الفصل التاسع عشر

شر الناس

قال الإمام علي: أحسن الأشياء نفعًا موت الأشرار. لا تنازع جاهلًا، ولا تشايع منافقًا، ولا تعاون مسلطًا. للمنافقين علامات يُعرفون بها: تحيتهم لعنة، وطعامهم تهمة، وغنيمتهم غلول، لا يعرفون المعابد إلا هجرًا، ولا يأتون إلا دبرًا مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل صحب بالنهار. إياك وصاحب السوء فإنه كالسيف المسلول، يروق منظره ويقبح أثره. أربعة من الشقاء: جار السوء، وولد السوء، وامرأة السوء، والمنزل الضيق. يا ابني، إن الشر تاركك إذا تركته. أسوأ الناس حالًا من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء أثره. لا دين لمن لا نية له، ولا مال لمن لا تدبير له، ولا عيش لمن لا رفق له. لا تسبنَّ إبليس في العلانية وأنت صديقه في السر. إلى الله أشكو بلادة الأمين ويقظة الخائن. احذروا صولة الكريم إذا جاع، وصولة اللئيم إذا شبع.

وقال مركوس أوريليوس: الناس يحتقر بعضهم بعضًا، ويريدون التفوق بعضهم على بعض، ويتذللون بعضهم لبعض. ما بلغ أحد من السعاة ما إذا جاءت ساعة موته لم يسر بعض الناس بذلك، فإنه إذا كان صالحًا عاقلًا قالوا: قد تخلصنا من هذا المُعلم الذي يعيب أعمالنا. هذا ما يقولونه في الرجل الصالح، وأما نحن فكثيرون يريدون موتنا لأسباب شتى، فاذكر ذلك أيها الإنسان متى أتاك الموت، ومت راضيًا، وقل: إني راحل عن الحياة وهو ما يريده رفقائي الذين كثيرًا ما سعيت إلى خيرهم، ولعلهم يجدون في ذلك شيئًا من النفع لأنفسهم.

إذا أخطأ إليك أحد فاذكر هذه الأمور: أولًا: أنك أنت أيضًا تخطئ في أشياء كثيرة، وأنك بشر كغيرك، وأنك إذا امتنعت عن بعض الذنوب ففيك الميل إليها، ولا تعملها جبنًا أو خشية العار أو لسبب آخر حقير. ثانيًا: أنك لا تدري هل ما يعمله الناس شر مقصود أو لا؛ لأن كثيرًا من أعمالهم ناشئ عن مقتضى الحال، وأنه كثيرًا ما يتعسر على الإنسان الحكم المصيب على أعمال غيره. ثالثًا: متى ضايقك الناس وأحزنوك، اذكر أن حياة الإنسان ليست إلا لمحة، إذا انقضت صرنَا جميعًا ترابًا. رابعًا: أن ما يأتي علينا من الغضب والقلق أشده ما نشعر به في أنفسنا، لا مما يكون في الأعمال الجائرة التي تسببه. خامسًا: أن الخُلق الطيب لا يُقهر إذا كان صحيحًا لا تصنعًا؛ لأنه ماذا يفعل بك الجائر الظالم إذا دمت على المعروف والإحسان إليه؟ سادسًا: انتظار عدم الشر من الأشرار جنون ومحال؛ لأنك إذا رأيتهم يسيئون إلى غيرك، فكيف تنتظر أنهم لا يسيئون إليك؟ امح العجب، واكسر الحدة، وأطفئ الشهوة، وأبق العقل ضمن حدوده.

وقال هسيودس: ما أكثر ما جنت مدينة كبيرة ثمار شرير واحد. من يصنع الشر لغيره يصنعه لنفسه. الشر كثير والسبيل إليه ميسور، وأما الخير فلا يُنال إلا بعرق الجبين، والسبيل إليه صعب المرتقى، أو له عقبات.

وقال إسخولس: أُفضل الجهل على العلم في سبل الشر.

وقال بيليوس: لا أمان لمن يعلم من نفسه أنه مجرم.

وقال أبيكتيتس: انتبه إلى كل يوم تغتاظ فيه، فقد كنت أغتاظ كل يوم، ثم صرت أغتاظ كل يوم ثانٍ، ثم كل يوم ثالث، ثم كل يوم رابع، وإذا مرت ثلاثون يومًا ولم تغتظ، فقرِّب ذبيحة شكرًا لله.

وقال يوفنال: ما من أحد يوغل في الشر دفعة واحدة.

وقال أفلاطون: قال كسنيفون: إني أجبن الناس؛ لأني لا أجسر على عمل الشر.

وقال مونتانيه: ما من إنسان تكشف أفكاره وأفعاله، إلا ويستحق الشنق عشر مرات.

وقال قاسم أمين: الشر لا فائدة منه مطلقًا، أما التسامح والعفو عن كل شيء وعن كل شخص، فهما أحسن ما يعالج به السوء ويفيد في الإصلاح.

وقال بولانو: الخاطئ جاهل كما أنه جانٍ.

وقال كستلو: إذا كان الشيطان وراء الباب، فإن قفل الشباك لا يفيد شيئًا.

وقالت الإنكليز: الأشرار يبغضون الشر في غيرهم. كل الناس يظنون أعداءهم أشرارًا. ميل الناس إلى الانتقام أشد من ميلهم إلى مكافأة المعروف. كثيرون يكونون شرًّا مما هم لو كان مالهم أكثر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤