في عش النسر

عندما عاد الأصدقاء إلى منزل «عاطف» حيث اعتادوا أن يجتمعوا، قال «عاطف»: هناك شيءٌ هامٌّ نسيت أن أقوله لكم، إنني أعرف سكان المنزل رقم ٩٦ في شارع النيل، وهو المنزل المُجاور تمامًا للمنزل رقم ٩٨، الذي كان يسكن فيه «السبع» وزوجته.

قال «تختخ»: من أين تعرفهم؟

رد «عاطف»: إنه منزل «نور» صديقي وزميلي في المدرسة، وقد زرته في منزله فترة، ولم أتذكر كل هذا إلا ونحن في طريق عودتنا إلى البيت.

قالت نوسة: وبماذا يُفيدنا هذا؟

رد عاطف: سوف نحتاج لمراقبة «شحتة» وزوجته، فقد نصل عن طريقهما إلى مكان العصابة، ومن المُمكن عن طريق منزل صديقي «نور»، أن نراقب المكان دون أن يَشتبه فينا أحدٌ، أو نشتبك مع الشاويش «فرقع»!

تختخ: فعلًا هذه فكرةٌ مدهشة، إنكَ سهَّلتَ لنا مشكلة المراقبة يا «عاطف»، وأقترح أن تتصل بصديقك «نور» فورًا بالتليفون، فإذا كان موجودًا فنحن على استعدادٍ للذهاب إليه.

نوسة: أليس من الأفضل أن ننتظر غدًا، فقد تعبنا من ركوب الدراجة!

تختخ: بالعكس … فكل ساعة تضيع تبعد آثار العصابة عنا … أما إنكِ مُتعَبة فعليك البقاء هنا مع «مُحب» و«لوزة»، وسوف أذهب أنا و«عاطف» فقط!

واتصل «عاطف» بصديقه «نور» تليفونيًّا، وسأله ما إذا كان يُمكِن أن يزوره، فرحب «نور» بزيارة «عاطف».

وفي دقائق كان «تختخ» و«عاطف» يشقَّان طريقهما إلى الكورنيش مرةً أخرى، وكلٌّ منهما يُفكِّر كيف ينقل ﻟ «نور» رغبة الأصدقاء الخمسة في استخدام منزله، كمكانٍ لمراقبة فيلا السبع.

واستقبلهما «نور» على باب الحديقة، ودعاهما إلى تناول الشاي تحت شجرة كافور ضخمة عجوز، تمتدُّ أغصانها في كل اتجاه.

وبعد أن قدم «عاطف»، «تختخ» إلى «نور» جلس الثلاثة يتحدَّثون عن مسائلَ متعدِّدة، حتى قال «تختخ» ﻟ «نور» هل سمعت عن عصابة «السبع» التي كانت تسكُن في الفيلا المجاورة لكم.

قال «نور» طبعًا، وقد كانت مفاجأة قاسية للأسرة كلها؛ فقد كانت «ثريا» صديقة لوالدتي، ولم نكن نتصوَّر أن هذه السيدة الرقيقة الأنيقة، يُمكن أن تكون عضوًا في عصابة للسرقة.

تختخ: هل زارتكم «ثريا» وزوجها هنا؟

نور: نعم، فكما يعرف «عاطف»، فإن والدي من هُواة جمع التحف الفنية، وقد كان يتحدث مع «السبع» ساعات طويلة عن اللوحة الشهيرة في العالم، وقد سمعتهما يتحدثان عن اللوحة المسروقة بإعجابٍ شديد، ولم نكن نعرف طبعًا، أن هذه اللوحة التي سُرقت منذ شهورٍ طويلة، موجودة على بُعدِ أمتارٍ قليلة منا دون أن ندري.

تختخ: هل تظن يا «نور» أن اللوحة كانت عندهما وهما هنا؟

نور: أعتقد ذلك؛ فقد كان «السبع» يتحدَّث عن كل تفاصيلها مع أبي، وكأنه يراها كل يوم، حتى إن أبي أدهشه معرفتُه الواسعة بها.

تختخ: ومعنى هذا أنهما أخذاها معهما عندما هرَبا أمس!

وقبل أن يُجيب «نور» قال «عاطف» بانفعالٍ شديد: طبعًا … طبعًا … طبعًا … لقد شاهدت اللوحة معهما.

تختخ: شاهدت اللوحة؟

عاطف: بلا شك، فقد كان «السبع» يحمل ربطةً مربعة، مربوطة بعناية، وكان يحافظ عليها، حتى إن زوجته عندما وقعت على الأرض، انحنى عليها، وهو يُمسك بهذه الربطة!

تختخ: إذن كانت اللوحة أمامكم جميعًا؟ شيءٌ مدهش للغاية!

عاطف: من الذي كان يتصور أن هذا الرجل الأنيق، والسيدة الرقيقة يحملان معهما لوحةً مسروقة، هكذا أمام كل الناس … وأمام الشاويش «فرقع» أيضًا؟

تختخ: إنهما في غاية الجرأة، وقد فهمتُ الآن لماذا رفضا كتابة شكوى ضدنا في الشرطة؛ لأن هذا كان يُعرضهما للاحتكاك برجال الشرطة، وهو شيءٌ طبعًا يُريدان الابتعاد عنه قدر الإمكان.

وجاء الشاي والجاتوه، فأخذ الأصدقاء الثلاثة يَشربُون ويأكلون، وقد غرق كلٌّ منهم في تفكيرٍ عميق، وفجأة قال «تختخ»: إنني ألاحظ يا «نور» أن شجرة الكافور التي نَجلس تحتها، تمتد أفرعها في الحديقة المجاورة، وهذا يعني أننا إذا تسلَّقنا الشجرة، استطعنا أن نُراقب ما يحدث في الفيلا المُجاوِرة، والحديقة والكوخ الخشبي بدقة.

نور: هذا صحيحٌ؛ ولأنني من هواة الطيور، فكثيرًا ما تسلَّقتُ هذه الشجرة، وبقيت فوقها ساعات طويلة، أداعب الطيور الصغيرة في أعشاشها!

تختخ: وهل يُمكن أن تُساعدنا في مراقبة المكان؟

نور: مُمكن طبعًا … لقد سمعت كثيرًا عن مغامراتكم، والألغاز التي استطعتم حلَّها، وسباقكم مع الشاويش «فرقع» لحل الألغاز الغامضة، ويُسعدني جدًّا أن أشترك معكم في حل هذا اللغز.

ابتسم «تختخ» قائلًا: عظيم … إنك مسئولٌ من اليوم عن مراقبة الفيلا والحديقة والكشك، وتسجيل كل ما يحدث فيها، وكل كلمة أو صوت تسمعه، وعليك أن تُوافينا بتقريرٍ يومي عن مراقبتك.

خرج «تختخ» و«عاطف» للعودة إلى البيت، وعندما مرَّا أمام الفيلا رقم ٩٨، لاحظا أن رجال الشرطة قد قاموا بإغلاق كل الأبواب والنوافذ، ووضعوا ختم الشرطة على الباب الكبير، حتى لا يستطيع أحدٌ أن يفتحه دون علم الشرطة، في حين تركوا الباب الجانبي الصغير بدون أختام.

أما «نور» فقد كان فرحًا جدًّا؛ لأنه سيَشترك مع الأصدقاء الخمسة في حل أحد الألغاز، ولم يَكدِ الصديقان يُغادرانِه حتى أسرع يتسلَّق شجرة الكافور الضخمة، ويزحف على أحد أغصانها الطويلة الكثيفة الورق، وجلس يراقب الحديقة، ولم يَمضِ وقتٌ طويل حتى أحسَّ بالتعب من جلسته المرهقة، فقرَّر أن يَبني عشًّا كبيرًا من الأغصان والأخشاب، ويضع فيه «مخدة» مريحة للجلوس عليها، حتى يتمكَّن من البقاء أطول فترة مُمكِنة في مراقبة المكان.

وعندما نزل «نور» أعدَّ أول تقرير عن مشاهداته، ثم أخذ يجمع الأشياء التي سيستعملها في بناء العش، ولاحظت أخته الصغيرة «نورا» ما يفعل، فقالت: إنك مشغولٌ جدًّا يا «نور»، فماذا تفعل بكل هذه الأخشاب، والحبال والمسامير؟

رد نور: سوف أبني عشًّا كبيرًا!

نورا: لمن هذا العُش؟

نور: لنسرٍ كبير؛ لهذا سأُسمِّيه «عش النسر».

نورا: ولكن النسور لا تعيش فوق الأشجار، إنها تسكن قمم الجبال فقط.

نور: إنه نسرٌ من نوعٍ خاص، نسرٌ بلا أجنحة، نسرٌ لا يطير، ولكنه أكبر من كل نسرٍ في الدنيا.

وأسرع «نور» إلى تسلق الشجرة، واستعان بأخته الصغيرة «نورا» في حمل الأشياء التي سيأخذها معه، وأمضى اليوم كله يصنع العش، فلما أقبل المساء، كان قد انتهى من بناء «عش النسر»، واستعد تمامًا لبدء عمله الجديد، في حين كانت أخته الصغيرة في دهشةٍ من كل هذا الذي عمله أخوها.

وجلس «نور» في «عش النسر» يراقب، وكان أول ما شاهده من مكانه العالي أن للفيلا الكبيرة مَرسى للقوارب، يفصله عن الفيلا كورنيش النيل، فكتب ذلك في مذكرته، ثم شاهد «نظيمة» وهي تخرج من الكوخ الصغير الذي في طرف الحديقة، لتَجمع الغسيل، وكانت «نظيمة» تسعل باستمرار، فكتب «نور» ذلك في مذكرته، ثم لاحظ أن الكلبة «بوبيتا» كانت تتبع «نظيمة» في كل خطوةٍ تخطوها. برغم أن «نظيمة» كانت تُعامل «بوبيتا» بقسوة، وتطردها كلما اقتربت منها، فكانت الكلبة المسكينة تُطلق نباحًا حزينًا.

ومضى يومان على المراقبة دون أن يَحصُل «نور» على معلوماتٍ هامة أخرى.

وفي تلك الأثناء كان الأصدقاء يُتابعون ما ينشر في الجرائد عن «السبع»، وقد نشرت الجرائد أن السبع وزوجته كانا يعملان في التمثيل، ممَّا ساعدهما على إجادة التخفي في ملابسَ مختلفة، والتسمي بأسماءٍ مزوَّرة، والعيش في أماكنَ مختلفة دون أن يستطيع أحدٌ التعرف عليهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤