تمهيد

سبعة أعمدة للعلم

اشتُهر جيه بي إس هولدين بوصفه للمراحل الأربع لقَبول الأفكار العلمية، وجاء وصفه كما يلي:

  • (١)

    هذا هراء لا قيمة له؛

  • (٢)

    هذه وجهة نظر شيِّقة ولكنها حمقاء؛

  • (٣)

    هذا صحيح، ولكن غير مهم على الإطلاق؛

  • (٤)

    كثيرًا ما قلت ذلك.

كلما أنعمتُ النظر في تاريخ العلوم، وكلما قضيتُ وقتًا أطول في ملاحظة التطوُّر المستمر لمسيرة العلم، زاد تقديري لحقيقة هذه الحكمة. فعند استرجاع الماضي، من السهل أن ترى كيف صارت الأفكار، التي كانت يومًا ما موضع استنكار وسخط، حقائق مقبولة، ومن السهل أن ينتابك شعور بالتفوُّق والأفضلية على أولئك البسطاء الذين كانوا يظنون، مثلًا، أن الأرض مسطَّحة. ولكن حتى على مدار حياتي الخاصة، رأيت أفكارًا كانت تُعتبر فيما مضى تخمينات شاذة — من بينها نظرية الانفجار الكبير لتفسير نشأة الكون والكيانات الكمومية غير الموضعية — تحوَّلَت إلى حكمة مُسلَّم بها وأعمدة للعلم؛ في حين أن البدائل الأكثر «عقلانية» — مثل نظرية الحالة الثابتة (أو نظرية الكون اللامتناهي)، تلك الفكرة القائلة إن ما يحدث في مكان ما لا يمكن أن يؤثِّر في الحال على ما يحدث في مكان بعيد — تساقطت على جانبي طريق التقدُّم. والآلية التي يقوم عليها العلم رائعة بنفس قدر روعة العلوم ذاتها، ولكي أوضِّح لك ذلك عمليًّا قمت باختيار سبعة أمثلة، كانت مثيرةً في زمنها، صارت إمَّا أعمدةً للحكمة العلمية أو في طريقها نحو المرور بمراحل هولدين الأربع لقَبولها. ولكي أُلزم نفسي بسبعة أمثلة فقط، كنت بحاجة إلى موضوعٍ عام يربط بينها؛ ولهذا اخترت سمات للكون ترتبط ارتباطًا وثيقًا بوجودنا، وباحتمالية وجود حياة في مكان آخر. فهذا، على أي حال، هو أهم جوانب العلم فيما يتعلَّق بنا كبشر.

بعض هذه الأمثلة تُعَد بالفعل من أعمدة العلم، والبعض الآخر ربما يُعَد في طور مبكِّر؛ سأترك لك المجال لتحكم بنفسك. وعلى الرغم من أن جميعها كانت أفكارًا مدهشةً ومثيرةً في زمنها، وبعضها لا يزال كذلك، فإن من السِّمات الأساسية لتطوُّر العلوم: الرغبة في التفكير فيما لا يمكن تصوُّره، ثم اختبار تلك الأفكار، على نحوٍ حاسم، واكتشاف ما إذا كانت تمثِّل وصفًا جيدًا لما يحدث في العالم الحقيقي أم لا. ورغم ذلك، ثمة بعض الأفكار يستحيل تصنيفها، ويمكن إدراجها تحت أي مرحلة من مراحل هولدين، حسبما يتراءى لك من وجهة نظرك الشخصية. وأهم هذه الأفكار هو سؤال حيَّر الفلاسفة لوقت طويل جدًّا أطول من عمر العلم كما نعرفه الآن، وبهذا السؤال سأبدأ هذا الكتاب وأختتمه: هل نحن بمفردنا في هذا الكون؟

جون جريبين
نوفمبر ٢٠١٩

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤