الفصل الثالث

(في «قليوب».)

(عزبة «محمود بك وصفي».)

(حديقة المنزل في عزبة «محمود بك وصفي» بقليوب … المنزل في صدر المسرح … باب المنزل في الصدر … كذلك نافذة في المنزل تطل على الحديقة، وترى منها … عند رفع الستار: يكون بالحديقة «محمود بك وصفي»، وبجانبه «سليمان بك حلمي» وهما في الطرف يتهامسان. وفي الجانب الأيمن تجلس «فاطمة هانم» وبجانبها زوجها «علي»، وهي مخفية وجهه بطرحة بيضاء … وفي الجانب الأيسر تجلس «ليلى» وبقربها «شاهين» وفي يده «جورنال» لا يقرأ باستمرار … وهو عند رفع الستار، يكون جالسًا يحادث «ليلى» همسًا … وفي الوسط «دادة زينب» تعد القهوة على طاولة.)

محمود : يا «شاهين»!
شاهين : يا نعم!
محمود : قوم وحياة أبوك اخطف رجلك هات لنا علبة السجاير من جوه!
شاهين (ناهضًا) : حاضر.

(«يضع الجرنال» على كرسيه، ويذهب.)

دادة زينب : عايز كام حتة سكر في الفنجان يا «علي بك»؟
علي : أربعة.
فاطمة : يا ندامتي؟! أربع حتت مرة واحدة؟!
علي (لفاطمة) : ما احنا مش في بيتنا!
دادة زينب : إلَّا قولي يا «محمود بك» يا ابني، «سي شاهين» ابن عمك بيشتغل إيه دلوقت؟
محمود : بيشتغل إيه دلوقت؟! بيشتغل سكرتيري.
شاهين (يطل من نافذة المنزل) : لا لقيت لا سجاير، ولا كبريت!
محمود : يا أخي عندك تحت مرتبة الكنبة، ابحث كويس!
سليمان : ودا سكرتير إيه اللي مش عارف يبحث عن علبة سجاير؟!
فاطمة (لمحمود) : ياخويا أنا في بالي إن «سي شاهين» كان مستوظف مش عارفة فين!
علي : في مصلحة التنظيم، واستعفى بقاله مدة!
محمود : استعفى إيه؟ هم اللي رفتوه!
علي : مش علشان حكاية الكلب؟!
محمود : مضبوط.
فاطمة : كلب إيه ياخويا، اسم الله على مقامك؟!
علي : أصل «شاهين» كان عنده كلب مستعز به قوي، اسمه «بوبي»، كان غِيِّتُه وأفيونته، خير وأبدًا إلَّا «سي شاهين» ياخد «سي بوبي» معاه المصلحة! وعنها وكل يوم يخش «بوبي»، ويروح «بوبي»، آخرتها رؤساؤه زعلوا؛ حرَّجوا على «بوبي» ما يدخلش، ليه وليه ما يدخلش؟! اتعزرن «سي شاهين» وطلعت عفاريته، بس، وعلى قوله، قدِّم لهم استعفا.
محمود : ما تصدقيش، هم اللي لما حرَّجوا عالكلب مرة واتنين وتلاتة، ما سمعش الكلام، وكان لسه حضرته ما تثبتش، قالوله يالله انت وكلبك! اتفضلوا من غير مطرود!

(كل هذا الوقت وفي تلك الأثناء كلها يكون «سليمان» و«ليلى» في عالم آخر يتراشقان بالنظرات والابتسامات.)

فاطمة : والنبي ما لهم حق أبدًا! يعني الكلب يا حسرة كان تاعبهم في إيه؟! هم شايلينه على روسهم؟! وهو إيه؟ غيرش غية شيطان وقع فيها الجدع؟!
محمود : لأ ازاي! دا نظام حكومة؛ مفيش حاجة اسمها غِية. دا إذا كانوا صرحوا لشاهين بالكلب كانوا تاني يوم يلقوا اللي داخل بقط، واللي بنسناس، واللي بحمامة، واللي ببغبغان … متبقاش مصلحة تنظيم، تبقى جنينة حيوانات!
دادة زينب : قطيعة! وراح فين أُمَّال الكلب ده؟
محمود : مات! شوفي البخت! بعد ما رفتوهم بشهرين، داس عليه لوري قطم رقبته!
شاهين (داخلًا بعلبة سجاير) : مين اللي انقطم رقبته؟!
علي : بوبي، الله يرحمه!
شاهين (بحزن) : ما تفكرونيش!
علي (مشيرًا لحزنه) : شايفين؟!

(الجميع يضحكون. يدخل خادم فلاح يحمل البريد.)

الخادم : البوستة، جابها البوسطجي الطوَّاف دلوقت على حماره (يقدم عدة خطابات لمحمود بك) دول لسعادتك، (يقدم بعضًا آخر لسليمان) ودول بيقول لسي سليمان بك!

(«محمود» و«سليمان» يشتغلان بفضِّ بريدهما وقراءته … الجميع يصمتون قليلًا، يعودون فيتركون الصمت ويتكلمون فيما بينهم.)

دادة زينب : يعني يا «ليلى هانم» ما شربتيش قهوتك؟!
ليلى : مش عايزة يا «دادة»! شربت الصبح قبل ما اطلع الغيط أنا و«سليمان»!

(تتحادث مع «شاهين» بينما «الدادة» تخرج بالصينية التي كان عليها القهوة.)

فاطمة (تغمز زوجها «علي» بيدها) : يا داهيتي على بنات اليوم! تطلع الغيط هي والجدع؟!
علي (لها خافتًا) : وما له؟! مش عريسها؟!
فاطمة : ياخويا هم لسَّه كتبوا الكتاب؟!
علي : ما هو كده الموضة دلوقت؛ أُمَّال فاكرة زي على أيامكم؟! ما تشوف العروسة العريس إلا لما تقع الفاس في الراس؟!
فاطمة : قطيعة تقطع دي موضة! وحياتك ما إلَّا قايلة لابوها … واجب عليَّ!
علي : لا، لا، لا! واجب عليكي تقعدي ساكتة؛ ما لناش دعوة أبدًا! إحنا ناس جايين في زيارة، ومعزومين نحضر كتب الكتاب. ما يليقش!
فاطمة : والنبي لازم قايلة! هو أنا ما ليش كلام وإلا إيه؟! (تنظر لسليمان بنظارتها السوداء) وده حتى عريس؟! يا ختي بلا ميلة! يا سِم عليه وعلى تُقل دمُّه!
علي (بصوت خافت، مرتبك في خجل وغيظ) : هُس! اعملي معروف مالك ومال دمُّه؟! إنتِي اللي حتعاشريه؟! إنتِي باين ناوية تجيبي لنا داهية!
ليلى (ناهضة، لفاطمة) : أديني طالعة أجيبلك عيِّنة القماش اللي قلت لك عليه يا تيزة!

(«ليلى» تدخل المنزل.)

فاطمة : تيزة؟! حِكَم! قال أنا تيزتها؟! شوف واتعجَّب!
علي (في غيظ) : أُمَّال عايزاها تقول لك إيه؟ يا أبلتي؟!
فاطمة : بقى يعني أنا أولدها يا «سي علي»؟!
علي : أمَّال إيه؟ وأبوها كمان!
فاطمة (بغيظ تهم بالصراخ) : أبوها؟! آدي اللي زاد وعاد!
علي (مستدركًا، يسد فمها) : لا، لا! مش أبوها، مش قصدي أبوها! لا، لا! أنا … بس!
محمود (وفي يده خطاب كان قد فضَّ غلافه) : دهده؟! إيه الجواب ده؟ و«مدع» دا مين؟! و٣٠٠ جنيه إيه؟! (ينظر للغلاف) آه! ما تآخذنيش يا «سليمان بك»! باردون! فتحت جوابك غلط!
سليمان : إيه؟! (ينظر في غلاف خطاب معه) الله! دا لك جواب عندي كمان، الحمد لله إني لسه ما فتحتوش!
محمود : فين؟ (يتناوله منه، ويفضه، ويقرؤه بنظره، بينما «سليمان» يقرأ خطابه) دا من عند «سامي» يا جماعة! (ناظرًا «لشاهين» و«علي») بيقول ربما ييجي النهارده!
شاهين (الذي كان يقرأ في «جورنال» طول الوقت) : يبقى عال وتجتمع الشلَّة بالتمام والكمال!
علي : آي والله! وحشنا من زمان، أصله خنيس وله غطسات!

(محمود يعود لقراءة الخطاب.)

فاطمة (لعلي) : أولدها يعني إيه يا راجل يا خرفان، يا ندمان، يا صايع؟!
علي : يا دي الوقعة السودة!
فاطمة (صارخة) : معلوم! والنبي لانا مخلياها سودة ومطيِّنة على دماغك النهاردة!
محمود (يلتفت نحوهما وكذلك كل الموجودين) : الله! جرى إيه؟! ما لك يا «فاطمة هانم»؟! زعلانة ليه؟!
علي : مفيش حاجة! هي دايمًا زي ما انتم شايفين كده!
فاطمة : هي إيه؟! يعني مسطولة؟! يا راجل استعقل اللي بتقوله، وحاسب على لسانك!
علي : والله محاسب قوي، وربنا عالم بحالي!
فاطمة : إوعى تجيب سيرتي هنا بقولك أهوه! أحسن يبقى عليك يوم مقندل!
محمود : المسألة إيه بس؟ زعلانين ليه؟
فاطمة : شوف يا «سي محمود»! الراجل ده بقى طبعه وحش قوي، كل ما اقعد ويَّاه في مطرح ييجي ناغزني بكلمة يجنِّني!
محمود (لعلي) : تنغزها ليه؟!
علي : ما نغزتهاش، هي اللي بالنغزة!
فاطمة : يا راجل ما تقبَّحش! إحنا قدَّام ناس!
علي : ما هم قرايبنا، هم أغراب؟!
فاطمة (ناهضة) : أنا بالنغزة؟! (صارخة) بقول لك اقطع لسانك اللي انت متلفع به ده يا راجل انت! إلَّا أنا واحدة جِتِّتي مش خالصة! مستحملش تلخبيط الدم دا كله! طب و«سيدي المدبولي» ولَّا يبقى زر عيني طول كده، إنه لولا خوفي لا اللي عليَّ يحضروا، لكنت دلوقت فرَّجت على شنبك ده اللي يسوَى واللي ما يسواش، وآدي يمين تلاتة بالله العظيم ما إلَّا سايبة لك الحتة! وابقى دوَّر على اللي تبص في خلقتك!

(تدخل المنزل، مهرولة غاضبة.)

محمود : الله! «فاطمة هانم»، «فاطمة هانم»! الله! اجري وراها «يا شاهين»! يا سكرتيري!
شاهين (متذلِّلًا) : أنا؟! اعمل معروف لأ! بلاش الشغلة دي!
سليمان (لشاهين) : الست دي من مصر؟!
شاهين (ملتفتًا لعلي) : مراتك دي من مصر؟!
علي : لا ياخويا! دي شغل بره! هي مصر فيها لسان بالمتانة دي؟!
سليمان : لا! قصدي تكون من دم تركي؟!
علي : أنا عارف لها دم؟! جاها دم لما يلهفها، وأنا كمان ويَّاها!
محمود : قوم يا «علي» صالحها، واجب عليك!
سليمان : معلوم، واجبات الزوج!
محمود (خافتًا لعلي) : قُم اجري؛ خاف على مستقبلك!

(«علي» ينهض مسرعًا لدى سماع كلمة «مستقبلك» ويذهب.)

شاهين (على حدة) : مستقبله؟ اللهم تُبت إليك! (يقبِّل يديه بطنًا وظهرًا.)

(تظهر «دادة زينب» على عتبة المنزل قبل أن يدخل «علي».)

دادة زينب : هو جرى إيه «لفاطمة هانم» يا جماعة؟! الولية داخلة وشها زي الكركم، وإيديها تلج، واللي عليها، بسم الله الرحمن الرحيم، حضروا!
محمود : حضروا؟! يا خبر زي بعضه! طِير يا «علي»! وانت راخر يا «شاهين» وراه! بسم الله الرحمن الرحيم، حضروا؟!
شاهين : وأنا حعمل إيه؟!
محمود (يدفعه وراء علي) : احضر معاهم!

(يدفعه.)

شاهين : وانت؟
محمود (بسرعة وهو يدفعه) : ححضر، بس روح انت الأول، مندوب عني!
شاهين (وهو يدخل المنزل بينما «علي» و«الدادة» يكونان قد سبقاه في الدخول) : مندوب عنك في مجلس إدارة «شمهورش»!

(يدخل المنزل.)

محمود : أعوذ بالله! خَوَتونا، ودَوَشونا، وقلبوا دماغنا، (لسليمان) أظن انت ما طار من دماغك برج؟!
سليمان : لسه!
محمود : حاجة صعب قوي! ما تأخذناش! نهايته نتكلم بقى في موضوعنا؛ أنتم طبعًا الحمد لله متفقين؟!
سليمان : قوي قوي!
محمود : عال، يوم إيه بقى؟!
سليمان : هو إيه؟!
محمود : مش بتقول متفقين؟!
سليمان : أُمَّال! متفقين في العشرة، والأخلاق، والطباع!
محمود (باستياء) : قصدي على يوم (كتب الكتاب) يا أخي!
سليمان : آه! لا … دحنا لسه ما وصلناش للموضوع ده.
محمود (بغيظ) : شيء جميل خالص! لسه ما وصلناش للموضوع ده؟! يعني انتم كمان ناويين تجنوني؟! أُمَّال احنا جامعين العائلة ازاي علشان «كتب الكتاب»؟!
سليمان : طيِّب بس روَّق، متفقين!
محمود : على يوم «كتب الكتاب»؟!
سليمان : آه، النهاردة مش «الجمعة»؟ يوم «الأحد» بإذن الله.
محمود (بعد أن يجلس) : عال! قل لي بقى يا سيدي، «كتب الكتاب» بالفرح بالكل يكون هنا، حاجة مقتصرة كده وننتهي، مش توافق؟!
سليمان : موافق جدًّا!
محمود : ثم أظن أنا كنت قلت لك على الشروط.
سليمان : شروط إيه؟!
محمود : يعني ثروة بنتي وجهازها و…
سليمان : آه؛ قلت لي، دا شيء معتبر جدًّا! لكن ما لوش عندي أهمية!
محمود : طيب وانت بقى؟!
سليمان : أنا؟ أنا موافق ومبسوط جدًّا!
محمود : لأ! قصدي وانت يعني على (يشير إلى الفلوس) المهر؟
سليمان (يزوم) : مهر؟ آه، مظبوط!
محمود : ما تآخذنيش في السؤال ده! مش لطيف؛ لكن طبعًا لازم نتفاهم قبل «كتب الكتاب» على كل حاجة؛ من جهة بنتي، انت عرفت. ومن جهتك؟!
سليمان : آه! من الجهة دي؟!
محمود : قول! مفيش خجل أبدًا! قول لي بيني وبينك كده مقدار ثروتك، واحنا نقدَّر. طبعًا المسألة مش مسألة فلوس أبدًا؛ إنت عارف، الغرض نستوفي إجراءات العقد بس.
سليمان (شارد الفكر) : مفهوم!
محمود : هه! قد إيه بقى ثروتك بالضبط؟!
سليمان : ثروتي؛ يعني كل أملاكي، هه؟!
محمود : آه، طبعًا!
سليمان : يعني يدخل فيها برضه الملبوسات، والموبيليات، وأواني البيت، وأدوات اﻟ…
محمود (ضاحكًا) : أواني إيه؟ وأدوات إيه؟ … ثروتك؟!
سليمان : ما هو أصل المرحوم والدي كان فات لي ثروة كويسة؛ إنما بقى، ولا يخفى على فطنتكم إن الفلوس دي … طبعًا انت عارف!
محمود : مفهوم، أنا باسأل يعني على اللي باقيلك دلوقت!
سليمان : اللي باقي لي دلوقت! شوف، أنا ضربت الحسبة كلها في بعضها النهاردة الصبح، فوجدت اللي باقيلي (يضحك) شيء مخجل!
محمود : لا، لا! قول، مهما كان، ما يهمش أبدًا!
سليمان : لقيت اللي باقيلي ١٧!
محمود : ١٧ فدان؟
سليمان : إحنا بنتكلم في فلوس نقدية!
محمود : آه، باقيلك ١٧ جنيه إيراد؟
سليمان : ١٧ صاغ!
محمود (بدهشة) : ١٧ صاغ إيراد؟!
سليمان : رأس مال!
محمود (ضاحكًا في دهشة) : رأس مالك ١٧ قرش صاغ؟! وكمان حضرتك كنت مش مستعجل على «كتب الكتاب»؟!
سليمان : واستعجل ليه؟ علشان يعني ثروتي ١٧ قرش، فِكرك يا «محمود بك» أنا عاوز أتجوز لغرض الفلوس؟ لا يا «محمود بك» لا، أنا مش من اللي يجروا ورا المال! أنا أحتقر المال والفلوس؛ لأن الحياة مش بالفلوس، الحياة تجيب الفلوس؛ لكن الفلوس ما تجيبش الحياة!
محمود : صدقت والله يا «سليمان»! لا مش قصدي أبدًا، لا سمح الله، أنا عارف أخلاقك كويس؛ أنا من يوم ما شفتك عرفت إن الواحد بأخلاقه يساوي كنوز الأرض! وحمدت ربنا اللي بنتي «ليلى» اختارتك، بس أنا قصدي …

(ليلى تظهر خارجة من باب المنزل.)

ليلى : «بابا»! فيه واحد جه معاه جواب بيقول لازم يسلمه لك في إيدك.
محمود (ناهضًا بسرعة) : واحد؟ مين؟ فين؟!
ليلى : على الباب الثاني (تشير إلى داخل المنزل).
محمود : عن إذنكم (يدخل المنزل بسرعة).
ليلى (لسليمان) : كنتم بتتكلموا في إيه؟
سليمان : كنا بنتفق.
ليلى : على إيه؟
سليمان : على يوم «كتب الكتاب»، خلاص حيكون، إن شاء الله، يوم الحد بعد بكرة!
ليلى : «كتب كتاب» مين؟!
سليمان : كتاب مين؟! فيه حد غيرنا؟! «كتب كتابنا»، عقبال البكاري!

(يشير إلى نفسه وإليها.)

ليلى : تعرف المشمش؟
سليمان : المشمش اللي عند الفكهاني؟ ولَّا اللي محفوظ في العلب؟
ليلى : المشمش وبس، تعرفه؟
سليمان : عارفه كويس المشمش؛ لونه أصفر!
ليلى : أصفر أحمر، مسألة جوازنا دي في المشمش!
سليمان : يا نهار أسود من الهباب!
ليلى : إسود، أزرق، حط كل الألوان اللي تعجبك؛ لكن جواز مفيش!
سليمان : جواز مفيش؟!
ليلى : وأنا بستعجب ازَّاي تكلِّم «بابا» في موضوع زي ده؟!
سليمان : أُمَّال أنا جاي هنا «قليوب» أعمل إيه؟! وصفتي في العائلة إيه؟!
ليلى (تصيح) : إزَّاي يا حضرة الأفندي تتفق معاه، من غير ما تقولي؟!
سليمان : آه! في النقطة دي صحيح أنا غلطان! لكن لو تعرفي الحقيقة، أنا برضه معذور! أنا موجود هنا بصفتي عريسك، وأبوكِي زعل واتحمق لما قلت له احنا لسه ما اتفقناش! أعمل إيه؟ اضطريت إني أكدب وأقول متفقين!
ليلى (بسخرية وغيظ) : متفقين؟!
سليمان : معلوم، وفيها إيه؟! ما احنا مصيرنا كنا حنتفق ضروري، ما نتفقش ليه؟ ما دمنا حابين بعض وفي أمان الله!
ليلى : حابين بعض؟!
سليمان : آه، طبعًا!
ليلى : مين قالَّك كده؟!
سليمان : مين قال لي؟! وأنا عايز حد يقول لي؟! وهو الحب بيستخبى؟!
ليلى (بهدوء) : ما بيستخباش صحيح؛ لكن عينيك ما بتشوفش! إنت غلطان يا «سليمان أفندي»، أنا ما بحبكش!
سليمان (كالمجنون) : إزَّاي؟!
ليلى (بهدوء) : كده.
سليمان : كده إيه؟! لا! أبدًا يا «ليلى»، مش ممكن، إنتِي ما بتحبنيش؟! ليه؟! إشمعنى أنا بحبك؟!
ليلى (بهدوء) : إنت حر، حِب على كيفك!
سليمان : يعني إيه؟!
ليلى : يعني أنا مش مسئولة عن حبك وعدمه.
سليمان : بتتكلمي جد؟!
ليلى (بهدوء) : أُمَّال فاكرني بهزر؟!
سليمان : مش معقول الكلام ده؟!
ليلى : ليه مش معقول؟ سبق قلت لك إني بحبك؟!
سليمان : لكن إنتِي بتحبي تقعدي معايا دايمًا، وتحبي تتفسحي معايا، ومش عايزاني أبعد عنك!
ليلى : دا مش معناه إني بحبك، دا بس علشان انت جدع لطيف ظريف، وأحب أسمع كلامك الخفيف؛ حكاية تضييع وقت!
سليمان : تضييع وقت؟!
ليلى : بس كده طبعًا! أُمَّال انتَ عايز إيه؟!
سليمان : كويس قوي! بقى يعني أنا عندك عبارة عن مضيعاتي أوقات؟! زي الطاولة، والدومينو، واللب، والفسدق!
ليلى : لأ، مش كده بالضبط! أنا عايزة أقول إنك عبارة عن واحد صاحبي، صديقي لا غير!
سليمان : صاحبك؟! صديقك لا غير؟! مش فاهم، فهميني كويس!
ليلى : المسألة بسيطة، إنت ما لكش أصحاب اسمهم مثلًا حسنين؟ محمدين؟ عوضين؟ اعتبرني واحد من دول!
سليمان : حسنين، محمدين، عوضين مين؟! إنتِي؟!
ليلى : بالضبط، إيه الفرق؟!
سليمان : مفيش فرق أبدًا؟!
ليلى : أبدًا! الحكاية كلها عادة، عادة قديمة لازم تِبْطل، أنا في نظرك واحدة ست بس؛ لكن بكرة تتعود وتعتبرني زي واحد صاحبك تمام!
سليمان (متأملًا إياها) : واحد صاحبي تمام؟! بالشعر ده؟ والرموش دي؟! والشفايف دي؟! لأ اسمحيلي! فلسفة المرأة الجديدة دي ما تدخلش عقلي! ولو قعدتي تقوليلي في الكلام ده تلاتين سنة! مستحيل أصدق إن فيه حاجة اسمها صداقة بين شاب وشابة؛ يا يكون بينهم حب يا بلاش!
ليلى (بهدوء) : بلاش!
سليمان (بعد لحظة غيظ) : إنتِي متراهنة على تطليع روحي؟! اسمعي بقى! قوليلي آخر كلام؛ فيه جواز ولَّا مافيش؟!
ليلى : مفيش!
سليمان : فيه حب ولَّا مافيش؟!
ليلى : مفيش!
سليمان : طيب خلاص! سلام عليكم (ذاهبًا).
ليلى : رايح فين؟!
سليمان : رايح في داهية! (يذهب.)
ليلى : مش حتلقى الداهية غير هنا، خليك!
سليمان (يقف) : مش عايزاني أروح؟!
ليلى : لأ ما تروحش!
سليمان (يتحرك ذاهبًا) : لأ؛ حروح أدوَّر على حد يحبني! (يمشي.)
ليلى (باندفاع) : طيب تعالى وأنا …

(«سليمان» يقف فجأة ويعود إليها.)

سليمان (وهو راجع) : وانتِي إيه؟
ليلى (مستدركة) : وأنا … أبقى أشوف!
سليمان : ودي عايزة شوف وبحث وتفكير؟! أنا طالب ترقية ولَّا علاوة؟!
ليلى : اسمع يا سليمان! خليك عاقل، افهم غرضي؛ ليه انتَ مش عايز نكون أصحاب؟ كأننا احنا الاتنين رجالة؟ ليه مش عايز تفرض إن انا واحد صاحبك؟!
سليمان : وافرض ليه؟! ما أفرضش. الحقيقة أهي قدَّامي، إنتِي واحدة ست، وأنا بحبك وخلاص!
ليلى : طيب؛ أُمَّال بكرة لما حنكون نوَّاب، ومحامين، وقضاة …
سليمان : وظباط، ومآمير، وعسكر، وحرامية! برضه كل واحدة منكم على لسانها الكلام ده؟!
ليلى : ضروري ييجي يوم نبقى كده!
سليمان : وما له؟! أحبك برضه! إنشالله حتى تكوني مأمورة سجن، أودِّي نفسي مؤبد وأفضل طول عمري معاك في سجن واحد!
ليلى : أطلب نقلي لسجن تاني!
سليمان : وأنا أطلب نقلي ويَّاكي في الحال!
ليلى : حعمل مهندسة!
سليمان : أعمل قيَّاس وأشيل لك القصبة والبرجل!
ليلى : أقول لك: حعمل دكتورة!
سليمان : أَعْمل عيَّان وأشرب قزازة سليماني، وأموت بين إيديكِي!
ليلى (تضحك في سرور ضحكة ساحرة) : لا، يا «سليمان» لا!
سليمان : ليه يعني؟ ومين يطول يموت بين إيديكِي يا «ليلى»؟! وهو يعني ضروري سليماني؟! عينيكِي تِقتل!
ليلى : عينيَّ تِقتل؟! (تضحك «ليلى».)
سليمان : معلوم تِقتل! زي البندقية والمسدس، وحق الحكومة تطلع لهم رُخَص، الله! ما تبصليش بيهم كده! الله! أموت! الشيطان شاطر، ولَّا أقول لك: أنا عايز أموت، بُصيلي! (يقترب منها، ويأخذ يدها في يده) أموت واستريح! أموت من عينيكِي! وأموت بقربك! هو فيه أحسن من كده موت؟!

(يقبِّل يدها، وهي كأنها لا تشعر، فلا تمانع.)

ليلى : بتحبني قد إيه يا «سليمان»؟
سليمان (ويدها في يده، بقرب فمه) : أحبك أكتر من كل شيء في العالم، أكتر من … أكتر من السعادة؛ لأن السعادة من غيرك مالهاش فايدة! وانتِي يا «ليلى» تحبيني ولَّا لأ؟!
ليلى (تهمس كالمخاطبة نفسها وذراع «سليمان» تطوقها شيئًا فشيئًا) : مش عارفة لسَّه!

(يقبِّلها قبل أن تتمَّ كلمتها. وفي هذه اللحظة يطل «شاهين» من النافذة مناديًا.)

شاهين (فجأة من النافذة) : «محمود بك»، يا «محمود بك»!

(لا يتم كلمة «محمود بك» إذ يكون قد رأى «سليمان» و«ليلى» وهما متعانقان في الصورة السابقة، فيختفي من النافذة بسرعة خجلًا.)

(«سليمان» «وليلى» يستيقظان فجأة على صوت نداء «شاهين» مبغوتين، ويلتفتان لمصدر الصوت، فلا يجدان أحدًا طبعًا؛ إذ إن «شاهين» يكون قد اختفى من النافذة.)

ليلى (مضطربة) : إيه ده يا «سليمان»؟!
سليمان : مفيش حد، إحنا سمعنا غلط؟
ليلى (باضطراب) : قصدي على الكلام اللي كنت بتقوله ده؟! (لنفسها مضطربة) دا كلام «سامي» بعينه، كلامه!
سليمان : كلام مين؟!
ليلى : لأ، لأ! من فضلك ما تقولش الكلام ده تاني أبدًا! ما احبش أسمعه منك انت، انت صديقي بس يا «سليمان»، فاهم؟!
سليمان : برضه رجعنا؟! جرى لك إيه يا «ليلى»؟!
ليلى (لا تزال مضطربة) : أرجوك يا «سليمان» ما تزعلش! (تبتعد) سيبني ابْعد عنك! أرجوك!
سليمان : وكتب الكتاب؟!
ليلى (مضطربة) : مستحيل!
سليمان : لكن دا لا بد يا «ليلى»! أنا اتفقت خلاص مع أبوكِي. ما يمكنش!
ليلى : اعرفوا شغلكم؛ إنتم أحرار! وأنا حرة!
سليمان : والسبب إيه بس؟! الصداقة برضه والأفكار دي؟! طيِّب وبقى أنا علشان خاطر كده، أعمل إيه دلوقت؟! دا شيء يجنن! الله يرحمك بقى يا «قاسم بك يا أمين»! إنتم الواحد يترك لكم حرية ازَّاي؟!
ليلى : مفيش فايدة! إنت تقول لبابا إن الجواز مش حينفع، واصرفوا نظر!
سليمان : أنا أقول له كده؟! والله العظيم كان يضربني بسكينة!
ليلى (بحدة) : اعرفوا خلاصكم بقى! وأنا بقولك أهوه لآخر مرة: الجواز مستحيل!
سليمان (بتوسُّل) : يا «ليلى» اعملي معروف، اتروِّي شوية، ما تصدقيش الكلام اللي بيقولوه دلوقت ده! أنا في عرضك تسيبي الرأي ده، أرجوكِي!
ليلى (بملل) : يوه! قلت لك مش ممكن! كفاية إن احنا أصدقاء وحنتقابل دايمًا، عايز إيه أكتر من كده؟!
سليمان : طيب أرجوكِي بس فهِّميني، مش راضية تتجوزي ليه؟!
ليلى : أف! حفهمك ألف مرة؟! مفيش فايدة قلت لك، مستحيل! مستحيل! مستحيل!
سليمان : برضه أنا ما فهمتش حاجة!
ليلى : بُكرة تفهم.

(تتركه وتتجه إلى المنزل.)

(في هذه اللحظة يخرج «محمود» من باب المنزل، وفي يده خطاب. «سليمان» يطرق يائسًا. «ليلى» تدخل المنزل.)

سليمان (وهو مطرق بحزن ويأس) : ما بتحبنيش؟! ولَّا دي الأفكار إياها؟! ولَّا إيه الحكاية؟ إيه السر؟!
محمود (نحو «سليمان) : سليمان!
سليمان (يرفع رأسه ملتفتًا) : أفندم!
محمود : تعرف الجواب ده من مين؟!
سليمان : من مين؟!
محمود : بص؛ لازم انت تعرف الخط!
سليمان (ينظر للخط) : يادي الوقعة الباينة!
محمود : عرفته؟!
سليمان : آه! يظهر انه مش جاي على خير الجواب ده! هو علشاني؟! (يمد يده.)
محمود : لأ، دا جاي لي أنا! ومع ذلك تقدر تقراه. (يناوله) ولَّا هات، حتقرا إيه؟! ما انت عارف الحكاية كلها! الست دي بتدَّعي إن عليك لها ٣٠٠ جنيه؛ فسواء كان ده حقيقي ولَّا غير حقيقي آهي عايزة ٣٠٠ جنيه والسلام. (سليمان لا يجيب، بل يُطرق مفكرًا) ثم إنها عايزاهم ضروري النهارده!
سليمان : النهارده؟!

(يضحك ضحكة يأس.)

محمود : كون مطمئن، المسألة انتهت!
سليمان : ازاي؟!
محمود : خلاص؛ دفعت لها المبلغ مع حامله زي ما هي طالبة!
سليمان (مبغوتًا) : انت؟ … دفعت؟!
محمود : باسمك طبعًا.
سليمان (كالمجنون بسرعة بغيظ) : وليه بس كده؟! استعجلت ليه؟!
محمود : كان ضروري أتصرف كده؛ على أي حال، ما تآخذنيش! أنا عايز نسيبي يكون نضيف!
سليمان : أنا الحمد لله نضيف!
محمود : قصدي نضيف السمعة؛ مش نضيف الجيب! ومع ذلك يجرى إيه لما ادفع عنك دلوقت وبعدين تبقى تُرد؟!
سليمان (في غيظ) : أبقى أرد؟! إمتى؟ … وانت ليه ما تقولِّيش قبل ما تدفع؟!
محمود : وإيه الفايدة يا أخي؟! ما انا عارف إنك مامعاكش إلا ١٧ صاغ!
سليمان (لا يزال مغتاظًا) : ولما سعادتك عارف كده مش كنت تتأنى شوية؟! يخلصك تركبني ديون؟ بدون مناسبة؟!
محمود : ديون إيه؟! هو ده دين جديد؟! مش ده كان عليك للست دي من قَبله؟! إيه بقى، ركِّبتك إيه؟! إنت اللي مركوب جاهز! آه، باردون ما تآخذنيش!
سليمان : ما علينا! مافيش فرق!
محمود : أيوه؛ بين النسايب مفيش فرق!

(«دادة زينب» تطل من النافذة. تنظر بعينها القصيرة النظر.)

دادة زينب : هم راحوا فين اسم الله عليهم؟! «سي محمود بك»، يحضَّروا الغدا دلوقت، ولَّا كمان شوية؟
محمود (يلتفت نحوها) : الغدا؟! أظن … الأحسن كمان شوية.

(«دادة زينب» تختفي من النافذة.)

سليمان (في هذه الأثناء يهمس على حدة، ميممًا وجهه نحو اليسار) : ماليش قعاد في البيت ده خلاص! حقي أزوغ حالًا! لا زواج حاصل، ولا حب نافع!
محمود (يرى «سليمان» يبتعد) : سليمان! إنت رايح فين؟!
سليمان : مش رايح، بس داخل أوضتي أجيب حاجة وجاي!

(«علي» يظهر على عتبة الباب ويخرج منه إلى المسرح، وعندئذٍ يدخل «سليمان» المنزل.)

محمود (لعلي) : إيه يا «علي»، مش الحمد لله راقت؟
علي : راقت يا سيدي! بعد ما ورَّتنا نجوم الضهر!
محمود : إزَّاي؟!
علي : إزَّاي إيه؟ فضلت ترتعش، وتنتفض، واحنا نهدِّي فيها! وآخرتها «دادة زينب» رخره الله يجازيها قالت ابعتوا «لأم هانم» من الكَفر، أهي تعرف تدق «الدقة المغربي»! صاحبتنا سمعت زاد عليها الحال، وراسها وميت ألف سيف إلَّا يدقولها دقة «سيدي عبد السلام»، ويحنُّوها، ويدبحولها ديك معُوشَر، رزي، أحسن الشيخ طالب كده، يا ستي اعملي معروف، دا مش بيتنا! وحنة إيه؟! وديك رزي معوشر منين؟! كلمة … نهايته من هنا لهنا؛ رجعت تاني قالت طيب الشيخ بيقول يروق، بشرط تعملوا له زار مستوفي لما نروَّح! قلت أيوه لما نروَّح بيتنا على خير! أنا في عرض «سي الشيخ»! لكن دي غلطتي أنا؛ اللي زي دي ما لهاش خروج برة أبدًا!
محمود : معلهش! جت سليمة. وهي قاعدة فين دلوقت؟
علي : فوق مع «شاهين» و«ليلى هانم» و«دادة زينب». أظن «سي سليمان» العريس، ما ضحك علينا، قال إيه بالذمة على كده؟!
محمود : لا؛ ما قالش حاجة، دا مشغول في حاله.
علي : إف! يا أخي أهو كل يوم عندنا من ده، لما حيركبني عفريت أنا راخر! والخصام والصلح دا اركنه على جنب! مزاج عندها. تعرف دي بعد ما راقت من جهتي، مسكت في قافيتك انت!
محمود (بذعر) : أنا؟! إزَّاي بقى؟! قالت إيه؟!
علي : قالت ما كانش عشمي في «سي محمود» كدا أبدًا! كلهم ييجوا ورايا يصالحوني، وهو بسلامته ما يصالحنيش واسمي في بيته؟!
محمود : ما اصالحهاش؟ آه! برضه … أيوه … لها حق، أنا غلطان!
علي : غلطان إيه؟ بتاخد على كلامها؟!
محمود : الحقيقة أنا مشغول أنا ونسيبي في مسألة «كتب الكتاب» والفرح، فما خدتش بالي!

(ينهض.)

علي : بقول لك دي خصلتها كده! غاوية صلح!
محمود (ينهض) : حاجة بسيطة، يالله بينا! مالهاش عليَّ إلَّا إني أصالحها؟ وانت كمان تصالحها تاني، واجيب لها نسيبي «سليمان» يصالحها! الكل يصالحوها، نعقدلها مؤتمر صلح!

(يأخذ بذراع «علي» ويدخلان المنزل.)

(المسرح يخلو لحظة، ثم يظهر «سليمان» بيده حقيبة ومعطف سفر آتيًا من خلف المنزل، أي: من يسار المسرح.)

محمود (من الداخل صائحًا) : يا «سليمان»، (سليمان يقف مرتبكًا. «محمود» يطل من النافذة) الله رايح فين؟!
سليمان (مرتبكًا حائرًا) : أنا …
محمود (بدهشة) : إنت مسافر ولَّا إيه؟!
سليمان : لا، بس واصل لحد التلغراف في المحطة!
محمود (باشتباه) : بالشنطة وبالطو السفر؟!
سليمان (مرتبكًا) : الحقيقة، ما أخذتش بالي! ومع ذلك … وما له ما انا راجع حالًا!
محمود (بسرعة) : انتظر أنا عايزك في كلمة!

(يختفي حالًا من النافذة.)

سليمان (يرمي الحقيبة والمعطف على المقعد) : أديني اتقفشت! (يفكر صامتًا.)
محمود (يخرج مسرعًا من المنزل) : قصدك إيه بكده يعني؟! رايح فين والفرح بعد بكرة؟! ثم … إزاي كنت حتزوغ من البيت بالشكل ده؟!
سليمان : أزوغ؟!
محمود : أُمَّال إيه؟! دا معناه إيه؟ مش زوغان؟ لولا بالصدفة إني شفتك من الشباك!
سليمان : لا؛ أزوغ ازَّاي؟! ودا كلام؟ لأ لأ، أبدًا! وانت تظن كده برضه؟!
محمود : طبعًا ما أظنش.
سليمان : آه، طبعًا! ما يصحش تظن. (لحظة) لكن طيب افرض يعني إن انا كنت زايغ صحيح، كنت تقول إيه؟!
محمود : كنت أقول إيه؟ كنت أقول انك لازم رايح تجيب فلوس وتيجي.
سليمان (يضحك لأن هذا من المستحيل أن يخطر في باله، ثم يتكلف الجد ويتمالك نفسه من الضحك) : فلوس؟! برافو عليك! أهو انا برضه كنت مسافر علشان كده!
محمود : الله! بقى انت كنت مسافر صحيح؟!
سليمان : أُمَّال يعني شايل الشنطة دي ليه؟! بس أنا مارضيتش أقولَّك ألَّا يمكن ما توافقش!
محمود : آه، معلوم! ما أوافقش أبدًا! تسافر إزَّاي والفرح بعد بكرة؟!
سليمان : لكن الفلوس؟ المهر؟
محمود : بعدين! بعد الفرح حنروح كلنا على مصر، ونبقى نتفق على كده.

(سليمان يتمشى ذهابًا وإيابًا، ويفكر مضطربًا.)

سليمان (كالمخاطب نفسه) : أقولِّكوش الحقيقة واخلص (لمحمود بك) «محمود بك»، أنا حقولَّك الحقيقة بس ما تزعلش، ولا تفَوَّرش دمك! بقى أنا ماكنتش مسافر علشان كده!
محمود (متجهمًا بقلق) : أُمَّال علشان إيه؟!
سليمان : علشان إن الفرح ماهُش بعد بكرة!
محمود (باضطراب) : أُمَّال إمتى؟!
سليمان : تأجَّل لأجل غير مسمى!
محمود (بحدة) : غير إيه؟! غير مسمى ازَّاي؟! إيه هو اللي بتقوله ده يا «سي سليمان»؟! هو كان كلام عيال ده؟! قولِّي أُمَّال إن مافيش جواز بالمرة، كده ولَّا لأ؟!
سليمان : كده؟!
محمود (بحدة وانفعال) : كويس قوي! خلاص يعني الزواج مش نافع؟! وانت كمان كنت جاي بس علشان تضحك على دقني؟! اسمح لي أقول لك يا حضرة إن دي أعمال جُبن وندالة وسفالة و…
سليمان : الله! الله! استنَّى بس حلمك!
محمود (مستمرًّا) : شاب زيك، فتحت له بيتي، واعتبرته نسيبي من قبل الفرح، وخليته يبان على أهلي، وعلى بنتي؛ باعتبار أنها حتكون زوجته، ومؤامن له؛ لكون أخلاقه كريمة، ومن أصل طيب، ييجي قبل الفرح بيوم ويقول مفيش زواج؟!
سليمان : بس يا «محمود بك» مش تتأنى عليَّ شوية، وتشوف كلامي إيه؟!
محمود : إيه عايز تقول بعد كده؟!
سليمان : أنا أقسم لك بشرفي، وشرف المرحوم والدي إن أملي كله في هذه الحياة كان الجوازة دي؛ مش علشان حاجة، إنت عارف. علشان «ليلى» بس، «ليلى» هي اللي كانت أملي، ورجائي، وكل ما أطلب في الدنيا دي!
محمود (يهدأ قليلًا) : طيِّب وجرى إيه؟!
سليمان : جرى إنها رفضت الجواز بتاتًا! رفض مدهش! أنا ما جسرتش إني أقول لك إلَّا بعد ما قطَعْت الأمل من رضاها!
محمود (شارد الفكر) : إزَّاي ده؟!
سليمان : أنا باستغرب! يا إمَّا إنها علشان ما بتحبنيش؛ ويا إما — ودا الغالب — إن عندها اعتقادات وأفكار ضد الجواز!
محمود (بفِكر شارد وبيأس) : أفكار إيه؟!
سليمان : أفكار إيه؟! أفكار النهضة، والمرأة الجديدة، والسفور، والحاجات اللي حتقلب الكيان والنظام دي! شوف يا «محمود بك» رأيي إن كل ده مامنوش فايدة! ما دام أصبحت الموضة في البلد إن الجنس اللطيف حر؛ يقابل الرجالة، ويشوف الرجالة، ويقعد مع الرجالة، ويكلِّم الرجالة … فايدة الزواج لهم بقى إيه؟ عبودية وحبس حرية على قولهم!
محمود (مطرقًا، يفكر في بلواه، شارد الذهن) : حبس حرية لمين؟!
سليمان (يستمر) : ثم الضرر مش واقع عليك انت بس؛ بل عليَّ أنا كمان، أنا اللي كان قلبي فاضي واتملى بالحب، واللي باحبها أديك شايف، أعمل إيه؟ قول لي، افتيني!
محمود (يرفع رأسه ويتنهد) : ضررك هيِّن، حب إيه؟! الحب في القلب زي الفلوس في الجيب؛ يتملي ويتفرغ؛ لكن الحرية … بقى يعني خلاص؟! بنتي مش منظور لها زواج أبدًا؟! بقى انت يا اللي كانت مستلطفاك رفضتك؟! مين بقى اللي حترضى به؟!

(يطرق مفكرًا يائسًا.)

سليمان : خد مني نصيحة لله، إذا كنت انا في محلَّك كنت أدوس على الكلام الفارغ اللي بيقولوه ده! بلا سفور، بلا حرية مرأة … بلا مسخرة! أحبس بنتي في بيتها، ولافيش حاجة اسمها تخرج لوحدها! ولافيش حاجة اسمها تكلم جدع، ولا راجل! بس، وابقى شوف إذا كانت ترضى تتجوز ولَّا ما ترضاش! سلام عليكم.

(يأخذ حقيبته، ومعطف سفره، ويتحرك ذاهبًا.)

محمود (مطرقًا بدون انتباه) : سلام ورحمة الله. (يتنبه فجأة) الله! «سليمان بك»!

(«سليمان» يقف.)

سليمان : نعم! يلزم خدمة؟!
محمود : دهده؟! إنت مسافر ولَّا إيه؟!
سليمان : آه طبعًا!
محمود : بس، مسألة اﻟ… اﻟ ٣٠٠ جنيه؟!
سليمان (مرتبكًا) : آه … أيوه … أيوه … دخلنا في الماديات! لك حق؛ طيب ودول يعني بقى يلزم تسديدهم بإذن الله إمتى؟
محمود : زي ما تحب! على راحتك! بس أرجوك ولو فيها رزالة تكتب لي بهم ورقة صغيرة.
سليمان : أقول فيها إيه بقى؟
محمود : كلمتين بس؛ أعترف أن في ذمتي لفلان مبلغ كذا.
سليمان : حخليهم تلات كلمات؛ أعترف في ذمتي لفلان بمبلغ كذا، أرسله لخليلتي بدون رأيي وعلمي!
محمود : يعني إيه؟!
سليمان : مش دي الحقيقة؟!
محمود : قصدك إنهم راحم عليَّ؟!
سليمان : لا، أبدًا! دا انا بهزَّر، كون واثق من ذمتي، أنا، ولو اني مفلس، لكن عندي شرف وضمير، بس أنا بأقول لك كده بسلي غُلبي! (يتنهد) بعد اللي جرى لي؛ ما تآخذنيش، وكيلك هو اللي جر عليَّ دا كله. أنا كنت قاعد في شقتي، كافي خيري شري! مبسوط ٢٤ قيراط، بالي فاضي، وقلبي فاضي!
محمود (يمزح مقاطعًا) : وجيبك فاضي!
سليمان : معلهش! جيبي فاضي، أنا واخد على كده! نزل لي وكيلك يحجل، ويقول لي شركة يأسسها باسمي. دي كانت قسمتي سودة! نابني إيه؟! قلبي راح، وبالي ضاع، والشركة خسرت؛ بل وطلعت منها مديون ﺑ ٣٠٠ جنيه! كفانا الله شر سماسرة السوء، ووكلاء الشؤم! أديني رحت بلاش!

(يمشي قليلًا بالمعطف والحقيبة.)

محمود : ما تقولش كده أُمَّال! رحت بلاش ليه؟!
سليمان : ما رحتش بلاش، رحت بالدين!
محمود : يا سلام! إنت مهتم بالدين بالشكل ده؟ ما تهتمش به أبدًا يا أخي، طب والله أنا ما فتحت موضوعه إلا بس علشان أنا راخر أسلِّي غلبي زيك! موضوع الدين ده بعدين لما نتقابل في مصر إن شاء الله نبقى نتكلم فيه.
سليمان : طيب نهايته، نشوف وشك في خير.
محمود : الله! إنت مسافر؟!
سليمان : أُمَّال كنا بنتكلم على أساس إيه من الصبح؟!
محمود : بقى يعني مفيش أمل خلاص؟!
سليمان : أمل «إبليس» في الجنة!
محمود : طب أرجوك تنتظر لما أناديها، وأكلمها، يمكن لما تشوفك مسافر، تغير رأيها! أهو آخر أمل، يمكن ندخل الجنة!
سليمان : قصدك مين؟!
محمود (ينهض ليدخل المنزل) : يا رب يا هادي!

(يدخل.)

سليمان : آدي احنا منتظرين على باب الجنة!

(يضع حقيبته ومعطفه على المقعد ثانيًا. «نعمت» تدخل المسرح من الجهة اليمنى للحديقة وهي تنظر للمنزل.)

سليمان (يراها فجأة فيدهش) : «نعمت»!
نعمت (تلتفت نحوه فجأة وتسرع إليه) : «سليمان»!
سليمان (بعد لحظة صمت قصير) : جاية هنا ليه؟! وجاية تعملي إيه، بعد الفصل البارد بتاعك ده؟!
نعمت : بعد ما بَعَت الجواب ده رجعت تاني اتندمت! واديني جيت أصلَّح غلطتي!
سليمان : بعد إيه؟! اللي انتي بعتاه بالجواب جه، وقبض اﻟ ٣٠٠ جنيه ومشي، كان يصح ده منك برضه يا «نعمت»؟!
نعمت : أنا محقوقة وغلطانة؛ لكن كمان معذورة! لما شفتك ما بتسألش عليَّ وأبعت لك ما تردش، وأروح لك البيت ما ألاقيكش، وفي الآخر أعرف إنَّك هنا … أعمل إيه؟! شيء يغيظ! ولَّا لأ؟! وإيه يا سيدي «ليلى» دي؟! عجبتك قوي؟!
سليمان : «ليلى»؟ … مين قال؟! أنا جاي هنا «لمحمود بك» في شغل!
نعمت (تطوق «سليمان» بذراعيها) : يعني ما نستنيش؟!
سليمان : مش ممكن!
نعمت : ولا تسألش عليَّ المدة دي كلها؟! إخص عليك يا «سليمان»، لو كنت تعرف قد إيه انت واحشني؟! (تطوقه بشغف.)

(في هذه اللحظة يظهر «سامي» بحقيبته في يده، آتيًا من الجهة اليمنى. يقف فجأة مبهوتًا لمنظر المتعانقين، في اللحظة بالذات تظهر ليلى على عتبة باب المنزل.)

ليلى (هامسة) : كويس قوي يا «سي سليمان»!
سامي (يرى «نعمت» وقد انفصلت مبهوتة عن «سليمان» فيصرخ وهو يُهرع نحوها) : «نعمت»! آه يا فاجرة!

(«نعمت» تذعر قليلًا ثم تتمالك نفسها. «ليلى» تلمح «سامي» يحوِّل نظره إلى «سليمان» بغضب.)

سامي (لنعمت مشيرًا إلى «سليمان») : ومين ده بقى حضرته؟!
نعمت «وقد ملكت نفسها» (ترفع رأسها وتقول «لسامي» بحدة) : لوم نفسك، مش دي عشيقتك؟! (تشير إلى «ليلى») بص لها كويس!
سامي (يلتفت فيرى «ليلى» فيبهت، ويصيح بصوت ضعيف) : «ليلى»!
ليلى (وقد انكشف أمرها تصرخ صرخة واحدة) : سامي!

(تخرج راكضة وهي تخفي وجهها وتستره بيديها.)

سليمان (مبغوتًا) : عشيقته؟!
سامي (لنعمت المبهوتة) : بقى أنا حأقول لك دلوقت كده بكل هدوء: اتفضلي استمري في طريقك ده زي ما انتِي عايزة، إنتِ محرَّمة عليَّ! محرمة عليَّ! حروح حالًا للمأذون!

(يخرج مسرعًا.)

محمود (يدخل) : المأذون! مبروك! خلاص يا «سليمان» اتفقتم؟!
سليمان : اتفقنا إيه؟! أنا كنت مخبول ولَّا مغفل؟! أنا فهمت دلوقت كل حاجة! يادي النكبة! يادي النكبة!
محمود : نكبة إيه؟! لا سمح الله!
سليمان : أنا فهمت! فهمت! فهمت!
محمود : فهمت إيه؟!
سليمان : مصيبتنا جميعًا؛ مصيبتك، ومصيبتي، ومصيبة الزوج المحترم اللي خرج دلوقت من هنا! («لنعمت» المطرقة) ما قلتليش ليه إنَّك كنتِ على ذمة زوج؟! صداقة لا غير! مفهوم! و«ليلى» راخرة صداقة لا غير! مفهوم! … فلتحيا صداقة الرجل بالمرأة! فليحيا السفور!
محمود : جرى في عقله إيه؟! دا وقت هتاف؟!
سليمان : أُمَّال إمتى يكون وقته؟! اهتف قَوَام: فليحيا السفور!
محمود : فليحيا السفور طبعًا!
سليمان (يأخذ حقيبته ويخرج) : سلام عليكم!
محمود : أنا مش فاهم حاجة!
سليمان (وهو خارج) : بكرة تفهم!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤