رصاصةٌ في القلب!

كان الاستدعاء عاجلًا وملحًّا.

وخلال عشر دقائق … كان الشياطين يأخذون أماكنهم في قاعة الاجتماعات، كانوا ستة فقط … «أحمد»، و«إلهام»، و«عثمان»، و«قيس»، و«خالد»، و«ريما» … وتبادل الشياطين الستة النظرات. كانت ساعة الحائط أمامهم تُشير إلى الثالثة فجرًا … وكان ذلك يعني أن المهمة التي سيُكلَّفون بها … تحمل أكبرَ درجة من الخطورة والسرعة.

وجاء صوت رقم «صفر» يقول: تفضلوا بالجلوس!

جلس الشياطين الستة في صمت … وظهر رقم «صفر» … وهو يأخذ مكانه في ركنه المظلم. كانت ملامحه الغارقة في الظلام تعكس تجهُّمَه وضيقَه. ومرَّت لحظة … ثم قال: إنني آسف لإزعاجكم وإيقاظكم من نومكم … ولكنَّ المسألةَ لم تكن تحتمل أيَّ تأخير … فهي مسألة حياة أو موت. ومن المؤسف أن ضحايا كثيرين قد سقطوا … دون أن نتمكن من حمايتهم أو إنقاذهم … ودون أن تُتاحَ لنا الفرصة لذلك …

وراح رقم «صفر» يقلب في أوراق أمامه … وبدأ صوتُ حفيفِ الورق في ذلك الصمت القاتل … كأنه صوتٌ مدوٍّ. وتوقَّفَت أصابع رقم «صفر» عن الحركة … وقال: إننا نخوض صراعًا من نوع جديد هذه المرة … صراعًا واضح الهدف … وإن كانت الأصابع المختفية خلفه غير واضحة … ولم نَصِل إلى معرفتها أو حقيقتها حتى الآن.

وضغط على زرٍّ أمامه … فبدأَت أجهزةُ العرض السينمائي في العمل، وارتسمَت صورة البروفيسور المغربي «أحمد مرزوق» على الشاشة … وتحت الصورة انطبعَت بعض المعلومات عن شهاداته العلمية وحياته.

قال رقم «صفر»: هذا العالم المغربي العربي … كان يعتبر نابغةً في أبحاث الطاقة النووية السِّلمية، وكانت له جهودٌ خاصة في تطويع هذه الطاقة وزيادة مقدرتها … بحيث إنه كان بالإمكان استخدام انشطار نووي صغير في إنتاج طاقة كهربائية عالية جدًّا … تكفي لإنارة مدينة القاهرة وكل استخداماتها. وكانت أبحاثه في زيادة الطاقة المستخرجة من الانشطار النووي السلمي … كفيلةً بفتحٍ جديد في استخدام الطاقة النووية السلمية، وأنتم تعرفون أن هناك أكثرَ من مشروع لإنتاج الكهرباء من الانشطار النووي السلمي في مصر … وكان هناك اعتمادٌ كبير على أبحاث البروفيسور «أحمد مرزوق».

وصمت رقم «صفر» … وتساءلت «إلهام»: إنك تكرِّر كلمةَ كان باستمرار يا سيدي … فهل حدث شيء ما أوقف أبحاث البروفيسور «مرزوق»؟

ردَّ رقم «صفر»: لقد قُتل!

جاءت عبارة رقم «صفر» مثل طلقة الرصاص … وتصاعدَت أنفاس الشياطين … فإن مثل ذلك البروفيسور العربيِّ … لا يمكن تعويضه ولا بمئات الملايين، وأكمل رقم «صفر» في هدوء: لقد قُتل البروفيسور مساء أمس في مدينة «نيويورك» بالرصاص … ومن المؤكد أن قتْلَه كان بغرض إيقاف أبحاثه وتجاربه؛ حتى لا تستفيدَ منها مصر في مفاعلاتها النووية السلمية … ولا كل الدول العربية بالطبع.

تساءل «عثمان» في غضب: وهل أمسكتم بالقاتل؟

رقم «صفر»: حتى هذه اللحظة لا. إننا حتى لا ندري الجهة التي يعمل لحسابها القاتل أو القتلة … فهناك أكثر من جهة يهمُّها إيقاف تقدُّمِنا العلمي. وتخطيط عمليات القتل وسرعة تنفيذها ودقتها … تؤكِّد وجودَ تنظيم كبير خلفها … وليس مجردَ شخص أو منظمة عادية!

تساءل «أحمد»: هل هناك أكثر من عملية اغتيال يا سيدي؟!

ضغط رقم «صفر» على زرِّ آلة العرض … فاختفَت صورة البروفيسور المغربي … وارتسمَت على الشاشة صورةُ العالم اللبناني العبقري «أنطوان سعيد» … وعلى الفور قالت «إلهام»: هذا هو العالِم اللبناني «أنطوان سعيد» … الذي تُلقِّبه الصحف الغربية بالعبقريِّ بسبب نبوغه الفائق. وبعض الجهات العلمية تُموِّل أبحاثه في لندن بسخاء انتظارًا لنتائج أبحاثه. كذلك … تفعل بعض الدول العربية.

رقم «صفر»: يبدو أن نتيجة هذه الأبحاث لن ترى النور أبدًا … فقد قُتل «أنطوان سعيد» بانفجار سيارته … والفاعل مجهول أيضًا!

أغمضَت «إلهام» عينَيها في غضب … وقالت: هؤلاء القتلة المجرمون.

مرة ثالثة … انطبعَت صورةٌ جديدة على الشاشة … وهتف «عثمان»: هذه صورة العالِم السوداني الفذ الدكتور «صالح الطيب» … أرجو ألَّا يكون قد حدث له مكروه!

أجاب رقم «صفر»: لقد مات مسمومًا هو الآخر في «برازيليا» … بعد أن أوشك على الانتهاء من أبحاثه حول استخدام تربة الغابات في الزراعة، وهو الأمر الذي كان سيُفيد السودان … ودولًا أخرى عديدةً من دول الغابات … في زراعة غاباتها بتكلفة لا تُذكَر. ولقد اختار القتلة اللحظة الحاسمة للتخلص من الدكتور «صالح» … وقبل إعلان نتائجه.

ظهر غضب هائل على وجه «عثمان» … وهتف: أُقسم أن أنتقم لمقتله … من هؤلاء السفاحين. وتقلَّصَت أصابعُه السمراء في غضب شديد.

وأخيرًا … ارتسمَت صورة البروفيسور «أدهم الدسوقي»، وضاقَت عينَا «أحمد» … وقد تذكَّر ملامح البروفيسور … وكان قد شاهد صورتَه مراتٍ عديدةً في صحُف ومجلات عربية وأجنبية … وقرأ عن أبحاثه وتجاربه في زراعة الصحراء بمواد آزوتية بتكلفة قليلة.

وقال رقم «صفر»: لا شك أنكم قد تعرَّفتم على البروفيسور المصري «أدهم الدسوقي» … لقد تحوَّل إلى بطل في الأسابيع الأخيرة؛ بسبب قرب انتهاء أبحاثه التي ينتظرها الملايين … هنا في مصر وكل دول العالم الصحراوية للاستفادة من أبحاثه في زراعة الصحراء … لإطعام ملايين البشر الذين يتزايدون باستمرار فوق رقعة ضيقة من الأرض.

احتقن وجهُ «أحمد» رغمًا عنه … وتساءل: وهل قُتل البروفيسور «أدهم» أيضًا؟!

أجاب رقم «صفر»: لقد أطلقوا عليه الرصاص أيضًا.

وساد صمتٌ كئيب بعد كلمات رقم «صفر» … وتلاقَت نظراتُ الشياطين الستة في غضبٍ وتحدٍّ؛ فقد تحدَّدَت مهمتُهم … وهي الكشف عن القتلة وعقابهم.

قال رقم «صفر» … قاطعًا لحظات الصمت: لا شك أنكم قد استنتجتم هدفَ هذه الاغتيالات!

فهناك يدٌ خفية يهمُّها وقفُ نموِّنا الاقتصادي … وأيِّ تطور يُفيد اقتصادَ عالَمِنا العربي. سواء بزيادة الطاقة اللازمة للصناعة … أو زيادة أرضنا المزروعة حتى تزداد حاجتنا … ونستمر في الاعتماد على العالم في استيراد طعامنا وأجهزتنا.

إلهام: وهل ضاعَت نتائج أبحاث هؤلاء العلماء «العباقرة» بموتهم … أو استولى عليها المجرمون القتلة؟

رقم «صفر»: لا … لم يحدث هذا ولا ذاك؛ فالقتلة كانوا يعرفون … ولا شك … أن ضحاياهم لم يكونوا يحتفظون بنتائج أبحاثهم في متناول أيديهم؛ ولذلك لم يبذل القتلة أيَّ مجهود في البحث عنها. لقد كان هؤلاء العلماء … بدافع من وطنيتهم … يقومون بإرسال نتائج هذه الأبحاث أولًا بأول إلى أوطانهم؛ للاستفادة بها إذا ما جرى لهم مكروه. ونحن من جانبنا … وبمزيد من الجهد … يمكننا إكمال هذه الأبحاث والتجارب الناقصة بفضل علمائنا. فهذه ليست المشكلة!

قيس: إن المشكلة هي منع القتلة من قتل هؤلاء العلماء العرب … أليس كذلك؟

رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا؛ فلن نترك دم هؤلاء العلماء يضيع سدًى … كما لم نتركهم يمارسون إرهابهم … وقتل أبنائنا من العلماء … ولا بد من أن يدفع قتلتُهم الثمن. أيضًا … فإن تركنا هؤلاء المجرمين بلا عقاب … سيشجعهم على المزيد من أعمالهم الإجرامية. أما الاقتصاص منهم … فسيُوقفهم عند حدِّهم. خاصة أن هناك المئات من علمائنا منتشرون في دول عديدة … يقومون بأبحاث وتجارب علمية … ويمكن أن يتعرَّضوا لنفس المخاطر … إذا لم نُسارع بكشف القتلة والقصاص منهم!

خالد: ومن أين ستبدأ مهمتنا؟

رقم «صفر»: من باريس … إنها محطة البداية بالنسبة لكم!

أحمد: إذن … فمن المؤكد أن هناك معلومات عن وجود هؤلاء القتلة وتنظيمهم في باريس.

رقم «صفر»: حتى هذه اللحظة … فنحن لا ندري شيئًا عن هذا التنظيم؛ لأنه ظهر فجأة … وليست لدينا أية معلومات عنه. ومهمتُكم هي جمعُ هذه المعلومات.

قال «عثمان» بدهشة: وكيف نبدأ من لا شيء؟! إن باريس مدينةٌ كبيرة … يعيش فيها الملايين … فكيف سنهتدي إلى هدفنا؟!

أجاب رقم «صفر»: إن الوسيلة سهلة ومؤكدة … إنها البروفيسور «أدهم الدسوقي».

إلهام: ولكن … البروفيسور قد قُتل … فكيف يكون هدفنا؟!

قاطعها رقم «صفر» … قائلًا: لقد قلتُ إن البروفيسور «أدهم» قد أُطلق الرصاص عليه … ولكنني لم أَقُل أبدًا إنه قُتل!

وساد صمتٌ بعد كلمات رقم «صفر» … وتبادل الشياطين النظراتِ المندهشة، وأكمل رقم «صفر» بعد لحظة: من المؤكد أن القتلة في هذه المنظمة محترفون … وأنهم لا يُخطئون أهدافهم … وقد تم إطلاق رصاصتَين على البروفيسور … فقد أصابَت هدفها بالضبط … ولكن … وبسبب الحظ الحسن … فقد كان البروفيسور يحتفظ بصورة منقوشة على النحاس لحفيده، يحتفظ بها في جيب بصدره مكان القلب تمامًا. وقد استقرت الرصاصة في الصورة النحاسية … فلم تلمس القلب. وكانت صدمة إطلاق الرصاص على البروفيسور سببًا في نجاته؛ فقد اختل توازنه وسقط على الأرض، وتدحرج حتى نهر السين … وحمله التيار بعيدًا … فظن القاتل أنه قد تخلص من ضحيته، ولكن البروفيسور تحامل على نفسه … وسبح حتى الشاطئ … ولجأ إلى أقرب مركز شرطة، وهو الآن يُعالَج تحت حراسة مشددة … في أحد مستشفيات باريس …

ريما: ولكن يجب عودة البروفيسور إلى مصر فورًا … فحياته في خطر! …

أجاب رقم «صفر» على الفور: ولهذا أرسلكم إليه … لحمايته من أي خطر يتعرَّض له … ولكي تصلوا إلى المنظمة التي قامت بتلك الاغتيالات … فمن المؤكد أنهم سيحاولون التخلص من البروفيسور مرة أخرى. وفي هذه الحالة … ستكونون موجودين بالقرب منه لحمايته … وللتعامل مع القتلة!

هتف «أحمد»: سوف يكون انتقامُنا منهم شديدًا!

إلهام: مَن قتَل يُقتَل … ولو بعد حين!

رقم «صفر»: لقد تمَّ إخطار البروفيسور «أدهم» بمهمَّتِكم … وسوف يغادر المستشفى بعد وصولكم حتى يكون في حمايتكم.

عثمان: ومتى سنسافر؟

رقم «صفر»: بعد نصف ساعة … ستستقلُّون طائرة إلى «باريس»، وأتمنَّى لكم النجاح والفوز … وتلقين أعدائنا درسًا غاليًا! …

التمعَت عينَا «عثمان» بغضب وحماس … وهو يقول: ثِق أننا سنفعل يا سيدي … ولن يتسع الوقت لأعدائنا ليُبلغوا الآخرين بالجحيم الذي سيذوقونه على أيدينا … قبل أن نُرسلَهم إلى جهنم، فسوف تكون رصاصاتُنا في القلب تمامًا … ولن نُخطئَ الهدف بأيِّ حال من الأحوال!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤