العالم الجديد

نزل كولومب إلى اليابسة بعدما لبس عباءته القرمزية وقبض على اللواء الملوكي. ثم ركع على الأرض وقبَّلها بكل احترام ووقار، شاكرًا المولى سبحانه وتعالى ساكبًا دموعًا غزيرة من شدة الفرح والسرور. ثم رفع صورة عليها رسم المصلوب، ونطق بصوت خشوع تهتز له القلوب الصلاة الأولى مقدمًا لله التسبيح والاحترام. ثم سحب حسامه ورفعه إلى العلا، واستولى على تلك الجزيرة باسم ملكي «الكاستيل والأراجون»، ولقد دعاها «سان سلفادور» وهي كلمة إسبانية معناها القديس المخلِّص. وحين ذلك صار كولومب بواسطة اكتشافه العظيم أميرالًا وحاكمًا وواليًا ومبشرًا لتلك الأصقاع النائية.

أما تلك الجزيرة فكان اسمها بلغة أهلها «جواناهاني» وهي إحدى جزر الباهاما التي تتبع إنكلترا اليوم. أما عن مواطني الجزيرة فحدِّث بالحقيقة ولا حرج، فعندما رسا كولومب عليها صاروا يتأملون إلى سفينته من خلال العوسجات والعليقات بكل اندهاش واستغراب، وكانوا يُعجبون كثيرًا بذلك الموكب الحافل الذي دخل به الإسبان جزيرتهم:

والسفن مبحرة كأن قلوعها
منشورة أجناح طير هائل
هكذا كان القوم يعتقدون في سفن كولمب، فكانوا يخالونها — أو بالحرى يخالون قلوعها — أجنحة هائلة لطيور هائلة. ولمهابة كولومب وهيئته الرهيبة الساكنة التي تدل على الحكمة والسداد؛ اطمأنت قلوبهم وهدأ رَوعهم، لا سيما لما بدا لهم منه من الشفقة والحنان وأبهة اللباس وزخرفه. فخرُّوا أمامه ساجدين وقدموا له حشائش عطرية جميلة في نظير قلاس حمراء وأخراز وجناجل كانوا يفرحون بها. ثم شرحوا له على قدر الإمكان أن كل هذه المناطق الجزرية وافرة الخيرات والحاصلات عديدة كثيرة السكان، واستشهدوا على ذلك بذكر ما يفوق المائة اسم من أسماء تلك الجزائر. فنزل حينئذٍ الأميرال كولومب وابتعد لمسافة سبعة فراسخ تقريبًا من «سان سلفادور»، ورسا على جزيرة من أكبر تلك الجزر دعاها «سنت ماري دي لاكونسبسيون» بعدما نصب فيها صليبًا. ثم رسا على غيرها ودعاها «فرناندين» وكان أهلها أحسن حالًا وأقل فقرًا وأكثر براعة من سكان «جواناهاني»، وكانوا ينامون على حُصر أو شباك من القطن يعلقونها غالبًا أمام أكواخهم، وكانوا يدعون ذلك الفراش «هاماك»، وقد حفظت اللغات المشتقة من اللاتينية ذلك الاسم للآن، وأطلقته على الأرجوحة hamac.

ثم اكتشف جزيرة أخرى دعاها «إيزابل» كانت أكثر جمالًا وأحسن موقعًا ورونقًا من الأولى. ففيها البحيرات الواسعة والأحراش الظريفة التي تأوي إليها الطيور الجميلة، لا سيما الببغاءات التي تفد إليها عشرات ومئات، وكان ذلك مما يَزيد في حُسنها ويجعلها بهجة تخلب العقول والأبصار.

وفي مساء السادس والعشرين من أكتوبر ظهرت «كوبا» أعظم جزائر الهند الغربية مرسومة في الأفق تختال في جلابيب الأبهة والجلال.

أما هذه الجزيرة التي لقَّبها البعض بلؤلؤة البحار فقد انبهر كولومب وأصحابه لمنظرها البديع. كيف لا وسواحلها غير محدودة، وقمم جبالها وردية وبعضها سماوية، ولخلجانها انفراجات كثيرة غريبة، ومزارعها غزيرة جميلة نامية متنوعة، وأنهارها جارية، وسماؤها زاهية:

والريح تجري رخاء فوق بحرتها
وماؤها مطلق في زي مأسور
قد جمعت جمع تصحيح جوانبها
والماء يجمع فيها جمع تكسير

كل ذلك كان يوسوس في عقل كولومب، ويؤكد له أنه لا بد من وجود قارة في تلك النواحي تكون تلك الجزر طليعتها. ولاحظ الإسبان أن الأهالي كانوا يضعون في أفواههم وهم يلعبون أوراق شجرة هناك، وكانوا يحرقون تلك الأوراق ويمتصون دخانها ويسمُّون تلك اللفائف «تباكو»، فعرفوا أن هناك نباتًا يدخن ويسلِّي، وبهذه الكيفية اكتُشف التبغ. ثم اكتشفوا القطن أيضًا وعرفوا كيف يُنتفع به، فقد وجدوا منه في مغارة واحدة ما يَقرُب من اثني عشر ألف رطل منسوج أو مغزول.

أما كولومب فكان يريد أن يصل إلى أرض كان الهنود يدعونها «بالبيك»، ولكن الريح كانت مضادة له، ولذا اضطر إلى تغيير الطريق، وكأَن الله سبحانه وتعالى جعل الريح تعاكسه لكيما يعدل عن تلك البقعة إلى ما هو أهم منها، بل إلى أهم نقطة كانت هناك. وذلك أن كولومب شاهد في السادس من ديسمبر بينما كان متجهًا نحو الجنوب الغربي لسانًا طويلًا من الأرض العالية كانت قمتها مضوءة بالشمس الساطعة، وكان منظرها ينعكس في مياه رائقة جدًّا، تلك هي جزيرة «هايتي» الكبيرة التي دعاها كولومب «هسبنيولا»؛ أي إسبانيا الصغرى.

وإذ صادف الملاحون جمعًا من الأهالي الهمج أخذوا منهم امرأة بالمحايلة وألبسوها ثيابًا باهرة الألوان مرصعة بالأخراز والجناجل، ثم ألبسوها من السوارات والخواتم المعدنية شيئًا كثيرًا، وساروا وراءها في حفلة زاهرة، وبهذه الطريقة السديدة استمالوا الأهالي؛ حتى إن هؤلاء أحضروا في السفن في اليوم التالي ما لا يحصى من المؤن والمأكولات والبقول وغير ذلك.

أما عروس البارحة التي احتفل بها الملاحون ذلك الاحتفال الباهر، فأقبلت محمولة على مائدة خشبية مغطاة بالخضرة والأزهار يتبعها زوجها الذي طالما أظهر بحركاته وإشاراته وابتساماته امتنانه ومعرفته للجميل.

ثم زار كولومب كثيرٌ من أمراء تلك البقاع. أما حاكم البلاد أو أمير الأمراء المدعو «جواكاناجاري»، فأرسل إلى كولومب مِنطقة رُكِّب عليها كيس من الجلد الطيب بشكل وجهٍ بشري أذناه ولسانه وعيناه من الذهب الخالص، ولقد بعث برسول ألحَّ على كولومب كثيرًا بزيارة الأمير والمثول بين يديه.

ثم سارت السفن باسم الله مجراها، ولكن رأى كولومب أنه محتاج إلى الراحة؛ لأن المهمة الشاقة التي قام بها أتعبته جدًّا وكلفته مشاق عظيمة. إلا أنه لم يفارق أعلى السفينة ويدخل مخدعه حتى نام أغلب البحارة. وأصبحت السفينة سائرة كما تروم ويروم الريح، وما بقي من الملاحين مستيقظًا إلا نفر قليل لا يكفون لإدارة السفن في مثل تلك الجهات الخطرة؛ فاصطدمت السفينة «سانتا ماريا» بصخرة صادفتها، وقبل أن يعطي الأميرال الأوامر، ويرشد إلى الطرق اللازمة لنجدتها وانتشالها اشتبكت بالرمال، ولم يدرِ بذلك أمير الأمراء — المار ذكره — حتى أرسل رجاله وقواربه ووضع تحت تصرُّف كولومب وأصحابه ثلاثة أكواخ، وجعل من رعيته حراسًا يحرسون أولئك الأجانب الشرفاء — كما كانوا يدعونهم. ومن الغريب الذي يجدر ذكره هنا أنه لم يُسرق من هؤلاء الأجانب في تلك المدة شيء بالمرة. أما كولومب فأوَّلَ الحادثة الماضية — حادثة الاصطدام — بما معناه: «أرادت العناية الإلهية إغراق سفينتنا وبقاءنا في هذه البقعة وليس في غيرها؛ لأنها من جهة أجمل بقعة في تلك النواحي، ومن جهة أخرى ليصير أول مركز لنا هناك بجوار تلك المناجم الذهبية الغزيرة.» وفي الواقع ونفس الأمر صارت تلك البقعة الصغيرة أول مركز للغربيين في تلك الديار القاصية النائية. فابتنوا ببقايا السفينة التي تبدد شملها حصنًا صغيرًا أحاطوه بحفر وأسوار من أوتاد، ثم حصنوه بعدد من المدافع وسمَّاه كولومب «لاناتيفيتي»؛ أي الميلاد. ثم ترك فيه عددًا كافيًا من الرجال، وأبحر في يوم الجمعة ١١ يناير سنة ١٤٩٣ قاصدًا إسبانيا.

وكانت العودة طويلة كثيرة المشاق والأخطار، ولقد رأى الملاحون في أثنائها من أنواع العذاب ما لا يُقدَّر. ففي ثلاث مرار مختلفة أوشك كولومب ورجاله أن يهلكوا، وكانوا يصلُّون بحرارة إلى العذراء طالبين منها أن تدفع عنهم تلك الشدائد، ولكن العواصف كانت تشتد والزوابع تقوى والأنواء تكثر حتى خاف كولومب وأصحابه من الغرق؛ ولذا أخذ الأميرال في كتابة تفصيل رحلته بكل سرعة، ثم وضعه في دِنٍّ من صفيح ألقاه في اليم، ثم ربط دنًّا يشبه الأول تمامًا في طرف السفينة بعدما وضع فيه تفصيلًا آخر.

وأخيرًا بعد مضي ستة وثلاثين ساعة وهم على جانب عظيم من القلق الزائد والهم والغم وانشغال البال، سمعوا صوتًا جَهْوَرِيًّا صادرًا من أعلى السفينة قائلًا: اليابسة اليابسة! ولقد يَعدني القارئ مبالغًا أو مغاليًا إذا قلت له: إن خبر الوصول إلى اليابسة لم يُفرح سامعيه في المرة الأولى عندما كانوا قاصدين العالم الجديد مثل هذه المرة! وكانوا قد رسوا على سواحل جزيرة «العذراء» أول جزر «الآثور» من الجهة القبلية؛ فانشرحت صدورهم وابتهجت قلوبهم وقرَّت عيونهم وامتلئوا بِشرًا وحبورًا. ومن العجيب الغريب الذي يُعد من أكبر المعجزات نجاة تلك السفن الصغيرة من أيدي العواصف الهائلة ومقاومتها لها.

ولما كانت جزائر الآثور — ولا تزال — تتبع بلاد البرتقال امتلأ قلب حاكمها البرتقالي غيظًا وحسدًا للإسبانيين، وحقد عليهم حقدًا دفينًا حتى كادت تسول له نفسه الخبيثة — والنفس أمارة بالسوء — أن يحجزهم عنده كأسراء. ولكن تمكَّن كولومب بفصاحته وسياسته أن ينجو هو وسفنه ورجاله من هذا الذئب الجبان.

ولم يكونوا إلا على مائة وعشرين فرسخًا من رأس «سنت فنسان» حتى فاجأهم نوء عظيم، فحمل على القلوع حملة شديدة مخيفة حتى كاد يمزقها تمزيقًا، وكان الملاحون وضباطهم يوالون الصلوات إلى العزة الإلهية طالبين إزاحة هذه الكروب عنهم.

وفي الثالث من الشهر ازدادت العواصف والزوابع حتى لم يشك أحد منهم في الهلاك. فقرَّ الرأي أخيرًا أن يطلبوا من العلي أن يخلِّصهم، ونذروا لله أن يصوموا في مقابلة ذلك يوم السبت الذي سيعقب نزولهم إلى اليابسة تمامًا. وفي مساء ذلك اليوم رأوا اليابسة وكان الظلام حالكًا، فكأن الله سبحانه وتعالى أجابهم إلى طلبهم عاجلًا ونجاهم في نفس اليوم. ولما صاروا على مقربة من السواحل عرف الأميرال أنهم وصلوا إلى مصب نهر «التاج» أحد مجاري البلاد البرتقالية والإسبانية. وكان الوصول إلى الميناء — أو بالحرى الدخول فيه — صعبًا جدًّا والسفينة عليها علائم الحزن والانكسار، محفوفة بكل أنواع الأخطار، ولكنهم بقوة الله ومعونته أمكنهم في المساء أن يرسوا في مرفأ «رستلو». ومن الغريب أن أصغر السفن نجت من الغرق، وسلمت من حملات العواصف والأنواء مع أن خمسًا وعشرين سفينة غرقت في تلك النواحي، أو على الأقل أصابها عطب أثناء ذلك الشتاء الشديد رغمًا عن ضخامتها ومتانتها.

فاتجه كولومب إلى «بالوس» نقطة قيامه بعد أن زار ملك البرتقال الذي هنأه ورحب به كل الترحيب. وليعلم القارئ أنه منذ قيامهم من بالوس في الثالث من أغسطس سنة ١٤٩٢ كانت أخبار تلك السفن قد انقطعت عن أوروبا بالمرة؛ فلبست الأسرات ثياب الحداد على الضباط والملاحين وعمَّ الحزن جميع البلاد، وكان الناس يلعنون ذلك الأجنبي الأشعبي الطمع «كولمب» قائلين عنه: إنه كان يطمح في الآمال من غير بابها، وكانوا يسبُّونه ويسلقونه بألسنةٍ حِدادٍ لظنهم أنه أفقدهم آباءهم وأبناءهم وجعل أجسامهم طعامًا للحيتان والأسماك.

وفي يوم الجمعة ١٥ مارس سنة ١٤٩٣ عند الساعة الثانية عشرة، كان بعض البحارة الملازمين للسواحل خالي الشغل وفيما يلتفتون نحو البحر ذات اليمين وذات اليسار، رأوا العلَم الكستيلي العظيم يتماوج فوق القلع الأكبر لسفينة صغيرة. فعرفوا أنه علَم تلك البعثة التي جرى خبر ضياعها على الألسنة، وأصبح مضغة في الأفواه يلوكها الصغير والكبير على حدٍّ سوى. وإذ اقتربت السفينتان تأكدوا أن «النينا» منهما. فتصور أيها القارئ مقدار الفرح الذي حل لهؤلاءِ البحارة والسرور الذي خامر أفئدتهم والبهجة والانشراح والبِشر التي بدت علائمها عليهم:

علائم البِشر فوق الوجه بادية
وللمُحيَّا لسان صادق الخبر

وكان دوي المدافع يزيد وطلقاتها تتوالى، فضلًا عن النواقيس التي كانت تُقرع والطبول التي كانت تُدق، وصيحات الفرح والتهليل، وأكاليل الزهور والرياحين التي كانت تزخرف بها النوافذ. وبالإجمال فقد ثمل الأهالي من خمر الفرح ونبيذ السرور.

وبقدر ما كان فرح رجال البعثة عظيمًا فإنهم أسرعوا بإنجاز وعدهم وإيفاء نذرهم، فذهبوا إلى أقرب كنيسة هناك باسم السيدة العذراء، ودخلوا فيها حفاة الأقدام عراة الرءوس مرتدين بالقمصان الكنائسية. ومن حُسن الصدف وغرائب الأمور أنهم دخلوا في كنيسة «سنت ماري دي لارابيدا». فطلب الأب «يوحنا بيريس» من الله عز وجل أن يلهم هؤلاء الأبطال الصبر والثبات وأن يمنحهم المعونة في رحلاتهم المستقبلة، ثم شكره وحمده على حفظه لهم في الرحلة الماضية بدون أن يصيب أحدهم ضرر أو أذى، وسأله جل وعلا أن يساعدهم حتى ينجحوا في هذا الاكتشاف الجليل. وأما الملكان فقد طلبا مقابلة كولومب إذ علما بوصوله سالمًا غانمًا.

ومن المعلوم أن بين «إشبلة» — أو هي «سيفيل» — و«برشلونة» توجد أثرى أقاليم في إسبانيا وأرغدها. وكان الأهالي يقيمون على قارعة الطريق؛ لكي يمر بهم هذا المكتشف العظيم ولكي يحيُّونه تحية الوداد: تحية شعب يئس ثم ظفر. وللقارئ أن يقابل بين حالة كولومب الأولى عندما كان عازمًا على السفر وحالته الحاضرة؛ فكان الناس يقيمون له الاحتفالات الشائقة والمهرجانات الرائقة. أما عن الزحام فحدِّث طبعًا ولا حرج، فقد كانت الطرق والشوارع وغيرها من الممرات مزدحمة بالمتفرجين غاصة بالرائين، حتى إنهم كانوا يتركون أعمالهم في محالِّهم التجارية والصناعية ويذهبون لمشاهدة ذلك البطل الصنديد. كيف لا ولم يتجاوز غيره حدود الأرض التي كانت معروفة قبل هذا الاكتشاف الذي ضاعف مسطح البسيطة، وأظهر للملأ ما جهلوه أثناء قرون مما كان معدومًا مبسوطة عليه يد الانطماس؟! كيف لا يفتخرون بكولمب ولم يقطع أحد مسافة أكبر من التي قطعها معرِّضًا نفسه للأخطار؟! وكيف لا يتهللون ويُسرُّون بوصول رجل هذا شأنه وقد عاد إليهم آمنًا كاسبًا؟!

وإذ مثل كولومب بين يدي الملكين وقفا له احترامًا وتبجيلًا، ودفعهما إلى ذلك ما ناله الرجل منذ ذلك من المقام السامي والاعتبار الفائق عند جميع أهالي الأرض على اختلاف نِحلهم وتباين نزعاتهم. ثم مدا إليه يديهما، وأمرا أن يُخلع عليه من ثياب الأكابر والوزراء، وأن يجلس بجانبهما على أول مقعد أمام العرش الملوكي، حيث تكلم كولومب بصوت خشوع فاهتزت له القلوب طربًا، ورقصت له الأفئدة عجبًا، وطربت لسماعه الآذان، لا سيما وكان فصيحًا بليغًا. ثم ركع الكل بما فيهم الوزراء والأمراء والملكان، وبعد صيحات الفرح والتهليل، صاحوا بغتة بنشيد: «تي ديم»؛ أي شكرًا لله. واستمرت معهم الموسيقى الملوكية صادحة بأنغامها الوطنية الشجية، وكأن تلك النغمات كانت ترتفع إلى عَنان السماء كأنها تريد أن توصِّل لرب القدرة والجلال بكيفية محسوسة وطريقة ملموسة، ما كان يدور في خَلد أولئك الأبطال من الإحساسات الشريفة، والعواطف المنيفة، وحمد الله وشكره تبارك وتعالى.

وعليه فقد تم ما كان يرومه كولومب من نشر اسم الله المقدس في تلك النواحي التي يجدر بنا أن ندعوها بسيطة أخرى، وكان ذلك على يد رجل مسيحي من أقوم وأتقى أبطال هذا الدين. رجل يدل لقبه على حقيقته. كيف لا وهو كولمب؛ رمز الروح القدس، واسمه «كريستوفورس» ومعناه: باب المسيح، وقد طابق اسمه مسماه بأجلى وضوح وبيان!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤