يا حضرة الشاويش … من فضلك!

ساد الصمت الأصدقاء بعد حديث «تختخ»، وأخذ كل منهم يدير الفكرة في رأسه، وفجأةً دقَّ جرس التليفون، وكان «محب» هو المتحدث، ووضع «تختخ» سماعة التليفون على أذنه، وأخذ يستمع باهتمام، وبقية الأصدقاء يراقبونه.

قال «محب» بصوت لاهث: أتحدث من حلوان … لقد نزلتْ «حسنة» في حلوان، وتبِعتُها … وقد حاولت أن تركب تاكسيًا، ولما لم تجد سارت، فسرتُ خلفها، حتى وصلت إلى الصحراء، وتبعتها فترةً من الوقت، ولكنها فجأةً اختفت قرب مكان متشعب المسالك، وظلِلْتُ أبحث عنها دون جدوى … ماذا ترى؟

فكر «تختخ» لحظات، ثم قال: انتظر في المحطة … سأحضر ومعي «زنجر» و«صالح» و«سعد».

ووضع «تختخ» سماعة التليفون، وبدأ يفكر. كان يتمنى في هذه اللحظة أن يحصل على قطعة من ثياب «حسنة» بأي ثمن؛ حتى يشمها «زنجر»، فكيف السبيل إلى هذا؟ لم يكن أمامه إلا الشاويش «علي».

التفت «تختخ» إلى «صالح» قائلًا: هل تحب الاشتراك في مغامرة؟

قال «صالح»: ليس أَحب إليَّ من هذا!

تختخ: وأنت يا «سعد»؟

سعد: إنني على استعداد لأن أفعل أي شيء لإصلاح هذا الخطأ الفظيع الذي وقعت فيه.

قال «تختخ» ﻟ «نوسة»: اذهبي يا «نوسة» مع «صالح» إلى منزلي، وأحضري «زنجر» من هناك، وانتظروني هنا جميعًا.

وقفز «تختخ» إلى إحدى الدراجات، ثم انطلق إلى منزل الشاويش «علي»، وهو يتمنى أن يكون الشاويش قد عاد … ولحسن الحظ، وجد نافذته مضاءةً، وسرعان ما كان يطرق الباب … وبعد لحظات ظهر الشاويش في ملابسه المنزلية … ولم يكد يرى «تختخ» حتى اهتز شاربه؛ فقد توقع المتاعب!

قال «تختخ»: مساء الخير يا شاويش «علي»، لقد جئت إليك في مهمة خطيرة! عاود شارب الشاويش الاهتزاز، وقال: خطيرة؟!

تختخ: نعم … إنها خطيرة، لكنها ستكشف عن لغز اختفاء «عاطف»، وفي الوقت نفسه عن العصابة التي سرقت منزل «حمزاوي».

الشاويش: ألم يظهر «عاطف» حتى الآن؟

تختخ: لا!

الشاويش: وما المهمة الخطيرة التي تطلبها مني؟

تختخ: إنها مسألة بسيطة … ولكنها خطيرة في الوقت نفسه … إننا نريد قطعةً من ثياب «حسنة» الشغالة، والأفضل فردة حذاء.

فتح الشاويش فمَه، وبدت في عينيه نظرة ذهول، فعاد «تختخ» يقول: أرجوك، لا تناقشني الآن فيما أريد يا حضرة الشاويش … إن المسألة عاجلة جدًّا!

بلع «الشاويش» ريقه، وقال: عن أي شيء تتحدث؟

تختخ: عما تحدثت عنه!

الشاويش: ولكني لا أفهم عن أي شيء تتحدث!

تختخ: سأعيد ما قلته مرةً أخرى … إننا نريد قطعةً من ثياب «حسنة» الشغالة في منزل «حمزاوي» … أو فردة حذاء.

الشاويش: هذا أغرب طلب سمعته في حياتي … وإذا لم أقتنع بجدية الطلب، فإنني بالطبع لن أساعدَك … فلستُ على استعداد لاحتمال سخريتكم، ولا تنسَ …

قاطعه «تختخ» بنفاذ صبر: أرجوك يا شاويش «علي»، البس ثيابك فورًا، وتعالَ معي!

الشاويش: هل تصدر لي أمرًا؟

تختخ: العفو يا شاويش … إنني لا أملك حق إصدار الأوامر … ولكنك الآن تعطِّل العدالة.

انتفخ وجه الشاويش، وصاح: هل تعرِّفني شغلي؟! هل تحدثني عن العدالة؟!

تختخ: لا تنسَ يا شاويش أن حادثتين خطيرتين قد وقعتا في دائرة عملك، وأنك لم تصل إلى حل أي شيء حتى الآن.

صاح الشاويش: إنني مسئول عن السرقة فقط، أما اختفاء صديقك «عاطف» هذا فإنني متأكد أنه إحدى ألاعيبكم!

بدأ «تختخ» يستعد للانصراف، وقال: سأتصل بالمفتش «سامي» إذن!

الشاويش: لقد سافر المفتش «سامي» فجأةً إلى «أسيوط» … في مهمة عاجلة، ولا تهددني بهذا الكلام!

أدرك «تختخ» أن خطته ستفشل … وأنه لن يستطيع إقناع الشاويش، وخاصةً في غياب المفتش «سامي» … وقرر أن يحدث الشاويش بطريقة أخرى.

فقال: أنت حر يا شاويش … لقد أردت أن أضع يدك الليلة على لصوص المجوهرات الثلاثة … ولكن …

بلَّلَ الشاويش شفتيه بلسانه، وقال: أنت … ستضع يدي؟

تختخ: أؤكد لك يا شاويش أنني أعني ما أقول، وأن كل دقيقة تضيع، تبعد بينك وبين حل الغموض في هذا الحادث.

الشاويش: ولكن المفتش سافر إلى «أسيوط» خصوصًا خلف هؤلاء اللصوص الثلاثة، فكيف تضع أنت يدي عليهم؟!

تختخ: لا بد أن عند المفتش «سامي» أسبابًا قوية … ولكن عندي أنا أسباب أخرى. وبمنتهى الصراحة … لولا أن «عاطف» في هذا الموضوع، لما ترددت لحظةً في الانصراف عند أول كلمة قلتها مُعلِنًا رفضَك مساعدتي!

بدا الشرود على وجه الشاويش لحظات، ثم قال: ادخل.

دخل «تختخ»، وأسرع الشاويش يرتدي ثيابه الرسمية، وعاد وهو يقول: ولكن ما هو السبب الذي أقدمه لهذا الطلب؟

تختخ: إنك لست في حاجة إلى ذكر أسباب؛ فأنت ممثل القانون. ويكفي أن تقول ﻟ «حمزاوي» إنك ستعيد له مجوهراته ونقوده.

الشاويش: هل أنت متأكد؟

تختخ: بنسبة كبيرة … نعم!

الشاويش: إذن، هيا بنا وأمري إلى الله.

وخرجا مسرعَيْن، وقفزا على دراجتيهما، واتجها إلى منزل «حمزاوي». وبعد عشر دقائق، كان الشاويش يطرق الباب … وسمع «تختخ» وهو يقف بعيدًا حديث الشاويش مع البوَّاب … فأسرع إلى منزل «عاطف» القريب لانتظار الشاويش، حسب اتفاقه معه.

كان الأصدقاء — و«زنجر» معهم — ينتظرون عودة «تختخ»، الذي روى لهم بسرعة ما حدث بينه وبين الشاويش، فقالت «لوزة»: لماذا لم تأخذ شيئًا من ثياب «عاطف»؟ …

تختخ: إنني لا أضمن أن يكون «عاطف» هناك … إنني أبحث الآن عن «حسنة»، وعن طريقها سوف نصل إلى «عاطف».

وكاد يقول: لو كان حيًّا … ولكنه أمسك لسانه، وإن أحس برعدة تشمل جسمه كله … وأخذ يفكر في احتمال أن يكون اللصوص قد قضَوْا على «عاطف» … وفكر في الساعات القليلة المقبلة، وما يمكن أن يحدث فيها … ونظر إلى «لوزة»، ووجدها تنظر إليه، وأدرك أنها تفكر مثله تمامًا … إن «عاطف» شقيقها المحبوب … وهو مخطوف، ولا أحدَ يدري مصيره … وأحسَّ بإعجاب عظيم بهذه المغامِرة الشجاعة. تقدَّم منها، ووضع ذراعَه حول كتفيها، ثم مال عليها، وهمس في أذنها: هل أنت خائفة؟

ردت «لوزة» بصوت مرتجف: نعم، خائفة على «عاطف»!

قال «تختخ» بثبات — وإنْ أحسَّ بخوفها يسري إليه: لا تخافي؛ إن «عاطف» مغامر جسور … وسوف يعود إليك!

لوزة: الليلة؟

تختخ: أرجو ذلك.

لوزة: هل آتي معكم إلى «حلوان»؟

تختخ: لا … ستبقين مع «نوسة» … هنا!

لوزة: لماذا؟ إنني أريد أن أتحرك … إن هذا الهدوء يضايقني! أرجو أن آتيَ معكم … لعلكم تعثرون على «عاطف»!

تختخ: من أجل «عاطف»، ابقَيْ هنا!

وظهر الشاويش على باب الحديقة — مُمْسكًا بيده لفَّةً صغيرة، فأسرع «تختخ» إليه، وقال الشاويش متضايقًا وهو يناوله اللفَّة: منديل رأس «بأوية»!

تختخ: عظيم جدًّا!

والتفت إلى الأصدقاء قائلًا: هيا بنا!

الشاويش: إلى أين؟

تختخ: إلى حلوان.

الشاويش: لماذا؟

تختخ: لأن «حسنة» في مكان ما هناك، وإذا استطعنا الوصول إليها؛ فإنني أعتقد أننا سنصل إلى «عاطف» والمجوهرات والنقود!

قال «الشاويش» بحماس: إذن سآتي معكم.

قال «تختخ» مبتهجًا: إنك رجل رائع يا حضرة الشاويش! هيا بنا … فنحن نحتاج إلى شجاعتك … وإلى مسدسك أيضًا!

بعد دقائق، كان «تختخ» و«سعد» و«صالح» و«الشاويش» و«زنجر» يركبون القطار الذاهب إلى «حلوان»، وقد حرص الشاويش أن يجلس بعيدًا عن «زنجر»، فمهما كان اتفاقه مع المغامرين الخمسة، فهو لا يأمن مطلقًا «زنجر».

بعد نحو ربع ساعة، توقف القطار في محطة «حلوان»، ونزل المغامرون … وشاهد «تختخ» «محب» يبحث عنهم، فأسرع إليه. قال «تختخ» على الفور: هل يمكن أن تدلنا على المكان الذي فقدت عنده أثر «حسنة»؟

محب: أرجو ذلك … برغم الظلام وبعد المسافة!

التفت «تختخ» إلى الشاويش، وقال: سأكون أنا و«زنجر» و«محب» و«صالح» في البداية، وستتبعنا أنت و«سعد»!

الشاويش: لماذا؟

تختخ: إن ثيابك رسمية ستلفت الأنظار … ويجب ألا تظهر معنا حتى نصل إلى الصحراء.

وافق الشاويش متضايقًا … وبدأ الجميع سيرهم مسرعين … وبعد نحو ربع ساعة، كانوا قد غادروا الأماكن المأهولة بالسكان، ووصلوا إلى الصحراء الموحشة، التي تمتد جنوبًا إلى ما لا نهاية!

أخذ «محب» يتوقف بين لحظة وأخرى، ثم يسير … حتى توقف عند قاعدة تل صخري متشعب الاتجاهات، وقال: هنا!

أخرج «تختخ» منديل «حسنة» من اللفَّة، ووضعه أمام أنف «زنجر»، وقال: «زنجر» … شم جيدًا، ثم انطلق.

تشمَّم الكلب الأسود الذكي المنديل، ثم رفع رأسه إلى فوق، وأخذ يعب من الهواء، ثم أحنى رأسه إلى الأرض، ودار هنا وهناك، ثم انطلق كالسهم، والأصدقاء خلفه. كان «تختخ» يمسك بمِقْود الكلب؛ حتى لا يبتعد عنه … وساروا جميعًا.

مضت فترة و«زنجر» مندفع إلى الأمام، ثم توقف، وعاود شم الرمال حوله، ثم رفع رأسه إلى فوق … وأخذ يشد «تختخ» خلفه بشدة، وأدرك «تختخ» أن «زنجر» يقترب من هدفه، فتوقف ممسكًا الكلب بقوة، حتى انضم الجميع إليه، وهمس: أظننا اقتربنا من المكان؛ خذوا حذركم، ولا تُحْدِثوا صوتًا من أجل سلامة «عاطف».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤