فجأة … ظهرَت الرسالة الزرقاء!

اهتز اللنش بعنفٍ، حتى إنهم سقطوا من فوق المقاعد، تشبَّثوا بأركان اللنش، وهم ينظرون لبعضهم، وقال «خالد»: ماذا حدث؟!

أسرع «قيس» وأزاح غطاء النافذة، ونظر إلى الماء، كان الظلام كثيفًا، بالرغم من أن الضوء كان ينبعث من داخل اللنش، متسلِّلًا من النوافذ الزجاجية الخاصة. فجأة، وقعَت عيناه على منظر فريد … حوت ضخم يحاول أن يضرب جانب اللنش في عنف، لكن سرعة اللنش لم تكن تُعطيه فرصةَ التأثير، ثم قال: إن حوتًا ضخمًا يحاول أن يفتك بنا.

سأل «أحمد» وهو ينظر هو الآخر من النافذة: مَن أدراك أنه حوت، لعلها سمكة قرش ضخمة!

قال «قيس»: لا أظن، فهو ضخم جدًّا، يكاد يكون ضِعف حجم اللنش!

مرَّت لحظة، كانت المطاردة ما زالت مستمرة، قال «أحمد»: سوف نرى.

أسرع إلى تابلوه اللنش، جرَت عيناه فوق التعليمات المكتوبة، ثم ضغط زرًّا، وهو يقول: الآن سوف نعرف أي نوع هو.

انطلقَت نافورة من اللون الأحمر، لها رائحةُ الدم، فاصطبغ الماءُ باللون الأحمر، وقال «أحمد»: إن طبيعة سمك القرش أنه ينجذب إلى رائحة الدم ولونه، وهذا سوف يكشف لنا طبيعة السمكة التي تُطاردنا!

فجأة، اهتز اللنش مرة أخرى بعنف، فأوقف «أحمد» النافورة، ثم قال: يجب أن نتخلص من هذا الوحش المائي، وإلا فتك بنا.

جلس إلى عجلة القيادة، وظل مندفعًا، والسمكة المتوحشة تُطارده، لكنه فجأة، أوقف اللنش، فظلَّت السمكة في اندفاعها، وبسرعة، كان يطفو إلى مستوى آخر في عمق المحيط، ثم انطلق من جديد، ظل الشياطين في حالة ترقُّب وخوف من ظهور السمكة مرة أخرى، لكن مرَّت نصف ساعة، ولم يظهر لها وجود. تنهَّد «عثمان» وقال: إنها سمكة غريبة، نحن حتى الآن لم نحدِّد نوعها تمامًا.

قال «خالد»: إن أعماق المحيط مملوءة بالكثير، لعلها نوعٌ جديد لم يعرفه أحد بعد. مَن يدري!

فجأة اهتز اللنش من جديد بعنفٍ، فهتف «قيس»: يبدو أنها عادَت لمطاردتنا من جديد!

أوقف «أحمد» اللنش، وهو يقول: لا بأس، علينا أن نقضيَ عليها، لقد ترددتُ في البداية، لكن لا مفرَّ الآن، خصوصًا وأنها يمكن أن تعطِّلَنا.

ضغط بأصبعه عددًا من لمبات الإضاءة، انعكسَت ألوانها على الماء، ثم همس: سوف نلاعبها قليلًا، حتى نتمكن منها، ثم نقضي عليها. فجأةً، ظهرَت السمكة الضخمة خلف اللنش، فقال «فهد»: إنها الآن في وضع مناسب.

ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه اللنش، فانطلق عدد من الأسهم في اتجاه السمكة، ولم تمضِ لحظات، حتى كان الماء قد اصطبغ باللون الأحمر، فعرف الشياطين أن السهام قد أصابَتها، وأنها في طريقها إلى النهاية، تنفَّس «أحمد» بعمق وهو يقول: إنها مطاردة غريبة!

انطلق اللنش من جديد في سرعته القصوى، في نفس الوقت الذي كان ينزل إلى الأعماق. كان الوقتُ يمرُّ سريعًا، وكان الشياطين يخشَون ضياع الفرصة. نظر «أحمد» في ساعة اللنش، فعرف أن الوقت لا يزال في صالحهم، وأن المطاردة الرهيبة لم تُضِع وقتًا طويلًا.

قال «فهد»: ينبغي أن نعرف إن كان أحدٌ قد وصل قبلنا.

قال «أحمد»: فورًا سوف نعرف. ضغط زرًّا في التابلوه، فانطلقت أشعةٌ غير مرئية في طريقها إلى حيث غَرِقت الطائرة، وبعد لحظات كانت قد ارتدَّت لتسجِّل على شاشة صغيرة ما يُفيد أن هناك بعضَ الأجسام البشرية. قال «أحمد»: لقد وصلوا، لكننا لا نعرف مَن هم بالضبط.

فجأة قال «خالد»: هل تظن أن «جان بوكر» لا يزال في الطائرة؟

ردَّ «قيس» بسرعة: هناك احتمالان؛ إما أنه فقد الحياة ولا يزال في الطائرة الغارقة، وإما أنه استطاع أن ينجوَ ما دام يُجيد الغطس والسباحة.

قال «فهد»: إذن، فلنناقش الاحتمالَين.

سكت لحظة، غير أن أحدًا لم ينطق، فبدأ هو المناقشة: إذا كان قد غَرِق مع الطائرة، فهناك احتمالان أيضًا؛ إما أنه يحتفظ بالخريطة في ثيابه، وإما أنه خبَّأها في مكانٍ ما من جسم الطائرة. وإذا كان قد استطاع الإفلات، فهناك احتمال واحد فقط، أن يكون لا يزال في الجزيرة، بوصفها أقرب الأرض إليه.

نظر «فهد» إلى «أحمد» الذي قال: إنني أتفق تمامًا مع ما تقوله. لكن! ثم صمتَ لحظة، أضاف بعدها: إذا كان قد وصل إلى الجزيرة، فأظن أنه لن يحتفظ بالخريطة، خوفًا من أن تقع في أيدي العصابة، في هذه الحالة، يمكن أن يكون قد خبَّأها في مكانٍ ما.

قال «قيس»: هذا جائز أيضًا، على كلٍّ إن الاحتمالاتِ كثيرةٌ، وهي واضحة أمامنا الآن، مع ذلك فإني أقترح … ثم توقَّف عن الكلام لحظةً، فنظر إليه الشياطين، فقال: أقترح أن نقوم بتصوير الطائرة من شتَّى الاتجاهات، وهناك كاميرات سرية في باطن اللنش، تستطيع أن تُصوِّرَ أيَّ شيء. إن الصور يمكن أن تُفيدَنا في تقدير الموقف.

قال «خالد»: سوف نحتاج الصور لبعض الوقت، في التحميض والطبع، إننا ينبغي أن نصوِّرَها بطريقة الفيديو، فالكاميرات السرية سوف تنقل إلينا الطائرة، في نفس الوقت الذي يتم تسجيل الطائرة على شريط الفيديو الذي يمكن أن نعود إليه إذا احتاج الأمر.

ثم نظر «خالد» إلى «عثمان» وهو يبتسم، وقال: إن «عثمان» أحد خبراء الفيديو في مجموعة الشياطين.

ابتسم «عثمان» وأضاف «أحمد» قائلًا: هيا أيها العزيز «عثمان»، جهِّز كاميراتك وأجهزتك، فلم يَعُد أمامنا وقتٌ طويل حتى نَصِل إلى الهدف.

تحرَّك «عثمان» بسرعة إلى حيث غرفة الفيديو، وصَحِبه «فهد»؛ فهو من الممتازين في هذا الفن، بينما بقيَ «قيس» و«خالد» مع «أحمد». تساءل «خالد»: هل تتوقعان صراعًا عنيفًا داخل الطائرة؟

ردَّ «أحمد» بسرعة: بالتأكيد، فهي مسألة حياة أو موت بالنسبة للعصابة، بجوار أنها مسألة تهمُّ الزعيم، وتهمُّنا؛ فصراعنا دائمًا مع عصابة «سادة العالم».

مرَّت دقائق صامتة كان كلُّ واحد من الشياطين يفكر في الساعات القادمة، وهل من الممكن أن يَصِلوا إلى هناك بعد فوات الوقت، أو … هل تكون العصابة قد استطاعَت القبض على «جان بوكر» وحصلَت على الخريطة الهامة؟ عشرات الأسئلة كانت تدور في أذهانهم. جاء صوت «عثمان» يقول: الكاميرات جاهزة للتصوير.

ثم ظهر خلفه «فهد» الذي يقول: إن دورة واحدة باللنش فوق الطائرة يمكن أن تُسهل مهمتنا تمامًا؛ فسوف يستعين «عثمان» بالأشعة، حتى يظهر داخل الطائرة، فنرى كلَّ شيء.

مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: هذه خطوة جيدة، وهي يمكن أن تُسهِّل مهمتنا فعلًا.

فجأة سجَّلت الشاشة إشارة تعني أن الطائرة قد أصبحَت في متناولهم تمامًا. أسرع «عثمان» إلى غرفة التصوير ومعه «فهد»، بينما كان «أحمد» أمام عجلة القيادة. أما «قيس» و«خالد» فكانا أمام شاشة التليفزيون. بعد قليل أبطأ «أحمد» من سرعة اللنش؛ فقد بدأَت تظهر على الشاشة كتلٌ سوداء. قال «خالد»: لا بد أن هذه الكُتل تمثِّل الأجسام البشرية.

فجأة، أخذ اللنش يصعد قليلًا، وكان هذا يعني أن الأجهزة قد سجَّلت اقترابَه من الطائرة. فجأة، مرة أخرى، ظهرَت أجزاء الطائرة على الشاشة، فقال «قيس»: لقد بدأت أجهزة التصوير عملَها.

كان يبدو عددٌ من رجال الضفادع البشرية فوق جسم الطائرة، كانوا متشابهين جميعًا، سجَّلت العدسات باطن الطائرة، كانت المقاعد خالية تمامًا، ولم تكن هناك إلا بعض حقائب صغيرة.

قال «أحمد»: يبدو أن الركاب قد أُنقِذوا، ولم يغرق أحد!

ردَّ «قيس»: إذا كان ذلك صحيحًا، فإنه يكون عملًا عظيمًا!

فجأة، قال «أحمد»: إن الأشعة يمكن أن تكشف لنا مكان الرسالة، إذا كانت موجودة فخاتم الرسالة يظهر تحت الضوء فقط، وهذه مسألة لا يعرفها أحدٌ غيرنا، و«جان بوكر»!

ثم أضاف بسرعة قائلًا ﻟ «قيس»: اذهب إلى «عثمان»، واطلب منه أن يمسح جسمَ الطائرةِ كلَّه، والمقاعد والدواليب المعلقة، وكابينة الطائرة، وأن يكون حذرًا عندما يظهر الخاتم الأزرق.

أسرع «قيس» بالتنفيذ، وبقيَ «خالد» مع «أحمد». قال «خالد»: هذه فرصتنا في كشف مكان الرسالة.

قال «أحمد»: هذا إذا كان «جان بوكر» قد تركها في مكان ما في الطائرة.

ساد اللنش نوعٌ من الصمت، ولم يكن يُسمَع أيُّ صوت. كانت الصور فقط تتوالى على الشاشة التليفزيونية الصغيرة. فجأة، ظهر غواص داخل الطائرة يحمل أنابيب الأوكسيجين خلف ظهره، وهو يسبح داخل الطائرة، ويبحث عن شيء ما. قال «خالد»: يبدو أنه أحد أفراد العصابة؛ فالطائرة خالية من الركاب، فعمَّ يبحث؟

ظهر آخرُ مثله، وثالث، كانوا يتحسَّسون مقاعد الطائرة بأجهزة صغيرة في أيديهم.

قال «أحمد» وهو يُتابعهم على الشاشة: المهمُّ أن يظهرَ الخاتم الأزرق تحت الأشعة.

ظل اللنش يتقدم ببطءٍ، حتى انتهَت الطائرة. أخذ «عثمان» يقول: لا بد أن ندور حولها مرة أخرى، لا تزال بعض الجوانب لم نصوِّرها بعد.

عاد «أحمد» باللنش مرة أخرى من فوق الطائرة الغارقة، التي كانت تبدو كحيوان خرافي ممدَّدًا على الأرض. فجأة، قال «أحمد»: الدرجة الثانية، لقد كان «جان بوكر» يجلس في مقاعد الدرجة الثانية!

بسرعةٍ اتَّجَه إلى الجزء الأوسط من جسم الطائرة، ثم أبطأَ من سرعة اللنش تمامًا. مرَّ بعضُ الوقت. فجأة، صاح «أحمد»: هنا!

ثم أوقف اللنش، في نفس اللحظة التي ظهر فيها أحد الغواصين وهو يقترب من نفس النقطة التي جعلَت «أحمد» يصيح: لقد ظهر الخاتم الأزرق تحت الأشعة، في نفس اللحظة، جاء صوت «عثمان» يقول لقد ظهر الخاتم، لقد تحدَّد مكان الرسالة.

وكانت هذه هي الخطوة الأخيرة في مغامرة الرسالة الزرقاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤