الغِنَاءُ في الإِسْلام

قال بعض المفسرين في تفسير قوله تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ: هو الصوت الحسَن.

وذكر بعضهم في قوله تعالى: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ يلتَذون بالسماع فيها. قال الأوزاعي وغيره: «إذا أخذ أهلُ الجنَّة في السَّماع لم تبقَ شجرة في الجنة إلَّا غنَّتْ.»

وورد في الخبر: «ليس في خلق الله تعالى أحسن صوتًا من إسرافيل، فإذا أخذ في الغناء قطع على أهل السموات صلاتهم وتسبيحهم.»

وقال رجل لرسول الله : حُبِّب إليَّ الصوت الحسن، فهل في الجنة صوت حسن؟ فقال الرسول الكريم: إي والذي نفسي بيده، إن الله تعالى ليوحي إلى شجرة في الجنة: أن أسمعي عبادي الذين اشتغلوا بعبادتي عن عزف البرابط والمزامير، فترفع صوتًا لم تسمع الخلائقُ مثله في تسبيح الرَّب وتقديسه.

وقال أعرابي: يا رسول الله، هل في الجنة من سماع؟ فقال — عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: نعم يا أعرابي، إنَّ في الجنة لنهرًا على حافَتيْه الأبْكار من كلِّ هيْفاء بيضاء خمْصانَة، فيتغنَّين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط، فلذلك هو أفضل نعيم أهل الجنة.

وفي الخبر: إنَّ في الجنة أشجارًا عليها أجراس من فضة، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله تعالى ريحًا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار، فتتحرَّك الأجراس التي عليها بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربًا.

وكان أبو يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة يحضر مجلس «الرشيد» وفيه الغناء، فيجعل مكان السرور بكاءً كأنه يتذكر نعيم الآخرة.

وقد تحنُّ القلوب والأرواح إلى حسن الصوت، حتى الطير والبهائم.

وقيل: النحل والإبل أطرب الحيوان إلى الغناء؛ لأنهما يجتمعان بصفير الغناء، قال أفلاطون: مَنْ حزِن واغتمَّ فليسمع الأصوات الحسنة؛ فإن النفس إذا حزنتْ خمدتْ نارها، فإذا سمعت ما يطربها ويسرُّها اشتعل منها ما خمد.

والصيادون يصيدون الفيل والغزال بالسماع وآلات الطرب؛ إذ الملاهي تلهيها عن رعيها فتسهو عن الرعي والهرب حتى تؤخذ وتُصاد، وكذلك السماكون يصطادون السمك بأصواتٍ شجيَّة، وكثير من الطيور تُصاد بالغناء لما فيه من الجذبة السارية الشاغلة.

واختلف العلماء قديمًا وحديثًا في الغناء؛ فأجازه عامة أهل الحجاز، وكرهه عامة أهل العراق، ولكلٍّ مقاصدُ ومحاملُ حسنةٌ، كاختلافهم في الأشعار، حَسَنُها حَسَنٌ وقبيحها قبيح، بحسب المقاصد والمجالس، وأهاليها من أرباب الأحوال وأهل الأهواء، كما ذكره الغزاليُّ والنوويُّ بتفصيله في كتبهما، كلٌّ وَفْقَ ما يُسِّر له، ولله في خلقه شئون.

وعن أبي هرَيْرَةَ رضي الله عنه: «لأهل الجنة سمَاع من شجرة أصلها من ذهب، وثمرها اللؤلؤ والزَّبَرجَدُ، يبعث الله ريحًا فتحرك بعضها بصوت ما سمِعَ أحد صوتًا أحسن منه.» ذكره الإمام الثعلبي في تفسيره.

وقال مالك بن دينار:١ بلغنا في الخبر أن الله تبارك وتعالى يقيم داود عليه السلام يوم القيامة عند ساق العرش فيقول: يا داود، مَجِّدْني اليوم بذلك الصوت الرخيم. وجاء في الخبر أن داود عليه السلام كان يخرج إلى صحراء بيت المقدس يومًا في الأسبوع ويجتمع الخلق؛ فيقرأ الزبور بالقراءة الرخيمة، وكانت له جاريتان موصوفتان بالقوة فكانتا تضبطان جسده خيفة أن تنخلع أوصاله مما كان ينتحب، وكانت الوحوش والطيور تجتمع لاستماع قراءته.

وقال لأبي موسى الأشعري لما أعجبه حسن صوته: «لقد أوتيتَ مِزمارًا من مزامير آل داود.»

وكان السلفُ يستمعون ويحضرون مجالس الغناء؛ قال رجل للحسن البصري رحمه الله: ما تقول في الغناء؟ فقال الحسن: نِعْم العون على طاعة الله، يصلُ الرجلُ به رَحِمَه، ويواسي به صديقه.

وقال أحد الشعراء يصف غناء غلامين:

ومغنيَين يقرِّبان لِذِي الهوَى
ما شئت في معنى الهوَى المتباعدِ
نطقا لنا بلطافةٍ وتوافق
فكأنما نطقا بصوتٍ واحد

(١) الغناء عند الفقهاء

وقد عقد مؤلف كتاب «غذاء الألباب» فصلًا عن الغناء وما يتعلق به من أحكام، قال: أما الإمام مالك بن أنس فإنه نهى عن الغناء وعن استماعه، وقال: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له أن يردَّها بالعيب، وسُئل مالك عما يرخِّص فيه أهل المدينة من الغناء، فقال: إنما يفعله عندنا الفسَّاق.

وأما الإمام أبو حنيفة النعمان، فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة: سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم، لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافًا بين أهل البصرة في المنع منه، قال الإمام ابن القيم في «إغاثة اللهفان»: مذهبُ أبي حنيفة في ذلك من أشدِّ المذاهب، وقوله فيه أغلظُ الأقوال، وقد صرَّح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلِّها، كالمزمار والدفِّ، حتى الضَرب بالقضيب، وصرَّحوا بأنه معصية توجب الفسقَ وتُرَدُّ به الشَّهادة، وقالوا: إن السماع فسقٌ والتَلذُّذ به كفرٌ، ويجب على المسلم أن يجتهد في ألَّا يسمعه إذا مرَّ به أو كان في جواره.

وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: الدار التي يُسْمع منها صوت المعازف والملاهي يجوز دخولها بغير إذنٍ؛ لأن النَّهيَ عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن؛ لامتنع الناس من إقامة الفروض.

أما الإمام الشافعي فقال في كتاب «أدب القضاء»: إن الغناء لهْوٌ مكروهٌ يُشبِه الباطلَ والمحالَ، من استكثر منه فهو سفيه تُردُّ شهادته، وصرَّح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه، وأنكروا من نسب إليه حِلَّهُ كالقاضي أبي الطيب الطبريِّ والشيخ أبي إسحاق وابن الصباغ، قال الشيخ أبو إسحاق في «االتنبيه»: الإجارة لا تصحُّ على منفعةٍ محرَّمة كالغناء والزَّمْر وحَمْل الخمر. ولم يذكر فيه خلافًا.

وأما مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فقد تقدمت الإشارة إليه، وقد أفتى في أيتام ورثوا جارية مُغنِّيَة فأرادوا بيعها، فقال: لا تُباع إلَّا على أنَّها ساذَجة، فقالوا: إذا بيعت مغنيةً ساوت عشرين ألفًا أو نحوها، وإذا بيعت ساذَجةً لا تساوي ألفين! فقال: لا تُباع إلَّا على أنَّها ساذجَةٌ. فلو كانت منفعةُ الغناء مباحةً لما فَوَّت هذا المالَ على الأيتام.

(٢) الخلفاء والغناء

وفي «الأغاني» (ج٨، ص١٤٩) أن الغناء العربي لم يكن معروفًا زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إلَّا ما كانت العرب تستعمله من الحداء ونحوه. قال: المنسوب إلى الخلفاء من الأغاني والملصَقُ بهم منها لا أصل لِجُلِّه ولا حقيقةَ لأكثرهِ، لا سيَّما ما حكاه ابن خرداذِبَّةَ فإنه بدأ بعمر بن الخطاب رضى الله عنه فذكر أنه تغنَّى بقول الشاعر: كأنَّ راكبَها غصنٌ بمَرْوَحَةٍ. ثمَّ والى بين جماعة من الخلفاء واحدًا بعد واحد، كأنَّ ذلك عنده ميراثٌ من مواريث الخلافة، أو ركنٌ من أركان الإمامة لا بد منه ولا معدَلَ عنه، يَخبِطُ خَبْط العَشْواء ويجمع جمْعَ حاطبِ اللَّيل، فأما عمرُ بن الخطاب فلو جاز هذا أن يُرْوَى عن كلِّ أحد لبَعُدَ عنه؛ وإنَّما رُوِيَ أنه تمثَّل بهذا البيت وقد ركب ناقةً فاستوطأها، لا أنَّه غنَّى به، ومَا كان الغناء العربي قد عُرف في زمانه إلَّا ما كانت العرب تستعمله من النصب والحُداء، وذلك جارٍ مَجْرَى الإنشاد إلَّا أنه يقع بتطريب وترجيع يسير، ورفْع للصَّوتِ، والذي صحَّ من ذلك عن رواة هذا الشأن فأنا ذاكر منه ما كان مُتْقَنَ الصَّنعة، لاحقًا بجيِّد الغناء قريبًا من صنعة الأوائل، وسالكًا مذاهبهم، لا ما كان ضعيفًا سخيفًا، وجامعٌ منه ما اتَّصل به خبرٌ له يستحسن، ويجْري مجْرى هذا الكتاب وما تضمَّنه، فأوَّل من رُويت له صنعةٌ منهم عمر بن عبد العزيز، فإنه ذُكر عنه أنَّه صنع في أيام إمارته على الحجاز سبعةَ ألحان، فيها كلها ذكر سعاد، فبعضها عَرفتُ الشاعرَ القائلَ له فذَكرت خَبره، وبعضها لم أعرف قائله فأتيتُ به كما وقع إليَّ، فإن مرَّ بي بعد وقتي هذا أثبتُّه في موضعه وشرحت من أخباره ما اتَّصل بي، وإن لم يقعْ لي ووقع إلى بعض من كتب هذا الكتاب، فمن أقلِّ الحقوق عليه أن يتكلَّف إثباته ولا يستثقل تجشُّم هذا القليل، فقد وصل إلى فوائدَ جمَّةٍ تجشَّمناها لهُ ولنظرائه في هذا الكتاب، فحظي بها من غير نَصَب ولا كدح، فإنَّ جمال ذلك موقر عليه إذا نسب إليه، وعيبه عنَّا ساقط مع اعتذارنا عنه إن شاء الله …

ومن الناس من ينكر أن تكون لعمر بن عبد العزيز هذه الصنعة، ويقول إنها أصوات محكمة العمل لا يقدر على مثلها إلا من طالت دُربته بالصنعة، وحذق الغناء ومهر فيه وتمكَّن منه، ولم يوجد عمر بن عبد العزيز في وقت من الأوقات، ولا حال من الحالات اشتهر بالغناء ولا عُرف به ولا بمعاشرة أهله، ولا جالس من ينقلُ ذلك عنه ويؤديه، وإنما هو شيء تحسَّن المغنون نسبته إليه، ورُوِيَ من غير وجه خلاف ذلك، وإثبات لصنعته إياها، وهو أصح القولين لأن الذين أنكروا ذلك لم يأتوا بحجة أكثر من هذا الظن والدعوَى، ومخالفوهم قد أيدتهم أخبار رُويت …

وذكر النويري في «نهاية الأرب» (ج٥، ص٢٢٠) بعض من غنى من الخلفاء وأبنائهم، أو نُسبت لهم أصوات من الغناء ونُقلت عنهم، وذكر ما أورده أبو الفرج الأصفهاني في كتابه المترجم بالأغاني ونسبته أصواتًا لجماعة منهم عمر بن عبد العزيز، ثم قال: ومنهم من أنكر ذلك، ولعل ما نقل عنه كان منه قبل الخلافة، وكان رحمه الله من أحسن الناس صوتًا، فكان مما نُسب إليه من الغناء:

علِق القلبُ سُعادا
عادتِ القلبَ فعادا
كلما عُوتِبَ فيها
أو نُهي عنها تمادَى
وهو مشغوف بسعْدى
وعصَى فيها وزادَا

ومما نُسب إليه من الغناء ما قيل إنه غناه من شعر «جرير»:

قفا يا صاحِبيَّ نَزُرْ سُعادا
لِوَشْكِ فِراقِها ودَعا البعادَا
لَعَمْرك إنَّ نفعَ سُعادَ عني
لمَصروفٌ ونفْعي عن سُعَادا
إلى الفاروق يَنْتَسبُ ابنُ ليْلَى
ومَرْوان الَّذي رفعَ العِمَادا

ومن ذلك ما قيل إنه غنَّاه من شعر الأشهب بن رُميْلة:

ألا يا دين قلبكَ مِن سُليْمى
كما قد دينَ قلبُكَ مِن سُعَادا
هما سَبَتا الفؤادَ وهاجَتاهُ
ولم يُدْرِكْ بذلكَ ما أرادا
قفا نعرفْ منازلَ مِنْ سُليمى
دوارسَ بَينَ حَوملَ أوْ عُرَادا
ذَكرتُ لها الشَّبابَ وآل ليْلى
فلم يزدِ الشبابُ بها مزادا
فإن تشِب الذَّوائبُ أمَّ عمرْو
فقد لاقَيت أيامًا شِدادَا

وممن غنى من خلفاء الدولة العباسية، ممن دونت له صنعته؛ الواثق بالله أبو جعفر هارون بن المعتصم بالله بن الرشيد.

حكى أبو الفرج الأصفهاني بسند رفعه إلى «إسحاق بن إبراهيم الموصلي» قال: دخلت يومًا دار الواثق بالله بغير إذن إلى موضع أمر أن أدخله إذا كان جالسًا، فسمعت صوت عود من بيت، وترنمًا لم أسمع أحسن منه، فأطلع خادم رأسه ثم رده وصاح بي، فدخلت وإذا أنا بالواثق بالله، فقال: أي شيء سمعت؟ فقلت: الطلاق — كاملًا — لازم لي، وكل مملوك لي حر إن لم أكن قد سمعت ما لم أسمع مثله قط حُسنًا!

فضحك وقال: وما هو؟ إنما هذه فضلة أدب، وعلم مدحه الأوائل واشتهاه أصحاب رسول الله ، والتابعون بعدهم، وكَثُر في حرم الله عز وجل ومُهاجَر رسول الله ، أتحب أن تسمعه؟

قلت: إي والله الذي شرفني بخطابك وجميل رأيك، فقال: يا غلام، هات العود وأعطِ إسحاق رطلًا، فدفع الرَّطل إليَّ وضرب وغنى في شعر لأبي العتاهية بلحن صنعه فيه:

أضحتْ قبورهمُ من بعدِ عزَّتِهمْ
تَسْفِي عليها الصَّبا والحَرْجَفُ الشمل
لا يدفعُونَ هوامًا عنْ وجوههمُ
كأنهم خشبٌ بِالقاعُ منجدلُ

فشربت الرطل ثم قمت فدعوت له، فاحتبسني وقال: أتشتهي أن تسمعه بالله؟ فقلت: إي والله، فغنَّانِيه ثانيةً وثالثةً، وصاح ببعض خدمه وقال: احمل إلى إسحاق الساعة ثلاثمائة ألف درهم، ثم قال لي: يا إسحاق، قد سَمعتَ ثلاثة أصوات، وشربتَ ثلاثة أرطال، وأخذتَ ثلاثمائة ألف درهم، فانصرف إلى أهلك مسرورًا ليسرُّوا معك، فانصرفت بالمال.

وقال أبو الفرج بسنده إلى «عريب المأمونية» قالت: صنع الواثق بالله مائة صوت، ما فيها صوت ساقط، ولقد صنع فيَّ هذا الشعر:

هل تعلمينَ وراءَ الحبِّ منزلةً
تُدْني إليك فإن الحبَّ أقصانِي
هذا كتابُ فتًى طالتْ بليَّتُهُ
يقولُ يا مشتكَى بَثِّي وأحزاني

قال: وكان الواثق بالله إذا أراد أن يعرض صناعته على إسحاق نسبها إلى غيره فقال: وقع إلينا صوتٌ قديمُ من بعض العجائز؛ فاسمعه، وأمر مَن يُغنِّيه إياه، وكان إسحاق يأخذ نفسه بقول الحقِّ في ذلك أشدَّ أخد، فإن كان جيدًا رضيه واستحسنه، وإن كان فاسدًا أو مطرحًا أو متوسطًا، ذكر ما فيه، فإن كان للواثق فيه هوى سأله «تقويمه» وإصلاحَ فاسده وإلا طرحه.

وقال إسحاق بن إبراهيم: كان «الواثق» أعلم الناس بالغناء، وبلغتْ صنعته مائةَ صوت، وكان أحذقَ من غنَّى بِضرب العود، ثم ذكر أغانيه.

وذكر أبو الفرج الأصفهاني منها أصواتًا، منها:

ولم أرَ ليلى غيرَ موقفِ ليلةٍ
بِخيفِ مِنًى ترمي جمارَ المحصَّب
ويُبدي الحصَى منها إذا حذفت به
من البردِ أطرافَ البنان المخضَّبِ
ألَا إنما غادرت يا أمَّ مالك
صدًى أينما تذهب بِه الريح يذهب
وأصبحتُ مِن ليلى الغداة كناظرٍ
مع الصبح في أعجازٍ نجمٍ مُغربَ

وروى أبو الفرج الأصفهاني عن جعفر بن سليمان الهاشمي قال: حدثنا إبراهيم بن المهدي قال: دخلت يومًا على «الرشيد» وبي فضلة خُمار، وبين يديه ابن جامع وإبراهيم الموصلي فقال: بحياتي يا إبراهيم غَنِّ؛ فأخذتُ العود ولم ألتفت إليهما لما في رأسي من الفضلة فغنيت:

أسري لخالدة الخيالُ ولا أرَى
شيئًا ألذَّ من الخيال الطارقِ
إن البليَّةَ مَن يُمل حَدِيثه
فانقع فؤادك من حديث الوامق
أهواكِ فوق هوَى النفوسِ ولم يزل
مذ بنتِ قلبي كالجناحِ الخافقِ
شوقًا إليك ولم تجاز موَدتي
ليس المكذَّب كالحبيبِ الصادقِ

فسمعت إبراهيم يقول لابن جامع: لو طلب هذا بهذا الغناء ما نطلب لما أكلنا خبزًا أبدًا، فقال ابن جامع: صدقت، فلما فرغتُ من غنائي وضعتُ العود ثم قلت: خذا في حقكما وَدَعا باطلنا …

١  مالك بن دينار أحد معلمي الغناء بالمدينة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤