الفصل الثالث

أخبار مجلات القاهرة من سنة ١٨٨٧ إلى ١٨٨٩

(١) الأزهر

نُشرت هذه المجلة الشهرية العلمية الأدبية في غرة آب ١٨٨٧ لصاحبَيها الدكتور حسن باشا رفقي أحد أصهار العائلة الخديوية وإبراهيم بك مصطفى ناظر مدرسة دار العلوم وأستاذ الكيميا في المدرسة الطبية، ولم تقتصر مباحثها على المسائل العلمية والأدبية فقط، بل كانت تتناول أيضًا مسائل شتى كالطب والتاريخ والصناعة وغيرها، وكانت تعابيرها مألوفةً، عليها مسحة من البلاغة؛ مما يشهد لمنشئيها بالبراعة في أحكام اللغة العربية، ولا يشوبها سوى بعض الأوضاع الإفرنجية المستعملة بدلًا من الألفاظ التي تقابلها عند العرب للدلالة على المسميات العلمية والاختراعات الحديثة. وفي غرة كانون الثاني ١٨٩٣ انتقلت إدارة المجلة إلى المستر ولكوكس مدير عموم الخزانات بمصر والشيخ أحمد الأزهري، وقد جرت حينئذٍ بين أحدهما ولكوكس وبين عبد العزيز فريد أستاذ الرياضة في مدرسة المهندسخانة مناظراتٌ فنية وعلمية تتعلق بالقطر المصري دلت على علو كعب الثاني في المعارف وشهامته الوطنية،١ وعاشت هذه المجلة إلى السنة الثامنة من عهد ظهورها وكانت من المجلات الراقية في عهدها.

(٢) الصحة

مجلةٌ علميةٌ أدبيةٌ طبية ظهرت في غرة آب ١٨٨٧ للدكتور حسن باشا رفقي وإبراهيم بك مصطفى صاحبَي مجلة «الأزهر» المار ذكرها، فكانت كشقيقتها مشحونة بالفوائد الكثيرة والمباحث الجليلة، وكفانا برهانًا على ذلك أن نذكر أسماء الكتبة الذين كانوا يؤلفون لجنة تحريرها بالاشتراك مع منشئيها وهم: الدكتور غرين باشا والدكتور عيسى باشا حمدي والدكتور محمود بك مصطفى والدكتور حسن أفندي خورشيد والمسيو بريس، وطالت حياتها خمس سنين تقريبًا ثم احتجبت.

(٣) الأحكام

مجلةٌ شهريةٌ قضائيةٌ أدبية ظهرت لعالم الوجود في غرة حزيران ١٨٨٨ بعناية منشئها القانوني الشهير نقولا بك توما، فإنه صرف كنانة الجهد لتعميم منافعها بما كان ينشره فيها من المواد الشرعية والفتاوى وأحكام المواريث مع شرحها بعبارةٍ بليغة تتناولها أفهام الخاصة والعامة، ولا غرو في ذلك فإن نقولا بك نال القدح المعلَّى بين زملائه في علم الفقه وفن المحاماة لدرجة ليس وراءها زيادة لمستزيد، وقد نال مساعدة جودت باشا وزير العدلية في الآستانة بحيث قرظ مجلة الأحكام٢ واشترك بعددٍ وافر من نسخها لمكتب الحقوق الشاهاني، وقد أصدر جودت باشا قرارًا وزاريًّا بتدريس مواد المجلة المذكورة في مدرسة الحقوق السلطانية العثمانية لتلامذة الدرجة الأولى، وهي شهادة ناطقة بفضل المنشئ وغزارة علمه وتضلُّعه من القانون.

وقد توقفت «الأحكام» عن النشر بعد صدور الجزء العاشر منها لكثرة أعمال منشئها في فن المحاماة، ثم أعيد نشرها سنة ١٨٩٥ فعاشت عمرًا قصيرًا بعدما نالت شأنًا حسنًا في عالم الصحافة، وقد قرظت جرائدُ كثيرة في الشرق والغرب هذه المجلة حتى إن جريدة «الوقائع المصرية» أعطتها حقها من المدح والإطراء وهي جريدةٌ رسمية لا تنطق إلا بالصدق، وبمثل ذلك تواردت قصائدُ جمة من شعراء مصر وسوريا وتونس والعراق يصح جمعها ديوانًا، نذكر منهم الإمام الشيخ عبد الهادي نجا الإبياري الذي قال في وصف المجلة ما يأتي:

يهتزُّ سامعها حتى تراه غدا
يهتز عطفًا كمثل الشارب الثمل
فلا تعر غيرها سمعًا ولا بصرًا
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

(٤) المخبر المصري

مجلةٌ أسبوعية صدرت في ٢٤ تشرين الثاني ١٨٨٧ لمنشئها ديمتري مسكوناس صاحب جريدة «النور التوفيقي» التي سبق وصفها، وهي تتألف من ثماني صفحاتٍ مشحونة بالإعلانات الصناعية والتجارية والزراعية والعقارية، وفي آخرها بعض أخبار ومُلَح لتفكهة أذهان القراء، واحتجب «المخبر المصري» بعد ظهور أجزاء قليلة منه.

(٥) الرياض المصرية

بهذا العنوان أنشئت هذه المجلة العلمية الصناعية الأدبية التاريخية في ٧ أيلول ١٨٨٨ ميلادية، وصاحباها رجلان من أدباء مدينة بيروت هجرا وطنهما للتمتع بالحرية تحت سماء وادي النيل، اسم أحدهما عبد الرحمن الحوت والآخر ابن شقيقته محمد حسن سلطاني المخزومي (صار بعد ذلك محمد باشا المخزومي)، فكانت المجلة تصدر مرتين بالشهر في ٣٢ صفحةً كبيرة وقد استهلها منشئاها بهذين البيتَين:

فيا لك من مصر هو التبر تربها
حدائقها خضر وتوفيقها بدر
ويا لك من نيلٍ تبارك ماؤه
على ضفتَيه من رياض الهنا زهر
figure
نجيب كنعان؛ مراسل جريدة «البصير» الإسكندرية من القاهرة والمحرر في صحفٍ مصريةٍ شتى.

وكانت لمصطفى رياض باشا رئيس وزراء مصر سابقًا عنايةٌ خاصة بصاحبَيها فسمياها باسمه تيمنًا وافتخارًا، وكان أحدهما محمد باشا يكتب أكثر فصولها وأهم مقالاتها النفيسة التي نذكر منها: حرارة الجو وشعورنا بها – الحضارة والمساواة – حركات ما على وجه الأرض – حجة البدو في سكن القفر – مزايا الخلافة – سبب اختلاف الأمم في تسمية الشهور والأعوام – الائتلاف بالتجانس – مراتب القضاء – سؤدد الأمة وحفظ مكانتها، ومن أشهر مقالاتها «تحرير الأرقَّاء وإسارة الأحرار» التي تناقلتها الجرائد وتُرجمت إلى اللسان الإنكليزي بطلب من اللورد كرومر معتمد إنكلترا في مصر.

وبعدما عاشت هذه المجلة نيفًا وسنة احتجبت عن الظهور بداعي سفر أحد مؤسسيها محمد باشا المخزومي إلى أوروبا، وفي الجزء التابع سننشر إن شاء الله رسمه وترجمته مع سائر أخبار الصحف التي أنشأها في مدينة القسطنطينية.

(٦) فواكه الأرواح

صدرت هذه المجلة الأسبوعية الأدبية التاريخية الفكاهية في ٢ تشرين الثاني ١٨٨٩ بحجمٍ صغير جدًّا لمديرها يوسف حبيب ومحررها نقولا ذكا، وهي تتألف من ٣٢ صفحة مشتملة على أربعة أقسام: القسم الأول في فنون الأدب واللغة والتاريخ ويليه بعض فكاهات، والأقسام الثلاثة الباقية معربة عن أهم الروايات الأجنبية، ومراعاةً لسهولة مطالعتها واقتنائها قد نشرت كل قسم منها على حدة في ثماني صفحات بحيث كان كل جزء منفصلًا عن سواه حتى يتيسر تجليده مستقلًّا بذاته مع عدم الإضرار بالباقي.

١  مجلة «المهندس» لصاحبها أحمد كامل الشهدي بالقاهرة: عدد ٥، سنة ١، صفحة ٢٠٨ فما بعد.
٢  كتاب «مرآة العصر» صفحة ٤٠٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤