فراسة المقابلة

إذا عرفت أخلاق أشهر أنواع الحيوان ورأيت رجلًا تقرب ملامح وجهه من ملامح وجه أحدها كان ذلك الرجل يشبه ذلك الحيوان في ظواهره، فيحكم علماء الفراسة بمقتضى ذلك أن أخلاقه تشبه أخلاقه، وللقدماء أقوال طويلة من هذا القبيل أكثرها لا يعتدُّ به، وقد جاراهم المحدثون في ذلك ولكن بعضهم اتخذ البحث فيه على سبيل الفكاهة والمجون.

والحقيقة أن فراسة المقابلة لا تخلو من أساس علمي لا يزال ضائعًا حتى تكشفه الأيام.

ومن الاعتقادات الشائعة بين العامَّة أن المشابهة المشار إليها إنما تظهر خصوصًا في العينين وما يحيط بهما، فيغطون نصف الوجه السفلي حتى تظهر العينان والجبهة ويبدو في الوجه شبه بعض الحيوانات فيقترب شكله من شكل الأسد أو الدب أو الثعلب أو غيرها.

وإليك أمثلة من المشابهة التي تتفق بين الإنسان والحيوان مما لا يسع العقل معها إلا التسليم بإمكان المشابهة الباطنة.

وقد وقفنا في بعض مطالعاتنا على مقارنة بين وجوه بعض الناس وبعض أنواع الحيوان نقلناها في ما يلي على سبيل المثال، وهي لا تخلو من الفائدة:

من ينظر إلى الشكل ١ ولا يرى فيه علامات الشجاعة وعلوِّ الهمَّة والأنفة؟ وهي صفات الأسد شكل ٢ والوجهان متشابهان.
fig150
شكل ١: شبه وجه الأسد.
fig151
شكل ٢: وجه الأسد.
وانظر على الثعلب شكل ٤ وإلى وجه رفيقه شكل ٣ واعتبر ما بينهما من المشابهة وكيف أن المكر والدهاء والتحيُّل بادية في وجه ذلك الإنسان، وهي صفات الثعلب الخصوصية.
fig152
شكل ٣: شبه وجه الثعلب.
fig153
شكل ٤: وجه الثعلب.
ومثل ذلك ما يبدو لنا من أخلاق صاحب الوجه شكل ٥ فإن فيه دلائل الصبر والقوة وهي من طباع الدب، وهو يشبهه في ملامحه ومجمل هيئته شكل ٦.
fig154
شكل ٥: شبه وجه الدب.
fig155
شكل ٦: وجه الدب.
وهذا الوجه شكل ٧ لا تلتفت إليه إلا ويذكرك بوجه الخنزير، وإن كان بالتأمل يظهر بعيدًا عنه، وإنما نريد المشابهة البعيدة.
fig156
شكل ٧: شبه وجه الخنزير.
fig157
شكل ٨: وجه الخنزير.
ووجه هذا الرجل شكل ٩ بعيد عن خلقة الآدميين؛ لتدلي شفته وبروز أنفه، ولكن وجود هذه الصورة ممكن في الناس، فإذا وُجدت وأردت تشبيهها ببعض أنواع الحيوان لا ترى أقرب إليها من وجه الحمار وتتوسم فيها أخلاق ذلك الحيوان.
fig158
شكل ٩: شبه وجه الحمار.
fig159
شكل ١٠: وجه الحمار.
وأغرب من ذلك مشابهة وجه الآدميين للوز، كما ترى في شكل ١١ وشكل ١٢ وصاحب هذا الوجه تشبه أخلاقه أخلاق الوز.
fig160
شكل ١١: شبه وجه الوز.
fig161
شكل ١٢: وجه الوز.

هذه أمثلة من فراسة المقابلة مهما قيل فيها فإنها لا تخلو من طلاوة وفكاهة وفائدة.

هذه مبادئ علم الفراسة على ما بلغ إليه جهد أصحابه في أبحاثهم حتى الآن، وقد قلنا في صدر هذا الكتاب — فراسة الأعضاء بالتفصيل — أننا لا نتحمل تبعة شيء من ذلك إلا ما نخصه بدليل فيسيولوجي أو نبدي رأينا فيه.

قلنا ذلك لأننا نرى بعض تلك الأقوال يعسر تصديقه، وإن كان أكثرها صحيحًا على إجماله وفي أكثر وجوهه، فالفراسة عندنا صحيحة وإن كثرت شواذها، وقواعدها العامَّة صادقة وإن اختلفت في تفاصيلها عند تطبيقها، على ما نراه من أشكال أعضاء معارفنا وما نعلمه من أخلاقهم؛ لأن لذلك الاختلاف أسبابًا طارئة بيَّنَّاها في كلامنا عن «هل الفراسة علم صحيح» و«هل تصدق الفراسة دائمًا» فلتراجع هناك.

وأما كون الفراسة علمًا صحيحًا فمما لا نشك فيه، من يرى وجه الأمير بشير الشهابي شكل ٤٧ ولا يتوسم فيه الشجاعة وعلوَّ الهمَّة والإقدام؟ ومن يتفرس في وجه جمال الدين الأفغاني شكل ٤١ ولا يرى الذكاء وحدَّة الذهن تتجليان فيه، وقِس على ذلك ما يقع عليه نظرنا من وجوه الناس على اختلاف مواهبهم وقواهم، ويغلب أن نستدل على أخلاقهم وأطوارهم من النظر إلى وجوههم.

ومما لا بد من الانتباه له أنه لا يجوز لنا الحكم في أخلاق رجل بمجرد الاستدلال بعضو من أعضاء وجهه، فإذا رأينا أنفه رومانيًّا لا يجوز لنا الحكم بعلوِّ همته وإقدامه إلا إذا لم نرَ في فراسة أعضائه الأخرى ما ينافي ذلك، وإذا رأينا حنكه عريضًا قد لا يصح حكمنا بثباته ورباطة جأشه ما لم تؤيده أشكال الأعضاء الأخرى، إذ قد يكون في دلالات تلك الأعضاء ما يناقض ذلك. أما إذا تدبرنا كل الأعضاء واتخذنا معدلًا وسطًا فيندر أن يخطئ حكمنا.

وقد أتينا في كلامنا عن «هل تصدق الفراسة دائمًا» على الأسباب التي تدعو إلى خطأ الفراسة في بعض الأحوال، ونزيد على ذلك الآن أن التربية والعقل من أكبر تلك الأسباب؛ لأن الإنسان قد يولد وفيه ميل خلقي إلى بعض الرذائل، وترى ذلك الميل ظاهرًا في وجهه، فإذا تربى وتثقف وكان عقله كبيرًا وإرادته قوية استعان بهما في التغلب على ذلك الميل، وقد يتغلب عليه وتبقى دلالة تلك الرذيلة بادية في بعض ظواهره، فيؤخذ ذلك ذريعة لتكذيب علم الفراسة، وقِس عليه.

وفي كل حال فإننا نزفُّ إلى قراء اللغة العربية علمًا جديدًا على أسلوب جديد مهما قيل في شأنه، لا خلاف في أنه من العلوم الأخلاقية التي ترقِّي أذواق الناس وتنوِّر أذهانهم وتروِّض عقولهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤