خاتمة

عندما اطلعتُ للمرة الأولى على تراجم التقارير الإعلامية الألمانية لبحثي في الفيزياء أو كتابي «الطرق الملتوية»،1 أدهشني تكرار عبارة «حافة الكَوْن». وتفسير هذا الظهور المقنع ظاهريًّا — والعشوائي على ما يبدو — للعبارة لم يكن واضحًا في البداية، لكن اتضح بعد ذلك أنها ترجمة الكمبيوتر لاسمي الأخير بالألمانية.2
لكننا بحق على حافة الكَوْن، سواء على مستوى النطاقات الصغيرة أو الكبيرة. استكشف العلماء باستخدام التجارب مسافات تبدأ من النطاق الضعيف البالغ ١٠−١٧ سنتيمترات وصولًا إلى حجم الكون البالغ ١٠٣٠ سنتيمترات. ليس بوسعنا التيقُّن من ماهية النطاقات التي ستتغير عندها النماذج الفكرية في المستقبل، لكن الكثير من عيون المهتمين بالعلوم تركِّز حاليًّا على النطاق الضعيف الذي يستكشفه تجريبيًّا مصادم الهادرونات الكبير وأبحاث المادة المظلمة. في الوقت نفسه، يواصِل العمل النظري دراسته للنطاقات التي تتراوح ما بين النطاقات الضعيفة مرورًا بطاقات بلانك ووصولًا إلى النطاقات الأكبر، وذلك أثناء محاولتنا ملء الثغرات في فهمنا. ومن التعجرف الظنُّ أننا قد توصَّلْنا إلى كل شيء؛ فلا شك أن ثمة اكتشافات جديدة لا تزال في انتظارنا.

إن عصر العلم الحديث ليس سوى ومضة سريعة من الضوء في تاريخنا. لكن المدارك المميزة، التي تمكَّنَّا من الوصول إليها عن طريق التطورات في مجالي التكنولوجيا والرياضيات منذ نشأتهما في القرن السابع عشر، دفعتنا دفعات هائلة للأمام على طريق فهمنا للعالم من حولنا.

وقد استعرضنا في هذا الكتاب كيف يحدِّد فيزيائيو الطاقة العالية وعلماء الكونيات طريقهم في الوقت الحالي، وكيف أن الجمع بين النظرية والتجريب يمكن أن يُلقِي الضوء على بعض الأسئلة الأساسية والعميقة. فتصف نظرية الانفجار العظيم التمدُّدَ الحالي للكَوْن، لكنها تترك بدون إجابة الأسئلة المتعلقة بما حدث قبل الانفجار، فضلًا عن الأسئلة المتعلقة بطبيعة الطاقة المظلمة والمادة المظلمة. يتنبَّأ أيضًا النموذج القياسي بالتفاعلات بين الجسيمات الأولية، لكنه يترك بدون حلٍّ الأسئلةَ المتعلقةَ بالأسباب وراء ما تتصف به هذه التفاعلات من خصائص. يمكن أن تكون المادة المظلمة وبوزون هيجز قريبين منَّا للغاية، وكذا الأدلة على التناظرات الزمكانية أو حتى الأبعاد الجديدة للفضاء، وقد يحالفنا الحظ ونتوصَّل إلى الإجابات قريبًا، أو يمكن أن يستغرق ذلك بعض الوقت في حال كانت تفاعلاتُ الكميات ذات الصلة قويةً للغاية أو ضعيفةً جدًّا، وما من سبيل أمامنا لمعرفة ذلك سوى أن نسأل ونلاحظ.

استعرضنا كذلك التوقعات بشأن بعض الأفكار الأكثر صعوبةً في اختبار صحتها، وبالرغم من أنها توسِّع نطاق الخيال، ويمكن أن ترتبط في النهاية بالواقع، فقد تبقى أيضًا في نطاق الفلسفة أو الدين. لن يدحض العلم فكرةَ الأكوان المتعددة — أو الإله في هذه الحالة — لكنه لن يثبت صحتها أيضًا على الأرجح، ومع ذلك فإن بعض جوانب فكرة الأكوان المتعددة — مثل تلك التي يمكنها تفسير التسلسل الهرمي — لها تبعات يمكن اختبار صحتها، ويرجع القرار للعلماء في دراسة ذلك أو استبعاده.

من العناصر الأخرى الرئيسية في هذا الكتاب مفاهيم على غرار النطاق، والشك، والإبداع، والاستنتاج النقدي العقلاني، وهي مفاهيم من شأنها أن تنير الطريق أمام التفكير العلمي. فيمكن أن نؤمن بأن العلم سيحقِّق تقدُّمًا في التوصُّل إلى الإجابات، وأن التعقيد قد ينشأ بمرور الوقت، حتى قبل أن نصل إلى تفسير وافٍ. قد تكون الإجابات معقَّدة، لكن ذلك لا يبرِّر التخلِّي عن الإيمان بالعقل والمنطق.

وفهم الطبيعة والحياة والكون يفرض مشكلاتٍ غاية في الصعوبة؛ فجميعنا يرغب في التوصل إلى فهم أفضل لماهيتنا، ومِن أين أتينا، وإلامَ يكون مصيرنا، والتركيز على الأمور التي تتجاوز نطاق أنفسنا والأكثر ديمومة من آخِر صيحات الموضة أو أحدث الأجهزة التكنولوجية؛ ومن هنا يسهل علينا معرفة لماذا يتجه بعض الناس إلى الدين للحصول على تفسيرات. لولا الحقائق والتفسيرات المُلهَمة التي أوضحت وجود علاقات مثيرة للدهشة، لكانت الإجابات التي توصَّل إليها العلماء إلى الآن يصعب التنبُّؤ بها للغاية. إنَّ مَن ينتهجون أسلوبَ التفكير العلمي هم مَن يطوِّرون معرفتنا بهذا العالم. ويكمن التحدي هنا في الوصول إلى أقصى درجة ممكنة من الفهم، والفضول — غير المقيَّد بالمعتقدات — هو المطلوب لتحقيق ذلك.

ولعل البعض يجدون مشكلةً في التفريق بين البحث المشروع والتعجرف، لكن في النهايةِ التفكيرُ العلمي النقدي هو السبيل الوحيد الموثوق للإجابة عن الأسئلة المتعلقة ببنية الكَوْن. وبعض العناصر المتطرفة المناهضة للتفكير في بعض الحركات الدينية المعاصرة تتناقَضُ مع التراث المسيحي التقليدي — ناهيك عن تناقُضِها مع التقدم والعلم — لكنها لحسن الحظ لا تمثِّل جميع التوجهات الدينية أو الفكرية. فتشمل أساليب التفكير كافة — حتى الدينية منها — تحديات للنماذج الفكرية الحالية، وتسمح بتطور الأفكار. وتقدُّمُنا جميعًا يستلزم استبدال الأفكار الخاطئة والبناء على الأفكار الصحيحة.

لقد أعجبتني الروح التي سادت إحدى المحاضرات التي حضرتها مؤخرًا، وألقى فيها بروس ألبرتس — الرئيس السابق للأكاديمية الوطنية للعلوم، ورئيس التحرير الحالي لمجلة «ساينس» — الضوءَ على الحاجة إلى الإبداع والعقلانية والصراحة والمرونة، وهي الصفات المتأصلة في العلم. هذا هو مزيج الخصائص القوي الذي أطلق عليه أول رئيس وزراء للهند، جواهر لال نهرو، وصفَ «الفطرة العلمية».3 تلعب طرق التفكير العلمية دورًا محوريًّا في العالم المعاصر؛ إذ تقدِّم الأدوات الأساسية للتعامل مع الكثير من القضايا الصعبة، سواء الاجتماعية أو العملية أو السياسية؛ لذا فإنني أود أن أختم هذا الكتاب بمزيد من الأفكار حول أهمية العلم والتفكير العلمي.

إن بعض التحديات المعقدة التي نواجِهها حاليًّا يمكن التعامل معها بالجمع بين التكنولوجيا، والمعلومات المتعلقة بالمجموعات الكبيرة، والقدرة الحاسوبية العاتية، لكن الكثير من التطورات الرئيسية — سواء العلمية أو غيرها — تتطلب قدرًا كبيرًا من التفكير الذي تتولى القيام به مجموعات صغيرة أو منعزلة من الأفراد المُلهَمين الذين يعملون لفترات زمنية طويلة على حلِّ المشكلات الصعبة. ورغم أن هذا الكتاب ركَّزَ على طبيعة العلم الأساسي وقيمته، فإن البحث الخالص المدفوع بالفضول قد أدَّى — إلى جانب العلم المتقدِّم ذاته — إلى اكتشافات تكنولوجية غيَّرَتْ من أسلوب حياتنا تغييرًا كاملًا. وبالإضافة إلى منحنا أساليب مهمة للتفكير بشأن المشكلات الصعبة، يمكن أن يؤدِّي العلم الأساسي حاليًّا إلى التوصُّل إلى أدوات تكنولوجية من شأنها — عندما تجتمع مع المزيد من التفكير العلمي الذي يستوعب الإبداع والمبادئ التي تناولناها بالمناقشة — التوصُّل إلى حلول غدًا.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف نتعامَل مع الأسئلة المهمة في هذا السياق؟ كيف نتجاوَز بالتكنولوجيا الأهدافَ القصيرة المدى؟ حتى في عالم التكنولوجيا، نحتاج إلى الأفكار والدوافع معًا. فالشركة التي تصنع جهازًا تكنولوجيًّا متطوِّرًا قد تكون ناجحة للغاية، ومن السهل أن تنشغل بالسعي لصناعة جهاز آخَر، لكن ذلك قد يصرف الانتباه عن القضايا الحقيقية التي نودُّ أن تتناولها التكنولوجيا. فبالرغم من المتعة التي توفِّرها لنا أجهزة آي بود، فإن نمط الحياة القائم على استخدام هذه الأجهزة لن يحلَّ لنا المشكلات الكبيرة التي يواجهها عالمنا المعاصر.

وقد قال كيفن كيلي — أحد مؤسِّسي مجلة «وايرد» الأمريكية — عندما كنتُ برفقته في أحد المؤتمرات عن التكنولوجيا والتقدم: «إن التكنولوجيا أعظم قوة في هذا الكون.» إن كان هذا هو الحال بالفعل، فالعلم هو المسئول عن هذه القوة العظمى؛ لأن العلم الأساسي لعب دورًا محوريًّا في الثورة التكنولوجية. على سبيل المثال، لم يكن وراء اكتشاف الإلكترون دافعٌ بعيد المدى، ومع ذلك صارت الإلكترونياتُ السمةَ المميزة لعالمنا الآن. الكهرباء أيضًا كانت اكتشافًا فكريًّا خالصًا، لكن الكوكب الآن صار ينبض بالأسلاك والكابلات. حتى ميكانيكا الكم — تلك النظرية الخَفِيَّة للذرة — كانت الأداة الأساسية لعلماء مختبرات بِل في ابتكار الترانزستور، وهو الجهاز الأساسي الذي قامت عليه الثورة التكنولوجية، لكن ما كان أحد من الباحثين الأوائل للذرة ليؤمن بأن الأبحاث التي يجريها سيكون لها أي تطبيق، ناهيك عن أن يكون هذا التطبيق هو الكمبيوتر والثورة المعلوماتية. كان كلٌّ من المعرفة العلمية الأساسية والأساليب العلمية في التفكير لازمًا للتعمق في التعرُّف على طبيعة الواقع؛ ما أدَّى في النهاية إلى هذه الاكتشافات.

وما كان أي قدر من القدرة الحاسوبية أو استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ليساعد أينشتاين في تطوير نظرية النسبية على نحو أسرع مما فعل، ولعل العلماء ما كانوا ليفهموا ميكانيكا الكم على نحو أسرع أيضًا، وهذا لا ينفي أنه عندما تكون هناك فكرة أو فهم جديد لظاهرة ما، تعجِّل التكنولوجيا من التقدم. فتتطلب بعض المشكلات الانتقال بين مجموعات كبيرة من البيانات، لكن عادةً تكون الفكرة المحورية هي الأساس. والمدارك عن طبيعة الواقع التي تمنحنا إياها ممارسةُ العلم يمكن أن تؤدِّي في النهاية إلى اكتشافات تحولية تؤثِّر فينا بطرق غير متوقعة. ومن المهم أن نواصِل سعينا وراء هذه المدارك.

صار من المتعارَف عليه الآن أن التكنولوجيا أمر محوري، وهذا صحيح لأن أغلب صور التطور الجديدة توظِّف التكنولوجيا بشكل أساسي، لكنني سأضيف هنا أنها محورية من حيث إنها ليست البداية أو النهاية، وإنما مجرد وسيلة لتنفيذ المهام والتواصل والربط بين التطورات المختلفة. وما نرغب في استخدام التكنولوجيا فيه يرجع إلينا، كما أن المدارك المتعلِّقَة بحل المشكلات أو التطورات الجديدة يمكن أن تنشأ من العديد من صور الفكر الإبداعي.

تجعل التكنولوجيا كذلك من كلٍّ منَّا محورَ الكون الخاص بنا، وهذا ما نراه فعليًّا في تطبيق «ماب كويست» للخرائط، ومجازيًّا في أي موقع من مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، لكن مشكلات العالم أكثر عمومية وشمولًا من ذلك. يمكن أن توفِّر التكنولوجيا الحلولَ، لكن احتمال ظهور هذه الحلول يزيد عندما تكون مدفوعةً بالتفكير المبدع والواضح، ذلك النوع من التفكير الذي نراه في أفضل الأبحاث العلمية.

إن اهتمام أمتنا، في الماضي، بالعلم والتكنولوجيا — إلى جانب إدراكها الحاجة إلى وجود التزامات طويلة المدى والتمسك بها — أثبت كونه استراتيجية ناجحة أبقتنا في طليعة الأفكار والتطورات الحديثة. لكن يبدو الآن أننا نواجِه خطرَ فقدانِ هذه القِيَم التي طالما نجحت معنا من قبلُ؛ لذا فنحن بحاجة إلى إعادة الالتزام بهذه المبادئ؛ إذ إننا نسعى ليس فقط للتطورات القصيرة المدى، وإنما أيضًا لفهم التكاليف والمزايا على المدى الطويل.

والأبحاث العقلانية للعالم تستحق مزيدًا من التقدير كي نتمكَّنَ من استخدامها في مجابهة بعض التحديات الخطيرة التي تواجهنا. أيَّدَ بروس ألبرتس كذلك في محاضرته التفكيرَ العلمي كوسيلة لتسليح الناس ضد العبارات المتشدقة، والأخبار التليفزيونية المبسطة، والأحاديث الإذاعية المفرطة في اللاموضوعية. إننا لا نرغب في ابتعاد الناس عن المنهج العلمي؛ لأن هذا المنهج ضروري للوصول إلى نتائج ذات معنى بشأن الكثير من النظم المعقَّدَة التي ينبغي للمجتمعات التعامل معها الآن، مثل: النظام المالي، والبيئة، وتقييم المخاطر، والرعاية الصحية.

لقد كان الوعي بمفهوم النطاق — وسيظل — من العناصر الأساسية لتحقيق التطور وحلِّ المشكلات، العلمية منها وغير العلمية. وتصنيف ما رُصِد وفُهِم باستخدام هذا المفهوم ساهَمَ كثيرًا في تعزيز فهمنا للفيزياء والعالم بأسره، سواء أكانت الوحدات المدروسة نطاقاتٍ ماديةً، أم مجموعاتٍ من الأفراد، أم أُطُرًا زمنيةً. وليس العلماء وحدهم هم مَن يحتاجون إلى تذكُّر هذه المفاهيم دومًا، وإنما أيضًا القادة السياسيون والاقتصاديون.

فنجد عضو المحكمة العليا في الولايات المتحدة، أنطوني كينيدي، في حديث له أمام الدائرة القضائية التاسعة، لا يشير إلى أهمية التفكير العلمي فقط، وإنما أيضًا إلى التباين المهم بين التفكير «ضيق النطاق» والتفكير «الشامل». تنطبق هاتان الكلمتان على عناصر النطاقين الصغير والكبير في الكون، مثلما تنطبق على الأساليب المفصلة والشاملة لتفكيرنا في العالم. وكما رأينا في هذا الكتاب، أحد عناصرِ التعامُل مع القضايا — سواء العلمية أو العملية أو السياسية — هو التداخُل بين هذين النطاقين للتفكير؛ فالوعي بكليهما يمثِّل أحدَ العوامل المساهمة في الأفكار الإبداعية.

أشار القاضي كينيدي، كذلك، إلى أن «الحلول السخيفة التي تثبت بعد ذلك صحتها» هي أحد الجوانب التي يحبها في العلم، وهذا بالتأكيد ما يحدث أحيانًا، لكن العلم السليم — حتى إن أدَّى إلى نتائج بعيدة المنال أو مناقضة للحدس من الناحية الظاهرية — قائمٌ على القياسات التي تثبت صحة هذه النتائج، أو على المسائل التي تستدعي حلولًا تبدو جنونيةً، لكننا نحزر أنها حلول حقيقية.

يجتمع العديد من العناصر معًا ليشكِّل أساسَ التفكير العلمي السليم. وفي هذا الكتاب حاولتُ التعبير عن أهمية التفكير العلمي العقلاني والأساس المادي الذي يقوم عليه، بالإضافة إلى الأساليب التي يختبر بها التفكير العلمي صحةَ الأفكار عن طريق التجارب، ويستبعدها عندما لا تكون ملائمةً. والتفكير العلمي يدرك أن عدم اليقين ليس فشلًا، وهو يقيِّم المخاطر كما ينبغي، ويقدِّر كلًّا من الآثار القصيرة والطويلة المدى، كما أنه يفسح المجالَ أمام التفكير الإبداعي في التوصُّل إلى حلول. كلُّ هذه أساليب من التفكير الذي يمكن أن يؤدِّي إلى التقدم، سواء داخل المختبر أو المكتب أو خارجهما. والأسلوب العلمي يساعدنا في فهم أطراف الكَوْن، لكنه يرشدنا كذلك في القرارات المهمة المتعلقة بالعالم الذي نعيش فيه الآن. إن مجتمعنا بحاجة إلى استيعاب هذه المبادئ وتعريف الأجيال المستقبلية بها.

علينا ألَّا نخاف من طرح الأسئلة المهمة، أو التفكير في المفاهيم الكبيرة. وقد أصاب أحد المعاونين لي في مجال الفيزياء، وهو ماثيو جونسون، حين قال: «لم يكن لدينا من قبلُ مثل هذه الترسانة الهائلة من الأفكار.» لكننا لا نعرف بعدُ الإجاباتِ وننتظر الاختباراتِ التجريبيةَ. أحيانًا تظهر الإجابات أسرع مما نتوقَّع، مثلما أوضح لنا إشعاعُ الخلفية الميكروني الكوني معلوماتٍ عن التمدُّد المتسارع للكَوْن. وفي بعض الأحيان، تستغرق هذه الإجابات وقتًا أطول للتوصُّل إليها، كما هو الحال في مصادم الهادرونات الكبير الذي ما زلنا ننتظر ما سيوصِّلنا إليه.

من المفترض أن نعرف المزيد قريبًا عن تكوين الكَوْن وقواه، بالإضافة إلى معرفة أسباب حمل المادة للخصائص التي تحملها، ونطمح كذلك في معرفة مزيد من المعلومات عن المادة المفقودة التي نطلق عليها وصف «المظلمة». والآن، وبعد أن وصلنا إلى نهاية هذا الكتاب، أودُّ أن أعود للجملة المقتبَسَة من أغنية فريق «بيتلز»، التي تضمنَتْها مقدمةُ كتابي السابق «الطرق الملتوية»، وهي: «إنه جميل بالتأكيد، فليس من السهل رؤيته.» فقد يكون من الصعب علينا فهم الظواهر الجديدة أو التوصُّل إليها، لكن ما لا شك فيه أن ما سنصل إليه يستحق الانتظار وخوض التحديات في سبيله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤