يعقوب صنوع: مغامرات المسيو جيمس ليل

حين قدم جمال الدين الأفغاني إلى مصر، واختار قهوة متاتيا مكانًا للقاء تلاميذه من مثقَّفي المجتمع المصري، كان من بين الشخصيات التي اختلفَت إليه، الصحفي والكاتب والمخرج والممثِّل المسرحي صنوع.

كان الأفغاني هو الذي أوحى إليه بإنشاء صحيفة «أبو نظارة سوداء»، وشجَّعه على ذلك بكتابة مقالَين فيها. وبعد نفيه إلى باريس، ولحاق الأفغاني به، ظلَّت العلاقة بينهما طيبة، برغم ما كان يشوب سماءها — أحيانًا — من سحب.

اسمه يعقوب روفائيل صنوع. وُلِد بالقاهرة في ١٥ أبريل ۱۸۳۹م. وكان الابن الوحيد لزوجَين مات لهما من قبلُ أربعة أطفال.١
والحق أن حياة يعقوب صنوع، وشخصية الرجل ذاتها، تثير أكثر من علامة استفهام. وإذا كان صلاح عبد الصبور يؤكد عمالته للحكومة الفرنسية، من واقع آراء الرجل، وتصرُّفاته، ومواقفه٢ فلعل التعبير الأدق عن شخصية الرجل أنه كان عميلًا ليعقوب صنوع، بمعنى أنه لم يكن مخلصًا لقضيةٍ مبدئية، وإنما كان شاغله أن يحقِّق طموحاتٍ ذاتيةً خالصة.
وابتداء، فإن حكاية اليهودي الذي نذَرَته أمه للإسلام، لا تخلو من مبالغة. وما أكثر ما نصادف من مبالغات في حياة الرجل، فهو قد حفظ القرآن، وعاهد أمَّه على أن يوفي نذرها، وأن يجنِّد نفسه ليؤدِّي رسالةً مقدسة هي «مكافحة الأباطيل التي تفرِّق بين المسلمين والمسيحيين، بإظهار سماحة القرآن، وحكمة الإنجيل، وهكذا تتسنى لي الملاءمة بين قلوب الفريقَين.»٣ ومع تلك الرواية الغريبة، فإن يعقوب صنوع فضَّل ألا يُشير إطلاقًا إلى ديانة والدَيه. وهو إنكارٌ لا معنى له في مجتمع يؤمن بالسماحة الدينية، ولا يتصوَّر أبناؤه أن الطائفة الثالثة ستُطالِب — بعد أعوامٍ قليلة — بالعودة إلى الوطنِ الأم، وإن ذهب أستاذنا رشدي صالح إلى أن حديث صنوع عن نشأته يعبِّر «عن حساسيةٍ مفرطةٍ بالنسبة لعقيدته ووضعه؛ فهو يزعُم ذلك الزعم الذي يجعل من مولده أمرًا مرتبطًا بولي مسلم. كما أنه يُكثِر من ذكر القرآن، ومحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.»٤ ويضيف رشدي صالح: «ونحن نميل إلى تفسير هذا السلوك منه، بأنه كان تعبيرًا عن حساسيةٍ دينيةٍ مفرطة، أو عُقْدة نقص.»٥

•••

يعقوب صنوع — في تقدير معظم الاجتهادات — هو الرائد الفعلي للمسرح المصري. سبق في ذلك النشاطَ المسرحيَّ للفرق السورية واللبنانية التي وفدَت إلى مصر — فيما بعدُ — لنشر أصول هذا الفن فيها.

كان المسرح من بين المظاهر الثقافية التي حملَها الفرنسيون في حملتهم إلى مصر. يقول الجبرتي (عام ١٨٠٠م): «… وفيه كمُل المكان الذي أنشَئوه — الفرنسيون — بالأزبكية، عند المكان المعروف بباب الهواء، وهو المسمَّى في لغتهم بالكُمدي، وهو عبارة عن محلٍّ يجتمعون فيه كل عشر ليالٍ، ليلةً واحدة، يتفرَّجون به على ملاعيبَ يلعبها جماعةٌ منهم بقصد التسلِّي والملاهي، مقدار أربع ساعاتٍ من الليل، بلُغتهم، ولا يدخل إليه أحدٌ إلا بورقةٍ معلومة، وهيئةٍ مخصوصة.».٦ وربما كانت فرق المحبظين استمرارًا — بصورة وبأخرى — للمسرح الذي قدَّمه الفرنسيون. يصف إدوارد لين بعضَ عروضها الضاحكة أيام محمد علي: الفلاح المدان للحكومة، وزوجته، والخادم، وشيخ البلد، والكاتب القبطي. والموضوع هو المشكلة الأزلية: هل تعتصر الحكومة — بواسطة موظَّفيها — صغار الفلاحين، فلا تبقي لهم — أو منهم — شيئًا؟ … فإذا أضفنا مسرحيات المحبظين — ومن قبلها مسرحيات الفرنسيين — إلى فنونٍ سابقة، مثل خيال الظل والقره قوز وصندوق الدنيا، تَمثَّل لنا ما يمكن نسبته إلى إرهاصات فنِّنا المسرحي. أما المسرحية بصورتها الأوروبية، فقد كانت نتيجةً طبيعيةً لاتجاه العصر كله إلى الأسلوب الغربي في أبعاده المختلفة، بدءًا بالزي والطعام ووسائل الحياة والترفيه ونوعية التعليم والثقافة. ونحن نجد تعبيرًا متفوقًا عن ذلك في مذكرات أحمد شفيق باشا، التي أجادت تصوير الحياة المصرية في تلك الفترة. بدأَت صورة الحياة في التغيُّر. اكتسبَت ملامحَ وقسماتٍ لم تكن موجودةً منذ عهد نابليون، مرورًا بعهد محمد علي، إلى عهود خلفائه، إلى عهد إسماعيل. أُنشئَت أحياءٌ بأكملها مثل الإسماعيلية والتوفيقية وعابدين، وفُتحَت شوارعُ جديدة وميادين، وأُعيد تنسيق حديقة الأزبكية، وشيِّد كوبري قصر النيل، ليصل الجزيرة بالقاهرة، ونُصبَت التماثيل والنافورات، وأُنشِئ عددٌ كبيرٌ من القصور في عابدين والجزيرة والجيزة وبولاق الدكرور والقبة وحلوان والزعفران، إلى جانب القصور التي أُنشئَت في الأقاليم مثل المنيا والمنصورة. وكان للإسكندرية حظُّها في إيجابيات العهد الإسماعيلي، فقد اختُطَّت فيها شوارعُ وأحياءٌ جديدة، وأُنيرَت أحياؤها وشوارعُها بغاز الاستصباح. حتى قهوة الفيشاوي الشهيرة بحي الحسين، أُنشئَت في ١٨٦٣م؛ أي في عهد إسماعيل. كما أُنشئَت دار الرصد، ومصلحة الإحصاء، ومصلحة المساحة، والمسرح الكوميدي، وافتُتحَت — للمرة الأولى — دار الأوبرا، واستُحدِث المجلس التشريعي، وانتشر التعليم على نطاقٍ واسع، وزادت الصحف والمطبوعات، وازدهرَت الفنون والآداب بصورةٍ ملحوظة.

يعقوب صنوع لم يبدأ من الصفر. سبقَه آخرون عبَّدوا الطريق، وأقاموا الأساسات، ليأتي مِن بعدهم مَن يبني فوقها. أستاذنا علي الراعي يروي عن أذى المهانة الذي تعرض له — على سبيل المثال — أبو خليل القباني، حين أقام مسرحه. جرى وراءه الصبية في الشوارع يهتفون:

أبو خليل مين قالك
على الكوميديا من دلَّك؟
ارجع لكارك أحسن لك
ارجع لكارك قباني
أما مارون نقاش — مثلًا آخر — فهو يتقدَّم بجهده المسرحي إلى «الأسياد المعتبرين»، مغامرة ليس الفشل وحده نتيجة لها، بل هناك أيضًا «إمكان الملام»؛ أي المعارضة والشَّجْب وفقدان الاعتبار.٧ عانَى مارون نقاش بالفعل من إهمال مواطنيه، بل ومن ضياع تجارته، حتى مات محسورًا «لأن شعورًا قد لازمه بأن دوام فن التمثيل في بلاده أمرٌ بعيد الاحتمال.»٨ لذلك — والكلام للراعي — «لم يلقَ يعقوب عنتًا في استخدام البنات في مسرحه، ولا كانت مشكلته أن يواجه مقاومة من الناس أو المشايخ. لقد ازدحم مسرحه بالنظَّارة المتحمِّسين. بل ومن طويلي اللسان بين هؤلاء. وسعى المتفرجون أحيانًا إلى توجيه المؤلِّف ومسرحياته، بالتعليق على سير الأحداث، وبالرغبة المُلِحة في تغيير مصائر الأبطال. أما أهل الرأي من المشايخ، فإن مثلَين واضحَين على استنارتهم يكمُن في موقف كلٍّ من الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، والشيخ رفاعة رافع الطهطاوي.»٩ جهود تأسيس «التياترات العربية» — والتعبير ليعقوب صنوع — لم تبدأ حتى بأعمال القباني ونقَّاش وغيرهما، وإنما سبقها — كما أشرنا — تراثٌ مسرحيٌّ شعبي خالص من المؤثِّرات الأوروبية، منذ مطالع القرنِ التاسعَ عشر، تَمثَّل في مسرحيتَين قصيرتَين، شاهدَهما الرحَّالة الإيطالي بلزوني — وأشار إلى ذلك — في ١٨١٥م. وكانتا قد قُدِّمتا ضمن حفل زواجٍ أُقيم في شبرا، ثم المسرحية الهجائية القصيرة التي شاهدَها إدوارد لين حوالي عام ۱۸۳۰م، في مناسبة ختان واحدٍ من أنجال محمد علي. بل إن التحليل النقدي لفصل ابن البلد والسائح — كما يقول الراعي — يدُل على أن صنوع قد انتزع بعض شخصيات مسرحه من مسرحٍ قائم بالفعل، ومُدعم بسنواتٍ من الممارسة المتصلة.»١٠

والمُلاحَظ أن يعقوب صنوع قد شارك بالتمثيل مع العديد من الفرق الأجنبية التي زارت مصر، مما أتاح له فائدةً مؤكَّدة حين فكَّر في إنشاء مسرحه. ولمَّا بدأ صنوع نشاطه المسرحي، كان هناك داران للعروض المسرحية؛ إحداهما هي «مسرح الكوميدي» — افتُتحَت في ٤ يناير ١٨٦٩م — والثانية هي «دار الأوبرا» — افتُتحَت في أول نوفمبر من العام نفسه — وقد أنشأهما إسماعيل، ضمن احتفالات افتتاح قناة السويس. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان ثمَّة العديد من المسارح التي أُنشئَت في القصور، مثل مسرح قصر النيل، ومسرح قصر عابدين، وغيرها.

•••

معظم الاجتهادات تحدِّد عام ١٨٧٠م بداية للمسرح المصري. ارتفع الستار — للمرة الأولى — في مسرح يعقوب صنوع. يقول: «وُلِد مسرحي على منصة مقهًى موسيقيٍّ كبير في الهواء الطلق، قائم في وسط حديقتنا الجميلة، حديقة الأزبكية بالقاهرة. وفي تلك الحقبة؛ أي في سنة ١٨٧٠م، كانت فرقةٌ فرنسيةٌ مجيدة من الموسيقيين والمغنين والممثلين، وفرقةٌ مسرحيةٌ إيطالية، تقدِّمان للأوروبيين من أهل القاهرة أطيبَ متعة. وشهدتُ جميع ما قدمه هذا المقهى الموسيقي، فإن الفرنسية والايطالية لغتان أحبهما حبًّا جمًّا. وقد درستُ كبار كُتابهما المسرحيين. وهل ينبغي أن أعترف؟ … نعم، إن الفصول الهَزْلية القصيرة، والمسرحيات الكوميدية، والتمثيليات الغنائية، والمآسي التي أدارها الممثِّلون على هذا المسرح هي التي أوحت لي بفكرة إنشاء مسرحي المتواضع. درستُ دراسةً جدية أدباء المسرحية الأوروبيين، لا سيما جولدوني وموليير وشريدان في لغاتهم الأصلية؛ أي الفرنسية والإيطالية والإنجليزية. وحين آنستُ أنني أجيد بعض الإجادة في المسرح، كتبتُ تمثيليةً غنائية من فصلٍ واحد، باللغة الدارجة، وإن العربية كاليونانية، فيها الفصحى والعامية. واقتبستُ للمقطوعات الغنائية ألحانًا شعبية. وعلَّمتُ الرواية لنحو عشرة فتيانٍ أذكياءَ انتخبتُهم من بين تلاميذي، وارتدى أحدهم ملابس النساء ليقوم بدور العاشقة.»١١

وقد أُغلِق مسرح صنوع بعد عامَين من افتتاحه. أغلقه الخديو إسماعيل، لثورته على صنوع — كما يروي صنوع نفسه — ولتعثُّره المادي — كما تذهب رواياتٌ أخرى — وهو ما سنناقشه تفصيلًا.

وكان اتجاه نشاط يعقوب صنوع الثقافي، بعد أن أُغلِق مسرحه، تأسيس جمعيتَين علميتَين أدبيتَين؛ الأولى: محفل التقدُّم. والثانية: محفل محبي العلم. وكلمة محفل تنتسب إلى الماسونية، وبالتحديد إلى عبارة «المحفل الماسوني».١٢ ومنذ ١٨٥٦م، أسهَم يعقوب صنوع في تأسيس المحافل الماسونية: «ولمَّا كنتُ في حماية الماسونية التي كان يخشاها الخديو كثيرًا، وفي رعاية جميع القناصل الأوروبيين الذين كانوا يتلقَّون دروس العربية، فإن إسماعيل لم يكن يستطيع قتلي.»١٣ وفي الوقت الذي تنبه فيه الأفغاني لخطر الماسونية، وانقلَب يهاجمها، فإن صنوع ظل على صلةٍ طيبةٍ بها.١٤ واستمَر صنوع في كتابة مقالات حوارية في الصحف التي تولَّى إصدارها — باسمه — في مصر، قبل أن يرحل إلى باريس، ويُصدِر صحفًا أخرى، إلى وفاته في ۱۹۱۲م.

•••

هل كان السبب المباشر لإغلاق مسرح يعقوب صنوع، هو تقديمه لمسرحية «زبيدة والوطن والحرية»، التي وجد فيها الخديو تعريضًا به، وبحكمه؟

نحن نلحظ أن الرجل أشار في مناسبةٍ تالية، إلى أن الخديو لم يُغلِق مسرحه لأنه كان يهاجمه — أي يهاجم الخديو — بل لأنه قد أسيء فهمُ مسرحياته. يقول: «وصفَّق الجمهور لفرقتي. بل وصفَّق الخديو كذلك، ولكن كان في قاعة المسرح بعض ذوي النفوذ من ألد أعداء التقدُّم والحضارة، فأقنعوا الخديو بأن رواياتي كانت تتضمَّن تلميحاتٍ ماكرة وإشاراتٍ خبيثة ضده، وضد حكومته، فأمر بإغلاق مسرحي، مما أثار سخط الجماهير الشديد.»١٥ الرجل إذن لم يستهدف الخديو ولا حكومته في مسرحياته، وإنما هم بعض ذوي النفوذ من ألد أعداء التقدُّم والحضارة، أفلحوا في إقناع الخديو بأسبابٍ وجدها كافيةً لإصدار أوامره بإغلاق المسرح.
والحق أنه من الصعب تصوُّر أن إسماعيل هو الذي أغلَق مسرح يعقوب صنوع، في ضوء العلاقة «الخاصة» التي كانت تربط بين الخديو وصنوع؛ ففي ١٨٧٤م — أي بعد إغلاق المسرح بعامَين — أرسله إسماعيل في مهمةٍ خاصة. وفي ١٨٧٧م أذن له بإصدار جريدته.١٦ وإذا كانت بعض العبارات التي وردت في مسرحيات صنوع تشي بتحريضٍ سياسي، فإن عباراتٍ أخرى كثيرة تحفل بالثناء على الخديو إسماعيل، وتمجيده، وتأكيد الولاء له، بما يؤكد رضاء صنوع على الخديو، في المقابل من رضاء الخديو عنه. أشار صنوع إلى «الحرية» في بعض النصوص، التي كتَبَها بعد رحيله من مصر، نصَّين بالتحديد … ولكن العديد من المسرحيات التي كتبها أثناء إقامته في مصر، تبين عن ولاءٍ مؤكَّد للخديو وحكومته من خلال ما يُنطِق به المؤلِّف أبطاله، مثل: والخير كل يوم بيزيد … ودا كله بنفس الحكومة … احنا يحب مصر والناس بتوع المصر … ويحب الملك بتاع المصر … يا رب احفظ مدير هذا المكان … في عز والينا يا رحمن.. فيجب على أهل مصر أن يكونوا شاكرين أفضال الخديو؛ لأنهم ما شافوش الأملة دي إلا على أيامه … حكومة أفندينا عدل وإنصاف … أفندينا أنعم الله عليه بالعافية والخير، لما لعبنا أمامه سماه موليير.» … ونصوص أخرى كثيرة غيرها، تؤكِّد أن «الثورة» التي كان يزعُمُها صنوع في مسرحه، إنما اختلقَتها ظروف المنفَى، وهو منفًى لم يكن له صلةٌ حقيقية … بمسرحيات صنوع، بل إن يوسف نجم في تقديمه لمسرحيات صنوع، يلاحظ اختلافًا في النصوص. يشير إلى أن الرجل «قد غيَّر نصوص مسرحياته هذه وفقًا للظروف المحيطة به آنذاك، أو أنه كتب منها صورًا عدةً منقحًا ومهذبًا، أو يكون قد عبث بنصوصها في تلك المسرحية التي أقدَم على نشرها سنة ١٩١٢م، عندما كان يعيش آمنًا في باريس. وأنا شخصيًّا، بعد أن استقرَيْت حياة صنوع، ودرستُ ما كتبه عن نفسه، أرى أنه يميل إلى المبالغة والتفخيم، وخاصةً أن أحاديثه تلك عن نفسه، كانت — في الأغلب — أحاديثَ صحفيةً وخُطبًا ألقاها خارج مصر، وفي وقتٍ متأخر، وهو آمنٌ مِن النقد والنقاد، ومَن يستطيعون أن يصوِّبوا كلامه إذا خرج فيه عن جادَّة الحقيقة والواقع. ثم إنه في مقدمة المسرحية الأخيرة المطبوعة، لم يُشِر إلى أن إسماعيل أغلَق مسرحه، بل ذكر أنه كان من أعزِّ خلانه.»١٧

وقد قدَّم صنوع مسرحيته الأولى «راستو وشيخ البلد والقواص» بعد أن قرأها الخديو، ووافق على عرضها في مسرح الأزبكية. وظل صنوع يقدم مسرحياته لقلةٍ من المشاهدين، قوامُها الأمراء والباشوات؛ ومن ثم فقد اقتصَرَت المسرحيات على القضايا الاجتماعية، وذات المغزى الأخلاقي، بحيث تخلو معظم المسرحيات التي ألَّفَها وعُرضَت له — في القاهرة — من أية دلالة، أو ملمحٍ سياسي، بعكس ديالوجاته الباريسية التي لم تكن تبشِّر بثورة لصالح الجماهير المصرية، بقَدْر ما كانت تدعو إلى بعض الدول والأفراد، فرنسا والأمير حليم على وجه التحديد. النظرة المتأملة لمسرحيات صنوع التي قدَّمها في موسم ۱۸۷۰م، ۱۸۷۱م تبين عن نوعية ما كانت تلك المسرحيات تتضمَّنه؛ فمسرحية «راستو وشيخ البلد والقواص» توضِّح نتائج التورُّط في المغامرات العاطفية، و«بورصة مصر» تدور حول فشَل الزواج القائم على المنفعة المادية، و«حلوان والعليل» دعاية لعمليات العلاج في حمَّامات حلوان، و«أبو ريدة البربري ومعشوقته كعب الخير» سخرية من الخاطبة التي تعمل لصالحها، وإن تظاهَرَت بالسعي لمصلحة العروسَين، و«الصداقة» تُدافِع عن الوفاء في الحب، و«الأميرة الإسكندرانية» تضغط على حقيقة أنه «ما حدش منا اتولد ومعاه رتب … الإنسان يحصل على أعلى الدرجات بسلوكه الحميد وأمانته واسمه الطيب.» و«الضرَّتَين» تهاجم تعدُّد الزوجات. أما «موليير مصر وما يقاسيه» فهي تسجيلٌ لمشكلات فرقته، وتسوُّل — معلَن — بأن يعينه الخديو على مواجهة تلك المشكلات. وأما «زبيدة والوطن والحرية» التي يقول صنوع إنها كانت سببًا في إغلاق مسرحه في نهاية ١٨٧١م، بعد أن تعرَّض فيها للخديو بالتجريح، فبصرف النظر عن مدى صدق صنوع في روايته، فإنه أشار — في روايةٍ أخرى — إلى أن إغلاق الخديو لمسرحه، تم بإيعازٍ من خصومه، فضلًا عن أنها كانت آخر المسرحيات التي قدَّمها، فهي إذن تلي مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه»، التي كتبها لغير هدفٍ فني أو اجتماعي أو سياسي، وإنما كان هدفها المحدَّد أن يهبه إسماعيل بعض الأموال التي تساعد فرقته — كما يقول في المسرحية — على مواجهة ظروفها.

وإذا كان مما يعتَز به صنوع أنه تناول الخديو بتلميحات في مسرحية «زبيدة والوطن والحرية» فإنه — كما أشرنا — ينفي ذلك عن نفسه، ويتهم خصومَه بأنهم هم الذين أوغَروا نفس الخديو عليه، فضلًا عن أن السؤال يفرض نفسه: كيف تتغير النفسية من «التسوُّل الشخصي» إلى «النضال العام»، في حين أن الشخصية المستهدَفة في الحالَين واحدة، وهي شخصية الخديو؟

إن غالبية مسرحيات صنوع تدور حول قضايا اجتماعية، وتخلو من أية دلالةٍ سياسية. لقد عُنيَت أساسًا «بالأسر المتمصِّرة ومشاكلها في العمل والحب على السواء، ويقدِّم لنا منها نماذجَ عديدةً متباينة. ولا يبدو المصريون على مسرحه إلا خدمًا في معظم المسرحيات، أو حشاشين لا يشغل بالهم إلا تعدُّد الزوجات.»١٨ فأين هي المسرحيات التي كانت دافعًا لأن يُبدِّل الخديو إسماعيل موقفه إلى النقيض؟ … إنه لم يكتفِ بحجب تأييده ومعونته لموليير مصر — الاسم الذي أطلَقه بنفسه على صنوع، أو المسيو جيمس كما سمَّى صنوع نفسه — ولم يكتفِ كذلك بإغلاق مسرَحه، لكنه أمرٌ بنفيه إلى الخارج.

ولا بد أن الأسباب كانت مثيرةً إلى الحد الذي دفع الخديو إلى إصدار أمر النفي … فما تلك الأسباب؟

يوسف نجم يرجِّح أن يكون في مقدمة الأسباب، التي اضطرَّت صنوع إلى إغلاق مسرحه، نشاطه السياسي الخاص، وعلاقته بجمال الدين الأفغاني، وتأسيسه محفل التقدم وجمعية محبي العلم … ولكن الأفغاني قدم إلى مصر في ۱۸۷۱م، وظل نشاطه ثقافيًّا خالصًا، حتى أقدَم على النشاط السياسي بعد سنوات. وهو قد كوَّن محافل وجمعيات، وأنشأ صحفًا، فلم يتعرَّض نشاطه لمصادرةٍ حقيقيةٍ إلا في عهد توفيق، الذي أمر بنفيه. وقد مارس صنوع نشاطًا صحفيًّا بعد توقُّف نشاطه المسرحي. وكانت تكاليف إصدار جريدةٍ حينذاك زهيدة، بما لا يُقاس إلى تكاليف إنشاء فرقةٍ مسرحية، فالسببُ الأدقُّ إذن لإغلاق مسرح صنوع، هو الصعوبات المالية التي حالت دون استمراره.

ويردُّ يوسف نجم على التفسير الذي طرحَه بنفسه، من أن تكون بعض المبادرات ذات مدلولاتٍ سياسية، مما دفع الخديو إلى إغلاق المسرح، بأنه «لا يكفي بحال ليكون سببًا لإغلاق مسرحه. كذلك فإن السخرية من الفوارق الطبقية، والتنديد بإقدام الأجانب على استغلال مصر تجاريًّا وماليًّا، والهزؤ من التفرنُج والمتفرنجين … كل هذا يُمكِن أن يكون ذا مدلولٍ سياسي، إذا توسَّعنا في التفسير، وخاصةً إذا اعتبرنا الحالة العامة في عهد إسماعيل، ولكن يقابله — من ناحية أخرى — تمجيدٌ للخديو وحكومته في أكثر من موضع. كما أن مسرحية «البورصة» التي يُستفاد من مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» أنها مُثِّلَت بعد مُضي عامَين على مسرحه، ليس فيها شيءٌ من السياسة.»١٩ ولم يكن رفض إسماعيل لبعض مسرحيات صنوع لمعانٍ سياسية، بقَدْر ما كان رفضًا لبعض الدلالات التي تصوَّر الخديو أنها تعكس جوانبَ من حياته الخاصة مثل مسرحية «الضرتَين» التي كانت تنتقد تعدُّد الزوجات، وكان إسماعيل مزواجًا، فضلًا عن اقتنائه للجواري، فقال له: انظر يا موليير. إن لم تكن من صلابة العود بحيث تُرضي أكثر من زوجة، فلا ينبغي أن تثير نفور الآخرين.» وحتى البعد الاجتماعي الذي اقتصَرَت عليه مسرحيات صنوع — التي عُرضَت في القاهرة — لم يكن مكتملًا، بمعنى أنه كان يقتصر على العلاقات الأسرية والسلوكيات الأخلاقية، ولم يناقش — مثلًا — أوضاع الطبقات الأدنى في المجتمع المصري، إزاء أوتوقراطية الخديو، وتعسُّف المرابين الأجانب، وسطوة كبار المُلَّاك من الشراكسة والأتراك … إلخ. والمناداة بالعدالة الاجتماعية تغيب عن مسرحيات صنوع. بل إنه يُحاوِل الإسهام بمسرحياته في التوفيق بين الاستغلال الأوروبي والملايين المصرية التي أمضَّها ذلك الاستغلال؛ ففي مسرحية «زمزم المسكينة» — على سبيل المثال — ينصرف الكل عن بائعة الخبز زمزم، ولا يحاول أحدٌ مساعدتها في محنتها أمام القوَّاص. بل إن بعضَهم يغافلها ويخطف الخبز، ويلوذ بالفرار. ويُداس طفلُها بالأقدام أثناء اندفاع الجماهير، فلا تجد من يقف إلى جانبها سوى القنصل الأجنبي، يتشفَّع لها عند مأمور السجن، فيقرِّر رفع الضرائب المقرَّرة، وتخرج زمزم باكية: أهي أصبحت الكفار تتشفَّع للمؤمنين!

في مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» تتوضَّح لنا الأرضية الحقيقية التي يقف عليها «فن» يعقوب صنوع؛ فهي تتناول المتاعب التي تعانيها فرقته المسرحية، ومتاعبه هو شخصيًّا. ويجد المؤلف خلاصًا من المشكلات المادية التي تُحاصِره، في الذهاب إلى إسماعيل، يرجوه منح الفرقة إعانةً مالية، ثم يُغلق الستار. شاغل المسرحية هو التسوُّل؛ فهي تخلو من الحدث، ولا تعدو شكوى من الظروف المادية التي كانت تعانيها فرقة صنوع، وأمل في أن يعينها إسماعيل. وقد وجد فيها صنوع فرصةً لتزكية نفسه على ألسنة أبطال فرقته: والله ما يُوجَد مثله في تياترات لندرة وباريس … تارك لنا إيراد التياترو وبيطلع من عبِّه المصروف … من خصوص عمنا جمس … يكفيه مدح جرائد الشرق والغرب فيه … والراجل شهدَت له العلماء بأنه فريد العصر … ما حد قبله عمل تياترو عربي في مصر … وأفندينا أنعم الله عليه بالعافية والخير، لما لعبنا أمامه سمَّاه موليير … وموليير هو مؤسِّس التياترات الفرنساوية … وعمنا جمس منشئ التياترات العربية … فمن وقتها في سراية عابدين، وفي الدوائر والدواوين، ما حدش يسميه جمس يا مون شير … جميعهم يقولوا له يا مسيو موليير … قلبي يحدِّثني يا فريد العصر، أنك عن قريب تُشتَهر في أوروبا مثلما أنت في مصر … إلخ.

كانت الظروف المادية وحدها إذن، هي التي دفعَت يعقوب صنوع إلى إغلاق مسرحه. لم يستطع دفع رواتب ممثليه، فتوقَّفوا عن العمل، وهجر العمل المسرحي تمامًا، واتجه إلى أعمالٍ أخرى، أقل تكلفة، وأكثر فرصًا لتحقيق الربح.

•••

لعلنا نجد في عفو الخديو إسماعيل عن يعقوب صنوع، بعد أن ظل موضعًا لغضبه فترةً طويلة، وحفاوة صنوع بذلك العفو، مع أنه تم بوساطةٍ شفوية من «مكتوبجي الحضرة الخديوية أحمد خيري باشا» … لعلنا نجد في ذلك ما يوضِّح الأبعاد الحقيقية لشخصية صنوع. يقول: «ومنذ ذلك اليوم، أخذتُ أقضي سهراتي في قصر عابدين، مقَر الخديوية، فتعرَّفتُ بجميع وزراء إسماعيل. وقد كلفني معظمهم بتعليم أولادهم الفرنسية والإنجليزية. وهكذا عدتُ ابتداءً من ذلك التاريخ إلى ما كنتُ عليه من قبلُ؛ أي شاعر البلاط. وكنتُ أبعث بشعري في مناسبات الأفراح وأعياد الميلاد. وقد أدرك مؤرِّخ صنوع — إبراهيم عبده — أن هذه السقطة كفيلةٌ بأن تبين عن هوية الرجل، وتعرِّيه تمامًا، فهو يعترف بأن صنوع عاد إلى ما كان عليه من قبلُ، مادحًا للبيت المالك، مُسجِّلًا مديحه في أشعارٍ بعث بها في المناسبات المختلفة.»٢٠ الرجل يتعرض لسلسلة من المؤامرات يدبِّرها له الخديو إسماعيل، تبدأ بالرشوة، وتنتهي بمحاولات الاغتيال، بينما كان الخديو يضمن ولاءه — وليس سكوته فحسب — برضائه عنه، وبراتبه الشهري، فإذا افترضنا أن مقتل صنوع أصبح هدفًا لإسماعيل، فهل كان يعجز عن تدبير مصرعه بطريقةٍ مشابهةٍ لمصرع إسماعيل صديق المفتش؟ … أما لماذا لم يتمكَّن الخديو إسماعيل من قتل المترجم له نهارًا، فلأنه — كما يقول في مذكِّراته — كان «في حماية الماسونية التي كان يخشاها الخديو إسماعيل كثيرًا، وفي رعاية جميع القناصل الأوروبيين الذين كانوا يتلقَّون عليَّ على دروس اللغة العربية.»٢١ وأما الماسونية، فتكاد تُجمِع الدراسات المعاصرة على أنها رافدٌ أساسيٌّ في الصهيونية العالمية. وأما القناصل الأوروبيون، فإنهم لن يُقدِموا على حماية وطنيٍّ مصري، في الوقت الذي كان الفم الأوروبي يتهيأ لابتلاع الأرض المصرية. وذهب رأي إلى أن سخرية صنوع السياسية قد أزعجَت إسماعيل، فأمر بإغلاق الجريدة كذلك، لتظهر من جديد في باريس، يوم الجمعة ٢١ مارس ۱۸۷۹م.

•••

وقصة نفي يعقوب صنوع من مصر تغلب عليها المبالغة الشديدة. ولعل التعبير الأدق: المبالغة الساذجة؛ فقد عرض عليه الخديو — بوسطة خيري باشا — عرضًا صغيرًا، رفضَه صنوع حالًا، وقال لخيري باشا: قل لإسماعيل إن كان هو خائنًا، فأنا لستُ كذلك، وإن كنوز العالم كلها لا تساوي ظل شرفي.» ويتأثر خيري باشا لهذه الكلمات، فيبكي ويقول: الحمد لله سيد الكون، الذي وضع في طريقي رجلًا شريفًا مواطنًا صالحًا مثلك. أرجو أن يحذُوَ أبناء مصر حَذْوك، فيجعلوا الطاغية الذي يظلمهم يرتجف أمامهم. وبالطبع، يغضب إسماعيل على صاحب «أبو نضارة» غضبًا شديدًا، ويأمر بإلقاء القبض على بائعي الجريدة. ثم يشيع في مصر المحروسة أن «صنوع» قد وُجِد مقتولًا في فراشه. ولكن «اضطرب الشعب لخبر موتي، وخشي إسماعيل العاقبة، فأمر بظهوري في المدينة لتهدئة الجماهير.»٢٢ ويؤكِّد صنوع أن هجرته من مصر كانت لخوفه من أن يذيقه الخديو إسماعيل قهوته المسمومة، وأن الخديو قد أزمع بعد «أن لفَت قنصل إنجلترا نظَر الخديو إسماعيل رحمه الله، إلى تلك المقالات المشبعة بروح الودِّ نحو فرنسا، والتي تفيض بكراهية بريطانيا، وأقنعَه بالتخلُّص مني بأية طريقة من الطرق، وامتثل إسماعيل لنصح ممثل إنجلترا الخائنة.»٢٣ وقد ادَّعى صنوع أن إسماعيل حرَّض أعوانه على اغتياله، مرتَين؛ واحدةً بالسكين، والثانية بالرصاص … ولكن المحاولتين باءتا بالفشل.

والحق أنه لا يُوجَد شهود — ولا شاهدٌ واحد! — على هاتَين المحاولتَين اللتَين زعم صنوع حدوثهما، وفشلهما.

يعقوب صنوع لم يعلن الحرب على الخديو إسماعيل، ثم مِن بعده الخديو توفيق، إلا بعد أن غادر مصر إلى باريس. وقد تزامنَت تلك الحرب مع دعوته إلى تنصيب الأمير حليم بن محمد علي، حاكمًا على مصر. حتى أشد المتعاطفين مع صنوع، يذهب إلى أنه قد أصبح «عدو إسماعيل اللدود، وخصمه العنيد»، ولكن «بعد نفيه من البلاد».٢٤ صنوع لم يرتفع صوته بدعوةٍ سياسيةٍ طيلة إقامته في مصر، إنما هي — كما أشرنا — قضايا اجتماعية لا تشكِّل خطورة على الحكم، أو عليه هو شخصيًّا، فلما استقَر به المقام في باريس، ودعم استقراره بالمعونات المادية للأمير حليم والحكومة الفرنسية، توضَّحَت أفكاره الجريئة والثورية، من مثل «ما فيش أكتر حر من فكر الإنسان لأن ما حدش بيحكم عليه» … «واعلموا أن الله تبارك وتعالى قد للإنسان عقلًا، وأعده للنظر إلى الجهات المتعددة، والسير في الطرق المختلفة ليختار من بينها ما فيه سعادته، ويترك ما فيه شقاه» … فلا يتم للإنسان سعادةٌ إلا أن يكون لعقله تمامُ الإطلاق في انتقاء ما هو الخير له، وهذا هو المسمَّى بحرية الأفكار» … إلخ. كذلك فإن المسرحيات ذات الاتجاه السياسي كانت وليدة المهجر، مثل «الواد المرق» و«أبو شادوف الحدق»، و«شيخ الحارة»، و«جُرسة إسماعيل»، و«زمزم المسكينة»، وغيرها.

•••

وأيًّا كانت الملاحظات التي يُمكِن أن تشمل تجربة إنشاء مجلس شورى القوانين، فمن المؤكَّد أن التجربة كانت رائدة، وكانت حدثًا متميزًا في الحياة السياسية المصرية، ربما أراد بها — التجربة — الخديو إسماعيل — كما أشارت بعض الاجتهادات — استكمال مظاهر المدنية الأوروبية، لكنها — في المحصلة النهائية — تمثِّل تطورًا، أبان عن بعض ملامحه الإيجابية في مواقف أعضاء المجلس ضد الضغوط الأجنبية التي تُطالِب باستعادة الديون.

ولأن النَّيل من حكم إسماعيل في إطلاقه، والنَّيل من الخديو شخصيًّا، كان هدفًا ثابتًا ليعقوب صنوع — بعد أن استقر به المقام في باريس — فقد جعل من المجلس وأعضائه مادةً للسخرية؛ فرئيسُه هو سعادة محاور باشا رشدي، والباشكاتب منافق بك وهبي، والأعضاء: الشيخ عبد العال أبو جموس عمدة ناحية بيت العجل، والشيخ محمد بلاص عمدة كوم الشقافة، والشيخ عمر أبو عيش عمدة كفر الجعانين، وفلتس أفندي عمدة تل جريس … إلخ.٢٥ ويقول صنوع على لسان غلبان بك (مسرحية الجهادي): «من يوم ما تولى علينا شيخ الحارة، السعد سابنا ومشَى». وأحيانًا يصبح إسماعيل هو «فرعون» تأكيدًا لظلمه. كتب صنوع «الجهادي» في ۱۸۷۹م، وحاول فيها أن يصوِّر تردِّي الأوضاع داخل الجيش في عهد إسماعيل. كما ضغط — من ناحية ثانية — على توقُّع ثورة الأهالي ضد الخديو، وإن لم يهمل الإشادة — كما في معظم مسرحياته — بالأجانب، وشكرهم على محبتهم للمصريين وعطفهم عليهم. وكما تقول الباحثة الأستاذة فريدة مرعي فإن حرصه على الإشادة بالأجانب مبعثُه نفي تهمة التعصُّب الديني عن المصريين … وهو اجتهاد يستحق مراجعةً شديدة.
لقد رمَز يعقوب صنوع للضابط المصري باسم غلبان بك تدخل عليه زوجته حزينة هانم، وابنته «جيعانة» هانم، وابنه «عريان بك». ويدور حوارٌ نتبيَّن فيه الظروف المادية القاسية التي تحياها أسرة الضابط المصري. غلبان بك يقول: «من يوم ما تولى علينا شيخ الحارة — يعني الخديو إسماعيل — السعد سابنا يا سعيد. كانت الجهادية متشرِّفة ومسرورة، مش زي اليوم جيعانة ومقهورة.»٢٦ وتقول الزوجة: ربنا كريم حليم. إشارة متعمَّدة وواضحة إلى الأمير حليم.
كانت ولاية عهد الخديو إسماعيل حقًّا للأمير محمد عبد الحليم بن محمد علي، أو الأمير حليم كما كان يُطلَق عليه، ولكن السلطان — بتأثير الرشاوى الهائلة التي دفعها إسماعيل لحاشيته — أصدر فرمانًا في ۲۷ مايو ١٨٦٦م، بتغيير نظام وراثة العرش في مصر، بحيث يصبح حقًّا لابن الخديو. ثم أصدر فرمانًا ثانيًا اسمه «الفرمان الجامع» في ٨ يونيو ١٨٧٣م، أكَّد فيه النظام الجديد. وحين عزل إسماعيل في ٢٦ يونيو ١٨٧٩م، كان الخديو الجديد هو نجله، ولي العهد، توفيق. ويؤكِّد صنوع انتصاره لتولية الأمير حليم، في قوله على لسان شيخ الحارة (الخديو إسماعيل): «أنا عندي أحسن ان القطر يصبح أسير للعفريت، ولا يتولاش عليه عمي.»٢٧ يَعْني الأمير حليم عمه، وابن محمد علي. ويقول شيخ الحارة (إسماعيل): «الله يخيِّبه — صنوع — هلكني، وخلَّى الأهالي تضحك عليَّ، وجعل محبة عمي في قلوب الأهالي.» تأكيد آخر على دعوة صنوع بأن يُولَّى الأمير حليم حُكم مصر، بدلًا من إسماعيل. فإذا لاحظنا أن الماسونية احتمَت — في أعوامها الأولى — بالأمير حليم، وأن أسماعيل عندما طرده — في ١٨٦٨م — لم يعُد لديه ما يُعِين به الماسونية على تحقيق أهدافها في مصر، فإن قسمًا كبيرًا منها ظل يؤيد ولاية حليم، حتى في أعوام نفيه خارج مصر، باعتباره أملًا للماسونية. يفوق ما كانت ترجوه من إسماعيل وتوفيق، وكلاهما انضَم إلى المحافل الماسونية. كما كان يقين الناس — والقول لعرابي — أن فرنسا لا توافق إنجلترا على نيتها في التدخل إلا بشرط أن يُخلع توفيق، ويحل بدلًا منه عمه حليم.»٢٨
مع ذلك، فقد كان الشعب يرغب في التخلص من أسرة محمد علي بأكملها، وليس مجرد استبدال حاكمٍ بآخر. ذلك ما تضمَّنَته برقية القنصل الفرنسي العام «سفنكس» إلى وزارة الخارجية الفرنسية: «وعندما تكلم بعضهم مع عرابي عن الأمير حليم باشا، ليحل محل توفيق، صاح غاضبًا بأنه من الواجب التخلص من أسرة محمد على بأكملها.»٢٩ ولما أرسل حليم إلى عرابي ورفاقه صورًا عليها توقيعُه، مع عرائضَ للتوقيع عليها، تُطالِب بتعيين حليم واليًا على مصر، قال عرابي: إن الوقت قد حان للتخلص من كل أسرة محمد علي.٣٠ وقد دعا صنوع منذ العدد الأول لجريدته «أبو نضارة سودا» في العاصمة الفرنسية، إلى تولي الأمير حليم حكم مصر، بل إن غلاف العدد يتضمَّن رسمًا كاريكاتوريًّا، تحته تعليق: «أبو الحلم يقول لتوفيق ابن فرعون: ارحم على البقرة. أبوك مصَّها، ولا خلَّى فيها نقطة لبن، وحش البرسيم اللي قدامها. إنت إيه؟ ما فيش في قلبك شفقة؟ ما أزرط من الوحل إلا الطين.»
والواقع أن صنوع لا يهبُنا تفسيرًا مقنعًا لميله إلى تولية حليم بدلًا من إسماعيل، إلى حد أنه كان يقرن اسمه في ديالوجاته الباريسية بالربوبية، مثل قوله عن الله إنه «كريم» … «حليم»! … لم يكن ثمَّة مبرِّر منطقي لذلك الحرص على تولية حليم عرشَ مصر؛ فقد كان مقيمًا في الآستانة، يضع كل جهوده — بمعاونة مجموعة من الساسة والأميرات — في محاولة لإلغاء وراثة الابن، والعودة إلى النظام القديم في وراثة العرش. وكان الأمير — بحسب نظام الوراثة القديم — أحقَّ بالعرش من توفيق؛ لأنه أكبر أفراد الأسرة المالكة سنًّا.٣١ ويصعُب تبيُّن أي إسهام للرجل في الحياة السياسية، أو الاجتماعية، المصرية. بل إننا لا نجد له — حتى في الآستانة — موقفًا مناصرًا، لقضية الشعب المصري.

كان حليم منفيًّا في تركيا بأمرٍ من إسماعيل. ولأنه لم يكن يملك وسيلةً فعليةً يحارب بها الخديو، فقد وجد في صنوع أداة. يهبه مبالغَ شبهَ ثابتة، مقابل التحريض — في صُحفه — ضد إسماعيل، والدعوة لتوليته — حليم — في الوقت نفسه. وكتب يعقوب مقالاته ومسرحياته التي تتهم إسماعيل بالاسم، وتجد في حليم أملًا … كتب ذلك كله في المنفَى. أما ما كتبه قبل ذلك، فلم يكن — كما أشرنا — يعدو المديح «للحضرة الخديوية»، أو الإشارة لبعض همومنا ومشكلاتنا الاجتماعية الآنية، وإن حاول — فيما بعدُ — أن يستنطقها بمقولاتٍ أكبر من أن تعبِّر عنها تلك المقولات فعلًا. وأسرف صنوع في التأكيد على أن حل الثورة القائمة في البلاد — أيام توفيق — في تولية حليم عرشَ مصر؛ فهو لم يدعُ إلى إعلان الجمهورية، ولا إلى حكمٍ مغاير للأوتوقراطية الخديوية، وإنما وجد في تولية حليم حلًّا مناسبًا.

والحق أن حليم كان على استعدادٍ لأن يحكُم مصر مقابل أية تنازلات؛ فقد أبدى استعداده لأن يحكُم مصر باعتباره واليًا، طبقًا لفرمان ١٨٤١م. بل لقد أكَّد للسفارات الأجنبية التي كان يستميلها إلى جانب فكرة تولِّيه، أنه يكتفي بحكم مصر خمس سنوات فقط! وأنه يحترم المراقبة. وأبدى موافَقتَه على المحاكم المختلطة، وعلى المركز الممتاز الذي حصلَت عليه إنجلترا وفرنسا!٣٢ … مع ذلك، فقد ظل الخديو إسماعيل هو الهدف لحملات صنوع المسرحية، والصحفية، مقابلًا لدعوته إلى تنصيب حليم، بدلًا من إسماعيل. لم تتجه تحريضاتُه إلى الاحتلال، ولا الجاليات الأوروبية التي تمثِّله، بل إنه كان يحرص — في مسرحياته — على التأكيد بأنه يحب الأجانب الذين أظهروا عطفًا مؤكَّدًا على المصريين.

•••

وكانت لفرنسا مكانةٌ خاصة في نفس المترجم له، فما تردَّد أبدًا في ذكرها الذكر الحسن كلما وجد فرصةً لذلك. وكثيرًا ما حيَّا أصدقاء فرنسا، وأكبَر ثقافة الفرنسيين، بقَدْر ما حمَل حملةً شعواءَ في سخريةٍ لاذعة على أولئك المتجنلزين.»٣٣ ذلك ما كتبه مؤرِّخ يعقوب صنوع. ومع أن الخديو سعيد كان قد أعلن — قبل تولية إسماعيل، فتوفيق — عن وجوب تربية الشعب المصري، وتهذيبه، حتى يصبح صالحًا «لأن يخدم بلاده خدمةً صحيحةً نافعة، ويستغني بنفسه عن الأجانب. وقد وطَّدتُ نفسي على إبراز هذا الرأي من الفكر إلى العمل.» فإن الحرية التي كانت شعارًا أهم في صحف صنوع، اقترنَت بالدعوة إلى تنصيب الأمير حليم، بدلًا من إسماعيل، ومن بعده توفيق، فضلًا عن تأكيده على ضرورة خطب ودِّ الأجانب الذين لم يكونوا يُضمِرون للمصريين — في رأيه — إلا كل عطف.
كان حليم — كما أسلفنا — هو الذي أمدَّ صنوع بالمعونات المادية والأدبية. وكان يعقوب يعتَز — في الوقت نفسه — برعاية المحافل الماسونية، والسلطات الفرنسية … فالثورة على الخديو لم تكن بهدف تولي الشعب أمور نفسه، لكنها كانت بابًا تمنَّى فتحه، فيدخل منه الأمير حليم، مستندًا إلى رعاية الأجانب وعطفهم. يقول: «هاجمتُ الخديو إسماعيل بشجاعة، الحاكم الذي ينهَب رعاياه بفرض الضرائب، التي لا عداد لها، ويقصمُ ظهورها بالرسوم المُجحِفة. وبيَّنتُ حينئذٍ للمصريين أن الأوروبيين عامة، والفرنسيين خاصة، هم أصدقاؤهم، وأنهم يريدون أن يرَوهُم سعداء، وأن الدولة الغربية الوحيدة التي تطمع في مصر هي بريطانيا العظمى، التي — منذ بداية هذا القرن — تنظر إلى بلادنا؛ لأن احتلالها يضمن طريق الهند.»٣٤ وفي الوقت الذي يأمر فيه الخديو أعوانه بقتل كل من يطالب بحقه، أو حتى بما يكفُل استمرار حياته، فإن النصارى ذوي البرانيط — أي الأجانب — هم الذين يُحاوِلون المساعدة. تقول الدادة مبروكة: «أهو ربنا حنن علينا، ورزقني براجل نصراني ببرنيطة، أعطاني ريال، اشتريت بخمس قروش عيش وجبنة، وادي الباقي يكفينا اليوم وبكرة.» وتوجِّه الحديث إلى حزينة هانم: «والله يا هانم، النصراني نزلت الدمعة من عينه لما سمع ان البيك والهانم الصغار ما أكلوش لا امبارح ولا اليوم.»٣٥ وطلب غلبان بك من شيخ الحارة أن يصرف راتبه الذي تراكم لعام ونصف العام. ويوافق شيخ الحارة، ولكنه يشدِّد في أن يحتسي الرجل قهوته التي كان غلبان بك يثق في احتوائها على سم. رضي بالموت مقابلًا لصرف راتبه المتأخر، حتى يتيح لأسرته استمرار الحياة … لكن شيخ الحارة يتنصَّل من وعده، فيموت الأبناء من الجوع، وتعاني الزوجة جنونًا. أما النصراني فهو يبذل المساعدة عن طيب خاطر، ويشارك المواطنين مشاعرهم إلى حد الدعاء: «الله ينتقم من عدوكم.» وتحديد النصراني بأنه ببرنيطة يعني أنه أجنبي، وليس قبطيًّا مصريًّا، وإلا لما احتاج الكاتب إلى إلباسه البرنيطة؛ فهي لباسُ الرأس التقليدي للأوروبيين. ويضيف الكاتب أن معاوني «الفردة» عندما أصرُّوا على تقاضي ضريبة دفن الضابط غلبان بك، بادر «خواجة نصراني» إلى دفع الضريبة، وهو يقول: «الله ينتقم من عدوكم.»٣٦ أغفل صنوع أن المؤامرات الأجنبية كانت هي العنصر الحاسم في تردِّي الأوضاع الداخلية، وتصاعُد الضغوط الاقتصادية، ونسج المؤامرات لابتلاع البلاد جميعًا. وقد رسم اللورد ملنر — وهو الاستعماري العريق — صورةً لأطماع الأوروبيين وأساليبهم التي تستهدف امتصاص الاقتصاد المصري: «ليس من السهل أن يتصوَّر الإنسان إلى أي حدٍّ بلغ استهتار القناصل والممثِّلين الديبلوماسيين بمبادئ الأخلاق والشرف في عصر إسماعيل. كانوا يستغلُّون سلطتهم في إرغام مصر الضعيفة على إجابة الطلبات الفادحة المُستغرَبة. وكان الغرض من الحصول على امتياز مشروعٍ من المشاريع، ليس هو إنجاز عملٍ نافع، وإنما اختراع مظلمةٍ تدعو إلى فسخ العقد، والرجوع على الحكومة المصرية للحصول على تعويض.»٣٧

كانت الأطماع الأوروبية واضحةً تمامًا، ليس للمثقفين وحدهم وإنما للمواطنين العاديين أيضًا. مئات المرابين الذين تناثَروا في قرى الريف المصري، كانوا التعبير الأبلغ عن الجشَع الأوروبي، فضلًا عن الغزوات الاستعمارية، الإنجليزية والفرنسية، التي أفلح الشعب المصري في طردها. ومع ذلك، فقد حرص يعقوب صنوع في «نضاله» السياسي على تأكيد حقيقتَين:

  • صلاحية الأمير حليم لتولي عرش مصر، بدلًا من الخديو إسماعيل.

  • حسن نيات الأوروبيين، في المقابل من التصرُّفات غير المسئولة للخديو إسماعيل.

ويقارن صنوع بين الديمقراطية الغربية والاستبداد الذي يتسم به حكم إسماعيل. يقول على لسان شخصية أبي خليل: «يا بختكم يا فرنساوية … يا ما انتم مبسوطين بعدالة وإنصاف جمهوريتكم — مش زي حالنا احنا يا مساكين … اللي الإنصاف والعدالة والحرية شافونا وهربوا.» والغريب أن دعوته إلى التقريب بين مصر وأوروبا، كانت هي نفس دعوة إسماعيل، والذي خصَّه بمعظم انتقاداته. كذلك يبدو غريبًا ذلك الرأي بأن صنوع كان يخشى أن تؤدِّي حملتُه على الخديو ومساعديه في الحكم — الإنجليز — إلى كراهية الشعب المصري للأجانب — وما الخوف من أن يكره شعبٌ ما غزوًا استعماريًّا بهدف السلب؟! — ومن هنا، كان حرصُه على التأكيد في مسرحياته، بأنه يُحب الأجانب، ويشكر لهم عطفهم على المصريين.»٣٨ فما معنى الثورة على الوجود الأجنبي إذن، إذا كان داعيةُ الثورة يشكُر لهؤلاء الأجانب عطفَهم على أبناء الشعب المصري؟!

أما قول ابراهيم عبده، بأن «أبو نضارة» — في تاريخه الطويل — كان يُؤثِر ودَّ الأجانب، ويرجو ألا تسوء العلاقة بينهم وبين مواطنيه، فلعلَّه أقرب إلى دفاع المحامي عن موت كله، بصرف النظر عن اقتناعه ببراءة الموكِّل من عدمه. إن ما يشغلُه هو سد كل الثغرات، التي ربما ينفذ منها الاتهام بأي أسلوب، وبأية وسيلة … لكن الأطماع الأوروبية كانت حقيقةً يصعُب إغفالها. ولم تكن الشهوات الخديوية، سوى نافذةٍ استطاعوا أن يتسلَّلوا منها إلى البيت المصري، بأموالهم أولًا، ثم بالأطماع السافرة بعد ذلك.

وأما نار التعصُّب ضد الأوروبيين، التي كاد يعقوب صنوع وأصدقاؤه أعضاء الحزب الوطني أن يُطفِئوا جذوتها في صدور الوطنيين، فالحق أن الوطنيين كانوا يضعون الشراكسة والأتراك في الكفَّة نفسها التي وضعوا فيها الأوروبيين. كلهم فرَضَ سيطرته على المقدَّرات المصرية.

فلماذا الدفاع عن الأوروبيين وحدهم؟

السبب — في تقديري — أنه لم يكن مجرَّد عميل لفرنسا، بكل ما تحمله الكلمة من معنًى — على حد تعبير صلاح عبد الصبور — ولكنه كان عميلًا لمن يدفع. وهو قد أعطى كلماتِه وقصائدَه ونفسَه للخديو إسماعيل، وسمَّى نفسَه شاعر البلاط، ثم تخلى عن تلك التسمية، ثم عاد إليها. وكان الخط البياني في رحلة التناقض هو مدى رعاية الخديو له. ثم هو قد أعطى كلماته وقصائده ونفسه للدول الأوروبية — وفرنسا بالذات — مقابلًا لما كان يحصل عليه. وكانت الأرضية التي يحرص أن يقف عليها دومًا، هي الوطنية المصرية، وإيمان الشعب المصري بكلماته وقصائده وشخصه. حتى لو لم تكن الجماهير تدري عن ذلك الإيمان شيئًا. ولنقرأ هذه الحكاية التي يرويها إبراهيم عبده: «كان صنوع يجتاز في تلك الفترة أزمةً ماليةً حادة. وزاد من أزمته أن رفَض الخديو دَفْع تكاليف مهمته. وغاظه أن يرى إسماعيل يبسُط يده كل البسط لكثيرين من الصحفيين المصريين والأجانب ويقبضها دونه — هكذا! — وكانت الأزمة من العوامل التي دفعَت بالمُترجَم له إلى شن الحملة على الأمير بعنف، ودون هوادة، والتمَس ألف سبيلٍ لينتقم لنفسه، وينتقم أيضًا — كما يقول — للشعب الذي راضَه إسماعيل على الذل، وأخذ يضطهدُه بفرض الضرائب، متعللًا بمطالب الأجانب، وأحكام محاكمهم.»

لقد رفض إسماعيل أن يُعينه في أزمته المالية الحادة، بينما ساعد الكثير من الصحفيين، فلجأ صنوع إلى سلاح الابتزاز، يشهرُه في وجه الخديو. وحتى لا يُفتضَح الدافع الشخصي — محركه في كل خطواته — فإنه يسطو على قضايا الجماهير المصرية، يحاول أن يستغلها لمصلحته، فينتقم لنفسه بالحملة على الخديو «وينتقم أيضًا للشعب الذي راضه إسماعيل على الذل» … ولكن الظروف تفرض على الرجل أن يكشف عن هويَّته؛ فهو — بناءً على نصيحة الأصدقاء — يعتكف شهريَن، ويُظهِر الندمَ لولي النعم على ما بدر منه، حتى أذن له أن يُصدِر مجلة «أبو نضارة»! … لذلك، فإن القول بأنه «يصعب على دارس يعقوب صنوع أن يوجِّه إليه أيَّ اتهام بتناول وطنيته.»٣٩ يحتاج إلى مراجعةٍ شديدة.
أما جولتُه في الدول الأوروبية، يؤلِّبها على إنجلترا، وتصرُّفاتها، في مصر والسودان ويبيِّن لها خطر الاحتلال البريطاني على مصالح الدول الأخرى.»٤٠ فإنها — في الواقع — لم تكُن أكثر من جولة عمالةٍ ضد احتلالٍ ينتظر الفرصة؛ فالرجل يتحدث عن الأثر السيئ الذي تركَه الاحتلال البريطاني في نفوس المصريين والسودانيين، ويتحدَّث أيضًا عن خطر ذلك الاحتلال على مصالح الدول الأخرى. وبينما كان عرابي والنديم وغيرهما من قادة الثورة العرابية يُلِحُّون على مبدأ مصر للمصريين، فإن صنوع يُلِح في وراثة أميرٍ تركيٍّ لحكامٍ أتراكٍ سبقوه، وفي تفهُّم التعاطُف الأجنبي للأماني المصرية. وكلا المعنيَين خاطئ، ومرفوض. وارتكازًا إلى هذا، فإني أختلف مع صلاح عيسى في أن صنوع كان يرى «أن الحضارة الأوروبية تستحقُّ أن تُهدَى مصرُ إليها بكل ثقلها الحضاري، وقتَ لم تكن حضارة أوروبا قد تخضَّبَت بالدم تمامًا، أو كشفَت عن عدوانيتها، وحلَّت محلَّها حضارةٌ جديدة، أكثر إنسانية.»٤١

•••

كان الأفغاني وراء إصدار يعقوب صنوع جريدته «أبو نضارة سودا». أشار عليه بإنشاء جريدةٍ مصريةٍ هَزْلية، على أن يشترك الأفغاني ومحمد عبده في تحريرها. واختار صنوع للجريدة الوليدة اسمَها، فاستحسَن الأفغاني الاسم، واستمر إصدار الجريدة زمنًا، فلما نفَى الخديو صنوع من مصر، استأنف — في باريس — إصدار جريدته بأسماءٍ مختلفة. همُّها الأساسي انتقاد الخديو، وتقديم لوحاتٍ كاريكاتوريةٍ عن حياته العامة والخاصة، واستمرت الجريدة في الاصدار — بأسمائها المختلفة — إلى ما بعد الاحتلال. يقول عبد الله النديم: «وممن اجتمع بالشيخ جمال الدين، فساعدَه الإخوان وأعانوه السنيور جيمس سانوه — يعقوب صنوع — فنشَر جريدتَه اليومية بعبارةٍ عامية، وهي وإن كانت باسمه، وأوردَها برسمه، ولكنها كانت تُحرَّر بأقلامِ أفاضلِ الرجال من تلامذة الشيخ جمال. وبعد ظهورها بشهرَين، محا منها الخديو إسماعيل الأثَر والعَين. وسافر جيمس إلى باريس، وساعدَه المصريون بالأنفس والنفيس، إلا أنه ترك المشربَ العميم، وجعلها لسان البرنس عبد الحليم.»٤٢ ثم تحوَّلَت «أبو نضارة» إلى نشرةٍ إعلامية، أشبه بما تُصدِره الدول تعبيرًا عن سياستها ومصالحها؛ فالمجلة لا تقصُر «نضالها» ضد الاستعمار الإنجليزي في مصر فحسب، ولكنها تُناصِر قضايا الشعوب التي تخضع لسطوة الاحتلال البريطاني وحده.

•••

الألماني ألكساندر شولس يضغَط على وجوب ألا نأخذ صنوع مأخذ الجد، سواء في مواقفه أو كتاباته.٤٣ وكل الأقلام — حتى المتعاطفة — تؤكد أن أحاديث «أبو نضارة» عن نفسه كانت لا تخلو من المبالغة. يقول رشدي صالح: «وهو يُبالِغ في أثَر صُحُفه، وفِكره، وأهميَّته الشخصية. وعندما نُراجِع «موليير مصر وما يقاسيه»، المطبوع عام ۱۹۱۲م، تهُولُنا هذه المبالغات، التي تبدو وكأنها أخلاطٌ من طموحه وخياله، أكثَر من كونها وثيقةً تؤرِّخ لنشاطه التمثيلي.» ٤٤ يؤكِّد صنوع أن كتاباته هي التي أضرمَت نيرانَ الثورة العرابية، وأنه هو زعيم الحرية والوطنية في مصر، وأن الشعب جعلَه محط آماله، في حين كان الخديو يخشى قوَّته. في مسرحية «الجهادي» يقول شيخ الحارة: «أبو نضارة اللعين بيهيج الجهادية، وبيعصِّيهم عليَّ بجرنالاته. والله انه مجنون. ما كان ياخد الكام جنيه ويخرس. لا. قال هو يحب الوطن. جاته داهية هو والوطن سوا.»٤٥ ونحن لا نجد في علاقة إسماعيل وصنوع، حتى مغادرة صنوع مصر، ما يشير إلى أن صنوع فضَّل الوطنَ على مِنَح الخديو. لم تكن ثمَّة مقارنةٌ على الإطلاق، ولا مفاضلة، وبالتالي فإن «وطنية» صنوع لم تكن موضع اختبار طيلةَ عملِه في معية إسماعيل.

وعندما تُحاصِر الظروف الاقتصادية القاسية حزينة هانم، حَرَم غلبان بك، فإنها تغني في حزن:

انت فين يابو نضارة
تيجي تشوفنا جعانين
فعل خاشنا شيخ الحارة
وبينبسط في عابدين
وفي الجيزة والجزيرة
وسراي العباسية
والأهالي في غاية الحيرة
والله عيب على الحرية
ويصف صنوع وداع الجماهير له، وهو في طريقه إلى منفاه، بكلماتٍ مؤثرة: «إن أيام سفري من القاهرة والإسكندرية، كانت حدثًا وطنيًّا، فقد كانت الجماهير مضطربةً على غير عادتها، ولكن الذي أثَّر في نفسي حتى اغرورَقَت عيناي بالدموع، هو وصول القطار إلى المحطات التي تقع بين القاهرة والإسكندرية؛ حيث كان يقف بين الخمس والعشر دقائق، فكانت النساء تُحضِر الفاكهة، ويرفَعن أولادهن إلى نافذة العربة لكي أباركَهم. وكان الفلاحون يصيحون: لا تسافر وتتركنا بين مخالب شيخ الحارة. وهو الاسم الذي أطلقتُه على الخديو إسماعيل. وقد أراد الخديو أن يراني بنفسه، وأنا أغادر البلاد، فمَر راكبًا عربتَه وقد أحاط به حُرَّاسُه، في الوقت الذي نزلتُ فيه إلى الزورق الذي يسبقني إلى السفينة. ولم تجرؤ الجماهير على الهتاف ﺑ: يسقط إسماعيل، لكثرة عدد رجال الشرطة، فأخذَت تصيح: ليحيا أبو نضارة … وتعالت النداءات بعد ذلك: نريد نبوءةً منك أيها الشيخ. وأعترف أنني احترتُ فيما يجب أن أقولَه، ولكني شعَرتُ كأنَّ وحيًا ألهمني، ووضَع في فمي تلك العبارة: سوف يُنفَى إسماعيل بعد سنة كما أُنفَى أنا اليوم … وقد شاءت المصادفات أن تتحقَّق نبوءتي حرفيًّا مما جعل الناس في الشرق كله يلقِّبونني بالولي، ولكن لنعُد ثانيةً إلى سفري؛ فقد هبَّت علينا عاصفة كادت تودي بسفيننا. غير أن الله لبَّى رجاء شعب مصر المظلوم بأن يحفظَني، وبلغتُ مرسيليا سليمًا صحيحًا، غنيًّا بالآمال لا بالمال. إن سِرَّ نجاحي في الماضي والحاضر هو ثقتي التي لا تتزعزع في العناية الإلهية.»٤٦
لقد أرَّخ لتلك الفترة التي تبدأ بعهد الخديو سعيد، وتنتهي بالاحتلال البريطاني لمصر، عشراتٌ من المؤرخين والأدباء والساسة، مصريِّين وأجانب؛ محمد عبده، وبلنت، وروذنستين، والرافعي، وغيرهم، فلم يقف أحدهم — لا كثيرًا ولا قليلًا — عند ذلك الالتفاف الجماهيري حول صنوع، والإيمان غير المحدود بأفكاره ومواقفه، والخوف عليه من مؤامرات الخديو. بل إننا لا نجد مصدرًا واحدًا يُشير إلى طلب عددٍ كبير من الضباط — تلاميذ صنوع القدامى — أن يسير على رأسهم، ويهاجم قصر النيل، لإنقاذ مصر من خديويها الظالم، لكن الرجل يرفُض، حتى لا يخدموا إنجلترا التي ربما تُقدِم على الاحتلال، بدعوى إعادة النظام إلى البلاد. أما إشارة عرابي إلى جرائد «الحاوي»، و«أبو نضارة زرقا»، و« الطائف» التي أصدرها صنوع، بأنها كانت «المُلهِم الصائب لإيقاظ همم المصريين» فذلك نوعٌ من المجاملة، اقتضاها الرد من عرابي على صنوع؛ فعرابي لم يُشِر — مثلًا — إلى صحفٍ وطنيةٍ أخرى أدَّت دورًا مهمًّا يصعُب التقليل منه، مما يؤكِّد أن الأمر لم يكن تأكيدًا لدور صنوع الصحفي، بقَدْر ما كان مجاملةً فرضتها الظروف. وكان صنوع هو الذي اتصل بعرابي في كولمبو، ليُحوِّله إلى مادةٍ صحفيةٍ ضد إسماعيل وتوفيق والإنجليز. وحين يطلب من عرابي كتابة سيرة حياته، فإنه يُلِح في أن يبعث إليه — سريعًا — بما طلب: «أنا في عرضك كن لي في جوابك سريع، والا دوجري (دوغري) لأني قلت للأصحاب إني قد وصلت إلى كتابة نصف الكتاب.»٤٧ فهو إذن قد أوهم «الأصحاب» بأنه قد بدأ فعلًا في وضع كتاب عن عرابي، ووصل في تأليفه إلى منتصفه، قبل أن يحادث عرابي نفسه في أمر الكتاب! والواقع أنه من الصعب تصوُّر ردود عرابي — في منفاه — على رسائل صنوع المُلِحَّة إليه، تُثني عليه، وتطلُب معلومات عنه، وعن الحركة الوطنية المصرية، لنشرها في صحف صنوع الباريسية … من الصعب تصوُّر تلك الردود إلا في إطارها المحدَّد، وهو أن صنوع مواطنٌ مصريٌّ يعنيه بالضرورة استقلال بلاده، وأن شرح أبعاد الحركة الوطنية، والمؤامرات الاستعمارية، وعمالة الخديو توفيق، يضع صورة الأوضاع في مصر، أمام القارئ الأوروبي، في إطارها الصحيح المطلوب. لم تكن الحركةُ الصهيونيةُ قد أسفَرَت عن ملامحها بعدُ، واختلطَت المواقف، بحيث يصعب الإدانة أو العكس. وكانت رسائل عرابي إلى صنوع تتسم — عمومًا — بحسن النية والتسامح والشعور بالمواطنة. أما بالنسبة لصداقته الممتدة للأفغاني والإمام في باريس، فلعل الرأي الأدق «أن جمال الدين ومحمد عبده قد خُدعا فيه؛ لأنهما كانا يثقان في كل شخصٍ يغضَب عليه إسماعيل.»٤٨

•••

هل كان يعقوب صنوع على صلة بالنشاط الصهيوني المتزايد — آنذاك — بهدف إقامة وطنٍ قوميٍّ لليهود في أرض فلسطين؟

لم يتناول أيٌّ من الباحثين هذه النقطة باختصار، أو بتفصيل، وإن أشارت باحثةٌ ذكية — هي سهام عبد الرازق — إلى أن يعقوب صنوع كان يؤيد مساعي الصهيونية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. اليهودي المصري ذو الأصل الفرنسي نسيم ملوك يؤكِّد في كتابه «أسرار اليهود» أن أبو نضارة شجَّعه على إصدار الكتاب، وأنه — صنوع — بعث برسالة من باريس في أول مارس ١٩٩١م، إلى والده موسى حليم ملوك، يحيِّي فيها جهده في الدفاع عن «الأمة الإسرائيلية المسكينة المفرَّقة في مشارق الأرض ومغاربها». والمُلاحَظ أن صنوع لم يتناول الصهيونية، ولا الوطن القومي لليهود، في كل ما أصدره من صحف.

•••

ثمَّة رأي أن يعقوب صنوع — أو المسيو جيمس — قد أصبح «على أقلام الكُتاب والدارسين أقرب إلى الشخصية الأسطورية».٤٩ ويذهب محرِّر جريدة «ستار دي ريفيو» أن صنوع ظل — لفترةٍ طويلةٍ في حياته — ينتقل من قصر إلى قصر، ومن خان إلى خان، ليُعلِّم أبناء الخديو والباشوات من صبيان وبنات، اللغات والرسم والموسيقى. ولا أستطيع أن أجزم بأن يعقوب صنوع لم يكن أستاذًا في علم الرقص، فإنه قادرٌ على كل شيء إذا ما عزف بصفَّارته.» أما مؤرِّخه إبراهيم عبده، فإنه يلحظ أنه كان «يهجو خصومه أحيانًا هجاءً خلا من العفَّة، ونزل إلى الحضيض في المعاني والعبرات، ويمدح أصدقاءه، فيغلو في ذلك غلوًّا يشكِّك في قَدْر الثناء.»٥٠
ثم تبقى الحقيقة التي يسهُل استخلاصها من حياة الرجل وكتاباته ومواقفه، وهي أنه كان شخصيةً غير مبدئية، تنزع إلى الظهور والاستعراض، وتُسرِف في تقديم نفسها — بالمبالغة أحيانًا — وتضع مواهبها المتعددة — وكان موهوبًا بلا جدال — في خدمة من يدفع أكثر!٥١،٥٢،٥٣،٥٤
الخليج، ٥–٧ / ٤ / ١٩٦١م

هوامش

(١) تذكُر إيرين جنيد يزبيه أن يعقوب صنوع وُلِد لأبوَين مصريَّين إيطاليَّين، وأنه نشأ كيهودي.
(٢) صلاح عبد الصبور، قصة الضمير المصري الحديث، ص١٢٥.
(٣) إبراهيم عبده، الصحفي الثائر، ص١٤.
(٤) عالم الفكر، المجلد الثاني، العدد الثاني.
(٥) المصدر السابق.
(٦) عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج۳، ص۱٤٩.
(٧) الهلال، مارس ۱۹۷۰م.
(٨) المصدر السابق.
(٩) المصدر السابق.
(١٠) الطليعة، مايو ۱۹۷۲م.
(١١) من محاضرة ألقاها يعقوب صنوع في باريس (۱۹۰۲م)، بدعوة من جمعية تعاون الأفكار.
(١٢) الصحفي الثائر، ص۲۸.
(١٣) عالم الفكر، المجلد الثاني، العدد الثاني.
(١٤) المصدر السابق.
(١٥) المصدر السابق.
(١٦) إبراهيم عبده، أبو نضارة، يعقوب صنوع، ص۲۸.
(١٧) مسرحيات يعقوب صنوع، ص ز.
(١٨) المصدر السابق، ص و، ز.
(١٩) فاروق عبد القادر، فجر المسرح العربي، المسرح، مايو ١٩٦٤م.
(٢٠) مسرحيات يعقوب صنوع، ص و.
(٢١) فاروق عبد القادر، مصدر سابق.
(٢٢) الصحفي الثائر، ص۳۱.
(٢٣) المصدر السابق، ص۳۱.
(٢٤) المصدر السابق، ص٤٧.
(٢٥) حافي المصري، يعقوب صنوع، جريدة الشرق الأوسط.
(٢٦) الصحفي الثائر، ص٤٧.
(٢٧) الصحفي الثائر، ص٤٥.
(٢٨) أنور لوقا، حريم الخديو، كتابي، ص٧٦.
(٢٩) فاروق أبو زيد، الصحافة وقضايا الفكر الحر في مصر، ص٢۸٩.
(٣٠) فريدة مرعي، نص مسرحي مجهول ليعقوب صنوع، الهلال، يناير ١٩٦٩م.
(٣١) المصدر السابق.
(٣٢) المصدر السابق.
(٣٣) مذكرات عرابي، ج١، ص١٥٣.
(٣٤) صلاح عيسى، حكايات من مصر، ص٥٣.
(٣٥) مصر والمسألة المصرية، ص٢٠٤، ٢٠٥.
(٣٦) عبد الرحمن الرافعي، الزعيم أحمد عرابي، ص٣٦.
(٣٧) مصر والمسألة المصرية، ص١٤٩.
(٣٨) الصحفي الثائر، ص١٤٧.
(٣٩) المصدر السابق، ص٤٠.
(٤٠) فريدة مرعي، مصدر سابق.
(٤١) المصدر السابق.
(٤٢) محمد عودة، قصة الحزب الأول، الكاتب، يونيو ١٩٦٤م.
(٤٣) فريدة مرعي، مصدر سابق.
(٤٤) جان داية، مصدر سابق.
(٤٥) الصحفي الثائر، ص٤٥.
(٤٦) صلاح عيسى، الثورة العرابية، ص۲۲۳.
(٤٧) محمد خلف الله أحمد، عبد الله النديم ومذكراته السياسية، ص٥٤.
(٤٨) المجلة، العدد ۲۸۷.
(٤٩) رشدي صالح، مصدر سابق.
(٥٠) فريدة مرعي، مصدر سابق.
(٥١) الصحفي الثائر، ص٤٨، ٤٩.
(٥٢) الهلال، مارس ۱۹۷۱م.
(٥٣) السينما والمسرح، يوليو ١٩٧٥م.
(٥٤) الصحفي الثائر، ص۱۰۸.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤