صديق من السودان

تقدم الولد الأسمر يصحبه «محب» إلى حيث «نوسة» و«لوزة»، وقدم نفسه قائلًا: «صالح الطيب» من الخرطوم!

وسلَّم عليه الأصدقاء الثلاثة بحرارة، ودعوه للجلوس، وقال «صالح» مشيرًا بيده إلى المنزل المواجه لمنزل «عاطف»: إنني أسكن في شقة مفروشة في المنزل المجاور.

لوزة: مرحبًا بك جارًا وصديقًا … ولكننا لم نرك من قبل!

صالح: إنني لم أسكن إلا منذ ثلاثة أيام … وقد كنت مشغولًا ببعض الزيارات في القاهرة، ولم أكن آتي إلا في الليل … وقد شهدت أمس جزءًا من احتفالكم.

نوسة: لماذا لم تحضر؟! إن هذا كان سيَسرُّنا جدًّا!

ابتسم «صالح» عن صفَّيْن من الأسنان البيضاء الجميلة، وقال: فكرتُ فعلًا أن أحضر … ولكنني ترددت؛ فلا بد من دعوة … وهكذا وقفت أتفرج من الشرفة.

قالت «لوزة» فجأةً: هل شاهدت شيئًا غير عادي أمس وأنت تقف في الشرفة؟

رد «صالح»: هذا ما جئتُ أتحدث إليكم عنه.

بدا الاهتمام على وجوه الأصدقاء، وقال «محب»: ماذا رأيت؟

صالح: لقد شاهدتكم اليوم تبحثون عن شيء ضاع منكم … ولا بد أن الولد الذي شاهدته يقفز فوق السور هو الذي سرقه.

محب: ولد صغير؟

صالح: في سننا تقريبًا … كنت أقف حوالي الساعة الثامنة والنصف عندما شاهدته يقفز إلى أعلى السور وبيده شيء ما، ثم غاب في الكشك الخشبي لحظات، ثم خرج ويداه فارغتان، ما عدا سلكًا كان يمده إلى الأرض الفضاء المجاورة.

محب: وبعدها؟

صالح: فكرت أن أخطركم … ولكنني تصورت أنه أحد أصدقائكم، ويريد أن يعد لكم مفاجأةً، فلم أشأ أن أذهب بروعة المفاجأة، وانتظرت لأرى هذه المفاجأة.

محب: وماذا حدث بعد ذلك؟

صالح: دخلت إلى الشقة وجلست قليلًا، ثم عدت … ووجدت الولد قد اختفى … وأخذت أتفرج على الحفل … ثم ذهبت للعشاء في حوالي الساعة التاسعة والنصف — موعد عودة والدي ووالدتي من القاهرة — وبعدها بفترة سمِعتُ صوت الصواريخ، وعرَفتُ أن الولد صديقكم حقًّا، وأنه أعد لكم مفاجآت لطيفة.

محب: وهل خرجت مرةً أخرى إلى الشرفة؟

صالح: خرجت بعد دقائق من انفجار الصواريخ، ورأيتكم تقومون بإطفاء النيران، وقد نزلت مسرعًا لأشترك معكم، ولكن عندما وصلت إلى باب الحديقة، وجدتكم قد أطفأتموها … فعدت إلى الشقة مرةً أخرى، ووقفت في الشرفة بعض الوقت، ثم دخلت لأنام.

محب: وهل تستطيع التعرف على هذا الولد إذا رأيته مرةً أخرى؟

فكر «صالح» لحظات، ثم قال: الحقيقة أنني غير متأكد؛ لقد رأيته في الظلام … وعلى مسافة بعيدة نسبيًّا … ولكنني أذكر ملابسه، فقد كان يلبس «فانلة» قصيرة الأكمام، لونها أصفر في الأغلب، ومخططة بخطوط عريضة داكنة.

كانت «نوسة» و«لوزة» تتابعان الحوار باهتمام بالغ … وبعد أن انتهى «صالح» من الإجابة عن أسئلة «محب»، سأل: هل سرق هذا الولد شيئًا؟

محب: لا. لم يسرق … ولكن بعد النيران التي أحدثتها الصواريخ، ذهب زميل لنا لإطفائها بعد أن ساد الظلام … ولكن هذا الزميل اختفى منذ هذه اللحظة!

صالح: كيف؟

محب: لا ندري … وحتى الآن لم نصل إلى شيء يمكن أن يدلنا على طريقه … في هذه اللحظة ظهر «تختخ» وخلفه «زنجر»، وأسرع إلى الأصدقاء، وعندما رأى «صالح» توقَّف قليلًا، فقال «محب»: أقدم لك يا «تختخ» الصديق «صالح الطيب»، من السودان الشقيق.

وقف «صالح» فجأةً، وقد بدت على وجهه علامات الاهتمام، وقال: أنت «تختخ»؟

تختخ: نعم … أنا!

صالح: أحد المغامرين الخمسة؟

تختخ: نعم.

صالح: أنتم إذن المغامرون الخمسة؟

تختخ: هذا صحيح!

بدا الحماس على وجه «صالح» وهو يقول: لقد سمعت وقرأت لكم كثيرًا … وتمنَّيت أن أراكم … إنها صدفة مدهشة!

محب: لقد أدلى إلينا «صالح» بمعلومات على جانب كبير من الأهمية يا «تختخ»، لقد شاهد الولد الذي وضع الصواريخ.

ومضى «محب» يروي ﻟ «تختخ» ما قاله «صالح» … واستمع «تختخ» باهتمام شديد، حتى انتهى «محب» من روايته … وقال «تختخ»: هل اتصل بك «وحيد»؟

محب: نعم … لقد أرسل أصدقاءه «الفهود السبعة» إلى محلات بيع الصواريخ في المعادي، وقال لي إن جميع المحلات لم تبِعْ هذه الكمية من الصواريخ أمس، أو في الأيام القليلة الماضية.

تختخ: إن عندي فكرةً أخرى … ولكن المهم الآن نريد أن نرى ما يفعل «زنجر». هاتِ منديلًا من مناديل «عاطف» يا «لوزة»، أو أي شيء ممكن أن يشمه «زنجر».

نوسة: فردة حذاء أفضل؟

تختخ: إن «زنجر» سيفهم على كل حال المطلوبَ منه … وبخاصة أنه لا يرى «عاطف» بيننا.

أسرعت «لوزة» لإحضار فردة الحذاء، ووقف «صالح» مبهورًا … وقال: هل أستطيع أن أساعدكم؟

تختخ: سيأتي دورك عندما نعثر على الولد ذي «الفانلة» المخططة!

وعادت «لوزة» بعد لحظات ومعها فردة الحذاء، وقرَّبها «تختخ» من «زنجر»، وقال: «زنجر» … إننا نبحث عن «عاطف» … «عاطف»!

همْهم «زنجر» (كأنه يؤكد أنه فهم) … ثم أرسل أنفه في الفضاء، وأطلق عُواءً حزينًا، ومشى «تختخ» — وبيده فردة الحذاء — إلى ناحية الكشك الخشبي … وخلفه «زنجر» وبقية الأصدقاء.

دخل «زنجر» الكشك، ودار لحظات في داخله، ثم اتجه إلى النافذة التي تفتح على السور والأرض الفضاء المجاورة … وبرشاقة قفز واجتاز النافذة، ثم وقف على السور لحظات يتشمم الهواء … ثم قفز مرةً أخرى إلى الأرض الفضاء … وأسرع الأصدقاء يتبعونه ومعهم «صالح»، وسار «زنجر» حتى قطع الأرض الفضاء كلها، وهو يلصق أنفه بالأرض … حتى وصل إلى السور المقابل، وقفز فوقه، وتبِعه الأصدقاء …

كان خلف السور في الجانب الآخر شارع مهجور … قفز «زنجر» السور إلى الشارع … ووقف عند بقعة معينة فيه، وأخذ يدور حول نفسه، ويطلق نباحًا متصلًا حزينًا، حتى اقترب منه «تختخ»، وأخذ يُربِّت على رأسه مهدئًا … ولكن «زنجر» تقدَّم جاريًا عبر الشارع — وخلفه الأصدقاء — حتى وصل إلى شارع «١٢٥» المتسع؛ حيث كانت حركة المرور تجمع بين السيارات والدراجات والمشاة … وقف «زنجر» عند طرَفِ الشارع، وأحنى رأسه في حزن، وبقِيَ ساكنًا.

قال «تختخ»: من الواضح أن الخاطفين قد نقلوا «عاطف» إلى هذا المكان؛ حيث ضاعت آثار «عاطف»، أو تداخلت مع حركة المرور … وسنعود الآن من الطريق نفسه، محاولين البحث عن أية آثار يمكن أن تكون ذات فائدة لنا!

وعادوا من الطريق نفسه … كانت الأرض الفضاء المهجورة يغطي سطحها التراب … واستطاع الأصدقاء أن يجدوا فعلًا آثارَ أقدام متعددة غائصة في الأتربة.

قال «محب»: من الواضح أنهم كانوا يحملون «عاطف»، ولكن لماذا لم يشاهده أحد؟!

نوسة: لعل ارتفاع السور حال دون ذلك!

تختخ: والظلام أيضًا … فالشارع المجاور له ليس مُضاءً!

وعندما وصلوا إلى سور حديقة «عاطف»، قفزوا إلى الحديقة … وقال «تختخ»: من المهم الآن البحث عن الولد الذي وضع الصواريخ؛ فله — في الغالب — صلة بخطف «عاطف».

لوزة: مشكلة أن نبحث في المعادي كلها عن ولد يلبس «فانلة» مخططة!

تختخ: أعتقد أن هذا الولد يعرفنا بشكل أو بآخر … فلا بد أنه عرف موعد عيد ميلادك يا «لوزة»، ووضع الصواريخ لهذا السبب!

لوزة: معقول … ولكن ما دخل الولد بخطف «عاطف»؟

تختخ: هذا ما سنعرفه عندما نعثر على الولد!

محب: وكيف نبدأ؟

تختخ: سنعاود نحن سؤال محلات بيع الصواريخ!

محب: ولكن «الفهود السبعة» بحثوا … وقال لي «وحيد» إنهم لم يعثروا على أي محل من هذه المحال قد باع كل هذه الصواريخ.

تختخ: هناك احتمالان … أن يكون الولد قد اشترى من كل محل عددًا قليلًا من الصواريخ؛ حتى لا ينكشف أمره … والاحتمال الثاني أن يكون أحد «الفهود السبعة» قد كذب على «وحيد».

وسكت «تختخ» مفكرًا لحظات ثم قال: إنني لا أستبعد أن لواحد أو أكثر من «الفهود السبعة» ضَلْعًا في هذا الحادث … فمن المؤكد أنهم عرفوا من «وحيد» موعد عيد ميلاد «لوزة»، وربما فكر واحد منهم في إحداث مفاجأة الصواريخ لنا.

محب: ليس هذا بمستبعَد … هيا بنا!

تختخ: سأذهب أنا وأنت و«نوسة» … وستبقى «لوزة» هنا؛ للاتصال بها … وسيبقى معها الأخ «صالح».

وقفز المغامرون الثلاثة إلى دراجاتهم … وأشار «تختخ» ﻟ «زنجر» أن يبقى هو الآخر، ثم انطلقوا في شوارع المعادي، متجهين أساسًا إلى منطقة المحطة المزدحمة بالمحلات، وقد قسموا المنطقة بينهم.

لم تمضِ ساعة على بَدْء البحث، حتى عثرت «نوسة» على محل صغير يبيع اللعب والمسليات … وقال صاحبه الذي يعرف «نوسة» إن ولدًا اشترى منه في صباح الأمس عشرين صاروخًا، ولكنه لا يذكر بالضبط ماذا كان يلبس!

أسرعت «نوسة» تتصل ﺑ «لوزة» تليفونيًّا، وطلبت منها إخطار «محب» و«تختخ» إذا اتصلا بها … وعادت «نوسة» مسرعةً، ووصل — بعدها بقليل — «محب» و«تختخ»، وقال «تختخ»: سنعرف الآن فورًا من هو الولد الذي اشترى الصواريخ!

صالح: كيف؟

تختخ: سنسأل «وحيد» عن صديقه الذي سأل المحل الصغير … فلا بد أن «وحيد» قد قسم العمل بينهم، والولد الذي ادعى أنه ذهب إلى المحل … من المؤكد أن يكون هو نفسه الذي اشترى الصواريخ … وبخاصة لو تذكر «وحيد» أن هذا الولد عنده فانلة مخططة.

وأمسك «تختخ» بسماعة التليفون، واتصل ﺑ «وحيد»، وبعد حوار قصير، وضع السماعة ونظر إلى المغامرين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤