المطر … حسب الأوامر!

صاح «باسم»: لقد أصبت الهدف.

علا صوت فرقعة أعقبه نزول رجلين من السيارة، نظرا في اتجاه الشياطين، ثم انطلقا خلف البيوت. قال «أحمد»: إن الصدام مباشر الآن، والمدينة واسعة، ينبغي أن يستمر «بو عمير» في عمليته. وأشار «أحمد» إلى «بو عمير» الذي أخذ طريقه في اتجاهه.

توقفت السيارة أمام «أحمد»، وفتح «بو عمير» باب السيارة، في نفس اللحظة رنَّت طلقة رصاص بجوار «أحمد» فقفز داخل السيارة. كان «باسم» لا يزال يقف في الشارع فألقى نفسه تحت السيارة، وضغط «بو عمير» على زرٍّ فانفتحت فتحة في أرضية السيارة، أطل منها «باسم» فقال «أحمد»: سوف أنزل مع «باسم»، وعليكما «بو عمير» و«زبيدة» أن تستمرَّا في مطاردتهما.

نزل «أحمد» من فتحة الأرضية، ثم نام على الأرض. تحرك «بو عمير»، وعندما مرَّت السيارة تمامًا، قفز «أحمد» و«باسم» إلى جدار أحد البيوت، ثم اختفيا خلفه … أشار «أحمد» إلى اتجاه الرجلين ثم انطلقا جريًا، ودارا خلف الجدار، في نفس اللحظة التي كان «بو عمير» ينطلق بالسيارة في نفس الاتجاه. وانطلقت طلقة في اتجاه السيارة، فعرف الشياطين مكان الرجلَين. انطلق «بو عمير» في اتجاههما، وكانت طلقات الرصاص ترن في الزجاج الأمامي للسيارة، ثم تنعكس في اتجاهٍ مضاد. اقترب «بو عمير» من الرجلين ثم أطلق في اتجاههما سحابةً من الدخان، حتى لم تعُد السيارة تظهر. في نفس اللحظة. كان «أحمد» و«باسم» قد وصلا إلى المكان، ورأى «أحمد» الرجُلَين … كانا يقفان في ظل أحد البيوت، ووجهاهما في اتجاه السيارة. اقترب «أحمد» و«باسم» في هدوء، حتى أصبحا على بُعد خطوات منهما، نظر «أحمد» إلى «باسم» ثم استعدَّا، وبإشارةٍ من «أحمد» كان الاثنان يطيران في الهواء، ثم ينزلان فوق الرجلين ويقعان بهما على الأرض وفي لمح البصر، كان الرجلان مقيدين …

وقف الرجلان ينظران إلى الشياطين. نزل «بو عمير» و«زبيدة» وانضمَّا إلى «أحمد» و«باسم»، ورفع أحد الرجلين رأسه ونظر إلى السماء ثم قال: هناك مطر في الطريق.

قال «أحمد» للرجلين: تقدَّما.

سار الرجلان في هدوءٍ في اتجاه أحد البيوت، حتى وقف الجميع أمام البيت، وعالج «باسم» الباب حتى انفتح، فقال «أحمد»: «بو عمير» … هات السيارة هنا. فانصرف «بو عمير» ودخلوا جميعًا إلى البيت. كانت هناك مجموعة من الكراسي، أشار «أحمد» إلى الرَّجُلَين فجلسا.

ما هي إلا لحظات، حتى بدأ نزول المطر. بدأ رذاذًا. ثم أخذ يزداد حتى أصبح كالسَّيل. انضم «بو عمير» إلى الشياطين وقال «باسم»: إن المطر غزير جدًّا.

هز «أحمد» رأسه، فبدأت «زبيدة» حركة البحث عن المطبخ. أشار «أحمد» إلى أحد الرجلين وقال: هل يمكن أن نتعرف عليك؟

نظرا إليه في صمت، ولم يتكلَّما … ضحك «أحمد» وقال: إننا نعرف عنكم الشيء الكثير، ونستطيع طبعًا أن ننتزع منكم المعلومات بطُرق تعرفونها جيدًا، فمن الأفضل أن تتكلَّما!

نظر الرجل إلى زميله ثم قال: اسمي «هوفر» وزميلي اسمه «براك».

«أحمد»: إلى أي عصابة تنتميان؟

ظهرت الدهشة على وجه «هوفر» وكان مُمتلئًا قليلًا، قصيرًا بعض الشيء، له نظرات حادة وأنف معقوف … أما «براك» فقد كانت عيناه ضيِّقتَين، ولذلك فقد كان يُغلِقهما قليلًا، قصير هو الآخر، نحيل الجسم، أصلع الرأس تمامًا. قال «هوفر»: عصابة؟ نحن لا ننتمي إلى عصابةٍ ما!

أحمد: إذن تعملان وحدكما؟

فلم يرد «هوفر»، ونظر «براك» إلى الشياطين في هدوءٍ ثم هزَّ رأسه قائلًا: ما الذي تريدونه بالضبط؟

أحمد: العصابة التي تنتميان إليها.

براك: ولماذا تقول إنها عصابة؟

أحمد: وهؤلاء الذين كانوا معكم؟

براك: إننا مجموعة من الباحثين، جئنا نرصد تلك الظاهرة الغريبة التي جعلت أهل الجزيرة يهجرونها!

نظر «أحمد» قليلًا إلى «براك»، ثم قال: لماذا دخلتما معنا في صراع، وأطلقتما علينا الرصاص؟

براك: كنا نظن أنكم عصابة، جاءت تسرق.

قال «بو عمير» بعد لحظة صمت: ينبغي أن نرتاح قليلًا.

تقدم إلى الرجلين، ثم قيَّدَهما إلى الكراسي، وقال: إن «زبيدة» في المطبخ ما دامت قد تأخَّرت، فهي تُجهز لنا مشروبًا ساخنًا فهيا إليهما لاستجوابهما.

أخذ الشياطين طريقهم إلى حيث اختفت «زبيدة». كان النور مضاءً، ويُلقي شريحة من الضوء على صالةٍ واسعة. اتجه الشياطين إلى حيث الضوء، كانت «زبيدة» تُعد الشاي.

قال «باسم»: إنني جائع؟

أخذ يبحث في المطبخ المُتسع عن شيء، فوجد بعض علب البسكويت، حمل واحدة منها، ثم قدمها إلى الشياطين فجلسوا جميعًا يأكلون، ويشربون الشاي.

كان صوت المطر، يُحدث وقعًا رتيبًا فوق السقف الخشبي، مما جعلهم يشعرون بالبرد …

ابتسم «أحمد» وقال: هذان الرجلان في الخارج، هل يمكن أن تُجهزي لهما كوبَين من الشاي … يبدو أننا سوف نتحدَّث طويلًا، قبل أن نفعل شيئًا.

تقدمت «زبيدة» وبدأت تجهيز كوبَين من الشاي «لبراك» و«هوفر»، وانتهى الشياطين من شرب الشاي، فأخذوا طريقهم إلى الرجلَين، وكان الرجلان في نفس وضعهما.

تقدَّم «أحمد» وفك وثاقهما، في نفس الوقت الذي دخلت فيه «زبيدة» وقدَّمَت لهما الشاي.

قال «هوفر» وهو يأخذ كوب الشاي: إننا نشكركم على طيبتكم.

ابتسم «أحمد» وقال: إنها الآن، لها ثمن!

ضحك «هوفر» وقال: يُعجبني أنك رجل عملي!

قال «براك» وهو يأخذ رشفة شاي ساخنة: ما الذي تريدونه بالضبط؟

باسم: هل نعيد عليكما نفس الكلمات؟

بو عمير: أنتما الآن بلا سلاح، ونحن في جزيرة مهجورة. يمكن أن تختفيا دون أن يعرف أحد عنكما شيئًا!

أحمد: أو نُسلمكما للبوليس!

هز «براك» رأسه وقال: أنتم لن تقتلونا لأنكم طيبون.

جلس «أحمد» على أحد الكراسي، ثم قال: إننا نستطيع أن نعرف منكما كل ما نريده، فقط نحن لا نريد أن نستخدم العنف معكما.

نظر «براك» إلى «هوفر» الذي ابتسم ابتسامة خبيثة، ثم وضع فنجان الشاي أمامه فوق منضدة صغيرة ثم بحركة مفاجئة، ضرب المنضدة بقدَمِه، فطارت في الهواء، اندفع نحو «باسم» الذي تلقَّاه، ووقع معه على الأرض. في نفس اللحظة كان براك يقفز في الهواء، وهو يضرب «زبيدة» و«بو عمير» في وقتٍ واحد. تلقى «بو عمير» الضربة بحركةٍ مُضادة، جعلت براك يقع على الأرض، ثم قفز فوقه. كان «أحمد» في مكانه لا يتحرك. في لحظات، كان «براك» و«هوفر» يجلسان على الأرض، وقد وقف باقي الشياطين خلفهما. قال «أحمد» مُبتسمًا: أنتم لا تعرفوننا جيدًا. يبدو أن العنف هو أقصر الطرُق معكما.

قام من مكانه، ثم أخرج مسدسه وقال للشياطين: ابتعدوا قليلًا، إنني أعرف كيف آخذ معلوماتي.

ابتعد الشياطين قليلًا، ورفع «أحمد» مسدسه، ثم أطلق طلقة، أصابت طرف شعر «هوفر» … الذي ارتجف.

قال «أحمد»: أرأيت أنني أستطيع أن أخلع شعرك، واحدة واحدة، بالمسدس، هل تريد أن تتأكد؟

ابتسم «هوفر» ابتسامةً خائفة، ثم قال: إنك لن تستطيع أن تدفع ثمن شعر رأسي كله.

دار «أحمد» دورة كاملة حول نفسه، ثم أطلق طلقتَين متتاليتين، أصابت واحدة كتف «براك»، والثانية طرف شعر «هوفر» … ثم قال ﻟ «براك»: لا تخشَ شيئًا، لقد كنتُ فقط أُحكم النيشان على طرف الجاكت.

نظر الرجُلان إلى بعضهما، قال «أحمد»: ما رأيكما؟ ألا يجب أن نتفاهم؟

قال «براك»: أنتم لا تملكون القدرة على مقابلة العصابة.

أحمد: هذا عمَلُنا نحن! كيف نلتقي معها؟

وقف «هوفر» وهو يقول: إذن هيا بنا إليها.

قال «بو عمير»: هل هي في الجزيرة؟

هوفر: إنها في جزيرة أخرى.

هز «أحمد» رأسه مُبتسمًا، ثم قال: أعرف أنها في جزيرة «سردينيا».

نظر الرجلان إلى بعضهما في دهشة، وقال «براك»: كيف عرفت؟

أحمد: سوف أخبركما أمام العصابة.

قام «براك» هو الآخر، وتقدم «بو عمير» ثم أوثق «براك»، في نفس اللحظة التي أوثق فيها «باسم» «هوفر» … قال «أحمد»: اجلسا قليلًا. نحن في حاجة إلى الراحة. فجلس الرجلان، ونظر «أحمد» إلى «بو عمير»، فتقدم وشدَّ وثاقيهما إلى الكرسيين، وسار «أحمد» في المطبخ فتبعه الشياطين، وعندما التفُّوا حول مائدة الطعام قال «أحمد»: إنني أفكر في حبس «هوفر» و«براك» هنا.

«زبيدة»: أظن أننا لو أخذناهما نكون قد وفرنا على أنفسنا التفكير فيهما.

بو عمير: أعتقد أننا ينبغي أن نتخلص من أحدهما، ويكفينا الآخر، إنهما يعرفان شيئًا واحدًا، هو ما نريده.

كان «أحمد» يفكر، ومرت لحظات صامتة، ثم قالت «زبيدة»: ألا ترون أن المطر قد توقف.

قال «أحمد»: علينا أن ندبر أنفسنا. أعتقد أننا يجب أن نصحب أحدهما ونسجن الآخر، وسوف ننقسم إلى قسمين، «باسم» و«زبيدة» يظلان هنا على حراسة «براك»، أما «هوفر» فسوف نصحبه أنا و«بو عمير» إلى جزيرة «سردينيا»، وسوف نرسل رسالة إلى رقم «صفر» لإرسال «مصباح» و«خالد» إلى الجزيرة هناك.

زبيدة: لماذا؟

أحمد: إننا نضع أمامنا كل الاحتمالات، إن وجود أحدهما هنا ضمان لنا، حتى إذا حدث أي شيء يظل لدينا مصدر للمعلومات … سوف ندعي أمامهما أننا سنضع كلًّا منهما في حجرة بمفرده، ثم ننقسم لنُكمل مُهمتنا.

وعلى الفور بدأ تنفيذ الخطة، وخرج الشياطين إلى الرجلين، وقال «أحمد»: سوف نؤجل تفاهمنا إلى الغد، ولذلك فإننا سوف نضع كل واحدٍ منكما في حجرة بمفرده.

أخذ «باسم» «براك» إلى إحدى الحجرات، ثم أدخله وأحكم وثاقه في شبَّاك الحجرة، وخرج … في نفس الوقت كان «هوفر» يمشي وهو مُوثق اليدين خلف ظهره، أمام «بو عمير» في اتجاه الخروج.

رفع «أحمد» يدَه مودعًا، كان «بو عمير» و«هوفر» قد خرجا.

قال «أحمد»: أرسل الرسالة سريعًا حتى يمكن أن نلتقي ﺑ «خالد» و«مصباح» في الجزيرة. إنَّ لقاءنا سوف يكون عند خط طول ٥٣.

عندما خرج «أحمد» من البيت، كان «بو عمير» قد أجلس «هوفر» في المقعد الخلفي، وهو موثق، وجلس هو أمام عجلة القيادة. ركب «أحمد» فانطلقت السيارة في اتجاه البحر.

كان الجو هادئًا تمامًا، ولا أثر هناك للريح أو المطر، وكانت السيارة تنطلق بأقصى سرعةٍ في اتجاه البحر الذي ظهر من بعيد هادئًا تمامًا. قال «أحمد» دون أن ينظر إلى «هوفر»: متى تمطر السماء مرة أخرى؟

قال «هوفر» بما يُشبه السخرية: حسب الأوامر!

اقتربت السيارة من الشاطئ، وتوقف «بو عمير» قليلًا ثم بدأ يضغط بعض أزرار السيارة وهو يتقدم ببطءٍ من أحد الخلجان، ولم تمضِ لحظة حتى كانت مقدمة السيارة تلامس الماء لتأخذ طريقها إلى جزيرة «سردينيا» فهناك سوف يواجهون المغامرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤