رأي الشاويش «علي»

عندما دخلت «سحر» و«محب» و«عاطف» قسم الشرطة لمقابلة الشاويش «علي»، وجدوه مُنهمكًا في التحقيق مع لصٍّ سرق بعض الملابس من على حبل غسيل.

كان الجو في الغرفة حارًّا، وقد وقفت السيدة التي سُرق منها الغسيل تصرخ … واللص يُحاول الإنكار … والشاويش «علي» حائرٌ بينهما، وقد أخرج منديله الكبير الأصفر يُجفِّف عرقه.

ولم يكد الشاويش يراهم حتى نسي كلَّ شيءٍ أمامه، والتفت إليهم وقد ازداد احمرارُ وجهه، وصاح: ماذا تريدون؟! … هل جئتم لإثارة المُشكلات كالمعتاد؟ وأين زعيمكم السمين؟ … هل يُحاول حلَّ لغزٍ لا أستطيع أنا حله؟ هيَّا فرقعوا من هنا!

ارتبكت «سحر» عندما وجدت هذا الاستقبال الجاف، ولكن «محب» و«عاطف» اللذان كانا يعرفان الشاويش جيدًا، وقفا ثابتَين بدون أن يهتزَّا، وقال «محب»: إننا سننتظر حتى تنتهي من هذه المشكلة؛ فعندنا موضوع مهم نُريد أن نتحدَّث معك عنه.

صاح الشاويش: وما دخلك أنت في مشكلاتي؟! لماذا تحشر نفسك فيما لا يعنيك؟ وما هو الموضوع المهم الذي تريدون أن تُحدِّثوني عنه؟ … هل وجدتم أعقاب سجائر تُريدون الوصول منها إلى حلِّ اللغز؟

محب: إننا لم نجِد أعقاب السجائر بعدُ يا شاويش «علي»، ولكن قد نجدها.

عاطف: يبدو أنك الذي ستُفرقع يا شاويش «علي»؛ فأنت منتفخٌ من الغضب بدون مناسبة.

وقف الشاويش كأنما مسَّته كهرباء، وصاح بأعلى صوته: هل تُريد حضرتك أن تستخفَّ دمك معي؟ … قلتُ لكم فرقعوا!

عاطف: آسفون جدًّا … فمن الصعب أن نُفرقع بدون سبب … نحن في الانتظار.

قالت السيِّدة التي سُرقت ملابسها: ليس عندي وقتٌ يا شاويش … إن الأولاد وحدهم في البيت وزوجي مسافر.

ارتبك الشاويش أمام صوت السيِّدة المرتفع، وجلس وأخذ يستكمل تحقيقه، وخرج الأصدقاء ووقفوا أمام الباب حتى ينتهي الشاويش من عمله.

ومضى نصف ساعة، وشاهد الأصدقاء السيِّدة تنصرف، فعادوا يدخلون إلى الشاويش مرةً أخرى، وقال «محب» بسرعةٍ بدون أن يترك للشاويش فرصةً للكلام: جئنا لنُبلغ عن إنسانٍ خرج منذ فترةٍ من منزله ولم يعُد حتى الآن.

الشاويش: ولماذا تُبلغ أنت؟ هل هو قريبك؟!

محب: إنه جد صديقتنا «سحر»!

الشاويش: وما اسمه وشكله … وملابسه وموعد خروجه؟ وهل له أعداء؟ ومن هم؟

عاطف: على مهلك يا شاويش؛ فنحن لسنا في سباق أسئلة!

أدرك الشاويش «علي» أنه لا يستطيع أن يتغلَّب على هؤلاء العفاريت الصغار، فتمالك أعصابه وقال: ما هي الحكاية بالضبط؟

قالت «سحر» بانفعال: إن جدِّي الأستاذ «أحمد إلهامي» … قد خرج من قصره منذ نحو ثمانية أيَّام ولم يعُد … وأنا أشكُّ أن وراء اختفائه ثلاثة؛ رجلان وامرأة!

الشاويش: الأستاذ «أحمد إلهامي»؟ إنني أعرفه، وأعرف أنه اعتاد أن يخرج من منزله ويتغيَّب عنه أيَّامًا ثم يعود؛ فلماذا أنتِ خائفةٌ عليه هذه المرَّة؟

سحر: لأنه تأخَّر كثيرًا!

الشاويش: وما هي حكاية هؤلاء الثلاثة؟

وروَت «سحر» للشاويش كلَّ ما مرَّ من أحداث بالقصر، منذ دخله هؤلاء الثلاثة حتى طردوها من القصر.

قال الشاويش: ولكن جدَّك كما تقولين باع القصر؛ فلم يعُد لكِ مكانٌ فيه، فماذا أفعل أنا؟

محب: لقد جئنا لإبلاغكَ عن غياب الأستاذ «إلهامي» فقط، ونرجو أن تُشاركنا في البحث عنه!

الشاويش: رأيي أنه سيعود إليكم بعد بضعة أيَّام؛ فلا داعي للقلق!

وانصرف الأصدقاء، ولكن الشاويش «علي» لعبت به الأوهام كالمُعتاد، وقال في نفسه: إن هؤلاء الأطفال سيعثرون على الرجل قبلي … ويجب ألَّا أدعهم يفعلون ذلك كما حدث من قبل، ثم يُبلغون المُفتِّش «سامي»، وأبدو مُقصِّرًا أمامه. لا بد أن أُراقبهم لأرى ماذا يفعلون!

وفي تلك الليلة كان «تختخ» يستعدُّ لدخول القصر، وفتحِ الغرفة السريَّة، والبحثِ عن لغز الساعة السادسة. وعندما خرج من منزله قرب منتصَف الليل، كان الشاويش يرقب البيت، ولم يكد يرى «تختخ» يمشي حتى كان خلفه على مَبعَدة، وقد أحسَّ أنه أذكى رجلٍ في العالم؛ لأنه سيعرف كلَّ شيءٍ يفعله هؤلاء الأولاد.

سار «تختخ» مُتمهِّلًا بدون أن يدري أن الشاويش يتبعه … ولم يكن مُتعجِّلًا؛ ليضمن أن الحارس الذي تركه الشركاء الثلاثة قد نام؛ حتى يتمكَّن من دخول القصر بالمفتاح الذي أخذه من «سحر». ظلَّ يسير والشاويش يتبعه حتى وصل إلى القصر، فوجده غارقًا في الظلام، فدار حوله يفحص نوافذه، ولم تكن هناك نافذةٌ واحدةٌ مُضاءة.

تلفَّت «تختخ» حوله، فلم يجد أحدًا يسير في هذه الساعة المُتأخِّرة من الليل، فقفز وتعلَّق بالسور، ثم تسلقه، ونزل من الناحية الأخرى بهدوء، وربض في الظلام بين الأشجار الكثيفة مُتسارعَ الأنفاس، وقد أنصت بكلِّ جوارحه مستمعًا إلى أيِّ صوتٍ قد يصدر من القصر …

ولكن حدث شيءٌ آخر كان يتوقَّعه … فقد سمع صوت أقدامٍ ثقيلةٍ تقترب من خارج السور، ثم شاهد شبحًا في الظلام يُحاول تسلُّق السور … وكان واضحًا أنه يجد تعبًا شديدًا في المحاولة … ولكن الشبح استطاع في النهاية أن يصل إلى قمَّة السور، ولكنه فقد توازنه في هذه اللحظة، وسقط على الأرض في دَوِيٍّ شديد!

كان الظلام حالكًا؛ فلم يستطع «تختخ» أن يتبيَّن شخصية هذا الشبح الذي لم يكن إلا الشاويش «علي»، وأخذ الشاويش يتأوَّه ويسب ويلعن، وعرفه «تختخ» من صوته وابتسم، ولكن ابتسامته لم تطُل؛ ففي تلك اللحظة سمع صوت أقدام تقبل مُسرعةً من ناحية القصر، ثم شاهد بطاريةً تُضاء في الظلام، وسقط ضوءُها على الأعشاب النامية، وسرعان ما انطفأ النور مرةً أخرى، ثم قفز شبحٌ آخر في الظلام، وسقط فوق الشاويش، ودار بين الرجلَين صراعٌ رهيب … وأدرك «تختخ» أن حارس القصر لم يكن نائمًا … وأن صوت سقوط الشاويش على الأرض وصل إلى مسامع الحارس؛ فأقبل مُسرعًا، وألقى بنفسه فوق الشاويش.

ظلَّ «تختخ» قابعًا في الظلام، مستمعًا إلى الأصوات التي كانت تصدر من الرجلَين وهما يتعاركان … وأخذ يُفكِّر فيما يجب أن يفعله … هل يتدخَّل في الصراع؟ لقد كان الحارس ضخمًا قويًّا، وخشي أن يقضي على الشاويش … ومهما كان الشاويش لا يُعاملهم كمغامرين باحترام؛ فإنه على كلَّ حالٍ ممثِّل القانون … وهو أيضًا برغم كلِّ شيءٍ صديقهم … ولكن خطر ببال «تختخ» أن ما يُهمُّه أوَّلًا هو أن يحلَّ اللغز … أمَّا الشاويش فسوف يجد وسيلةً للخلاص.

وهكذا تسلَّل بهدوءٍ وبسرعةٍ تحت الأشجار، حتى وصل إلى باب القصر … وكان صوت الصراع يصل إليه … قفز إلى الباب وأخرج المفتاح وأولجه في القفل … ولم تمضِ لحظاتٌ حتى فتح الباب ودخل، ثم أغلقه خلفه في هدوء.

كان القصر مظلمًا … ولكن «تختخ» كان مستعدًّا، أحضر بطاريته معه، فأخرجها، وأرسل منها خيطًا رفيعًا من الضوء، واستطاع بسرعةٍ أن يصل إلى باب المطبخ، ففتحه ودخل، ثم فتح الدولاب الذي كان يعرف أن باب الغرفة السريَّة بداخله ودخل، ثم أغلق باب الدولاب خلفه، وسلَّط شعاع الضوء على باب الغرفة السريَّة … وكان القفل الذي يُفتح بالأرقام أمامه، فهل الرقم الذي معه هو الرقم الصحيح؟!

وأخرج الورقة من جيبه، وفتحها، وسلَّط الضوء عليها … إنه يحفظ الرقم، ولكنه يُريد أن يتأكَّد. ٦١٦٢٦٣، الرقم العجيب … ومدَّ أصابعه، وبدأ يُدير قرص الأرقام … أدار الرقم ستة … ثم الرقم ١، ثم الرقم ٦ مرةً أخرى، ثمَّ الرقم ٦ مرةً ثالثةً، وبقي رقمٌ واحدٌ هو الرقم ٣ وتتَّضح الحقيقة … ولكن في تلك اللحظة سمع صوت أقدامٍ تقترب من المطبخ، واستطاع برغم باب الدولاب المغلق أن يسمع حديث رجلَين يتحدَّثان؛ كان أحدهما بلا شكٍّ هو الشاويش «علي»، ورجلٌ آخر هو بلا شكٍّ الحارس «صبحي». وكان الرجل يقول: سنجد هنا بعض القطن والشاش، وسأربط لك الجرح.

ردَّ الشاويش وهو يتأوَّه: لقد كدتَ تقتلني!

الرجل: لم أكن أعرف أنك الشاويش … لقد ظننتُ أنك لِص!

الشاويش: لقد جئتُ خلف هذا الولد المغرور الذي يُدعَى «تختخ» … لقد روى لي اليوم أصدقاؤه قصةً عجيبةً عن هذا القصر … فهم يقولون إن صاحبه خرج ولم يعد منذ فترةٍ طويلة … ويُريدونني أن أبحثَ عنه.

ومرَّت لحظة صمتٍ، ثم دقَّ قلب «تختخ» سريعًا وهو يسمع الرجل يقول: شيءٌ غريب! … لقد تذكَّرت الآن أنني تركت باب هذا المطبخ مغلقًا … ولكنه مفتوح الآن … فمن الذي فتحه؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤