معركة الليل

توترت أعصاب «زنجر»، وهو يحاول جذب «تختخ» خلفه، ولكن «تختخ» أخذ يربِّت على رأسه هامسًا: أرجوك اهدأ.

دار الكلب الذكي حول صخرة ضخمة، ثم سمع الجميع صوتين يتحاوران … كان أحدهما لرجل، والآخر لسيدة.

كان الرجل يقول: لا تخافي على حقك … ولكن يجب أن تعودي إلى البيت … إن غيابك سوف يثير الشبهات.

ردت السيدة: لقد جئت فوجدتكم تستعدون للسفر إلى «أسيوط»، ولا يمكن أن أعثر عليكم بعد الآن.

الرجل: ثقي بي … إن حقك محفوظ في عيني … ولكن اسمعي الكلام، وإلا ذهبنا جميعًا إلى السجن!

وأشار «تختخ» إلى من معه … فالتصقوا جميعًا بالصخرة … وعلى بعد أمتار قليلة، شاهدوا الشبحين في الظلام متجهين إلى «حلوان». همس «تختخ» في أذن «صالح» ببضع كلمات … فمدَّ «صالح» يده، وسحب «سعد» معه، وانطلقا خلف الشبحين، واتجه «تختخ» والشاويش و«محب» خلف «زنجر»، حتى سمعوا صوت راديو تنطلق منه أغنية. وزاد هياج «زنجر»، واحتار «تختخ» … لقد جاء به خلف «حسنة» … وقد ابتعدت «حسنة» … فلماذا هو مُهتاج؟! ودق «تختخ» سريعًا … لا بد أن «عاطف» قريب، وهذا سبب هياج «زنجر» وتوتره … واتجهوا إلى مصدر الصوت.

لمح «تختخ» والشاويش معًا ضوءًا خافتًا يفرش مساحةً من الرمال، أمام كهف قد غُطِّيتْ واجهته بالخيش وسعف النخيل، وهمس «تختخ» في أذن الشاويش: لقد جاءت اللحظة الحاسمة! لقد ذهب أحد اللصوص مع «حسنة» … ولا بد أن يكون اللصان الباقيان داخل هذا الكهف!

الشاويش: إنني أحمل مسدسي … فلا تخف!

تختخ: قد يكونان مسلحين هما أيضًا، ومن الأفضل ألا تُعرِّض حياتك للخطر، وفي الوقت نفسه سيعود الرجل الذي مشى مع «حسنة»، وأظن أنه سيوصلها إلى المحطة أو قريبًا منها ويعود.

الشاويش: ليتني ألقيت القبض عليه!

تختخ: لا … هذا أفضل حتى نفاجئهم جميعًا.

مضى الوقت دون أن يظهر الرجل أو «صالح» و«سعد»، وقال الشاويش: إننا نضيِّع وقتنا، هيا!

وافق «تختخ»، وقال: لقد فكرت في خطة بسيطة، أرجو أن تنجح … إننا نريد الانفراد بكل واحد على حِدَة … سألقي بطوبة داخل الكهف … وأعتقد أن أحدهما سيخرج … فقِفْ أنت بجوار باب الكهف، واضربْه على رأسه بمسدسك، وسأتولى أنا و«زنجر» الباقي … وعلى «محب» أن يتبعنا بعد دخولنا.

تحسس «تختخ» الأرض حتى عثر على الحجر … ثم اقترب من الكهف، وأشار للشاويش الذي سار بهدوء حتى وقف بجوار باب الكهف … ورفع «تختخ» ذراعه، واستجمع قوته، ثم قذف بالحجر داخل الكهف.

مرت لحظات قليلة، ثم ظهر أحد الرجلين يحمل بندقية على باب الكهف، وفي ضربة سريعة مُحْكَمة، وجَّه الشاويش مسدسه إلى رأس الرجل … ولم يتمالك «تختخ» نفسه من الإعجاب بالضربة، التي سقط الرجل على أثرها دون أن ينطق بكلمة واحدة. وسرعان ما قفز «تختخ» إلى الجانب الآخر لباب الكهف، وظهر الرجل الثاني … وأطلق «تختخ» الكلب، فقفز عليه … وصرخ الرجل رُعبًا، ولكنه لم يستمرَّ في الصُّراخ، فقد وجَّه إليه «تختخ» لكمة أسكتته، وصاح الشاويش: لا تتحرك وإلا أطلقت الرصاص!

وجلس الرجل على الأرض مذهولًا، واندفع «زنجر» إلى الكهف، وخلفه «تختخ»، وفي طرف الكهف كان «عاطف» … مُلقًى على الأرض، مُقيَّدًا … وقد أغلقَتْ فمَه كمامةٌ من القماش …

أسرع «عاطف» يحرك فمه … الذي تيبَّست عضلاته … وبرغم المتاعب التي عاناها، ابتسم قائلًا: هل ما زالت الحفلة مستمرة؟

ودخل «محب» في هذه اللحظة، وأسرع يحتضن «عاطف»، دون كلمة واحدة.

ظهر الشاويش عند الباب وهو يقتاد اللص أمامه، وقد شهر مسدسه، وبرغم أن «تختخ» و«عاطف» شاهدا الشاويش مئات المرات، فإنهما لم يريا على وجهه هذا التعبير الصارم الفخور وهو يزج اللص بطرَف مسدسه، ويقول في ثقة: هل كل شيء على ما يرام؟ كيف حالك يا «عاطف»؟

رد «عاطف»: كيف حالك أنت؟

فجأةً سمِعوا صوت أقدام تقترب … أشار الشاويش إلى اللص بمسدسه أن يقف في مدخل الكهف … ووقف على مَبْعدة منه، وأسرع «تختخ» و«محب» كل منهما إلى جانب الباب، وتوقَّفت الأقدام على مبعدة، ولم يظهر أحد … وفكر «تختخ» لحظات، ثم اقترب من الشاويش، وهمس في أذنه: ادفع اللص إلى الخارج، ومسدسك في ظهره؛ لنرى من القادم.

نفَّذ الشاويش ما قاله «تختخ»، واتجه اللص إلى مدخل الكهف، وفجأةً انقضَّ عليه شخصان، وانهالا عليه ضربًا … حار الشاويش فيما حدث … ولكن «تختخ» أسرع إليه، وأطلق خيطًا من الضوء على الصراع الدائر، ثم ضحك بصوت مرتفع. كان «صالح» و«سعد» هما اللذان انقضَّا على اللص.

صاح «تختخ»: هذا يكفي يا «صالح» أنت و«سعد»، فنحن مسيطرون على الموقف!

وعندما توقَّف الصراع، قال «تختخ» متسائلًا: أين اللص الثالث؟

قال «صالح»: لقد أوصل «حسنة» إلى أول شارع مضاء، ثم عاد ونحن خلفه، وقد خشِينا أن يفاجئكم هنا، فقمنا بالواجب!

تختخ: واجب؟ أي واجب؟

ابتسم «صالح» وهو يقول: نسيت أن أخبركم أنني بطل مدرسة «أم درمان» في الملاكمة، وقد انتهزتُ فرصة وجود اللص، وتمرنت فيه، إنه نائم الآن قريب من هنا، يحلم …

تختخ: عظيم يا «صالح» … إنك مغامِر ممتاز!

دخل الجميع إلى الكهف مرةً أخرى، وقال الشاويش — وهو يدير بصره في المكان: أين المجوهرات والنقود؟

لم يرد اللص … وأخذ يقول: أي مجوهرات؟! وأي نقود؟! إنني لا أعرف عن أي شيء تتحدث!

اهتز شارب الشاويش غضبًا وهو يقول: لا تضيِّع وقتي … إنكم اللصوص الثلاثة الذين سرقوا منزل «حمزاوي» … ونحن نعرف كل ما حدث … منذ اتفاقكم مع «حسنة» حتى خَطْف «عاطف» … وإذا لم تتحدث الآن، فسوف تتحدث بعد أن أضعك في الحبس!

كان «تختخ» يراقب اللص مراقبة دقيقة، ويلاحظ كل ما يفعله، فقال للشاويش: لا داعي لأن تثير أعصابك يا حضرة الشاويش. أظن أن الحقيبة التي بها المجوهرات والنقود مدفونة هنا!

وتقدم «تختخ» من أحد أركان «الكهف»، ووجد كمية من الصخور مُكوَّمة بطريقة ملفتة، وتقدَّم «محب»، وساعده في إزالتها، ثم حفرا الرمال، وظهرت الحقيبة!

اهتز الشاويش طرَبًا وهو يقول: لقد حققت وعدك يا «تختخ»، وطبعًا سوف نخبر المفتش «سامي» بما حدث!

تختخ: سأقول للمفتش «سامي» إنك صاحب الفضل في القبض على العصابة؛ فلولاك لَما استطعنا الوصول إلى هنا.

محب: أظن أن مهمتنا انتهت … هيا بنا!

تختخ: سنساعد الشاويش في ربط اللصين اللذين سقطا في المعركة؛ حتى لا يهربا … وسنأخذ الثالث معنا، والباقي على الشاويش.

•••

بعد ساعة من هذه النهاية المدهشة للغز اختفاء «عاطف»، وسرقة منزل «حمزاوي»، كان «محب» و«عاطف» و«تختخ» و«صالح» و«سعد» يقتربون من حديقة منزل «عاطف»، وكانت الأنوار ما زالت مضاءةً فيها … حيث كانت «نوسة» و«لوزة» في انتظارهم … وقال «تختخ» وهم يقتربون: اتركوا «عاطف» يدخل وحده!

ودخل «عاطف» من باب الحديقة … وسمع الأصدقاء صرختي فرح تنطلقان من «نوسة» و«لوزة»، وأسرعت الفتاتان إلى «عاطف»، الذي احتضن كل واحدة منهما بذراع!

وبعد لحظات دخل بقية المغامرين — يتبعهم «زنجر»، وقال «تختخ»: أظن أننا نستحق عشاءً فاخرًا يا «لوزة»!

ردت «لوزة» — والدنيا لا تتسع لفرحتها: ما زال عندي كمية كبيرة من الساندوتشات والفطائر وغيرها من الحفلة … وسأطلب من الشغالة أن تُعدَّ لكم الشاي باللبن.

تختخ: اللبن الزبادي؟

صالح: إنني أحب أن أعرف القصة كاملةً.

تختخ: سأروي استنتاجاتي … وعلى «عاطف» أن يُصحِّح المعلومات التي أخطئ فيها.

وجلس الأصدقاء جميعًا، وعيونهم على «تختخ» الذي قال: اتفق اللصوص الثلاثة مع الشغالة «حسنة» على سرقة منزل «حمزاوي» … وكان عليهم الانتظار حتى تخرج أسرة «حمزاوي» ذات ليلة … وعرفت «حسنة» قبل الحادث بيوم أنهم سيخرجون لزيارة إحدى الأسر الصديقة في القاهرة … وهكذا تشاجرت مع بائع اللبن الزبادي؛ حتى تضمن ألا يحضر الليلة التالية … وترسل البواب لإحضار اللبن … وحيث إن منزل «حمزاوي» بعيد عن السوق؛ فقد قدَّرت أنه سيغيب بين ثلث ساعة إلى نصف ساعة. وكان اللصوص الثلاثة في مكان قريب … وحسب الاتفاق، اتصلت بهم تليفونيًّا فحضروا! ودلَّتهم أولًا على مكان المجوهرات والنقود، ثم أعطاها أحدهم مخدِّرًا؛ لتبدوَ كضحية لهم، وتُبعِدَ الشبهات عنها!

وسكت «تختخ» لحظات وهو ينظر إلى «عاطف» و«سعد»، ثم قال: وكما نعرف، كان «سعد» يُعِدُّ مفاجأةً ﻟ «لوزة» في عيد ميلادها، ووضع الصواريخ في الكشك الخشبي، وجلس في الأرض الفضاء المجاورة استعدادًا لإشعال الصواريخ … وفي هذه اللحظة، كان اللصوص الثلاثة يتجهون إلى نهاية الشارع؛ ليدوروا حول الناصية، ثم يسيروا في الشارع المهجور؛ حيث كانت سيارة في انتظارهم … ولكن حدث أن أحد أمناء الشرطة كان يمر راكبًا «موتوسيكلًا» … وطبعًا — وكما هي عادة اللصوص — خافوا أن يراهم أمين الشرطة، فقفزوا إلى أعلى السور، واختفَوْا بجوار الكشك الخشبي، وشاهدهم «سعد» من مكمنه … ولكن اشتعال النار أخافه، فلم يُفكِّر في البحث عن حقيقتهم … أليس كذلك يا «سعد»؟

رد «سعد»: تمامًا … وكانت غلطة فظيعة!

ومضى «تختخ» يقول: وعندما انفجرت الصواريخ، وقطعت أسلاك الكهرباء، أسرع «عاطف» إلى الكشك، وكان الرجال الثلاثة قد استعدُّوا للقفز من السور، فشاهدهم «عاطف».

عاطف: لحظة واحدة يا «تختخ»! فعندما وصلت إلى الكشك، سمعتُ أصواتًا بجوار الكشك، فنظرتُ من النافذة … وإذا بيد تمتدُّ لتُغلِق فمي … ويد أخرى تجذبني من نافذة الكشك، ثم أحسستُ بشيء ينغرس في ذراعي، وغبت عن الوعي.

تختخ: وبعدها حملوك عبر الأرض الفضاء إلى الشارع المهجور، وركبوا السيارة، وانتقلوا بها إلى «حلوان» … وأنتم تعرفون الباقي.

قال «صالح»: إنني سعيد جدًّا باشتراكي معكم في هذه المغامرة. وعندما أعود إلى السودان، سأروي لأصدقائي ما حدث.

تختخ: وأرجو أن تحمل لهم تحياتنا …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤