مقدمات تمهيدية
هل الفراسة علم صحيح
للعلماء في علم الفراسة أقوال متناقضة، فمن قائل بصحَّته إلى أدقِّ جزئياته، وقائل بفساده من أساسه، وبينهما أقوال متفاوتة لا محلَّ لتفصيلها، وعندنا أن الفراسة علم صحيح إلى حدٍّ محدود، إذ لا يختلف اثنان في إمكان الاستدلال على أخلاق الناس من النظر إلى ظواهرهم، من منا لا يتفق له أن يرى رجلًا فيتوسم فيه الذكاء والفهم وسلامة النيَّة ويرى رجلًا آخر فيحكم عليه بالحمق والرياء أو خبث النيَّة، وكم نرى من رجال لا نتمالك إذا نظرنا إلى هاماتهم وتكوين جماجمهم عن أن نحكم بشجاعتهم أو جبنهم بذكائهم أو عيِّهم، وفي التاريخ أدلة لا تُحصى تؤيد ما نقوله بأجلى بيان فضلًا عمَّا جاء على ألسنة الأنبياء والحكماء.
ففي أمثال سليمان: «ذو الإثم هو رجل بليعال، فإنه يسعى بخيانة الفم يغمز بعينيه ويتكلم برجليه ويعلم بأصابعه»، و«من أغمض عينيه فلكي يفكر في الخدائع، ومن عض على شفتيه فقد أتمَّ الشر» و«في وجه الفطن تضيء الحكمة، وعينا الجاهل في أقاسي الأرض.»
وقال يشوع بن سيراخ في كتابه (ص١٣ ع٣١ و٣٢): «قلب الإنسان يغير وجهه إما إلى الخير وإما إلى الشر، طلاقة الوجه من طيب القلب، والبحث عن الأمثال يجهد الأفكار» و(ص١٩ ع٢٦ و٢٧) «من منظره يُعرف الرجل، ومن استقبال وجهه يُعرف العاقل، لبسة الرجل وضحكة الأسنان ومشية الإنسان تخبر بما هو عليه.»
وفي القرآن: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وتَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وفي الحديث: «اتقوا فراسة المؤمن»، و«اطلبوا الخير عند حسان الوجوه»، وقال الإمام عليٌّ: «ما أضمر أحد شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.» ومن الحكم المأثورة: «عين المرء عنوان قلبه.»
ولعلماء الأخلاق أقوال عديدة تؤيد ما تقدَّم لا حاجة بنا إلى إيرادها، وإنما نعمد إلى الأدلة الحسية والشواهد العيانية، ألم يكن محمد علي باشا الكبير لحسن فراسته يستطلع أخلاق المذنب ويحكم عليه لمجرد ما يظهر له من ملامحه؟ وقد كان يفعل مثل ذلك أيضًا علي بك الكبير أمير المماليك في القرن الثامن عشر، وكثيرًا ما نسمع بأمثال هذه الفراسة عن الأمير بشير الشهابي الشهير وعن إبراهيم باشا المصري وغيرهما من رجال الذكاء والاقتدار ممن عاصرناهم أو سمعنا عنهم، ناهيك بما في التاريخ من أمثلة هذه الحوادث مما يضيق المقام عن استيفائه، ومرجعه إلى أن بواطن الإنسان تتجلى في ظواهره وخصوصًا في وجهه.
إذا جاءك شابٌّ يلتمس منك مصلحة فلا بد من أن يؤثِّر منظره فيك تأثيرًا تبني عليه حكمك في أخلاقه، فقد يتبادر إلى ذهنك أنه نشيط مقدام أو كسول خامل أو خفيف الروح أو ثقيلها أو ذكي الفؤاد أو أحمق أو غير ذلك، ولو سئلت عمَّا حملك على ذلك الحكم ما استطعت تفصيل السبب، وقد تقول إنك استطلعت ذلك من شكل عينيه أو حجم رأسه أو ما شاكل، ولكن ذلك التأثير لم يحدث عبثًا، ولا بد من روابط بين الظواهر والبواطن، وهذا هو أساس البحث في علم الفراسة، فإن أصحاب هذا الفن نظروا في تلك العلاقات ورتَّبوها في أبواب، وأيدوها بالحقائق الطبيعية أو العقلية إلى ما بلغ إليه جهدهم، فوجدوا لشكل الذقن مثلًا علاقة بالمحبة والبغض والثبات والتقلب، ورأوا لألوان العين وأشكالها علاقة بالذكاء والبله. ووجدوا نحو تلك العلاقة في أشكال الجبين وأقداره، فرتبوا ذلك بشكل علم له قواعد وروابط.
ولكن بعضهم تطرَّفوا في تلك الدلالات حتى نسبوا إلى كل نكتة في البدن خلقًا أو قوة. فقالوا مثلًا: «من كان على جانبي عنقه شامة كان تقيًّا وفيًّا»، و«من كان بإحدى أصابع يده شامة كان رديء الحظ ممقوتًا سيئ الأخلاق»، وقِس على ذلك دلالات خطوط الكفِّ ونحوها.
ومن الأدلة على صحة علم الفراسة اختلاف الناس في أخلاقهم وقواهم باختلاف طبائعهم وأمزجتهم، فإن أهل كل مزاج يشتركون بظواهر متشابهة وبواطن متشابهة كما سنبيِّنه في حينه. وكذلك اختلاف طبائع الناس باختلاف أصنافهم، فللقوقاسي سحنة يشترك فيها كل القوقاسيين، وهم يشتركون أيضًا في أخلاقهم وعقولهم وسائر أحوالهم، والزنوج يتشابهون في أشكال وجوههم ورءوسهم وأبدانهم، ويتشابهون أيضًا بأخلاقهم وعقولهم، ويقال مثل ذلك في الصنف الأحمر والأصفر.
ومن هذا القبيل أيضًا فراسة الأمم واشتراك كل أمة بأخلاق ظاهرة تدل على أخلاقها الباطنة، فإن للمصري مثلًا سحنة خصوصية وأخلاقًا خصوصية، وكذلك الهندي والصيني، ولرأس الألماني شكل خاص وله مزايا خاصَّة يمتاز بها عن الفرنساوي كما تمتاز سحنته عن سحنته، وقد كان للرومان سحنة غير سحنة اليونان، وكان لهم أخلاق غير أخلاقهم ومواهب غير مواهبهم.
وزد على ذلك أنك لو أمعنت النظر لرأيت لأهل المهن العقلية صفات خاصَّة بكل مهنة تشترك بين أفرادها ظاهرًا وباطنًا وتمتاز عمَّا لأهل المهن الأخرى؛ فللمصورين سحن متشابهة، وهم متشابهون في الأخلاق، ويصدق ذلك أيضًا على القواد ورجال الدين والموسيقيين والشعراء وغيرهم، وسنأتي على تفصيل ذلك فيما بعد، وبالجملة فالفراسة علم طبيعي مبني على قواعد ثابتة إلى حدٍّ محدود كما سنبينه في مواضعه.
هل تصدق الفراسة دائمًا
وحجة القائلين بفساد علم الفراسة أن أحكامه لا تصدق دائمًا، فمن أحكامه مثلًا أن سعة الجبهة وبروزها وعلوَّها تدل على الذكاء والتعقُّل، ولكنك ترى كثيرين من أصحاب هذه الجباه ضعفاء العقول، وقِس عليه حكمهم في عكس ذلك، والسبب في حدوث هذا الخطأ أننا نحكم على أخلاق الرجل بالنظر إلى دليل واحد ولا نعتبر الأدلة الأخرى، وقد يكون في ظواهر أعضائه الأخرى ما يناقض دليل جبهته ويدل على ضعفه أو بالعكس.
ويقال مثل ذلك في من يصاب بالجنون؛ فإن سحنته تتغير تغيرًا كليًّا، حتى إذا كنت تعرفه في حال تعقُّله ورأيته في حال جنونه فتكاد لا تعرفه، وكثيرًا ما نشاهد ذلك في من يصابون بحمَّى الدماغ ويعتريهم جنون وقتيٌّ؛ فإن سحنتهم تتبدل، فإذا فارقتهم الحمَّى عادوا إلى ما كانوا عليه، أليس ذلك كله لعلاقة ثابتة بين حال الدماغ وظواهر السحنة؟!
وبناء على ما قدمناه فالفراسة علم طبيعي صحيح، وإذا أخطأت أحكامه في بعض الأحوال فلعوارض طارئة كما تقدم، أو لقصر الأبحاث فيه حتى الآن مما يرجى ملافاته بالبحث الطويل على مرور الأيام بما يكتشفونه من العلاقات والأسباب.
وفي كل حال فإن الحكم الصحيح في هذا الفن لا يتأتَّى إلا للذين يحسنون دراسته وتفهُّمه ويعتبرون ما قدَّمناه وإلا كان حكمهم عرضة للخطأ، ولذلك قال الطرسوسي: «إن علم الفراسة حرام على الأغبياء.»
الفراسة قريحة خاصَّة
وعندنا مع ذلك أن الفراسة ملَكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها، فهي كالشعر ونحوه من الفنون الجميلة، فقد ينظم غير الشاعر ولكنه لا يكون شاعرًا، وكذلك التصوير فإنه لا يبرع فيه إلا الذين فُطروا عليه منذ ولادتهم، وهكذا يقال في الموسيقى، وهي أقرب تلك الفنون إلى علم الفراسة، فإن الموسيقي الحقيقي يدرك من طبقات الأنغام ما لا يدركه غيره، فقد تسمع لحنًا فتطرب له ولا تدرك فيه نقصًا ولو مهما أجهدت نفسك في انتقاده، وأما الموسيقي فإنه يكشف الخطأ بمجرد سماع النغم، وكذلك المتفرِّس إذا لم يكن مفطورًا على الفراسة مستعدًّا لقبولها فكثيرًا ما تكون أحكامه فاسدة، وقد تفوته أمور كثيرة لا يفطن لها.
ويدل على أن الفراسة ملكة طبيعية يمتاز بها أناس دون آخرين أنك تراها في بعض الناس خِلقية بلا علم ولا درس، وترى جماعة يُفْنون العمر في درسها ولا يُتقنونها؛ فقد كان محمد علي باشا وعلي بك الكبير والأمير بشير كما تقدَّم أصحاب فراسة بلا علمٍ، فلو تعلَّموا هذا الفن لكانوا من النابغين فيه، وهو في كل حالٍ يحتاج إلى الذكاء وحدَّة الذهن وسرعة الخاطر. وذكروا أن الحسن ابن السقاء من موالي بني سليم كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطئ، وكان حَزْرُه للمكيول والموزون والمعدود سواء حتى يقول: إن في هذه الرمانة كذا وكذا حبة، وزِنَتُها كذا وكذا، ويأخذ العُود الآسَ فيقول: فيه كذا وكذا ورقة، فاختصاص هذا الرجل وأمثاله بذلك يدل على أن الفراسة ملكة غريزية.
وقد يتبادر إلى الذهن أن الفراسة تتبع الذكاء أو هي نتيجته، والواقع أنها لا تستغني عن الذكاء ولكنها غيره كما يظهر للمتأمل، وإنما هي تحتاج إلى دقَّة الملاحظة وسرعة الخاطر.
ومما هو حريٌّ بالاعتبار أن النساء أقدر من الرجال على هذا الفن؛ لأن للمرأة مقدرة خصوصية على استطلاع أخلاق الناس، وهي تستطيع ذلك بالبداهة بلا برهان ولا تعليل، فإذا رأت رجلًا لا تلبث أن تتفرس فيه حتى تحكم في أخلاقه حكمًا قاطعًا كأنها تقرأه في كتابٍ مُنزل، ولكنك إذا كلفتها البرهان على قولها لم تجد لها إليه سبيلًا، وهي مزيَّة يعترف لها بها علماء العقليات والأخلاق، وهم يُميزون بينها وبين الرجل بأنها تحكم بعواطفها وهو يحكم بعقله.
فروع علم الفراسة
قلنا: إن موضوع الفراسة الاستدلال على الخُلق الباطن من النظر إلى الخَلق الظاهر، ولا يراد بذلك مجرد النظر في ملامح الوجه أو شكل القامة، ولكنهم استدلُّوا على الأخلاق بالنظر إلى أعمال الجسم، كالمشي والكتابة ونحوهما، ناهيك بما استدلُّوا به من خطوط الكفِّ وأشكال الجمجمة وغير ذلك، فالفراسة علم واسع، ومن فروعه فراسة الرأس وفراسة الوجه وفراسة الكفِّ وفراسة المشي وفراسة الخط وفراسة المقابلة، وهي الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات و…
تعليل الفراسة
معلوم أن لكل عاطفة من عواطف الإنسان تأثيرًا خاصًّا في ملامح وجهه، فإذا غضب أحدنا أو حزن أو فرح أو اهتمَّ ظهر أثر كلٍّ من هذه العواطف على وجهه، وعندنا علامة للغضب وأخرى للفرح وأخرى للاهتمام، ومعنى هذا التأثير طبِّيًّا تغيير يحدث في عضلات الوجه تحت الجلد فتنكمش أو تنقبض أو تنبسط تبعًا للتأثير الذي أصابها فتتغير ملامح الوجه، ومن النواميس الطبيعية أن الأجسام الحية تنمو وتكبر بالاستعمال وتضعُف وتندثر بالإهمال، ويعلِّلون ذلك النمو بتوارد الدم إلى العضو في أثناء استعماله، وكلما زاد عمله زاد توارد الدم إليه فيزداد نموه، وذلك هو شأن عضلات الوجه أيضًا، فإن ما يتكرر استعماله منها يزداد نموه. فلو تعوَّد أحدنا الغضب كل يوم فإن العضلة التي تنقبض للغضب يزداد نموها، وقد يدوم انقباضها حتى تظهر هيئة الغضب على الوجه في غير حال الغضب، وقِس على ذلك ما يصيب عضلات العواطف الأخرى.
وإذا أبصرت رجلًا طويل القامة عريض المنكبين قلت إنه شجاع، وإذا رأيت آخر عريض المنكبين واسع الصدر حكمت بتأنِّيه وحزمه وعلوِّ همته، وبعكس ذلك ضيِّق الصدر فإنه عَجول قلق ضعيف العزيمة، ويعلِّلون بذلك أن واسع الصدر يكون كبير الرئتين فيستنشق من الهواء في مرة ما يُغنيه عن سرعة التنفس فيكون رزينًا صبورًا.
وتنطبق هذه الحقيقة على الحيوان أيضًا؛ فإن الضعيف من الحيوانات قصير الخطو سريعه، والقوي طويله، فذوات الصدر الضيق تسرع في الركض وواسعة الصدر تتأنَّى فيه، فالأرنب كثيرة الخوف نحيفة البنية سريعة الحركة وصدرها ضيق، وأما الأسد والفيل فإنهما كبيرَا الصدر وكلاهما صبور حازم شجاع، وتعليل ذلك أن التنفس مصدر الحرارة وبانقطاعه تنقطع الحياة، وإليه مرجع القوة والهمَّة والنشاط، فكلما يساعد على ادِّخاره يزيد في أسباب الهمَّة والنشاط. وفيما تقدم مثالٌ لعلاقة الخلق الباطن بالخلق الظاهر وتعليله بالنواميس الطبيعية.
خلاصة تشريحية
ولما كانت الفراسة تبحث في أشكال الأعضاء رأينا أن نبين نسبة تلك الأعضاء بعضها إلى البعض.
إذا نظرت إلى الجسم الإنساني رأيته مؤلَّفًا من أجزاء صلبة وهي العظام، وأجزاء لدنة وهي اللحم، وأجزاء سائلة وهي الدم والمفرزات الأخرى، وإذا تأملنا في وظائف تلك الأعضاء رأينا لها تقسيمًا آخر، فهي بهذا الاعتبار تُقسَّم إلى ثلاثة أجهزة: (١) جهاز الحركة، (٢) جهاز التغذية، (٣) الجهاز العصبي.
تنبيه:
إن الأحرف الإفرنجية في أوائل هذه السطور إشارة إلى أمثالها في الرسم المقابل، وكل حرف يدل على عضو يتصل إليه بخطٍّ منقط.
فالجذع هو الجزء المتوسط، وبه تتصل سائر الأجزاء، وهو عبارة عن العمود الفقري والأضلاع والحوض، ويتألف من الأضلاع قفص تستقرُّ فيه الأحشاء الصدرية، أما الخلاء بين القفص الصدري والحوض فيتألف منه التجويف البطني وتستقر فيه المعدة والأمعاء وسائر الأحشاء البطنية.
وعماد الجذع أو هو عماد الجسم كله «العمود الفقري» وهو مؤلف من فقرات متراصَّة بعضها فوق بعض ويستقر عليه الرأس في أعلى العنق، وتنشأ منه في أسفل العنق الأضلاع وبها تتصل الكتفان وبهما يتعلق الطرفان العلويان، ويتعلق بالجذع من الأسفل الطرفان السفليان.
والفقرات حلقات تستطرق ثقوبها بعضها إلى بعض فيتألف من مجموعها قناة يستقر بها النخاع الشوكي (الدودة الظهرية) والنخاع المذكور حبل عصبي ينتهي إلى قاعدة الجمجمة من ثقب في أسفل الرأس وهناك يتصل بالدماغ.
-
(a) العظم الجبهي.
-
(b) والجداريان.
-
(g) والعظم المؤخري.
-
(c) والصدغيان.
-
(d) والفك السفلي.
-
(e) والفكان العلويان.
-
(f) والوجنيان، وللفك السفلي أهمية كبرى في علم الفراسة، فانتبه له.
وأما الأطراف فأربعة: اثنان علويان واثنان سفليان لا حاجة بنا إلى تفصيلهما.
(١) فالعضلة المؤخرية الجبهية: عضلة رقيقة تنشأ من مؤخر الجمجمة وتسير إلى الأمام على مقدَّم الجبهة حتى تختلط بالحاجبين، فإذا انقبضت أليافها شدت الحاجبين إلى الأعلى، (٢) والعضلة المجعدة للحاجب: تختلط بالسابقة، ووظيفتها تقطيب الحاجبين عند العبوسة، ولها طرف يندغم بأعلى الأنف فيساعد على جذب الحاجبين إلى الوسط والأسفل، (٣) والعضلة المستديرة الجفنية: تختص بحركة الجفنين من قبض أو بسط أو فتح أو إطباق، (٤) والعضلة الرافعة للشفة العليا ولجناح الأنف: اسمها يدل على وظيفتها، (٥) والضاغطة للأنف: تنشأ من الفك العلوي عند أسناخ الأسنان العليا وتندغم في الغضروف الأنفي، وبانقباضها تجذب جناح الأنف إلى الأسفل فينضغط.
هذه أشهر عضلات الوجه، ومنها يتكون الوجه، وبانقباضها وانبساطها تتبدل الملامح وتظهر العواطف، ولا بد من استيعابها واستبقائها في الذاكرة؛ إذ قد نضطر إلى ذكرها في أثناء كلامنا فيما يلي.
فالجهاز الدموي يدور به الدم، وهو مؤلف من القلب والشرايين والأوردة، فالأوردة تحمل الدم الفاسد من أطراف الجسد إلى القلب حتى يتطهر في الرئتين، والشرايين تحمل الدم المطهر إلى أطراف الجسد لتغذية الأعضاء.
والجهاز الليمفاوي أنابيب دقيقة شفافة متصلة بالغدد المنتشرة في أنحاء الجسد، وأكثرها في العنق والإبط والأربية، ووظيفة الأوعية الليمفاوية امتصاص سائل الليمفا من الأنسجة وحمله إلى الأوردة، وهناك يختلط بالدم الفاسد الذاهب إلى التطهير، ومن أهم وظائفها أنها إذا قلَّ الغذاء المحمول إلى الأنسجة لسبب من الأسباب كالجوع أو المرض أذابت الدهن المختزن في النسيج الخلوي تحت الجلد وحملته إلى الجهاز الدموي للاغتذاء به، وهذا هو تعليل الهزال الذي يصيب الجائعين أو المرضى، ومن الأوعية الليمفاوية جزء يقال له الأوعية اللبنية تمتص الطعام المهضوم من الأمعاء وتحمله إلى القناة الصدرية ومنها إلى الدم.
وأما الغدد — ويُسمونها أيضًا المرشحات؛ لأنها تعمل عملًا يشبه الترشيح أو التصفية — فهي ذات أهمية كبرى في التغذية، وبعضهم يعدُّ المعدة والأمعاء والكبد من جملتها؛ لأنها أعضاء مفرزة، ولكننا عددناها من أعضاء الهضم، ويلحقها الغدد المساعدة على الهضم كالغدد التي تفرز اللعاب والصفراء والعصير البنكرياسي، ما عدا الغدد التي تفرز بقايا المواد المندثرة كالكلى والجلد.
- (١) المخ: وهو القسم الأكبر، ويشغل أعلى الجمجمة من الجبهة إلى مؤخر الرأس. وهو فصَّان جانبيان يفصل بينهما شقٌّ غائر (x). وفي كل منهما ميازيب متعرجة غير منتظمة تسمى تلافيف المخ، وإذا قطعنا المخ حتى ينفصل إلى قسمين رأينا باطنه أبيض اللون وظاهره سنجابيًّا، ولتشريح المخ علاقة كبيرة في درس الفراسة، وخصوصًا فراسة الرأس؛ لأن الدماغ آلة العقل، وقد وجدوا بالاستقراء أن لتلافيفه دخلًا كبيرًا في الأعمال العقلية، فإن القوى العقلية ترتقي كلما نمت تلك التلافيف وتعرجت.
- (٢)
المخيخ: ويشغل أسفل مؤخر الرأس عند العظم المؤخري، وله شأن في الفراسة؛ لأنه مركز الحب الجنسي.
- (٣)
النخاع المستطيل: وهو جسم هرمي الشكل طوله ثلاثة سنتيمترات إلى أربعة، إذا وصل إلى قاعدة الجمجمة اتصل بالحبل الشوكي، وفي النخاع المستطيل مكان إذا وُخز بإبرة أمات صاحبه حالًا لأنه مركز التنفس.
وأما الحبل الشوكي فهو حبل عصبي يتصل بالنخاع المستطيل عند فتحة الجمجمة، ويمتد في القناة الشوكية بالعمود الفقري إلى العجز، وهو مؤلف من الجوهرين السنجابي والأبيض، ولكن السنجابي من الداخل والأبيض من الظاهر عكس ما في الدماغ، ويتفرع من الحبل الشوكي أعصاب تخرج من بين الفقرات إلى سائر أجزاء الجسد، وعليها تتوقف حركات البدن.
ناموس التشابه
إذا نظرت إلى الكائنات بوجه الإجمال رأيت لكل منها خاصَّة وشلًا يمتاز بهما عن سواه، فإن لبر الشام مثلًا إقليمًا غير إقليم مصر، وشكل أرضه يختلف عن شكل أرضها، ولبنان يمتاز عنهما جميعًا، ولكل من هذه البقاع خاصَّةٌ تمتاز عمَّا للأخرى بنسبة ما بينهما من الفرق. وهكذا لو أجَلت النظر في عالم النبات فإنك ترى بين أنواعه فرقًا تختلف ظواهره باختلاف خصائصه، ويقال مثل ذلك في الحيوان.
- (١)
أن الأنواع المتشابهة شكلًا تتشابه عملًا، والعكس بالعكس.
- (٢)
أن التشابه أكثر وضوحًا في الجماد مما في النبات، وفي هذا أوضح مما في الحيوان.
وبعبارة أخرى: إن التشابه بين بلَّورتين من بلَّورات الملح يكاد يكون تامًّا، وأما بين قمحتين أو شعيرتين أو تفاحتين فالتشابه أبعد، وهو أبعد من ذلك بين فرسين أو نعجتين أو دجاجتين، وأما في الإنسان فالاختلاف بين أفراده أبعد مما بعد سائر أنواع الحيوان، وهو أكثر في الأمم المرتقية مما في الأمم المتوحشة، فالاختلاف بين عشرة من زنوج أفريقيا أقل مما بين عشرة من أهل أوروبا.
ومعلوم أن وظائف المخلوقات أو أعمالها المفروضة عليها تكثر وتتعدد بزيادة ارتقائها في سلَّم الوجود، فالجماد أقل عملًا من النبات، وهذا أقل عملًا من الحيوان، وأما الإنسان فإنه أكثر عملًا من الجميع.
وبناء على ما تقدم أن ظواهر الأجسام تختلف باختلاف بواطنها، فكلما تفرعت أعمال الجسم تعددت ظواهره، وما ذلك إلا لعلاقة ثابتة بين ظواهر الأجسام وبواطنها والخلق الظاهر يدل على الخلق الباطن، وهي الفراسة.
ناموس التناسب
ضع بين يدي النباتيِّ ورقة من شجرة وهو يصف لك نوع تلك الشجرة وحجمها وشكل أثمارها. وادفع إلى العالم بطبائع الحيوان عظمة من عظام حيوان لا يعرفه فيصف لك شكل هيكله العظمي، وقد يلبسه العضل ويكسوه بالجلد والشعر، وربما وصف لك طباعه، وما ذلك إلا لأن في الأجسام الحية ناموسًا يقضي بتناسب أعضائها شكلًا ووظيفة، فالشجرة المستطيلة كل شيء فيها مستطيل من الساق إلى الأغصان فالورق فالثمر، والشجرة المستديرة كل ما فيها مستدير ولو كانت الشجرتان من نوع واحد، فالتفاحة المستطيلة تحمل تفاحًا مستطيلًا، والتفاحة المستديرة تحمل تفاحًا مستديرًا، وقِس على ذلك.
والتناسب المشار إليه أكثر ظهورًا في الحيوان مما في النبات، وفي الإنسان أوضح مما في الجميع، فإن أشكال قوائم كل حيوان تناسب شكل سائر بدنه، وهي تتناسب في كل فرد من أفراد النوع الواحد تناسبًا خاصًّا، فالإنسان الطويل يكون رأسه مستطيلًا وأطرافه مستطيلة وكفاه مستطيلتين وقدماه مستطيلتين، وربع القامة تميل أعضاؤه إلى التربيع، ويقال نحو ذلك في القصير، كما ترى بهذه الأشكال.
وللمصورين والنحاتين من زمن اليونان والرومان إلى الآن قواعد يبنون عليها إتقان صناعتهم بما تقتضيه من التناسب بين أعضاء الجسم، فالقامة عندهم ستَّة أضعاف طول القدم. وطول الوجه من أعلى الجبهة إلى أسفل الذقن كطول الكفِّ من الرسغ إلى طرف الوسطى، وكل منهما يساوي عُشر القامة، والصدر ربع القامة، ومن أعلى الصدر إلى أعلى الجبهة سُبع القامة. ومحيط الرسغ نصف محيط العنق، وإذا قسمت الوجه إلى ثلاثة أقسام متساوية انتهى القسم الأول منها عند التقاء الحاجبين، والثاني في طرف الأنف، والثالث في أسفل الذقن، والقامة إذا قُسمت إلى نصفين كانت السرَّة وسطًا بينهما، فإذا توسَّد الإنسان على ظهره وأسبل ذراعيه إلى جنبيه وجعل السرَّة مركزًا ورسم دائرة فإنها تمس الرأس والقدمين على السواء، وإذا بسط الرجل ذراعيه عرضًا على زاوية قائمة من جسمه كانت المسافة بين طرفي الأنامل طول القامة تمامًا.
هذه هي القواعد العامَّة في تناسب الأعضاء، يسير عليها المصورون والنحاتون في إتقان صناعتهم، ولكنها صور ذهنية لا تكاد تنطبق على الواقع، إذ يندر أن يتفق ذلك التناسب بالضبط الكلي في جسم لما قدمناه من ميل الطبيعة إلى التنوع والتفرع تبعًا للمؤثرات الخارجية أو للوراثة أو لأحوال أخرى، ومن أكبر المؤثرات في ذلك التفاوت اختصاص بعض الأعضاء بالعمل دون البعض الآخر، وأكثر ما يكون ذلك في الرياضة البدنية؛ فإن الأعضاء التي تُستعمل تنمو وتتقوى، وتبقى سائر الأعضاء كما هي فيختل التوازن، وأعدل الأمزجة ما تناسبت فيه الأعضاء تناسبًا تامًّا ولم يتغلب فيه عضو على عضو ولا جهاز على جهاز.
فراسة الأمزجة
- رأي القدماء: ذكر بوقراط أبو الطب أربعة أمزجة ميَّز بينها بتغلب إحدى الطبائع التي يتألف منها الجسم
على رأيه، وهي أربع: الدم والليمفا والصفراء والسوداء، فما تغلب من هذه الطبائع نُسب
المزاج إليه، ومنها أسماء الأمزجة، وهي: الدموي والليمفاوي والصفراوي والسوداوي، وأضاف
بعضهم المزاج العصبي وأبطل السوداوي.
- (١) المزاج الدموي: وصاحبه مشرق الوجه، محمرُّ البشرة، أزرق العينين، ممتلئ الأعضاء، لامع
الشعر، مع
ميل إلى لون الخروب، حاد الطبع، سريع الحكم، سريع التقلُّب، ممتلئ النبض سريعه
شكل ١٢.
- (٢) الليمفاوي: وصاحب هذا المزاج متراخٍ، بطيء الحركة، ليِّن العضل، ممتلئ الجلد مع رخاوة
وضعف،
مستدير الجبهة، أبيض البشرة ممتقعها، باهت العينين والشعر، غليظ المفاصل، فاتر
العزيمة، بطيء التأثر، ضعيف النبض شكل ١٣.
- (٣) الصفراوي: وصاحب هذا المزاج قوي البنية، صلب الأعضاء، واضح الملامح، أسمر البشرة أو
أصفرها، أسود الشعر والعينين، قوي النبض بطيئه، حازم، نشيط، ثابت العزيمة شكل
١٤.
- (٤) العصبي: وصاحبه خفيف العضل، رقيق الشفتين، لامع العينين، سريع النبض على غير امتلاء،
سريع الانتباه، سريع الحركة، ناعم الشعر، نحيف البنية، سريع التأثر شكل ١٥.
وأما السوداوي فإنه يشبه الصفراوي، لكن صاحبه أقل نشاطًا وأضعف بدنًا وعقلًا، مع ميل إلى الانقباض والانفراد.
هذه هي الأمزجة على رأي القدماء، وأسماؤها تدل على أن واضعيها إنما بنوها على بعض الظواهر البدنية بقطع النظر عن خصائص الأعضاء على مقتضى التشريح والفيسيولوجيا، وكأن مرجع الأمزجة عندهم إلى أربعة أعضاء رئيسية وهي: المعدة والكبد والقلب والدماغ.
- (١) المزاج الدموي: وصاحبه مشرق الوجه، محمرُّ البشرة، أزرق العينين، ممتلئ الأعضاء، لامع
الشعر، مع
ميل إلى لون الخروب، حاد الطبع، سريع الحكم، سريع التقلُّب، ممتلئ النبض سريعه
شكل ١٢.
- رأي المحدثين: وأما اليوم فقد قسَّموا الأمزجة على مقتضى العلم الحديث، فجعلوها ثلاثة حسب انقسام
أعمالها، فقد تبين مما قدمناه في الخلاصة التشريحية أن أهم أجزاء البدن المجموع العصبي
والمجموع الغذائي والمجموع العضلي، فبنوا حكمهم في تقسيم الأمزجة على تغلُّب أحد هذه
المجاميع، فمن تغلب فيه المجموع العصبي سمَّوه عصبيًّا، ومن غلب فيه العضل سموه عضليًّا،
ومن
تغلب فيه الغذاء سموه حيويًّا، وعليه فالأمزجة على التقسيم الجديد ثلاثة: العضلي
والحيوي والعصبي.
- (١) المزاج العضلي: أو مزاج الحركة، وهو يشمل العظام والعضلات، وبهما تتم الحركات البدنية.
وصاحب هذا المزاج كبير العظام، طويل القامة غالبًا، خشن البنية، مستطيل الوجه،
بارز الوجنات، كبير الأسنان القواطع، مستطيل العنق، عريض المنكبين، معتدل الصدر
سعةً وامتلاءً، متوسط حجم البطن، طويل الأطراف، قوي العضل، أسمر اللون، أسود
الشعر غزيره وقويه، بارز التقاطيع والملامح، ثابت الطبع، قوي في كل شيء، قوي
البدن، قوي العزيمة، قوي الإرادة، ويغلب أن يكون من أهل البطش، وله السيادة
والنفوذ على مريديه ومعارفه، يقودهم بأفكاره وأعماله كما يشاء، وصاحب هذا
المزاج كبير في كل شيء، إما في الحرب أو في التجارة أو في السياسة أو في
العلم أو في الصناعة، ولا بد من امتيازه على رفاقه بالخير أو بالشر، وتغلب
فيه الخشونة وصلابة الرأي، وقد كان هذا المزاج متغلبًا في الرومانيين، وهم
أصحاب المطامع الكبيرة والهمم العالية.
وأصحاب هذا المزاج قويو الإرادة، شديدو العزيمة، أهل همَّة وإقدام، ويغلب فيهم حب السيف على حب القلم، لا يميلون إلى النحافة والملاطفة ولين المعاشرة.
ولهذا المزاج تنوعات وفروع لا محل لتفصيلها، ومن أوضح أبدان أصحاب المزاج العضلي صور المصارعين الرومانيين شكل ١٧. - (٢) المزاج الحيوي: يمتاز أصحاب هذا المزاج بقوة أعضائهم الغذائية ومقرها في الأحشاء؛ ولذلك
كان الجذع فيهم عريضًا كبيرًا بالنظر إلى الأطراف، ويغلب في أعضائهم
الاستدارة، وجوههم مستديرة، ومناخيرهم واسعة، وأعناقهم قصيرة، وأكتافهم عريضة
ومستديرة، وصدورهم رحبة، وأذرعتهم ممتلئة، وأكفُّهم قصيرة، والبشرة فيهم محمرة
غالبًا، والوجه مشرق بابتسام، والشعر ناعم حريري أسود أو مائل إلى السواد،
والعينان رشيقتان سوداوان أو زرقاوان، والأنف عريض شكل ١٨.
وهم ميالون إلى الرياضة، لا يستطيعون البطالة، فتراهم دائمًا في شغل، ولكنهم يفضلون الاشتغال باللهو على الأعمال الشاقة، وهم أهل نشاط وهمَّة واندفاع وحمية وذكاء وسرعة خاطر مع تقلب وتردد، يحفظون سريعًا وينسون سريعًا، ذكاؤهم أكثر من ثباتهم، وظواهرهم أكثر من بواطنهم، وهم أهل عواطف، ولكنها تهب عاجلًا وتخمد عاجلًا، ويغلب فيهم الميل إلى اللهو والترف والتأنق في المأكل والمشرب، وعندهم «أن الإنسان يجب أن يتمتع بكل ملاذ الحياة ما دام حيًّا» ومن أسباب السعادة عندهم أن يبقوا أحياء، ويكثر أصحاب هذا المزاج في إنكلترا.
- (٣) المزاج العصبي: وهو كالمزاج العصبي في التعريف القديم، ومرجعه إلى تغلب المجموع النخاعي
الشوكي وخصوصًا الدماغ، وصاحبه رقيق الجسم، كبير الرأس، بيضي الوجه، بارز
الجبهة عريضها، براق العينين، دقيق العنق، متوسط الصدر، إذا نظرت إلى مجمله
رأيته أقرب إلى اللطف والدماثة مما إلى القوة والخشونة، وهو ناعم الشعر
أسوده، أملس البشرة، حادُّ الصوت متنوعه، ويكثر هذا المزاج في النساء، فالمرأة
العصبية يغلب فيها الجمال وخفَّة الروح، ولكنها تشتهي استدارة الزندين وانتفاخ
الخدين وامتلاء الجسم.
ومن أخلاق صاحب هذا المزاج شدة الإحساس وسلامة الذوق وحب الجمال الطبيعي والصناعي وسرعة الانتباه مع سرعة الخاطر وقوة العواطف وحدَّة الذهن ودقَّة الشعور، وهو مزاج أرباب الفنون الجميلة وخصوصًا الشعراء، والمزاج العصبي آخذ في الانتشار اليوم في العالم المتمدن؛ نظرًا لاشتغال الناس بعقولهم وإهمالهم أبدانهم وخصوصًا النساء.
ويندر أن يتفرد الإنسان بمزاج من هذه دون سواه، والغالب أن يكون المزاج مزيجًا من اثنين، فينشأ من ذلك أمزجة ثانوية وهي ستَّة:- (١) المزاج العضلي الحيوي.
- (٢) المزاج العضلي العقلي.
- (٣) المزاج الحيوي العضلي.
- (٤) المزاج الحيوي العقلي.
- (٥) المزاج العقلي العضلي.
- (٦) المزاج العقلي الحيوي.
- (١) المزاج العضلي: أو مزاج الحركة، وهو يشمل العظام والعضلات، وبهما تتم الحركات البدنية.
وصاحب هذا المزاج كبير العظام، طويل القامة غالبًا، خشن البنية، مستطيل الوجه،
بارز الوجنات، كبير الأسنان القواطع، مستطيل العنق، عريض المنكبين، معتدل الصدر
سعةً وامتلاءً، متوسط حجم البطن، طويل الأطراف، قوي العضل، أسمر اللون، أسود
الشعر غزيره وقويه، بارز التقاطيع والملامح، ثابت الطبع، قوي في كل شيء، قوي
البدن، قوي العزيمة، قوي الإرادة، ويغلب أن يكون من أهل البطش، وله السيادة
والنفوذ على مريديه ومعارفه، يقودهم بأفكاره وأعماله كما يشاء، وصاحب هذا
المزاج كبير في كل شيء، إما في الحرب أو في التجارة أو في السياسة أو في
العلم أو في الصناعة، ولا بد من امتيازه على رفاقه بالخير أو بالشر، وتغلب
فيه الخشونة وصلابة الرأي، وقد كان هذا المزاج متغلبًا في الرومانيين، وهم
أصحاب المطامع الكبيرة والهمم العالية.
وجملة القول إن الإنسان يولد وفيه ميل وراثي إلى مزاج معين، فإذا ساعدته أحواله وتربيته ظهر فيه ذلك المزاج، وإلا فإنه يتغير بتغير الأحوال ونوع التربية، وقد رأيت أن لأصحاب كل مزاج صفات مشتركة فيما بينهم يدل ظاهرها على باطنها، وهو أساس الفراسة.
شكل الوجه وزاويته
-
شكل الوجه: قبل الكلام في ملامح الوجه بالتفصيل نذكر شكل الوجه على الإجمال لأنه مثال الملامح،
وقد رأيت في تقسيم الأمزجة الجديد أن لوجه كل فرقة منهم شكلًا خاصًّا، فوجه أصحاب المزاج
العضلي مستطيل، ووجه أصحاب المزاج الحيوي مستدير، ووجه العصبيين بيضي، على أننا إذا دققنا
النظر في الوجوه لا نكاد نرى وجهين متشابهين تمام المشابهة، ولكنهم يقسِّمون الوجوه إلى
ثلاثة أشكال: المستطيل والمستدير والبيضي، ولكل منها فروع تشترك فيما بينها، ولهذه
الأشكال علاقة كبيرة بالأخلاق والعقول، فإن الوجه المستطيل المربع يدل على التعقُّل
والذكاء وقوة الإرادة لعرض جبهته وذقنه مثل وجه نابليون بونابرت شكل ٢٠.
والوجه البيضي يستلزم سعة الجبهة وصغر الفك، وهو وجه أصحاب المزاج العصبي، وأصحابه رقاق لطاف أصحاب عضل وعصب، وبمراجعة ما كتبناه في الأمزجة كفاية.
وأما المستدير فهو يغلب في السِّمَان، وكانت العرب تحب هذا الوجه وتفضله على سائر الوجوه، وهذا أصل تشبيه وجه المليحة بالبدر عندهم.
-
زاوية الوجه: ولزاوية الوجه علاقة كبيرة بأخلاق الناس، وهي عبارة عن خط مستقيم يمتد عرضًا من طرف
الأنف إلى أسفل الأذن، وخط يصعد من طرف الأنف إلى أعلى الجبهة، والزاوية الحادثة من
التقاء هذين الخطين عند طرف الأنف هي زاوية الوجه، وهم يقيسون ارتقاء الأمم بانفراج تلك
الزاوية، فهي حادَّة في الزنوج ثم تنفرج في الأمم المرتقية حتى تبلغ معظم انفراجها في
الجنس القوقاسي، ومنه كل الأمم المتمدنة.
وفي الشكل ٢١ جماجم أصناف الناس: (١) فالجمجمة العليا: زنجية و(٢) التي إلى اليسار: أوسترالية. (٣) والأخيرة: قوقاسية، وعلى هذه الأخيرة زاوية (ﺟ) عند التقاء الخطين (أ ب) و(ﺟ ك)، لو رسمت مثلها في الجمجمتين الأخريين لكانت هي أوسعها، ثم (٢) ثم (١)، والبحث في زاوية الوجه يختص بفراسة الرأس (الفرينولوجيا)، وسيأتي ذكره.