حكاية بائع الزبادي

قال «تختخ»: إنني ولد فقير … وأريد مساعدتك في أن تتعاملوا معي.

قال البواب: آسف يا بني … ليس هذا عملي … إنه عمل «حسنة» الشغالة!

تختخ: وهل أستطيع مقابلتها؟

البواب: تعالَ غدًا؛ فسوف تذهب بعد قليل لزيارة أمها، كالمعتاد كل أسبوع. وهي تعمل الآن للانتهاء من عمل اليوم.

تختخ: ومن هو بائع اللبن الزبادي الذي تتعاملون معه؟

البواب: الحاج «إسماعيل» في عزبة «فهمي».

شكر «تختخ» البواب، وانطلق يجري إلى عزبة «فهمي»، وتمنى في هذه اللحظة أن تكون دراجته معه … ولكن لم يكن هناك وقت لإحضارها.

كان الظلام قد هبط عندما وصل «تختخ» إلى عزبة «فهمي»، وأخذ يسأل على محل الحاج «إسماعيل»، وسرعان ما كان يقف أمامه … وقف قليلًا بعيدًا يرقب المحل، ويفكر في أفضل أسلوب للحصول على المعلومات التي يريدها … وسرعان ما عثر على الحل الملائم؛ فقد خرج أحد صبيان الحاج يحمل صينية اللبن الزبادي … وكانت فرصة «تختخ»، فقد اقترب من الصبي على الفور، وقال له: أريد سلطانية زبادي!

فقال الولد: آسف … إنها ذاهبة للزبائن بالعدد! ادخل المحل وخذ ما تريد!

تختخ: إنني قادم من منزل «حمزاوي»!

الولد: «حمزاوي» لم يعد يتعامل معنا؛ لقد سمعت زميلي «سلطان» يقول إنهم تعاملوا مع محل آخر منذ أمس.

تختخ: ألم تسمع شيئًا آخر؟

الولد: لا … وتستطيع سؤال «سلطان».

تختخ: وأين «سلطان»؟

الولد: إنه سيخرج الآن.

وسار الولد … ووقف «تختخ» مكانه، وقد أخذ قلبه يدق بعنف … إنه حتى الآن في الطريق الصحيح، وأخذ يفكر: كيف يتصرف عندما تتأيد شكوكه؟ وقطع عليه حبل تفكيره ظهور ولد قصير القامة مبتسم الوجه يحمل صينية اللبن. وما كاد يمر أمام «تختخ»، حتى ناداه قائلًا: سلطان!

والتفت إليه الولد، فقال «تختخ»: إنني قادم من طرف «حسنة» الشغالة عند «حمزاوي»! قال الولد — بضيق، وقد اختفت ابتسامته: ماذا تريد «حسنة» مني؟

تختخ: إننا نريد زبادي كالمعتاد!

سلطان: لا يمكن أن أعود إلى هذا البيت مرةً أخرى! لقد طردتني «حسنة»، وشتمتني دون سبب، برغم أننا نتعامل مع «حمزاوي» من مدة طويلة، قبل أن تحضر هذه البنت!

تختخ: ماذا حدث؟ إنني لا أعرف، عن أي شيء تتكلم؟!

سلطان: ألم تقُل لك؟! لقد ذهبتُ أول أمس، ومعي ثلاث سلاطين لبن كالمعتاد، ونحن نصنع أحسن أنواع الزبادي في المعادي كلها، ونتعامل مع أحسن البيوت، ولا يمكن أن نغش، ولكن «حسنة» شمَّت اللبن، ثم صاحت: هذا لبن مغشوش وغير طازج!

وصمت «سلطان» وهو يستردُّ أنفاسه، ثم قال: ودهشت … وأمسكت باللبن، وأخذت أشمه، ووجدته على أحسن ما يكون، ولما قلت لها ذلك عادت تصيح في وجهي ألا أعود إليهم مرةً أخرى، وشتمتني، وسبَّتْني … اذهب وقل لها إنني لن أعود إليهم مرةً أخرى، أو تتفاهم مع المعلم، وليرسل لها ولدًا غيري!

وانصرف «سلطان»، وأحسَّ «تختخ» أن كل شيء يسير كما تصوَّر بالضبط … وفجأةً تذكر أن «حسنة» ستغادر بيت «حمزاوي»، وسقط قلبُه بين قدميه، وحار كيف يتصرف … إنه على مسافة بعيدة من منزل «حمزاوي»، ولن يستطيع اللحاق بها، ومن المهم جدًّا أن يستجوبَها … وفجأةً تذكر الأصدقاء، وأسرع يدخل محل الحاج «إسماعيل»، وشاهد «تليفونًا» موضوعًا على مكتبه، ودون كلمة واحدة رفع السماعة، ثم أدار رقم «وحيد»، ورد عليه «وحيد»، فقال له «تختخ»: «وحيد»، أعطني «محب» … من فضلك.

وسمع «تختخ» صوت «محب» على الطرف الآخر؛ فقال له: «محب» … اركبوا دراجاتكم فورًا، وأسرعوا إلى منزل «حمزاوي»، واسألوا عن «حسنة» الشغالة. فإذا لم تكن قد خرجت، فراقبوا خروجها حتى حضوري، وإذا كانت قد خرجت، فاتبعوها عن بعد، ولا تُشعِروها أنكم تراقبونها مطلقًا! اتَّبِع خطة المراقبة بالتبادل.

محب: وماذا بعد مراقبتها؟

تختخ: بعد أن تعرفوا مكانها، اتركوا أحدًا ليراقب المكان، ثم تعالَوْا إلى منزل «عاطف»، أو اتصلوا بي في منزل «عاطف» إن أمكن.

محب: سننفذ التعليمات … ولكن أين أنت؟

تختخ: عند عزبة «فهمي» … وسأعود فورًا إلى منزل «عاطف» في انتظاركم!

ووضع «تختخ» السماعة، ثم دفع ثمن المكالمة، وخرج دون أن يرد على كلمات العتاب التي خرجت من أحد العمال؛ لأنه لم يستأذن في استخدام التليفون.

أسرع «تختخ» عائدًا إلى منزله … كان يريد التخلص من تنكره، ثم يذهب بعد ذلك إلى منزل «عاطف» لانتظار نتيجة مراقبة الأصدقاء ﻟ «حسنة».

كان الظلام قد هبط تمامًا على المعادي، فلما وصل «تختخ» إلى منزله، استخدم الشجرة التي تصل أفرعها إلى نافذة غرفته … وسرعان ما قفز إلى داخل الغرفة، ثم خلع ثياب التنكر … ودخل الحمام ليزيل آثار التنكر كلها، وارتدى ملابسه المعتادة.

أحس بالانتعاش بعد الحمام، وأمسك سماعة التليفون، وطلب المفتش «سامي» في مكتبه فلم يجده، وترك له خبرًا، ثم اتصل بمنزله فلم يجده، وترك خبرًا آخر. ونزل مسرعًا إلى منزل الشاويش «علي»، وبعد أن طرق الباب عدة مرات ولم يرد الشاويش، أدرك أنه ليس في المنزل هو الآخر، وأحسَّ بضيق، ولكنه أسرع إلى منزل «عاطف»، ولم يكد يدخل الحديقة حتى ظهرت «نوسة» و«لوزة» و«سعد» و«صالح»، ولم يكن معهم «محب».

قال «تختخ»: ماذا حدث؟ أين «محب»؟

ردت «نوسة»: بعد مكالمتك التليفونية، أسرعنا إلى منزل «حمزاوي»، ووجدنا «حسنة» تغادر المنزل، وقد عرفناها من حديثها مع البواب الذي كان يناديها باسمها، وخرجت «حسنة» من البيت، وأسرعت إلى محطة القطار، وكنا نراقبها بطريقة التبادل؛ واحد يتقدم، ثم يترك مكانه للآخر، وهكذا.

تختخ: فاهم. المهم ماذا حدث؟

نوسة: وصل قطار من القاهرة، وأسرعت تقفز فيه، وكان «محب» أسرعنا، فقد قفز خلفها. وعدنا نحن إلى هنا!

نظر «تختخ» إلى ساعته … كانت قد تجاوزت التاسعة، وأخذ يحسب المسافة بين المعادي وبين المحطات التالية حتى «حلوان»، وقال: أعتقد أنه إذا لم يحدث شيء ﻟ «محب»، فإنه سيتصل بنا خلال نصف ساعة.

وجلس الجميع، وقال «سعد»: إنني آسف جدًّا؛ لقد سببتُ لكم متاعبَ كبيرة، ولكن كنت أريد أن أقدم مفاجأةً ﻟ «لوزة» من ناحية، ومن ناحية أخرى أترك لكم لغزًا يصعُب حلُّه.

ابتسم «صالح»، وقال: ولكنهم حلُّوا اللغز قبل مُضيِّ «٢٤» ساعة!

أضاف «تختخ»: وقد نحل لغزًا آخر أهم!

التفت إليه الأصدقاء، وقالت «نوسة»: ماذا تعني يا «تختخ»؟ وماذا فعلت عندما ذهبت إلى عزبة «فهمي» كما قلت في التليفون؟

تختخ: لقد فكرتُ في شيء، وقررتُ أن أتحقق منه، وحتى الآن أعتقد أني أسير في الطريق الصحيح … لقد ربطت بين حادث اختفاء «عاطف»، وحادث السرقة الذي وقع في منزل «حمزاوي».

لوزة: لقد فكرت في الفكرة نفسها، وقلت لكم هذا، ولكنكم لم تصدقوا!

تختخ: كيف ربطت بين الحادثين؟

لوزة: أولًا، إن حادث السرقة وقع بين التاسعة والنصف والعاشرة، وقد اختفى «عاطف» في العاشرة تقريبًا كما نعلم جميعًا … ولم يكن هناك أي سبب لاختفائه، فقلت في نفسي ربما يكون اللصوص الذين سرقوا المجوهرات والنقود قد التقوا — لأي سبب — ﺑ «عاطف»، وخطفوه … فلعله طاردهم مثلًا في أثناء مرورهم بجوار منزلنا؛ فمنزل «حمزاوي» يقع في الشارع نفسه!

قال «تختخ» مشجعًا: وماذا أيضًا؟

لوزة: عندما قال لنا «سعد» عن الرجال الثلاثة الذين قابلهم بجوار الكشك الخشبي، في أثناء مرور أمين الشرطة، بدأت أتأكد!

تختخ: وهل هناك شيء ثالث؟

لوزة: حتى الآن لا!

تختخ: أنتِ مغامِرة ذكية حقًّا يا «لوزة»، ولكنني أضيف سببًا ثالثًا، هو جملة قالها واحد منكم، عن عدم صراخ «عاطف» عندما خُطِف!

لقد ربطت بين حديث الشغالة «حسنة» عن طريق مهاجمة اللصوص لها؛ لقد خدروها بحقنة … وفكرت أنهم اتبعوا الوسيلة نفسها مع «عاطف» … وهكذا استطاعوا إسكاته، وحَمْله بعيدًا دون أن نسمع له صوتًا.

وسكت «تختخ» لحظات، ثم مضى يقول: حدث هذا ونحن نستمع إلى حديث «سعد» في فيلا «وحيد»، وتذكرت «حسنة» … وسألتُ نفسي: هل كان حضور اللصوص الثلاثة إلى منزل «حمزاوي» ساعة غياب الأسرة من المنزل، وغياب البواب لشراء الزبادي مجرد صدفة؟

سعد: لا أفهم! ماذا تعني؟

تختخ: سأوضح مرةً أخرى … لقد تمت السرقة بين الساعة التاسعة والنصف والعاشرة، وفي هذه الفترة كانت أسرة «حمزاوي» غير موجودة في المنزل، فمن الذي يعرف أن الأسرة غير موجودة؟ شخصان فقط؛ البواب و«حسنة» … أليس كذلك؟

سعد: تمامًا!

تختخ: أحدهما إذن متصل باللصوص، وقد أخبرهم بتغيُّب الأسرة، وبقيَ عليه أن يُبعد الآخر … فإذا كان البواب هو الذي اتفق مع اللصوص، فهو الذي يبعد «حسنة» … وإذا كانت «حسنة» هي التي اتفقت مع اللصوص، فهي التي أبعدت البواب … معقول؟

سعد: معقول جدًّا!

تختخ: نصل من هذا إلى أن «حسنة» هي التي اتفقت مع اللصوص على سرقة بيت «حمزاوي»؛ لأنها أبعدت البواب بحجة شراء الزبادي … وهنا سألتُ نفسي: هل غاب بائع الزبادي من تلقاء نفسه، أو لسبب آخر؟! وهكذا تركتكم، وذهبت لمعرفة السبب. وقد عرفت أن الشغالة «حسنة» قد طردت بائع اللبن دون سبب مفهوم، وواضح أنها أرادت منه ألا يأتيَ حتى تجد سببًا مفهومًا؛ سببًا لإرسال البواب لشراء الزبادي، ويخلو الجو للصوص …

صالح: ولكنهم خدَّروها!

هز «تختخ» رأسه قائلًا: إنها حيلة قديمة لإبعاد الشبهات عنها … فهي تبدو ضحيةً للصوص، فلا يشك فيها أحد! وهكذا اتضحت خيوط الحادث في رأسي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤