ماذا بعد الاكتشاف؟!

عاد «أحمد» إلى غرفته في القصر دون أن يحسَّ به أحد … خلع ثيابه ولبس ملابس النوم وألقى بنفسه على الفراش، وسرعان ما ذهب في سبات عميق …

عندما استيقظ «أحمد» في اليوم التالي أسرع ينظر إلى ساعته، وحمد الله أنه استيقظ مبكرًا حتى لا يبدو في صورة الحارس الكسول … وغَيَّر ثيابه بعد أن اغتسل ودق الجرس فجاءه الإفطار، وقالت الخادم وهي تُقدِّمه له: إنَّ كل من في القصر ما زالوا نائمين!

قال «أحمد»: لقد سهرنا طويلًا أمس.

ردَّت الخادم: لم يبقَ من الضيوف إلا السنيور «مونتاجيو» وسيَرحل اليوم ويعود إلى القصر السلام!

عرف «أحمد» أن «مونتاجيو» هو الزعيم القادم بالطائرة. فلما انتهى من إفطاره قرر أن يقوم بجولة قرب الطائرة، ووقف خلف سياج من الأشجار يتفرَّج. كان ملَّاحو الطائرة يُعِدُّونها للإقلاع، ولاحظ على الفور أن ثمة معدات غريبة في الطائرة ليست من معدات الطائرات العادية، ثم سمع صوت سيارة قادمة أخذت تتقدم حتى توقفت بالقرب من المطار … كانت سيارة نقل مغلقة، سرعان ما فتحت أبوابها وأخذت تُفْرِغ حمولتها، وكانت مجموعة من الصناديق بأحجام مختلفة، قام بعض الرجال بنقلها إلى مخزن الطائرة. ولاحظ أنهم ينقلونها بحرص شديد …

بعد قليل، عندما تم إعداد الطائرة، سمع «أحمد» صوت ضحكاتٍ تَقترِب من المطار، ثم شاهد «مارتينز» في ملابس الصباح الرياضية، وبجواره الزعيم «مونتاجيو» وهما يتبادلان أحاديث ضاحكة، وكان واضحًا أنهما سعيدان جدًّا … وعندما وصلا إلى قرب الطائرة، أخرج «مارتينز» من جيبه علبة صغيرة سلمها ﻟ «مونتاجيو» وهمس في أذنه ببضع كلمات، ثم تبادلا التحية والعناق. وقفز «مونتاجيو» إلى الطائرة في خفة، وسرعان ما دارت المحركات، وأخذت الطائرة تستدير لتواجه تيار الرياح، وبعد أن زادت سرعتها سارت تدرج مسرعة على المدرج الناعم، ثم استجمعت قوتها وقفزت في الهواء …

وعاد «مارتينز» يسير هادئًا مبتسمًا، ولكن حدَث فجأة شيء أضاع الابتسامة من على شفتيه. فقد جاء أحد الحراس مسرعًا وتحدث إليه، وتجهم وجه «مارتينز» ثم سار مبتعدًا بسرعة … وعرف «أحمد» على الفور معنى هذا كله، فلا بد أنهم وجدوا الحارس الذي ضرَبه «عثمان» أمس ليلًا، أو ربما قد أفاق من إغمائه وروى لهم ما حدث ليلًا! …

أسرع «أحمد» عبر الأشجار إلى القصر، ولمح «مارتينز» من بعيد يتحدث مع الحارس الذي كان وجهه متورمًا من الضربة التي وجَّهها له «عثمان» … وفكر «أحمد» لحظات ثم تقدم منهم في هدوء، ولمحه «مارتينز» فأشار له أن يتقدم ثم قال له: هل علمت بما حدث؟!

أحمد: لا يا سنيور!

مارتينز: لقد قام شخص بالاعتداء على أحد حراس السور. والشيء المُدهش أنه لم يضربه بمسدس ولا بيده، لقد ضرَبه بشيء غريب. يبدو أنه سلاح جديد، أفقده الوعي حتى الصباح … إن ثمة أشياء غريبة تحدث، ومطلوب منك أن تعرف ما هي الحكاية!

أحمد: إنني مسئول داخل القصر فقط يا سنيور!

مارتينز: لا بأس … أريد أن أُجرِّبك في هذه المهمة … إنني متأكد أنك ستجد الفاعل بسرعة!

ودون كلمة أخرى استدار «مارتينز» وسار إلى القصر …

وقف «أحمد» يتحدث مع الحارس المصاب فسمع منه التفاصيل … ولدهشتِه الشديدة أخذ الحارس يصف معركة وهمية وقعت بينه وبين الأشخاص الذين اعتدوا عليه، واضطر «أحمد» إلى أن يخفي ضحكة كادت تفلت منه والحارس يُحدثه عن السلاح الجديد كما تحدث «مارتينز»، فلم يكن السلاح المشار إليه أكثر من كرة «عثمان» المطاط!

انصرف الحارس وعاد «أحمد» إلى القصر … ذهب إلى غرفته فقضى فيها لحظات يفكر ثم خرج، وذهب إلى مكان المعركة، فوجد «كاردوفا» يقف مع بعض الحراس، وكانوا يتحدَّثون بحماس ويُعاينون مكان المعركة … ولحسن الحظ كانت الأعشاب الكثيفة لا تسمح بتقديم أدلة عن الأشخاص، فليست هناك أوحال يُمكن أن تحمل بصمات قدم أو يد، فقط كانت الأعشاب مثنية حيث وقف هو وعثمان يتحدثان.

قال «أحمد» بعد أن حيَّا «كاردوفا»: طلب منِّي السنيور «مارتينز» أن أبحث حادث الأمس.

قال «كاردوفا» متجهِّمًا: هذا أول حادث من نوعه! لا أدري ماذا كان يريد هؤلاء الأشخاص؟ إنهم لم يحاولوا سرقة شيء. ولم يدخل أحد منهم إلى القصر أو المنطقة المحيطة به!

أحمد: سأذهب لزيارة معسكر الحراس الجُدد، لعلَّ بينهم مَنْ قام بهذه المغامرة لسبب لا ندريه.

أخذ «أحمد» أحد الجياد … كان قد قضى فترة طويلة دون أن يَركب حصانًا فأسعده أن يخرج في هذا اليوم المشمس بين المراعي وهو يركب الحصان … ولم يكن هدفه بالطبع التحقيق في حادث الحارس، فقد كان هو أحد أبطاله، ولكن هدفه كان الالتقاء ﺑ «عثمان» و«قيس» في معسكر الحراس الجدد ليتبادل معهم الحديث والمعلومات …

ركض الحصان منطلقًا ﺑ «أحمد»، حتى وصل إلى الساحة الواسعة خلف القصر، ثم اتجه ناحية الجبال ورأى آلاف الأبقار ترعى، وقد ارتفعت أصواتها فيما يشبه الرعد … وبعد دقائق كان يقف قريبًا من أكشاك الحراس الخشبية، وذكَّره المشهد كله بأفلام رعاة البقر؛ فقد كان هناك عشرات الرعاة على صهوات جيادهم يُطاردون الأبقار لجمعها … واستطاع أن يميز «عثمان» بلونه الأسمر الداكن، وانطلق ناحيته …

رأی «عثمان» «أحمد» قادمًا، فكشر عن أسنانه البيضاء في ابتسامة ترحيب! … وتقابلا كل منهما على صهوة جواده. وكان «عثمان» يلبس ملابس الرعاة، فقال له «أحمد» ضاحكًا: من يراك الآن يظن أنك خرجت من أحد أفلام رعاة البقر!

ازدادت ابتسامة «عثمان» اتساعًا وقال: تصور أنني بدأت أحب هذه الحياة! ولعلني أفكر في ترك الشياطين والبقاء في هذا المكان!

أحمد: ولكني بالنيابة عن الشياطين جميعًا لا أوافق!

ثم قال «أحمد» بلهفة جادة: إنهم يقومون بالتحقيق في حادث الحارس الذي ضربتَه أمس بكرتك … وبالمناسبة، إنهم يَعتبرون الكرة سلاحًا جديدًا!

عثمان: وهل هناك أدلَّة على وجودنا هناك؟

أحمد: لا … لحسن الحظ!

عثمان: لقد أوصلنا جهاز التسجيل الصغير إلى «إلهام»، وموعدنا الخامسة هذا المساء!

أحمد: نعم، والآن سأقوم بجولة للتحقيق في حادث الحارس.

ومشيا معًا حتى وصلا إلى المعسكر، وكان «قيس» يقوم بمطاردة عِجلة صغيرة شارِدة. وكان مشهدًا رائعًا وهو ينطلق على حصانه كالثَّعلب وراء العِجلة الصغيرة وهي تَنطلِق كالسهم بين الأعشاب …

قضى «أحمد» ساعة في كشك الحراس الجدد، وسألهم جميعًا عن موعد تواجُدِهم خارج الأكشاك في ساعة وقوع الحادث … والشيء المدهش أن بعضهم ارتبك وهو يحدِّد مكان وجوده، ولو لم يكن «أحمد» يعرف كل شيء، لَشَكَّ على الأقل في ثلاثة منهم.

عاد «أحمد» إلى القصر، وكان «مارتينز» قد خرج إلى المدينة … وعلم أنه لن يعود قبل المساء، وأسعده ذلك، فسوف يتمكن من الخروج دون الحاجة إلى استئذان … وهكذا قضى بقية اليوم يتجوَّل في القصر، حتى إذا كانت الساعة الرابعة أخذ إحدى السيارات من الجاراج، وانطلق بها إلى «باهيا بلانکا» وسرعان ما كان يقترب من الفندق، وركن السيارة ثم صعد مُسرعًا إلى فوق.

وجد «إلهام» و«هدى» و«عثمان»، ولم يَجد «قيس»، فقال «عثمان» موضحًا: لقد رفض رئيس العمال السماح لنا بالنزول معًا. قال إنه لا يَستطيع الاستغناء عن شخصين في نفس الوقت.

كان على وجه «إلهام» ما يُنبئ بأخبار هامة. ولم يكد الشياطين الأربعة يجلسون حتى قالت «إلهام»: إن الشريط الذي أحضرته للاجتماع غاية في الأهمية … إنه يقطع بأن «مارتينز» ومجموعة زعماء العصابات الذين معه يقومون بتمويل عملية إجرامية خطيرة.

قال «أحمد»: هل لهذا علاقة بالمهمَّة التي جئنا من أجلها؟

إلهام: بالطبع … ولخطورة هذه المعلومات فقد أعددت الشريط لإرساله فورًا إلى رقم «صفر»، وأقترح أن يقوم أحدنا غدًا بالسفر به إلى المقر السري. وقد أعددت لكم ملخصًا للموضوع سأقرؤه عليكم.

وأخرجت «إلهام» من جيب سري في حقيبة صغيرة قطعة من الورق. ثم بدأت تقرأ:

من شياطين مهمة «ط. م» إلى رقم «صفر»

مُرسَل لكم شريط عن اجتماع المليونير الأرجنتيني «مارتينز» الذي كان يملك الطائرة التي تحطمت عند جزر «فولك لاند» مع مجموعة من زعماء العصابات الذين يمتد نشاطهم من أمريكا الجنوبية إلى جنوب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية … وهذا الشريط تم تسجيله في قصر «مارتينز» بواسطة «أحمد» الذي يعمل الآن حارسًا خاصًّا للمليونير البرازيلي، ومن هذا الشريط يتضح أن «مارتينز» ورجال العصابات يمولون عملية ضخمة لخطف علماء الذرة الذين يعملون في البحوث الخاصة بالتفجير النووي وصناعة القنابل الذرية … وقد قام كل زعيم من هؤلاء بدفع مبلغ يتراوح بين ٥ ملايين إلى عشرة ملايين دولار؛ لإنشاء محطة خاصة بالتفجير النووي في مكانٍ ما بعيدًا عن العالم المسكون، ويرجح من القرائن والأحاديث التي دارت بينهم أن هذا المكان يقع في منطقة مهجورة تمامًا من القارة القطبية الجنوبية … وقد طالب بعض هؤلاء الزعماء «مارتينز» بالكشف عن هذا المكان ومعرفة مدى التقدم الذي أحرَزه المشروع، ولكنه رفض، وقال إن «مونتاجيو» وهو أحد زعماء العصابات الأقوياء هو وحده الذي يعلم كل التفاصيل التي يجب أن تظلَّ سرًّا.

قاطع «أحمد» «إلهام» قائلًا: وهل كان هذا هو خلافهم الذي كاد يصل إلى حد القتل؟!

قالت «إلهام»: ليس هذا فقط. ولكن سقوط الطائرة أيضًا … وسوف أوضح هذا بعد قليل.

ثم مضت «إلهام» تقول: إن الخطة التي وضعها زعماء المنظمة الإجرامية تقوم على ابتزاز المؤسسات الضخمة في العالم، وربما ابتزاز الدول ذاتها بالتهديد بإلقاء قنبلة ذرية عليها … وهم يضعون خطتهم على أساس صناعة قنبلة ذرية يمكن نقلها إلى أي مكان وتفجيرها في أي وقت …

ومضت «إلهام» تقول: وقد خشي هؤلاء الزعماء أن يكون سقوط الطائرة في «فولك لاند» قد أدَّى إلى تنبه الدول إلى مخططهم الإجرامي … ولكن «مارتينز» أكد لهم أن العملية قد تمت تسويتها دون أن يدري أحد، وأنه دفع مبلغًا كبيرًا من المال؛ لإزالة آثار العملية وعدم استمرار التحقيق فيها …

وتوقفت «إلهام» لحظات ثم قالت: وبالطبع، سوف نستنتج هذا كله من الأحاديث الدائرة على الشريط، ولكنِّي أردتُ بهذا الملخَّص أن تكون المعلومات التي استنتجناها من الشريط مساوية لما ستراه أنت، ونرجو أن تصلَنا تعليماتك سريعًا، علمًا بأن «أحمد» قد التحق — كما قلت — بخدمة المليونير … وأن «قيس» و«عثمان» يعملان في حراسة الماشية عنده، بينما تقوم «إلهام» و«هدى» بالمراقبة والمتابعة …

«ش. ك. س»

قال «أحمد»: إنه ملخص رائع … وقد وضعنا يدنا على أهمِّ وثيقة ضد هذه العصابة، ويمكن أن تنتهي مهمتنا عند هذا الحد وتتدخل الحكومات للقضاء على اتحاد العصابات الإجرامي … أو يطلب منَّا رقم «صفر» الاستمرار … على كل حال تسافر «هدى» غدًا بالشريط، وسنبقى في انتظار تعليمات رقم «صفر» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤