حطام طائرة عند «فولك لاند»

كان الملف الأصفر اللون مُلقًى على مكتب «أحمد» في غرفته بالمقر السرِّي للشياطين وقد انتهى لتوِّه من قراءته … كان ملفًّا سريًّا غاية في الأهمية، يحمل عنوان: حطام الطائرة عند «فولك لاند». وكانت قراءته مُبهرة ومؤلمة في نفس الوقت …

وتذكَّر «أحمد» ما جرى في الصباح … كان رقم «صفر» قد عقَد لخمسة من الشياطين اجتماعًا استمرَّ فترة طويلة، وكان حديث رقم «صفر» في هذا الاجتماع حول ظاهرة اختفاء العلماء، فقد لاحظَت بعض الدول أنَّ عددًا من علمائها الكبار قد اختفى فجأةً، وفي البداية كان التفكير أنَّ ثمة عصابة تقوم بعمليات الخطف هذه لتَطلُب بعد ذلك فدية … ولكن الغريب أنه بعد اختفاء العلماء، لم يتَّصل أحد لطلب الفدية …

وكان العالم الرابع الذي اختفى عالِمًا سويديًّا، من المرشحين لجائزة «نوبل» في العلوم … وكان مجال نشاطه «الانشطار النووي» وكيفية السيطرة عليه … وقد أثار اختفاؤه ضجة في الأوساط العلمية؛ لأهمية البحث الذي كان يعمل فيه، وبعد اختفائه ببضعة أيام، وقعت حادثة طيران عند جزائر «فولك لاند» وهي مجموعة صغيرة من الجزر تقع على بُعدِ مائة كيلومتر من شاطئ «الأرجنتين» عند نهاية الطرف الجنوبي لأمريكا اللاتينية … وقد عُثِرَ على جثة العالم السويدي ومعه اثنان آخران بين حطام الطائرة … وقد تَرتَّب على ذلك بضعة أسئلة هامة:

  • (١)

    كيف تمَّ نقل العالم السويدي من بلده إلى هذه المنطقة؟

  • (٢)

    إلى أي جهة في العالم كانت الطائرة ستتجه؟!

  • (٣)

    هل يُمكن أن تؤدي هذه الحادثة إلى كشف سر اختفاء العلماء الثلاثة الآخرين؟!

  • (٤)

    ثم ما هو موقف «ش. ك. س» من هذه الحوادث؟!

وقد جاء الرد على السؤال الرابع أولًا؛ فبعد حادث الطائرة بخمسة أيام، اختُطِفَ الدكتور «جمال زهران»، وهو عالم مصري شاب كان تلميذًا للعالم السويدي، وكانت الأوساط العلمية تتوقع أن يكمل العالم المصري الشاب أبحاث أستاذه الذي لقيَ مصرعه في حادث الطائرة عند «فولك لاند» … وهكذا أصبح محتمًا أن يتدخل الشياطين اﻟ «١٣» للكشف عن غوامض هذه الأحداث المثيرة، بعد أن أصبح عدد العلماء المختطفين خمسة، آخرهم العالم المصري الشاب …

فتح «أحمد» غلاف الملف الأصفر، ثم أخذ يقرأ كشف الأشياء التي وُجِدَتْ في الطائرة المُحطَّمة، فلاحظ على الفور أن أغلب هذه الأشياء ملابس صوفية وأطعمة معلبة وسوائل متجمدة، بعضها من النوع الذي يُستعمَل في إشعال النيران، ومن هذا استنتج «أحمد» أنَّ ركاب الطائرة الثلاثة الذين لقوا مصرعهم كانوا في طريقهم إلى مكان بارد منعزل، وقد كانت الطائرة عند طرف أمريكا الجنوبية قريبة جدًّا من القارة المتجمِّدة الجنوبية … فهل كانت في طريقها إلى هناك؟

رفع «أحمد» سماعة التليفون، وضغط على أحد الأزرار فسمع صوت «إلهام» ترد على الفور … قال «أحمد»: لقد توصلتُ إلى بعض الاستنتاجات … هل لاحظتِ نوع الأشياء التي كانت تحملها الطائرة التي تحطمت؟

ردت «إلهام»: نعم … وأعتقد أنها كانت في طريقها إلى مكانٍ ما في القطب الجنوبي.

أحمد: مُدهش … إنَّ هذا هو ما خطر لي بالضبط.

إلهام: هذا يعني رحلة إلى ذلك العالم الثلجي حيث تهبط درجة الحرارة أحيانًا إلى أكثر من ٥٠ درجة تحت الصفر، وتُصبح الحياة مستحيلة.

أحمد: ستكون تجربة جديدة على كل حال.

إلهام: أعتقد أن رقم «صفر» سيطلب منا الاستعداد للسفر خلال ساعات قليلة.

أحمد: إنه ما زال في انتظار تقرير عن حادث اختطاف العالم المصري الشاب «جمال زهران»، فلا بد من التأكد من أن العصابة التي خطفت العالم السويدي، هي نفسها التي خطفت العالم المصري الشاب.

إلهام: لستُ أشك في ذلك لحظة واحدة.

وقبل أن تُكمِل جملتها دقَّ جرس خفيف بجوارها، وأُضيئَت لافتة صغيرة خلف باب غرفتها مباشرة … وحدث هذا أيضًا في غرفة «أحمد»، وعلى اللافتة الصغيرة ظهرت كلمة «اجتماع» ثم رقم «١٠»، وعرف «أحمد» «وإلهام» أنهما مدعوَّان للاجتماع برقم «صفر» بعد عشر دقائق … فمضت «إلهام» تكمل جملتها: لستُ أشك أنها نفس العصابة.

أحمد: على كل حال سنَلتقي برقم «صفر»، وسنعرف كل شيء.

وأخذ كلٌّ منهما يستعدُّ للمقابلة، وكذلك فعل كلٌّ من «هدى» و«قيس» و«عثمان» وهي المجموعة الموجودة في المقرِّ السري …

وفي الموعد المحدَّد، وفي قاعة اجتماع صغيرة، جلس الخمسة أمام مجموعة من الخرائط لأمريكا الجنوبية ومنطقة القطب الجنوبي … وابتسم «أحمد» ﻟ «إلهام» فما دامت الخريطة الأخيرة موجودة، فهذا يعني أن رقم «صفر» قد وصل إلى نفس الاستنتاج وهو أنَّ الطائرة كانت متَّجهة إلى القارة القطبية الجنوبية …

سمعوا وَقْعَ الخطوات الثقيلة المُعتادة، ثم صوت الكرسي وهو يَصرُّ … وسعل رقم «صفر» خفيفًا، ثم قال: لقد جاء التقرير الذي كنت أنتظره، وأصبح من المُؤكَّدِ لدينا الآن أن العصابة التي خطفت علماء الذرَّة، هي نفس العصابة التي خطفت العالم المصري «جمال زهران»!

تبادلت «إلهام» و«أحمد» النظرات … ومضى رقم «صفر» يقول: وأصبح دخولنا المعركة أمرًا حتميًّا.

وسعل رقم «صفر» مرة أخرى ثم مضى يقول: وحسب تقارير معاملنا عن حطام الطائرة في «فولك لاند»، فإن الأدوات والأجهزة والملابس والأطعمة التي وُجدَت فيها كلها تؤكد أن الطائرة كانت متجهة إلى القطب الجنوبي.

وساد الصمت فترة، وتبادَل الشياطين الخمسة النظرات؛ فقد رنَّت كلمتا القطب الجنوبي في آذانهم رنينًا عجيبًا … وقطع رقم «صفر» حبل الصمت وهو يقول: وعليكم أنتم الخمسة أن تضعوا خطة سفر عاجلة، وسيتولى قسم التنفيذ في «ش. ك. س» وضع هذه الخطة موضع التنفيذ.

سأل «أحمد»: إننا نودُّ أن نعرف آخر محطة توقفت عندها الطائرة قبل سقوطها … هل كانت في جزر «فولك لاند» نفسها؟

لم يُجب رقم «صفر» على الفور … بل أضاء خريطة للطرف الجنوبي لأمريكا اللاتينية، فبدت عليها أسماء بعض البلاد، وتحرَّك مؤشِّر دقيق، وأخذ رقم «صفر» يشرح بصوته العميق الأماكن التي على الخريطة: كما ترون، فإن الطرف الجنوبي لأمريكا اللاتينية يُشبه رأس مثلَّث حادَّ الزاوية، وهو مُقسَّم إلى قسمَين، غربًا جمهورية «شيلي»، وشرقًا جمهورية «الأرجنتين». وتواجه جزر «فولك لاند» شاطئ «الأرجنتين».

صمت رقم «صفر» لحظات ثم مضى يقول: بعد هذا الشرح المُختصَر لموقع جزر «فولك لاند»، أجيب على السؤال رقم «واحد» … لقد اتَّضح أن الطائرة التي تحطمت كانت طائرة خاصة لمليونير من الأرجنتين يُدعى السنيور «مارتينز»، ويُقيم في مدينة «باهيا بلانكا» التي تقع في وسط الأرجنتين … وبسؤال «مارتينز» عن الطائرة، أفاد بأنها سُرقت من مطار خاص يقع في غابة واسعة خلف قصره في «باهيا بلانكا»، وهكذا نعرف أن المحطة السابقة للطائرة المنكوبة كانت مدينة «باهيا» …

قالت «إلهام» معلقة: وأعتقد أن بداية البحث ستكون من هناك.

رقم «صفر»: سوف أترك لكم حرية التصرُّف في هذا الموضوع … كل ما أرجوه هو أن تبدءوا فورًا، فقد نستطيع أن نُنقذ حياة العالم المصري. وسأراكم قبل السفر …

انتهى الاجتماع، وقام رقم «صفر»، وسمعوا صوت خطواته وهو يغادر المكان.

وعقد الشياطين الخمسة اجتماعًا لتقرير أسلوب العمل، قالت «إلهام»: كما قلتُ من قبل، إنَّ الخطوة الأولى ستكون في «باهيا بلانكا» وقد نستطيع أن نحصل على طرف خيط من هناك.

عثمان: أوافق على ما قالته «إلهام»، فإنَّ ذهابنا إلى جزر «فولك لاند» مباشرة قد لا يؤدي إلى شيء.

أحمد: سنَترُك ﻟ «قيس» إعداد الأدوات والملابس والأجهزة والأسلحة اللازمة لهذه الرحلة، إنها ليست رحلة طويلة فقط، بل وأيضًا خطرة.

قيس: سأضع في الاعتبار الاستفسار الذي قد نُقابَل به هناك، فإذا كان للعصابة أعوان في «الأرجنتين» ففي الأغلب سوف نَلفت أنظارهم … لهذا فإنني سوف أطبق الخطة «١٧/ت» الخاصة بالتمويه، وسوف نَحْمِل جوازات سفر لمجموعة من الصيادين الشبَّان، يحاولون البحث في صحراء «بتاجونيا»، وهي الصحراء المُجاوِرة «للأرجنتين»، عن نوع نادر من ثعالب الصحراء، فهذا وحده سيبرِّر وجود أسلحة معنا، إذا حاولت العصابة معرفة نوع الأمتعة التي معنا.

عثمان: لا تنسَ أنني سأحمل معي «بطة».

ابتسم «قيس» وقال: إنها سلاح لا يعرفه أحد … فلن يتصور مخلوق أن كرة المطاط التي تحملها يا «عثمان»، هي سلاح فتاك ليس له مثيل.

أحمد: سأعطي تعليمات تفصيلية لجهاز التنفيذ في «ش. ك. س» للإعداد للرحلة، وبالتأكيد لن نستطيع السفر قبل يومين.

بدأ الشياطين يتحركون للانصراف، عندما دق جرس خافت، وسُمِعَ صوت في الميكروفون فوق باب قاعة الاجتماع، يعلن عن حضور رقم «صفر» …

تَسمَّر الشياطين في مقاعدهم … وسمعوا صوت أقدام رقم «صفر» وهي تقترب من المكان، ثم جلسته فوق المقعد، وسمعوا صوته العميق يتحدث: وصلني الآن تقرير قصير عن العالم السويدي الذي عُثِرَ على جثته في الطائرة المُحطَّمة عند «فولك لاند» … لقد اتضح أنَّ العالم كان واقعًا تحت تأثير مخدِّر قوي قد يكفي لنومه أكثر من ٤٨ ساعة، وهذا يعني أنَّ العصابة تستخدم التخدير كبداية لعمليات الاختطاف، كما ثَبتَ أنَّ هذا النوع من المخدر يحتاج إلى طبيب مُتخصِّص لإعطاء الجرعة الملائمة … لهذا فإن هذه العصابة منظمة تنظيمًا قويًّا، ولا أدري لماذا أُحسُّ أنَّ أصابع عصابة «ورلد ماسترز» وراء هذه الأحداث كلها!

ساد الصمت بعد الجملة الأخيرة … فَهُمْ جميعًا — بما فيهم رقم «صفر» — يعرفون خطورة هذه «العصابة» التي تسعى للسيطرة على «العالم»!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤