٢٦ شباط سنة ١٨٤٠ بيد المطران يوسف الخازن الذي ارتقى بعد ذلك إلى السدة البطريركية على الموارنة، ولما ترعرع أدخله والده مدرسة الآباء اللعازريين في عين طورا فأحرز نصيبًا وافرًا من العلوم العقلية والنقلية وأتقن آداب اللسانين العربي والفرنسي، ونظرًا لبراعته الفائقة تعين أستاذًا في أشهر مدارس بيروت حيث تخرج على يده كثير من التلامذة الذين ترقَّوا إلى أعلى المناصب وخدموا الوطن بالصحافة والتجارة وسائر الأعمال النافعة. وكان في اللغة الفرنسية بنوعٍ خاص كاتبًا نحريرًا وخطيبًا مصقعًا حتى كان رجال الفرنسيس يعجبون بفصاحة لسانه وبلاغة يراعه. وفي سنة ١٨٦٨ تولى تحرير جريدة «لبنان» الرسمية إلى حين احتجابها، وفي الوقت ذاته صار عضوًا في «الجمعية العلمية السورية» التي قام فيها خطيبًا مراتٍ شتى وخدمها قولًا وعملًا؛ فكافأة السلطان عبد العزيز بالوسام المجيدي الرابع ونفحه بخاتمٍ مرصع بالحجارة الكريمة، وجرى لذلك احتفالٌ كبير في «مدرسة ثلاثة أقمار» شهده أرباب الحكومة وأعيان المدينة، وفي طليعة الجميع كان والي سوريا محمد رشدي باشا شرواني الذي قدم الهدية لصاحب الترجمة باسم الحضرة السلطانية، وقد قرظته جريدة «حديقة الأخبار» على هذه المنحة السنية بهذين البيتَين:
ثم جعلته الحكومة الفرنسية ترجمانًا أول لقنصليتها في بيروت حتى سافر سنة ١٨٧٥ إلى وادي النيل، فأخذ يتقلَّب في وظائف الحكومة المصرية إلى أن فوَّضت إليه رئاسة قلم الترجمة في مجلس النظار، فنال ثقة أولياء الأمور واحترامهم باجتهاده وشهامة نفسه. وكافأه الخديو توفيق باشا بالرتبة الثانية والوسام المجيدي الثالث. ولنا على ذلك شهادة صريحة بما قاله عنه رياض باشا رئيس الوزارة المصرية حينئذٍ في مجلسٍ حافل بأعاظم القوم وهي: «إن إلياس بك حبالين يستحق كل ثناء؛ لأنه كفؤ ليعيض عن عشرة رجال من ذوي الهمة والإقدام.» وكان في طائفته من ذوي الغيرة الوافرة ومن الذين أنشئوا لها «جمعية المساعي الخيرية» في القاهرة، وعلى يده عُرفت هذه الجمعية رسميًّا من الحكومة المصرية وصودق على قانونها، وقد فاجأته المنية في ٨ تشرين الثاني ١٨٨٩ وجرى لتشييع جثته مشهدٌ حافل، وأبَّنه فوق ضريحه كلٌّ من يوسف دياب وعزيز بك زند صاحب جريدة «المحروسة» سابقًا. وكان سمين الجسم، طويل القامة، أسمر اللون، أجشَّ الصوت، طاهر الوجدان رقيق المعاشرة، لا يملُّ جليسه من حديثه، ولا يسع ناظره لدى رؤيته إلا أن يقف له متهيبًا، وكان سخيًّا يبذل الدراهم نسبةً لحالته بأكثر من أقرانه.