البحث عن شخص مجهول

استيقظ الأصدقاء في صباح اليوم التالي على تليفون من «وحيد»، وكان «وحيد» صديقًا عزيزًا للمغامرين الخمسة، بعد أن اصطدموا به في مغامرة الفهود السبعة، وانتصروا على مجموعته، ولكنهم عاملوه بمحبة وتقدير. رد «محب» على التليفون، وكان «وحيد» يسأل: هل عاد «عاطف»؟ وعندما علِمَ أنه لم يعد، قال مقترحًا: ما رأيكم في أن نُجنِّدَ «الفهود السبعة» في البحث عنه؟

رد «محب»: سأسأل «تختخ» وأرد عليك بعد لحظات.

كان بقية المغامرين قد استيقظوا … وأعدت الشغالة الإفطار والشاي، وبعد مناقشة قصيرة بين «تختخ» و«محب»، قال «تختخ»: اطلب منه أن يقوم أعوانُه من الفهود السبعة بالمرور على جميع المحلات التي تبيع الصواريخ؛ ليسألوا عن الشخص الذي اشترى هذه الكمية الضخمة منها … إن العثور على هذا الشخص قد يكون بدايةً لا بأس بها للبحث عن «عاطف».

اتصل «محب» ﺑ «وحيد»، وأخبره بما قاله «تختخ»، ثم نزل المغامرون الأربعة إلى الحديقة، وأسرعوا إلى الكشك الخشبي. كانت آثار النيران واضحةً، ولكن لم تكن كبيرةً … ووقف «تختخ» في وسط الكشك يتأمل ما حوله، وقُرب «فيشة» الكهرباء على أرضية الكشك، وجد مكان حزمة الصواريخ، فقد كانت آثار احتراقها على الأرض واضحةً. وقال «محب» — مشيرًا إلى جانب الكشك: هذا هو اتجاه الصواريخ. لقد انطلقت بحيث تخرج من الباب، ولكن جزءًا منها اتجه إلى أسلاك الكهرباء، وحدث الحريق.

قالت «لوزة» ملاحظةً — وهي تشير إلى النافذة: إننا عادةً نغلق النافذة، وأرجِّح أنَّ فتْحها له عَلاقة باختفاء «عاطف». وأطلَّ «تختخ» من النافذة، ثم مال على الأرض، وأخذ يُحدِّق في أرض الكشك، ثم أمسك ببضع وريقات خضراء رفيعة من ورق الحشيش الذي ينتشر في الحدائق، وأخذ يفحصها، ثم عاد ينظر من النافذة، ولاحظ أن حافة النافذة الخشبية بها آثار احتراق، وظن أولًا أنه من أحد الصواريخ التي انطلقت خطأً، ولكنه عندما أطل خارج النافذة، لاحظ أن الاحتراق يمتدُّ إلى مسافة حوالي ثلاثين سنتيمترًا على جدار الكشك الخشبي.

في تلك الأثناء كان «محب» يدور حول الكشك، ومال على الأرض يبحث عن آثار أقدام … وقد وجد ما يمكن أن يكون آثارًا … فقد كانت الأعشاب الكثيفة خلف الكشك — في المسافة بينه وبين الجدار — ملتويةً في عدة أماكن. وأخذ «محب» يفحص الأعشاب بدقة، ويمد يديه خلالها، باحثًا عن أي شيء يمكن أن يكون أثرًا أو دليلًا … وفجأةً عثرت أصابعه على شيء، إنه مسدس! ولم يصدق «محب»، وأسرع يُخرج المسدس من بين الأعشاب … كان مسدسًا صغيرًا لامعًا، واضح أنه لم يُستخدم من قبل!

وأسرع «محب» إلى «تختخ» و«نوسة» و«لوزة» يحمل المفاجأة … وأمسك «تختخ» بالمسدس، ثم وزَنَه في يده … وفجأةً أطلقه … ودوَّى الصوت في الكشك دويًّا شديدًا، وفزعت «نوسة» و«لوزة»، وقال «تختخ» — وهو يشم رائحة البارود المتصاعد من فُوَّهة المسدس: إنه مسدس صوت … يصدر صوتًا عاليًا مثل صوت الرصاصة … ولكنه لا يُطلق شيئًا!

نوسة: وما معنى وجوده في هذا المكان؟

أخذ «تختخ» يفكر لحظات، ولكن «لوزة» قالت: أعتقد أنه كان هدية «عاطف» لي، وربما فكَّر أن يختبئَ ثم يطلق منه بضع طلقات في أثناء الحفل لإثارتنا، وتكون هذه هي مفاجأته.

قال «تختخ»: تفسير معقول جدًّا!

محب: وهل يعني هذا أن «عاطف» كان يختبئ بين الأعشاب لإحداث المفاجأة، عندما هاجمه شخص أو أكثر وخطفوه؟

تختخ: من يدري … لعلَّ هذا يكون صحيحًا! على كل حال؛ دعونا نستمر في البحث.

وقام الأربعة مرةً أخرى، فانتشروا في الكشك الخشبي وحوله … وتتبع «تختخ» آثار الحريق التي وجدها على النافذة. كانت كما رأى من قبل، تمتد مسافة ٣٠ سنتيمترًا على جدار الكوخ … ومعنى هذا أنها ليست صاروخًا؛ لأن الصواريخ انطلقت في اتجاه الباب … فمن أين جاء أثر النار في النافذة وفي جانب الكشك؟!

أخذ «تختخ» يفكر في الشخص المجهول الذي دخل الكشك … إنه بالطبع لم يدخل من باب الحديقة … لقد قفز من أعلى السور، ثم دخل الكشك من الباب الذي كان مفتوحًا، ووضع الصواريخ في أحد أركان الكشك المظلمة، ووجَّهها ناحيةَ الباب المفتوح. فهل أشعلها فورًا؟ أو أنه وضعها في وقت مبكر من الليل، ثم عاد لإشعالها عندما بدأت الحفلة؟ المعقول أن يكون قد وضعها أولًا، وانتظر في مكان ما حتى بدأ الحفل، ثم أشعل الصواريخ … ومعنى ذلك أنه كان موجودًا في مكان قريب من الحفل.

سؤال ثانٍ … هل عاد يقفز فوق السور لإشعال الصواريخ؟! إنه في هذه الحالة يُعرِّض نفسه لأن يراه أحد الموجودين، بعد أن أضاء «محب» الأنوار كلها وغرِقت الحديقة في الأضواء … الاحتمال المعقول أكثر هو أن يكون قد أوصلها بفتيل، ومد الفتيل من النافذة إلى خارج الكشك من الناحية الموازية للسور، وهي ناحية مظلمة لا تصل إليها الأضواء، ثم أشعل الفتيل. وهذا سبب وجود آثار الإشعال على جانب الكوخ المواجه للسور، ثم على حافة النافذة.

عقد المغامرون الأربعة — بعد نصف ساعة — اجتماعًا للمناقشة، وروى لهم «تختخ» استنتاجاته، وكان «محب» مشغول البال بالآثار التي وجدها على الأعشاب في الممر الرفيع الذي يفصل بين الكشك الخشبي والسور … وقال عندما جلسوا: إن هناك آثارًا لشخص أو أكثر كانوا في الممر الضيق خلف الكشك!

تختخ: لقد رأيتها … أليست الأعشاب الملتوية هناك؟

محب: نعم … ما رأيك؟

تختخ: للأسف، إن الأعشاب لا تُبدي آثار الأقدام … وأنا أتصور أنها آثار أقدام الشخص المجهول الذي أشعل الصواريخ.

محب: أخالفك في الرأي في هذا الاستنتاج يا «تختخ»، إنني أتصور أن الذي قام بخدعة الصواريخ ليس رجلًا.

تختخ: لا أفهم ماذا تعني!

محب: إنها فكرة صبيانية. إنها تفكير ولد صغير!

تختخ: أوافقك أنها تفكير ولد صغير … ولكن هل الولد الصغير هذا هو الذي خطف «عاطف»؟ أظن أن هذا مستحيل!

ضرب «محب» جبهته بيده، وقال: شيء محير فعلًا … إن الذي قام بخدعة الصواريخ طفل، ولكن الذي خطف «عاطف» لا يمكن أن يكون طفلًا.

نوسة: لماذا تتحدثون عن الخطف؟ أليس من الممكن أن يكون «عاطف» قد تبع شخصًا أو أشخاصًا لسبب ما؟

تختخ: ولماذا لم يعد حتى الآن؟

سكت الجميع، وظهر الشاويش «علي» عند باب الحديقة، وأخذ يقترب وقد بدا مهمومًا، ولكن المغامرين الأربعة كانوا أكثر همًّا؛ فهذه أول مرة في حياتهم يصل التحدي إلى خطف واحد منهم دون سبب واضح. لقد خُطِف كلُّ واحد منهم مرةً أو أكثر … ولكن في أثناء اشتراكهم في المغامرات والألغاز … ولكن هذه المرة يختفي أحدهم بلا سبب!

وصل الشاويش إلى حيث يجلسون، وجلس … وقال بصوت حزين: ألم يظهر «عاطف» بعد؟ أدرك الأصدقاء أن الشاويش يشاركهم حزنهم … فقال «تختخ»: إنه لم يظهر بعد يا شاويش!

الشاويش: شيء غير معقول … هل أنتم متأكدون أنكم لا تقومون بإحدى مغامراتكم الغريبة؟

تختخ: إننا لا يمكن أن نُخفيَ عنك هذا؛ فإن غياب «عاطف» يُقلقنا جدًّا … وبالمناسبة، هل استجوبتم الشغالة التي تعمل عند «حمزاوي»؟

الشاويش: نعم، وأنا قادم من هناك بعد الاستجواب. إن المشكلة غامضة تمامًا مثل مشكلة اختفاء «عاطف».

تختخ: ماذا قالت الشغالة؟

الشاويش: قالت إنها في حوالي الساعة التاسعة والنصف أرسلت البواب «حكيم» لإحضار الزبادي؛ لأن البائع لم يحضره … وبعد لحظات دقَّ جرس الباب، ففتحته، وفوجئت بثلاثة أشخاص يهجمون عليها، ووضع أحدهم يده على فمها ليمنعها من الصراخ، على حين قام آخر بإعطائها حقنة مخدرة، غابت على أثرها عن وعيها تمامًا … ولا تعرف ماذا حدث بعد ذلك حتى أفاقت في المستشفى!

تختخ: وهل في إمكانها التعرف على الرجال الثلاثة؟

الشاويش: لا. لقد كانوا يلبسون أقنعة!

تختخ: هذا يعني عصابة قوية ومُدرَّبة على قدر كبير من الخطورة؛ فهم يستخدمون المخدِّر والأقنعة، وهذا ليس عمل عصابات عادية.

الشاويش: ولم يتركوا خلفهم أية آثار أو بصمات!

تختخ: وهل كانت المجوهرات والنقود في خزينة؟

الشاويش: لا. كانت في أدراج الدولاب، وكانت مغلقة بالمفاتيح، ولكنهم فتحوها بالقوة، وبالطبع لم تكن مشكلة!

تختخ: إنها قضية مثيرة، وليس — كما قال المفتش — سرقةً عاديةً، ولولا غياب «عاطف» غير المعقول لاشتركنا فيها بكل حماس.

الشاويش: لقد أرسل المفتش نشرةً بأوصاف «عاطف»، ووُزِّعتْ صوره على مختلف الأقسام؛ لعل ذلك يؤدي إلى شيء!

كانت «لوزة» برغم الظروف المؤلمة التي تمر بها قد قامت بواجبها كمضيفة، فأسرعت بإحضار كوب الشاي المعتاد للشاويش … ومعه قطعة من الكعكة الكبيرة التي أرسلها المفتش «سامي».

التهم الشاويش قطعة الكعك وشرب الشاي، ثم انصرف وطلب من الأصدقاء أن يبلغوه أولًا بأول ما قد يحدث بالنسبة لغياب «عاطف».

عاد المغامرون الأربعة إلى مناقشاتهم … وفجأةً قالت «لوزة»: كيف نسينا «زنجر» حتى الآن؟ إنه الوحيد الذي يمكن أن يدلنا على أثر «عاطف».

قفز «تختخ» مسرعًا إلى دراجته، دون أن ينتظر كلمةً أخرى، ثم انطلق مسرعًا في شوارع المعادي إلى منزله. كان مندهشًا أن هذا لم يخطر بباله منذ أمس، وتمنى ألا يكون الوقت قد فات على تتبع الأثر، بعد مضي ١٢ ساعةً على اختفاء «عاطف».

بعد أن خرج «تختخ» من حديقة منزل «عاطف»، دق جرس التليفون، وكان المتحدث هو «وحيد»، وتحدث إلى «محب» قائلًا: لقد طاف أصدقائي بكل المحلات التي تبيع الصواريخ في المعادي … وتأكدوا أن الصواريخ لم تُشترَ من أحد هذه المحال، ولا بد أن الذي وضعها قد اشتراها من القاهرة.

محب: شكرًا لك يا «وحيد».

وحيد: أتمنى أن أساعدكم في العثور على «عاطف». هل وصلتم إلى شيء؟!

محب: حتى الآن ليس هناك أدلة واضحة … ولكن قمنا ببعض الاستنتاجات فقط، وقد ذهب «تختخ» لإحضار «زنجر»؛ لعله يستطيع أن يدلنا على شيء!

ما كاد «محب» يضع السماعة حتى شاهد الأصدقاء الثلاثة ولدًا أسمرَ جميلَ الشكل يقف بباب الحديقة مترددًا … ثم رفع يديه مُحيِّيًا، فقام «محب» إليه قائلًا: تفضل! هل تسأل عن عنوان؟

قال الولد الذي اتضح من لهجته أنه من السودان الشقيق: لا … إنني أريد أن أتحدث إليكم.

محب: تريد أن تتحدث معنا؟ … نحن؟

الولد: نعم!

ومرةً أخرى دقَّ جرس التليفون، في هذه المرة كان من المفتش «سامي»، الذي سأل عن «عاطف»، وقال إنه يبذل كل جهوده هو ورجاله لمحاولة العثور عليه، وشكره «محب»، ثم التفت إلى الولد الأسمر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤