رحلة … في الأعماق!

في حذر، ألقى «أحمد» نظرةً على الطائرة، التي اختلط فيها كلُّ شيء، ووقعَت عيناه في نهايتها، وقرب كابينة الطائرة، على الرجل الغامض، كان يصوِّب مسدسه إلى سقف الطائرة في الوقت الذي وقف فيه رجال أمن الطائرة، يتبادلون نظراتٍ لها معنًى. نظر «أحمد» إليهم، وظل نظرُه مركزًا عليهم. فجأة، نظر أحدهم في اتجاهه، أشار «أحمد» إشاراتٍ سريعة فَهِمها رجل الأمن، فهزَّ رأسه بالموافقة، في نفس الوقت، ضغطَ «أحمد» زرَّ جهاز الإرسال وأرسل إلى الشياطين. صرخ الرجل الغامض قائلًا: افتحوا باب الطائرة، وإلا نسفتُها.

فكَّر «أحمد» بسرعة: كيف يمكن اصطياد الرجل الغامض، دون أن يُصيبَ أحد الركاب، أو يُصيب الطائرة ذاتها.

صرخ الرجل الغامض مرة أخرى: إن لم تفتحوا باب الطائرة، فسوف أقضي على أحد الركاب.

علَت الصيحات بين المسافرين. فجأة، وصلَت رسالة إلى «أحمد» من الشياطين، فهمها ثم أخفى ابتسامته في هدوء، اختفى عند حاجز بوفيه الطائرة، ثم أخرج مسدسه، ثبَّت فيه إبرة مخدرة سريعة التأثير، خرج في حذرٍ من خلف الحاجز، في نفس اللحظة، التفت الرجل الغامض موجِّهًا كلامَه إلى الكابتن «كريم» الذي نفَّذ خطة الشياطين والتي نقلها إليه «أحمد»، كان «كريم» يقول للرجل: لقد فهمت الموقف خطأً، إن المسألة هي كتابة تعهُّد يعفينا من مسئولية سفرك معنا.

وعندما التفت الرجل، وكانت هذه فرصة أطلق «أحمد» الإبرة المخدرة التي انطلقَت دون أن يستطيع أحدٌ رؤيتها، وأصابَت الرجلَ الغامض في رقبته، ثم رفع الرجل يدَه يتحسَّس مكان الإبرة المخدرة، وفي لحظة كان يستند إلى أحد المقاعد، وقد ظهرَت عليه الرغبة في النوم، في نفس الوقت كان الكابتن «كريم» قد قفز ناحيته، وطوَّقه بذراعيه، لكن الرجل لم يُبدِ أيَّ مقاومة، فكان قد استغرق في النوم. اندفع رجال الأمن إليه، بينما وقف «أحمد» يبتسم، ثم رفع يدَه محيِّيًا الكابتن، وهو يقول: أتمنى لكم رحلة موفقة!

وفي لمح البصر كان ينزل خارج الطائرة، التي رفعَت سُلَّمَها الخلفي، ثم تحرَّكَت في سرعة. أخبر «أحمد» الشياطين بما حدث، وأخذوا طريقَهم خارج المكان بينما كان جنود الحراسة ينظرون إليهم مبتسمين، على مسافة قريبة كانت هناك سيارة بيضاء اللون، عليها علامة عبارة عن سمكة قرش صغيرة. ابتسم «خالد» وهو يقول: إنها علامة مناسبة؛ فسوف نُلقي أسماك القرش كثيرًا في أعماق المحيط!

لقد فَهِم الشياطين أن السيارة كانت في انتظارهم. بسرعة تقدموا إليها، وما إن فتح «قيس» الباب حتى تردَّد صوتُ رنين داخلها. نظر إلى «أحمد» ثم ابتسم هامسًا: يبدو أنها مكالمة سريعة لنا.

قفزوا داخل السيارة، وعندما أغلق بابها، جاء صوت يقول: مرحبًا بكم.

ابتسم الشياطين؛ فقد عرفوا أنه عميل رقم «صفر». قال العميل: فندق السمكة في انتظاركم، وكل شيء جاهز إن أردتم التحرك اليوم.

ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه السيارة، ثم قال: سوف نتحرك عندما يهبط الظلام.

قال العميل: إذن مرحبًا بكم!

ثم اختفى الصوت، نظر «أحمد» إلى الشياطين، وقال: إنَّ تحركَنا في الليل سوف يكون مناسبًا تمامًا، وأعتقد أننا نستطيع تحديدَ وقتِ وصولنا إلى الهدف، والزمن الذي نستغرقه.

ثم أضاف بعد لحظة: إن ذلك يحتاج إلى أن نعرف إمكانيات ما تحت أيدينا.

كان «قيس» قد تحرَّك بالسيارة، وانطلق تبعًا للبوصلة التي حدَّدَت لهم اتجاهَ الفندق.

قال «عثمان»: لا بد أن نتحدث إلى العميل حتى نعرف.

ضغط «أحمد» زرَّ التابلوه، فجاء صوت العميل يسأل: هل هناك شيء؟

قال «أحمد»: هل نجد بيانات عن الاستعدادات الموجودة؟

ردَّ العميل: في تابلوه السيارة، على اليمين، يوجد زرٌّ أحمر، إنه زرُّ الذاكرة، وتستطيع منه أن تعرف ما تريد، عندما تضغط عليه.

ابتسم «أحمد» وهو يشكره، ثم ضغط الزرَّ الأحمر الذي أمامه، فلمعَت شاشةٌ صغيرة، ثم جاء صوت يقول: ماذا تريد؟

قال «أحمد»: نريد بيانات عن الأجهزة والمعدات والأسلحة التي سوف نستخدمها.

مرَّت لحظة، ثم ظهرَت المعلومات مكتوبةً على الشاشة الصغيرة. أخذ الشياطين يتابعون البيانات، التي زوَّدَتهم بكل ما يريدون معرفته. وعندما انتهَت، جاء الصوت يسأل: هل تريدون بيانات أخرى؟

ابتسم «أحمد»، وهو يقول: شكرًا.

ثم ضغط الزرَّ الأحمر مرة أخرى، فأظلمت الشاشة. نظر في ساعة يده، ثم ضغط زرًّا فيها، وقال: أمامنا ساعتان فقط حتى نبدأ رحلتنا.

وبسرعة أخرج خريطة صغيرة، ثم بدأ يحدِّد المكان، المسافة، ثم قال: بسرعة اللنش الغوَّاص سوف يحتاج إلى ثلاث ساعات فقط، عندما ينطلق بأقصى سرعته، ودون أن يُعطلَنا شيء.

قال «فهد» بسرعة: إذن، نحن نحتاج إلى الراحة هذا الوقت؛ فالعمل أمامنا طويل.

ضحك «قيس» وهو يقول: إن النوم في أعماق المحيط سوف يكون أكثر متعة!

كانت السيارة قد وصلَت إلى فندق «السمكة». توقَّف «فهد» في مكان انتظار السيارات، ثم أخذوا طريقَهم إلى داخل الفندق. كان الفندق متوسطَ الحجم، أنيقًا في بساطته، لكنه كان مزدحمًا تمامًا. قال «عثمان» وهو يدور بعينَيه في الصالة المزدحمة: إن الناس هنا من كلِّ لونٍ … ومَن يدري، وربما يكون أفراد العصابة بينهم!

بسرعةٍ كانوا قد حصلوا على مفاتيح الغُرَف، فاتجهوا إليها، وهمس «أحمد»: سوف نغادر المكان بعد ساعتين بالضبط، حتى نكون في أمان.

مرَّت الساعتان، والشياطين في حالة نوم عميق؛ فهم لا يعرفون جيدًا كيف يستغلون الوقت عندما يستعدون لمغامرة جديدة. وعندما فتح «أحمد» عينَيه، كان التليفون قريبًا منه يرنُّ. وعندما رفع السماعة، جاء صوت «خالد» يقول: نحن جاهزون؛ فالشياطين دائمًا …

ضحك «أحمد» وهو يُكمل العبارة: جاهزون!

عندما تحرَّكَت السيارة في طريقها إلى الشاطئ القريب، كانت هناك علامة ضوئية تلمع تحت الضوء، كانت عبارة عن سمكة قرش صغيرة، ثم نقطة، ابتسم «قيس» وهو يُعلِّق: إنه المكان، سمكة القرش ونقطة، وتعني رقم «صفر»!

كان الليل هادئًا تمامًا يُوحي بالغموض نتيجة الظلام الكثيف.

قال «خالد»: إنه ليل مناسب تمامًا.

توقَّفت السيارة. نزل «أحمد» واقترب من الشاطئ، وحسب التعليمات التي قدَّمَتها ذاكرة السيارة، أخرج جهاز الأشعة الدقيق، ثم وجَّهَه إلى الماء، وضغط زرَّ الجهاز. انطلق شعاع غير منظور، وسقط في الماء، بعد لحظات، طفا على السطح «لنش» صغير، يتَّسع لخمسة ركاب فقط، ما إن استقر على سطح الماء، حتى فُتح باب فيه، بسرعةٍ، غادر الشياطين السيارة، لكن صوتًا … أوقفهم، لقد كان صوت عميل رقم «صفر» يقول: أرجو لكم التوفيق!

وسوف تعود السيارة لانتظاركم بعد تأدية مهمتكم.

أسرعوا إلى اللنش، وقفزوا فيه، كان هناك ضوءٌ خافت جدًّا، هو الذي يكشف عن وجوده. عندما استقروا فيه، ضغط «خالد» زرًّا خلف باب اللنش مباشرةً، فانغلق الباب، ثم في هدوء، بدأ اللنش يبتعد وحده. إن غلق الباب يعني غلقَ الدائرة الكهربائية فيه، فينطلق. كان «أحمد» يعرف كلَّ تفاصيل اللنش … عمله … وسرعته … وكيف تتم المناورة به، وكيف يصعد أو يهبط … ولذلك جلس أمام التابلوه المزوَّد بالأزرار، ثم ضغط الزر رقم «١»، فتوقَّف اللنش فجأة، ثم بدأ يغوص في الماء. عندما وصل إلى القاع، توقَّف مرة أخرى، لحظة … ثم بدأ يندفع في سرعة كبيرة. كان يبدو كصاروخ مائي، وفي حين كانت أعماق المحيط مظلمة تمامًا، إلا أن الضوء الصادر عن اللنش كان يُضيء ما حوله، أخذ الشياطين يراقبون ما في الأعماق من أسماك، وحشائش، لكن ذلك كان يختفي بسرعة نظرًا للسرعة الفائقة للنش.

قال «عثمان»: إنها رحلة مائية ممتعة، لكن السرعة لا تُعطينا فرصة كافية للاستمتاع أكثر بما في الماء من غرائب وعجائب.

أضاف «فهد»: عندما ننتهي من مهمتنا نستطيع أن نُعيدَ متعةَ الرحلة مرة أخرى!

ابتسم «خالد» وقال: هذا إذا كانت هناك فرصة!

فجأة، ظهرَت سمكةُ قرش ضخمة، اقتربَت من الضوء في اندفاعة قوية، ثم بدأت في سباق على اللنش، كان السباق مثيرًا، حتى إن الشياطين ظلوا يتابعونه في سعادة.

قال «قيس»: ها نحن نستمتع بالرحلة، وفي اتجاه الهدف في نفس الوقت!

ظل السباق مستمرًّا أكثر من ساعة، دون أن تقترب سمكة القرش من اللنش، أو تحاول مهاجمته، لكنها فجأة، وكأنها غيَّرَت رأيَها؛ فقد توقَّفَت فاختفَت مباشرةً لسرعة اللنش.

قال «عثمان»: هذا يكفي، إنني في حاجة إلى النوم.

وبسرعة تمدَّد على المقعد، فقال «قيس» مبتسمًا: إنني مقتنعٌ بوجهة نظرك!

ثم تمدَّد هو الآخر، وفعل «خالد» و«فهد» نفسَ الشيء، وبقيَ «أحمد»، كان يشعر أنه فعلًا في حاجة إلى الراحة، الصراع سوف يكون في عمق الماء، وليس على سطح الأرض؛ ولذلك سوف يكون صراعًا رهيبًا. ألقى نظرةً على تابلوه اللنش، ثم بدأ يضغط بعضَ الأزرار والمؤشرات، ثم قال لنفسه في النهاية: الآن يمكن أن أنام؛ فاللنش سوف يُعطي إنذارًا عندما يحدث شيء، أو عندما يَصِل إلى نقطة الهدف.

تمطَّى ثم قام من مكانه، في نفس الوقت الذي كان فيه اللنش لا يزال مندفعًا في سرعته الصاروخية، تمدَّد هو الآخر فوق أحد المقاعد، وفي لحظات، كان قد استغرق في النوم. إن الصراع القادم صراعٌ رهيب، ويحتاج إلى هذه الراحة فعلًا. مرَّت ساعة، والشياطين نائمون في عمق الماء، واللنش لا يزال يسير في سرعته، لكن فجأة، حدث ما لم يكن يخطر لهم على بالٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤