القصة السابعة: القضية العجيبة

في أيام شباب السيد ريدر، تلك الأيام التي كانت تُطلَب فيها سيارات الأجرة ولا يُسافر رجلٌ من دون وردةٍ في ياقة معطفه؛ أُرسِل السيد ريدر برفقة ضابطٍ شابٍّ من شرطة سكوتلاند يارد لإلقاء القبض على مُخترعٍ شابٍّ من نوتنجهام كسَب أكثرَ من الكفاية بطرُق تُثير استياء شرطة سكوتلاند يارد. هذا الشاب لم يخترع آلاتٍ أو ابتكارات بارعةً من أجل تقليل العمل؛ بل اخترع قصصًا. لم تكن قصصًا بالمعنى المقبول للكلمة، بل كانت معلوماتٍ مُضلِّلةً حِيكَت من أجل استخراج الأموال من جيوب الرجال والنساء البُسطاء العقل. استعمل السيد إيتر ما لا يقلُّ عن خمسةٍ وعشرين اسمًا مُستعارًا والعديد من العناوين في بثِّ رواياته، وكاد أن يَجنيَ ثروةً ضخمة لولا أنَّ عدُوًّا يرتدي حذاءً مُربعًا من عند الأصابع قبَض عليه وأجلسه على مقعد العدالة. لم يتعاطف القاضي وحَكَم على السيد إيتر بالسجن لمدة سبع سنوات مع الشغل، ووصفَه بالمُحتال العديم الضمير وبأنه خطر على المجتمع، وابتسم ويلي إيتر إذ كان له قلب وكأنه من الحجر الصوَّان.

تذكر السيد ريدر هذه القضية في المقام الأول بسبب تعليق مُحامي الادعاء العام على مختلِف أدوار التمثيل والحِيَل التي ارتكبها السجين، مُشيرًا إلى سِمةٍ مُعينة تكشَّفَت في كل جزءٍ لعِبَه المتهَم؛ ألا وهي عدم معرفته بهجاء كلمة «استطاعة» التي لم يبرَحْ يكتبها بحروفٍ مقلوبة وكأنه يكتب «استعاطة».

قال المحامي: «لا بدَّ لكلِّ مجرمٍ من خصلة تكشفُه، مهما كان عبقريًّا. مهما كان دور التمثيل ومهما برَع في فصل الأدوار والوضعيَّات بعضها عن بعض، إلا أن هناك نقطةَ ضعفٍ مميزةً ومشتركةً بين كل شخصيةٍ يُؤدِّيها، تبرُز نقطةُ الضعف لا سيما في المُجرمين الذي يعيشون على الاحتيال والخدع.»

تذكر السيد ريدر هذا طوالَ حياته العمَلية. قلة من الناس يعرفون أنه كان يعمل لدى شرطة سكوتلاند يارد. هو نفسه كان يتهرَّب من أي سؤالٍ يُطرَح بخصوص الموضوع. من صفاته الظريفة زعمُه بأنه أصدقُ الهواة وأن نجاحه في كشف الجرائم يرجِع إلى تفكيره بعقلية المجرم مما يُمكِّنه من رؤية الخطأ في الأشياء التي لا يظهر فيها الخطأ.

رأى الخطأ في العديد من أفعال البشر البريئة في ظاهرها وهذا أفاده من حيث سُمعتُه؛ حيث إن الذين عرَفوه وأشفقوا عليه بسبب عدم كفاءته الظاهرية ومظهره غيرِ الجذاب لم يعرفوا الأفكار الخبيثة التي ملأَت عقله.

كانت هناك فتاةٌ جميلة تعيش في شارع بروكلي في نزل. لم تَرُقْه الآنسة مارجريت بيلمان لأنها جميلة، بل لأنها عقلانية؛ وهما مصطلحان غالبًا ما يتناقضان كقاعدةٍ عامة. أعجبه كثيرًا الركوبُ معها من المنزل في السيارة ذاتِها، واعتادا على مناقشة مسألة أمير ويلز وحكومة حزب العمال وارتفاع تكلفة المعيشة، وغيرها من المسائل الحياتية، بقدرٍ كبير من الحماس. علم من الآنسة بيلمان عن زميلتها في السكن السيدة كارلين ورجَع معها ذات مرة إلى شارع بروكلي؛ فتاة ضعيفة ونحيلة تظهر الخبرة والتجرِبة على وجهها وتنمُّ عيناها الجميلتان عن أحداثٍ مأساوية في حياتها.

صادف أنْ علِم السيد ريدر كل شيء عن السيد هاري كارلين قبل أن يُرسِل إليه اللورد سيلينجتون لأن السيد ريدر يتمتع بهبة كسْب ثقة الآخرين بإثبات تعاطُفه الفعلي بدلًا من التعبير عنه.

تحدَّثَت عن زوجها دون أن تشعُرَ بالمرارة؛ ولكن أيضًا دون ندَم. إنها تعرفه؛ بل تعرفه حقَّ المعرفة على الرغم من قِصَر الحياة الزوجية بينهما. أشارت في مرةٍ دون قصدٍ إلى قريبٍ ثريٍّ كان زوجُها سيرثُ ثروته لو كان رجلًا عاديًّا. وفي الوقت المناسب، سيكون ابنُها صاحبَ لقبٍ عظيم إلا أنه مُفلِس. بذلَت ما في وُسعِها لتصحيح أقوالها حتى إن السيد ريدر، الذي يشكُّ في أصحاب الألقاب الذين يأتون إلى بروكلي، تأكَّدَ من إخلاصها، مهما كانت فداحةُ خطئها. وعلم بعد ذلك أن اللقَب هو ذلك الذي يحمله جناب المُبجَّل إيرل سيلينجتون ومانفورد.

أتى وقت ركود في مكتب النائب العام وهذا الوقت يبدو العالم وكأنه خالٍ من الخطايا؛ جلس السيد ريدر لمدة أسبوع في طرَف غرفته الصغيرة يُضيع الوقت أو يقرأ أعمدةَ الإعلانات في جريدة «ذا تايمز» أو يرسم رجالًا مُنفِّري المظهر على اللوح النشاف، ويُبادل بين هذه الأعمال والتنزُّهات التي اعتاد عليها في الأماكن التي لا يختارها سوى القلة القليلة لقضاء وقتِ استجمامهم. أحَبَّ التجوُّل في الأحياء الفقيرة الكائنة في منطقة جريت ساري دوكس؛ لم يكن ينفِر من التردُّد على الجانب الشمالي من النهر، ويعود مرة أخرى إلى منطقة رسو السفن؛ ولكن عندما سأله رئيسه هل يقضي قدرًا كبيرًا من الوقت في لايمهاوس، رد السيد ريدر بابتسامة مثيرة للشفقة.

قال بلطفٍ: «كلا يا سيدي، أقرأ عن تلك الأماكن … أجدها مُثيرةً للاهتمام أكثرَ بين صفحات … اممم … الروايات. نعم يُوجَد صينيُّون في تلك الأماكن، وأظن أن الصينيِّين رومانسيون، ومع ذلك لم يُضيفوا رومانسيةً إلى لايمهاوس، أكثر منطقة في إيست إند سُكَّانها مُحترمون ومُلتزمون بالقانون.»

في صباح أحد الأيام، أرسل النائب العام إلى كبير مُحقِّقيه، ولبَّى السيد ريدر الأوامرَ وهو يحثُّ الخُطى ويكتنفه شعورٌ مُمتع من الترقُّب.

قال النائب: «اذهب إلى وزارة الخارجية وتحدَّث إلى اللورد سيلينجتون. إنه قلِقٌ بشأن ابن أخيه. هاري كارلين. هل تعرِف الاسم؟»

هزَّ السيد ريدر رأسه؛ لم يكن في تلك اللحظة قد ربط الموضوع بالفتاة الشاحبة التي تعمل كاتبةً على الآلة الكاتبة لكسْب عيشها.

شرح النائب: «إنه شخصٌ سيِّئ للغاية، وللأسف إنه وريث سيلينجتون. وأظنُّ أن الرجل العجوز يُريدك أن تؤكِّد رأيه.»

قال السيد ريدر: «يا إلهي!» وانسلَّ من الغرفة.

اللورد سيلينجتون وكيل وزارة الدولة للشئون الخارجية لم يسبق له الزواجُ ويمتلك ثروةً ضخمة. كان ثريًّا في عام ١٩١٢م، عندما انتابه هلعٌ بسبب بعض التشريعات التي اعتقد أنها ستُؤثر عليه بالسَّلب باعتباره من أصحاب الأملاك، ومن ثَمَّ باع مُمتلكاته واستثمر الجزء الأكبر من ثروته (مُعاديًا جميع مَشورات الخبراء) في الأسهم الصناعية الأمريكية. ضاعفَت الحربُ مُمتلكاته ثلاثةَ أضعاف. كسَب الملايينَ من الاستثمارات الضخمة في الأراضي البترولية. إنه من فاعلي الخير، كما أنه سخي في تبرُّعاته للمؤسَّسات المُخصَّصة لرعاية الأطفال الصغار؛ وهو مؤسس «دار إيستلي لرعاية الأطفال» وأسهَم بأموالٍ طائلة في تأسيس مؤسَّساتٍ مُماثلة. رجل نحيل ذو وجهٍ كئيب، أخذ يُحدِّق من تحت حاجبه الأشعث في السيد ريدر عندما دخل إلى غرفته مُعتذرًا.

قال مُتذمرًا: «إذن أنت ريدر، أليس كذلك؟» من الواضح أنه لم يُعجَب البتَّة بزائره. قال بنبرةٍ غاضبة: «اجلس، اجلس» ومشى إلى الباب وكأنه لم يكن متأكدًا من أن السيد ريدر أغلقَه، وعاد وغاص في مقعده على الجانب الآخر من المكتب. وقال: «فضَّلتُ أن أُرسِل إليك بدلًا من إخطار الشرطة. قال السير جيمس إنك رجل حصيف يا سيد ريدر.»

انحنى السيد ريدر قليلًا وتبع ذلك فترةُ صمتٍ طويلة وغريبة، وقطع وكيل الوزارة هذا الصمتَ بطريقةٍ مفاجئة وبأسلوبٍ مُنفعل.

«لديَّ ابنُ أخ؛ اسمه هاري كارلين. هل تعرفه؟»

قال السيد ريدر واثقًا: «سمعتُ عنه.» في طريقه إلى وزارة الخارجية، تذكَّر الزوجة المهجورة.

انفجر اللورد: «إذن، وصلَتْك معلومات لا تسُرُّ عنه. إنه نذل ومُبذِّر ووصمة عارٍ على الاسم الذي يحمله! لو لم يكن ابنَ أخي، لحبستُه الليلة، هذا الوغد! لديَّ أربعة أوراق مالية هنا …»

توقَّف وسحب الدُّرج وفتَحه بعنف وأخرج خطابًا وألقاه بقوة على الطاولة.

قال غاضبًا: «اقرأ هذا.»

رفع السيد ريدر نظارته على أنفه قليلًا واطلَع على الرسالة (دائمًا ما كان يُثبِّت نظارته بالقُرب من عينَيه عندما يستخدمها). الرسالة موجَّهة إلى «دار إيستلي لرعاية الأطفال» ويطلُب فيها المُرسِلُ باختصارٍ خمسةَ آلاف جنيه ويقولُ المُرسِل إنه يريدها الليلة، وتحملُ توقيع «آرثر لاسارد».

قال اللورد: «تعرف لاسارد، أليس كذلك؟ إنه رجل نبيل يشترك معي في أعمالي الخيرية. وهناك أموالٌ مُستحَقة لأرضٍ اشتريناها مُتاخمةٍ للمنزل. ربما تعلَم أن بعض المُحامين لا يقبَلون الشيكات مُطلقًا مقابل الممتلكات التي يبيعونها نيابةً عن عملائهم، ومن ثَم جهزتُ الأموال وتركتُها مع السكرتير وطلبها أحدُ العاملين لدى لاسارد.» قال اللورد غاضبًا: «لا أحتاج إلى أن أُخبرك أنه طلبها. أيًّا كان من خطَّط لتلك الضربة، فقد خطَّط لها جيدًا. علموا أنني سأتحدَّث في مجلس اللوردات الليلة الماضية؛ وعلِموا أيضًا أنني غيرتُ السكرتير لديَّ مؤخرًا ووظَّفتُ رجلًا لا يعرف العديد ممَّن أُقيم أعمالًا معهم. أتى رجلٌ مُلتحٍ يطلُب المال في الساعة السادسة والنصف وأخرج خطابًا من السيد لاسارد، وكانت هذه نهايةَ الأموال باستثناء أننا اكتشفْنا أنها تحوَّلَت هذا الصباحَ إلى أوراقٍ مالية أمريكية. بالطبع تمَّ تزويرُ الخطابَين؛ لم يُوقِّع لاسارد على أيٍّ منهما ولم يطلب المال مُطلقًا؛ لأنه لم يكن مُستحقًّا حتى أسبوعٍ آخَر.»

سأل السيد ريدر: «هل علم أيُّ أحد عن هذه الصفقة؟»

أومأ اللورد مُتثاقلًا.

«علم ابن أخي. أتى إلى منزلي منذ يومَين كي يقترضَ أموالًا. يتحصَّل على دخلٍ ضعيف من ترِكَة أُمِّه الراحلة، ولكنها لا تكفيه بسبب استهتاره وإسرافه. اعترف لي صراحةً أنه عاد من إيكس مُفلسًا. لا أعرف تحديدًا المدةَ التي قضاها في لندن، ولكنه كان في مكتبي حينما دخل السكرتير ومعه الأموال التي سحبتُها من البنك كي أدفعَ الثمن حين يُصبح مُستحقًّا.» أردف بنبرة عنيفة: «ارتكبتُ حماقةً كبيرة لمَّا شرحتُ له لماذا أمتلك كلَّ هذه النقود في المنزل، ولماذا لا أستطيع أن أُقرِضَه الألف جنيه التي طلَب اقتراضها.»

فرك السيد ريدر ذقنه.

وسأل: «ما الذي ينبغي لي فعلُه؟»

قال اللورد سيلينجتون مُزمجرًا: «أريدك أن تعثُر على كارلين. ولكني أريد أولًا إعادة تلك الأموال؛ هل تفهمني يا ريدر؟ عليك أن تُخبره إن لم يُعِدِ إليَّ هذه الأموال …»

لم يُنزل السيد ريدر عينَه من كورنيش السقف.

قال بأسلوب مهذَّب: «يبدو كأنك تطلُب منِّي أن أصلَ إلى اتفاقٍ مع الجاني أيها اللورد. ولكنني أدرك أنه في الظروف الغريبة، يجب أن نتبعَ طرائقَ غريبة. الرجل ذو اللحية السوداء الذي طلب الأموالَ ربما …» ثم تردَّد سائلًا: «… هل كان مُتنكرًا؟»

قال الآخرُ بغيظ: «بالطبع كان مُتنكرًا.»

قال السيد ريدر مُتنهِّدًا: «يقرأ المرء هذه الأشياء، ولكن نادرًا ما يظهر غريبٌ مُلتحٍ في الحياة الحقيقية! هل يُزعجك أن تُخبرني عنوان ابن أخيك؟»

أخرج اللورد سيلينجتون بطاقةً من جيبه ورماها عبر الطاولة. سقطت على الأرض ولكنه لم يعتذِر. إنه من ذلك النوع من الرجال.

قال السيد ريدر وهو ينهض: «جيرمين مانشنز. سأرى ما يمكن فعلُه.»

تمتمَ اللورد سيلينجتون بشيءٍ ربما كان وداعًا رقيقًا، ولكنه غالبًا لم يكن كذلك.

كان جيرمين مانشنز عبارةً عن مبنًى صغيرٍ جدًّا ضيِّق الواجهة، كما يعلم السيد ريدر — إذ كان يعلم الكثير — فهو عبارة عن مجموعة شُقق سكنية ويُديرها كبيرُ خدم سابقٌ كما أنه مُستأجَر لإحدى تلك الشُّقق. لحُسن الحظ — كما علم السيد ريدر لاحقًا — أن هاري كارلين كان في المنزل وفي غضون دقائقَ كان الرجل من مكتب النائب العام داخل غرفة استقبالٍ بأثاثٍ قديم تُطِل على شارع جيرمين.

وقف شابٌّ طويل بجانب النافذة وأخذ ينظر ساهمًا إلى الشارع الضيق الحيويِّ واستدار لمَّا أعلن السيد ريدر عن مجيئه. كان وجهه رفيعًا ورأسه صغيرًا وعيناه ضيقتَين، لو امتلك أيًّا من سمات العائلة وعيوبها، فربما كانت هي سرعة الغضب الشديدة.

من خلال بابٍ مفتوح، رأى السيد ريدر غرفةَ نوم غيرَ مرتَّبة البتة، واسترقَ نظراتٍ إلى حقيبةٍ كبيرة مُتهالكة عليها مُلصقاتُ سفَر بين الدول الأوروبية.

سأل السيد كارلين: «حسنًا، ماذا تُريد بحق الجحيم؟» وعلى الرغم من نبرته، إلا أنه انتابه قلقٌ خفي اكتشفه السيد ريدر.

قال المُحقق: «هل لي أن أجلس؟» ومن دون انتظار الدعوة، سحب كرسيًّا من جانب الحائط وجلس حَذِرًا؛ لأنه يعرف جودة كراسي النزل.

زادت رباطة جأشه وتلميح السلطوية في صوته من قلق السيد هاري كارلين؛ ولمَّا دخل السيد ريدر في سبب الزيارة مباشرة، رأى الرجل والدمُ يهرُب من عروقه.

قال السيد ريدر حذرًا وهو يملِّس على ركبتَيه: «هذا موضوعٌ يصعُب فتحه؛ وعندما أجد نفسي في مثل هذا المأزق، فعادةً ما أستخدم أبسط وأوضح لغة.»

واستخدم بالفعل لغةً بسيطة واضحة مع الوعيد. جلس كارلين في وسط الحديث لاهثًا.

قال مُتلعثمًا: «ماذا؛ ماذا! هل يجرؤ هذا الغاشم العجوز …! اعتقدتُ أنك أتيتَ للتحدُّث عن الأوراق المالية … أقصد …»

قال السيد ريدر حذرًا: «أقصدُ أنك لو كنتَ تُمازح قريبَك بهذه الطريقة، فأعتقد أنك مازَحتَه بما فيه الكفاية. واللورد سيلينجتون مُستعدٌّ أن يعتبِر الأمر برُمَّته وكأنه مزحةٌ ثقيلة من جانبك، إذا ردَدتَ الأموال …»

كاد الشابُّ أن يصرخ: «ولكنني لم ألمس أموالَه البغيضة! لا أريد ماله …»

قال ريدر بلُطف: «على النقيض يا سيدي، أنت في أشدِّ الحاجة إليه. غادرتَ فندق كونتينينتال دون أن تدفع الفاتورة؛ وأنت مَدينٌ بنحو ستِّمائة جنيه اقترضتَها من عدة رجال؛ وصدر ضدَّك أمرٌ قضائي في فرنسا لتمرير شيكات عادةً ما يصفُها الأشخاص العاديون بأنها … اممم … «بدون رصيد».» حكَّ السيد ريدر ذقنه مرةً أخرى وأخذ ينظرُ من النافذة متأمِّلًا: «في الحقيقة … في الحقيقة لا أعرف رجلًا في شارع جيرمين أحوجَ إلى المال منك أنت.»

كاد كارلين أن يُوقِفه، ولكن الرجل في منتصف العمر تابع حديثه بلا رحمة.

«مكثتَ ساعة في قسم السجلَّات في شرطة سكوتلاند يارد، ولم يكن اسمُك مجهولًا هناك يا سيد كارلين. غادرتَ لندن على عجَلة من أمرك لتجنُّب … اممم … إجراءات غير سارَّة. أظنُّ أنك قلتَ «الأوراق المالية»؟ معروف أنك شريكٌ لأشخاص تعرفهم الشرطة أكثرَ من معرفتهم بالسيد كارلين. أنت أيضًا مُتورطٌ في عملية احتيال لها علاقةٌ بمضمارِ سباق وهي ذات طابَع غريب وبغيض. ومن بين انحرافاتك الصغيرة، لديك … اممم … زوجة صغيرة مهجورة، وتعمل الآن كاتبةً على آلة كاتبة في مكتبٍ بالمدينة، وطفل صغير لم تَعُلْه قط.»

لعق كارلين شفتَيه الجافَّتَين.

سأل: «هل هذا كلُّ ما لديك؟» قالها مُحاولًا إبداءَ لامبالاته، ولكن الاهتزاز في صوته ورعشة يدَيه فضَحا قلقه الشديد.

أومأ ريدر.

«حسنًا، سأخبرك شيئًا. أريد أن أفعل الصواب مع زوجتي. أعترف أنني لم أكن سندًا لها، ولكن السبب هو افتقاري إلى المال. هذا الوغد العجوز كان دائمًا يتنعَّم في المال، اللعنة عليه! أنا قريبه الوحيد، وما الذي فعله؟ ترك كلَّ فلسٍ إلى دُور رعاية الأطفال اللعينة التي يُموِّلها! سأكون سعيدًا لو استولى أحدٌ على خمسة آلاف جنيه منه! لم أكن لأستطيعَ أن أقوم بذلك بنفسي، ولكني سأسعد لو فعلَها أحدهم؛ أيًّا مَن كان. ترك كلَّ أمواله لهؤلاء الصغار ذَوي الأصوات العالية والوجوهِ القذِرة، ولم يترك شيئًا لي!»

تركه السيد ريدر يَهْذي ولم يُقاطِعه، وفي النهاية كادت أن تَنفَد قُواه وسقط على كرسيٍّ عميق وأخذ يُحملِق في زائره.

قال لاهثًا: «أخبره بذلك، أخبره!»

خصص السيد ريدر وقتًا وذهب إلى المكتب الصغير في شارع برتغال الكائن فيه المقرُّ الرئيسي لمختلِف مؤسَّسات السيد سيلينجتون الخيرية. من الواضح أن السيد آرثر لاسارد كان على اتصالٍ براعيه النبيل، فلم يكد السيد ريدر يُعلن عن اسمه حتى سمح له بالدخول إلى الغرفة ذاتِ الأثاث البسيط التي يجلس فيها المدير.

لا عجبَ من أن يكون السيد آرثر لاسارد المُنظَّم ذائعُ الصيت مُساعدًا للُّورد سيلينجتون في الأعمال الخيرية. أنشطة السيد لاسارد في الأعمال الخيرية كثيرة. كان رجلًا عريضَ المنكبين له وجهٌ مُشرَب بالحمرة ورأسٌ أصلع، وخاض جميع أنواع الهجمات التي يُمكن أن يتعرَّض لها المشاركون في الأعمال الخيرية، ولم يتأثر بشكلٍ خاص من زيارةٍ حديثة قام بها هاري كارلين له.

قال: «لا أرغب في أن أكون فظًّا، ولكنَّ صديقنا أتى إلى هنا بحجةٍ واهية لدرجة أنني أشعُر بأن هدفه الحقيقيَّ كان الحصولَ على ورقة من قرطاسيتي. في الحقيقة، تركته في الغرفة لعدة دقائق؛ ومن ثَمَّ سنَحَت له فرصةُ اختلاس الورقة لو أحب.»

سأل السيد ريدر: «ماذا كانت حُجته؟» وهزَّ الآخَرُ كتفَه.

«أراد أموالًا. كان مهذبًا في البداية وطلب منِّي أن أُقنع عمه؛ ثم بدأ يتصرَّف بوقاحةٍ وقال إنني تآمرتُ كي أسرقه؛ أنا «وأعمالي الخيرية اللعينة»!»

ضحك مِن ذلك، ولكنه أصبح جادًّا مرةً أخرى.

قال: «استعصى عليَّ فَهمُ الموقف. من الواضح أن كارلين ارتكب جريمةً ما في حق عمِّه اللورد لأنه مرعوب منه!»

«هل تظنُّ أن السيد كارلين زوَّر توقيعك وحصل على المال؟»

فتَح المشرفُ ذراعَيه تعبيرًا عن يأسه.

وسأل: «مَن غيرُه محلُّ اشتباه؟»

أخرج السيد ريدر الخطابَ المُزوَّر من جيبه وقرأه مرةً أخرى.

أردف السيد لاسارد: «كنتُ أتحدَّث مع اللورد لتوي عبر الهاتف. بالطبع إنه ينتظِر أن يسمع تقريرك وإن لم تتمكَّن من أخذ اعترافٍ من هذا الشابِّ على جريمته، فاللورد سيلينجتون ينوي مقابلةَ ابنِ أخيه الليلة ويُطالبه بالأموال. لا أكاد أُصدق أن السيد كارلين ارتكب هذا الفعل الشائن، على الرغم من أنَّ الملابسات تُثير الشكوكَ حوله. هل رأيتَه يا سيد ريدر؟»

قال السيد ريدر مُقتضبًا: «رأيتُه. أوه، نعم، رأيته!»

بات السيد آرثر لاسارد يُحدِّق النظر في وجه السيد ريدر وكأنه يُحاول قراءة الاستنتاج الذي توصَّل إليه هذا المُحقِّق، ولكن لم تظهَرْ أيُّ تعبيرات على وجه السيد ريدر.

مدَّ يده مصافحًا وعاد إلى منزل وكيل الوزارة. كانت المقابلة قصيرةً وغير مقبولة بوجهٍ عام.

قال اللورد سيلينجتون بازدراءٍ لم يستطع إخفاءه: «لم أتخيَّل قطُّ أنه سيعترِف لك. هاري بحاجةٍ إلى شخصٍ يُخيفه كما أنه … يا إلهي! أنا الرجل القادر على ذلك! سأراه الليلة.»

أوقفَته نوبةٌ من السعال وابتلع جرعةَ دواءٍ بأسلوبٍ فظٍّ من زجاجة دواء صغيرة على المكتب.

قال لاهثًا: «سأراه الليلة وسأُخبره بما أنوي فعله! لم أتسبَّب له في أذًى حتى الآن مُراعاةً للقرابة، ولأنه من العائلة. ولكن هذا انتهى. سأوصي بكل أموالي إلى الأعمال الخيرية. ظللتُ جيدًا مدةَ عشرين عامًا حتى الآن، ولكن كل فلس …»

توقفَ عن الحديث. إنه ممَّن لا يُخْفون مشاعرهم، ولما كان السيد ريدر يفهم الرجال، فقد رأى الصراع الدائر في عقل سيلينجتون.

«يقول إنه لم تَسْنح له فرصة. ربما لم أُعامله بإنصاف … سنرى.» أشار إلى المُحقِّق بالخروج وكأنه يطرُد كلبًا غريبًا تطفَّل على خصوصيته، وخرج السيد ريدر على مضض؛ لأنه كان لديه ما يُخبر به حضرة اللورد.

من تصرفاته الغريبة — في اللحظات التي يَميل فيها إلى التكتُّم — أن يبحث عن الخصوصية في غرفة مكتبه ذات الطِّراز القديم في شارع بروكلي. ظلَّ جالسًا على مكتبه لمدة ساعتَين يتَّصِل على عدة أرقام هواتف؛ ومن العجيب أن الرجال الذين تحدَّث معهم كانوا وكلاءَ مُراهنات. إنه يعرف غالبيتهم. في الوقت الذي كان فيه أكبرُ خبيرٍ على مستوى العالَم في الأوراق المالية المُزوَّرة، سَنَحت له فرصة التواصُل مع فئةٍ غالبًا هي الوسيطُ الجاهل الذي يستخدمه المُزوِّر في توزيع الأوراق المُزوَّرة؛ وغالبًا ما يكون هو الأداةَ التي تكشفه.

كان يوم الجمعة، وهو اليوم الذي يبقى فيه مُعظم المُديرين في مكاتبهم حتى ساعةٍ مُتأخِّرة. انتهى من عمله في الساعة الثامنة، وكتب خطابًا واتصل على ساعٍ وأرسل الخطابَ إلى وجهته المُقدَّرة.

قضى بقية الليل يُفكر في التجارِب الماضية، ويُنعش ذاكرته من قصاصات الصحف الصغيرة التي تملأ رفَّين في غرفة مكتبه.

يمكن رواية الأحداث الأخرى التي وقعَت في تلك الليلة باللُّغة البسيطة التي تُستخدَم على منصة الشهود. عاد اللورد سيلينجتون إلى المنزل بعد مقابلته مع السيد ريدر يُعاني من بردٍ مصحوب بحُمَّى، وقرَّر وفقًا لشهادة السكرتير، أن يُؤجِّل المقابلة التي رتَّبها مع ابن أخيه. تُرِكت رسالة عبر الهاتف لدى النُّزل الذي يُقيم فيه السيد كارلين ولكنه كان بالخارج. ظلَّ اللورد مشغولًا في أعماله الخيرية الكثيرة، وكان السيد لاسارد حاضرًا. كان اللورد سيلينجتون يعمل في غرفة مكتب صغيرة تفتح من غرفة نومه.

في الساعة التاسعة والربع وصل كارلين وأوصله كبيرُ الخدم إلى الطابق العلوي وبعدها ذكَر أنه سمع تعاليَ أصواتٍ غاضبة. نزل السيد كارلين على السُّلَّم وأوصله كبيرُ الخدم إلى الباب وعندها دقَّت الساعة التاسعة والنصف، وبعد دقائقَ قليلة ضرب اللورد سيلينجتون الجرس يطلُب خادمه الذي صعد كي يُساعد سيِّدَه للذَّهاب إلى السرير.

في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم التالي، دخل الخادم الذي ينام في شقة مُلحَقة إلى غرفة سيِّدِه وأخذ له كوبَ شاي. وجد صاحبَ عمله مُمددًا على الأرض مقلوبًا على وجهه، كان ميتًا؛ مات منذ بِضع ساعات. لم يرَ أيَّ أثرٍ لجروح، وبدا للوهلة الأولى وكأنَّ هذا الرجل صاحبَ الستين عامًا قد خرَّ في الليل. ولكن كان ثَمة مُلابَساتٍ تُشير إلى حدوث أشياء غير عادية. تحتوي غرفة نوم اللورد سيلينجتون على خِزانة فولاذية في الحائط، وأول شيء لاحظه الخادم أن تلك الخزانة كانت مفتوحة والأوراق مُبعثرة على الأرض، وفي المدفأة كومة أوراق مُحترقة بالكامل، ما عدا طرفًا واحدًا منها.

على الفور، اتصل الخادم بالطبيب وبالشرطة، ومنذ هذه اللحظة خرجَت القضية من بين يدَي السيد ريدر.

قبل الظهيرة، أبلغ رئيسه باقتضاب بنتائج تحقيقاته.

قال أسِفًا: «أخشى أنها جريمةُ قتل. اختصاصيُّ علم الأمراض في وزارة الداخلية مُتأكد تمامَ التأكُّد أنها حالةُ تسمُّم بالأكونيتين. التُقِطت صورة للورقة في المدفأة، ولا شك في أن الوثيقة المُحترقة هي الوصية التي أوصى فيها اللورد سيلينجتون بكلِّ مُمتلكاته لمختلِف المؤسَّسات الخيرية.»

توقف هنا.

سأل رئيسه: «حسنًا، وماذا يعني هذا؟»

سعل السيد ريدر.

«يعني أنه إذا لم نتمكَّن من إثبات الوصية — وأنا أشك في أننا نستطيع — فقد مات اللورد من دون وصية. ومِن ثَمَّ تَئول التركة مع اللقَب إلى …»

سأل النائب العام مُتفاجئًا: «إلى كارلين؟»

أومأ السيد ريدر.

«أُحرِقَت أوراق أُخرى؛ أربعُ قُصاصاتٍ صغيرة مُستطيلة، من الواضح أنها كانت مُثبَّتةً بعضها مع بعضٍ باستخدام دبُّوس. واستعصَت معرفةُ ما كان في هذه القصاصات.» تنهَّد مرة أخرى. وتطلع إليه النائب العام.

«لم تَذكُر الرسالة التي أوصلها ساعي البريد في المنطقة بعدما انسحب اللورد سيلينجتون إلى منزله في تلك الليلة.»

حك السيد ريدر ذقنه.

وقال مُترددًا: «لا، لم أذكر تلك الرسالة.»

«هل عُثِر عليها؟»

تردَّد السيد ريدر.

وقال: «لا أعلم. أعتقد أنه لم يُعثَر عليها.»

«ألا تعتقد أنها قد تُعطي طرَفَ خيطٍ في القضية؟»

فرك السيد ريدر ذقنه وبدا الارتباكُ على وجهه.

وقال: «أعتقد ذلك. هل تأذن لي يا سيدي؟ المُفتش سولتر في انتظاري.» وخرج من الغرفة قبل أن يتمكَّن النائب من طرح أي استفسارٍ آخر.

عندما عاد السيد ريدر، وجد المُفتشَ سولتر يذرع الغرفة ذَهابًا وإيابًا وقد نَفِد صبره. غادرا المبنى معًا. أوصلتهما السيارة التي كانت في انتظارهما إلى شارع جيرمين في غضون دقائق. كان هناك ثلاثة رجال بملابسَ مدَنية ينتظرون خارج الشقة، وكانوا ينتظرون رئيسهم بالأحرى، ودخل المُفتِّش إلى المبنى وفي أعقابه السيد ريدر. لمَّا وصلوا إلى منتصف السُّلَّم، سأل ريدر:

«هل يعرفك كارلين؟»

أتى ردٌّ مُتجهِّم: «لا بدَّ أنه يعرفني. حاولت قصارى جهدي للحُكم عليه بالسجن قبل أن يهرب من إنجلترا.»

قال السيد ريدر: «هممممم! ليته لم يعرفك.»

«لماذا؟» توقف المُفتش على السُّلَّم كي يستفهِمَ عن السبب.

«لأنه رآنا نخرج من سيارة الأجرة. لمحتُ وجهه، و…»

توقف فجأة. دوَّى صوتُ طلقٍ ناري في المنزل وفي غضون ثوانٍ كان المُفتش يجري صاعدًا السُّلَّمَ درجتَين في الخطوة واندفع إلى الجناح الذي يشغله كارلين.

أنبأتهم نظرةٌ إلى الشخص المُمدَّد على الأرض أنهما تأخَّرا كثيرًا. انحنى المُفتش على الرجل الميت.

وقال: «هذا وفَّر على الدولة تكلفةَ المحاكمة في جريمة قتل.»

قال السيد ريدر بهدوء: «لا أعتقد ذلك.» وشرحَ أسبابه.

بعد نصف ساعة، لمَّا خرج السيد لاسارد من مكتبه، ربَّت مُحققٌ على كتفِه.

وقال: «اسمك إيتر، وأريدك للتحدُّث بشأن جريمةِ قتل.»

شرح السيد ريدر لرئيسه: «إنها قضية غاية في البساطة يا سيدي. طبعًا أعرف إيتر شخصيًّا، ولكنني تذكَّرت خاصة أنه لا يستطيع تهجِّيَ كلمة «استطاعة» وأدركتُ هذه الخَصْلة في صديقنا لمَّا رأيت الخطاب الذي كتبه إلى راعيه طالبًا منه المال. إيتر هو الذي أخذ الخمسة الآلاف جنيه؛ أنا مُتأكِّد من ذلك. الرجل مدمِن على لعب القمار، وكان كذلك دائمًا؛ ولم أُضطَر إلى إجراء الكثير من التحقيقات قبل أن أكتشفَ أنه يدين بمبلغٍ كبير، وأن أحد وكلاء المُراهنات هدَّده بتقديمه إلى لجنة تاترسال إذا لم يدفع. هذا معناه نهاية السيد لاسارد، رجل الخير وراعي الأطفال. وبالمناسبة، كان هذا دورَ إيتر الدائم. كان يُدير مؤسَّساتٍ خيريةً مُزيَّفة — من السهل للغاية العثورُ على سُذَّج يريدون التبرُّع في مشاريعَ خيرية. منذ عدة سنوات عندما كنتُ شابًّا صغيرًا، تسببتُ في حبسه لمدة سبع سنوات. لم أرَه منذ ذلك الوقت حتى رأيتُ الخطاب الذي أرسله إلى اللورد سيلينجتون. من سُوء حظِّه أنْ كتبَ السطر: «يُسعدني إن كان باستعاطتك إرسالُ المال مع الرسول من طرفي.» ومِن ثَم كتب كلمة «استطاعة» بالطريقة التي يكتبها إيتر. ذهبت إليه وتأكَّدت. ثم أرسلتُ خطابًا إلى اللورد، ومن الواضح أنه لم يفتح الخطابَ حتى وقتٍ متأخِّر من الليل.

زاره إيتر في أول المساء وتحدَّثا لفترةٍ طويلة. وأستنتج أن اللورد سيلينجتون عبَّر عن تردُّده في أن يترك ابن أخيه من دون أن يرث شيئًا على الرغم من أنه وغد؛ وخشي إيتر من أن تفشل خطته في الحصول على أموال الرجل العجوز. إضافةً إلى ذلك، ظهوري في القضية أرعبه. قرَّر أن يقتل اللورد سيلينجتون في تلك الليلة، ومن ثَمَّ أخذ الأكونيتين معه إلى المنزل ووضعه في الدواء، الزجاجة التي يضعها سيلينجتون على المكتب دومًا. سواءٌ أدمَّر العجوز الوصية التي تحرم ابن أخيه من الميراث قبل أن يكتشف أنه تسمَّم أم بعدما اكتشف، لن نعرف ذلك مُطلقًا. لمَّا اقتنعتُ أن لاسارد هو إيتر، أرسلت خطابًا مع ساعي بريدٍ خاصٍّ إلى ستراتفورد بليس.»

«هذا هو الخطاب الذي أوصله ساعي بريدٍ خاصٌّ؟»

أومأ السيد ريدر.

«من المُحتمل أن سيلينجتون كان بالفعل تحت تأثير العقار عندما أحرقَ الوصية وأحرق أيضًا الأوراقَ المالية الأربع التي زوَّرها كارلين والتي هدَّده بها العجوز. ربما عرَف كارلين أن عمَّه مات؛ بالتأكيد تعرَّف على المُفتش عندما ترجَّل من سيارة الأجرة، ولمَّا اعتقد أنه سيُلقى القبضُ عليه بتهمة التزوير، أطلق الرصاصَ على نفسه.»

زمَّ السيد ريدر شفتَيه وزادت الكآبة على وجهه الحزين.

«ليتني لم أعرف السيدة كارلين؛ معرفتي بها أدخلَت عنصرَ المصادفة وهو مُمكنٌ في القصص، ولكنه مُحزن للغاية في الحياة الواقعية. إنها تهزُّ ثقة المرء في منطقية الأشياء.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤