الفصل الثالث

(ينكشف السِّتار عن منزل ابن سليمان.)

الجزء الأول

(ابن سليمان – المعين – الفضل – حجاب)
ابن سليمان :
وكنت أظنُّ أن جبالَ رضوَى
تزولُ وأن حبَّك لا يَزول
ولكنَّ الزمانَ له انقلابٌ
وحالاتُ ابنِ آدم تَستحيل
ما وقفتُ، يا فَضلُ، على ما غيَّرك بلا سبَب، ولا فَقِهت كيف حالَ حالُك وانقلَب، حتى فعَلت ما شوَّش الخواطِر، وكدَّر الضَّمائر والسَّرائر. هل غيَّرك الزمانُ كما تغير، أو نكَّرك المعروفُ كما تنكَّر، أم كشَف التحقيقُ أستارَ السَّبك، فأبانَ عن الزعَل أثرُ الحك؟ هلا تحريتَ الصواب، وأخلصتَ في العمل يا خلَّاب! أما نظرتَ في العواقِب، وأنذرَك فكرك الثاقِب، حتى قابلتَ الإيجابَ بالسَّلب، والاستقامةَ بالقَلْب، والإقبالَ بالصَّد، والقبول بالرَّد، وفضَّلتَ ولدك يا ابنَ خاقان، على وليِّ نعمتِك ابن سليمان؟!
الفضل : قد حكَم عليَّ — أيها الأغَر — محتومُ القَضاء والقدَر، وما هي يا ابنَ الأجواد، إلا كبوةُ جوَاد، ما غيَّره الزمان، ولا أنكرَه العِرفان، وعدمُ الخطأ أيها المخُدوم، لا يكون لغير مَعصُوم. وأفضَلُ شمائل الجَلال، وأعلى مراتِب الكمال، العفوُ عمن أجرَم وأسَاء، وأحسَن منه يا مولاي من الأُمراء، ما يصدُر منهم، ويُروَى للنَّاس عنهم، من الصَّفحِ والإشفاق، والعفوِ ومَكارم الأَخلاق، لا يُحصيه قلمُ حَصر، ولو كان مدادُه البَحر. فامحُ جُلَّ هفوتي واقبَلْها، ولا أفعَلُ — ما عشتُ — مثلَها.
ابن سليمان :
أعدَى عدوِّكَ أدنَى مَن وَثِقتَ به
فحاذِر الناسَ واصحَبْهم على دخَل
فإنَّما رجلُ الدنيا وواحدُها
من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُل
اذهبا به إلى السِّجن الآن، ريثَما يُقبَض على ولدِه الخوَّان، ونفعَل به ما تقتَضِيه السِّياسة، من حفظِ نامُوس الإمارة والرِّئاسة (يذهبون).

الجزء الثاني

(ابن سليمان – المعين – ابن ساوي)
المعين : حذارِ يا مولاي من خَتله، وقابِلْه بالقتل جزاءَ فعله؛ لأنه عدوٌّ لئيم، وقَتله يا مولاي الفَخيم، نعمةٌ طائلة، وسَعادة مُتواصلة، وعزَّة مُستَصحَبة، وفُرصة غيرُ مترقَّبة، وكذلكَ ولده متى يُقبَضْ، يُلقَ مع أبيه في العَذاب ويُرمَض، لا تُبصر العينان، ولا تَسمع الآذان، فيُقضى العتاب، ويُفضَى إلى العِقاب.
ابن سليمان : سنفعلُ ما قلتَ يا مَعين؛ ولكن بعدما يُقبَض علي نُور الدين.
المعين : لا، يا مولاي المصان، اقتُلِ الآن ابنَ خاقان، وبعدَها نجعلُ على ولدِه الأرصاد، ومتى يُقبَض نجدَع منه الأكبَاد.
ابن سليمان : التأنِّي يا معينُ أنجح، وأنصح في كلِّ الأمور وأصلَح، فلا تكُن عجول، وسيَحصُل المأمُول.
المعين : أنا ما تعمدتُ إنجازَ أمرِه، إلا لتَخلُص من خَتله وخَتره، والتَّسويف — يا مولاي — يغيِّر الأفكَار، ويُفضِي إلى الأماني والأَوتار. والصَّواب يا مولاي هو الإنجَاز، ولك الأمر بالصُّدور والأَعجاز.
ابن سليمان : أغمِض يا معين غضَبَ نجواك، فقد فَقِهت كُنهَ فحوَاك. ولاح لي — يا ابن ساوي — ما أنتَ عليه ناوِي، وهذا لا يمكن ما لم يوجدِ ابنُ الفضل، ولي الأمرُ بعدَها بالعفو أو القَتل؛ فحذارِ من المكايدة، فشباكُها غيرُ صائدة.
المعين : أنا ما تعمَّدت كَيد، ولا نصَبت شِباك صَيد، وما حرَّضْتُك على قتل الفَضل، إلا لعِلمي أنه معدِن الخَتل. وإبقاؤُه خطَر، ونصَب وكدَر.
ابن سليمان : لا تخطِّئْ من يتأيَّد في الأَمر يا معين.

الجزء الثالث

(ابن سليمان – المعين – حاجب)
حاجب : على الباب يا مولاي علي نور الدين.
ابن سليمان : أحضِره بلا تَوانٍ.
حاجب : أمرك يا عليَّ الشَّان (يذهب).

الجزء الرابع

(ابن سليمان – المعين)
المعين : ها، قد حضر — يا مولاي — ابنُ الفضل، فلا تحوِّلْ عزمَك عن القَتل.
ابن سليمان : صبرًا يا معين؛ لنَراه.
المعين : أمرك، يا ساميَ الجاه.

الجزء الخامس

(ابن سليمان – المعين – علي نور الدين – حجاب)
علي :
أُهدي لحَضرتِك الثَّنا وأسلِّمُ
راجي رِضاك به أُقال وأُرحَمُ
حَسبي صلاحُك مُنصِفًا ومساعِدًا
يا أيُّها الشَّهمُ الأجلُّ الأكرَم
صفحًا فحِلمُك بي فديتُك مُنصفًا
وعظيمُ ذنبي منه عفوُك أعظَم
حاشَاك تهدِم ما رفعتَ بناءَه
يا مَن به ثغرُ المَراحم يَبسِم
هذا الكتابُ من الخَليفة سيِّدي
فاقرأْه وارحمَني لعلَّك تُرحَم
ابن سليمان :
لِخليفةِ الهادِي الحياةَ نُقدِّم
ولأمرِه المسموعِ نسعَى ونَخدِم
طبْ يا عليُّ فشمسُ سعدِك أشرقَتْ
وحلَلتَ في حِصنٍ لخَطبِك يُحسَم
علي :
دم بالسِّيادة والسَّعادة ما شَدا
طيرٌ على فنَنٍ ولاحَتْ أنجُم
أنت الذي تُرجَى إذا خَطبٌ طمَا
وتُغيثُ من يرجُو بذاكَ وتَرحَمُ
المعين : وكيف حصلتَ على هذا الكِتاب؟
علي : تحصَّلتُ عليه بعنايةِ الوهَّاب.
ابن سليمان : وهل اجتمعتَ بأميرِ المؤمنين؟
علي : نعم، وأبانَ بتوجُّهاته دائِي الدَّفين.
ابن سليمان : قف ظاهرَ الباب.
علي : أمرك أيها المُهاب (يذهب).

الجزء السادس

(الحاضرون، ماعدا علي نور الدين)
ابن سليمان : هذه آراؤك يا معين، أسخطَتْ علينا أميرَ المؤمنين؛ حتى أرسلَ إلينا هذا الكِتاب، وأنذرَنا فيه بوقوعِ العذاب.
المعين : وهل حقَّقت يا ذا الجَناب، أن الخليفةَ أرسل هذا الكِتاب؟ ومن أينَ لعلي نور الدين، أن يجتمِع بأميرِ المُؤمنين، مع ما له مِن الجَلال، الذي يُرهِب أُسدَ الدِّحال؟! ومتى كان الخليفة يا بازغَ السجية، يخاطبُك بكُتبٍ غيرِ رسمية؟ فهذا الكتاب نفاقٌ وتزوير والخليفةُ ما عنده خبَر، وأنا أستطلع من الوزير جَعفر، بكتاب أبرهن لك فيه يا طاهر الأَصل، أنها من تزويراتِ ابن الفضل. وبعدما تتحقَّق من الكتاب ومينه، تلزمُك الشَّهامَة أن تقتُل الفضل وابنَه؛ جزاءَ إفكِهما المُبين، عليكَ وعلى أمير المُؤمنين.
ابن سليمان : هذا إذا كان الكتابُ مزور، وإذا كان من الخليفة الأفخَر، فماذا يكون الجَواب؟
المعين : الجواب عليَّ بلا استِراب. وثَم ترَى من المعين، تجاهَ أمير المؤمنين، من أجوبة سديدَة، وجُمل مُعجبة مُفيدة، تُعلن ما للفَضل ذي الخَديعة، من سوء سريرةٍ وخبث طَبيعة، وبعدما يَقف الخَليفة على التَّحقيق، ويقلِبه بأصطرلاب القَبول والتَّصديق، يأمرُك بقتل الفضلِ الخوَّان، وابنِه المُهان، حفظًا لنامُوس الخِلافة المُنير، وتربية كل خَئون خَتير.
ابن سليمان : هلمَّ، يا ابن الفَضل!

الجزء السابع

(الحاضرون – علي نور الدين)
علي : لبَّيك، يا ذا العَدل!
ابن سليمان : ما فعلتَ بالقَينة التي استوهَبْتها من أبيك؟
علي : حاضرةٌ يا مولاي. إن شئتَ، تكونُ من بعضِ جواريك.
ابن سليمان : نحنُ لا نشرَب من ماءٍ نجِس يا حَقير. ضُمَّه مع القَينة إلى أبيه أيُّها الوزير، واستطلِع — كما قلت — من الوزير جَعفر بن يحيى، والأمر لمَن بيده الممَاتُ والمحيَا.
المعين : هذا هو الصَّواب. اقبضُوا على هذا الخلَّاب.
علي : عَدلًا، يا ابنَ سليمان.
ابن سليمان : اسكُتْ أيها الخوَّان.
المعين : اسحَبُوه أيُّها الجُنود.
علي : آه! أغثني يا معبُود (يأخذونه)!

الجزء الثامن

(المعين)
المعين :
بالمَكر أبلغُ ما أهوَى من الأمَل
وبالخِداع أنالُ الفوزَ عن عجَل
وإنَّني بهما قد نِلت مطَّلَبي
وسوفُ أُتْمِم ما أَبغِيه بالحِيَل
ويصبحُ الدهرُ لي طوعًا على صِغَر
أقودُه ببَناني قودةَ الجَمَل
كذا خُلقتُ كما قد شَاء ربيَ لي
فلا أخافُ ولا أخشَى من الخجَل
فإنَّ من لم يكُن في الدهر ذا حِيَل
تُنيله ما يرجَّى ليسَ بالرجُل
تم الفصل الثالث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤