تقديم

بقلم محمد كامل النحاس

التمريض هو الخدمات التي تُقدَّم للمريض — إلى جانب الخدمات الطبية — لتساعد على شفائه من مرضه، ومنذ حوالي ربع قرن كان التمريض يعني وجود ممرِّضة إلى جانب المريض، تقوم على خدمته ورعايته باستمرار حتى يتم شفاؤه، ثم تبيَّن أن هذا المعنى يتضمَّن بعض الخطأ، وأن قيام ممرِّضة واحدة بشتى الخدمات للمريض، وهو على فراش المرض، قد يكون سببًا في تأخير الشفاء بدلًا من التعجيل به، فمثلًا كانت الممرضة تقوم بإطعام المريض، وتنظيفه وغسله، وتقليبه في فراشه، والتخفيف من آلامه.

أما الآن فلقد أصبح التمريض أكثر شمولًا وأوسع نطاقًا، فهو يشمل إعادة تدريب العضلات المصابة حتى تستعيد قدرتها على الحركة، ثم وضع نظام للرعاية المستمرة للمريض، حتى بعد أن يغادر المستشفى ويذهب إلى منزله.

وأصبحت الخدمة التمريضية غير مقصورة على ممرِّضة واحدة، تقوم بكل شيء للمريض، بل تُجنَّد لذلك فرقة من ممرضات ومُساعِدات لهن، لكلٍّ منهن واجبات تؤدِّيها، فمنهن مَن تقوم بمساعدة المريض في القيام ببعض التدريبات المنظمة، ومنهن مَن تقدِّم الوجبات وتقوم بإطعام المريض إذا كانت حالته تستدعي ذلك ثم أصبح لدينا فروع للتمريض.

لدينا الحكيمة التي تعمل مع الطبيب في الجراحة.

وممرضة الصحة العامة التي ترعى مريض السكر، وتمد رعايتها لأهله وذويه.

والممرضة المدرسية التي ترعى التلاميذ، وتقوم بالإسعافات اللازمة، والتي يمتد عملها إلى الكشف عن الأسباب المَرَضية لتأخُّرهم في الدراسة، وعجزهم عن التحصيل.

والممرضة المتخصِّصة في التأهيل المهني التي تساعد على إسعاف العمَّال الذين يُصابون في أثناء تأدية وظائفهم في المصانع، وتعمل مع المهندس الصناعي الإقلال من حوادث الإصابات بالبحث في أسبابها لتلافيها.

وأصبح التمريض الآن أقصَر أمدًا ممَّا كان عليه من قبلُ، بفضل العقاقير الجديدة التي أصبح لبعضها فعل السحر في المرض.

ففي الماضي كانت الممرضة تقوم بكلِّ شيء للمريض تقريبًا، تُطعمه، وتغيِّر وضعه في فراشه وتقوم بغسل جسمه، حتى لا يبذل هو أي مجهود في ذلك، فتتوافر لديه القوة التي يدَّخرها لمقاومة المرض.

أمَّا الآن فإن حقنة البنسلين تعمل على تخفيض حرارته، والإسراع في شفائه، وبذلك لا يتطلَّب الأمر بقاء المريض في رعاية الممرِّضة بالمستشفى أمدًا طويلًا.

وارتقى مستوى التمريض، فالممرِّضة لا تُعطي المريض الدواء الموصوف فقط، ولكنها تُلاحظ الآثار والمضاعفات التي قد تنتج عنه، وهي تبلِّغ الطبيب إن وجدتْ أن الدواء لا يُحدث الأثر المرجوَّ في المريض.

ثم استطاعت أن تعفي المريض من بعض الواجبات التي كان يقوم بها من قبلُ، فهي الآن تقوم بقياس ضغط الدم، وحَقْن المريض في العضَل أو الوريد وتنظيف الجراح، وغير ذلك.

وهي تُعامل المريض كإنسان، فلا تنعته بالغباء كما كانت تفعل من قبلُ إذا قصَّر في تنفيذ تعليماتها، ولكنها تبحث في الأسباب التي تجعله لا ينفِّذ تلك التعليمات: هل هي بسبب نَقْص في السمع؟ أم خوف؟ وتعمل على أن تجلو أمره حتى تستطيع أن تبدِّده.

ويمتد واجب الممرضة الآن إلى تقديم المَعونة لمَن هو بحاجةٍ إليها من أفراد أسرته، فهي عندما تزور المريض في منزله، وتجد أنَّ له أُمًّا عاجزة عن المَشْي، تساعدها في ذلك، وتبدأ أسرة المريض تنظر إليها كما لو كانت ممرِّضة الأسرة الخاصة وليس فقط المريض الذي بينها.

ولقد درس الأطباء والممرضات والإداريُّون في المستشفيات والمدرِّسون في معاهد التمريض الوسائلَ التي تحقِّق للمريض حاجاته الحالية والمستقبلية، وتضمَّنَت الدراسة الاتصال بالمرضى والوقوف على آرائهم، وخرجوا من ذلك بما أسموه حقوق المريض، ونشرت الرابطة القومية للتمريض في الولايات المتحدة الأمريكية هذا الميثاق، وهو يتكوَّن من عدة بنود هامة.

ولقد حوى الكتاب الذي أُقدِّمه للقرَّاء بنود هذا الميثاق، كما أسهب في شرح مهنة التمريض كما يجب أن تكون، وكيف تطوَّرَت عن مدركها المألوف.

وتعرَّض الكتاب لمستويات التمريض ونوع المدارس والبرامج التي تُعِد الممرِّضات والممرِّضين في الولايات المتحدة الأمريكية، وكلها جميعًا تعقب مرحلة الدراسة الثانوية.

فهناك برنامج تدرسه الطالبات في المستشفيات لمدة سنة، وتغلب عليه الناحية العملية، تحصل الطالبة بعده على شهادة تُؤهِّلها للعمل مُساعِدة ممرِّضة.

وهناك برنامج آخَر يستغرق سنتَين ينتهي بالحصول على «الشهادة المشاركة»، يتضمَّن التدريب العملي في المستشفيات، ويمكن أن يكون هذا البرنامج شعبة في مدارس مهنية للفتيات، تلتحق به مَن تريد أن تُعِد نفسها لوظيفة التمريض في مدَّة قصيرة.

ثم برنامج لمدة ثلاث سنوات تحصل الطالبة بعدها على دبلوم التمريض، ثم برنامج دراسي على مستوى الكلية أو الجامعة، ومدَّة دراسته أربع سنوات تحصل الطالبة بعدها على درجة البكالوريوس في التمريض، تؤهِّلها لشغل وظائف قيادية في هذا الميدان.

وهناك قنوات تصل بين هذه المستويات المختلفة تعبر فيها مَن تريد الحصول على درجة البكالوريوس من أولئك الحاصلات على الدبلوم وهكذا.

ويشرح الكتاب كيف امتدَّت الخدمات التمريضية إلى رعاية الأمهات والأطفال، وتدريب أمهات المستقبل على كيفية رعاية الأطفال حتى يواجهن هذه المهمة في ثقة واطمئنان بعد أن يُنجبن الأطفال.

ثم كيف امتدَّت الخدمة للمُسنِّين الذين يُقاسون من متاعب ومشكلات كثيرة، وفي طليعتها مشكلة التغذية، ومشكلة العزلة والوحدة.

ثم كيف امتدَّت إلى مستشفيات الأمراض النفسية، والرعاية الدائبة للحالات النفسية بعد أن يغادر أصحابها هذه المستشفيات.

وموجز القول أن التمريض جزءٌ متكامل من العلاج، وبلادنا بحاجة إلى مضاعفة عدد الممرِّضات المُؤهَّلات لضمان سَيْر العلاج بنجاح؛ ولذلك كان من الضروري تشجيع الطالبات على اللحاق بمدارس التمريض ومعاهده وكلياته، وتقديم كل المحفِّزات اللازمة للتحضيض على المهنة العامة، وذلك من حيث زيادة أجورهن وتخصيص مساكن لهن، وإنشاء دور الحضانة لأطفالهن حتى لا يتركن المهنة بسبب الزواج والأطفال.

وفي الوقت نفسه فالتمريض بحاجة إلى نوع معيَّن من الشخصية، التي تتجاوب مع رسالته الشخصية التي تتميز بالصبر والعطف والتفاؤل والروح الاجتماعي، وتقدير المسئولية والدقة في أداء الواجب؛ ولذلك كان من الواجب إجراء اختبارات شخصية على الطالبات اللواتي يتقدَّمن للحاق بمدارس التمريض ومعاهده وكلياته، لاختيار مَن تتوافر فيهن هذه الصفات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤