الآن … أو الطوفان

إن العصبية هي أن يرى الرجل شرار قومه خيرًا من خيار قوم آخرين.

أحمد بن الطيب

أصبح «الإسلام المُعدل المطلوب أمريكيًّا» عنوانًا لمناقشات منوعة في الإعلام العربي والإسلامي والعالمي بعد ضربة الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م، وعزم الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل في ثقافات المسلمين، ضمن حملتها الدولية الموسَّعة على الإرهاب العالمي، من أجل إعادة صياغة المفاهيم التي يسلك بموجبها المسلمون مع أنفسهم أو مع العالم؛ لضمان ما تراه استقرارًا أمنيًّا لها ولنا وللعالم من وجهة نظرها، بعد أن عاشت زمنها السابق وفق حسابات مصالحها ومصالح شعبها فقط. فحالفت شرار الأرض، كما هو حالها مع العنصرية الإسرائيلية، وصادقت أعتى الأنظمة القمعية في دول العالم الثالث بغض النظر عن أحوال شعوبه، وأدامت سلطاتِ هذه الأنظمة التي نشرت الفساد في مواطنها مع قهر العباد، وشجعت عزل تلك الشعوب عن الحداثة وحجبتها عن التطور بتشجيع السلفيات المنوعة، وهي الخط النظري الذي يجمع الشعوب مع سلاطينها استجابة لحميمية رغبة هذه الشعوب في عدم تسرب أي غريب إلى خصوصيتها الثقافية العزيزة عليها، بغرض إبقاء تلك الشعوب في حالة سكونية خارج حركة التاريخ المتسارعة، مع الاعتماد على الأنظمة الحاكمة للحفاظ على المصالح الأمريكية في مناطقها. وهو ما أدى إلى انتشار الجهالة المعممة الضامنة للاستبداد السياسي، لكنه زرع في الوقت نفسه حقدًا حضاريًّا متناميًا في تلك المواطن، خاصة مع مواقف الحليف الأمريكي من القضايا العزيزة على الشعوب.

ومولت المخابرات الأمريكية ببذخٍ الحركات السلفية الفكرية والمسلحة، وأقامت في العواصم الإسلامية المؤتمرات المغذية للخصوصية الثقافية؛ كمؤتمرات ما يسمى العلوم الإسلامية. فكان أن أفرزت لها تلك المواطن إرهابًا دوليًّا عَقَرها في عُقر دارها الذي تصورته آمنًا من كل سوء، مما وضعها للمرة الأولى أمام مسئولياتها كسيدة للعالم، من أجل تجانس هذا العالم ثقافيًّا، وربما سياسيًّا، لتكون العولمة صداقة المعنى والمضمون وحفاظًا بالطبع على أمنها ومصالحها في المقام الأول.

وإزاء هذا الهول العظيم «الإسلام المعدل المطلوب أمريكيًّا» الذي ما خطر على قلب مسلم (وإن خطر لنا، وكتبنا بشأنه، وحذرنا على مدى العقد الماضي لإصلاح البيت من الداخل دون سامع ولا مجيب حتى أزفت الآزفة) يجدر وضع الأمر على مائدة بحث مكشوفة وعلنية في بيت أصحابه، لمناقشته واتخاذ المناسب بشأنه بيد أصحابه، للوصول إلى مشتركات بين المختلفات تؤدي إلى النتائج الأقرب إلى مصلحة الوطن والمواطن قبل أي أمر آخر.

وكان الأساس الذي سبق وطرحتُه ولم أَسلَم بسببه من الأذى (من محاكمات رسمية، إلى محاكمات أمام أمن الدولة، إلى إدانات أزهرية، إلى تعتيم وحجب ومنع نشر، إلى تشنيع صحفي مصحوب بالتخوين الوطني والتكفير الديني) هو الذي أُصِر عليه، وهو وجوب إعادة النظر في مناهجنا سياسةً أو تشريعًا أو اجتماعًا أو إعلامًا أو تعليمًا، والأهم، في فهمنا للإسلام وطرق تدريسه وشروحاته وقواعد التعامل معه وبه؛ من تشريع وتحليل وتحريم وقواعد فقهية، بل وثوابت نظنها كذلك، أو نريدها كذلك. وعلاقة هذا كله بالعصر الذي نعيشه، باعتبار ذلك مطلبًا وطنيًّا قبل أن يكون أمريكيًّا، وأنه قد أصبح ملحًّا وضروريًّا لصلاح أحوالنا، وفي الوقت ذاته — ببعض الواقعية — توقِّيًا لعصف الدولة العظمى الكبرى القادرة الغاضبة، ومعها كل دول العالم تقريبًا، إزاء أوطان ضعيفة متهالكة لا تملك لنفسها ردًّا ولا دفعًا سوى استمطار اللعنات من رب السماء بالدعاء على الأمريكان آناء الليل وأطراف النهار، وهو ما لم يغن عنا شيئًا، خاصة أن أصحاب منهج الدعاء لم يحسموا لنا الموقف حتى الآن ويحددوا لنا موعدًا نهائيًّا لهذا التدخل الإلهي، وحتى يحدث هذا التدخل أو لا يحدث فلا سبيل إلا ما بأيدينا وما في مستطاعنا.

وإن مخاطر عدم الوضوح وصراحة الطرح والمناقشة رهبةً أو خوفًا ستكون نتائجها على الأجيال المقبلة هي الأوخم والأسوأ، خاصة مع ما وصلت إليه أحوالنا النفسية والعقلية وأوهامنا الرافضة لأي تغير، مهما حدث من كوارث، غير العابئة بأي نتائج، مهما تراكمت النوازل والمصائب والتراجعات، ناهيك عن أولئك النفر المستفيد من استلقائنا الخامل خارج التاريخ نجتر أساطيرنا، وهم نفر كثير وله نفير. وهي الأمور التي أدت بنا إلى عدم التحرك إلا إلى الخلف، وإلى مزيد من الخسائر، مطمئنين إلى حصوننا الكلامية ووعودنا العَقَدية متعثرين من منزلق إلى منحدر، حتى أصبح من مواهبنا بين الشعوب اتخاذ القرار غير المناسب في التوقيت غير المناسب. وأمست القضايا العربية بين قضايا العالمين هي النموذج الأمثل للخسائر الأمثل، رفضًا لمواجهة الذات بعوراتها، وإيمانًا بأننا شعوب مختارة بعناية فهي لا تخطئ، وغيرنا دومًا هو المخطئ.

وعندما يصبح الأمر هو البقاء في ساحة الفعل التاريخي أو الخروج من التاريخ إلى الزوال الحتمي، فإنه لا يبقى لدينا وقت للمراوغة اللغوية واستخدام الشراك اللفظية للتحايل على القول، في ظل تحريمات سائدة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا التعامل بالأساليب الملتبسة للإجابة على الأسئلة المصيرية المطروحة علينا، لملاطفة رأي عامٍّ غير سوي ولا رشيد، أو توقيًا لعصف سلطة سياسية أو غضب سلطة دينية.

وإذا كان النوم ثقيلًا فإن الصحو سيحتاج إلى النهر والزجر وتشديد النكير، لأن الهزيمة التاريخية المروعة التي نعيشها لا تتمثل فقط في الهزائم العسكرية أو التراجع الحضاري، لكنها تكمن في كوننا لا نصدق أننا شعوب مهزومة على كل المستويات حتى النخاع، ومتخلفة على كل الأصعدة، وفي كوننا لا ندري لماذا هُزمنا ولا كيف هُزمنا، لأننا لا نملك فضيلة المكاشفة والشفافية والصدق مع الناس ومع الذات، وهي الآن أبرز الفضائل الكونية في الدنيا المتقدمة المتفوقة. علمًا أن البداية الصحيحة والناجحة هي الاعتراف بالهزيمة المروعة وأن بدء العلاج يكون بقبول النقد والاتهام الذي ربما كان علقمًا أو موجعًا أو يحتاج لجراحات كبرى، لكنه الضروري بلا بديل آخر، محاكمةً للذات وفحصًا للمسلمات، للوعي من خَدَر الغيبوبة ونقد ما نظنه بدهيات لاسترداد العافية، لأنه — وهذا هو الأخطر — لا توجد خدمة يمكن أن نقدمها لقوى العنصرية الإسرائيلية أكثر من الاستمرار فيما نحن فيه من هلاوس، ناهيك عن كون تلك الأسباب هي التي حالت بيننا وبين التوصل إلى لغة يفهمنا بها العالم ونفهمه، هذا مع الأخذ بالحسبان أننا لا نفهم بعضنا بعضًا.

وجذر المشكلة يتموضع في نظرتنا لكل شأن من خلال الهويات (دينية، قومية، عرقية، لغوية، ثقافية … إلخ)، ومدى اتفاق الآخر معنا أو اختلافه وَفْقَها وحسب شروطها. وتتحزم هذه الهويات جميعًا برباط الدين الإسلامي الذي لا نرى أمرًا إلا من خلاله، حتى اصطبغت به حياتنا، حتى في تفاصيلها الدقيقة (كيف نأكل وماذا نقول عندما نشرب أو عندما ننتهي من هذا أو ذاك، وبماذا ندعو ونستعيذ عند الغائط وعندما نتجشأ، مع دعاء الركوب سواء كانت الركوبة حمارًا أو طائرة لا فرق، وبم نبدأ الجماع من أدعية وبم نحمد عند الانتهاء … إلخ)، ثم نتعامل مع المختلف وفق رأي ديننا فيه وليس كما هو، لذلك ننفيه ولا نعترف له بحق أن يكون مختلفًا عنا، بحسبان ديننا مصدر كل حق وكل معرفة ممكنة وكل فضيلة كاملة، ومن ليس تحت مظلته فاقد لكل هذا بالضرورة.

وبينما العالم لا يرانا إلا في تخلفنا المزري، نطلب منه أن يتعامل معنا باعتبارنا أصحاب أرفع الأديان، أو بالأحرى أصحها على الإطلاق، وبحسباننا وارثي مجد حضارة كبيرة، بينما لكل الأمم والشعوب أديانها ومآثرها وحضاراتها السالفة، ولا يعطيها ذلك مزية أو أفضلية على غيرها بالدين والمآثر السوالف، إنما هي تصنع أفضليتها بتأمين حريات المواطنين وإحقاق حقوق البشر التي تصنع مناخًا يسمح بالتوسع المعرفي والابتكار والاختراع والمساهمة في المنجزات الإنسانية لاحتلال موقع كريم تحت الشمس. أما نحن فانشغلنا عن العلم والمعرفة بحسبان كل معرفة قد تمت معرفتها مسبقًا في مقدسنا، ومن ثم خضعنا بالكامل للنصوص المقدسة، ولم نضع ضمن أهدافنا السعي لمعرفة ما لم نكن نعرف، قدر ما سدرنا في إعادة إنتاج ما سبق وعرفنا، لتبرير ثوابتنا وثباتنا عند نقطة زمنية تبعد إلى الوراء ما يَنُوف بقرون على عشرة قرون. لذلك لم ننتج أي معرفة حية، سواء حول النص أو الواقع، وكيف ذلك وشاغلنا وهمنا يفصح عنه دعاؤنا المرعوب إلى رب السماء: «اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا» (؟!) … أليست تلك هي المصيبة عينها؟!

وكي نثبت جدارتنا في عالم يسجل كل ليلة آلاف الكشوف والاختراعات قام جهابذتنا اللواذع يشمرون عن همتهم لتعريفنا معلومة واحدة فيها الكفاية والغنى، وهي أننا علماء الأكوان لآخر الأزمان، بالكشف في مأثورنا عن كل علم سبق اكتشافه. والصرعة الجديدة الآن هي ظاهرة الشيخ الدكتور زغلول النجار الذي تعدى القرآن إلى الحديث النبوي يستكشف فيه آخر النظريات العلمية، رغم ما في علوم الحديث من مآخذ على الحديث. ليس لفائدة البلاد والعباد بكشف ما لم يسبقنا إليه المتفوقون، لكن ليثبت لنا صدق ما بيدنا من مقدسات وتقييمها بقيمة العلم الغربي الذي يكفرونه سلفًا. ويؤكد لنا عبر حلقات طوال أن الله قد أنزل الحديد من السماء إلى الأرض إنزالًا عملًا بظاهر الآيات: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ (الحديد: ٢٥)، وبعمليات حسابية حول عدد ذرات الحديد والألفاظ القرآنية بأساليب الحواة البهلوانية، إثباتًا لجدارتنا بين الأمم، بالخبيء داخل نصوصنا النظرية الذي كان ينتظر كل تلك القرون مجيء السيد زغلول ليكون بطل الكشف ونجم العلم ودرة الإيمان. وجعل زغلول من نزول الحديد قضية كبرى يبسمل حولها المؤمنون ويحوقلون، بدلًا من أن يستخدم إجازته العلمية لدخول المختبر، وتقديم ما يمكن أن يفيد به وطنه من هذا الحديد، بغض النظر عن كونه قد هبط أم صعِد أم قعد، خاصة أن النصوص الدينية ليس من وظائفها إنجاز الكشوف والاختراعات والنظريات العلمية، لأن زمنها وبيئتها لم تكن بعدُ مهيأةً لهذه المعاني، ولأن مثل هذه المنجزات تتم بجهد الإنسان وكده وراء المعرفة، ولا يمطرها الله على أحبابه من السماء. ثم إن لها منهجًا يعتمد على الملاحظة والمشاهدة الحسية والتجربة المخبرية، ولا يحكم فيها إلا العقل الإنساني وحده، ولا محل فيها لغير الإنسان.

والتذاكر والتذاكي باستذكار سالف العصر والأوان بعلماء كانوا فخر زمانهم في العصر الذهبي للإمبراطورية الإسلامية (الرازي، الخوارزمي، ابن سينا … إلخ) لا يصنع شيئًا في أي شيء، ناهيك عن كون المنتج العلمي لهؤلاء لا علاقة له بدين الإسلام، بل لمكان المسلمين في الشرق حينذاك، وتمازج علوم ومنجزات حضارات البلاد المفتوحة داخل الإمبراطورية الإسلامية، فأثمرت علومًا ليس من العلم أن نصفها بأنها كانت علومًا إسلامية، فليس للعلم جنسية ولا دين ولا وطن … كانت علومًا فقط.

وقبل زغلول كان أصحاب لعبة العلم والإيمان قد أرسوا في عقول شبابنا خلطًا عظيمًا بين مفهوم القدرة الإلهية وبين القدرات السحرية، بمحاولاتهم تفسير كسر قوانين الطبيعة بالمعجزات في مأثورنا على ضوء ما انتهت إليه النظريات العلمية، وهو ما كان كفيلًا بإسكات صوت العقل، لأن قدرة الله تتجلى في ثبات قوانين الطبيعة وليس في كسرها، ولأن من يزعم خرق هذا الثبات هو العقل السحري السابق للعقل الديني زمنًا وكيفًا وفهمًا. وهو ما يعني أننا انتكسنا إلى مراحل ما قبل ظهور الأديان، ولم يعد هناك فرق بين مشايخنا وعلمائنا وبين عوام الناس الذين كانوا يخرجون عند تأخر فيضان النيل خارج أبواب قلعة محمد علي، يتلون صحيح البخاري ويختمونه احتسابًا لتأثير الكلام في قوانين الطبيعة، وما زلنا نتصور أن مجرد الكلام لا بد أن يؤثر حتى في كبرى قضايانا السياسية مع العالم. بينما الإسلام يعد أبرز الأديان التي حاربت السحر والسحرة، ولا يرى أفاضلنا هؤلاء أي تناقض بين الموقف الإسلامي وبين ما يفعلون، ولا يلتفتون إلى أن علوم الصواريخ والأجنة والهندسة الوراثية هي منجزات متراكمة لجهود إنسانية من كل ملة وموطن، ولم يعرفوها من القرآن، ولم يعلموا بوجودها خبيئةً طيَّ ألفاظ تحتاج من يؤولها ويُسقط عليها ممكناته المعرفية التي تعلمها من زمننا وليس من زمن القرآن، فهي في النهاية ممكنات المفسر وزمنه وليست أبعد من ذلك.

ولا شك أن أخيولتنا التي تركبنا وتصور لنا أننا قد حققنا في ماضينا كل ما حققته البشرية من تقدم هائل كمًّا ونوعًا في حاضرها، تعمل على تخليقٍ مستمر للعامل القديم الجديد في تخلفنا، بالركون إلى وهمنا فلا نرى ما نحن فيه حاضرًا ولا ماضيًا، وهو ما يؤدي إلى عدم بذل أي محاولة للانتفاع بما لدى المتقدمين من فلسفات ونظر ومناهج أدت إلى تقدمهم. وظلت اجتهاداتنا محصورة في كيفية الحفاظ على ما نحن فيه حرصًا على أصالتنا، وهو حاضر موحش أصبح رميمًا منذ أزمان.

وآخر إنجازات شبابنا المسلم المهاجر الذي عاش ثقافة البلدان الحرة هو ما يسمونه الإعجاز الرقمي (الديجيتال) للقرآن في الكمبيوتر، ذلك الجهاز الذي لم يساهم فيه عباقرتنا بأي شيء بدءًا من التيار الكهربائي (الذي سيدخل صاحبه جهنم لأن اسمه إديسون وليس أحمد أو علي) وانتهاء بالتصنيع والبرمجة. لكن نصيبنا فيه، أو قل مصيبتنا، هي اختراع المعجزات السحرية من خلاله، بينما اخترعه أصحابه لتسهيل تخزين وتسريع المعلومة وسيولتها وتحليلها وتركيبها وتصنيفها … إلخ. ومن الأمثلة الفواضح لهؤلاء الأفذاذ ما نشرته صحيفة «العالم اليوم» في يناير ٢٠٠٢م، وكيف أمكن لعلمائنا أخيرًا إعلان العالم بمكتشفاتهم باستخدام كمبيوتر علاء الدين السحري، ومعرفة أن الآية «١١٠» في سورة التوبة وترتيبها «٩» بين سور القرآن، قد تنبأت بتحريق الأمريكان داخل الأبراج جزاء وفاقًا لما قدمت أيديهم. ويحيطوننا علمًا نافعًا مفاده أن عدد كلمات سورة التوبة (بعد إسقاط أحرف الجر والعطف والذي منه حسب المطلوب) هو «٢٠٠١» كلمة بالتحديد المبين، ولو رتبنا الأرقام لنطقت بالمعجزة وهي «١١ / ٩/ ٢٠٠١» يوم ضرب أشاوسنا مركز التجارة العالمي بنيويورك. والآية المقصودة تقول: لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وفي أسباب النزول نعلم أنها قيلت في شأن بعض الصحابة الذين بنوا مسجدًا بغير رضا النبي فأسماه مسجد ضرار، وأمر أصحابه بهدمه وتحريقه فوق رءوس المجتمعين فيه. ولأن الأمريكان مثل أصحاب مسجد ضرار (لا تعرف كيف؟) فقد استحقوا الموت حرقًا داخل بنيانهم كأصحابهم الذين بنوا مسجد ضرار. ويبدو أن جهابذة بحور علمنا الديجيتال لم يعلموا أن الترقيم الذي اعتمدوه للآيات وترتيب السور لا علاقة له بالشأن الإلهي ولا بصُلب الآيات ولا تاريخها، لأن عملية الجمع والترقيم والتبويب كانت كلها بشرية من الألف إلى الياء. اللهم إلا إذا نسبنا المعجزة إلى اللجنة التي شكلها الخليفة عثمان برئاسة زيد بن ثابت لتدوين القرآن وترتيبه في مجمع واحد … واللجنة التي شكلها الحجاج بن يوسف الثقفي من بعد.

الأهم في تلك الأمثلة هو إقرارنا بالعجز عن الفعل الإنساني المبدع المنتج … فقط حضراتهم يقومون بتأكيد صدق مقدسنا، مما يعني شكهم العميق والمسبق في هذا الصدق، وإلا ما بذلوا وراءه جهدًا بلا طائل سوى التباهي بما لم ننجز وما لم نبدع. هو إقرار فصيح بعجزنا عن استخدام العقل في إنجازٍ مبدعٍ خلاق، لأن المبتدَعات في بلادنا أول المكروهات، ولأنه لا مجال لعلمٍ لم يعلمه ربنا وكفانا بذلك احتسابًا.

وهكذا نروح ونجيء لتأكيد أنه لا جديد خارج ما علمه ربنا وأسلافنا من الأصحاب والشراح والفقهاء من موتى التاريخ، غير مدركين أن إنجاز المجتمعات القديمة لا بد أن يكون متخلفًا بالضرورة عما أنجزته عجلة التطور في المجتمعات الحديثة، وأن من يقول بغير ذلك هو معتوه كبير. وغير عابئين بأوضاع التاريخ وشروط سيره وتعاقب أطواره، ولا مكترثين بالتمييز بين الصور البسيطة للأفكار التي أنتجها الأسلاف، وتمت صياغتها في عموميات، وبين الصور المعاصرة المعقدة والمركبة من متراكمات وتفاصيل تند عن الحصر في جمل مأثورة، ولا قادرين على التمييز بين النصائح الدينية الأخلاقية المرسلة التي لم تجد طريقها إلى إصلاح الواقع في زمانها وبين الصيغ القانونية الحديثة التي تناسب تعقيدات مجتمعنا الحديث.

وهكذا تعززت نظرتنا للغرب المتقدم بكراهية أصيلة فينا له منذ الاستعمار التقليدي حتى الآن، وزكاها الخطاب القومي للعسكر المحلي عند استيلائه على السلطة في بلادنا، حتى أمست كراهية أمريكا على وجه الخصوص هي مقياس وطنية المواطن، وهي كراهية يفخر عناترنا بإعلانها بسفور مدهش، فهذا صحفي يُدعى «زياد أبو غنيمة» يعقب على ضرب أمريكا في قناة الجزيرة بقوله: «إننا نكره أمريكا ونكره أصدقاء أمريكا … ونعمل على محاربة أمريكا، وهذا أمر لا نستحي منه ولا نخجل منه» (في ١١ / ١٢ / ٢٠٠١م)، ولا تفهم سر اختيار أبو غنيمة أكبر قوة في العالم ليعلن الحرب عليها … ولا تعقيب!

إن ما يجب أن نلتفت إليه، ونحن في نشوة الكراهية، التفريق بين هذه الكراهية وبين مناهجهم في التفوق، رغم أني لا أظن شعبًا لديه المبرر لكراهية أمريكا أكثر من الشعب الياباني الوحيد في العالم الذي تعرضت مدنه لتجربة الإبادة النووية على يد الأمريكان. ومع ذلك فإن الشعب الياباني تبنى المنظومة الفكرية للغرب المنتصر، لإدراكه أنها كانت عامل انتصاره، ولا أحد يماري في أن أهل اليابان قد فازوا بها فوزًا عظيمًا، وفزنا نحن فقط بالكراهية، إضافة إلى أصالتنا … التخلف.

ونظرًا لما يسَّره المنتج التكنولوجي الغربي وإبداعاته من راحة ورفاه وعلاج وسعادة لبني الإنسان، فقد قبلنا منتجه التقني في كل مناحي حياتنا، لكننا رفضنا الأهم؛ منهجه الذي أدى به إلى هذا الإنتاج والإبداع الهائل والرفيع، حرصًا على تخلفنا أن تصيبه جرثومة الغير بالتلوث، ورفضنا الأساس التحتي لحضارته المتمثلة في حريات مدنية فردانية كاملة، كانت هي ما أفرز تفوقه، لا لشيء إلا لأن مبادئ الحريات عنده لا تصلح في بلادنا على إطلاقها. فماذا — مثلًا — سنفعل بمساواة الجنسين في الحقوق؟ وكيف سنسمح بحرية الاعتقاد مع مبدأ قتل المرتد؟ أو كيف سنسمح بحرية النقد أن تطال ما نظنه ثوابت غير قابلة حتى للفحص؟ … وإن حدثتهم عن ثقافة الغرب المتقدم كمطلب للتقدم أجابوك بأنه الغزو الثقافي، فثقافة التقدم مرفوضة لأنها تمارس علينا عمليات غزو … أن تصبح المعرفة محايدة يمكن أخذها والاستفادة منها دون أن ندفع فيها المليارات … هذا غزو (؟!) … ولا يلتفت الصناديد الواقفون لمواجهة هذا الغزو صفًّا مرصوصًا للحفاظ علينا حفريةً حيةً لكائنات انقرض مثلها … لا يلتفتون إلى كون موقفهم هو اعتراف للثقافة المرفوضة بأنها الأقوى، رغم كل التطبيل والتزمير لثقافتنا الفريدة في العالمين. وأحيانًا لا يفهمنا البعض لإصرارنا على ثقافة لا تستطيع مواجهة الجديد بقواها الذاتية، ولا أن تفرض ذاتها على ثقافة الآخرين وتغزوهم كما يغزوننا.

ولأننا على يقين من وهننا الثقافي أمام الثقافات العصرية المتفوقة في الغرب، نضع للثقافات الأخرى مناطق حظر استيراد جمركية تُفتَّش فيها العقول عن أي مهرَّباتٍ ثقافيةٍ ونحاكمها وندينها. والحل لدينا لما آل إليه حالنا هو الانتظار، لأننا سنسود الدنيا بالتأكيد، بحسباننا خير أمة أخرجت للناس، ليس بعملنا وإنجازنا، ولكن لأن الغرب المتقدم سينهار (انظر غاية أماني الكراهية لدينا … أن ينهار المتقدم؟!)، وسوف ينهار في فلسفة فلاسفتنا بسبب تخمته المادية. ومثالًا لذلك نستمع إلى الدكتور عماد الدين خليل أستاذ التاريخ بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة دبي يحيطنا علمًا نافعًا يقول: «إن الحضارة الغربية بتجاوزها للقيم ذات العمق الروحي الوجداني الإنساني الخلقي الديني … ستئول إلى نوع من التفكك والعجز والشلل» (الجزيرة في ٢٠٠١/١٢/١٦م)، ومن ثم تعقب الدكتورة الجامعية (؟!) نورة السعد على ما قام به تنظيم القاعدة في أمريكا بقولها: «إن الإسلام هو الوحدانية التي يحتاجها العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لا بد لو استمرت أن تنتهي بالإنسان إلى ضياع … وكان لا بد من هذه المواجهة … الآن بدأت الصحوة الحقيقية» (الجزيرة في ٢٠٠١/١٢/٣م). وهو الوهم المريض الذي تكذبه كل الظواهر الحادثة، والتي تشير إلى أن كل من يتعامى عنها هو بلا شك يعاني من خلل عقلي، ولأنهم كمن يرفض الاعتراف بشروق الشمس لأنها لم تشرق من قريته.

باختصار اخترنا التخلف حرصًا على الموروث، وعلى الأخلاق الحميدة، وعلى الشرف الذي لا بد كي يسلم من الأذى أن يراق على جوانبه الدم، فهم يعلنون توجسهم من أساليب الحضارة الحديثة لأنها حضارة مادية شريرة، هي انحراف وضلال وفجور، مع تفاؤلهم الشرير الذي يتمنى أن تقتلها حضارتها المادية وعطشها الروحي حتى يعلو الإسلام دون تعب أو مشقة أو علم ولا هم يحزنون، ويظل التمني مجرد نبوءة كاذبة لأن حضارة الغرب تملك كل عناصر الاستقرار والقوة، وأهمها ذلك الذي لا نفهمه: قدرتها على نقد نفسها باستمرار. وفي سياق أحاديثنا عن الشرف والأخلاق نتغافل عن المستور في سلوكياتنا غير العلنية، وأننا أكثر مادية من أهل الغرب وأوغل في الحسية، وأننا ننفق الأموال في أدنى ألوان المتع المادية واللذات الجسدية منذ فجر إمبراطوريتنا، تحت مظلة الشرعية الدينية العلنية، وتغص به مأثوراتنا التاريخية.

ويبدو أن تشديدنا على الفارق الأخلاقي يعود إلى عدم امتلاكنا ما نتميز به من فعل أفضل أو إنتاج أو علم، لذلك نلجأ إلى العامل الوحيد المحايد الرجراج الذي لا يمكن تحديد مقاييسه وضبطها؛ لأنه معياري قيمي تتوقف مقاييسه على وجهة نظر كل مجتمع حسب ظروفه وثقافته ودرجة تطوره أو اختلافه عن المجتمعات الأخرى. ولو راجعنا الأمر على أصوله لوجدنا الرقي الخلقي والمسئولية عن الفعل، وهي الجانب الأهم في فلسفة الأخلاق والتي تُبنى على الاختيار الحر، تترافق مع التقدم لا مع التخلف والتقييد والتحريم والمنع، وهو ما يعني تفوق المتفوقين حتى فيما نريد سلبه منهم تميزًا وترفعًا. خاصة أن الدنيا تعرفنا بخصائصنا التاريخية وعلاقتنا بالمال والسلطة والجنس، هذه الشهوات الثلاث التي حارب المسلمون بعضهم بسببها عبر التاريخ. وعن الهاجس الجنسي، وهو الكامن وراء كل نقد للغرب، فحدِّث في بلادنا وتاريخنا ولا حرج، فقد أباحت الشريعة لذكورنا مساحات اللذة على مصراعيها، من بعد الزوجات الأربع ملك اليمين والتسري والاستمتاع بأي عدد، وأقمنا من قبلُ إمبراطورية للمال والجواري، وسخرنا المساحة الروحية التي نزعمها لتحقيق شهواتنا الدنيوية وإكسابها الرضا القدسي. هذا ناهيك عن كون المبادئ الأخلاقية المطلقة غير موجودة بالمطلق، لا عندنا ولا عند غيرنا، إلا في السجلات النظرية، وأن هذه السجلات لم تضع لها القواعد إلا لأن البشر يخالفونها، وكل ابن آدم خطاء.

وإضافة للعامل الأخلاقي كأساس لنبوءة دمار المتفوقين حتى يتخلفوا مثلنا، يتحدث مفكرونا عن أسباب أخرى ليقينهم، فالدكتور خليل، المشار إليه آنفًا، يشرح لنا هذه العوامل والأسباب بما لديه من أثقال علم على كاهله يحملها أسفارًا فيقول: «هذا حدس يبني النتائج على أسبابها ومقدماتها في الفعل التاريخي … فهل شهد التاريخ البشري نظامًا يقوم على القطبية الأحادية؟ … وفي المنظور القرآني عندنا: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً». فحدس الرجل ينبني على أن التاريخ لم يشهد العالم محكومًا بقوة كبرى واحدة (وهو أستاذ التاريخ؟!)، ومع هذا فإن مؤرخنا، لا أسكت الله له حسًّا، يصبح مع القطبية الأحادية الواحدة المسيطرة على العالم إذا كانت إسلامية؛ لأسباب وهمية لفظية طقسية نرجسية سحرية تتضح في قوله المتسائل: «إلى متى تظل العقول الوضيئة (؟!) والأيدي المتوضئة والحضارة الطاهرة النبيلة التي تليق بإنسانية الإنسان … منسحبة من العالم؟ … إننا الأمة الوحيدة التي تحمل القدرة على إعادة التوازن لعالم انحرف به المسار ومال بثقله وبعينه العوراء الواحدة، كالمسيخ الدجال، باتجاه كل ما هو مادي في هذه الحياة … ورغم أننا أمة مهزومة لا تملك حضارة ولا حتى كيانًا سياسيًّا يؤهلها لأن تقف في مواجهة الآخر بخطاب أشد قوة وأكثر إحكامًا، فإن في هذا الدين من القدرة ما يجعله يخترق كل التحديات؛ لأن كل المذاهب والنظريات والأديان المحرفة وصلت إلى طريق مسدود … لذلك سيكون المستقبل لهذا الدين بالتأكيد، بقوة هذه العقيدة وقدرتها على الإقناع، وقدرتها على اختراق عقل الآخر، بغض النظر عن مستواه الحضاري.» مؤرخنا مشغول ليس بالإنسان لكن بالدين الذي له رب يرعاه، كذلك عامة المثقفين في بلادنا. أما السبب الأهم لسيادة الإسلام المقبلة فهو ما أورده الصحفي زياد أبو غنيمة وهو يقول: «تزخر آيات القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تطمئننا، بل تبشرنا، بأن المستقبل للإسلام مهما كثر أعداؤه.»

ويرى حامل الأسفار من جانبه أن الإسلام عندما يسود بعد انهيار الغرب لن يقبل الشراكة في حكم العالم من أي قطب ثان، ناقضًا بذلك استنتاجاته ونظريته في عدم سلامة عالم يقوم على القطبية الأحادية، فيقول — دون أن يشعر بأي صدع مخي — عمن يطلبون إسلامًا مشاركًا قويًّا وسط القوى العالمية: «في تحليلات هؤلاء يدخل الإسلام مشاركًا في المصير … ليس مُزيحًا للآخرين ولا محتكرًا … هذا منظور الغربيين، أما منظورنا نحن الذين نتعامل مع النص القرآني، فإن العقيدة الأعلى الأقوى الأكثر مصداقية هي التي ستحكم في نهاية الأمر.» أما لماذا نحن بوجه خاص دون البشرية المؤهلون لسيادة العالم وقيادته في قطبية واحدة، فهو ما يفسره لنا الدكتور «أحمد التويجري» صاحب المناصب في السعودية العربية بقوله: لأن «هذه الأمة أقل الأمم تطرفًا وأكثر الأمم تأصيلًا للاعتدال والوسطية … ولا يمكن أن توضع في مصاف الآخرين» (الجزيرة في ٣ / ١٢ / ٢٠٠١م)، وهو ما يعني ببساطة أننا كالرجل الأبيض عنصري النزعات الذي يعتبر لون جلده مبررًا كافيًا وشرعيًّا لسيادته وتفوقه.

بهذا، ولهذا، فضلنا أن نظل عالة على من نَكْره، وأن نكون في حالة تبعية له، ننتظر دومًا سبقه الكشفي والإبداعي لنستفيد منه بعده، بدلًا من أن نقف مع الدنيا عند مستوى المنجزات على قدم وساق، بتبريرات من رجال الدين في بلادنا هي الأكثر إدهاشًا، إذ غير مطلوب من المسلمين بذل الجهد والعنت والمشقة وسهر الليالي طلبًا للعلا، وغير مطلوب منا إثارة مشاكل لا داعي لها حول الحريات والديمقراطيات اللازمة لفرز مناخ علمي، لأن ربنا قد أعفانا من هذا وسخر لنا أهل الغرب كما سخر لنا بهيمة الأنعام من البغال والحمير لنركبها وزينة، هم يكدون ويخترعون ونحن نستهلك على الجاهز، بعد أن منحنا الله المال بلا مشقة متفجرًا تحت أقدامنا في شكل حيض جيولوجي اسمه النفط، حتى لا نكد أو نتعب فنحن أحباب الله المدللون … هذا موجز ما قال المرحوم الشيخ شعراوي يومًا في حلقاته التلفازية، رحم الله شعراوي وتجاوز عن سيئاته.

هذا بينما وقف المرحوم الصادق النيهوم يصرخ في البيداء يقول: «إن العرب في لغتهم الشرعية لا يعترفون بقدسية الوطن، ولا يموتون طائعين في سبيله، بل يموتون في سبيل الله، وهي فكرة مختلة جدًّا، لأنها قد تعني أن يرفع المواطن سلاحه باسم الشرع في وجه ما يُدعى بوطنه المقدس … وكلمة دولة تعني أن تكون للدولة حدود، وتكون لها هوية ونشيد قومي وعلم مرفوع فوق سارية … ما عدا الدول العربية التي ترتفع فيها أصوات المؤذنين معلنة ولاءها لدولة خفية لا تعترف بحدود أو نشيد قومي أو قيادة» … رحم الله النيهوم وأكثر من أمثاله.

ويختصر الكاتب الإسلامي الأستاذ «غازي القصيبي» موقفنا من الغرب في قوله: «بوسعنا أن نبغض الحياة الغربية أو نحبها، لكن ليس بوسعنا أن نزعم أننا نستطيع العيش بدون منجزاتها … فإما أن نتابعهم أو نبقى متخلفين عن ركب المدنية. وقد علمتنا حرب حزيران ١٩٦٧م أن ثمن التخلف قد يكون كرامتنا وأراضينا واستقلالنا السياسي» (من هنا وهناك ص٢٣).

هذه فقط بداية الكلام … وتبقى التفاصيل … سنقولها إن ظل مسموحًا لنا بالقول، أو إلى حين إخراس الصوت، أو إلى أقرب الأجلين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤