حدث في تلك الليلة

خرج «محب» من تحت الكشك، وقد تعفَّر وجهه وملابسه … ووقف «تختخ» ينظر إليه ولا يكاد يراه … لقد تزاحمت في رأسه الأفكار حتى نسِيَ ما حوله … إن سر اختفاء «عاطف» الغامض شيء لم يحدث مثله من قبل في عشرات المغامرات التي خاضوها … و«عاطف» ليس بالولد العادي … إنه مغامِر ممتاز، فكيف اختفى هكذا؟ لقد أصبح من المستبعد تمامًا أن يكون قد اختفى بإرادته … فمهما كانت المفاجأة التي يُعدُّها فلا يمكن أن تكون بهذا الأسلوب المفزِع … وبخاصة أن الساعة قد اقتربت من الواحدة بعد منتصف الليل.

ثم هذه الصواريخ … هل هناك عَلاقة بينها وبين اختفاء «عاطف»؟ لقد أنكر المغامرون أنهم أصحاب هذه الفكرة العجيبة التي ظنها كل واحد منهم مفاجأةً من الآخر، وحتى لو كانت من مفاجآت «عاطف»، فلماذا اختفى بعدها مباشرةً؟! وأخذ «تختخ» يفكر في احتمال أن يكون أحد ضيوف الحفل هو الذي أعدَّ مفاجأة الصواريخ. لماذا لم يقل بعد انتهاء الحفل؟!

هل هو «جلال» قريب الشاويش «فرقع»؟ ولكن «جلال» صديقهم، ولو فعل هذا لأخبرهم. هل هو «وحيد» المشلول؟ هل «فريد»؟ هل هو واحد من بقية الأصدقاء الاثني عشر الذين حضروا الحفل؟!

والتفت «تختخ» إلى «محب» قائلًا: هل تظن أن الصواريخ مفاجأة من أحد الأصدقاء الذين ضمَّهم الحفل؟

كان «محب» ينفُض ثيابَه، وهم يتجهون جميعًا إلى وسط الحديقة، فقال: ربما … ولكن هل تظن أن هناك عَلاقةً بين الصواريخ الملونة وبين اختفاء «عاطف»؟

تختخ: أظن … نعم أظن، فقد ارتبط الحادثان أحدهما بالآخر، الصواريخ … ثم اختفاء «عاطف»!

نوسة: والنار التي شبت في الكشك؟

تختخ: نعم … والنار أيضًا … هل كانت مدبرة؟

لوزة: لا أعتقد … إن من أطلق الصواريخ لا يمكن أن يضمن أن تتصل بالأسلاك الكهربائية وتُحدِث الحريق.

تختخ: من أطلق الصواريخ؟ كيف نسينا أن هذه الصواريخ لا تنطلق من تلقاء نفسها … فلا بُدَّ أن شخصًا أشعل الفتيل!

محب: هذا يعني على الفور أن الصواريخ ليست من إعداد أي واحد من المدعوِّين، كما أنها ليست من إعداد «عاطف» … فقد كنا جميعًا نقف وجهًا لوجه عندما انطلقت الصواريخ فجأةً!

تختخ: هذا يعني أن شخصًا مجهولًا هو الذي وضع الصواريخ ثم أشعلها!

نوسة: طبعًا!

تختخ: وهل كان هذا المجهول يضع خطةً لإخفاء «عاطف»؟

نوسة: ليس «عاطف» بالتحديد، ولكن أي واحد يقترب من الكوخ في هذه اللحظة.

لوزة: ولكن لماذا؟! إننا في هذه الفترة لسنا مشتبكين مع عصابة من اللصوص … ولسنا وراء لغز … فلماذا؟!

تختخ: هذا هو السؤال … لماذا؟

محب: لا بد أن نعيد فحص الكشك في الصباح، لنعرف كيف وضعت الصواريخ وكيف أطلقت؛ ربما ساعدنا هذا على تحديد ما حدث!

تختخ: هناك شيء آخر … هل اشترى المجهول هذه الصواريخ من المعادي؟ إذا كان قد اشتراها من المعادي فمن السهل الوصول إليه … فهي كمية كبيرة، والمحلات التي تبيع هذه الصواريخ في المعادي محدودة … ومن الممكن معرفة أوصاف هذا الشخص!

نوسة: هذا معقول جدًّا، ولكن …

محب: ولكن ماذا؟

نوسة: ولكن قد يعود «عاطف» الآن … أو في الصباح!

صمت الجميع … لقد كانوا يخشَوْن جميعًا ألَّا يعود «عاطف» هذه الليلة … وربما يطول غيابه لياليَ كثيرة أخرى! كانوا متأكدين أن ثمة تدبيرًا إجراميًّا وراء حادث اختفاء «عاطف» المريب … واتجه تفكير «تختخ» إلى العصابات التي أوقعوا بها في أيدي رجال الشرطة، والمجرمين الذين ساعدوا في القبض عليهم، وأخذ يفكر … هل هو انتقام؟ ولكن هذه الخطة غير معقولة … كيف يفكر شخص في خطف «عاطف» أمام كل هؤلاء الضيوف، وقد كان في الإمكان أن يراه أيُّ واحد منهم. وقد كان من الممكن أن يُسرع إلى الكشك ساعة اشتعال النيران واحد من الضيوف، وليس أحد المغامرين الخمسة. فهل كان المجهول يريد خطْفَ أيِّ شخص؟ غير معقول!

إذن فهو يريد أن يخطف واحدًا من المغامرين الخمسة … ولكن لماذا؟ هل يطلب فديةً مثلًا؟! كانت هناك عشرات الأسئلة، ولم تكن هناك إجابة واحدة معقولة. وفجأةً حدث آخر ما كانوا يتوقعون!

سمِعوا صوت سيارة تقف، والتفتوا جميعًا، فإذا بهم يشاهدون المفتش «سامي» بقوامه الفارغ يدخل من باب الحديقة. كانت مفاجأةً مدهشةً، وتصوَّروا أنه جاء بخصوص اختفاء «عاطف».

كان المفتش يبتسم … ولكنه كان يبدو مُتعَبًا … ووقَفَ المغامرون الأربعة يُرحِّبون به، فاحتضن «لوزة» قائلًا: كل سنة وأنتِ طيبة.

قالت «لوزة»: شكرًا … لقد وصلتني الكعكة الرائعة!

نظر إليهم المفتش، ولاحظ على الفور أنهم ليسوا في حالة عادية؛ فقال: ماذا حدث؟! إن شكلكم لا يدل على أنكم قضيتم سهرة ممتعة!

نظر المغامرون الأربعة بعضُهم إلى بعض، وفي تلك اللحظة ظهر الشاويش «فرقع» يحمل في يده بعض الأوراق … وبدا للأصدقاء أن الدنيا قد انقلبت أمامهم ظهرًا على عقب.

ما معنى ظهور المفتش «سامي» في هذه الساعة … وماذا جاء بالشاويش؟ وما هي هذه الأوراق التي يحملها تحت ذراعه؟!

ماذا جرى في الدنيا؟! هكذا قالت «نوسة» لنفسها. وفجأة قال «تختخ»: هل حضرت لتهنئة «لوزة» بعيد ميلادها؟

المفتش: في الحقيقة لا، كنت مارًّا أمام الحديقة، فشاهدت الأنوار ما زالت مضاءة، فتصورت أنكم ما زلتم ساهرين، وقد وجدتكم — لدهشتي الشديدة — ساهرين فعلًا.

تختخ: إذن فأنت تعرف ماذا حدث هنا؟

المفتش: لا! ماذا حدث؟

تختخ: لقد اختفى «عاطف»!

نظر المفتش حوله، ثم قال: فعلًا، إنني لا أجد «عاطف» بينكم، وذلك شيء غريب …

تختخ: لقد اختفى «عاطف» منذ أكثر من ثلاث ساعات.

المفتش: ولكن «عاطف» مشهور بمقالبه، ربما كان هذا مقلبًا أو مفاجأةً مُدبَّرةً.

تختخ: الحقيقة أننا فكرنا كما فكرت، ولكنه لم يكن محتاجًا إلى ثلاث ساعات كاملة لإحداث مفاجأة. إننا نشك!

المفتش: تشكُّون في أي شيء؟

تختخ: نشك في أن هناك تدبيرًا إجراميًّا خلف اختفائه.

بدت علامات الاهتمام على وجه المفتش، وقال: ما هي أدلة هذا التدبير الإجرامي؟! وأخذ «تختخ» يروي للمفتش ما حدث … منذ اللحظة التي بدأت فيها الحفلة … حتى انفجار الصواريخ، واختفاء «عاطف»، والبحث عنه … والاستنتاجات التي دارت بأذهانهم، والأفكار التي ناقشها.

ظل المفتش صامتًا يستمع وهو يُدير في ذهنه كل هذه المعلومات … ثم قام لمعاينة الكشك، وتبِعه الشاويش «فرقع» والأصدقاء … وبرغم المعاينة الدقيقة التي قام بها المفتش، لم يخرج بشيء … تمامًا كما حدث للمغامرين.

قال «تختخ» يسأل المفتش: ولكن ما سبب حضورك المتأخر إلى المعادي؟

المفتش: حادث سرقة وقع قريبًا منكم.

اندفعت «لوزة» — كعادتها — قائلةً: سرقة! لغز!

المفتش: حتى الآن ليس هناك لغز … إنه حادث سرقة عادي جدًّا، ولكن قيمة المجوهرات والنقود المسروقة كبيرة للغاية!

تذكرت «لوزة» غياب «عاطف» فسكتت، ولم تستمر في سؤال المفتش كما اعتادت أن تفعل في مثل هذه الظروف، وعاد الحزن يعتصر قلبها، ولكن «تختخ» عاد يسأل: في أي منزل وقعت السرقة؟!

المفتش: في منزل التاجر الثري «سليم حمزاوي» … وكان التاجر هو وزوجته وأولاده قد خرجوا وتركوا الفيلا التي يسكنون بها وليس فيها إلَّا البوَّاب والشغَّالة «حسنة»، وعندما عادوا لم يجدوا البواب في مكانه عند الباب … وعندما دخلوا المنزل فوجئوا بالشغالة مُغمًى عليها، وقد سرق اللصوص كمية ضخمة من المجوهرات والنقود … فأخطروا الشاويش «علي» الذي قام بالمعاينة، ثم اتصل بي في المنزل، فحضرتُ وقمت بالإجراءات المعتادة. وللأسف ما زالت الشغَّالة واقعةً تحت تأثير مخدِّر شديد، وقد نقلناها إلى المستشفى، ولكن الأطباء أكدوا أنها لن تستيقظ قبل الصباح.

وسكت المفتش لحظات، ثم عاد يقول: وقد قام رجال المعمل الجنائي — كالمعتاد — برفع البصمات من الأماكن التي كانت بها المجوهرات والنقود، وفي الصباح سوف نستجوب الشغالة ونقارن البصمات، لعلنا نصل إلى اللصوص.

تختخ: إنني أعرف فيلا «حمزاوي» … إنها على مَبْعدَةِ ثلاثة منازل من منزل «عاطف»، وهي فيلا كبيرة صفراء اللون.

المفتش: بالضبط … والشيء الغريب أن الفيلا نفسها تعرضت للسرقة من قبل، واستطعنا الوصول إلى اللصوص. ونصحنا «حمزاوي» ألا يحتفظ في منزله بهذه المبالغ الكبيرة، وهذه المجوهرات الكثيرة، ولكنه وقع في الخطأ نفسه!

تختخ: كنت أتمنى أن يتدخَّل المغامرون الخمسة للوصول إلى اللصوص، لولا أننا فعلًا في حالة ذهول لغياب «عاطف» … غير المعقول!

المفتش: سوف أذيع نشرةً بأوصافه … وسنقوم بحملة واسعة للبحث عنه، وأرجو أن تُطَمْئنَ والديه أننا سنفعل المستحيل لنعيده.

تختخ: إن والديه لحسن الحظ مسافران خارج الجمهورية، وأرجو أن نتمكن من إعادته قبل أن تنتهيَ إجازتهما خارج البلاد.

غادر المفتش الحديقة ومعه الشاويش «علي»، بعد أن أخذ معه بعض صور «عاطف»، وجلس المغامرون الأربعة — بعد أن أطفئوا الأنوار — يتناقشون، وعندما أشرفت الساعة على الثالثة صباحًا، قالت «نوسة»: أليس من الأفضل أن ننام؛ حتى نبدأ من الصباح الباكر البحث عن «عاطف»؟

تختخ: أعتقد أننا يمكننا أن نقضيَ الليلة جميعًا هنا، فوالدي ووالدتي يعلمان أننا نحتفل بعيد ميلاد «لوزة»، وأظنهما لن يعترضا على قضائي الليل هنا.

محب: وكذلك أنا و«نوسة» …

وقام الأصدقاء الأربعة ودخلوا الفيلا … وألقَوْا نظرةً أخيرةً على مكان الحفل، الذي بدأ في غاية البهجة، وانتهى في غاية الحزن. وكان كل منهم يتمنى في هذه اللحظة أن يظهر «عاطف» فجأةً من بين المقاعد والموائد … ولكن حتى آخر نظرة لم يكن «عاطف» قد ظهر.

وعندما أغلقوا باب الفيلا خلفهم … التفتت «لوزة» إلى «تختخ» فجأةً، وقالت: لا أدري لماذا أفكر في شيء قد يبدو لكم لا يُصدَّق؟

تختخ: ما هو؟

لوزة: أحس أن هناك عَلاقةً لا أستطيع الآن تفسيرها بين غياب «عاطف» المفاجئ، وبين حادث السرقة الذي وقع في فيلا «حمزاوي».

نظر إليها الأصدقاء في دهشة … فقد كان ذلك شيئًا مستحيلًا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤