صواريخ الليل

كان المغامرون الخمسة قد استعدُّوا لهذه الليلة منذ فترة طويلة … لقد كانت ليلة عيد ميلاد «لوزة»، وقد قرر «تختخ» و«محب» و«نوسة» و«عاطف» أن يقيموا لها حفلًا رائعًا … واختاروا حديقة منزل «عاطف» لإقامة الاحتفال … وكان كلُّ منهم يعد للمغامِرة الصغيرة مفاجأة كبيرة، ودعَوا جميعًا عددًا من أصدقائهم لحضور الحفل. وكان بين المدعوِّين «جلال» قريب الشاويش «علي»، و«وحيد» الولد المشلول الذي كان يتزعَّم مجموعة الفهود السبعة قبل حلِّها، وفريد «الهارب» الصغير، وأخته «ليلى» الرقيقة التي تشبه الفراشة.

وكان والدا «لوزة» و«عاطف» خارج مصر في هذه الفترة، ولكنهما لم ينسيا أن يرسلا برقية تهنئة إلى «لوزة» بهذه المناسبة السعيدة. وبينما جلست المغامرة الصغيرة تقرأ البرقية في غرفتها، كان العمل يجري في الحديقة للاحتفال المنتظر، وكان الجميع سعداء لأنهم يحتفلون ﺑ «لوزة»، ولم يكن ينقصهم سوى «زنجر» الذي تركه «تختخ» في حراسة الفيلا؛ لأن والديه كانا في المسرح.

وبدا كل واحد من المغامرين الأربعة يتكتم سر المفاجأة التي يعدها ﻟ «لوزة»، وكانوا يتبادلون الضحكات والقفشات وهم يعملون في تزيين الحديقة بالأنوار … وقد قام «محب» الماهر جدًّا في الأعمال الكهربائية بتوصيل سلك الكهرباء من الفيشة الموجودة في الكشك الخشبي … وبعد أن انتهى من مهمته، ضغط على زِر فاشتعلت الحديقة كلها بالضوء، وبدا المنظر في غاية البهجة …

وبدأ وصول الضيوف … جاء «فريد» وأخته «ليلى» يحملان هدية رائعة ﻟ «لوزة»، فهما لم ينسيا تحمس المغامِرة الصغيرة للغز اختفاء «فريد» … ثم حضر «جلال» قريب الشاويش … ثم ظهر في مدخل الحديقة «وحيد» على كرسيِّه المتحرك، فأسرع إليه «تختخ» مُرحِّبًا، وتوالى وصول أصدقاء الدراسة في فصل «لوزة» وفصل «نوسة»، وقال «محب» معلقًا: أعتقد أننا بعد هذه الحفلة يمكن أن نعمل منظمي حفلات.

ونزلت «لوزة» تلبس فستانًا بسيطًا من التيل … وعندما ظهرت على سلالم الفيلا، وهي تخطو إلى مكان الحفل في الطرف المقابل للكشك الخشبي … صفَّق الضيوف طويلًا … وبدأ الاحتفال. فعزفت «ليلى» على الهارمونيكا لحن «عيد ميلاد سعيد»، وأخذت «لوزة» تسلم على الضيوف بسعادة؛ لقد أحسَّت أن كل هذا من أجلها، وشعرت أنها مدينة لكل الحاضرين بدَيْن لا يُنسى.

وقف بعض الضيوف حول الموائد الصغيرة، وجلس آخرون. وعندما أشرفت الساعة على العاشرة — وهي الساعة التي ولدت فيها «لوزة» — ظهرت أول مفاجأة، فقد أرسل المفتش «سامي» سيارةً وبها كعكة ضخمة عليها عدد من الشمع بعدد سنوات عمر «لوزة».

وأشعلت «نوسة» الشموع، وجاء وقت إطفاء الأنوار … وفجأةً حدث شيء غريب! فقد انطلق من الكشك الخشبي صوت فرقعة ضخمة لفتت جميع الأنظار، وخرج على الفرقعة عدد من الصواريخ الملونة، ملأت سماء الحديقة … وضحك الجميع، وظن كل واحد من المغامرين الأربعة «تختخ»، و«نوسة»، و«محب»، و«عاطف» أنها مفاجأة واحد منهم، ولكن مع الفرقعة حدث شيء آخر؛ لقد انطفأت الأنوار كلها، وظن المغامرون هذا مفاجأةً أخرى، ولكنَّ شيئًا ثالثًا حدث لم يكن من الممكن أن يكون مفاجأة مُفْرِحة؛ لقد شبت النار في أحد جوانب الكشك الخشبي! كانت النار خفيفةً ضعيفةً، ولكنها توشك أن تسريَ وتكبر! كان «عاطف» أقرب الموجودين إلى الكشك، فأسرع إليه، ورآه الجميع على ضوء الشموع وهو يجري ويدخل الكشك … وبعد فترة تبعه «محب»، ومضت لحظات أخرى، وشاهد الموجودون جميعًا «محب» وهو يكافح النار وحده، وسرعان ما انضم إليه الباقون.

لم ينضم «تختخ» إلى الذين جروا إلى الكشك، فقد أسرع إلى خرطوم المياه الملقى في أحد جوانب الحديقة، وربطه بسرعة في صنبور المياه، ثم جرَّه خلفه، وأسرع إلى الكشك، وأخذ يطلق الماء بشدة فوق النيران المشتعلة.

استطاع «تختخ» — بالمياه، ومساعدة الأصدقاء — أن يطفئ النيران سريعًا … وأسرعت «لوزة» تضيء أنوار الفيلا، وأحضرت بطارية، وجرت هي الأخرى إلى الكشك، وعلى ضوء البطارية استطاع «محب» أن يرى أن بعض الصواريخ أصاب فيشة الكهرباء، فأشعل النيران في الكشك الخشبي.

أخرج «محب» معداته، وأخذ يصلح الفيشة التي احترقت أسلاكها، وطلب «تختخ» من الموجودين العودة إلى مكان الاحتفال، وبعد دقائق استطاع «محب» أن يعيد التيار الكهربي، وغمر الضوء المكان، وعادت الابتسامات والضحكات إلى الجميع.

ولاحظَت «لوزة» أنَّ «عاطف» غير موجود، ولكنها سكتَت ومضت تُحيِّي الضيوف، وبعد لحظات أدرك الجميعُ غيابَ «عاطف»، وقال «وحيد»: أين «عاطف»؟ إنه منذ اتجه إلى الكشك الخشبي لم يظهر!

ابتسم «محب» قائلًا: إنها بالتأكيد إحدى مفاجآت «عاطف»، فلا بد أنه سيظهر فجأةً ومعه شيء ما، أو في ملابس غريبة!

اطمأن الجميع إلى هذا التفسير عدا «تختخ» الذي أخذ يفكر فيما حدث … هل كانت الصواريخ مفاجأة «عاطف»؟! فإذا كانت كذلك، فلماذا اختفى؟! ومضت الدقائق والجميع يضحكون، ولكن «تختخ» استولى عليه القلق، وأخذ ينظر في وجوه الأصدقاء «لوزة» و«محب» و«نوسة»، وأدرك على الفور أنهم جميعًا قلقون، وأنهم يبتسمون فقط مجاملةً للضيوف. وعندما قاربت الساعة من منتصف الليل، بدأ الضيوف في الانصراف، ووقف المغامرون الأربعة يودِّعونهم ويشكرونهم على تلبية الدعوة، وعلى الهدايا التي أحضروها. بعد أن انصرف الجميع، قالت «لوزة»: ماذا حدث؟ أين «عاطف»؟

ولم يرد أحد … ولكن «تختخ» اتجه مسرعًا إلى الكشك الخشبي … وأضاء النور فيه، ثم أخذ يفتشه … ولكن «عاطف» لم يكن موجودًا. كان الكشك يوازي في أحد جوانبه سور الحديقة، وبينهما مسافة لا تزيد على نصف متر، وبعد السور كانت هناك أرض خالية حولها سور. ودار «تختخ» حول الكوخ، ثم نظر إلى الأرض الفضاء، ووقف يفكر … أين ذهب «عاطف»؟

ولحق به بعد لحظات «نوسة» و«محب» و«لوزة»، ولاحظوا الوجوم الذي يغطي وجهه، وأدركوا أن غياب «عاطف» ليس مفاجأةً مفرحةً، ولكنه شيء خلفه أسباب غامضة.

قال «محب»: ماذا تتصور يا «تختخ»؟

رد «تختخ»: الحقيقة أنني لا أستطيع أن أتصور أي شيء … لقد توقعت في البداية أن يكون غياب «عاطف» أحد مقالبه المعروفة … ولكن الغياب طال أكثر مما ينبغي، ولو كان يريد أن يجعلها مفاجأةً لظهر عند نهاية الحفل مثلًا!

أدار «محب» عينيه في الكشك، ثم قال: لا أثر له هنا!

تختخ: لا أثر مطلقًا!

نوسة: الشيء المدهش أنه لم يغب عن أنظارنا سوى لحظات قلائل؛ فعندما انطفأ النور واشتعلت النار الضعيفة شاهدناه جميعًا وهو يدخل الكشك … وبعدها ذهب «محب». هل رأيته يا «محب»؟

محب: مطلقًا … لقد انشغلت بإصلاح الكهرباء … فلم أفكر فيه … وبالطبع لم أكن أتوقع ما حدث!

تختخ: معنى ذلك أن «عاطف» اختفى في الدقائق القليلة بين دخوله الكشك وبين وصول «محب» إليه … شيء لا يصدق … تعالَ معي يا «محب».

كانت «لوزة» تقف ساكتة، وقد بدا عليها الحزن … كانت تفكِّر كيف انتهت هذه الليلة — التي بدأت في غاية البهجة — هذه النهاية التعِسة.

تبع «محب» «تختخ»، فقفزا إلى أعلى السور الذي يفصل بين الأرض والفراغ، وبين حديقة منزل «عاطف» … وعلى ضوء البطاريتين وضوء الشارع أخذا يفحصان الأرض التي بجوار الكشك الخشبي، ولكن لا شيء كان هناك. سارا حتى تجاوزا الأرض الفضاء ثم قفزا إلى الشارع. وعادا مرةً أخرى إلى حديقة منزل «عاطف»، وكانت «لوزة» و«نوسة» تجلسان صامتتين … وبقايا الحفلة ما زالت في مكانها على الموائد، و«حفيظة» الشغالة تقف ساكنةً في انتظار ما سيحدث … لقد أحسَّت أن غياب «عاطف» عن المكان شيء غير عادي، وإن كانت قد تعودت غيابه في بعض الأحيان.

جلس «محب» و«تختخ» بجوار «نوسة» و«لوزة»، وهبط الصمت على الجميع … وكل منهم يداعبه الأمل أن يظهر «عاطف» فجأةً حاملًا إحدى مفاجآته … ولكن الوقت مضى دون أن يظهر المغامِر خفيف الدم.

قال «تختخ»: تعالوا نرفع بقايا الحفل، ثم نرى ما يمكن عمله.

وبدأ الجميع يعملون، وكأنهم يجدون في العمل طريقةً لنسيان الحقيقة المفزعة. إنَّ «عاطف» اختفى في ظروف غامضة … وفجأةً قال «تختخ»: «محب» … هل أنت صاحب فكرة الصواريخ؟

رد «محب»: مطلقًا … لست أنا … لقد تصورتُ أنه أنت!

تختخ: أبدًا … لقد توقعت أن تكون أنت لأنك الذي كنت تُشرف على تركيب الكهرباء، وقضيت في الكشك وقتًا!

محب: لقد دخلت الكوخ مرتين فقط … مرةً في الصباح لأفحص الأسلاك، ومرةً في التاسعة لإعداد الإضاءة في مكان الحفل.

نظر «تختخ» إلى «نوسة»، فقالت: لست أنا!

تختخ: هل تظنين أنه «عاطف»؟

نوسة: لا أدري … ولكن لو أن «عاطف» اشترى الصواريخ لعرفت، فإنني أحمل مصروفي ومصروفه أيضًا!

تختخ: شيء محير … محير جدًّا!

محب: هل فحصت الكوخ جيدًا؟

تختخ: بقدر ما تسمح الأضواء، ولكنني سأفحصه مرةً أخرى في الصباح … ولكن ماذا تتوقع؟

محب: لا أدري … ولكن لا بد أن «عاطف» ترك أثرًا ما … لا بد أن يوجد في الكشك شيء يدلنا. إنه لم يتلاشَ في الفضاء، ولم يَغُصْ في الأرض!

وصمت «محب» لحظات، ثم قال بانفعال: هل فحصت الأرض تحت الكشك؟

تختخ: لا!

محب: إن هناك مسافة نحو نصف متر بين أرض الكشك الخشبية والأرض … ربما كان «عاطف» هناك!

تختخ: وماذا يُبقيه في هذا المكان … وكيف وصل إليه؟

محب: لا أدري … ربما … ربما!

وقام الأربعة مسرعين، وقد عاد الأمل إلى قلوبهم أن يجدوا «عاطف»، وحدثت «لوزة» نفسها قائلةً: ربما كان مغمًى عليه في هذا المكان … ربما!

ووصلوا إلى الكشك الخشبي … وانبطح «محب» تحت الأرضية، ثم زحف داخلًا، وأضاء مصباحه، وأخذ يُطلقه هنا وهناك.

وقالت «لوزة» — تسأله بصوت تخنقه الدموع: هل وجدت شيئًا؟

وجاء صوته حزينًا: لا شيء … لا شيء على الإطلاق!

وأحسَّت «لوزة» بقلبها يدقُّ بشدة، كأنه سيخرج من صدرها … إن «عاطف» بالنسبة لها ليس مجرد أخ … ولكنه صديق عظيم … ومغامِر من طراز رفيع … وولد خفيف الظل، رائع الظَّرْف، يحبه كل من يعرفه.

واعتقدت «لوزة» أنه قد لا يعود أبدًا، وأسرعت تجفِّف دموعها التي سالت بغزارة على خدها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤