اعترافات الفهود … وبداية خطة

قال «تختخ»: كما توقعت تمامًا … أحد الفهود السبعة هو الذي وضع الصواريخ، وعندما طلب منه البحث عن البائع، اختار البائع الذي اشترى منه هو، وبالطبع قال إن أحدًا لم يشترِها.

قالت «لوزة»: إنني لا أفهم هذه النقطة بوضوح.

تختخ: أحد الفهود السبعة … اسمه «سعد».

لوزة: إنني أذكره جيدًا … إنه الولد الذي ضربني بالطوبة.

تختخ: ذاكرتك ممتازة يا «لوزة» … لقد تذكرته الآن. هذا الولد هو الذي اشترى الصواريخ من المحل الصغير، ووضعها في الكشك الخشبي … وعندما طلبنا من «وحيد» أن يقوم الفهود السبعة بالبحث في محلات بيع الصواريخ، قسم العمل بينهم، فاختار «سعد» المحل الصغير لسؤاله. وبالطبع لم يذهب؛ لأنه هو نفسه الذي اشترى الصواريخ، ثم غاب ساعةً، وعاد إلى «وحيد» وقال له: إن المحل لم يَبِعْ أيَّ صواريخ … ليُخفيَ أنه هو الذي اشتراها.

نوسة: ولماذا وضع الصواريخ في الكشك الخشبي، وهل لهذا عَلاقة باختفاء «عاطف»؟

تختخ: هذا ما سنعرفه حالًا … فقد طلبت من «وحيد» أن يتصل ﺑ «سعد»، وأن يطلب حضوره إلى فيلا «وحيد»، وسيتصل بنا «وحيد» بمجرد وصوله، ونذهب لاستجوابه.

صالح: وهل تتوقع أن يكشف هذا عن اختفاء «عاطف»؟

تختخ: قد لا يكشف بشكل نهائي، ولكنه قد يُنير لنا الطريق!

محب: أعتقد أنني كوَّنتُ فكرةً عن عملية اختطاف «عاطف»!

انتبه الأصدقاء لهذه الجملة، وقال «محب»: عندما انفجرت الصواريخ، وأصابت أسلاك الكهرباء فقطعت النور، اتجه «عاطف» إلى الكشك، وقد ذهبت خلفه بعد دقائق قليلة … فكيف اختفى «عاطف» في هذه الدقائق؟ وكيف لم يَصْدُر منه أي صوت؟!

صمت «محب» لحظات، ثم عاد يرد على نفسه: إنني أتصور أن بعض الأشخاص كانوا مختفين في الكشك، لسبب لا أعلمه الآن، وبمجرد دخول «عاطف» الكشك، ضربوه على رأسه، ثم حملوه، وقفزوا من النافذة إلى الأرض الفضاء؛ بدليل الأثر الذي تتبعه «زنجر» حتى الشارع الخلفي المهجور.

تختخ: هذا معقول … ولكن ماذا كان يفعل هؤلاء الأشخاص في الكشك؟! وكيف لم ترهم وأنت كنت تتردد على الكشك في المساء لتركيب الأسلاك؟!

محب: لا أستطيع الإجابة عن السؤال الأول، أما السؤال الثاني فإنني لم أتردد على الكشك سوى ثلاث مرات فقط، في فترات متقطعة؛ مرتان قبل الثامنة والنصف، والثالثة بين التاسعة والنصف والعاشرة، عندما ذهبت لإضاءة أنوار الاحتفال. ومن الممكن أنهم حضروا وكمنوا في الكشك؛ فهو مكوَّن من ثلاث حجرات، وربما كانوا في إحدى الحجرات دون أن أراهم … ورآهم «عاطف» بالصدفة، أو أنهم كانوا بسبيلهم للخروج فقابلهم.

تختخ: النظرية معقولة … وبقِيَ أن نسمع اعترافات «سعد»؛ فقد يكون مشتركًا في خطف «عاطف» لسبب لا ندريه، ونرجو أن يتمكن «وحيد» من إحضاره بسرعة …

ولكن الساعات مضت دون أن يتصل «وحيد» … وجاء موعد الغداء، فتغدَّوْا معًا، ومضَوْا يتحدثون حتى المساء … ثم تحدث «وحيد» أخيرًا، وأخطر «تختخ» بوجود «سعد» عنده، فقال «تختخ»: أرجو أن تجلس معه في غرفة، وتمنعه من الخروج حتى نصل!

ثم وضع السماعة، وقفز الأصدقاء إلى دراجاتهم … وركب «صالح» دراجة «عاطف»، وانطلق «زنجر» خلفهم … وسرعان ما كانوا ينطلقون في طريق الاستاد — حيث توجد الفيلا الكبيرة التي يقيم فيها «وحيد» … واقتربوا من الحديقة الكبيرة ذات الأشجار الملتفَّة التي تشبه الغابة … ثم وقفوا أمام الباب … ووجدوا البوَّاب في انتظارهم … ففتح لهم، وأشار إليهم «تختخ» ألا يُحدثوا صوتًا … واقتربوا من باب الفيلا الضخمة التي تشبه قصرًا عتيقًا … ونزلوا ثم صعدوا السلالم بهدوء، ووجدوا أحد الشغالين الذي أشار لهم على الغرفة التي بها «وحيد».

دفع «تختخ» الباب بعد دقات خفيفة ودخل … كان «وحيد» يجلس في كرسيه ذي العجلات … وأمامه «سعد»، ولم يكد «سعد» يرى «تختخ» حتى وقف، وبدا مضطربًا … وكان بقية الأصدقاء قد دخلوا، وأغلقوا الباب خلفهم.

قال «تختخ» بصوت حاسم: من الذي خطف «عاطف» يا «سعد»؟

نظر «سعد» إلى «وحيد» كأنه يستنجد به، ولكن «وحيد» قال في خشونة: أجب يا «سعد» … أنت تعرف أننا لم نعد نكوِّن مجموعة … وأن «الفهود السبعة» قد أصبحوا أصدقاء المغامرين الخمسة … فلا تحاول الإنكار!

قال «سعد»: ولكنني لا أعرف من خطف «عاطف»، بل إنني لا أعرف أن «عاطف» قد خُطِف على الإطلاق!

تبين ﻟ «تختخ» في حديث «سعد» رنة الصدق؛ فقال: إذن … من الذي وضع الصواريخ في الكشك؟

نظر «سعد» حوله ووجد الأصدقاء يُحدِّقون فيه، فقال: أنا!

تختخ: لماذا؟

سعد: كنت أريد أن أُعدَّ لكم مفاجأةً، بعد أن علمتُ من «وحيد» بموعد عيد ميلاد «لوزة».

تختخ: هل كنت وحدك أو معك أشخاص آخرون؟

سعد: وحدي.

أشار «تختخ» للأصدقاء وﻟ «سعد» بالجلوس، ثم قال: اسمع يا «سعد» … لقد اختفى «عاطف» بعد إطلاق الصواريخ بلحظات، ونحن نريد منك أن ترويَ لنا كل ما حدث … لا تنسَ شيئًا مطلقًا … منذ أن اشتريت الصواريخ حتى لحظة إطلاقها. إننا نريد أن نستردَّ «عاطف» من خاطفيه … وأنت الأمل الوحيد الذي يمكن أن ينير لنا الطريق.

سعد: كما قلت لكم … علِمتُ من «وحيد» بموعد عيد ميلاد «لوزة»، وقررت أن أعد لكم مفاجأةً … وهكذا ذهبت إلى المحل الصغير الذي بجوار المحطة، واشتريت كل ما عنده من صواريخ … وعندما هبط الظلام، ذهبت إلى الأرض الفضاء التي بجوار السور … وانتظرت حتى تأكدت من عدم وجود أحد في الكشك، ثم دخلت ووضعت الصواريخ داخل الكشك، وأخفيتُها بحيث لا يراها أحد … ثم مددت شريطًا طويلًا بين الصواريخ والأرض الفضاء، بحيث أستطيع إشعاله ولا يراني أحد.

محب: ألم ترَ شيئًا غير عادي في الكشك عندما دخلته؟

سعد: مطلقًا … على الأقل بالنسبة للحجرة التي كنت فيها.

تختخ: وبعد ذلك؟

سعد: ربضت في الظلام حتى أضأتم الشموع، وأشعلت الفتيل؛ لأني توقعت أن تطفئوا النور بعد لحظات، واشتعل الشريط بأسرع مما توقعت، وانفجرت الصواريخ، وبدأت أستعد للقفز إلى الشارع … وفي هذه اللحظة حدث شيء غريب!

وصمت «سعد» لحظات، وتعلَّقتْ أبصار الموجودين به، وعاد يقول: عندما انبطحت على السور، وجدت ثلاثة أشخاص، أحدهم يحمل حقيبة، يُسرعون الخَطْو بجوار السور … وسمِعتُ في نهاية الشارع صوت «موتوسيكل» مقبلًا، واقترب «الموتوسيكل» بسرعة … ونظر إليه الرجال الثلاثة، ثم قفزوا إلى أعلى السور، واختفَوْا بجوار الكشك الخشبي … وعندما مرَّ «الموتوسيكل» بجواري، رأيت عليه أحد أمناء الشرطة … وقد فكرت أنه يطاردهم، وهممت أن ألفت نظره، ولكن في هذه اللحظة رأيت النار تشتعل في الكشك الخشبي … وأحسستُ بذعر شديد، فأطلقتُ ساقيَّ للريح … وظلِلْتُ أجري حتى دخلت منزلي.

وحيد: هل هذا كل ما حدث؟

سعد: نعم. فقد عدت في الصباح لأرى ما حدث بالكشك الخشبي، ولحسن الحظ أني وجدت النيران قد أُخْمِدت. ولكنني أحسست بالذنب، فلما طلب مني «الفهود السبعة» البحث عن الذي اشترى الصواريخ، اخترت أن أذهب إلى المحل الصغير حتى أخفيَ الحقيقة. إنني آسف جدًّا!

وحيد: أعتقد أن هؤلاء الرجال الثلاثة هم الذين خطفوا «عاطف»!

لم يرد «تختخ» … بل أخذ يتمشَّى في الغرفة مفكرًا … وقال «محب»: فعلًا، هذا هو الحل الوحيد المعقول … ما رأيك يا «تختخ»؟

قال «تختخ»: هناك أشياء كثيرة تدور في ذهني. كم الساعة الآن؟

قال «وحيد»: إنها تقترب من السادسة.

تختخ: أمامي مهمة صغيرة، ولكنها هامة … هل يمكن أن تنتظروني هنا جميعًا؟

رد «وحيد»: على الرحب والسعة لجميع الأصدقاء عندي!

تختخ: سأذهب إلى هذه المهمة وحدي … وسأتصل بكم تليفونيًّا، فاستعدوا جميعًا لهذه اللحظة.

لوزة: هل ستتأخر يا «تختخ»؟

تختخ: أرجو أن أعود قبل أن يهبط الظلام … وإذا لم أعد، فسوف أتصل بكم كما قلت.

وغادر «تختخ» منزل «وحيد» مسرعًا، وقفز إلى دراجته، وانطلق كالسهم — وكأنه يسابق الزمن — إلى منزله … وسرعان ما كان يصعد إلى غرفة العمليات … وهي غرفة خاصة ﺑ «تختخ»، في الدور الثاني من الفيلا التي يقيم فيها مع والديه … وخلع «تختخ» ثيابه، ثم أخذ يختار من ثياب التنكُّر الكثيرة التي عنده ثيابًا أخرى … وصبغ وجهه في أكثرَ من موقع، ثم وضع باروكة الشعر الأصفر المنفوش على رأسه. وعندما انتهى من عملية التنكر، ونظر في المرآة، كان قد تحول إلى شخص آخر تمامًا … وابتسم «تختخ» … فلم يكن أقرب الناس إليه في هذه اللحظة يمكن أن يعرفه.

فتح «تختخ» باب غرفته، واستمع لحظات حتى أحسَّ أن لا أحد في الطريق، ثم نزل السلالم كالسهم، وبعد لحظات كان خارج الفيلا، ومن المؤكد أن من كان يراه في هذه اللحظة، لم يكن يتصور مطلقًا أنه الولد الذي دخل الفيلا منذ أقل من نصف ساعة … وبخاصة الحقيبة الخشبية ذات الواجهة الزجاجية التي كان يحملها.

مشى «تختخ» وهو يفكر … طافت في ذهنه فكرة معينة، لو صحَّت لضرَبَ عُصفورين بحجر واحد، وأخذ يحدِّث نفسَه … أليس من الأفضل أن أتصل بالمفتش «سامي» أنقل له ما في رأسي؟!

ولكن لو اتضح أن فكري خطأ، فسيكون ذلك شيئًا مؤسفًا … ولو علِمَ الشاويش، لأصبحت هدفًا لسخريته … ومشى «تختخ» مسرعًا حتى وصل إلى وسط المعادي. واتجه فورًا إلى أحد محالِّ بيع الألبان، وطلب شراء عشر عُلَب من اللبن الزبادي.

وضع «تختخ» العلب في الحقيبة الخشبية التي كان يحملها، ثم عاد يسير بسرعة، حتى اقترب من منزل «عاطف»، ثم بدأ ينادي بصوت مرتفع: زبادي يا لبن!

ومشى وهو ينادي محاولًا إسماع صوته إلى أبعد مسافة ممكنة … حتى وصل إلى هدفه … إلى فيلا التاجر الكبير «حمزاوي».

رفع «تختخ» صوته: زبادي يا لبن!

ثم اتجه إلى البواب، وقال: السلام عليكم.

رد البوَّاب: سلام ورحمة الله وبركاته.

وضع «تختخ» حقيبة الزبادي بجواره، ثم قال: زبادي عظيم جدًّا يا عم!

رد البواب: آسف يا بني … إننا نشتري من شخص محدد.

وكانت هذه الإجابة ما ينتظره «تختخ»، فلم يتردد وجلس على الرصيف بجوار البواب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤