اللقاء مع رأس الأفعى

دخلت السيارة إلى منطقة جبلية، الجبال فيها ترتفع في كل مكان، وبينها شريط ضيق، لا يتسع لمرور سيارة واحدة، حتى إن «أحمد» فكَّر: إذا جاءت سيارة في الطريق المعاكس، فكيف يمكن أن تمر؟!

وجاءته الإجابة سريعة، فقد قال «باولو» في هدوء: أظن أنك تفكِّر في السيارات القادمة بعكس الاتجاه!

ثم ابتسم وأضاف: إن المرور هنا، يخضع لنظام خاص، ولا يمكن أن تتقابل سيارتان أبدًا في هذا الطريق.

ثم نظر إلى «أحمد» وسأل: عزيزي «بورو» منذ متى وأنت تعزف الجيتار؟

ابتسم «أحمد» وقال: منذ عشر سنوات!

قال «باولو»: هذا يعني أنك تعزف منذ كنت صغيرًا، فأنت ما زلت في بداية الشباب!

رد «أحمد» وهو يبتسم: هذا صحيح غير أني أعشق الجيتار جدًّا.

نظر له «باولو» ثم قال: إن طريقتك في العزف رائعة، ولكن متى ظهرت فرقة «ستانا جروب»؟!

قال «أحمد» مبتسمًا: منذ أربع سنوات.

مرَّت أربع دقائق، كانت فيها السيارة تمرق بين جبلَين، ولا يكاد يظهر أي شيء آخَر.

فجأة سأل «باولو»: بماذا تحلم يا عزيزي «بورو»؟

برغم أن «أحمد» فهم ماذا يعني «باولو» إلا أنه لم يرد على السؤال مباشرة، فقد رد هو الآخَر بسؤال: ماذا تقصد يا سيدي؟

ضحك «باولو» ضحكة ناعمة وقال: أقصد بماذا تحلم للمستقبل؟

ابتسم «أحمد» وقال: لعلَّني أحلم بما حقَّقه فريق الخنافس في إنجلترا، أحلم بأن تصبح «ستانا جروب» فرقة عالمية، وأن يكون لها دور في تقديم فن الشباب!

مرَّت لحظة قبل أن يقول «باولو»: لقد حدَّثتك عن السينما والتليفزيون، هل تحلم بهما، أنت وفرقتك؟

قال «أحمد» بحماس مُصطنع: بالتأكيد يا سيدي!

نظر له «باولو» نظرة سريعة ثم قال وقد نظر أمامه: هل تعرف أن ذلك طريق صعب؟

ابتسم «أحمد» وقال: أعرف يا سيدي، لكني أظن أنني سوف أجد عندك مساعدة كبيرة، إن الشياطين — أقصد «ستانا جروب» — يعلقون أحلامًا كثيرة عليك.

هزَّ «باولو» رأسه. ثم نظر إلى «أحمد» وهو يقول: قد يكلِّفنا ذلك بعض الجهد، فهل أنتم على استعداد لذلك.

فهم «أحمد» أن «باولو» قد بدأ يدخل به إلى قلب الحكاية كلها، فقال بحماس: بالتأكيد، ونحن مستعدون لأي شيء مهما كان!

ضحك «باولو» في حين تجاوب «أحمد» معه بابتسامة حقيقية، فقد شعر أنه يقترب من الهدف.

قال «باولو»: أي شيء؟!

رد «أحمد» بحماس: أي شيء؟!

ثم أضاف بسرعة: إن المستقبل — واسمح لي يا سيدي أن أتحدَّث كشابٍّ صغير — إن المستقبل يحتاج إلى مساندة، ونحن وحدنا لن نستطيع عمل شيء، وأن تكون «ستانا جروب» فرقة عالمية، ولها أعمال في السينما والتليفزيون، إن ذلك يستحق أن نبذل من أجل هذه الأعمال أي شيء!

ابتسم «باولو» وهو يقول: سوف نرى!

فجأة، كانت هناك بوابة حديدية، ضغط «باولو» زرًّا في تابلوه السيارة، فانفتحت البوابة، ألقى نظرة سريعة على «أحمد» الذي أبدى دهشته، ابتسم «باولو» وقال: سوف ترى الكثير!

ثم أضاف بعد لحظة: وربما تكون واحدًا ممَّن يتمتعون بهذا العالم الخفي!

فرح «أحمد» فرحًا شديدًا. فها هو الآن يقترب من هذا العالم الذي كان مجهولًا، إن الأمور تنكشف أمامه لحظة بعد أخرى فكَّر: يبدو أن الزعيم كان محقًّا عندما أعدَّ هذه الخطة التي تظهر خطوة بعد خطوة.

استمرَّت السيارة في طريقها حتى توقفت في ساحة واسعة، لا يظهر حولها شيء، نظر له «باولو» ثم ابتسم. مرَّت لحظة قبل أن يقول: تستطيع النزول الآن!

فكر «أحمد» بسرعة: إن هذه طريقة جديدة للاختبار، ولا بد أن يكون مستعدًّا.

ضغط «باولو» زرًّا في تابلوه السيارة، فانفتح الباب، نزل «أحمد» في هدوء، كان حذرًا جدًّا … فقد توقَّع حدوث شيء. فجأةً، وكأن السماء قد انفتحت عن عملاق ضخم، كان طائرًا في الهواء متجهًا ناحيته، في لَمْح البصر، كان قد قفز من مكانه، فنزل العملاق على الأرض، لكنه في سرعة خاطفة، طار ناحية «أحمد» وهو يسدِّد له ضربة مستقيمة في وجهه، إلا أن «أحمد» الذي كان مستعدًّا، تلقَّى الضربة ببراعةٍ، ثمَّ طار في الهواء، وضرب العملاق بقدمه ضربة عنيفة، جعلت العملاق ينحني، فعاجله بضربة مزدوجة جعلته يهتز، إلا أن العملاق استطاع أن يسترد توازنه، وأن يدور حول نفسه في سرعة غريبة، في نفس الوقت الذي خرجت يده في ضربة قوية تجاه «أحمد» فتفادها بذكاء، وإن كانت قد لامسته، فشعر بالألم، صرخ «أحمد» صرخة عالية، وهو يطير في الهواء، حتى إنه وصل إلى أعلى من رأس العملاق، ثم ضربه فترنَّح العملاق، وقبل أن يفيق من قسوة الضربة، كان «أحمد» قد عاجله بمجموعة من الضربات المتلاحقة، جعلت العملاق يزأر، في نفس اللحظة، رنَّت طلقة رصاص في الفضاء، جعلت «أحمد» ينبطح أرضًا بسرعة وعيناه تمسح المكان، كان العملاق قد توقف وهو يمسك رأسه بيدَيه، فقد أتعبته ضربات «أحمد» المتلاحقة. نظر إلى السيارة، فرأى «باولو» يقف عند مقدمتها وهو يصفِّق، ثم قال: أنت بالفعل نجم السينما القادم!

كانت كلمات «باولو» غريبة على سمع «أحمد»، لكنه أدرك بسرعة أن ما فكر فيه جاء صحيحًا … وأنه فقط يمر باختبار حقيقي.

قال «باولو» ضاحكًا: هيا يا عزيزي «بورو»، لقد أثبَتَّ أنك الرجل الذي نبحث عنه!

قفز «أحمد» قفزة رشيقة، فوقف. اقترب منه «باولو» ثم قال: أنت جاهز دائمًا!

ابتسم «أحمد» وهو يردِّد: «ستانا جروب» دائمًا على استعداد!

ظهرت ابتسامة عريضة على وجه «باولو» ثم قال: إذَن هيا، لقد أثبَتَّ أنك جدير بلقاء السيد «فريدي»!

تقدَّم «أحمد» مبتعدًا عن السيارة، إلا أن «باولو» ضحك قائلًا: إلى أين هيا إلى السيارة!

فكر «بسرعة»: إنني فعلًا في عالم غريب رهيب، لكن ذلك على كل حالٍ، ما نريده!

ركب السيارة، وركب «باولو» وعندما أغلقت أبوابها، انفتحت الأرض، ثم بدأت السيارة تغوص فيها. أبدى «أحمد» دهشته فقال «باولو»: سوف تشاهد ما يدهشك أكثر!

ظلَّت السيارة تهبط، ولم يكُن يظهر سوى حائط صخري في الجانب المقابل لنافذة السيارة، بعد دقائق ظهر ضوء قوي، واستقرَّت السيارة على الأرض، وامتلأت نفس «أحمد» بالدهشة، فقد رأى عالَمًا بأكمله؛ ناس، وشوارع، ومحلات، مدينة كاملة تبدو أمامه. أدار «باولو» موتور السيارة، وانطلق.

كان «أحمد» ينظر في زجاج السيارة الأمامي، وقد شعر أن رأسه يدور، فلم يكُن يتصوَّر أن يصل إلى هذا العالم المجهول الغريب، لم ينطق «باولو» بكلمة، فقد ترك «أحمد» واقعًا تحت تأثير هذا العالم المثير، ظلَّت السيارة في طريقها، حتى دخلت إلى مكان مُظلِم قليلًا، توقَّفت، ثم انفتح الباب وقال «باولو»: هيا بنا!

غادر «باولو» السيارة، وتعمد «أحمد» أن يتباطأ قليلًا، اتَّجه إليه «باولو» قائلًا: هل تشعر بالتعب؟ قال «أحمد»: بعض ضيق التنفُّس!

ابتسم «باولو» وقال: سوف تعتاد ذلك بعد قليل!

تقدم الاثنان إلى باب مُغلَق، وما إنْ وقفا أمامه حتى انفتح الباب من تلقاء نفسه وإذا به مصعد، فكر «أحمد»: هل نصعد مرة أخرى؟ لكن الباب عندما أغلق، لم يرتفع المصعد، بل انطلق، وكأنه قاطرة، مرَّت دقائق و«أحمد» يحاول أن يسيطر على مشاعره؛ فجأة توقفت الحجرة الحديدية، وفُتح الباب، فإذا به أمام مكتب متسع فاخر، يغمره الضوء فكأنه النهار، دخل «باولو» فتبعه «أحمد» وعندما توسَّطا المكان، فُتح باب آخَر، تقدم إليه «باولو» فتقدم «أحمد» وقبل أن يخطو خطوة واحدة، جاءه صوت يقول: أهلًا بالصديق «بورو»!

عندما دخل «أحمد» وقعت عيناه على قزم ضئيل الحجم، حتى إنه كاد يفقد اتزانه أمام المنظر، كان يجلس خلف مكتب ضخم وفوق كرسي مرتفع، وتبدو رأسه، وكأنها أكبر من حجمه كثيرًا، لكنه مع ذلك حاول أن يُخفي مشاعره وأن يكون عاديًّا.

قال: أهلًا يا سيدي!

قال «باولو»: صباح الخير يا سيد «فريدي»!

عرف «أحمد» أن هذا هو رأس الأفعى، وأنه هو الذي يدير شبكة الاغتيالات.

جاء صوت «فريدي» الرفيع تمامًا يرد: صباح الخير يا «باولو»!

ثم قال بسرعة: لقد شاهدت المعركة التي دارت بين «بورو» والفيل … لقد كانت معركة جيدة!

صمت لحظة ثم قال: اجلس يا «بورو».

جلس «أحمد»، فجلس «باولو» وقال «فريدي»: أنت شاب محظوظ، فأنا لا يعرفني كثيرون، ومن الصعب أن يراني أي أحد. لكن …

ثم صمت لحظة، وأضاف: إن العرض الذي تقدمونه في «إيطاليانا» أعجبني، ومسابقة صيد الحمام لفتت نظري، خصوصًا وأنك تستخدم الأسلحة بطريقة مميزة!

كان «أحمد» يستمع، وهو مشدوه، فكيف رآه «فريدي» يوم المسابقة في الضيعة، وكيف شاهد «ستانا جروب» في الملهى. لكنه كان متماسكًا حتى لا يظهر عليه شيء. وكان يدَّعي الخجل، حتى يبدو طبيعيًّا.

قال «فريدي»: يبدو أنك شاب مميز، ويبدو أن فرقتك كذلك؛ ولهذا، فإنني أريد أن أستفيد من وجودكم.

ردَّ «أحمد» مبتسمًا: إن ذلك يسعدنا كثيرًا يا سيدي!

مرَّت لحظة، ثم جاء صوت «فريدي» الرفيع: سأوقع معكم عقد احتكار لكن …

ثم صمت قليلًا. وأضاف: هناك مرحلة يجب أن تمر بها أولًا، حتى تصبح الفرقة ملكًا لي!

وكانت هذه الجملة الأخيرة، هي التي ظلَّ «أحمد» في انتظارها، إنها تعني أنه يقترب من الخطة النهائية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤