الهروب إلى طابا!

كانت سيارات الشرطة تملأ المكان … وتمنع دخول السيارات الخاصة والتاكسي من دخول جراج صالات الوصول … واستعانَت بدلًا منها بأتوبيسات خاصة ببعض شركات السياحة.

وقد استبقَتها واقفة بجوار أرصفة بعيدة بمسافة آمنة عن مبنى المطار.

ودون أن يلاحظ أحد … فتح أحدُهم البابَ الخلفي للبراق … وتسرَّب إلى الكنبة الخلفية، فجلس وأخرج مسدسه.

ولم تكتشفه «إلهام» إلا عندما ألصق المسدس في ظهرها، وهو يقول بلغة عربية ركيكة: شكرًا للرب، لا نريد أكثر من ذلك.

أحمد: أترى أننا هدية ثمينة؟

الرجل: بل أنتم مكافأة الرب على تعبنا.

إلهام: الآن فقط تأكدتُ أننا لا نضيع منك؟

الرجل: هذا المسدس مزوَّد بكاتم للصوت … ومن يريد أن يجربه فعليه أن يتصرف بحماقة.

أحمد: وأين زميلنا؟

الرجل: بجواركم.

إلهام: وماذا ستفعلون بنا؟

الرجل: بعد اختطاف العالمين سنهرب بكم عبر منفذ «طابا».

أحمد: ويكون العالمان قد حصلَا على مقابل اتفاقنا معهم.

الرجل: بالضبط، فنحصل عليهم وعلى الأموال.

أحمد: وتعطلون عملية إنقاذ البحر الأحمر؟

الرجل: بل سنوقفها تمامًا.

أحمد: أشكرك على هذه المعلومات القيمة.

الرجل: سيارتك ملغمة يا صديقي، وأستطيع أن أفجرَها بالتحكم عن بُعدٍ يَصِل إلى مائتي متر.

شعر «أحمد» بالقلق؛ فالمكان مزدحم بالسيارات التي لم يسمح لها بالاقتراب من المطار، وانفجار سيارته هنا يعني مأساةً غير إنسانية.

وعندما أعلنَت ساعته الواحدة … ظهرَت في سماء المنطقة طائرةٌ، تُومض أضواؤُها وميضًا متقطعًا.

وعلَت أصواتُ سارينة سيارات رجال الشرطة.

ومن ممرِّ الهبوط، ارتفعَت أصواتُ آلات تنبيه سيارات المطافئ.

ورأى «أحمد» أن هذا وقتُ تدخُّلِهم، ووجود هذا الرجل يُعرقلهم عن أداء مهمتهم.

وهنا، مدَّ يده ففتح أكرة الباب، فزمجر الرجل غاضبًا، وهو يقول له: سأقتل صديقتك. فلم يأبَه لكلامه … ومدَّ ساقه اليسرى خارج السيارة … فسحب الرجل أمان المسدس، فوقف «أحمد» خارج السيارة بغتة، في اللحظة التي انحنَت فيها «إلهام» … وانبطحَت على بطنها في دواسة السيارة.

وعندما رأى الرجل «أحمد» يتحدث مع أحد ضباط الشرطة، فتح الباب واختفى، فأعطى ذلك الفرصة ﻟ «إلهام» التي نزلَت هي الأخرى، ولحقَت ﺑ «أحمد».

وعند باب صالة السفر، أبرزَا بطاقتهما الأمنية، وقفزَا الحواجز جريًا إلى أرض الهبوط؛ ليتمكَّنا من استقبال العالمين قبل أن يصطادهما رجالُ «سايبرسبيس». وعلى أرض المهبط، وقفت العشرات من سيارات الإطفاء والنجدة … والكثير من ضباط القوات الخاصة.

وعن بُعد، رأى «أحمد» رجلًا يهرول في اتجاههم، وهو يقول: انتهى الأمر! الطائرة رحلَت في اتجاه سيناء … ولا أحدَ يعلم أين ستذهب.

أحمد: وهل يمكنه مغادرة الأجواء المصرية؟

الرجل: بحرية، فمعه مدنيون رجال أعمال، وسائحون ومرضى وغيرهم … ولا نستطيع اتخاذَ أيِّ إجراء معه.

إلهام: وهل الوقود الذي معه يكفي؟

الرجل: لا أعلم … فلتسمحوا لي، فلديَّ عمل.

وصاح كبير الضباط … وانصرفت سيارات النجدة والمطافئ والضباط والجنود، ولم يبقَ غير الحيرة … وصاحَت «إلهام»: «عثمان»، «عثمان» يا «أحمد»؟

أحمد: أين هو يا «إلهام»؟

إلهام: لقد تركناه في سيارتهم.

أحمد: فلنلحق بهم … ويا ليتنا نجدهم قد رحلوا وهو معهم!

إلهام: والقنبلة التي في سيارتنا؟

أحمد: لا تصدقي … فهي كالقنبلة التي ادعوا وجودها في الطائرة.

وكما توقع «أحمد»، لم تكن السيارة اللاندروفر تقف في مكانها … وهو ما يعني أنها في طريقها إلى مكان هبوط الطائرة … فالطائرة لن تخرج من «مصر».

وبإدارة جهاز تتبُّع الإشارات الصادرة من كعب حذاء «عثمان»، عرف أن اللاندروفر في طريقها إلى «السويس».

معنى ذلك أن هبوط الطائرة سيكون إما في مطار «طابا» أو مطار «شرم الشيخ». وهو شيء محير … فسرعة الطائرة ستمكنها من الوصول قبل أن يَصِل الشياطين لأيِّ مطار من الاثنين.

ولولا أنهم لا يعرفون اليأس … ما كانوا قد سافروا في أثرهم.

وعند أول طريق السويس … وفوق الأرض المنبسطة على جانبَيه … سار «أحمد» بالبراق … وسحب عصا تغيير السرعة. وعند المستوى السادس، ضغط بقدمه على بدال السرعة … وانطلقَت البراق … وانطلقَت أرقام عداد سرعتها تقفز في تتابُع مجنون … حتى وصلَت إلى ستمائة كيلو.

وفي غضون دقائق، كانَا قد وصلَا إلى مدخل طريق «شرم الشيخ».

وفي طريقهم إلى «شرم الشيخ» وبين الجبال، طارَت لتصلَ سرعتها إلى ألف كيلومتر، بعد أن أدار «أحمد» محركاتها النفاثة.

ولم تستطع عيونُ قائدي السيارات على الطرق ملاحقتها؛ فقد كانوا يسمعون صوتَ قذيفة تُدوي فجأة بجوار آذانهم.

والغريب أنهم وصلوا إلى مطار «شرم الشيخ»، قبل أن تَصِل الطائرة.

فهل معنى ذلك أنها لم تَصِل حقًّا … أم أنها الآن في طريقها إلى مطار «طابا»؟ وكيف سيعرف هو ذلك؟

ولم تكن لديه وسيلة ليعرف ذلك غير الاتصال بالمقر الكبير، ويطلب منهم استطلاع مكان الطائرة الآن. وعن طريق القمر الصناعي … استطاعوا رصْدَ الطائرة، وإخباره بأنها في الطريق إلى مطار «طابا». ولأنه لا يعرف اليأس … انطلق مرة أخرى في أثر الطائرة … ولكن في الطريق إلى مطار «طابا».

وهنا سألَته «إلهام»: هل أنت متأكد من أنه ينوي النزول في مطار «طابا»؟

أحمد: إن هذا هو اتجاه الطائرة.

إلهام: ولكن هذا الاتجاه يؤدي إلى مطارات أخرى؟

أحمد: ولكنها خارج البلاد.

إلهام: وهذا ما يقصده.

أحمد: يقصد ماذا؟

إلهام: الوصول إلى هذا المطار، في هذه البلدة المجاورة. ويُوحي لنا بأنه مضطرٌّ لذلك، لأنه لم يستطع النزول في مطار القاهرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤