الغرفة المغلقة

كان منظر القصر من الداخل مُحزنًا … فقد نُزعت أكثر اللوحات من أماكنها، ورُفعت البُسط … واختفى بعض الأثاث. وبدا واضحًا أن القصر الجميل قد تعرَّض لعملية نهب! … ووقفَت «سحر» في وسط البهو الواسع مذهولة … تُدير عينَيها في خوفٍ على الجدران العارية، والأرض المكشوفة … والأماكن الفارغة … وكان «زنجر» يجري هنا وهناك وكأنه يبحث عن شيءٍ ضائع.

قالت «سحر»: تعالَوا لنطوف بالقصر … لا بد أنهم نهبوا كلَّ شيء!

وصعد الأصدقاء معها إلى الدور الثاني في القصر، ودخلوا غُرَفًا كثيرةً سُرِقَت منها أشياء، وبقيت أشياء أخرى. وعندما وصلوا إلى غرفة «سحر»، لم تملك نفسها من البكاء وهي ترى غرفتها العزيزة قد تعرَّضت لما تعرَّض له باقي القصر من نهب … ثم وصلوا إلى غرفة نوم الأستاذ «إلهامي»، ووقفوا يتأملون ما حدث فيها … كان كلُّ شيءٍ مقلوبًا رأسًا على عقب، وقال «تختخ»: هذه الغرفة بالذات تعرَّضت لتفتيشٍ دقيق … لقد كانوا يبحثون عن شيءٍ يُهمُّهم.

ردَّت «سحر»: إن جدِّي لم يكن يحتفظ بشيءٍ في هذه الغرفة … إن له غرفةً أخرى صغيرةً في الطابق الأرضي، ولكن أحدًا لا يعرف مكانها إلا أنا وهو!

تختخ: وأين هذه الغرفة؟

سحر: إنها غرفةٌ سريَّة بابها مخفيٌّ بمهارةٍ في ظهر دولاب المطبخ، ولا يعرفه أحد سواه، وكان جدِّي يقضي أغلب وقته هناك …

عاطف: هل كان يكتشفُ شيئًا؟

سحر: لا … لقد كان يُمارس هوايته المُفضَّلة في إصلاح الآلات الدقيقة، وبخاصة الساعات.

تختخ: وهل نستطيع دخول الغرفة؟

سحر: إنها تُغلق بقفلٍ من نوعٍ خاصٍّ ليس له مفتاح، ولكن له دائرةً من الأرقام، وإذا أدَرتَ الأرقام الصحيحة فُتح القفل!

عاطف: إنه يُشبه قرص التليفون!

سحر: تمامًا!

تختخ: وهل تعرفين الرقم؟

سحر: لقد كان جدِّي يُغيِّر الرقم بين وقتٍ وآخر، وكان يخشى أن ينسى الرقم؛ ولهذا كان يكتبه ويُعطيني إيَّاه، وعندي في حقيبتي آخر رقمٍ أعطانيه، ولكن ذلك كان قبل سفري إلى الإسكندرية!

تختخ: على كلِّ حال يجب أن نرى مكان الغرفة السريَّة، ثم نُحاول في وقتٍ آخر فتحها.

ونزلوا جميعًا يتبعهم «زنجر»، ولكن في هذه اللحظة سمعوا صوت صفَّارة مُتقطِّعةٍ يأتي من عند سور الحديقة، فقال «محب»: إن الحارس الذي تركوه قد حضر، وهذه إشارةٌ من «نوسة» تُحذِّرنا. لنُسرِع بإطفاء الأنوار، ولْنختفِ في أيِّ مكان!

نزل «محب» في سرعة، وأطفأ نور البهو، ثم صعد إليهم سريعًا، ودخلوا أوَّل غرفةٍ قابلتهم، وأسرع «تختخ» يقف خلف الباب، بعد أن ردَّه وترك فتحةً صغيرةً يمكن أن يرى منها القادم.

فُتح باب القصر … وشاهد «تختخ» رجلًا يدخل، ثم يُغلق الباب، ويُضيء النور. أدار الرجل بصره في أنحاء القصر، ثم اتَّجه ناحية المطبخ، فقال «تختخ» هامسًا: لقد اتَّجه إلى المطبخ؛ لعلَّهم اهتدَوا إلى سرِّ الغرفة!

فقالت «سحر»: لا يمكن؛ إن جدِّي لم يكن يبوح بسرِّها لأيِّ مخلوقٍ سواي.

همس «عاطف»: لعله دخل ليأكل!

ولم يبتسم أحدٌ للنكتة إلا «زنجر»، الذي أخذ يُحاول الخروج، لكن «تختخ» أمسكه، وأخذ يربت عليه قائلًا: اهدأ يا «زنجر»، ليس هذا أوان الهجوم!

محب: إن علينا أن نُفكِّر كيف نخرج من القصر؛ فلن نبقى هنا إلى الأبد!

تختخ: معك حق … إنها مشكلةٌ فعلًا!

سمعوا صوت أقدام الرجل يصعد السلالم، فأسرع «تختخ» يُغلق الباب بهدوء، ووقفوا جميعًا بقلوبٍ مرتجفة يسمعون صوت الأقدام تسير أمام الغرفة.

همست «سحر»: لو فتح الباب ووجدنا لكانت مُصيبة!

تختخ: لا تخافي؛ إن في إمكاننا أن نتغلَّب عليه … لكن يُهمُّني ألَّا يرانا أحد حتى لا يأخذوا حذرهم!

وسمعوا صوت الأقدام تقترب … ثم وقفَت أمام الغرفة، وحبسوا أنفاسهم جميعًا، ورفع «زنجر» أذنَيه … لكن الرجل مضى يسير، ثم غاب صوت الأقدام.

وقف الأصدقاء ينظرون بعضهم إلى بعض، وهم جميعًا يُفكِّرون في شيءٍ واحد … كيف يخرجون بدون أن يراهم هذا الحارس اللعين!

وعاد صوت الأقدام مرةً أخرى … ومرَّ بالغرفة دون أن يتوقَّف عندها، ثم سمعوا صوت الأقدام تنزل السلالم، ففتح «تختخ» الباب ونظر، ورأى الرجل يتَّجه إلى باب القصر، ثم يفتحه، ويقف لحظاتٍ وكأنه يُفكِّر في شيء، ثم يترك الباب مفتوحًا، ويُسرع إلى ناحية المطبخ.

قال «تختخ»: يبدو أنه وضع شيئًا على النار ونسيه، ثم تذكَّره فأسرع إليه … هذه فرصتنا! هيَّا ولْننزل بهدوء.

وأسرعوا ينزلون إلى السلَّم بدون أن يُحدِثوا أيَّ صوت … ولكنهم ما كادوا يقطعون البهو ويصلون إلى الباب، حتى سمعوا صوت أقدام رجلٍ قادمٍ إلى البهو … وفي تلك اللحظة حدث شيء مُثير للإعجاب؛ فقد أسرع عم «مبروك» العجوز إلى المطبخ صائحًا: يا «صبحي»!

مرق الأصدقاء من الباب خارجين، وقال «تختخ» وهم ينزلون سلالم القصر مسرعين: لقد أنقذَنا عم «مبروك»؛ فسوف يتصوَّر «صبحي» أن المُنادي دخل من باب القصر المفتوح … ولن يتصوَّر أبدًا أنه كان داخل القصر طول الوقت.

كان باب الحديقة مفتوحًا، فنفذوا منه، وانضمُّوا إلى «نوسة» و«لوزة»، وساروا جميعًا يتحدَّثون، وعندما وصلوا إلى حديقة منزل «عاطف» قال «تختخ»: إن عندنا أربعة موضوعاتٍ تستحقُّ البحث، ويجب أن نُتابعها جميعًا في وقتٍ واحد. الموضوع الأوَّل: عن أيِّ شيءٍ كان يبحث الثلاثة في غرفة الأستاذ «إلهامي»؟ وهو شيءٌ لا نستطيع أن نعرفه الآن … الموضوع الثاني: هو دخول الغرفة السريَّة في القصر، حيث كان «إلهامي» يقضي معظم وقته، وهذه مسألةٌ سوف أبحثها مع «سحر»، وأجد وسيلةً لدخول الغرفة … الموضوع الثالث: هو أين ذهب «إلهامي»؟ وأعتقد أننا سنجد في غرفته شيئًا يهدينا إلى طريقه … أما الموضوع الرابع: فهو أين ذهب الثلاثة «لطيفة» و«الحكيم» و«شاكر» بما نهبوه من محتويات القصر الثمينة؟!

نوسة: إنني أعتقد أننا يجب أن نُبلغ الشرطة!

عاطف: عن أيِّ شيء؟

نوسة: عن اختفاء الأستاذ «إلهامي». إننا لا نستطيع أن نُبلغ الشرطة عن سرقة القصر ما دام الأستاذ «إلهامي» قد باعه لهم … وإن كنا نشك في هذا البيع!

تختخ: إنها خطة معقولةٌ أن نُبلغ الشرطة عن اختفاء الأستاذ «إلهامي»؛ فقد يعثرون عليه.

نوسة: سأذهب أنا و«عاطف» لمقابلة الشاويش «علي» والتفاهم معه.

سحر: أعتقد أنني لا بد أن أذهب معكم لأنه جدِّي.

نوسة: طبعًا.

تختخ: هل تُعطينني أوَّلًا الورقة التي ترك لكِ رقم فتح قفل الباب فيها؟

أسرعت «سحر» مع «لوزة» إلى داخل المنزل، وعادت بعد قليلٍ ومعها ورقةٌ صغيرة … قدَّمتْها ﻟ «تختخ»، ففتحها، وأخذ ينظر إلى الأرقام مُتأمِّلًا، في حين تهيَّأت «سحر» لمغادرة الحديقة ومعها «عاطف» و«نوسة».

قال «تختخ» وهو ينظر إلى الورقة مُفكِّرًا: إن الرقم ٦ يتكرَّر هنا كثيرًا … وعدد الأرقام ستة أيضًا … ٦١٦٢٦٣ … ومجموع الأرقام الأخرى عدا الستة … ستة أيضًا!

قالت «سحر» فجأة: لقد نسيتُ أن أقول لكَ شيئًا هامًّا يا «تختخ» … لقد كان جدِّي دائمًا يقول لي: خُذي بالك من الساعة السادسة … إنها أهم ساعة!

تختخ: الساعة السادسة … ماذا كان يقصد؟

سحر: لا أعرف … عندما كنتُ أدخل معه الغرفة السِّرية كان يجلس ويُمارس هوايته في إصلاح الساعات … وكان يُكرِّر أمامي باستمرار: لا تنسَي الساعة السادسة. إنها الساعة التي تَحلُّ كلَّ المُشكلات!

عاطف: شيءٌ غريب!

قال «تختخ» وهو يقف: سأذهب إلى المنزل الآن، وسألتقي بكم لأعرف ماذا فعلتم.

وانصرف «تختخ» وخلفه «زنجر» وهو يُفكِّر في الرقم ٦، على حين ذهبت «سحر» مع «عاطف» و«محب» إلى قسم الشرطة، وبقيت «نوسة» و«لوزة» في الحديقة تتحدَّثان.

عندما دخل «تختخ» إلى منزله، وقف أمام ساعة الحائط يتأمَّلها: الساعة السادسة … ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني رقم ستة عند هذا الرجل العجوز الطيِّب؟ هل يحل لغز اختفائه؟ هل يكشف حقيقة هؤلاء الزوَّار الثلاثة؟

وشاهدته والدته وهو يقف أمام الساعة مُتأمِّلًا فقالت: ماذا حدث يا «توفيق»؟ … ألم ترَ ساعةً من قبل؟

فردَّ عليها قائلًا: هل تعرفين معنى رقم ستة؟

وهزَّت والدته رأسها في دهشة، وكأنها تسمع عبيطًا يتحدَّث، ثم مضت في طريقها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤