الفصل العاشر

الشغل المسرحي

لا شيء يضفي الحيوية على المسرحية أكثر من حركات الشغل المناسبة التي تنفذ بمهارة.

(١) الشغل المتضمن في النص

تتطلب خطة المسرحية بعض الشغل؛ فمثلًا يجب على روميو أن يبارز تيبالت، وعلى جولييت أن تطعن نفسها. وقد تستدعي وسيلة تنفيذ هذا النوع من الشغل الكثير من التفكير، إلا أن الحاجة إليه لا تنقطع أبدًا.

(١-١) شغل عارض يتطلبه الفعل الدرامي business incidental to the action

يتحتم على روميو أن يستخدم سيفًا لكي يبارز تيبالت. وعندئذٍ قد يأخذ سلاح ميركوتيو، أو يشهر سلاحه هو، أو يستعير سلاحًا من صديق، أو يخطف آخر من عدو. فالمهم أن يكون لديه سلاح. ومعظم الشغل العارض الذي من هذا النوع يبدر من نفسه بصورة شبه آلية.

(١-٢) شغل تتطلبه الواقعية business for realism

تستلزمه عادةً عبارات الحوار أو الموقف؛ فمثلًا يستلزم مشهد الوليمة في مسرحية ماكبيث قدرًا معينًا من شغل الأكل والشرب. وكذلك مشاهد الإفطار في مسرحية «الحياة مع الوالد». وبعض هذا الشغل تشير إليه عبارات الحوار، مثل: «أعطِ مسز داي شيئًا من اللحم المقدد والبيض.» إلا أنه من الضروري إيجاد المزيد. ومثل هذا النوع من الشغل يتم عادةً دون إقحام. وبالرغم من أن النظارة يشعرون بغيابه إذا لم يمثل، فإن طبيعته الحقيقية لا تهم كثيرًا.

تحتاج الأساليب الواقعية إلى شغل غير ذي أهمية درامية، مثال ذلك:

الساقي: «أتريد أن أخلط لك بعض المارتيني الجاف، يا سيدي؟»

نيل: «هذا يسرني حقًّا؛ إذ أشعر بجفاف في حلقي، جفاف شديد. إنه لمن مهازل الحياة ألا يجد المرء ما يبل جفافه غير المارتيني الجاف (ثم يرشف المارتيني) آه! ما ألذه!»

ولا يسمح الحوار هنا بوقت لخلط الكوكتيل. ومع ذلك فلا يمكننا تعطيل المسرحية من أجل هذا الشغل الضروري غير الهام. وأمثال هذه المواقف صعب الحل، بيد أنه يمكن حلها ببعض من المقترحات الآتية:

  • (١)

    اسمح ببعض الوقت للشغل، وفي نفس الوقت خَفِّف من ملل طوله ببعض اللمسات. فمثلًا، قم بعملية خلط الكوكتيل كأنها عبادة، فبَرِّد إناء الخلط وكوب الكوكتيل، وحَرِّك المخلوط بلطف زائد، وضع الزيتون بعناية فائقة، واسحق شريحة الليمون عند حافة الكوب … إلخ. إن الممثل الكوميدي المحنَّك ليستطيع أن يفعل العجائب في مثل هذه المواقف. أما الهواة فيجدون فيها صعوبةً أي صعوبة.

  • (٢)

    ابدأ الشغل مبكرًا. ففي المثل السابق قد ندع الساقي يشرع في خلط الكوكتيل عند نقطة مبكرة، ثم تتغير عبارة الحوار لتصبح: «هل لك في بعض المارتيني الجاف، يا سيدي؟»

  • (٣)

    أجِّلْ نقطة الانتهاء من الشغل. ويكون ذلك إما بحذف عبارة «آه! ما ألذه!» أو باستعمالها فيما بعد.

  • (٤)

    احذف جميع التفاصيل غير الضرورية. وإذا لزم الأمر، فاحذف بعضها الضروري أيضًا. ولعل الحيلة المسرحية القديمة تبالغ في هذا الأمر إذ تكتفي في تحرير الخطابات بثلاث جرَّات بالقلم، ولكن مما لا شك فيه أن الحذف الدقيق عملي جدًّا.

  • (٥)

    حاول ضم الأشياء؛ فمثلًا: عندما يعد شخصٌ حقيبته، يصح أن يرفع الأقمصة كلها مرتبة فوق بعضها، ثم يضعها في الحقيبة مرة واحدة بدلًا من وضعها واحدًا واحدًا.

وليس من الضروري القيام بجميع بيانات الشغل التي يتضمنها الحوار. فكثيرًا ما يخطئ المؤلف إذ يبدأ المسرحية بعبارة مثل: «ألا تجلس؟» فإذا جلس المخاطَب أصبح تنوع التشكيلات مستحيلًا، اللهم إلا إذا ظهر دافع لنهوضه؛ ولذا عادةً ما يهمل المخاطب تلك العبارة ويستمر في الوقوف.

(١-٣) التلميح planting

كثيرًا ما يحتاج الأمر إلى التلميح للنظارة بفكرة قبل تنفيذها. فإذا ظهر خنجر جولييت لأول مرة في مشهد الجرعة المنومة، كان تأثيره مفاجئًا أو ربما مضحكًا. وقد تغلَّب شكسبير على ذلك بأن جعل جولييت تقول في مشهد سابق (المنظر الأول من الفصل الرابع) إنها تفضِّل أن تقتل نفسها ﺑ «ذلك الخنجر» على أن تتزوج من باريس. وإذا لم يذكر المؤلف عبارات تفيد في التلميح، فمن الممكن زرعها عن طريق الشغل، كأن تستل جولييت خنجرها وهي تفكر في الهرب من الزواج بباريس.

(١-٤) الشغل المفسر للحوار business explaining lines

كثيرًا ما يكون هناك نص في المسرحية لا يمكن فهمُ معناه إلا إذا صحبه شغل. ففي مشهد الجرعة المنومة بمسرحية روميو وجولييت (المنظر الثاني من الفصل الرابع)، تقول جولييت:

«وماذا تكون النتيجة لو فشلت هذه الجرعة ولم يكن لها أي أثر؟ أأتزوج في صباح الغد؟

كلَّا، لن يكون ذلك، فهذا يحول دونه. فلتبقَ إذَن في مكانك.»

فإذا اعتبرنا النص وحده، وجدنا أن السطر الأخير يشير إلى الجرعة، وهذا كلام فارغ. فالحقيقة أن جولييت تشير إلى الخنجر، وعلى ذلك يجب أن تخرج الخنجر ثم تضعه إلى جانبها.

وحتى إذا كان معنى العبارة واضحًا، فإن الشغل يردد صداه ويقويه؛ ولذلك يجب إعداد الشغل كما لو كان النظارة كلهم من الصم (تلك السيدة العجوز الصماء مرة أخرى).

(٢) الشغل الإضافي

الشغل الذي تستلزمه خطة المسرحية أو حوارها، حتى في المسرحيات الواقعية الحديثة، لا يزيد عن جزء بسيط مما يحتاج إليه «تحريك» المسرحية واطِّرادها. ومن هنا كان على المخرج والممثلين أن يبتكروا الشيء الكثير منه.

(٢-١) شغل التقديم business for exposition

يعبر الشغل عن كثير من الحقائق الخفية في المسرحية. وغالبًا ما يتم هذا دون عون من الحوار، فيجب تقديم بعض الشغل في مبدأ كل فصل، لتوضيح:

طبيعة المنظر

قد نقدم كتابة على الآلة الكاتبة في مكتب للعمل، أو طهوًا للطعام في مطبخ. وبطبيعة الحال، يبين الحوار والمنظر صفات المكان. ولكن يجب أن يضيف الشغل بيانها حتى لا تكون هناك فرصة لضياع أي نقطة، وحتى يكون الانطباع قويًّا بقدر المستطاع.

الوقت

قد تدل شخصية على الصباح بتسلم اللبن من البائع، وعلى الشتاء بالنفخ في اليدين … وهكذا.

الجو العام

يجب أن يوضح الشغل ما إذا كانت الشخصيات يسودها المرح أو الاكتئاب أو النشاط أو الخمول … إلخ.

العلاقات بين الشخصيات

هل يسود بينها الوئام، أو الخصام، أو عدم الاهتمام؟ وهل يسيطر أحدهم على الآخرين؟ وما أعمارهم ومراكزهم في المجتمع … إلخ؟

(٢-٢) الكشف عن الأفكار revelation of thought

كان الممثلون فيما مضى يقولون ما يفكرون فيه بصوت مرتفع. فإذا كان الممثل وحده على المسرح، سُميت هذه الأفكار «مناجاة soliloquies»، وكانت عبارتها في العادة طويلة. وإذا كان معه فوق المسرح أشخاص آخرون، كانت العبارة الدالة على تلك الأفكار قصيرة، وسُميت «خاطرًا asides». غير أن العصر الحديث هجر هذه الوسائل الفجة، وأصبح الممثلون يعبِّرون عما يدور بأفكارهم بالشغل … كان الممثل في المسرحيات العتيقة الطراز يلتفت إلى النظارة ويقول: «آه … لديَّ فكرة!» أما اليوم، فيُطرقع بأصابعه للدلالة على نفس الشيء.

وكثيرًا ما يعبر الشغل عن الدافع. فإذا سار شخص إلى المدفأة ووقف بجانبها، بدت الحركة بدون دافع. أما إذا سار إليها ووضع يديه أمام اللهب طلبًا للدفء، وضح سبب الحركة.

(٢-٣) شغل التأكيد business for emphasis

من الممكن استعمال أية حركة لتقوية عبارة ما. وإذا ضبط توقيت لمسات الشغل زادت في قوة التأكيد. فالشخص الذي يمسح منظاره، إذا رفعه فجأةً وعبس خلاله، كان عمله هذا أكثر تأكيدًا وأكثر إثارة للاهتمام مما لو وضعه على عينيه ومال برأسه إلى الخلف، وانتهى الأمر. والشغل الدرامي، كدفع سكين في نضد، شديد التأكيد، حتى ليميل إلى الميلودراما؛ ولذلك يجب استعماله بحذر.

fig36
شكل ١٠-١: «أخطار المدينة العظيمة»، المسرح الصغير بهاوستون، تكساس: من تصميم ثكلا لوكهارت: كانت الميلودراما العتيقة تتوخى نوعًا من الواقعية المنمقة غير المقنعة. فكانت تترك المسرح شبه عارٍ، وترسم التفاصيل على المنظر المعلق في المؤخرة. وكان التمثيل يتراوح بين الواقعية المبالغ فيها والمسرحية الصريحة. وكانت عناصر الدراما تعتصر من كل فقرة من فقرات الشغل. والممثل الأمامي في هذه الصورة استغرق أكثر من دقيقة كاملة ليموت. إن النظارة في العصر الحديث ليعتبرون هذا أمرًا مضحكًا، ولكنه كان يُعتبر منذ ستين سنةً خلت نموذجًا للدراما الحقيقية.

غالبًا ما يقوم الممثل بشغل لكي يلفت إليه الانتباه قبل أن يتكلم، ولا سيما إذا مضى عليه بعض الوقت وهو صامت. فقبل أن يدلي الممثل ﺑ «نقطة ذات توجيه» (وهي إلقاء عبارة هامة في خطة المسرحية لا ينبغي أن تفلت من النظارة) يتقدم لكي «يحتل المسرح» (بأن يلفت إليه الانتباه). والشغل وسيلةٌ فعالة لاحتلال المسرح. وأحيانًا يقوم الممثلون بشغلٍ ما لاحتلال المسرح دون استحقاق. فيجب على المخرجين أن يتنبهوا إلى هذا الأمر ويعملوا على منعه قبل حدوثه.

(٢-٤) شغل التدعيم business for enrichment

كثيرًا ما تبدو بعض المشاهد، أو المسرحية كلها، خاوية — ولا سيما المسرحيات «الكثيرة الحوار»، مهما كانت زاخرة بالعبارات الشائقة، كمسرحيات جورج برنارد شو؛ لذا يجب تدعيم مثل هذه المشاهد، أو المسرحيات، بلمسات الشغل. والكثير من هذه اللمسات يبدو ضئيلًا حتى ليمر دون أن يلحظه المتفرجون. ومن أمثلة ذلك أن تحمل سيدةٌ أشغالها وتستخدمها في التوجيه إلى بعض عبارات الحوار. وإن أمثال هذه التوافه غالبًا ما تُضفي على البقعة الممثلة رونقًا وبهاءً.

(٢-٥) شغل الشخصية business for characterization

الشغل المناسب عونٌ كبير في إظهار حيوية الشخصية. وينبغي إعداد شغل في وقت مبكر يتفق وشخصية كل فرد من أفراد المسرحية بحيث يجعل النظارة يعرفونه في الحال. ولطريقة عمل الشيء نفس الخواص المميزة كما للشيء نفسه. فمن يدخن سيجارة في مبسم طويل يختلف عمن يدخنها وهو يخفيها في يده.

(٢-٦) شغل الفكاهة comic business

يزيد الشغل الفكاهي في جزالة المسرحية بإضافة مزيد من الضحك إليها. ومهما غاليت في استخدام الشغل الفكاهي في المسرحيات الهازلة أو الضاحكة فلن تبلغ حد الإشباع، في حين أن وضعه في الدراما الكوميدية — حيث تدعو الحاجة إلى القيم الدرامية — خطأ فاحش. فلا تضع شغلًا فكاهيًّا قبل أن تسأل نفسك عما إذا كان وضعه يناسب المقام.

(٢-٧) ملء فترات الفراغ filling time gaps

يحدث أن تأتي فترات يكون المسرح في أثنائها خاليًا لمدة دقيقة أو دقيقتين. عندئذٍ يجب ملء ذلك الفراغ، بأن يأتي أحد الممثلين ويؤدي شغلًا بسيطًا يشغل الوقت ويملأ الفراغ.

(٣) توحيد الشغل

إذا صممت كل فقرة شغل على أساس فكرة خاصة بها وحدها، ضعفت وحدة المسرحية. ويمكن اجتناب هذا باستعمال كل قطعة ملحقات هامة لعدة فقرات شغل. فمثلًا في مسرحية «الزرنيخ والعجوز» يستعمل النبيذ المسمم وبوق تيدي والمقعد المجاور للنافذة والملحقات الهامة الأخرى عدة مرات. فكلما تكرر استعمالها غدت مألوفة للنظارة وزاد تأثيرها فيهم.

(٣-١) تجميع الشغل combining business

يبدو لأول وهلة أن محاولة التعبير بشغل واحد عن عدة أفكار في وقت واحد يربك النظارة، على حين أن الأمر ليس هكذا. فالشخص الذي ينهض من أمام مكتبه ويعبر المسرح ليدير مروحة كهربية، يقوم بشغل:

  • (١)

    يبين الدافع لعبوره.

  • (٢)

    يضيف لمسة واقعية.

  • (٣)

    يعطي معلومات عن الزمن وفي أي فصل هو (الصيف)، وعن الجو (حار)، وعن شعور الشخص (المعاناة من الحرارة).

  • (٤)

    ليلفت الانتباه إلى المروحة.

  • (٥)

    يوحي بأن الشخص سريع التأثر بالحر.

  • (٦)

    قد يكون كوميديًّا أو دراميًّا تبعًا للموقف المحيط به.

فكلما جمعت عدة قيم بهذه الطريقة، أصبحت المسرحية أجزل وأكثر حيوية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤