الفصل الحادي عشر

مهارات وعقاقير

خرافات عن العلاج النفسي

(١) الخرافة رقم ٤٧: بصيرة الخبراء وحدسهم أفضل وسيلتين لاتخاذ القرارات العلاجية

جاء عنوان أحد مقالات الرأي في صحيفة «ذا أونيون» الساخرة (كوتز، ٢٠٠٤) يقول: «أريد أن أقود طائرة هليكوبتر، لا أن أنظر إلى مجموعة من الأزرار المجنونة.» وصف كاتب المقال التحديات التي واجهها فقال: «تدور الأشياء من حولك وتأتي إليك»، مثل: «أعمدة الهواتف التي لا تكف عن الظهور فجأةً أمامك.» أحب الكاتب أن يعتمد على بصيرته وحدسه بدلًا من أن يُضطر إلى تعلم استخدام المساعدات الميكانيكية التي أعلن رفضه لها باعتبارها «مجموعة من الأزرار والمفاتيح والمصابيح والأذرع.»

تكاد تكون قيادة طائرة هليكوبتر هي الموقف الوحيد الذي لا بد فيه للخبراء من التعامل مع كم كبير ومعقد من المعلومات. وبالمثل تمامًا، يحتاج المعالجون النفسيون وغيرهم من أصحاب التخصصات التي تتعامل مع الأمراض العقلية إلى تكوين آراء واتخاذ قرارات على الدرجة نفسها من الصعوبة كل يوم تقريبًا. هل يعاني هذا المريض اكتئابًا شديدًا؟ هل ينبغي أن أعالج هذا المريض بنفسي أم أن أوجهه إلى معالج آخر؟ هل لدى هذا المريض ميول انتحارية؟ هل يستفيد ذلك المريض من العقاقير بجانب العلاج النفسي؟

لا بد أن ينعم خبراء الصحة النفسية النظر في قدر هائل من المعلومات، سواء أكانوا يتعاملون مع تشخيص اضطرابات نفسية أو يأتون بخطط علاجية جديدة. ويمكن أن تتضمن هذه المعلومات بيانات جرى جمعها من المقابلات والاستبيانات، وجمع بعضها من الآباء والزوجات والمعلمين والشركات ومجموعة من المصادر الأخرى. ويمكن أن يكون جمع المعلومات بهدف الوصول إلى قرار أمرًا خادعًا. فما مدى صدق كل معلومة؟ وما قدر الأهمية الذي سنعطيه لها؟ وما الذي ينبغي لنا فعله عندما لا تكون المعلومات متوافقة؟

قال الصحفي مالكولم جلادويل (٢٠٠٥) في كتابه الذي أثار ضجة كبرى وحقق أفضل مبيعات «في طرفة عين: قوة التفكير بدون تفكير»: إن الخبراء يتوصلون إلى القرارات عن طريق الاهتمام بالمعلومات الأكثر ارتباطًا بالموضوع، ومن ثم يصدرون أحكامًا سريعة دقيقة؛ فبإمكانهم الانتباه إلى التفاصيل المهمة دون أن ينصرف انتباههم إلى أي شيء آخر ثم الجمع بين هذه المعلومات عن طريق الحدس الحاذق الذي أصقلته سنون التدريب والخبرة. ولعل هذا النموذج من الخبرات هو ما ينتظره معظم الناس من خبراء الصحة النفسية. لكن هل توجد طريقة أخرى لاتخاذ القرارات العلاجية؟

على مدار نصف قرن مضى، قدم أخصائي علم النفس السريري اللامع، بول ميهل (١٩٥٤) تحليلًا ثاقبًا لاتخاذ القرارات العلاجية، محددًا الخطوط العريضة لمنهجين لأداء هذه المهمة. وقد أطلق اسم «المنهج السريري» على المنهج التقليدي الذي يعتمد على البصيرة والحدس، وضاهاه بمنهج آخر أطلق عليه «المنهج الميكانيكي». عند استخدام «المنهج الميكانيكي»، تتكون مجموعة حلول حسابية منتظمة (مجموعة من قواعد اتخاذ القرارات) مثل معادلة إحصائية أو «جدول إكتواري» للمساعدة في اتخاذ القرارات في الحالات الجديدة. وتستخدم شركات التأمين الجداول الإكتوارية منذ عقود لتقييم المخاطر وتحديد قيمة الأقساط. فعلى سبيل المثال: يمكن لهذه الشركات أن تستخدم معرفتها بعمر شخص ما وجنسه والسلوكيات المرتبطة بالصحة والتاريخ الطبي وما شابه ذلك في التنبؤ بعدد الأعوام التي يتوقع أن يعيشها. ومع أن التنبؤات الإكتوارية باحتمالات الوفاة ليست تامة الدقة لجميع الأشخاص، لكنها توفر قاعدة آمنة لتحديد أقساط التأمين على الحياة. وأشار ميهل إلى أن «المنهج الميكانيكي» من الممكن أن يكون على نفس الدرجة من النفع في اتخاذ القرارات العلاجية. فهل كان محقًّا؟

راجع ميهل (١٩٥٤) الدراسات العشرين المتوفرة حينئذ ليقارن بين دقة التنبؤات العلاجية ودقة التنبؤات الميكانيكية عندما قدم الباحثون المعلومات نفسها لكل من المتنبئين والصيغة الميكانيكية. والمدهش حقًّا أن ميهل وجد أن المنهج الميكانيكي لم يكن أقل من التنبؤات العلاجية دقة بل فاقها دقة في بعض الأحيان. ومنذ ذلك الوقت، حدث باحثون آخرون هذه المادة العلمية (داوز، فاوست، وميهل، ١٩٨٩؛ جروف وآخرون، ٢٠٠٠) التي تضم الآن أكثر من ١٣٠ دراسة توافق معايير صارمة لمقارنة عادلة بين منهجي التنبؤ السابقين. وقد وجدوا أن نتيجة ميهل الأساسية ظلت ثابتة ولا جدال فيها وتقول إن التنبؤات الميكانيكية تساوي التنبؤات العلاجية في الدقة أو تزيد عنها. ويظل ذلك الحكم صحيحًا، لا عند خبراء الصحة النفسية الذين يشخصون الأمراض النفسية أو يتنبئون بنتيجة العلاج النفسي أو يتنبئون بمحاولات الانتحار وحدهم، بل أيضًا عند الخبراء الذين يتنبئون بالأداء الدراسي في الجامعة أو الدراسات العليا أو التدريب العسكري أو مكان العمل أو فصائل الخيول، ورصد الأكاذيب والتنبؤ بالسلوك الإجرامي وتحديد تشخيصات طبية أو التنبؤ بطول مدة الإقامة في المستشفى أو الموت. وفي الوقت الحالي، لا يوجد أي استثناء واضح للقاعدة القائلة إن المنهج الميكانيكي يتيح للخبراء وضع توقعات تساوي على الأقل دقة توقعات «المنهج الإكلينيكي»، وعادة تكون أكثر دقة.

كيف يكون ذلك؟ لننظر في المعرفة السابقة المتوفرة للوصول إلى قرارات بشأن الحالات الجديدة. في المنهج الإكلينيكي، تتكون هذه المعرفة من الحالات التي تعلمها أو عمل فيها الخبير شخصيًّا. وأما في المنهج الميكانيكي فتتكون هذه المعرفة من الحالات المأخوذة من المادة البحثية، التي تكون غالبًا عينة أكبر وأكثر تمثيلًا مما يتوفر لأي طبيب. بالإضافة إلى ذلك، حتى الخبراء يتعرضون لمجموعة من الانحيازات عند ملاحظة الأحداث والمعلومات وتفسيرها وتحليلها وتخزينها واسترجاعها من الذاكرة (ميهل، ١٩٩٢). وخبراء الصحة النفسية، مثلنا جميعًا نحن البشر، يميلون إلى الإسراف في تقدير خبراتهم الشخصية أكثر من غيرهم من المهنيين أو نتائج الأبحاث (روشيو، ٢٠٠٦)؛ نتيجة لذلك عادة تولي التنبؤات الميكانيكية مزيدًا من الاهتمام المستحق بالبيانات الجديدة على نحو أكبر مما تفعله التنبؤات الإكلينيكية. يقول ميهل (١٩٨٦) ببساطة: «لا شك أننا جميعًا نعرف أن العقل البشري يتسم بالضعف في التقدير والحساب. فأنت، عندما تذهب لدفع الحساب في أحد متاجر البقالة الكبيرة، لا تنظر إلى كومة المشتريات وتقول للمحاسب: «حسنًا، يبدو لي كما لو كان الحساب ١٧ دولارًا؛ فما رأيك؟» إن الموظف هو الذي يقوم بعملية الجمع» (ص٣٧٢).

وقد رصد لويس جولدبيرج ميزات أخرى عديدة للتنبؤ الميكانيكي يتفوق بها على التنبؤ الإكلينيكي. ففي الوقت الذي تتطابق فيه التنبؤات الميكانيكية تطابقًا تامًّا — ومن ثم تكون جديرة بالثقة — لا تكون التنبؤات الإكلينيكية كذلك. ولأسباب عدة لا يتفق الخبراء دائمًا بعضهم مع بعض أو حتى مع أنفسهم عندما يراجعون الحالة نفسها للمرة الثانية. فحتى عندما يكتسب الأطباء الخبرة، تساعد مواطن القصور التي تكتنف الآراء البشرية على تفسير أسباب عدم تحسن درجة دقة تنبؤاتهم — إن كان هناك تحسن على الإطلاق — على نحو يفوق ما حققوه أثناء الدراسات العليا (دوز، ١٩٩٤؛ وجارب، ١٩٩٩).

مع ذلك، وعلى الرغم من حكم ميهل، لا يزال كثير من علماء النفس غير مقتنعين، وآخرون ليست لديهم المعرفة الكافية. أوضحت نتيجة دراسة أجريت على أعضاء قسم علم النفس العلاجي (القسم الثاني عشر) في «الجمعية الأمريكية لعلم النفس» أن ٢٢٪ من الأعضاء يرون أن مناهج التنبؤ الميكانيكي أقل شأنًا من مناهج التنبؤ العلاجي. وفي الوقت نفسه، قال ١٣٪ إنهم قد سمعوا فقط بمناهج التنبؤ الميكانيكي لكنهم لا يعرفونها حق المعرفة. وكان أكثر الأمور غرابة على الإطلاق أن ٣٪ من الأعضاء قالوا إنهم لم يسمعوا قط بالمناهج الميكانيكية في اتخاذ القرارات (جروف، ولويد، تحت الإعداد).

هناك العديد من الأسباب، بالإضافة إلى التعليم الناقص، تقف وراء تردد كثير من علماء النفس في الترحيب بالمناهج الميكانيكية في اتخاذ القرارات فيما يخص ممارساتهم العلاجية (دوز وآخرون، ١٩٨٩). وقد قام ويليام جروف وبول ميهل (١٩٩٦) بدراسة نقدية للاعتراضات التي أثارها معارضو هذه المناهج التي ساعد بعضها في تفسير استمرار شعبية خرافة بصيرة الخبراء. أحد مصادر القلق ينبع من أن تفضيل المناهج الميكانيكية من شأنه أن يؤدي إلى حلول أجهزة الكمبيوتر محل الأطباء. وهذا الخوف لا أساس له من الصحة؛ إذ إن الدور الذي يؤديه خبراء الصحة النفسية يفوق بكثير المعالجة المجردة للمعلومات من أجل اتخاذ القرارات، فهم يضطلعون بأدوار رئيسية في تطوير قياسات موثوقة وصالحة لمعرفتهم بنوع البيانات التي يجب أن يجمعوها وتقديمهم للخدمات ما إن يتوصلوا إلى قرار. لذلك على الأطباء ألا يقلقوا تجاه احتمال الاستغناء عنهم، إذ إنه لا يمكن أبدًا لأي معادلة إحصائية أو جدول إكتواري أن يحل محلهم في المهام الرئيسية.

وقد ذهب بعض المؤلفين إلى الزعم بأننا لا ينبغي لنا أن نقارن بين مناهج التنبؤ الميكانيكية والعلاجية لأن الممارسين ينبغي لهم الاستعانة بالنوعين معًا. وعلى الرغم من أن ذلك القول ربما يبدو جذابًا للوهلة الأولى، فإنه لا يصمد أمام الفحص المتأني. ولننظر مثلًا إلى أحد أخصائيي علم النفس العلاجي الذي قضى سنوات من العلاج المكثف مع أحد المعتدين الجنسيين، وطلب منه مجلس الإفراج المشروط الإدلاء برأيه في تلبية الطلب أو إنكاره. إذا كانت التنبؤات الميكانيكية والعلاجية توافق على ذلك الطلب، يكون ذلك عظيمًا ولا يهم بعد ذلك أي المناهج تستخدم. لكن ماذا إن كان أحد المنهجين يشير إلى أن هذا السجين لا يشكل أي خطر مستقبلي، فيما كان الآخر يشير إلى أن السجين يمثل خطورة كبيرة في المستقبل؟ من هنا يظهر جليًّا أن عالم النفس لا يمكنه أن يوصي بتلبية طلب المجلس وإنكاره في الوقت نفسه، فالخلل المنطقي في فكرة «استخدام كلا المنهجين» يكمن في أن المنهجين أحيانًا يتعارضان. وعندما يتعارضان لا يمكننا استخدامهما معًا.

من ناحية أخرى يعترض البعض على التنبؤ الميكانيكي بسبب «احتمال عدم ارتباطه بحالة كل فرد على حدة»؛ يدعي هؤلاء على وجه الخصوص أن معرفة نتائج الأفراد الآخرين أمر عديم الفائدة عند اتخاذ قرار لمريض جديد، بسبب «اختلاف كل شخص عن غيره». على سبيل المثال: توضح الأبحاث أن احتمال النجاح في علاج مرض الرهاب عند أحد الأفراد يصل إلى الحد الأقصى عن طريق العلاج القائم على التعرض، وهو العلاج الذي يعرض الأفراد على نحو منظم إلى ما يخافون منه (بارلو، ٢٠٠٢)، مع ذلك يشارك بعض خبراء الصحة النفسية في «تعميم غير مشجع» (داوز، وجامبريل، ٢٠٠٣)، حيث يتجاهلون هذه النتيجة ويوصون بعلاج مختلف، على أساس أن الأبحاث التي تجرى على مستوى المجموعات لا تنطبق على هذا الشخص بعينه، وهناك شكلان من هذا الاعتراض، لكن كليهما خاطئ.

أولًا: قد يظن الطبيب أنه ليس هناك شيء غير عادي في مريض معين لدرجة تجعل هذا المريض استثناءً من القاعدة. ولا شك أن هذا الأمر يكون صحيحًا أحيانًا، لكن الدراسات توضح أن الخبراء يصادفون مرارًا وتكرارًا كثيرًا من الأمثلة المضادة (جروف وآخرون، ٢٠٠٠) فهم يوجهون اهتمامًا عظيمًا نحو الجوانب المتفردة لكل حالة من الحالات ويضنون بالاهتمام على ما تشترك فيه تلك الحالة مع غيرها، وتكون النتيجة أن تصاب درجة دقتهم بالخلل.

ثانيًا: قد يرى الطبيب أن أي عبارة تعبر عن الاحتمالية ليس لها علاقة بفهم سلوك أحد الأفراد أو التنبؤ به. وتكشف تجربة فكرية بسيطة — كان ميهل أول من أجراها (١٩٧٣) — عن خلل شديد، بكل ما تحمله الكلمة من معان في هذا المنطق الفكري. افترض مثلًا أنه كان عليك أن تمارس لعبة «الروليت الروسي» مرة واحدة، مما يعني أنك ستضع مسدسًا في رأسك وتجذب الزناد، فهل تفضل أن توجد طلقة واحدة وخمس غرف فارغة في خزانة المسدس أم تفضل وجود خمس طلقات وغرفة واحدة فقط فارغة في الخزانة؟ نشك كثيرًا في أن تكون إجابتك هي: «حسنًا، سواء أمت أم لا فتلك مسألة احتمالات، لذا، لا فارق.» بدلًا من ذلك، يمكننا أن نفترض مطمئنين أنك — ما لم تكن لديك ميول انتحارية — تفضل أن يكون احتمال أن يقتلك المسدس هو مرة واحدة فقط من بين ستة بدلًا من ٥ مرات من بين ستة. وبالطبع فإن الغالبية العظمى من الناس تدرك أهمية الاحتمالات عندما يتعلق الأمر ببقائنا على قيد الحياة.

وهناك قلق أخير بشأن الطبيعة «غير الإنسانية» التي تتسم بها مناهج التنبؤ الميكانيكي، بمعنى أننا لا ينبغي أن «نتعامل مع الأفراد على أساس أنهم أرقام». هذا اعتقاد خاطئ وغير ذي صلة بالمسألة. فبادئ ذي بدء، ليس هناك أي ارتباط بين الطريقة التي نتعامل بها مع المرضى والطريقة التي نخلط بها المعلومات للوصول إلى قرارات علاجية؛ فعندما نتخذ القرارات بحكمة وتَرَوٍّ أثناء الجلسات أو فيما بينها، لن يعرف المريض فعليًّا أي المناهج نتبع. وحتى إن شعر المرضى أننا نتعامل معهم كأرقام، فالشعور بالارتياح تجاه واحد من إجراءات اتخاذ القرار هو شيء أقل أهميةً بكثير من التشخيص الصحيح وتلقي أفضل علاج. وكما ذكر ميهل (١٩٨٦): «إذا حاولت أن أتنبأ بشيء ذي أهمية عن أحد طلاب الجامعة أو أحد المجرمين أو أحد المرضى المصابين بالاكتئاب عن طريق وسائل غير ذات كفاءة، مع الاستمرار فترة من الزمن في تكبيد هذا الشخص أو دافع الضريبة عشرة أضعاف ما أحتاجه فعليًّا من نقود للوصول إلى درجات أعظم من الدقة التنبئية، فلن يكون ذلك عملًا سليمًا من الناحية الأخلاقية. وكون هذا الأمر أفضل بالنسبة لي ويشعرني بمزيد من الارتياح هو عذر أقبح من ذنب في حقيقة الأمر.»

ثمة أدلة قوية لدعم استخدام أدوات المساعدة الميكانيكية على اتخاذ القرار، غير أن خبراء الصحة النفسية نادرًا ما يستخدمونها عندما تكون متاحة أمامهم بصورة ميسورة. وهذه نقيصة كبيرة، فكما أن البصيرة والرأي وحدهما غير كافيين للتحليق فوق البنايات الشاهقة والتوجه بعيدًا عنها عند قيادة طائرة هيلكوبتر، يمكن للأطباء اتخاذ قرارات أفضل عندما يعتمدون على ما هو أكثر من بصيرتهم وحدسهم المجردين. وتمامًا كما يلزم أن يتعلم ربان الطائرة أن يستخدم مؤشرًا لسرعة الهواء والأفق الافتراضي ومجموعة من «الأزرار المجنونة»، سيتمكن خبراء الصحة النفسية من تحقيق فوائد أكبر لمرضاهم إن ابتكروا معادلات إحصائية وجداول إكتوارية للتعامل مع المعلومات على نحو أكثر فعالية.

(٢) الخرافة رقم ٤٨: الامتناع هو الهدف الواقعي الوحيد لعلاج مدمني الكحوليات

إذا كانت عمتك تعاني مشكلة خطيرة مع تناول الكحوليات، فهل سيصيبك القلق إن تناولت مشروبًا واحدًا فقط في إحدى الحفلات؟ إن الفكرة القائلة إن الأفراد الذين يفرطون في الشراب يحتاجون إلى الامتناع عن تناول الكحوليات نهائيًّا لهي فكرة راسخة بقوة في الفكر التقليدي الشعبي. وقد بينت نتائج إحدى الدراسات أن ٢٩٪ فقط من عوام الناس يظنون أن مدمني الكحوليات السابقين الذين جرى علاجهم بنجاح يمكنهم أن يعاودوا الشراب بعد ذلك، لكن على نحو معتدل (كانينجهام، بلومكفيست، وكوردينجلي، ٢٠٠٧). وقد قدم كتاب «مدمنو الكحول المجهولون» (١٩٧٦) وصفًا صارمًا — وواسع القبول في الوقت نفسه — لاحتمال معاودة أحد مدمني الكحوليات تناول الكحوليات في أي وقت على نحو آمن:

… ها هو رجل وجد في عامه الخامس والخمسين أن حاله لا يزال كما هو منذ أن كان في الثلاثين من العمر (حين تناول أول كأس من الكحوليات منذ ٢٥ عامًا). لقد رأينا الحقيقة جليةً ظاهرةً مرارًا وتكرارًا: «ما إن تصبح مدمنًا للكحوليات حتى تصير مدمنًا إلى الأبد.» عندما نبدأ في شرب الكحوليات بعد فترة من التوقف عن تناولها، نعود في فترة قصيرة أسوأ كثيرًا مما كنا عليه قبل التوقف. فإذا كنا نخطط للتوقف عن تناول الكحوليات، يجب ألا يكون هناك أي تحفظ من أي نوع، أو أي أفكار داخلية بأننا سنتمتع في يوم من الأيام بحصانة ضد إدمان المسكرات. (ص٣٣)

تقوم وجهة نظر جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم» التي تقول: «شراب واحد فقط وتصير مخمورًا» على النموذج المرضي لإدمان الكحوليات. فطبقًا لهذا النموذج، يمثل إدمان الكحوليات مرضًا مستفحلًا شديد الخطورة تسببه «حساسية» أو غيرها من أشكال الاستعداد الوراثي لفقد السيطرة على تناول الكحوليات. وفقًا لهذا الرأي، تكفي رشفة واحدة غالبًا لبدء فترة لا يمكن التحكم فيها من الإسراف في شرب الكحوليات (فينجاريت، ١٩٨٨)، وهكذا تتواصل تلك الحجة على النحو التالي: «الامتناع عن تناول الكحوليات مدى الحياة هو الهدف المقبول الوحيد لعلاج مدمني الكحوليات.» يرجع تاريخ هذه الفكرة إلى وجهات النظر السائدة في القرن التاسع عشر عن إدمان الكحوليات، عندما كان هذا المصطلح معناه «هوس الشرب»، وهي حالة تشبه المرض وتتسم برغبة شديدة في تناول الكحول (ميلر، ١٩٨٣).

في بدايات القرن العشرين، كانت فتنة الكحول وقوته المدمرة ظاهرةً جليةً أمام الجميع. فعندما كانت الأفلام في طورها الأول أخذت تدعم الرأي القائل إن الكحول يمكن أن ينزع عن الأفراد قوة إرادتهم ويدمر حياتهم. وقد أخرج دي دابليو جريفيث عام ١٩٠٩ فيلمين هما: «ما جناه شرب الكحول» و«إصلاح مدمن كحوليات». وحذر هذان الفيلمان المشاهدين من شرور أن يحيا المرء حياة مدمن كحوليات. وكان فيلم تشارلي شابلن «الدوار المخمور لتشارلي» (١٩١٥) أحد أوائل الأفلام التي قدمت قصة طريفة عن الإسراف في شرب الكحوليات، لكن حالة التوتر المرح التي سادت الفيلم كان المغزى منها احتمال وقوع مأساة. ويصف فيلم «عطلة نهاية الأسبوع الضائعة» من إخراج بيلي وايلدر — والمأخوذ عن كتاب يحمل نفس العنوان من تأليف تشارلز جاكسون — الذي لا شك أنه أفظع تصوير لحالات الانهيار الناجمة عن إدمان الخمور، خمسة أيام من الإسراف في الشراب من حياة معذبة لكاتب أدمن الكحوليات فترة طويلة. وقد قدم مزيدٌ من الأفلام الحديثة الحاصلة على جائزة أوسكار، ومنها «أيام النبيذ والورود» (١٩٦٢) و«الرحيل عن لاس فيجاس» (١٩٩٥)، الجانب الأكثر سوءًا في إدمان الكحوليات عن طريق عرض آثار الكحول المدمرة في العلاقات والصحة النفسية، حتى فيما يخص احتمال الانتحار.

حتى وقت قريب للغاية كانت الفكرة القائلة إن الامتناع عن الشراب هو الهدف الوحيد لعلاج مدمني الكحوليات قد لاقت ترحيبًا شديدًا، ليس فقط من جموع الناس، بل من مجتمع علاج مدمني الكحوليات الذي يعد برنامج جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم» تجسيدًا له. فمنذ أن أسس سمسار البورصة بيل ويلسون والجراح بوب سميث (المعروفان باسم «بيل وبوب») جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم» في «أكرون» بأوهايو عام ١٩٣٥، أصبحت أكبر منظمة لعلاج مدمني الكحوليات، إذ تضم ما يقرب من ٢ مليون عضو من جميع أنحاء العالم (هامفري، ٢٠٠٣)، ويشجع برنامج الجمعية المشهور — والمكون من ١٢ خطوة — الأعضاء على الإقرار بالعجز أمام الكحول. فطبقًا لما تعلنه الجمعية فإنه كي يتغلب الأعضاء على الوسواس النفسي الملح الذي يدفعهم إلى معاقرة الكحوليات، عليهم التسليم بأن هناك «قوة عليا» (غالبًا ما تكون إشارة إلى الله) أعظم من أنفسهم يمكنها أن تعيد إليهم «الصحة العقلية» (الخطوة الثانية)، وأن تسلم مقاليد إرادتهم وحيواتهم إلى عناية «القوة العليا» كما يفهمونها (الخطوة الثالثة).

تدعي البرامج العلاجية في المستشفيات والعيادات ومراكز العلاج النفسي الجماعي القائمة على ١٢ خطوة أن معدلات الشفاء بها تصل إلى ٨٥٪ (مادسن، ١٩٨٩). وتوضح الدراسات أن معاقري الكحوليات الذين ينضمون إلى جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم» يزيد احتمال عودتهم إلى معاقرة الكحوليات عن غيرهم ممن لا يتلقون أي علاج (كاوناكي، وشاديش، ١٩٩٩؛ تيمكو، موس، فيني، وليزر، ٢٠٠٠). مع ذلك، فإن ما يعادل ثلثي معاقري الكحوليات يتركون البرنامج بعد ثلاثة أشهر من الانضمام إلى جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم» (إمريك، ١٩٨٧)، وتساعد الجمعية ما يقرب من ٢٠٪ من الأفراد على الامتناع التام عن تناول الكحول (ليفي، ٢٠٠٧). ولا عجب في أن يمتاز الأفراد الذين يستفيدون من الجمعية بالنشاط الشديد داخل المنظمة والانجذاب الشديد إلى ما تقدمه من دعم روحي. وبقدر ما قد تكون جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم» ذات نفع لبعض الأفراد، فإنها والبرامج الأخرى القائمة على النموذج المرضي التقليدي بعيدة كل البعد عن النجاح في علاج عدد هائل من مدمني الكحوليات.

وفي حقيقة الأمر أعلن باحثون كثيرون رفضهم للفكرة التي تقول إن إدمان الكحوليات مرض لا علاج له تشتد وطأته مع الوقت، وكذلك للفكرة التي تقول إن الامتناع التام عن تناول الكحوليات هو هدف ضروري لعلاج مدمني الكحوليات كافةً. وقد بين استبيان أجراه «المعهد الوطني لتعاطي الكحول والإدمان على الكحول» (إن أي أيه أيه أيه، ٢٠٠١-٢٠٠٢) على ٤٣٠٩٣ من البالغين أن ما يقرب من ٣٦٪ من المشاركين الذين كانوا مدمنين للكحوليات، قبل عام واحد على الأقل من الاستبيان، قد «شفوا تمامًا» وقت الإجابة عن الأسئلة. ومن العجيب أن ١٧٫٧٪ ممن كانوا مدمنين للكحوليات يمكنهم تناول الكحوليات باعتدال دون الإسراف في الشرب، معلنين بذلك الرفض للاعتقاد الشعبي الذي يقول إنه «ما إن يصير المرء مدمنًا للكحوليات حتى يصير مدمنًا إلى الأبد.»

وعلى الرغم من غرابة هذه النتائج، فإنها ليست أولى النتائج التي تشير إلى أن الهدف من العلاج الذي يرمي إلى الامتناع شبه التام عن التناول قد يكون ممكنًا. وقد كانت دراسة الدكتور دي إل ديفيز (١٩٦٢) واحدة من أولى الدراسات التي كشفت الستار عن خلل هائل في وجهة النظر التقليدية عن إدمان الكحوليات، إذ إنها أوضحت أن ٧٪ من مدمني الكحوليات في المراحل الخطرة من الإدمان يمكنهم التحكم في معدل تناولهم للكحول فترة تصل إلى ١١ عامًا. بعد ذلك، أشار «تقرير راند» (أرمور، بوليتش، وستامبول، ١٩٧٦) عن النتائج التي تم التوصل إليها داخل ٤٥ من مراكز العلاج التي تتبع «المعهد الوطني لتعاطي الكحول والإدمان على الكحول» إلى أنه بعد متابعة مدتها أربع سنوات، صار ١٨٪ من المرضى يتناولون الكحوليات باعتدال دون أي مشكلات أو إدمان للكحوليات.

وكما كان متوقعًا، أحدثت هذه الدراسات ضجة بين كثير من الباحثين وخبراء الصحة النفسية الذين رأوا أن عدم وضع الامتناع الكامل عن التعاطي هدفًا أساسيًّا للعلاج هو شيء يعادل الإلحاد الطبي. لكن هذا الجدل بدا شديد التواضع مقارنة بسيل النقد الذي تسببت فيه تقارير مارك سوبيل وليندا سوبيل (١٩٧٣، ١٩٧٦) عن حالات النجاح في تدريب مدمني الكحوليات ممن يمرضون في المستشفيات على التحكم في معدلات تناولهم للكحوليات. فقد وجدا أنه بعد متابعة دامت ثلاث سنوات، استهلك المرضى المدربون على تناول الكحوليات باعتدال كمية أقل من الكحوليات، وقلت كذلك مشاكل التأقلم لديهم عن المرضى الذين يهدف معالجوهم إلى الوصول للامتناع التام. قامت أبحاث آل سوبيل على وجهة النظر السلوكية القائلة إن تناول الشراب بإسراف هو عادة مكتسبة تقويها مجموعة متنوعة من الدعائم الاجتماعية والمادية. فتناول الكحول — كغيره من السلوكيات — سلوك قابل للتعديل، بل في بعض الحالات يمكن إخضاعه للسيطرة الذاتية دون الوصول للامتناع التام.

هاجم بعض أساتذة الجامعة النتائج التي توصل إليها آل سوبيل على أسس أخلاقية وعلمية (بنيدري، مولتزمان، وويست، ١٩٨٢)، ووصل الحال بأحد الباحثين إلى اتهامهما بتلفيق النتائج التي توصلا إليها (مولتزمان، ١٩٩٢)، ولكم كان انفعاليًّا ذلك الخلاف لدرجة أن وسائل الإعلام شاركت فيه بقوة؛ ففي عام ١٩٨٣ أذيعت حلقة في مجلة «٦٠ دقيقة» الإخبارية التي تبثها شبكة سي بي إس كانت بدايتها مع الصحفي هاري ريزونر في أحد المقابر بالقرب من شاهد قبر يضم رفات واحد من مرضى آل سوبيل، الذي لُقِّن مهارات التحكم في معدل تناول الكحوليات، لكن وافته المنية نتيجة لإدمان الكحوليات. حاور ريزونر المرضى الذين حدثت لهم انتكاسة مع حالة الشرب المعتدل، لكنه لم يحاور أيًّا من المرضى الذين حققوا الامتناع الكامل. وهكذا لم تبين مجلة «٦٠ دقيقة» أن عدد المرضى الذين حققوا الامتناع الكامل الذين وافتهم المنية خلال الفترة نفسها أكبر من عدد المرضى الذين مارسوا التناول المتحكم فيه (سوبيل، وسوبيل، ١٩٨٤). وقد خلف تقديم البرنامج لدى المشاهدين انطباعًا بأن تناول الشراب المتحكم فيه يمكن أن يكون مهلكًا. وبالإضافة إلى ادعاء الاحتيال، تسبب هذا البرنامج في سلسلة من التحقيقات حول سلوك آل سوبيل العلمي، وهي تحقيقات برأتهما في نهاية الأمر.

وبمرور السنين، انحسر الخلاف العلمي حول التحكم في معاقرة الكحوليات، لكنه لم يتبدد قط. وفي الوقت نفسه، جمع الباحثون أدلة كثيرة على مدى فعالية برامج التدريب السلوكي على التحكم الذاتي في دراسات وضعت الاعتدال في تناول الكحول هدفًا للعلاج (ميلر، ويلبورن، وهيتما، ٢٠٠٣). وفي برامج التدريب السلوكي على التحكم الذاتي (ميلر، وهيستر، ١٩٨٠) يدرب المعالجون الأفراد الذين يسرفون في تناول الكحوليات على رصد معدل تناولهم، وعلى وضع حدود مناسبة لاستهلاكهم للكحول، وكذلك على التحكم في معدل تناولهم للكحول، وعلى دعم تقدمهم في العلاج. وتدعم بعض برامج التحكم الذاتي تلقين مهارات التكيف في المواقف التي يستعين فيها مدمنو الكحوليات بالخمر كآلية للتكيف (مونتي، أبرامز، كادين، وروسناو، ١٩٨٩)، وتدعم كذلك منع الانتكاس عن طريق تعليم المعاقرين كيفية تحمل المشاعر السلبية (مارلات، وجوردون، ١٩٨٥). وهذه البرامج تعادل في تأثيرها على الأقل برامج الاثنتي عشرة خطوة (مجموعة أبحاث بروجيكت ماتش، ١٩٩٨).

تختلف برامج الوقاية من الانتكاس تمام الاختلاف مع فكرة «كأس واحدة وتصير مدمنًا» عن طريق التمهيد لاحتمال أن تزل أقدام الأفراد ويعودون لمعاقرة الكحوليات مرة ثانية (لاريمير، بالمر، ومارلات، ١٩٩٩؛ مارلات، وجوردون، ١٩٨٥)، وتقوم عقيدة هذه البرامج على أن «السقطة» لا يشترط أن تصبح «انتكاسة». ولمنع الانتكاس، على المرضى أن يتجنبوا المواقف التي يتعرضون فيها لإغراء تناول الكحول. بالإضافة إلى ذلك، يتعلم هؤلاء أنهم إن احتسوا كأسًا واحدة فليس معنى ذلك أنه قد كُتِب عليهم العودة إلى الإسراف في الشراب (مارلات، وجوردون، ١٩٨٥؛ بوليفي، وهيرمان، ٢٠٠٢). وبرامج منع الانتكاس تعلم الأفراد أن يفكروا في السقطة على أنها فرصة لتعلم التكيف مع الحاجات الملحة على نحو أكثر فعالية بدلًا من أن يقول المرء مخاطبًا نفسه: «لقد أفسدت الأمر تمامًا، وربما من الأفضل أن أستمر في تناول الكحول.» وتوضح مجموعة كبيرة من الأبحاث أن برامج منع الانتكاس تقلل معدلات انتكاس الكحوليات (إرفين، باورز، دان، ووانج، ١٩٩٩).

مثل الأحذية والقفازات، لا يرتدي كل الناس مقاسًا واحدًا. وفي حالتنا هذه لا يوجد علاج واحد يصلح للجميع. ولحسن الطالع، تتوفر مجموعة كبيرة من خيارات العلاج أمام مدمني الكحوليات، بما في ذلك الأدوية الطبية والعلاج النفسي ومجموعات الدعم. لكن هدف الامتناع التام عن التناول في مقابل التحكم في معدل التناول ربما يجب استخدامهما على حسب الحالات المرضية كل على حدة. فإذا كانت عمتك في الحفل الذي ذكرناه مدمنة للكحول بشدة، أو كان لها تاريخ طويل مع إدمان الكحول، أو كانت تعاني مشكلات نفسية وبدنية بسبب معاقرة الكحوليات، فلك الحق في أن تهتم لذلك. وتشير الأبحاث إلى أنها ربما تتحسن عن طريق اتباع برنامج علاج يهدف إلى الامتناع التام عن التناول (روزنبيرج، ١٩٩٣).

مع ذلك، حتى إذا كان التحكم في معدل التناول لا يصلح مع جميع أنواع مدمني الكحوليات، فإنه قد يصلح مع بعضهم. فقد صادق «معهد الطب» (١٩٩٠) و«التقرير التاسع الخاص للكونجرس عن الكحول والصحة» (وزارة الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة، ١٩٧٧) على فكرة الاعتدال في تناول الكحوليات كهدف للعلاج مع بعض الأفراد الذين يعانون مشكلات في شرب الخمر (ماكيلوب، ليزمان، وينستاين، وروزينبوم، ٢٠٠٣). فربما تساعد وفرة الوسائل العلاجية الهادفة إلى التحكم في معدل تناول الكحوليات المدمنين أصحاب المشكلات في السعي للحصول على المساعدة في وقت مبكر، أكثر مما لو كان الامتناع التام هو الخيار الوحيد. فالتحكم في معدل التناول يستحق التجربة مع المرضى الذين أخفقوا أكثر من مرة في تحقيق الامتناع الكامل في البرامج التي تسعى لذلك الهدف. وفي النهاية، فإن الأفراد الذين يجربون اتباع الأنظمة الغذائية أو التمارين الرياضية أو غير ذلك من أنماط الحياة الجديدة غالبًا ما يكونون بحاجة إلى أن يجربوا وسائل متعددة قبل أن يصلوا إلى الوسيلة المناسبة لهم. وخلال العقد القادم، من المرجح أن يبتكر الباحثون معايير أكثر دقة لانتقاء المعاقرين شديدي الإسراف في التناول لتجربة مجموعة متنوعة من الوسائل العلاجية، مع وضع أهداف علاجية على الدرجة نفسها من التنوع. أما في الوقت الحالي فلا جدال في نتيجة واحدة هي أن الامتناع التام عن تناول الكحوليات ليس هو الهدف الواقعي الوحيد للعلاج الذي يصلح لكافة مدمني الكحوليات.

(٣) الخرافة رقم ٤٩: جميع وسائل العلاج النفسي الفعالة تجبر الأفراد على مواجهة الأسباب «الجذرية» لمشكلاتهم التي تعود لسنوات الطفولة

عندما يفكر الناس في العلاج النفسي يستحضرون في أذهانهم عادةً صورة واحدة، هي لمريض مستلق على أريكة، يتذكر في أغلب الأوقات ذكريات مؤلمة من الماضي البعيد ويتأملها. وسواء أكان ذلك الشخص هو بيلي كريستال في فيلم «حلل هذا» أو روبين ويليامز في فيلم «صيد حسن النية» أو لورين براكو في مسلسل «آل سوبرانو» الذي يذاع على قناة إتش بي أو، فإن المعالجين النفسيين في الأفلام والمسلسلات يشجعون مرضاهم عادة على استعادة أحداث الماضي، التي وقعت في الغالب من عشرات السنين. وفي حقيقة الأمر يمثل تشجيع العلاج النفسي للمرضى على إحياء تجارب الطفولة ومواجهتها أحد أكثر السلوكيات المتكررة شهرة في العلاج النفسي، إذ يفترض أن تكون هذه التجارب هي السبب في المشكلات التي يعانيها المرضى عند الكبر. بالإضافة إلى ذلك، يصور عدد كبير من أفلام هوليوود الطريقة المجربة الصحيحة المتمثلة في «العلاج المفاجئ»، الذي يبتدره عادة استحضار ذو شحنة عاطفية لحدث مؤلم من الطفولة، كاعتداء بدني أو جنسي (ويدينج، ونيميك، ٢٠٠٣)، ولا غرابة في ذلك؛ إذ إن العلاج المفاجئ يصنع حبكة مثيرة للمشاعر.

يمكننا أن نشكر — أو نلوم — سيجموند فرويد وأتباعه على الجزء الأكبر من هذه الاعتقادات الشعبية إن لم تكن جميعها. فأحد الآثار الباقية من فرويد (١٩١٥ / ١٩٥٧) هي فكرة أن الصعوبات التي نمر بها شديدة الصلة بتجارب الطفولة التي مررنا بها، خاصة التجارب ذات الآثار السيئة. ووفقًا لهذا الرأي تكون ذكريات الأحداث المبكرة في حياتنا ذات دلالة خاصة، وتمثل نافذة على المشكلات الحالية ونقطة بدء لحلها. وقد قال أيضًا ليون سول وثوبيرن سنيدر وإيدث شيبارد (١٩٥٦) إن ذكريات الطفولة «تكشف، ربما على نحو أكثر وضوحًا من أي بيانات نفسية أخرى، عن اللب المحوري للديناميكيات النفسية لكل شخص ودوافعه الرئيسية» (ص٢٢٩). وقد أيد هاري أولسون (١٩٧٩) اعتقادًا يشاركه فيه العديد من المعالجين النفسيين وعوام الناس، وهو أن «ذكريات الطفولة، إذا صح تفسيرها، تكشف غالبًا النقاب بسرعة كبيرة عن اللب الأساسي لشخصية المرء …» (ص١٧). وثمة فكرة أخرى ذات صلة بذلك الاعتقاد يحملها كثير من الأفراد هي أن رؤية محددات المشكلات في الطفولة ليست مفيدة فحسب، لكن ضرورية أيضًا قبل إمكانية حدوث أي تغيير دائم في العلاج النفسي.

ولا شك أن فهم تاريخ مشكلة ما يمكن أن يساعدنا أحيانًا في تحديد جذور السلوكيات التكيفية السيئة التي ننتهجها. وبين أشياء أخرى كثيرة، ربما يساعد مثل ذلك الفهم المعالجين النفسيين على تحديد أنماط السلوكيات المزعجة التي غرست جذورها في تربة سنوات الطفولة. مع ذلك، أحيانًا ترسم ذكريات الطفولة صورة مشوهة المعالم لأحداث الماضي (لوفتس، ١٩٩٣)، بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك أي أدلة قوية على أن جميع المشكلات النفسية التي يعانيها البالغون أو أغلبها نابعة من الصعوبات التي واجهتهم في الطفولة (باريس، ٢٠٠٠)، وكما سنعرف قريبًا، ثمة أدلة لا يستهان بقوتها على أن الرؤية الثاقبة ليست ضرورية دائمًا لتحقيق تغيير شخصي مستديم.

لهذه الأسباب وغيرها، هناك أعداد متزايدة من الأطباء الذين يتبعون أكثر من ٥٠٠ منهج من مناهج العلاج النفسي (إيزنر، ٢٠٠٠) يقل اهتمامها أو لا تهتم على الإطلاق باسترجاع الماضي أو كشف الستار عن ذكريات الطفولة. وكما ذكر عالم النفس جون نوركروس: «يتوقع الأشخاص الذين يخطون خطوات في العلاج النفسي عادة أن تتم مناقشتهم عن فترة طفولتهم، وأن يلقى باللوم على آبائهم باعتبارهم سبب مشكلاتهم الحالية، لكن ذلك لم يعد صحيحًا الآن» (سبيجل، ٢٠٠٦). ومن بين مدارس العلاج النفسي المعاصرة العديدة التي تمعن في الاهتمام في المقام الأول بقضايا الحاضر لا قضايا الماضي مجموعات مساعدة الذات مثل جمعية «مدمني الكحوليات مجهولي الاسم»، والعلاج النفسي الجماعي، والعلاج النفسي الأسري، والمدارس الرئيسية للعلاج النفسي التي سنبحث أمرها فيما يلي.

انطلق المعالجون النفسيون الديناميون، المعروفون باسم «الفرويديون الجدد»، من المبادئ التي أرساها فرويد، لكنهم خالفوه بطرق متعددة. وبوجه خاص، كثير من هؤلاء قلص اهتمامه بوظيفة العقل الباطن مقارنة بما فعل أبوهم الروحي. كان كارل يونج (١٩٣٣) وألفريد أدلر (١٩٢٢)، اللذان كانا من تلامذة فرويد، من بين أوائل المعالجين النفسيين الذين عبروا عن اهتمامهم بالجوانب الواعية للأداء الوظيفي للمرضى طوال حياتهم، وحاولا مساعدة المرضى على فهم كيفية إسهام التجارب ذات الشحنات العاطفية، بما في ذلك تلك التي وقعت لهم منذ وقت قريب، في الصراعات النفسية الحالية.

وقد أكد المعالجون النفسيون المتبعون للمنهج «الإنساني الوجودي»، بمن فيهم كارل روجرز (١٩٤٢) وفيكتور فرانكل (١٩٦٥) وإرفين يالوم (١٩٨٠) على أهمية الكفاح من أجل استغلال جميع إمكاناتنا في الوقت الحاضر، بدلًا من أن نجتر ذكرياتنا بحثًا عن تجارب الماضي السلبية. فعلى سبيل المثال: أصر فريدريك بيرلز (فريتز)، مؤسس علاج «الجشطالت» بالمثل على أن السبيل إلى التقدم الشخصي هو مواجهة مشاعرنا الحاضرة وتقبلها (بيرلز، هيفرلاين، وجودمان، ١٩٩٤ / ١٩٥١). كان علاج «الجشطالت» أول وسائل العلاج النفسي التجريبية التي تميز أهمية الوعي الحاضر للمشاعر وقبولها والتعبير عنها. ويرى بيرلز أن الإفراط في الاهتمام بالماضي يمكن أن يكون غير صحي لأنه غالبًا يعكس تقاعسًا عن مواجهة الصعوبات الحالية مباشرة.

ويهتم المعالجون النفسيون السلوكيون بالسلوكيات الحالية المحددة التي تحدث مشكلات حياتية للمريض، وكذلك بالمتغيرات التي تدعم تلك السلوكيات (أنتوني، ورويمر، ٢٠٠٣). وتقوم وسائل العلاج النفسي السلوكي على مبادئ التأقلم المؤثر والكلاسيكي والتعلم القائم على الملاحظة، بالإضافة إلى الأدلة البحثية القاطعة بشأن ما يفلح. ويرى المعالجون النفسيون السلوكيون أن أساس النجاح في العلاج النفسي يتطلب اكتساب سلوكيات واستراتيجيات تكيفية يمكن للمرضى أن ينقلوها إلى أرض الواقع. فهم يرون أنه في أغلب الحالات لا يلزم الوصول إلى الفهم الكامل للأسباب الرئيسية للمشكلات التي يعانيها الإنسان.

أما المعالجون النفسيون المتبعون للمنهج «السلوكي الإدراكي»، بمن فيهم ألبرت إليس (إليس، ١٩٦٢) وأرون بيك (بيك، راش، شو، وإيمري، ١٩٧٩)، فيرهانون على تحديد الاعتقادات غير المنطقية وتغييرها، مثل قول شخص ما: «ليست لي أي قيمة.» فعندما يتحرر الأفراد من طغيان الاعتقادات التي تحط من قدرهم، يمكنهم — على حد قول هؤلاء المعالجين — أن ينخرطوا بسهولة في ممارسة السلوكيات الجديدة الأكثر فائدة. على سبيل المثال: جعل الواجب المنزلي لأحد المرضى الخجولين البدء في الحديث مع عشرة أشخاص غرباء على مدار أسبوع يمكن أن يكون تحديًّا قويًّا للاعتقاد غير المنطقي القائل إنه «إن رفض أحدهم التحدث إليّ فسيكون ذلك كارثة».

وكما ذكرنا من قبل، توضح الأبحاث أن الوصول إلى الفهم الكامل لتجارب الطفولة والتنقيب فيها ليس لهما داع لإحراز تقدم في العلاج النفسي. ففي إحدى دراسات علاج التحليل النفسي الذي وضعه فرويد (باكريك، جالاتزر-ليفي، سكولنيكوف، ووالدرون، ١٩٩١) تحسنت نصف الحالات اﻟ ٤٢ للمرضى في الدراسة، لكن لم يطرأ عليهم أي فهم إضافي ﻟ «صراعاتهم الأساسية». وعلى الدرجة نفسها من القوة كان الدعم العاطفي من المعالج أكثر ارتباطًا بالتحسن عن الفهم.

وتبين الأبحاث المطولة أن فهم تاريخنا العاطفي، مهما كان عميقًا ومحزنًا، ليس ضروريًّا أو كافيًا لإزالة الضغط النفسي (بلوم، ١٩٩٤؛ وفيز، دونينبيرج، هان، وفايس، ١٩٩٥). وفي الحقيقة تتساوى من الناحية العملية درجة فعالية طرق العلاج التي تبدي أقل اهتمام بعلاج المشاعر المتزعزعة من الطفولة أو مواجهتها، بل قد تتفوق على الطرق التي تمعن في الاهتمام بالماضي. فلا شك في أن طرق التحليل النفسي وغيره من الطرق التي تهتم بالفهم الكامل في المقام الأول يمكن أن تساعد أفرادًا كثيرين، وأن النماذج المختصرة نسبيًّا من طرق العلاج النفسي الديناميكي تزيد فائدتها عن عدم وجود علاج من الأساس (بروتشاسكا، ونوركروس، ٢٠٠٧). مع ذلك، توضح المراجعات النقدية للدراسات ذات النتائج المنهجية أن طرق العلاج السلوكية والسلوكية الإدراكية تتسم بأنها: (أ) فعالة فيما يخص مجموعة عريضة من المشكلات النفسية؛ (ب) أكثر فعالية من طرق علاج التحليل النفسي لاضطرابات القلق والجزء الأكبر من طرق العلاج الأخرى لتلك الاضطربات (تشامبليس، وأولينديك، ٢٠٠١؛ هانسلي، ودي جويليو، ٢٠٠٢)؛ (ﺟ) أكثر فعالية من طرق العلاج الأخرى للأطفال والمراهقين الذين يعانون مشكلات سلوكية مثل الكذب والسرقة والعناد الشديد والعدوانية البدنية (جارسكي، وأندرسون، ٢٠٠٣؛ فيز، فايس، هان، جرانجر، ومورتون، ١٩٩٥). مع ذلك تهتم هذه الطرق للعلاج على نحو فعلي وشبه حصري تقريبًا بالحاضر الحالي.

وثمة اتجاه حالي آخر في العلاج النفسي يتمثل في وضع المعالجين مناهج مناسبة لاحتياجات المرضى بناءً على خليط انتقائي من الطرق المأخوذة من أساليب متنوعة، بما في ذلك المناهج السلوكية والسلوكية الإدراكية والرامية إلى الفهم الكامل (سترايكر، وجولد، ٢٠٠٣). والجيد في الأمر هو أن عددًا من طرق العلاج، بصرف النظر عن مسألة اهتمامها بالماضي أو الحاضر، يمكن أن تكون ذات فائدة للعديد من الأفراد بصرف النظر عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء الأفراد أو أنواعهم أو أعراقهم أو أعمارهم (بوتلر، ماكادو، ونيوفيلدت، ١٩٩٤؛ بيتري، تنين، وأفليك، ٢٠٠٠؛ رابينوويتز، ورينيرت، ١٩٩٧؛ شميدت، وهانسي، ١٩٧٩). فمن أجل أن نشعر بتحسن لسنا بحاجة إلى النظر للخلف، وإنما للأمام، فهذا في الغالب هو ما سينجز المهمة.

(٤) الخرافة رقم ٥٠: العلاج بالصدمة الكهربية علاج خطير وقاس من الناحية البدنية

إذا كنت قد سمعت من قبل عن العلاج بالصدمة الكهربية، فأغمض عينيك دقيقة وحاول أن تستحضر جلسة علاج عادية. ما الذي تراه يحدث أثناء الجلسة؟ وما الذي تراه يحدث بعدها مباشرة؟

إذا كنت كأغلب الأمريكيين فربما تتخيل مريضًا يجر على غير رغبته إلى إحدى الغرف، ويوثق إلى سرير ضيق ثم يتلقى صدمة كهربية غاية في القوة في صدغيه، ومن ثم تسري في جسده تشنجات عنيفة، في الوقت الذي يحاول فيه فريق من الأطباء والممرضات السيطرة عليه. وعندما «يسترد المريض وعيه» بعد ذلك كله، تجده يتصرف كمن أصابه الدوار والحيرة، وربما يكون قد فقد قدرًا كبيرًا من ذاكرته. وكما سنكتشف قريبًا، فجميع هذه الأفكار خاطئة، على الأقل داخل الولايات المتحدة وغيرها من البلاد الغربية.

في حقيقة الأمر، قليل من وسائل العلاج النفسي — إن وجد — تتعرض لتكوين الأفكار المغلوطة عنها بالقدر الذي يتعرض له العلاج بالصدمة الكهربية (كراديكي، وتاركيناو، ١٩٩٢)، فالغالبية العظمى من الأفراد ترى في العلاج بالصدمة الكهربية طريقة قاسية بل وحشية للعلاج. وفي دول عديدة — ويشمل ذلك الولايات المتحدة وأستراليا والدول الأوروبية — تنظر نسب كبيرة من عوام الناس إلى العلاج بالصدمة الكهربية على أنه ذو خطورة بدنيًّا وضار نفسيًّا (داونمان، باتل، وراجبوت، ٢٠٠٥؛ كير، وماكجراث، أوكيرني، وبرايس، ١٩٨٢؛ تيه، هيلمز، ودراك، ٢٠٠٧). وفي دراسة أجريت على ٢٠٠ من الأمريكيين، ذكر ٥٩٪ منهم أن العلاج بالصدمة الكهربية مؤلم، وقال ٥٣٪ إنه يؤدي إلى الشعور بالغثيان والرغبة في التقيؤ، فيما قال ٤٢٪ إنه يستخدم على نحو منتظم في معاقبة المرضى سيئي السلوك، وقال ٤٢٪ آخرون إنه يدمر عددًا هائلًا من خلايا المخ. بالإضافة إلى ذلك، ذهب ١٦٪ إلى الظن أن العلاج بالصدمة الكهربية يخلف في المرضى حالة دائمة مما يشبه الغيبوبة (سانتا ماريا، باومايستر، وجوفير، ١٩٩٨). مع ذلك فجميع هذه الاعتقادات غير دقيقة. وقد أوضحت نتائج دراسة أخرى أن ٥٧٪ من بين ١٧٣٧ سويسريًّا يرون أن العلاج بالصدمة الكهربية يضر بصحة المرضى النفسية، فيما رأى ١٪ فقط أنه ذو فائدة (لوبر، نوردت، فالكاتو، وروسرلر، ٢٠٠٥). وهذه الآراء السلبية كان لها تبعات على أرض الواقع، فعام ١٩٧٢ تراجع توماس إيجلتون — الذي كان عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي وقتها — تحت ضغط عن ترشحه لمنصب نائب الرئيس لمرشح رئاسة الجمهورية جورج ماكجفرن، بعد أن طفت على السطح أخبار عن أن إيجلتون قد تلقى علاجًا بالصدمة الكهربية وغيره من العلاجات ذات الصلة بالأمراض النفسية للشفاء من اكتئاب شديد. وبعد عشرة أعوام من ذلك أجرت مدينة بيركلي بكاليفورنيا اقتراعًا لتحريم العلاج بالصدمة الكهربية وتجريم استخدامه ومعاقبة من يستخدمه بغرامة أو حبس أو كليهما، إلا أن المحكمة أسقطت ذلك التجريم بعد ذلك.

ويميل الأفراد الذين لا يعرفون إلا القليل عن العلاج بالصدمة الكهربية إلى رفضه تمامًا (جانيكاك، ماسك، تريماكاس، وجيبونز، ١٩٨٥)، ويطرح هذا احتمال أن تثقيف الناس بشأن العلاج بالصدمة الكهربية يمكن أن يقلل الأفكار المغلوطة عنه. مع ذلك يحمل أفراد كثر ممن نالوا تدريبًا طبيًّا أفكارًا سلبية عن العلاج بالصدمة الكهربية (جازداج، كوتشيس-فيكزريه، وتولنا، ٢٠٠٥). وقد بينت دراسة أجريت على طلاب السنة الثانية من طلبة الطب في جامعة أركنساس أن ٥٣٪ من هؤلاء الطلاب رأوا أن العلاج بالصدمة الكهربية مؤلم، ورأى ٣٢٪ أنه غير آمن ويحتمل أن يؤدي إلى الموت، فيما رأى ٢٠٪ أنه «وحشي»، ورأى ٣١٪ أن موظفي المستشفيات يستخدمون العلاج بالصدمة الكهربية غالبًا لمعاقبة المرضى ذوي السلوك العدواني أو غير المتعاونين (كلوثير، فريمان، وسنو، ٢٠٠١). لذلك لا يكاد يدهشنا أن يحمل العلاج بالصدمة الكهربية وصمة سلبية فترة طويلة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. ومع هذه الاعتقادات المنتشرة في العقول، ما الحقائق عن العلاج بالصدمة الكهربية؟

في حقيقة الأمر، أحدثت الأشكال الأولى من العلاج بالصدمة الكهربية غالبًا تشنجات عنيفة، وفي بعض المرات أدت إلى كسور في العظام وتحطم في الأسنان، والموت في بعض الأحيان (تشالاينر، وجريفث، ٢٠٠٠)، لكن ذلك لا ينطبق على العقود الخمسة الأخيرة في الولايات المتحدة أو معظم الدول الغربية الأخرى، التي أصبحت فيها طريقة استخدام العلاج بالصدمة الكهربية أكثر أمانًا ورحمةً، كما أن الأطباء اليوم لا يستخدمون العلاج بالصدمة الكهربية لإخضاع المرضى الذين يصعب السيطرة عليهم.

في الوقت الحالي، يحقن المرضى الذين يستخدم معهم العلاج بالصدمة الكهربية — الذين يعانون اكتئابًا شديدًا غالبًا أو هوسًا أكثر ندرة أو فصامًا — بمخدر عام أولًا (مثل «ميثو هكسيتول») ومرخي للعضلات (مثل «سكسينيل كولين»)، وفي بعض الأحيان بمادة (مثل «أتروبين») لمنع سيلان اللعاب (ساكيم، ١٩٨٩)، بعد ذلك يضع طبيبٌ الأقطاب الكهربية على رأس المريض، إما على جانب واحد (العلاج بالصدمة الكهربية أحادي الجانب) أو على الجانبين (العلاج بالصدمة الكهربية ثنائي الجانب)، ثم يمرر صدمة كهربية تتسبب في نوبة تشنج تستمر من ٤٥ إلى ٦٠ ثانية، إلا أن المخدر — الذي يُفْقِد المريض الوعي — ومرخي العضلات يعملان على تهدئة حركة المريض أثناء التشنج.

مع ذلك في بعض الدول النامية (أندريد، شاه، وتاريان، ٢٠٠٣؛ وينر، ١٩٨٤) وأجزاء من روسيا (نيلسون، ٢٠٠٥) والعراق (جود، ٢٠٠٨) يستخدم الأطباء أحيانًا العلاج بالصدمة الكهربية دون مخدر أو مرخيات للعضلات. ففي هذه البلاد ربما تكون الشهرة السيئة التي يتمتع بها العلاج بالصدمة الكهربية مستحقة إلى حد ما، إذ إن استخدام العلاج بالصدمة الكهربية دون هذه الخطوات الأولية يحتمل أن يكون خطيرًا.

حتى في الوقت الحالي، لا توجد موافقة بالإجماع على كيفية عمل العلاج بالصدمة الكهربية. ومع ذلك، تشير معظم الأبحاث العلمية المنهجية إلى فائدة العلاج بالصدمة الكهربية كعلاج للاكتئاب الشديد (باجنين، دي كويروز، بيني، وكاسانو، ٢٠٠٤)، على الرغم من أنه يوصى بعدم الاستعانة به إلا كحل أخير للحالة بعد إخفاق عمليات التدخل الأخرى — بما فيها العلاج النفسي والعلاج بالأدوية — على نحو متكرر في علاجها. مع ذلك، فهذا لا يعني أن العلاج بالصدمة الكهربية لا يتضمن أي أخطار؛ فقد يصل معدل الوفاة بين المرضى الذين يستخدم معهم العلاج بالصدمة الكهربية إلى ما يقرب من ٢ إلى ١٠ من كل ١٠٠٠٠٠ جلسة علاج، على الرغم من أن احتمالات الخطر في هذا النوع من العلاج لا تزيد عن احتمالات الخطر المصاحب للتخدير وحده (شيواتش، ريد، وكارمودي، ٢٠٠١). وبشكل عام، فاحتمال الوفاة بسبب العلاج بالصدمة الكهربية يقل عشر مرات عن احتمال الوفاة بسبب الولادة (أبرامز، ١٩٩٧). يرتبط العلاج بالصدمة الكهربية كذلك بزيادة احتمالات ظهور أعراض جانبية سيئة، مثل الصداع وآلام العضلات والشعور بالغثيان، وعلى رأس ذلك كله فقدان الذاكرة، الذي يكون غالبًا مع الأحداث التي تقع مباشرة قبل كل مرة علاج (ساكيم، ١٩٨٨). مع ذلك، ثمة أدلة أخرى على أن بعض حالات فقدان الذاكرة تستمر ستة أشهر بعد جلسة العلاج بالصدمة الكهربية، وذلك على الأقل مع بعض المرضى الذين يستخدم معهم هذا النوع من العلاج (ساكيم وآخرون، ٢٠٠٧). فلا شك أن العلاج بالصدمة الكهربية يجلب بعض الضرر، لكنه يبعد كل البعد عن كونه ذلك العلاج شديد الخطورة من الناحيتين البدنية والنفسية على حد اعتقاد كثير من الأفراد.

الغريب أن هناك مجموعة من الأفراد يبدو أنها تحمل أفكارًا أقل سلبية على نحو ملحوظ تجاه العلاج بالصدمة الكهربية: إنهم المرضى الذين استخدم معهم ذلك العلاج. ففي الواقع يقول أغلب المرضى الذين استخدم معهم العلاج بالصدمة الكهربية إنه أيسر من زيارة طبيب الأسنان (أبرامز، ١٩٩٧؛ بيتيناتي، تامبوريلو، رويتش، وكابلان، ١٩٩٤). وفي إحدى الدراسات قال ٩٨٪ من المرضى الذين استخدم معهم ذلك العلاج إنهم قد يلجئون إليه مرة ثانية إذا ألم بهم الاكتئاب ثانية (بيتيناتي وآخرون، ١٩٩٤). وفي دراسة أخرى قال ٩١٪ من المرضى الذين استخدم معهم العلاج بالصدمة الكهربية إنهم ينظرون إليه بإيجابية (جودمان، كران، سميث، رومانز، وبيليجي، ١٩٩٩). وتعد كيتي دوكاكيس، زوجة المرشح السابق لرئاسة الولايات المتحدة، مايكل دوكاكيس، مثالًا على ذلك. ففي كتاب شاركت كيتي في تأليفه بعنوان: «الصدمة: القوة الشفائية للعلاج بالصدمة الكهربية» (دوكاكيس، وتاي، ٢٠٠٦) سردت كيتي حكايتها ببلاغة مع العلاج بالصدمة الكهربية عقب إصابتها بنوبات اكتئاب شديدة فشلت في علاجها جميع وسائل العلاج الأخرى. وعلى حد تعبيرها:

لا أكون مبالغة إن قلت إن العلاج بالصدمة الكهربية قد كشف أمام عيني حقيقة جديدة … فأنا أعرف الآن أن هناك شيئًا ما سيجدي وسيجدي سريعًا. إن العلاج بالصدمة الكهربية يمحو الترقب والخوف … لقد منحني ذلك العلاج شعورًا بالتحكم، وبالأمل. (دوكاكيس، وتاي، ٢٠٠٦، ص١٢٠)

ما مصدر المفاهيم المغلوطة الدائرة عن العلاج بالصدمة الكهربية إذن؟ لا شك أننا سنجد تفسيرًا لبعض تلك المفاهيم المغلوطة إن نظرنا إلى تاريخ العلاج بالصدمة الكهربية المتقلب وطريقة الاستخدام في الماضي التي كانت قاسية نسبيًّا. بالإضافة إلى ذلك، ربما أزعج بعض الأفراد العاديين الجانب الخاص بتمرير الكهرباء في مخ الإنسان، وافترضوا أن ذلك الإجراء لا بد أنه شديد الخطورة (كيمبول، ٢٠٠٧)، في هذه الحالة، ربما يلجأ هؤلاء الأفراد إلى منطق التماثل (راجع المقدمة) فيفترضون أنه نظرًا لخطورة الكهرباء في الغالب، فإن أي شيء يحتوي على كهرباء لا بد أنه سيدمر المخ.

ومع ذلك، لا شك أن قدرًا كبيرًا من الشهرة الرديئة للعلاج بالصدمة الكهربية ينبع من التناول غير الدقيق له في وسائل الإعلام والترفيه؛ فمنذ عام ١٩٤٨ إلى عام ٢٠٠١، تضمن ٢٢ فيلمًا أمريكيًّا على الأقل إشارات مباشرة إلى العلاج بالصدمة الكهربية كان أغلبها شديد السلبية (ماكدونالد، ووالتر، ٢٠٠١). من تلك الأفلام فيلمان حازا جائزة أوسكار أفضل فيلم وهما: «أحدهم طار فوق عش الوقواق» (١٩٧٥) و«أناس عاديون» (١٩٨٠). بالإضافة إلى ذلك، أوضح فيلم «عقل جميل» الحاصل على الأوسكار أن عالم الرياضيات جون ناش — الذي جسده الممثل راسل كرو — يعاني تشنجات عنيفة عقب إخضاعه لإجراء يشبه العلاج بالصدمة الكهربية (علاج غيبوبة الأنسولين، وهو شكل قديم ولم يعد مستخدمًا في الوقت الحالي من أشكال العلاج بالصدمة الكهربية) الذي خلط بعض نقاد الأفلام بينه وبين العلاج بالصدمة الكهربية (مثل سنجلتون، ٢٠٠١؛ ستيكلاند، ٢٠٠٢؛ وhttp://pluse.maths.org/issue19/reviews/book4/index.html).
وفي كثير من الاثنين والعشرين فيلمًا التي تناقش العلاج بالصدمة الكهربية، استخدم موظفو المستشفيات ذلك العلاج، لا مع المرضى الذين يعانون اكتئابًا شديدًا، بل مع المرضى الذين يظهرون سلوكًا إجراميًّا أو شديد العدوانية، خاصةً أولئك المرضى المتسمين بالعنف والتمرد. وقد صور بعض هذه الأفلام المرضى على أنهم يتمتعون بإدراك كامل، بل يستجيبون للصدمة برعب شديد (والتر، وماكدونالد، ٢٠٠٤). وقد كان الأثر الجانبي الأكثر شيوعًا لجلسات العلاج بالصدمة الكهربية — كما صورتها هذه الأفلام — هو أن يتصرف المريض كمن أصيب بغيبوبة أو من فقد النطق أو الذاكرة. وفي ستة من تلك الأفلام، ساءت حالة مرضى استخدم معهم العلاج بالصدمة الكهربية أو لقوا حتفهم. وربما لم ينجح فيلم في نقل الفكرة التي تكونت لدى عامة الأمريكيين عن العلاج بالصدمة الكهربية أكثر من فيلم «أحدهم طار فوق عش الوقواق» الذي عرض عام ١٩٧٧. وقد صور أحد المشاهد التي لا يمكن نسيانها الشخصية الرئيسية في الفيلم، راندل ماكميرفي (التي برع في تجسيدها الممثل جاك نيكلسون) أثناء خضوعه لجلسة علاج بالصدمة الكهربية انتهت بحالة من التشنجات والتمتمة العنيفتين، وذلك بعد أن أحدث تمردًا فاشلًا بين المرضى داخل وحدة الأمراض النفسية (الشكل ١١-١).
fig5
شكل ١١-١: ذلك المشهد القوي من فيلم «أحدهم طار فوق عش الوقواق» الذي عرض سنة ١٩٧٧، والذي يصور الممثل جاك نيكلسون في دور حصل عنه على جائزة الأوسكار، من المؤكد أنه أسهم في الصورة السلبية في أذهان العامة عن العلاج بالصدمة الكهربية. (المصدر: فوتوفيست.)

تشير الأدلة إلى أن مشاهدة الأفلام التي تتناول العلاج بالصدمة الكهربية ربما تغير المفاهيم التي نحملها عنه. ففي إحدى الدراسات انتهى الحال بطلبة الطب الذين شاهدوا مقاطع من أفلام «أحدهم طار فوق عش الوقواق» و«أناس عاديون» و«بيفرلي هيلبيلز» وأفلام أخرى عديدة تتناول العلاج بالصدمة الكهربية أو تحتوي إشارات إليه، إلى اتخاذهم مواقف أقل ميلًا لتفضيل هذا العلاج (والتر، ماكدونالد، ري، وروزين، ٢٠٠٢). مع ذلك، ولأن الباحثين لم يضعوا مجموعة موازية من طلبة الطب الذين شاهدوا الأفلام التي لا ترتبط بالعلاج بالصدمة الكهربية، فإن البحث لا يسمح لنا بأن نضع استنتاجات سببية مؤكدة. وعلى الجانب الإيجابي، هناك أدلة على أن تثقيف الأفراد عن العلاج بالصدمة الكهربية يمكن أن يقلل من الخرافات الدائرة حوله. وقد وجدت إحدى فرق الباحثين أن الطلاب الذين شاهدوا مقطع فيديو أو قرءوا نشرة مما تتضمن معلومات دقيقة عن العلاج بالصدمة الكهربية أظهروا عددًا أقل من الأفكار الخاطئة تجاه ذلك العلاج، مثل الاعتقاد أن العلاج بالصدمة الكهربية مؤلم، وأنه يسبب تغيرات في الشخصية على المدى الطويل، وأنه يستخدم في السيطرة على المرضى ذوي السلوكيات العدوانية، وذلك مقارنة بطلبة مجموعة موازية لم يحصلوا على أي معلومات تصحيحية (أندروز، وهاسكينج، ٢٠٠٤).

وتذكرنا الأفكار الخاطئة التي يحملها عامة الناس عن العلاج بالصدمة الكهربية بالموضوع الرئيسي لهذا الكتاب، وهو أن صناعة علم النفس الشعبي تشكل مجمل الأفكار الخاطئة عند الأفراد بأساليب بالغة القوة. في الوقت نفسه، تعطينا الأبحاث التي تجرى على آثار التدخلات التثقيفية بشأن العلاج بالصدمة الكهربية سببًا كافيًا للتمسك بالأمل، إذ إنها تذكرنا أن أفضل وسائل التغلب على المعلومات الخاطئة عن علم النفس هي تزويد الناس بمعلومات دقيقة عنه.

(٥) الفصل ١١: خرافات أخرى تستحق الدراسة

الخرافة الحقيقة
«يتطلب الاضطراب النفسي علاجًا نفسيًّا، أما الاضطراب البيولوجي فيحتاج إلى عقاقير دوائية.» لا يدل سبب أي اضطراب على أسلوب علاجه والعكس صحيح؛ فعلى سبيل المثال: لا يتسبب نقص الأسبرين في المخ في إحداث حالات الصداع.
«المعالجون الأكثر خبرة يحققون معدلات نجاح أعلى من المعالجين الأقل خبرة.» توضح معظم الأبحاث وجود علاقات ضعيفة أو منعدمة بين عدد أعوام ممارسة مهنة المعالج ودرجة الفعالية العلاجية.
«الأطباء النفسيون وعلماء النفس وجهان لعملة واحدة.» يحمل الأطباء النفسيون شهادات ماجستير في الطب، في الوقت الذي يحمل فيه معظم علماء النفس شهادات الدكتوراه في علم النفس. بالإضافة إلى ذلك، باستثناء ولايتين (لويزيانا ونيو ميكسيكو)، فإن وصف عقاقير للمرضى مقصور على الأطباء فقط.
««مدرسة العلاج» هي أفضل متنبئ بفعالية العلاج.» فيما يخص معظم الاضطرابات، تمثل سمات المعالجين النفسيين دلالات على فعاليتهم العملية أفضل من توجهاتهم النظرية.
«يحمل جميع الأفراد الذين يطلقون على أنفسهم «معالجين نفسيين» شهادات متقدمة في الصحة النفسية.» في معظم الولايات الأمريكية لا يتمتع مصطلح «معالج نفسي» بالحماية القانونية، لذلك يمكن لأي فرد تقريبًا أن يفتتح عيادة.
«يتضمن معظم العلاج النفسي استخدام أريكة والتنقيب في ماضي الفرد.» لم يعد معظم معالجي العصر الحديث يستخدمون أريكة، والغالبية العظمى منهم لا تبالغ في الاهتمام بتجارب الطفولة.
«تقوم الغالبية العظمى من طرق العلاج الحديثة على تعاليم سيجموند فرويد.» في دراسات المسح الميداني الحديثة وُجد أن ما يقرب من ١٥٪ فقط من علماء النفس و٣٥٪ فقط من الأطباء النفسيين والباحثين الاجتماعيين هم المحللون النفسيون والمشتغلون بالدينامية النفسية.
«لم يكن للعلاج النفسي وجود قبل فرويد.» كانت أساليب العلاج النفسي موجودة في الولايات المتحدة منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى أواخره.
«طرق العلاج النفسي تفيد المرضى، ولا يمكن أن تؤذيهم.» بعض أساليب العلاج على الأقل، مثل استخلاص المعلومات عن الأزمات التي تُتَّبع مع من تعرضوا للصدمات تحدث أحيانًا آثارًا سلبية.
«تستخدم الغالبية العظمى من المعالجين النفسيين طرق علاج مدعومة بتجارب علمية.» تشير الدراسات إلى أن عددًا ضئيلًا من المعالجين النفسيين يستخدم طرق علاج مدعومة بتجارب علمية لعلاج اضطرابات القلق واضطرابات المزاج واضطرابات الأكل وغيرها من الحالات.
«تتسم برامج «التثقيف ومقاومة المخدرات» بالفعالية.» توضح الدراسات المنهجية أن برامج «التثقيف ومقاومة المخدرات» ليس لها أي تأثير في منع تعاطي المخدرات، بل ربما يكون لها بعض الأضرار الطفيفة.
«على الأفراد الذين أصيبوا بصدمة القيام «بمعالجة تامة» للصدمة لكي تتحسن حالتهم.» تتحسن حالة العديد من الأفراد الذين أصيبوا بصدمة ما أو معظمهم دون مساعدة من أحد. بالإضافة إلى ذلك، تتسم بعض طرق العلاج التي تتطلب معالجات مثل استخلاص المعلومات عن الأزمة بأنها غير فعالة أو ربما تكون ضارة.
«تؤدي طرق العلاج النفسي التي لا تتعامل مع «الأسباب الدفينة» للمشكلات إلى الإصابة بأعراض بديلة.» ليست هناك أدلة على أن طرق علاج السلوكيات وغيرها من طرق العلاج التي تهتم بالأعراض تؤدي إلى أعراض اضطراب آخر.
«يمكن لعدد قليل فقط من الأفراد الإقلاع عن التدخين من تلقاء أنفسهم.» توضح دراسات العينات المجتمعية أن أفرادًا كثيرين يقلعون عن التدخين دون أي تدخل نفسي رسمي.
«النيكوتين أقل تسببًا في الإدمان بكثير إذا قورن بغيره من العقاقير.» صنف باحثون كثيرون النيكوتين على أنه أكثر تسببًا في الإدمان بكثير من الهيروين أو الكوكايين أو الكحول.
«يتسبب وجود نسبة عالية من السكر في الطعام في اضطراب نقص الانتباه المصحوب بفرط النشاط.» ليست هناك أدلة على أن للسكر آثارًا ملحوظة في فرط النشاط عند الأطفال أو ما يرتبط بذلك من سلوكيات.
«تزيد الأدوية المضادة للاكتئاب بنسبة كبيرة للغاية من احتمالات الانتحار.» ربما تزيد الأدوية المضادة للاكتئاب احتمال وقوع الانتحار بنسبة ضئيلة لدى بعض الأفراد الذين لديهم قابلية للفكرة، لكنها مع ذلك أيضًا ربما تقلل إجمالًا من احتمال الانتحار.
«تحيل الأدوية المضادة للاكتئاب الأفراد إلى «أشباح تتحرك بصورة آلية» غالبًا.» لا تجعل الأدوية المضادة للاكتئاب الأفراد شديدي اللامبالاة أو غير مدركين لما يحيط بهم.
«تزيد درجة فعالية الأدوية المضادة للاكتئاب عن العلاج النفسي بكثير في علاج الاكتئاب.» يتساوى نوعا العلاج النفسي والدوائي في الفعالية تقريبًا، وقد تبين غير مرة أن العلاج السلوكي الإدراكي أفضل من الأدوية في الوقاية من الانتكاس.
«تزداد درجة فعالية معظم الأنواع الأحدث من الأدوية المضادة للاكتئاب مثل «بروزاك» و«زولوفت» عن الأنواع الأقدم منها.» لا تزيد فعالية معظم الأنواع الأحدث من الأدوية المضادة للاكتئاب عن الأنواع القديمة، إلا أن الأنواع الأحدث تَقِلُّ الأعراض الجانبية المصاحبة لها عادة، ويقل معها احتمال تناول الجرعات الزائدة.
«الأدوية الوهمية (التي لا تحتوي على أي مادة فعالة) تؤثر على الخيال فقط، لا على المخ.» للأدوية الوهمية تأثيرات حقيقية في وظائف المخ، من بينها زيادة نشاط الدوبامين وغيره من الناقلات العصبية المرتبطة بتحسن المزاج.
«الأدوية العشبية أفضل من الأدوية المضادة للاكتئاب في تحسين الحالة المزاجية.» ليست هناك أدلة على أن أيًّا من الأدوية العشبية مثل عشبة «سانت جونز»، تزيد درجة فعاليتها عن الأدوية التقليدية المضادة للاكتئاب، على الرغم من أن بعض الأدوية العشبية ربما يكون ذا فائدة في حالات الاكتئاب الطفيفة.
«يعني كون المادة «طبيعية» أنها آمنة.» تتسم مواد كثيرة من تلك الموجودة في الطبيعة بالخطورة الشديدة مثل الزرنيخ والزئبق وسم الأفاعي.
«يجدي العلاج بالإبر فقط إن وضعت الإبر في مواضع معينة من الجسم.» وجدت الأبحاث بصفة عامة أن العلاج بالإبر يكون على الدرجة نفسها من الفعالية عند وضع الإبر في المواضع «الخاطئة».
«نادرًا ما يستخدم العلاج بالصدمة الكهربية في الوقت الحالي.» يخضع أكثر من ٥٠٠٠٠ أمريكي للعلاج بالصدمة الكهربية كل عام للعلاج من حالات الاكتئاب الشديد التي لم تستجب لطرق العلاج الأخرى.

(٦) مصادر وقراءات مقترحة

للتعرف أكثر على هذه الخرافات وغيرها عن العلاج النفسي، انظر: بيكمان (١٩٩٩)؛ كوتن (تحت الطبع)؛ داوز (١٩٩٤)؛ داومان وباتل وراجبوت (٢٠٠٥)؛ جاوديانو وإيبستاين-لوبو (٢٠٠٧)؛ لاكاس وليو (٢٠٠٥)؛ ليلينفيلد (٢٠٠٧)؛ ليلينفيلد ولين ولور (٢٠٠٣)؛ ماكنالي وبراينت وإهلرز (٢٠٠٣)؛ بيري وهيدريتش (١٩٨١)؛ ترايون (٢٠٠٨).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤