الفصل الرابع

تعلم مهارات جديدة

خرافات عن الذكاء والتعلم

(١) الخرافة رقم ١٥: اختبارات حاصل الذكاء تنحاز ضد مجموعات معينة من الناس

قليلة هي موضوعات علم النفس الشعبي التي تعرضت لنفس العدد الكبير من المعتقدات الخاطئة التي تعرضت لها اختبارات حاصل الذكاء (حاصل الذكاء؛ جوتفريدسون، ١٩٩٧)؛ لذا قبل أن نتعرض لما يمكن أن يكون أكثر المعتقدات الخاطئة شيوعًا يجب أن نذكر نبذة تاريخية قصيرة عن الموضوع.

منذ أكثر من قرن مضى أثبت تشارلز سبيرمان أن مجموع النقاط التي يحرزها الأشخاص في قياسات الكثير من القدرات المعرفية المختلفة عادة تكون مترابطة ترابطًا أكيدًا؛ حيث وضع تشارلز بحثًا تقليديًّا قدم من خلاله مُعَامِل «الذكاء العام» الذي يفسر وجود هذه القدرات لدى الأشخاص بصورة عامة (سبيرمان، ١٩٠٤). اكتشف سبيرمان وجود قدرات معرفية أخرى أكثر تخصصًا، إلا أنه يوجد قدر ضخم من البيانات يشير إلى أن القدرات العقلية تقوم على هذا المعامل (كارول، ١٩٩٣). هناك مسميات أخرى لمصطلح معامل الذكاء العام وهي: القدرة العقلية العامة، وحاصل الذكاء، ومقياس سبيرمان، تكريمًا لأول من نادى به. وتحتوي معظم اختبارات حاصل الذكاء — مثل المقياس الشائع الاستخدام والمعروف بمقياس وكسلر للذكاء للراشدين (وكسلر، ١٩٩٧)، وقد صدرت منه حتى الآن أربعة إصدارات — على عدة اختبارات فرعية، مثل اختبارات المفردات والحساب. علاقات الارتباط الإيجابية بين هذه الاختبارات الفرعية التي تتضمنها اختبارات الذكاء تساير مقياس سبيرمان، إذ تؤيد استخدام درجة واحدة لحاصل الذكاء في أغراض متعددة مهمة.

وبصرف النظر عن كون الذكاء مفهومًا عشوائيًّا يعتمد كليًّا على الطريقة التي نختار أن نقيسه بها، فمعظم الخبراء يجمعون على أنه:

قدرة عقلية عامة جدًّا تتضمن العديد من الأشياء منها: القدرة على التفكير، والتخطيط، وحل المشكلات، والتفكير المجرد، وفهم الأفكار المعقدة، وسرعة التعلم، والتعلم من التجارب. وهي لا تقتصر فقط على التعلم من الكتب، ولا تعد إحدى المهارات الأكاديمية المحدودة، أو تمثل الذكاء في حل الاختبارات، بل تعكس قدرة أشمل وأعمق على فهم العالم المحيط بنا، أي «إدراك» و«فهم معاني» الأشياء، و«التوصل» إلى طريقة تصرف مناسبة. (جوتفريدسون، ١٩٩٧، ص١٣)

هاجم بعض النقاد اختبارات حاصل الذكاء قائلين إن كل ما تستطيع أن تتنبأ به هو كيف سيكون أداء الأشخاص في الاختبارات المماثلة القادمة. أحد المشاركين في مناقشة حيوية على الإنترنت بين أعضاء هيئات التدريس علق بقوله: «من المعروف أن اختبارات حاصل الذكاء لا يمكنها أن تتنبأ بأي شيء سوى حاصل الذكاء.» (http://chronicle.com/blogs/election/2456/can-iq-predict-how-well-a-president-will-perform، ١٩ سبتمبر (أيلول) ٢٠٠٨). ولكن البيانات تثبت العكس، فمع أنها لا تعد قياسات مثلى، فمجموع نقاط اختبارات حاصل الذكاء يمثل واحدًا من أصح المؤشرات وأكثرها فعالية من حيث التكلفة على التحصيل الأكاديمي والأداء الوظيفي في كل الوظائف الرئيسية التي خضعت للدراسة تقريبًا؛ عمال المصانع، والجارسونات، وموظفي السكرتارية، وضباط الشرطة، وعمال الكهرباء، وغيرها من الوظائف (نايسر وآخرون، ١٩٩٦؛ ساكيت، شميت، إيلينجسون، وكابين ٢٠٠١؛ شميدت وهانتر، ١٩٩٨)، بل إن دين كيث سيمونتون (٢٠٠٦) أثبت أن تقديرات نسبة ذكاء الرؤساء الأمريكيين تعد مؤشرات جيدة على نجاحهم في أداء مهام منصبهم وفقًا لتقديرات المؤرخين. ولأن اختبارات حاصل الذكاء أداة نافعة فصانعو القرارات يستخدمونها كثيرًا عندما يكون «الرهان» الموضوع على اختيارهم «كبيرًا»؛ أي تكون العواقب الواقعية للاختيار على درجة من الأهمية، مثلما هو الحال في عمليات التوظيف والقبول.

مع اكتساب حركة الحقوق المدنية زخمًا في ستينيات القرن الماضي، درس الكثير من الباحثين الفروق بين مجموع نقاط اختبارات حاصل الذكاء التي أحرزتها الأجناس والمجموعات العرقية المختلفة. وأصبح من المعتاد أن تُرجع الاختلافات فيما بين النقاط التي أحرزتها المجموعات المختلفة إلى تحيز الاختبارات لفئة معينة. فقد رأى معظم الباحثين أن اختبارات حاصل الذكاء تحابي الرجال ذوي البشرة البيضاء (أنستاسي ويوربينا، ١٩٩٧). إن اعتياد استخدام اختبارات حاصل الذكاء والأهمية التي تُوضع على مجموع النقاط التي يحرزها مؤدو هذه الاختبارات يعني أنه إذا كانت هذه الاختبارات منحازة ضد النساء أو أي من الأشخاص المنتمين إلى الأقليات، فسوف تكون النتيجة انتشار حالة واسعة وغير عادلة من الاضطهاد. فاحتمالية انحياز هذه الاختبارات مسألة أكبر بكثير من كونها مبالغة في التدقيق أو نوع من تجنب الإشارات أو الممارسات غير اللائقة والمهينة لبعض المجموعات.

ماذا يعني أن يكون الاختبار منحازًا إلى فئة معينة أو ضدها؟ وكيف يمكننا أن نعرف ذلك إذا رأيناه أمامنا؟ هناك رأي خاطئ شائع يقول إن اختلاف مجموع النقاط التي تحرزها مجموعتان يعني أن الاختبار منحاز إلى واحدة منهما. يظهر هذا الرأي الخاطئ في مجموعة كبيرة من الكتابات الشائعة، فهو بمنزلة لازمة يكررها ناقدو اختبارات حاصل الذكاء والاختبارات المعيارية الأخرى. في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، نادى رالف نادر، أحد الناشطين في مجال حماية المستهلك (الذي ترشح فيما بعد لمنصب الرئاسة أكثر من مرة.) وزملاؤه بوجوب منع اختبار القَبول في الجامعات، الذي كان يُعرف حينها باختبار القدرات الدراسية، لأن الطلاب الأكثر فقرًا والعديد من الطلاب المنتمين إلى الأقليات يحرزون فيه درجات أقل من الطلاب الآخرين (كابلان، ١٩٨٢). وعام ٢٠٠٣ كتب جاي روزنر في مجلة «نيشن» يقول إن الاختلافات الثابتة بين أداء طلاب الأقليات والطلاب المنتمين للأغلبية في بنود اختبارات القدرات الدراسية تؤكد على أن الاختبارات المعيارية تنحاز لفئات معينة.

العديد من القضاة كان لهم نفس الرأي، إذ حكموا بأن وجود اختلافات بين مجموع النقاط التي تحرزها مجموعتان مختلفتان في الاختبار — على سبيل المثال إحدى مجموعات الأغلبية ومجموعة من الأقليات — يشير ضمنًا إلى أن الاختبار منحاز ضد واحدة منهما. عام ١٩٨٠ صدر حكم مؤثر في قضية لاري بي ضد رايلز حكمت بمقتضاه محكمة الاستئناف بالمنطقة التاسعة بكاليفورنيا بأن مفهوم الاختبار الذي لا ينحاز ضد فئة معينة يتمثل في «عدم وجود اختلاف في نماذج مجموعات النقاط المحرزة عندما يؤدي هذا الاختبار مجموعات مختلفة من الأشخاص» (ص٩٥٥). وفرضت المحكمة قيودًا صارمة على استخدام اختبارات الذكاء في المؤسسات التعليمية لتصنيف الأطفال كأطفال مصابين بدرجة خفيفة من درجات التخلف العقلي (بيرسوف، ١٩٨١). وفي واقعة قضائية لاحقة أخرى، رفعت شركة جولدن رول للتأمين دعوى قضائية على مجلس الولاية لاستصدار التراخيص وعلى الناشر الذي أصدر الاختبار لأن عدد الذين يجيبون إجابات صحيحة على بعض بنود اختبارات استصدار التراخيص من السود يقل عن البيض (شركة جولدن رول للتأمين وآخرون ضد ووشبيرن وآخرين، ١٩٨٤). وبعدها رفع العديد من المحامين دعاوى قضائية بُنيت على أن وجود اختلاف في مجموع النقاط التي تحرزها المجموعات المختلفة في أحد الاختبارات يثبت أن هذا الاختبار منحاز إلى فئة دون الأخرى.

ولكن هناك تحديًا خطيرًا يواجه وجهة النظر الشائعة تلك؛ ألا وهو أن المجموعات قد تختلف بالفعل في الخاصية التي يقيمها الاختبار (أنستاسي ويوربينا، ١٩٩٧). إن سجلات أي طبيب ستتضمن بالتأكيد أن متوسط أوزان المرضى البالغين من الذكور أعلى من النساء، ولكن هذه الحقيقة لا تعني أن الميزان المستخدم في قياس أوزان المرضى منحاز لفئة دون الأخرى لأن الرجال أثقل وزنًا من النساء، فالاختلاف بين المجموعات لا يعد بالضرورة دليلًا على وجود تحيز، وإن كان من الممكن أن يوحي بذلك في بعض الحالات. يمكننا أن نرجع سوء الفهم هذا في جزء منه إلى المنهج الاستكشافي القائم على التماثل (راجع المقدمة)، فخلال فترة كبيرة من تاريخ أمريكا، كانت النتائج التي عكست وجود اختلافات كبيرة بين المجموعات — مثل وجود اختلافات في التحصيل الدراسي بين الأجناس المختلفة أو فروق في الوضع الوظيفي بين الرجال والنساء — ترجع في جزء كبير منها إلى تحيز المجتمع ضد فئة معينة. لذا حينما يرى الناس في يومنا هذا أن نتائج اختبار معين تتضمن فروقًا بين المجموعات المختلفة قد يربطون تلقائيًّا بين هذه الفروق وبين وجود حالة من التحيز.

كيف يمكننا أن نعرف هل الفروق بين المجموعات في نتائج اختبار معين ترجع إلى تحيز بنود هذا الاختبار ضد فئة معينة أم لا؟ المهم هنا هو أن نركز على مدى سلامة ما تنبأ به هذا الاختبار، فإذا كنا نستخدم اختبار حاصل الذكاء للتنبؤ بالأداء في المدرسة أو العمل فعلينا أن نجمّع البيانات حول مجموع النقاط التي حصل عليها المتقدمون في الاختبار وحول أدائهم. إذا صاحب الفروق في مجموع النقاط التي أحرزتها الجماعات المتعددة اختلاف مماثل تقريبًا في أدائها فهذا يعني أن الاختبار لم يتحيز لفئة دون الأخرى، فالاختبارات التي لا تنطوي على أي نوع من التحيز لا تتنبأ بأداء أعلى أو أقل لأفراد أي مجموعة. وإذا وجد اختلاف في مجموع درجات المجموعات المختلفة في اختبار حاصل الذكاء من دون أن يصاحبه اختلاف في أداء هذه المجموعات، فهذا يعني أن الاختبار كان منحازًا لفئة معينة. وأحد عواقب ذلك حدوث نوع من التمييز غير العادل لمصلحة المجموعة التي بالغ الاختبار في تقدير مستوى أدائها على حساب المجموعة الأخرى التي قللت نتائج الاختبار من درجة كفاءة أدائها.

من حسن الحظ أن الكثير من الباحثين عمدوا إلى دراسة احتمال أن تكون نتائج اختبارات حاصل الذكاء منطوية على نوع من الانحياز ضد النساء أو الأقليات الأخرى. فقد شكلت الأكاديمية الوطنية للعلوم هيئتين من الخبراء لدراسة الموضوع (هارتيجان وويدجور، ١٩٨٩؛ ويدجور وجارنر، ١٩٨٢)، هذا بالإضافة إلى فرقة عمل تابعة للجمعية الأمريكية لعلم النفس (نايسر وآخرون، ١٩٩٦)، تضمنت الهيئتان وفرقة العمل أفرادًا يمثلون شتى فروع المعرفة ويحملون آراء مختلفة، وتوصلت الجهات الثلاث إلى نتيجة واحدة وهي: لا توجد أي دلائل تشير إلى أن اختبارات حاصل الذكاء أو أي اختبارات معيارية أخرى، مثل اختبار القدرات الدراسية، تتنبأ بأداء أقل كفاءة للنساء أو الأقليات الأخرى. ويتفق معظم الخبراء اليوم على أن مسألة تحيز اختبار حاصل الذكاء قد حُسمت بصورة قاطعة كأي جدل علمي آخر (جوتفريدسون، ١٩٩٧، ٢٠٠٩؛ جينسين، ١٩٨٠؛ ساكيت وآخرون، ٢٠٠١؛ ساكيت، بورنمان، وكونيلي، ٢٠٠٨).

ولكن من المهم أن نفهم أن عدم وجود انحياز بالاختبارات لا يفسر لنا «أسباب» اختلاف نتائج المجموعات في اختبارات حاصل الذكاء. وقد ترجع هذه الاختلافات في جزء كبير منها أو في مجملها إلى تأثيرات البيئة المحيطة مثل انخفاض المستوى الاجتماعي والتعصب. بقدر ما نحمّل انحياز اختبارات حاصل الذكاء مسئولية وجود اختلافات في أداء المجموعات المتعددة، بقدر ما يمكن أن نتجاهل الأسباب الحقيقية لهذه الاختلافات، وقد يكون بإمكاننا أن نعالج بعض هذه الأسباب عن طريق البرامج الاجتماعية والتعليمية.

على الرغم من الأدلة التي توصلت إليها الأبحاث يزعم بعض علماء النفس أن الادعاء بأن الاختبارات قد تنطوي على درجة من الانحياز ليس بعيدًا كل البعد عن الحقيقة، فبإمكان الباحثين أن يُقيموا احتمال وجود انحياز ليس على مستوى الاختبار بأكمله فقط، بل على مستوى البنود المكونة له أيضًا. فمثلما يمكن أن يقلل أحد الاختبارات المنحازة ضد مجموعة معينة من درجة كفاءة أدائها المتوقع، يحدث ذلك أيضًا عند تحيز أحد بنود الاختبار ضد إحدى الفئات. يطلق علماء النفس على هذه الظاهرة «التوظيف التفضيلي للبنود» (هانتر وشميدت، ٢٠٠٠). يمكننا أن ندرس كل بند من بنود اختبار تحديد حاصل الذكاء يؤديه أي زوج من المجموعات (على سبيل المثال الرجال في مقابل النساء، أو السود في مقابل البيض) بحثًا عن ظاهرة التوظيف التفضيلي للبنود. إذا اختلف أداء المجموعتين في بند معين من بنود الاختبار وتماثل في بقية البنود فهذا يعد دليلًا على انحياز هذا البند ضد واحدة من المجموعتين. وعادة يكتشف الباحثون أن عددًا من بنود أحد اختبارات حاصل الذكاء تنطبق عليها معايير التوظيف التفضيلي. اكتشف روي فريدل وإرين كوستين (١٩٩٧) وجود ظاهرة التوظيف التفضيلي للبنود في عدد من بنود اختبارات القدرات الدراسية واختبارات التسجيل للدراسات العليا المتعلقة بأسئلة التناظر اللفظي، التي تتضمن اكتشاف العلاقات بين كلمتين بسيطتين مثل العلاقة بين كلمة «قارب» وكلمة «تيارات مائية»، أو بين كلمتين معقدتين مثل العلاقة بين كلمة «متملق» وكلمة «مراءاة». للوهلة الأولى يبدو لنا أن اكتشاف وجود ظاهرة التوظيف التفضيلي للبنود في العديد من بنود الاختبارات يضع علامات الاستفهام على الرأي القائل بعدم وجود تحيز في الاختبار، فعلى أي حال، كيف يثبت وجود مثل هذه الظاهرة في بنود الاختبار دون أن ينطوي مجموع نقاط الاختبار ككل على نوع من الانحياز؟

لقد اتضح أن الكثير من حالات التوظيف التفضيلي للبنود أو معظمها ليست ذات ثقل (ساكيت وآخرون، ٢٠٠١)، وحتى في البنود التي تعكس هذه الظاهرة لا يكون اتجاه الانحياز ثابتًا، إذ تنحاز بعض البنود إلى مجموعة معينة، وينحاز عدد آخر منها إلى المجموعة الأخرى، ولذا تتعادل تأثيرات هذه الظاهرة عند تجميع هذه البنود في المجموع الكلي للاختبار (ساكيت وآخرون، ٢٠٠١). وعلى ذلك لا تؤدي ظاهرة التوظيف التفضيلي للبنود بالضرورة إلى تحيز الاختبار (فريدل وكوستين، ١٩٩٧).

كما اتضح لنا في هذا الكتاب، تبدو الهوة بين البحث العلمي والآراء الشائعة واسعة في أغلب الأحيان، وبخاصة في الفرع المختص بدراسة الذكاء (فيلبس، ٢٠٠٩). تتنبأ اختبارات حاصل الذكاء بالأداء في العديد من المجالات المهمة في الحياة اليومية على نحو سليم، ولا توجد أي دلائل على انحيازها ضد النساء أو الأقليات. إن الانحياز الحقيقي هو أن نلقي باللوم على «حامل الرسالة» — أي على اختبارات حاصل الذكاء نفسها — ونتجاهل التفسيرات البيئية التي من المحتمل أنها تقف وراء وجود اختلافات في نتائج المجموعات المختلفة في اختبارات الذكاء، مثل الحرمان الثقافي الذي تعانيه بعض الفئات.

(٢) الخرافة رقم ١٦: إذا كنت غير واثق من الإجابة في أحد الاختبارات، فأفضل ما تفعله أن تتمسك بأول إجابة خطرت لك

«اختبار الاختيار من متعدد»، هذه الكلمات الأربع من أكثر ما يثير الذعر في نفوس طلاب الجامعات. يفضل طلاب الجامعات المشي على الرمال الساخنة وهم حفاة الأقدام أكثر من تأديتهم لاختبار الاختيار من متعدد، وهم غالبًا في حالة ترقب دائم لأي إرشادات تمكنهم من تحسين أدائهم في أكثر أدوات التعذيب الفكري التي يفضل الأساتذة استخدامها. لحسن الحظ، يحظى عدد قليل من هذه الإرشادات المتعلقة بحل الاختبارات ببعض التأييد العلمي. فعلى سبيل المثال: في اختبارات الاختيار من متعدد، الإجابات الأطول والإجابات الأكثر تحديدًا والإجابات التي تضم «كل ما سبق» يمكن أن تكون هي الإجابات الصحيحة (فإذا كان لدينا سؤال يقول: «طُبق الدستور الأمريكي في عام …»، فالإجابة «١٧٨٧» أكثر تحديدًا من الإجابة «في الفترة من ١٧٧٠ إلى ١٧٨٠») (جايجر، ١٩٩٧؛ جيب، ١٩٦٤).

ولكن ربما أكثر الإرشادات الشعبية لحل الاختبارات التي تحظى بقبول واسع هي تلك التي تنصحنا بالتمسك بأول إجابة تخطر لنا خاصة إن كنا غير واثقين من صحتها أو خطئها. فمن خلال العديد من استطلاعات الرأي صرحت نسبة كبيرة من طلبة الجامعات — تراوحت بين ٦٨٪ إلى ١٠٠٪ — بأن تغيير أول إجابة تخطر عند حل أحد الاختبارات لن يحسن من مجموع درجاتهم في هذا الاختبار، كما ذكر حوالي ثلاثة أرباعهم أن تغيير هذه الإجابة سوف يقلل من مجموع درجاتهم (بالانس، ١٩٧٧، بينجامين، كافيل، وتشالينبيرجر، ١٩٨٤). ولا يقتصر الاعتقاد في هذه الخرافة — التي تعرف أحيانًا باسم «وهم الخاطر الأول» — على طلاب المرحلة الجامعية؛ فقد أوردت دراسة عن النصائح التي أسداها الأساتذة إلى طلابهم بشأن تغيير إجاباتهم بالاختبارات أن ٦٣٪ منهم نصحوا طلبتهم بألا يفعلوا ذلك حتى لا يقل مجموعهم الكلي من الدرجات. وصرح ٥-٦٪ فقط من بين أساتذة العلوم والعلوم الإنسانية و٣٠٪ من أساتذة التربية بأن تغيير الإجابات الأولى للطلاب قد يزيد من درجات الطلاب (بينجامين وآخرون، ١٩٨٤).

والأكثر من ذلك أن عددًا كبيرًا من المواقع الإلكترونية، بما فيها تلك المختصة بتقديم إرشادات للطلاب عن حل الاختبارات، تخبر زائريها بأن تغيير الإجابات التي تخطر على الذهن أولًا هو تصرف غير سليم وتشجعهم على الثقة بتخميناتهم الأولى. ويوجه أحد المواقع الإلكترونية هذه الجملة إلى الطلاب: «لا تداوموا على تغيير إجاباتكم، فاختياركم الأول هو عادة الاختيار الصحيح، إلا إذا كنتم أخطأتم في قراءة السؤال.» (TestTakingTips.com). وينصحهم موقع آخر بعبارة تقول: «ثقوا في الخاطر الأول. عندما تجيبون أي سؤال اختاروا أول الإجابات التي خطرت لكم ولا تغيروها أبدًا إلا إذا كنتم واثقين تمامًا من صحة الإجابة التي ستختارونها» (مدرسة توماهوك الابتدائية). ويتمادى موقع آخر ويصرح بأن العلم يؤيد هذا الاعتقاد: «احذروا من أن تغيروا رأيكم؛ فهناك دلائل تشير إلى أن الطلاب كثيرًا ما يغيرون الإجابات الصحيحة إلى الإجابات الخاطئة أكثر مما يفعلون العكس» (مركز فيتزنر الأكاديمي الرياضي للطلاب).

ما الذي تشير إليه فعليًّا نتائج الأبحاث العلمية؟ لا يمكننا أن نقلل من أهمية هذا السؤال مع تقدم ما يزيد عن ٣ ملايين من طلاب المرحلة الثانوية كل عام لاختباري القدرات الدراسية والقبول بالكليات الأمريكية. قد نندهش من كم التوافق بين الدلائل التي تشير إليها الأبحاث العلمية، وتشير هذه الدلائل إلى «عكس» ما ورد في هذه المواقع الإلكترونية (بينجامين وآخرون، ١٩٨٤؛ جايجر، ١٩٩٦؛ سكينر، ١٩٨٣؛ واديل وبلانكينشيب، ١٩٩٤). توصلت أكثر من ٦٠ دراسة إلى هذا الرأي: عندما يغير الطلاب إجاباتهم في اختبارات الاختيار من متعدد (كما يظهر عادة من مسح أو شطب الإجابات التي اختاروها في البداية)، فهم غالبًا ما يغيرون هذه الإجابات من الخاطئة إلى الصحيحة وليس العكس. ومقابل كل نقطة يفقدها الطلاب عندما يغيرون إجابة صحيحة إلى إجابة خاطئة، يكسبون من نقطتين إلى ثلاث في المتوسط من اختيار الإجابة الصحيحة بدلًا من الإجابة الخاطئة (بينجامين وآخرون، ١٩٨٤؛ فوتيه وبلينكي، ١٩٧٢، جايجر، ١٩٩٦). بالإضافة إلى أن الطلاب الذين يغيرون عددًا أكبر من الإجابات يحصلون على درجات أعلى من الطلاب الآخرين، على الرغم من أن هذه النتيجة لا تعدو أن تكون نتيجة ارتباطية (راجع المقدمة)، وربما تعكس حقيقة أن الطلاب الذين يكثرون من تغيير إجاباتهم يكون أداؤهم أفضل في الاختبارات في الأساس (جايجر، ١٩٩٧؛ فريدمان وكوك، ١٩٩٥). تنطبق هذه الاستنتاجات جميعها ليس فقط على اختبارات الاختيار من متعدد التي تجرى في الفصول الدراسية، بل على الاختبارات المعيارية مثل اختبار القدرات الدراسية واختبار التسجيل للدراسات العليا.

هناك شرطان يجب أن يُطبقا عند اتباع سياسة «تغيير الإجابة التي يشك الطالب فيها»؛ أولًا: تشير الأبحاث إلى أن الطلاب لا يجب أن يغيروا إجابتهم لأنهم يخمنون أنها قد تكون خاطئة فقط، إذ إن تغيير الإجابة لا يمكن أن يعود بالنفع على الطالب إلا إذا كان لديه مبرر جيد لأن يشك في أن إجابته خاطئة (شاتز وبست، ١٩٨٧؛ سكينر، ١٩٨٣). ثانيًا: هناك بعض الدلائل على أن الطلاب الذين يؤدون أداءً ضعيفًا في اختبارات الاختيار من متعدد لا يستفيدون من تغيير إجاباتهم بنفس القدر مثل الطلاب الآخرين (بست، ١٩٧٩). إذن لا يجدر بهؤلاء الطلاب أن يغيروا إجاباتهم إلا إذا كانوا واثقين تمامًا من أنها خاطئة.

من المثير للدهشة أنه لا يوجد الكثير من الأبحاث حول الأسباب التي تقف وراء اعتقاد الطلاب في كون تغيير إجاباتهم الأولى فكرة ليست بالجيدة في الكثير من الأحوال. ولكن هناك ثلاثة تفسيرات يمكن أن نفكر فيها. أولًا: يخبر معظم الأساتذة طلابهم، كما رأينا، بألا يغيروا إجاباتهم (بينجامين وآخرون، ١٩٨٤)، فمن المحتمل أن تكون إحدى وسائل انتشار هذا الاعتقاد الخاطئ هي الشائعات أو الأحاديث المتداولة (هايام وجيرارد، ٢٠٠٥). ثانيًا: تشير الأبحاث إلى أن الطلاب يتذكرون الأسئلة التي استبدلوا بإجاباتها الصحيحة إجابات خاطئة أكثر من تلك التي غيروا إجاباتها من خاطئة إلى صحيحة (باث، ١٩٧٦؛ فيرجوسون، كرايتر، بيترسون، روات، وإليوت، ٢٠٠٢). ولأن المرارة التي تخلفها القرارات الخاطئة تبقى عالقة بالذهن أكثر من ذكرى القرارات الصحيحة (دائمًا ما ستتكرر هذه العبارات في أذهان الطلاب: «ما الذي جعلني أغير هذه الإجابة؟ لقد كانت إجابتي الأولى هي الصحيحة.») فمن الطبيعي أن تعلق الأخطاء التي نقع فيها أثناء الاختبارات في أذهاننا. ونتيجة لذلك قد تدفع ظاهرة «توافر وسيلة الاسترشاد» الطلاب إلى المغالاة في تقدير خطورة الوقوع في الأخطاء عند تغيير الإجابات. وكما عرفنا من قبل (راجع المقدمة) تعد الطرق الإرشادية طرقًا ذهنية مختصرة أو أحكامًا ثابتة يستمدها الشخص من خبرته. عندما نعمد إلى استخدام وسيلة الاسترشاد فنحن نقيم احتمال وقوع حدث ما بناء على السهولة التي يخطر بها إلى أذهاننا. وتثبت الأبحاث أن الطلاب الذين يستبدلون بالإجابات الصحيحة إجابات خاطئة يتذكرون قراراتهم تلك بسهولة أكثر من تلك التي يستدعي بها الطلاب المرات التي غيروا فيها إجاباتهم من إجابات خاطئة إلى إجابات صحيحة، لأن وقع الحدث الأول يكون أقوى شعوريًّا (كروجر، ويرتز، وميلر، ٢٠٠٥). ثالثًا: تشير الأبحاث إلى أن معظم الطلاب يبالغون في تقدير عدد الإجابات الصحيحة التي اختاروها في اختبارات الاختيار من متعدد، ولذا قد يظنون أن تغيير إجاباتهم يقلل من الدرجات التي سيحصلون عليها (بريسلي وجاتالا، ١٩٨٨).

والخلاصة أنه حينما تساورنا الشكوك فمن الأفضل «ألا» نتبع حدسنا، فأولى الهواجس التي خطرت لنا لا تعدو أن تكون هواجس. إذا كان هناك سبب منطقي يدفعنا لأن نظن في خطأ الإجابة التي اخترناها فيجب أن نستمع إلى صوت العقل وليس الشعور، ونغير تلك الإجابة.

(٣) الخرافة رقم ١٧: السمة المميزة لعسر القراءة هي عكس الحروف

تكشف الدعابة غالبًا عن مفاهيمنا — ومعتقداتنا الخاطئة — عن العالم. فمشكلة عسر القراءة — على سبيل المثال — من أكثر المشكلات النفسية التي كانت مثار الكثير من النكات.

ولكن هذه النكات لا تضحك أولئك الذين لديهم عسر القراءة، فهي لا تسخر فقط من أشخاص ذوي إعاقة، لكنها ترسخ صورًا تقليدية غير دقيقة عن أشخاص لديهم مشكلة نفسية حقيقية، وتؤكد أيضًا على اتساع الهوة بين مفهوم العامة عن عسر القراءة وحقيقة هذا المرض. يرى معظم الأشخاص أن السمة المميزة لعسر القراءة هي «الكتابة المعكوسة» أو «القراءة المعكوسة» (فيوريلو، ٢٠٠١؛ جورمان، ٢٠٠٣). والعديد من غير المتخصصين يصدقون فعلًا أن الأشخاص الذين لديهم عسر القراءة يرون الحروف معكوسة. نوعان من التبديل يرتبطان في أذهان العامة بعسر القراءة؛ أولًا: عكس اتجاه الحرف نفسه، كأن يرى الشخص الحرف «ف» أو يكتبه «ق»، وثانيًا: عكس ترتيب الحروف داخل الكلمة، كأن يكتب الشخص كلمة «تاب» بدلًا من «بات». حتى المشتغلون بالتعليم — بمن فيهم أعضاء هيئات التدريس بالجامعات، ومدرسو التعليم الخاص والمتخصصون في علاج اضطرابات التخاطب — يظن ٧٠٪ منهم أن عكس ترتيب الحروف داخل الكلمة يعد سمة مميزة من سمات عسر القراءة (وادلينجتون ووادلينجتون، ٢٠٠٥). وأشار استطلاع آخر للرأي إلى أن ٧٥٪ من مدرسي التعليم الأساسي عرفوا الأخطاء الإملائية الغريبة، وبخاصة عكس ترتيب الحروف داخل الكلمة، بوصفها علامة رئيسية على عسر القراءة (كير، ٢٠٠١).

الظن أن قلب الحروف بأشكاله المختلفة هو سمة مميزة لعسر القراءة له جذور قديمة (ريتشاردسون، ١٩٩٢). في عشرينيات القرن الماضي وضع طبيب الأعصاب الأمريكي صامويل أورتون (١٩٢٥) مصطلح «الإبصار المقلوب» الذي يشير إلى نزوع الشخص إلى عكس الحروف، ووضع فرضية تقول إن هذا هو المسبب الرئيسي الذي يقف وراء عسر القراءة. وزعم أيضًا أن بعض الأطفال المصابين بهذه الحالة يستطيعون أن يقرءوا بسهولة أكثر إذا وضعوا النصوص المكتوبة أمام المرآة. ساعدت آراء أورتون على استمرار الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن عكس الحروف سمة أساسية لعسر القراءة (جوارديولا، ٢٠٠١).

النكات التي تسخر من عسر القراءة والطريقة التي تصوره بها وسائل الإعلام ساعدا على تدعيم هذا الرأي بأشكاله المختلفة، فعام ١٩٨٤ أنتجت شركة أيه بي سي فيلمًا بعنوان: «الاتجاه المعاكس: لغز عسر القراءة» قام ببطولته طفل في الثالثة عشرة من عمره يدعى براين إيلسورث (لعب دوره الممثل الراحل ريفر فونيكس). كان هذا الطفل يعكس ترتيب الحروف المكونة للكلمات. ويظهر في الفيلم الكوميدي «السلاح العاري» فرانك دربين، الشخصية الرئيسية في الفيلم التي جسدها الممثل ليسلي نيلسن (١٩٩٤)، وهو يقرأ عنوانًا بإحدى الصحف يقول: «لعسر القراءة علاج اكتشاف». وفي فيلم «بيرل هاربور» (٢٠٠١) يخبر الطيار ريف ماكولي (الذي لعب دوره الممثل بن أفليك) الممرضة التي تجري كشف النظر أنه لا يستطيع أن يقرأ الحروف لأنه كما يقول «أحيانًا أراها معكوسة». وعام ٢٠٠٧ أذيع برنامج عن عسر القراءة على شبكة الإذاعة الوطنية، وقال مقدم البرنامج: «في رأيي، أبسط تفسير لهذا الموضوع هو أن المرء يرى الأشياء معكوسة» (شبكة الإذاعة الوطنية، ٢٠٠٧).

ولكن ما هو عسر القراءة؟ عسر القراءة (ويعني صعوبة التعامل مع الكلمات) هو إحدى صعوبات التعلم التي تتميز بصعوبات في معالجة اللغة المكتوبة (شايويتز، ١٩٩٦). يواجه من لديهم هذه الظاهرة مشكلات في القراءة والهجاء على الرغم من وجود قدر كافٍ من التوجيه داخل الفصول الدراسية، ويجدون صعوبة غالبًا في «نطق» الكلمات المطبوعة والتعرف عليها. نحو ٥٪ من الأطفال الأمريكيين يعانون من عسر القراءة. وعكس ما يظنه الكثير من الناس، لا يعد عسر القراءة مؤشرًا على انخفاض القدرة الذهنية، لأن هذه الحالة تصيب الكثير من الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات عالية من الذكاء (وادلينجتون ووادلينجتون، ٢٠٠٥). ويتطلب التشخيص النفسي الرسمي لعسر القراءة (الذي يعرف علميًّا ﺑ «خلل القراءة») أن يكون مستوى الذكاء العام للطفل أعلى بصورة ملحوظة من قدرته على القراءة (الجمعية الأمريكية للطب النفسي).

هناك جدل دائر حول أسباب عسر القراءة، ولكن معظم الباحثين يرون أن المصابين بعسر القراءة يواجهون مشكلة في التعامل مع «المقاطع الصوتية»، وهي أصغر وحدة لغوية ذات معنى (ستانوفيتش، ١٩٩٨؛ فيلوتينو، ١٩٧٩) تحتوي اللغة الإنجليزية — على سبيل المثال — على ٤٤ مقطعًا صوتيًّا، مثل المقطع c في كلمة cat والمقطع o في كلمة four. ولأن المصابين بعسر القراءة يجدون صعوبة في تقسيم الكلمات إلى مقاطع صوتية، يقعون غالبًا في أخطاء عند التعرف على الكلمات (شايويتز، ١٩٩٦). بعض الباحثين يرون أن هناك فئة من المصابين بعسر القراءة لديهم قصور في القدرة البصرية إلى جانب القصور في التعامل مع المقاطع الصوتية (باديان، ٢٠٠٥؛ إيفيرات، برادشو، وهيبارد، ١٩٩٩)، ولكن هذا الرأي لا يحظى بقَبول عام (وولف وملينجايليس، ١٩٩٦). وعلى أي حال، لا توجد دلائل على أن المصابين بعسر القراءة «يرون» بالفعل الحروف مقلوبة أو بترتيب معكوس داخل الكلمات. والأبحاث التي أجريت على التوائم تشير بقوة إلى أن مرض عسر القراءة يتأثر جزئيًّا بالعوامل الوراثية (بنينجتون، ١٩٩٩).

والأهم من ذلك أن الأبحاث التي أجريت خلال العقود القليلة الماضية أثبتت أن قلب الحروف بأشكاله المختلفة ليس سمة مميزة لعسر القراءة، إذ تعد الكتابة المعكوسة وقلب الحروف من الأشياء المعهودة في المراحل الأولى التي يتعلم فيها كل الأطفال في سن السادسة أو أقل الكتابة والهجاء، وليس لدى الأطفال المصابين بعسر القراءة فقط (ليبرمان وآخرون، ١٩٧١؛ شايويتز، ١٩٩٦). ومع مرور الوقت يقل حجم هذه الأخطاء في المجموعتين، وإن كان ذلك يحدث بمعدل أقل لدى مجموعة الأطفال المصابين بعسر القراءة. بالإضافة إلى أن معظم الأبحاث تشير إلى أن معدل تكرار ظاهرة قلب الحروف لا يزيد لدى الأطفال المصابين بعسر القراءة عن غيرهم إلا بنسبة طفيفة، وتشير بعض الدراسات إلى أن المعدل لا يختلف في المجموعتين (كاسار، تريمان، موتس، بولو، وكيسلر، ٢٠٠٥؛ لاشمان وجيير، ٢٠٠٣؛ موتس، ١٩٨٣؛ تيريبوكي، كروك، وويللوس، ٢٠٠٢). تتسبب ظاهرة قلب الحروف في قلة قليلة من الأخطاء التي يقع فيها الأطفال المصابون بعسر القراءة، لذا لا يمكن أن نعدها سمة مميزة لهذه الحالة (جوارديولا، ٢٠٠١؛ تيريبوكي وآخرون، ٢٠٠٢). وأخيرًا، لا يستطيع المدرسون الذين عملوا فترات طويلة مع مصابي عسر القراءة أن يفرقوا بين الكلمات التي يكتبها هؤلاء الأطفال وما يكتبه غيرهم من أطفال طبيعيين، ولكن أصغر سنًّا، مع أن أداء هؤلاء الأطفال في الهجاء أقل من غيرهم ممن في نفس سنهم (كاسار وآخرون، ٢٠٠٥)، وتؤيد هذه النتيجة الرأي القائل إن الأطفال الطبيعيين يقعون في نفس الأخطاء الإملائية التي يقع فيها الأطفال المصابون بعسر القراءة، ولكنهم عادة «يتفادونها مع مرور الوقت».

لذا، في المرة القادمة التي يسألك فيها أحدهم: هل سمعت آخر نكتة عن الرجل المصاب بعسر القراءة الذي يتكلم بالعكس؟ يمكنك أن ترد عليه بأدب قائلًا إن هذه النظرة لعسر القراءة قد عفا عليها الزمن منذ عقود.

(٤) الخرافة رقم ١٨: يحقق الطلاب أقصى استفادة من التعليم عندما تتوافق أساليب التدريس مع أساليب تعلمهم

عام ٢٠٠٠ نشرت صحيفة «ذا أونيون» الساخرة قصة عنوانها: «أولياء أمور الطلاب الذين يعتمدون على حاسة الشم في التعلم يطالبون بمنهج دراسي تفوح منه الروائح»، وعبر كتاب الصحيفة من خلال هذه القصة بأسلوب لطيف عن سخريتهم من فكرة وجود أسلوب تدريس يطلق القدرات الكامنة داخل كل طالب لا يؤدي الأداء المطلوب (http://www.runet.edu/~thompson/obias.html). لقد لاحظنا جميعًا وجود طلاب في فصول دراسية واحدة يتعلمون بأساليب مختلفة، وهناك العديد من الأشخاص يظنون أن مستوى تحصيل كل الطلاب قد يتماثل إذا استطاع المدرسون أن يوفقوا بين الأسلوب الذي يتبعونه في التدريس والأسلوب الذي يعتمد عليه كل طالب من الطلاب في التعلم. يقول أحد أولياء الأمور في القصة المنشورة بصحيفة «ذا أونيون»: «طفلي ليس غبيًّا، ولكن ليس أمامه سبيل لكي يتحسن في مدرسة ترعى فقط الطلاب التقليديين الذين يتشربون المفاهيم التعليمية عن طريق السمع، أو القراءة، أو الرؤية، أو النقاش، أو الرسم، أو البناء، أو التمثيل.» وعلق أحد الباحثين في مجال التعليم بقوله: «الأطفال الذين يعتمدون على حاسة الشم في التعلم لا يستطيعون غالبًا أن يركزوا بسهولة ويكرهون أداء الواجبات المنزلية … إذا كانت هذه الأوصاف تنطبق على طفلك، فأنا أشجعك بقوة على أن تجرب أن تضعه في بيئة تعليمية تركز على حاسة الشم.» تقول القصة إننا لا نحتاج إلى أن نضع في الاعتبار المقدرة أو التحفيز، لأن كل الطلاب يتمتعون بقدرات مماثلة، وأي فشل في عملية التعلم يعني أن المدرسين لم يوفقوا بما يكفي بين أساليبهم وأسلوب الطالب في التعلم.
إن قصة الطلاب الذين يتعلمون عن طريق حاسة الشم هي بالطبع قصة خيالية، ولكنها ليست بعيدة كثيرًا عن الحقيقة. إذا بحثنا على أي موقع بحث إليكتروني عن «أساليب التعلم» فستظهر لدينا العديد من المواقع الإلكترونية التي تزعم أن بإمكانها أن تتعرف على أساليب التعلم التي نفضلها خلال دقائق. تطالع هذه الجملة الزائرين على أحد المواقع: «أساليب التعلم هي وسيلة لتحسين جودة تعلمك، وبالتعرف على أساليبك الشخصية يمكنك أن تدخل تعديلات على العملية التعليمية وعلى التقنيات التي تستخدمها.» ويرشد الموقع الزائرين إلى اختبار مجاني لتحديد أسلوب تعلمهم، ويذكر أن أكثر من ٤٠٠٠٠٠ شخص قد أجروا هذا الاختبار (http://www.learning-styles-online.com). وتستطيع أن تكتشف عن طريق هذا الاختبار أفضل الوسائل التعليمية لك؛ أهي الوسائل البصرية، أم الاجتماعية، أم السمعية، أم البدنية، أم غيرها من الوسائل الأخرى. تعتمد هذه المواقع الإلكترونية على ادعاء مباشر يحظى بقبول واسع، ويتمثل في أن الطلاب يحققون أقصى استفادة من التعليم عندما تتوافق أساليب التدريس مع أساليب تعلمهم.

وأسباب شهرة هذا الزعم واضحة، فهو لا يلمح إلى كون الأداء التعليمي العام لبعض الطلاب «أفضل» أو «أسوأ» من غيرهم، ولكنه يشير إلى أن الأداء التعليمي لكل الطلاب يمكن أن يكون جيدًا، وربما بنفس الدرجة، إذا اتُّبع أسلوب التدريس الصحيح (ويلينجهام، ٢٠٠٤). ويرتبط هذا الرأي أيضًا بمنهج الاستكشاف القائم على التماثل؛ حيث الأشياء المتشابهة أو المتماثلة تتوافق. يزعم مؤيدو هذه النظرية أن الطلاب الذين يفضلون الوسائل اللفظية يحصلون على أفضل استفادة تعليمية من المدرسين الذين يعطون الأولوية لاستخدام الكلمات؛ أما هؤلاء الذين يفضلون الوسائل البصرية فيستفيدون أكثر ما يستفيدون من المدرسين الذي يولون استخدام الصور أهمية خاصة، وهكذا.

أورد رونالد هيمان وباربرا روزوف (١٩٨٤) وصفًا للخطوات الأربع لمنهج أساليب التعلم وهي: (١) فحص أساليب التعلم الفردية للطلاب. (٢) تقسيم كل أسلوب إلى عدة فئات. (٣) التوفيق بين أسلوب التعلم وأسلوب التدريس الذي يتبعه المدرس، أو المطالبة بأن يعدل المدرسون أسلوبهم لكي يتوافق مع أسلوب التعلم الذي يفضله الطالب. (٤) تدريب المدرسين على القيام بالخطوات الثلاث الأولى في البرامج التدريبية التي يتلقونها. أشار المؤلفان إلى أن كل خطوة تتطلب شيئًا معينًا وذلك من أجل أن ينجح المنهج: الخطوة الأولى تتطلب مفهومًا واضحًا لأساليب التعلم، والخطوة الثانية تتطلب طريقة سليمة يمكن الاعتماد عليها لتقييم أساليب تعلم الطلاب وتصنيفها، أما الخطوة الثالثة فتتطلب معرفة بكيفية حدوث التفاعل بين أساليب التعلم وأساليب التدريس بما يؤثر على العملية التعليمية، وتتطلب الخطوة الأخيرة توافر القدرة على تدريب المدرسين على تعديل أساليب التدريس التي يستخدمونها لتتوافق مع أساليب تعلم الطلاب. عام ١٩٨٤ كان هيمان وروزوف يريان أن أيًّا من هذه المتطلبات لم يتحقق، وسوف نرى بعد قليل هل هذا الرأي السلبي لا يزال قائمًا بعد هذه الفترة الطويلة أم لا.

أصبح المفهوم القائل بفعالية تقييم أساليب تعلم الطلاب أحد المسلمات الأساسية في النظرية التعليمية ومناحي تطبيقها، فقد امتدحته العديد من الكتب الشهيرة مثل كتاب: «تعليم الطلاب القراءة عن طريق أساليب تعلمهم الشخصية» (كاربو، دان، ودان، ١٩٨٦)، وكتاب «اكتشف أسلوب تعلم طفلك: يتعلم الأطفال بطرق مختلفة» (ويليس وهودسون، ١٩٩٩). نشرت إحدى المجلات التعليمية المعروفة مقالة بعنوان: «التخلص من المفاهيم القديمة عن تعلم الطلاب»، وفند كاتبو المقالة ١٥ خرافة عن التعليم، ولكنهم بدءوا المقالة بقولهم إن الرأي القائل إن «الطلاب يحققون أقصى استفادة من التعليم عندما يتوافق السياق التعليمي والتوجيهي مع أسلوب تعلمهم» هو رأي يحظى بتأييد كبير (دان ودان، ١٩٨٧، ص٥٥). في كثير من المناطق التعليمية أصبحت الأسئلة عن التوفيق بين أسلوب التدريس وأسلوب التعلم من الأسئلة الروتينية في المقابلات الشخصية مع الطامحين إلى العمل في مجال التدريس (ألفرينك، ٢٠٠٧). العديد من المدرسين يتشاركون نفس هذا الحماس، فقد كشف استطلاع للرأي شمل ١٠٩ من مدرسي العلوم أن معظمهم أظهروا مواقف إيجابية تجاه فكرة التوفيق بين أساليب التدريس التي يستخدمونها وبين أساليب تعلم الطلاب (بالون وشيرنياك، ٢٠٠١)، ولذلك ليس غريبًا أن نرى انتشار ورش العمل التي تدرب المعلمين على التوفيق بين الأساليب التي يستخدمونها في التدريس وأساليب تعلم الطلاب، والتي تجذب مئات من المدرسين ومديري المدارس (شتال، ١٩٩٩)، حتى إنه في بعض المدارس طلب المدرسون من تلاميذهم أن يرتدوا قمصانًا مزينة بالحروف: ب، س، ح، التي ترمز إلى ثلاثة من أساليب التعلم التي حظيت بنقاشات واسعة وهي: الأسلوب البصري، والأسلوب السمعي، والأسلوب الحركي (جيك، ٢٠٠٨).

يعزز انتشار هذه المعتقدات بواسطة العدد الكبير من المقالات التي نشرت في الكتابات التعليمية عن أساليب التعلم، بالإضافة إلى العدد الضخم الذي طُرح من نماذج لأساليب التعلم، والنجاح التجاري الساحق الذي حققته الإجراءات القائمة على أساليب التعلم. في أغسطس (آب) ٢٠٠٨ أجري بحث على قاعدة بيانات مركز معلومات المراجع التعليمية، الذي يحتوي على قوائم تضم النشاطات المعرفية التعليمية، وكشف هذا البحث عن وجود عدد ضخم من النشاطات المتعلقة بأساليب التعلم شمل ١٩٨٤ مقالة نشرت بمجلات متخصصة، و٩١٩ عرضًا بالمؤتمرات المختلفة، و٧٠١ كتاب كامل أو فصول من بعض الكتب. وفي أكثر التقارير شمولًا عن الكتابات التي تناولت أساليب التعلم أورد فرانك كوفيلد وزملاؤه إحصاءً لعدد من نماذج أساليب التعلم ضم ما لا يقل عن ٧١ نموذجًا (كوفيلد، موزلاي، هال، وإيكلستون، ٢٠٠٤)، على سبيل المثال: يستهدف النموذج الخاص بالطلاب الذين يفضلون الوسائل البصرية والسمعية والحركية، وهم ذلك النوع من الطلاب الذين يحققون أقصى استفادة تعليمية عن طريق الرؤية والقراءة، أو الاستماع والتحدث، أو اللمس والإنجاز، على التوالي. أما النموذج الذي وضعه بيتر هاني وآلان مامفورد (٢٠٠٠) فيقسم الطلاب إلى أربع فئات: «الناشطون» الذين يقحمون أنفسهم في التجارب الجديدة، و«المتأملون» الذين يجلسون ويلاحظون، و«المنظرون» الذين يفكرون في المشكلات بطريقة منطقية، و«البراجماتيون» الذين يطبقون أفكارهم على العالم الواقعي من حولهم.

استوعبت الحركة المعنية بأساليب التعلم نماذج وإجراءات كانت قد وضعت لأغراض مختلفة إلى حد بعيد. ففي كثير من الأحيان يُنظر إلى نظرية الذكاء المتعدد لهوارد جاردنر على أنها إحدى تصنيفات أساليب التعلم، ويستخدم بعض المدرسين مؤشر أنماط مايرز-بريجز (بريجز ومايرز، ١٩٩٨) من أجل تصنيف أساليب تعلم الطلاب، في حين أنه في الأساس اختبار تحليل نفسي لمعرفة أنماط الشخصية (هانسلي، لي، ووود، ٢٠٠٣). وكثيرًا ما يستخدم أيضًا استبيان هاني ومامفورد عن أساليب التعلم (٢٠٠٠)، إلى جانب مقياسين مختلفين كليهما يُعرف بقائمة أساليب التعلم (دان، دان، وبرايس، ١٩٩٩؛ كولب، ١٩٩٩).

ومن بين بنود قاعدة بيانات مركز معلومات المراجع التعليمية البالغ عددها ٣٦٠٤ بند والمرتبطة بأساليب التعلم، لا تكاد المقالات التي راجعها النظراء تصل إلى ربع هذا الرقم. وعام ٢٠٠٤ وضع كوفيلد وآخرون قاعدة بيانات تتألف من آلاف الكتب والمقالات التي نشرت في مجالات متخصصة وأخرى نشرت بمجلات عادية، والرسائل العلمية، والمواقع الإلكترونية، والأبحاث التي عُرضت في المؤتمرات، والكتابات التي لم تُنشر. المقالات التي نشرت بمجلات تتبع نظام مراجعة الأقران كانت قليلة، وكان عدد الدراسات العلمية المنهجية أقل. وبعبارة أخرى، تشق معظم الكتابات التي تتناول أساليب التعلم طريقها «بعيدًا عن الرقابة»، متفادية التقييم النقدي الذي يدلي به ذوو الخبرة من الباحثين دون أن يعلنوا عن أسمائهم.

من حسن الحظ أن هناك نظريات وأبحاثًا ترد على كل واحدة من المتطلبات الأربعة التي نادى بها هيمان وروزوف (١٩٨٤)، أولًا: هل هناك مفهوم واضح لأساليب التعلم؟ الإجابة عن هذا السؤال هي لا. تظهر أوجه الخلاف بين أشهر نماذج أساليب التعلم التي راجعها كوفيلد وآخرون (٢٠٠٤) بوضوح يفوق أوجه التشابه بكثير. يستهدف نموذج «ب س ح» على سبيل المثال الطلاب الذي يفضلون الخصائص الحسية (سواء أكانت بصرية، أم سمعية، أم حركية)، ولم يرد أي ذكر لقضية الخصائص الحسية في نموذج هاني-مامفورد الذي يصنف الطلاب إلى ناشطين ومتأملين ومنظرين وبراجماتيين، فليس هناك اتفاق حول مفهوم أساليب التعلم على الرغم من كل الدراسات التي أجريت على مدار عدة عقود.

ثانيًا: هل هناك طريقة سليمة يمكن الاعتماد عليها لتقييم أساليب تعلم الطلاب؟ إجابة هذا السؤال أيضًا هي لا (سنايدر، ١٩٩٢؛ ستال، ١٩٩٩). لم يثبت لجريجوري كراتزيج وكاثرين أربوثنوت (٢٠٠٥) وجود أي علاقة بين تصنيفات أساليب التعلم وأداء الذاكرة في التنويعات البصرية والسمعية والحركية لمهمة ما، فأداء الطلاب الذين يفترض أنهم يميلون إلى التعلم عن طريق الوسائل البصرية عند أداء المهمة في صورتها البصرية لم يكن أفضل منه عن أدائها في صورتها السمعية أو الحركية، ولم يختلف الأمر مع كل خاصية من الخصائص الحسية التي يميل إليها الطلاب. هناك سبب قد يثير ارتيابنا في سلامة قوائم أساليب التعلم وإمكانية الاعتماد عليها، وهي أن الإجراءات الناشئة عن هذه الأساليب تعمد إلى تقييم الطرق المفضلة للتعلم دون وجود سياق (كوفيلد وآخرون، ٢٠٠٤؛ هيمان وروزوف، ١٩٨٤). وبعبارة أخرى، لا تتعارض نماذج أساليب التعلم وإجراءاتها مع الاحتمالية القائلة إن أفضل طرق التدريس يمكن أن تعتمد على المحتوى الذي يحاول الطلاب أن يتعلموه. لنلقِ نظرة على السؤال الأول في قائمة باراجون لأساليب التعلم: «عندما تقدم على مهمة جديدة غالبًا ما: (أ) تنجزها مباشرة وتتعلم من إنجازها، أم (ب) تفضل أن تراقب أولًا وتجرب أن تنجزها لاحقًا؟» من الصعب أن نجيب عن هذا السؤال من دون أن نعرف طبيعة هذه المهمة الجديدة. هل تتعلم أن تقرأ لغة جديدة، وتحل المعادلات الرياضية، وتمارس تمارين اللياقة البدنية، مستخدمًا الوسائل نفسها؟ إذا كانت إجابتك هي نعم، فذلك شيء يثير القلق. معظم نماذج أساليب التعلم لا تضع العملية التعليمية داخل سياق ذي معنى، ولذا لا يجب أن نندهش من أنّ هذه النماذج والإجراءات المبنية عليها غير سليمة ولا يمكن الاعتماد عليها.

ثالثًا: هل هناك دلائل تؤيد فعالية التوفيق بين أساليب التدريس التي يستخدمها المعلمون وأساليب التعلم التي يميل إليها الطلاب؟ منذ السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن، تساوى على الأقل عدد الدراسات التي أخفقت في أن تجد ما يؤيد هذا المنهج مع تلك التي أيدته (كافال وفورنس، ١٩٨٧؛ كراتزيج وأربوثنوت، ٢٠٠٦؛ ستال، ١٩٩٩؛ زانج، ٢٠٠٦)، يرجع ذلك في الغالب إلى أن هناك أساليب تدريس معينة تؤدي غالبًا إلى نتائج أفضل من كل أساليب التدريس الأخرى بصرف النظر عن أسلوب التعلم الذي يفضله الطلاب. يوضح فيلم «كُتَّاب الحرية» الذي عرض عام ٢٠٠٧ هذه النقطة، إذ تدور أحداثه عن شخصية واقعية تشتغل بالتدريس وهي إرين جرويل (التي تلعب دورها هيلاري سوانك). شهدت بداية عملها مع طلاب مزقتهم الحواجز بين الأعراق المختلفة حالة من عدم الاستقرار، وانغمست جرويل في حياة طلابها، وجعلتهم ينشغلون بدراسة محرقة الهولوكوست. وعن طريق تطبيق أسلوب تدريس يتخطى الوسائل العادية التي تستخدم داخل الفصول المدرسية، ساعدت جرويل جميع طلابها على أن يدركوا ويتخطوا كل الشراك التي من الممكن أن يسقطوا فيها نتيجة للتعصب. ولكن جرويل لم توفق بين الأسلوب الذي اتبعته في التدريس وأسلوب التعلم الذي يميل إليه طلابها. ولكنها حققت نتائج مميزة — مثلها مثل العديد من المدرسين العظماء — عن طريق التوصل إلى أسلوب تدريس مبتكر استجاب له كل طلاب فصلها بحماس.

رابعًا: هل يستطيع القائمون على التعليم أن يدربوا المدرسين على تعديل أساليب التدريس التي يستخدمونها لتتوافق مع أساليب التعلم التي يميل إليها الطلاب؟ مرة أخرى تتخطى الادعاءات التجارية ما أثبته العلم. لاحظ كوفيلد وآخرون (٢٠٠٤) أن هذه الاحتمالية لا تحظى بتأييد علمي كبير، وأن أفضل ما يمكن أن يقال عن النتائج الإيجابية للاسترشاد بقوائم أساليب التعلم في البرامج التدريبية التي يتلقاها المدرسون أنها ضعيفة. ولا توجد أي نتائج واضحة لبرامج التدريب التي يتلقاها المدرسون لأن عدد الدراسات المنظمة جيدًا التي تدلل على ذلك قليل، وحتى تلك التي تمدنا بالأدلة لا تقدم أي توصيات ثابتة.

وهكذا يتضح لنا أن الاعتقاد الشائع في أن تحفيز المدرسين على التوفيق بين أسلوب التدريس الذي يتبعونه وأسلوب التعلم الذي يميل إليه الطلاب يحفز من قدرتهم على التعلم ليس إلا خرافة معاصرة من خرافات علم النفس التعليمي. فبقدر ما يشجع هذا المنهج المعلمين على أن يركزوا على نقاط القوة الفكرية التي يملكها الطلاب وليس على نقاط الضعف، يمكن أن تأتي هذه الطريقة بنتائج عكسية. إن ما يحتاجه الطلاب هو تصحيح نقاط القصور وإيجاد ما يعوضها، وليس تجنبها، وإلا قد تشهد نقاط القصور الفكرية المزيد من الضعف. ولأن الحياة خارج الفصول المدرسية لا تتوافق دائمًا مع أسلوب التعلم الذي نميل إليه، لا بد لمناهج التدريس الجيدة أن تعد الطلاب لمواجهة التحديات التي يفرضها الواقع. وقد كان فرانك كوفيلد محقًّا حين قال: «نحن نضر بالطلاب حينما نظن أنهم يميلون إلى أسلوب تعلم واحد فقط، وليس إلى عدد من الأساليب تتميز بالمرونة ويمكننا أن نختار منها ما يتناسب مع السياق» (هنري، ٢٠٠٧).

(٥) الفصل ٤: خرافات أخرى تستحق الدراسة

الخرافة الحقيقة
«الأشخاص الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عالية للغاية أكثر ضعفًا بدنيًّا من الآخرين.» تكون الحالة الصحية للأشخاص الذين يتمتعون بمستويات ذكاء عالية للغاية غالبًا أفضل من غيرهم، فيما عدا بعض الحالات النادرة.
«لا تتغير نتائج حاصل الذكاء أبدًا مع الوقت.» حاصل الذكاء يكون ثابتًا في الغالب لدى الراشدين، إلا أنه يكون متغيرًا في مرحلة الطفولة، وقد يختلف لدى الراشدين على مدار شهور قليلة بمعدل يتراوح من ٥ إلى ١٠ نقاط.
«ليس هناك صلة بين حاصل الذكاء والأداء الدراسي.» يعطينا حاصل الذكاء فكرة مسبقة عن الدرجات الدراسية حتى في المدارس الثانوية والجامعات، وذلك بنسب متوسطة إلى عالية.
«من الممكن تدريب الطلاب إلى حد بعيد على أسئلة اختبار القدرات الدراسية والاختبارات المعيارية الأخرى.» تظهر أغلب الدراسات أن متوسط زيادة الدرجات الإجمالية لاختبار القدرات الدراسية كنتيجة لتدريب الطلاب عليه تبلغ ٢٠ درجة فقط.
«هناك صلة وطيدة بين العبقرية والجنون.» لا توجد أي دلائل على أن مستويات الذكاء العالية تعرض أصحابها للاضطرابات الذُّهانية؛ وعلى العكس، غالبًا تكون مستويات ذكاء الأشخاص المصابين بالفصام أقل بنسبة طفيفة عن الأشخاص العاديين.
«التخلف العقلي هو حالة مرضية واحدة.» هناك أكثر من ٥٠٠ سبب وراثي للتخلف العقلي، هذا بالإضافة إلى الأسباب البيئية، مثل التعرض للحوادث أثناء الولادة.
«معظم الأشخاص المصابين بالتخلف العقلي يعانون درجات تخلف حادة.» ٨٥٪ تقريبًا من المصابين بالتخلف العقلي يُصنَّفون ضمن حالات التخلف الطفيفة.
«لا توجد علاقة بين حجم المخ ومستوى الذكاء.» يرتبط حجم المخ لدى الإنسان إلى حد ما بمستوى الذكاء.
«الرجال يجيدون قيادة السيارات أكثر من النساء.» حتى بعد أن تفادت الدراسات حقيقة أن الرجال يقودون السيارات أكثر من النساء، يتعرض الرجال للحوادث بنسبة ٧٠٪ أكثر من النساء، ربما لأنهم يقدمون على المخاطر أكثر من النساء أثناء القيادة.
«الطفرات الإبداعية تحدث نتيجة دفعات حدسية مفاجئة.» أظهرت الدراسات المعتمدة على تصوير المخ أن مناطق حل المشكلات، مثل الفصوص الأمامية، تنشط قبل أن يقدم الأشخاص حلًّا إبداعيًّا مفاجئًا لإحدى المشكلات بفترة ليست بالقليلة.
«تساعد معدلات التحفيز العالية عادة على حل المشكلات الصعبة.» تعوق معدلات التحفيز العالية عادة أداء الأشخاص أثناء محاولاتهم حل المشكلات الصعبة.
«التشجيع السلبي نوع من العقاب.» تتعارض نتائج التشجيع السلبي مع نتائج العقاب، فالتشجيع السلبي يؤدي إلى زيادة تكرار سلوك معين عن طريق وقف مثير مكروه، ويؤدي العقاب إلى تقليل تكرار سلوك معين.
«العقاب وسيلة فعالة للغاية لتغيير السلوكيات على المدى الطويل.» يثبط العقاب من تكرار سلوك معين على المدى القصير، إلا أنه وسيلة أقل فعالية من التشجيع في تشكل السلوكيات على المدى الزمني البعيد.
«أفضل طريقة للحفاظ على سلوك ما هي تقديم مكافأة على كل استجابة.» أفضل طريقة للحفاظ على سلوك ما هي مكافأة الاستجابات المرغوبة فقط بين الحين والآخر.
«نشّأ بي إف سكنر ابنته في «غرفة التكييف السلوكي» المعروفة باسم «صندوق سكنر»، مما أدى إلى إصابتها بالذُّهان فيما بعد.» نشأت ابنة سكنر في مهد مصمم بطريقة خاصة وليس داخل صندوق من صناديق سكنر، ولم تصب قط بالذهان.
«الكثافة المنخفضة داخل الفصول تؤدي دائمًا إلى تحسين التحصيل الدراسي.» العلاقة بين كثافة الفصل والتحصيل الدراسي علاقة متأرجحة وغير ثابتة، ولكن انخفاض كثافة الفصل قد يحدث بعض الآثار الإيجابية لدى الطلاب الذين تكون مستويات تحصيلهم ضعيفة.
«تقسيم الطلاب على الفصول بحسب مستويات قدراتهم يعزز العملية التعليمية.» تشير أغلب الدراسات إلى أن تأثيرات «التصنيف بحسب القدرات» على تعليم الطلاب هي إما ضعيفة أو منعدمة.
«إعادة الطلاب غير الناضجين أو المتعثرين دراسيًّا إلى الصف الدراسي السابق يمكن أن يساعدهم.» تشير أغلب الأبحاث إلى أن هذا الإجراء ليس له فعالية في تحسين التحصيل الدراسي، وربما يؤدي إلى مستويات أضعف من التكيف العاطفي.
«لا تعطي درجات الاختبارات المعيارية مؤشرات عن الدرجات القادمة.» تعطي درجات اختباري القدرات الدراسية والتسجيل للدراسات العليا مؤشرات بنسب تتراوح بين متوسطة إلى عالية على الدرجات القادمة لعينات حصل أفرادها على درجات متباينة تباينًا واسعًا في هذين الاختبارين.
«التقييم المباشر والفوري هو أفضل وسيلة لضمان استمرار عملية التعلم على المدى الطويل.» تقديم التقييم على فترات غير منتظمة هو أفضل وسيلة لتعزيز التعلم على المدى الطويل.
««التعلم عن طريق الاكتشاف» (الذي يوجب على الطلاب اكتشاف الأسس العلمية بأنفسهم) أفضل من التوجيه المباشر.» يعطي التوجيه المباشر نتائج أفضل من التعلم عن طريق الاكتشاف في المهام التي تتضمن التفكير العلمي.
«شهدت درجات الطلاب الأمريكيين في الاختبارات المعيارية تراجعًا في العقود الأخيرة.» يُعزى التراجع في درجات اختبار القدرات الدراسية وغيره من الاختبارات المعيارية، إلى حد بعيد أو كليًّا، إلى اتساع نطاق قدرات الطلاب الذين يجرون هذه الاختبارات في العقود الأخيرة.
«يتذكر الطلاب عادة ١٠٪ فقط مما يقرءونه.» هذه خرافة ليس لها أي أسانيد علمية.
«تعطي دورات القراءة السريعة نتائج فعالة.» كل دورات القراءة السريعة تقريبًا غير مجدية، لأنها تقلل من القدرة على الاستيعاب.
«القراءة مع تحريك الشفاه بدون صوت تزيد من القدرة على القراءة.» تُبطئ القراءة مع تحريك الشفاه من السرعة التي نقرأ بها، لأننا نقرأ بالعين أسرع بكثير مما نتكلم.
«يستطيع الصم أن يفهموا معظم ما يقوله الآخرون عن طريق قراءة الشفاه.» حتى أكثر قارئي الشفاه مهارة لا يتمكنون من فهم سوى ٣٠–٣٥٪ مما يقوله الآخرون.
«يتحدث بعض الناس «بلغة غريبة».» لا توجد أي أسانيد علمية تدلل على ظاهرة «اللثلثة»، أو التحدث بلغة غريبة.
«العديد من التوائم المتماثلة يتحدثون لغة سرية خاصة بهم.» لا توجد أدلة علمية على أن التوائم يتحدثون «لغة خاصة»، ولكن يبدو أن التصريحات المتعلقة بهذا الشأن سببها أن التوائم غالبًا يعانون إعاقات لغوية متماثلة ينقلها كل منهما إلى الآخر.
«كان ألبرت أينشتاين مصابًا بعسر القراءة.» لا توجد أدلة قيمة على أن ألبرت أينشتاين كان مصابًا بعسر القراءة.

(٦) مصادر وقراءات مقترحة

للتعرف أكثر على هذه الخرافات وغيرها عن الذكاء والتعلم انظر: ألفرينك (٢٠٠٧)؛ وديبيل وهارليس (١٩٩٢)؛ وديلا سالا (٢٠٠٧)؛ ودراكمان وبيرك (١٩٩١)؛ ودراكمان وسويتس (١٩٨٨)؛ وإيرينبيرج وبروير وجاموران وويلمز (٢٠٠١)؛ وفورنهام (١٩٩٦)؛ وجرين (٢٠٠٥)؛ وجيمرسون وكارلسون وروتيرت وإيجلاند وسروف (١٩٩٧)؛ ولوبينسكي وبينباو وويب ووبليسك-ريشيك (٢٠٠٦)؛ وفيليبس (٢٠٠٩)؛ وشتيرنبيرج (١٩٩٦)؛ ويلرمان (١٩٧٩).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤