قنبلة تحت البراق!

وتنفيذًا لما طلبَته «إلهام» … توقَّف «عثمان» على جانب الطريق، ونزل تحت السيارة وكأنه يبحث عن سببِ عطلٍ ألمَّ بها.

أما «أحمد» و«إلهام» فقد وقفَا بعيدًا عنه، يُشيران لسيارات التاكسي الشحيحة في هذا الشارع، وكأنهما في عجلة من أمرهما، ولا يستطيعان الانتظار حتى الانتهاء من إصلاحها.

وبالفعل، أوقفَا تاكسيًا، واستقلَّاه لمسافة صغيرة … ثم نزلَا منه في أحد الشوارع الجانبية. وعاد إلى «عثمان» سيرًا على الأقدام … فرأياه من بعيد وهو يقاوم رجلَين مفتولَي العضلات، يحاولان جرَّه إلى سيارتهما.

وبإشارة خفية من «أحمد»، استسلم «عثمان» لهما، وهو يمثِّل أنه يقاوم.

فوضعاه في السيارة بجوار قائدها، وجلس خلفه في الكنبة الخلفية الرجل الآخر شاهرًا سلاحه، ملصقًا فوهتَه في رأسه … وجلس مائلًا عليه … وكأنهما صديقان يتحادثان.

وانطلقَت السيارة في اندفاع شديد … وعندما مرَّ بجوار البراق … ألقى أحدهما بقنبلة حتى صارَت تحتهما تمامًا.

ولاحظ «أحمد» ذلك، فجرى وخلفه «إلهام»، فألقيَا نفسَيهما في السيارة … وانطلقَا بها كالصاروخ.

وعلى بُعد أكثر من خمسمائة متر منها … سمعَا دويَّ انفجار شديد … أعقبه ازدحامٌ لأصوات سارينة أكثر من سيارة شرطة تُهرول إلى المكان.

وعند نفق الجيزة، اضطربَت أعصابُه، لما رآه من تكدُّس للسيارات غير عادي. ولمح في مقدمة هذه السيارات، سيارة شرطة تسدُّ الطريق وكثير من الضباط والجنود، يفحصون السيارات وركابها وأوراقهم.

فغادر السيارة مسرعًا، وجرى إليهم، حيث أطلعهم على بطاقته الأمنية، وشرح لهم ما حدث.

فسمحوا له باختراقِ حشدِ السيارات، وصعود الكوبري.

وبمجرد أن هبط «أحمد» من الجهة الأخرى … وضع الإشارة الضوئية على سقف السيارة، وأطلق سارينة التحذير، وأطلق للسيارة العنان … والسيارات في كل الشوارع التي يدخلها تسير على الجانب الأيسر، لمجرد سماعها السارينة.

فلزم هو جهة اليمين، وانطلق في أثر «عثمان»، الذي أدار جهاز توليد الإشارات بالضغط على كعب الحذاء، دون أن يلاحظَه أحدٌ من مختطفيه … فسهل على «أحمد» تتبُّعه عن طريق جهاز اقتفاء الإشارة.

فعلى شاشة الكمبيوتر، شاهد طريقًا متعرجًا وعليه نقطة حمراء، تتحرك بصعوبة وسط تزاحم العديد من النقاط السوداء.

وأعلى يمين الشاشة، شاهد شعارَ قيادة المنظمة يُومض ويختفي، فضغط زرًّا وتلقَّى اتصالًا من رقم «صفر» يقول له فيه: أين أنت الآن يا «أحمد»؟

أحمد: أنا في طريقي للمطار.

إلهام: و«عثمان» قد اختطف بإرادتنا.

رقم «صفر»: الهدف؟

أحمد: نعم … ونحن في أثره.

رقم «صفر»: لقد سمعت عن انفجار في شارع الهرم؟!

أحمد: كانت سياراتنا البراق هي المقصودة.

رقم «صفر»: إذن، فقد بدأت المواجهة؟

أحمد: نعم.

رقم «صفر»: ولكني علمت بأن مجهولًا اتصل بالسلطات الأمنية، وأخبرها بأن الطائرة البوينج ٤٤٤ عليها قنبلة زمنية، وتوقيتُ انفجارها هو نفس ميعاد هبوط الطائرة في مطار القاهرة.

أحمد: وهل هو أقرب مطار لهم يا فندم؟

رقم «صفر»: الآن … نعم.

أحمد: أتمنى أن يكون بلاغًا كاذبًا.

رقم «صفر»: وأنا كذلك. خذوا حذركم … سأداوم الاتصال بكم … إلى اللقاء.

وفي أثناء اتصال رقم «صفر»، كانت عينَا «إلهام» على شاشة المتابعة الخلفية … تُراقب سيارة «لاندروفر» تُتابعهم منذ فترة. وعندما فرغ «أحمد» من اتصاله، قالت له: الفراشات كثرت.

أحمد: أين؟

إلهام: خلفنا.

أحمد: بهذا لن نستطيع السيطرة على الموقف!

إلهام: ماذا ترى؟

أحمد: الآن … ليس هناك وقتٌ للقبض عليهم.

إلهام: إذن، فلنتخلص منهم.

أحمد: فلنبدأ.

وفي أقرب شارع جانبي، انحرف بسرعة جنونية … ومن خلفه اللاندروفر وقد جنَّ جنونها، وأخذَت تتخبط في السيارات الواقفة على الجانبَين. وعند آخر الشارع … كان عدد كبير من أصحاب السيارات وحرَّاس الجراجات يقفون في طريقهم يمنعونهم من المرور.

غير أنهم لم يتوقفوا، بل زوَّدوا من سرعتهم … فصدموا بعضهم … وانطلقوا غير عابئين إلا بالقبض على «أحمد» و«إلهام».

وبمجرد أن خرجوا من الشارع الجانبي وانحرفوا يسارًا إلى الشارع الرئيسي، انطلقَت في أثرهم البراق … التي كانت تنتظرهم عند أول الشارع.

وبجوار فندق «شيراتون» … وعند مدخل نفق الجلاء، لاحظ ركاب «اللاندروفر» أن «أحمد» خلفهما … وقبل أن يحاولَا التصرف، كانت رصاصة سرية انطلقَت من مسدس مزوَّد بكاتم الصوت تخترق جدار العجلة الأمامية … فانفجرَت وتطوحَت السيارة يمينًا وشمالًا.

وقبل أن تستقرَّ كانت رصاصة أخرى تخترق جدارَ العجلة الأخرى الأمامية، وعلَا صوتُ انفجارها … أعقبه صوتُ اصطدام مقدمة السيارة بجسم النفق، ثم تدحرجَت وانقلبَت، وأخذ البنزين والزيت يتساقط منها.

ولم يُكمل «أحمد» المسير في النفق، بل صَعِد الرصيف واستدار عائدًا في الاتجاه المضاد … حتى آخر النفق، ثم استدار دورة أخرى واسعة، وانطلق مارًّا بكوبري الجلاء مخترقًا شارع النيل، في اتجاه كوبري أكتوبر.

ومن كوبري أكتوبر إلى المطار … عبَر كثيرًا من الشوارع … التي دلَّه عليها الكمبيوتر.

وعندما أصبح بجوار صالة الوصول … طلب من «إلهام» الاستعلام عن ميعاد وصول الطائرة البوينج ٤٤٤ القادمة من ألمانيا.

فعرفَت أنها ستصل في ميعادها في الواحدة ظهرًا، فقال لها «أحمد»: الساعة الآن الحادية عشرة، ولا زال أمامنا وقتٌ طويل.

إلهام: إذن، علينا بالتحري عن مكان وجود «عثمان» الآن؟

وبإدارة جهاز التتبُّع … سمعَا صوتَ الإشارة الدالة على مكان «عثمان» قويًّا جدًّا.

فقالت ﻟ «أحمد»: إن «عثمان» في إحدى هذه السيارات.

أحمد: أنكون الآن على مرمى بصره؟

فتلفتَت «إلهام» حولها في حذر، وما لم تتوقعه حدث … فقد كانت السيارة تقف ملاصقةً لسيارتهم … و«عثمان» يجلس على الكنبة الخلفية ينظر مبتسمًا ﻟ «إلهام» … التي دفعَت «أحمد» في كتفه، وأشارَت له على مكان وجوده.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤