الفصل الخامس

رد الجميل

تقدمه ميلان فرفير
السفيرة المتجولة لقضايا المرأة العالمية بوزارة الخارجية الأمريكية، والمؤسس الشريك لمنظمة أصوات حيوية ورئيسة مجلس إدارتها الفخرية

لاحظنا في السنوات الأخيرة تحوُّلًا هادفًا في كلٍّ من إدراك وممارسة الدور الذي تتقلده النساء اللاتي ينهضن بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. واليوم، نجد النساء في مركز الدبلوماسية وفي قلب جهود التنمية، فلم يَعُدن مجرد منتفعات، بل فاعلات في التغيير.

النساء حول العالم يُضئْنَ مسالك جديدة، ويتغلبن على العقبات التي طالما عاقت سعيهن لخلق عالم أفضل. ويمثل النساء اللاتي حُزنَ التمكين إحدى أكثر القوى فعالية وإيجابية في إعادة تشكيل عالمنا؛ فنحن ندرك أنه عندما تتقدم المرأة يستفيد الجميع، رجالًا ونساءً، فتيانًا وفتيات.

عندما تُمكَّن النساء، فإنهن يُمَكِّنَّ مجتمعاتهن، ويمارسن ذلك الضرب من السلطة الذي يسعى لتحقيق المصلحة لكن ليس بغرض فرض الهيمنة. إنهن يشاركن معارف ومهارات وموارد جديدة، ويستثمرن في تعليم الجيل الصاعد وتدريبه على القيادة؛ فالنساء «يرددن جميل» نجاحاتهن لمجتمعهن. إنهن يضحِّين بأنفسهن، ويفهمن أن التقدم مسعًى مشترك؛ فهو مسعًى كلٌّ منا له مصلحة فيه. القائدات اللاتي قابلتهن من خلال منظمة أصوات حيوية — يسلط الفصلُ الضوءَ بإيجاز على بعضهن — هن نساءٌ؛ أمثال: دانييل سان-لوت من هاييتي، وجايا أروناشالام من الهند، وماريا باتشيكو من جواتيمالا، وأنديشا فريد من أفغانستان، وليرون بيليج-هادومي ونُهى الخطيب من إسرائيل، وكاكينيا نتايا من كينيا، وسمر منة الله خان من باكستان. إنهن يتمتعن بقدرة مثيرة على رفع الروح المعنوية لدى الأضعف بينهن، وعلى إيصال أصوات من أخرستِ الظروفُ أصواتهن، وعلى إحداث تغيير.

إن التزامهن الاستثنائي بقضيةٍ وبرؤيةٍ تتجاوز نطاق الفرد هو ما يجعل هؤلاء النساء قائدات مدهشات؛ فكلٌّ منهن تقود من أجل أخريات. سيُخلد عملهنَّ كلًّا منهن؛ لأنه غير معنيٍّ أبدًا برحلة منفردة لامرأة واحدة، فليست هناك أية رحلات منفردة. إن نمط قيادتهن قائم على تأمين مستقبل أفضل للجيل القادم.

يُطلق على المساواة بين الجنسين باستحقاق «الالتزام الأخلاقي للقرن الحادي والعشرين». لا يزال هناك الكثير إلى أن تُحسم المعركة. إن قائدات كهؤلاء — الأصوات الحيوية في زماننا — يزدن من زخم التقدم الحادث على طريق تحقيق المساواة بين النساء والرجال، وهن بذلك يخلقن عالمًا أفضل للبشر في كل مكان.

***

في عام ٢٠٠٨، سافرتُ إلى جواتيمالا بصحبة وفد من منظمة أصوات حيوية لزيارة ماريا باتشيكو؛ التي قدمتها في الفصل الثاني. قالت لي عبر الهاتف: «لن تفهمي مدى تأثير منظمة أصوات حيوية عليَّ حتى ترَي ما استطعت القيام به من أجل شعبي.» في عام ٢٠٠٦، عادت ماريا من برنامج أصوات حيوية التدريبي في واشنطن العاصمة وهي تتوق إلى نشر المعارف التي حصلتها إلى النساء في جميع أنحاء جواتيمالا، لكنها أرادت نشر ما هو أكثر من المعارف؛ أرادت نشر رؤيتها لمستقبل أفضل، رؤيتها التي شعرتْ أنها حظيت بالاعتراف والدعم لأول مرة من خلال استثمارنا فيها.

تواصلت ماريا مع غيرها من القيادات النسائية في جواتيمالا بهدف تدشين فرع لمنظمة أصوات حيوية من أجل توجيه وتدريب مئات الشابات في أنحاء البلاد. وفي الوقت الذي حشدت فيه الدعم، نقلت الفكرة إلى قيادات نسائية في جميع أنحاء أمريكا الوسطى، وحكت لهن عن منظمة أصوات حيوية، وشجعتهن على استنساخ نموذجها في بلدانهن. وعلى مدار العامين اللاحقين، دُعينا إلى فعاليات تدشين فروع أصوات حيوية في هندوراس والسلفادور وبنما. كان استثمارنا المبدئي في ماريا يعود بالنفع على النساء والمجتمعات في النصف الآخر للكرة الأرضية.

انضمامي إلى ماريا في جواتيمالا من أجل تدشين الشبكة الإقليمية رسخ لديَّ شيئًا شاهدته حول العالم؛ وهو أن القيادات النسائية يشعرن بحاجة قوية إلى «رد الجميل». ماريا — مثل كثيرات غيرها من القائدات اللاتي قابلتهن من خلال منظمة أصوات حيوية — تسعى للسلطة بغرض تمكين الأخريات؛ من أجل النهوض بأخريات لا تَرْكهنَّ على حالهن من الخضوع والمهانة. إنهن ببساطة يمتلكن رؤية تتجاوز نطاق إنجازهن الشخصي. لقد شاهدت هذا بنفسي في تفاعلات متسلسلة أطلقت شرارتها القيادات النسائية حول العالم.

النساء اللاتي تدعمهن أصوات حيوية يسعين وراء القيادة لا لزيادة سلطتهن أو تأثيرهن أو ثروتهن، وإنما كوسيلة للتشجيع على التغيير الإيجابي. ومنهج القيادة هذا يتسم بالمبادئ الأربعة التي تناولناها حتى الآن؛ فالإحساس الواضح بالواجب يزيد من زخم الأنشطة القيادية المنوط بها خلق تأثير إيجابي يتجاوز القائدة ذاتها؛ والاستماع إلى المجتمع والتعلم منه يُمكِّنان القائدة من التصرف على نحو شمولي؛ والاهتمام بآراء كلِّ مَن سيعود الأمر عليهم بالنفع، واستشراف إمكانية التأثير البنَّاء يشجعان الأفكار الجريئة والتحرك الجريء. والجمع بين هذه العناصر كلها يخلق تصورًا جديدًا للقيادة؛ تصورًا يتفهم السلطة لا باعتبارها شيئًا يكتنزه المرء لنفسه، لكن كشيء يشهد توسعًا في نطاقه عندما يشارك فيه الجميع.

عادة ما يُنظر إلى النساء باعتبارهن حاضنات؛ ومن ثم فإنهن قد يتكيَّفن — ويمتلكن، كما قد يذهب البعض، ميلًا بيولوجيًّا — نحو نمط التفكير الشامل.1 هذا الجانب الاجتماعي والتربوي لدى النساء يضعهن في موقع فريد يمكنهن من إحداث تغيير دائم. وبوصفهن حاضنات للجيل القادم، تدرك النساء أن التغيير لا يكون مستدامًا إلا عندما يتم إعداد القائدات الصاعدات، أيضًا، اللاتي يعملن على استدامته.

كثيرًا ما سُمعت مادلين أولبرايت وهي تقول: «يوجد مكان في الجحيم مُخصص للسيدات اللاتي لا يساعدن غيرهن من السيدات.» في منظمة أصوات حيوية أذهلنا وجود النمط المقابل؛ الاستعداد النشط لدى القائدات اللاتي ندعمهن لعرض معارفهن ومهاراتهن ومواردهن من خلال العمل التطوعي والتوجيه، فهن يَتَحَيَّنَّ الفرصة لرد الجميل. ثمة مثال عظيم على ذلك حدث في عام ٢٠٠٧، عندما التقت جيرالدين ليبورن؛ مؤسِّسة شركة أكسجين ميديا والمسئولة التنفيذية السابقة بها، بمجموعة من المتدربات من مختلف أنحاء العالم. أخبرتهن كيف أن نساءً شابات كن يطلبن مساعدتها باستمرار، ويحاولن اصطحابها لتناول الغداء أو لاحتساء فنجان قهوة من أجل التماس نصحها بشأن حياتهن المِهْنية. مع تجاوز الطلبات والالتماسات التي تتلقاها شركة نامية قدرة جيرالدين، كانت مساعدتها تخبر الشابات أن جيرالدين «لا تريد تناول وجبة أخرى أو تعطيل مسيرة يومها؛ إنها تريد ممارسة الرياضة.» وبذلك جعلت جيرالدين عادتها لقاء الشابات كل صباح في متنزه سنترال بارك، وكانت تقدم لهن النصح أثناء ممارستهن جميعًا رياضة المشي. تتذكر أنها توجهت بالحديث إلى نائبتها آندي بيرنستاين قائلة: «إليكِ فكرة سهلة التطبيق … لنجمع النساء، بضع مئات وحسب، في متنزه سنترال بارك، وندعو صديقاتنا الرفيعات الشأن — اللاتي تصادف أن كنَّ ميريل ستريب، ودايان فون فيرستنبيرج، وهايدي ميلر وغيرهن — من أجل توجيه الشابات. ربما نحصل على تغطية إعلامية ونُبيِّن كيف تساعد النساء غيرهن.» وفي الوقت الذي تابعت جيرالدين وصف طريقة توجيه الشابات خلال عشر مرات تمارس فيها معهن رياضة السير؛ وهي الطريقة التي طبقتها في مختلف أنحاء البلاد في الأعوام القليلة اللاحقة، نظرتُ في أنحاء الغرفة حولي ولمستُ كيف استولت قصة جيرالدين على اهتمام كل المستمعات لها.

وكما هو متوقع، بعد أشهر قليلة، بدأت هؤلاء الشابات أنفسهن، بعد عودتهن لأوطانهن، في تنظيم مِشْياتهن التوجيهية، فجمعن كبار القائدات اللاتي يستحوذن على إعجابهن؛ وذلك للمشي معًا وتوجيه الشابات الواعدات خلال ذلك. وبإلهام من جيرالدين، انتشر المفهوم التالي على نطاق واسع في دول عدة: «إن أضئتِ شمعة سيدة أخرى فلن يُنقص ذلك من شمعتك شيئًا … بل سيولد مزيدًا من الضوء والحرارة.» لقد صارت هذه الفكرة واقعًا عمليًّا وممارسة معتادة؛ ففي يوم السبت الثالث من شهر نوفمبر من كل عام، تسير السيدات — الخبيرات والصاعدات منهن — معًا في مجتمعاتهن، وعقب كل مرة يمارسن فيها رياضة المشي ويتبادلن أطراف الحديث، تُصمَّم برامج لبدء شراكات توجيهية، ولتعزيز الإمكانات القيادية لدى الشابات الطامحات. إلى الآن، بلغت المشيات التوجيهية آلاف السيدات في مختلف أنحاء قارات أربع. في عام ٢٠٠٩، سافرت جيرالدين معنا للمشاركة في المشية التوجيهية في كامبالا بأوغندا، والتي نظمتها الزميلة السابقة رحمة كاسيول، وفي عام ٢٠١٠، انضمت إلينا في بوينس آيرس من أجل التمشية التي قادتها ماريا هوخ وفرع منظمة أصوات حيوية في الأرجنتين.

تُقبِل القائدات على فرص التواصل مع شيء عالمي؛ شيء له منافع ملموسة تعود على مجتمعاتهن المحلية. في عام ٢٠١٠، ساءت زوي دين سميث؛ رائدة الأعمال والقائدة بمنظمة أصوات حيوية، إحصائيات صادمة في بلدها: ٤٩ بالمائة من الشابات البالغات من العمر الخامسة والعشرين حتى التاسعة والعشرين في سوازيلاند مصابات بفيروس نقص المناعة البشرية.2 وتزداد المشكلة سوءًا؛ فأغلب حالات العدوى الجديدة — ٦٢ بالمائة — تحدث لدى الإناث.3 فشلت عدة محاولات تدَخُّل من قبل الحكومة والمجتمع الدولي لإحداث تأثير، ولاحظت زوي أن المشكلة خانقة لاقتصاد البلاد. أدركت أنها بحاجة إلى حل غير تقليدي. في عام ٢٠١٠، سافرتُ إلى سوازيلاند لأنضم إلى زوي في إطلاقها برنامجها التوجيهي، الذي يجمع شمل فتيات المدارس الثانوية مع رائدات أعمال ناجحات. ومن خلال تجربة التوجيه، تهدف زوي إلى رسم خارطة طريق مختلفة للفتيات. سيكون من السابق لأوانه معرفة التأثير الكامل لهذا التدخل، لكن تلمس زوي تقدمًا فعليًّا يحدث؛ فقد كان لتجربة التوجيه تأثير لا يمكن إنكاره.

من خلال منظمة أصوات حيوية، انخرطت مع عدد لا حصر له من القيادات النسائية في نقاشات تتصل بجذور نجاحهن، وفي كل الحوارات تقريبًا تعزو القائدة إنجازاتها إلى فرد مكَّنها أو مجموعة من الأفراد مكَّنوها من الاستفادة المثلى من إمكاناتها. ربما كان هؤلاء الداعمون إناثًا أو ذكورًا؛ زملاء أو أُسرة، أو شركاء عاطفيين، أو أصدقاء. والسمة التي اشتركوا فيها جميعًا هي أنهم سلكوا مسلك الموجِّهين. وهم بذلك يحظون بقدر هائل ودائم من الامتنان من جانب السيدات اللاتي قدموا لهن الدعم.

ثمة أسباب واضحة لذلك؛ فببساطة لا توجد نماذج يُحتذى بها لنساء موهوبات وطامحات في الحياة العامة والخاصة حول العالم. ونتيجة لذلك، غالبًا ما تشعر النساء بالعزلة ويشككن في أنفسهن حتى يتم الاعتراف بأحلامهن وقدراتهن وتثبت صحتها بفعل قوًى خارجية. كثيرًا ما تذكِّرني سوزانا شاكو؛ رئيسة برنامج رانينج ستارت، بأنه حتى في الولايات المتحدة «تحتاج السيدات أن يُطلب منهن سبع مرات في المتوسط قبل أن يُفكِّرن جديًّا في الترشح لمنصب سياسي، في حين أن الرجال عامة يمتلكون القدر الكافي من الشجاعة لخوض حملة من الحملات مع قدر بسيط من التشجيع الخارجي.» وجدت سوزانا أن منظمتها هي «المقصد الأول» لفتيات المدارس الثانوية الواعدات سياسيًّا. لقد اكتشفنا بمنظمة أصوات حيوية أنه عندما تجد السيدات التشجيع للتصدي للتغيير وقيادته، فإنهن ينتهجن هذا السلوك؛ إذ يؤمنَّ بسيدات أخريات، ويساعدنهن على الاستفادة المُثلى من قدراتهن.

مع إدراك منظمة أصوات حيوية لرغبة النساء في مشاركة غيرهن المزايا والاستثمارات التي استثمرتها المنظمة فيهن، سعينا عن قصد إلى جعل هذا التصور جزءًا من عملنا المستمر، وأطلعنا كل مجموعة جديدة من سيدات أصوات حيوية على قصص سيدات أخريات تعاونَّا معهن في الماضي، وكيف أن هؤلاء السيدات استغللن مهاراتهن ومعارفهن من أجل «رد الجميل». تحقق رجاؤنا وكان للفكرة صداها.

ففي عام ٢٠٠٨، على سبيل المثال، شاركت بريجيت دجوبينوكو؛ سيدة أعمال واثقة بنفسها من غانا، في برنامج التوجيه العالمي الذي تمخضت عنه شراكة جمعت بين مجلة فورتشن ووزارة الخارجية الأمريكية. كان هدفها تحسين مهاراتها وتعزيز اتصالاتها بحيث تتمكن من تعزيز حياتها المهنية باعتبارها مديرةً لنادٍ رياضي. بعد تلقي برنامج توجيهي على يد دونا أورندر؛ التي كانت آنذاك رئيسة اتحاد كرة السلة الوطني للسيدات، وسماعها قصة ماريا باتشيكو، اتسع نطاق أهدافها. في اليوم الأخير من البرنامج، أعلنت بريجيت أمام المجموعة: «جئت هنا وأنا لا أفكر إلا فيما يمكنني اكتسابه كي أحرز نجاحًا أكبر في حياتي المهنية. وأنا في طريقي لترك هذا المكان، أدرك أنني قائدة من القيادات النسائية اللاتي ينصب تفكيرهن على خدمة مجتمعاتهن، وكيف أمتلك الفرصة والمسئولية من أجل الاستثمار في الجيل القادم من الفتيات في وطني.»

بعد ذلك ببضعة أشهر، زُرنا بريجيت في أكرا بغانا. كانت قد أسست هوب سيستاس؛ وهو برنامج كرة سلة توجيهي للشابات. بريجيت على علم بأن الدروس المستقاة من ملعب كرة السلة — الثقة بالنفس والانضباط والتعاون والطموح السليم — هي أيضًا دروس بوسع الفتيات تطبيقها للفوز في لعبة الحياة. يجمع برنامج هوب سيستاس بين الرياضة وورش العمل التعليمية حول التطور المهني وصحة المرأة، وتستخدم بريجيت البرنامج للمِّ شمل الفتيات من أجل معالجة قضايا أكبر: التحديات المحلية والعالمية التي تهدد تقدُّم المرأة. تقول بريجيت: «أريد أن تَبلغ هؤلاء السيدات التمكين. أريدهن أن يتمكنَّ من الصمود، وألا يتزحزحن عن موقفهن، وأن يساعدن غيرهن. النساء بأفريقيا بحاجة إلى أن يدركن ملكاتهن ومقدار قوتهن.»

تزايد الاهتمام بأنواع الاستثمار في السيدات والفتيات التي تحقق أفضل العوائد. من خلال الخبرة التي اكتسبناها من العمل في منظمة أصوات حيوية، يدرُّ الاستثمار في رأس المال البشري من خلال التدريب والتعليم وتعزيز القدرات عوائد هائلة، لا سيما عندما تقترن بجهود تكوين رأس مال اجتماعي للمرأة، من خلال تزويدها بالموجِّهين وشبكة عالمية من القرناء والداعمين.

على سبيل المثال، في حالة بريجيت دجوبينوكو ودونا أورندر، لم يقتصر الأمر على أن دونا باعتبارها قدوة قد ساعدت بريجيت على فك طلاسم عملية النجاح في حياتها المهنية في مجال الرياضة. فبإطلاع دونا لبريجيت على جهات اتصال، وفرت لها السبيل لتكوين رأس مال اجتماعي، كانت ستكوِّنه بصعوبة بالغة إن اعتمدت على نفسها فحسب. نطلق على ذلك بمنظمة أصوات حيوية «رأس المال الاجتماعي المستعار»؛ وهو مصطلح كثيرًا ما كتب عنه البروفيسور دون بيرت في جامعة شيكاجو.4 عززت هذه العلاقات ثقة المستفيدات من البرامج التوجيهية تعزيزًا بالغًا، وزادت إحساسهن بالدعم. كما أبدت الأبحاث أن الموجهات بإمكانهن المساعدة في التشجيع على تهيئة بيئة تحفز على التجريب الخلَّاق. هذا نوع من التسلسل الإيجابي؛ فالإقدام على المخاطر، لا سيما عندما يكون مدعومًا باستراتيجية ومساندة، يعزز تنمية الثقة بالنفس لدى القائدة الصاعدة.
في عام ٢٠١٠، نشرت مجلة هارفرد بيزنس ريفيو دراسة تضع علامات استفهام حول قيمة التوجيه، وتشير إلى أن الرجال العاملين بعالم المؤسسات كانوا يتلقون «رعاية» استراتيجية وليس «توجيهًا»؛ مما مكنهم من ارتقاء السلم المؤسسي بسرعة أكبر.5 يتجاوز الرعاة أو الكفلاء مرحلة إسداء النصح؛ فهم يدافعون عمن يوجهونهم؛ إذ الرعاية أو الكفالة عنصر مهم في أمريكا المؤسسية. لكن الحاجة إلى التوجيه حقيقية؛ فالقائدات ورائدات الأعمال الطموحات في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وفي أرجاء الشرق الأوسط كثيرًا ما يعبِّرن عن شعورهن بالعزلة وهن يكافحن من أجل التواصل، وعرض أفضل الممارسات، وتكوين شراكات خارج بيئاتهن المحلية. وبوجود قلة فحسب من السيدات في مناصب قيادية عليا ببلدانهن، أصبح التعرُّف على نماذج نسائية ناجحة يُحتذى بها تحديًا أكثر صعوبة بكثير. إنه تحدٍّ صعب تزيده تعقيدًا العوائق الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والثقافية التي لا تزال النساء يواجهنها في بلدان كثيرة.

يفتح هذا التحدي الباب على مصراعيه أمام فرص التوجيه العالمي كي تُحدث تأثيرًا فعليًّا؛ فللمرة الأولى في التاريخ، يوجد جيل من القيادات النسائية الخبيرة اللاتي يبحثن عن سُبُل لرد الجميل. هنَّ يُردنَ ألا تقتصر جهودهن على إنفاق موارد مالية، بل يُردنَ بذل وقتهن وموهبتهن وحماسهن، والأهم من هذا وذاك خبرتهن. وقد قالت بيث بروك؛ الموجهة بأصوات حيوية ونائبة رئيس مجلس إدارة شركة إرنست آند يونج للشئون العالمية: «لإحداث تغيير بوصفكِ موجهة أو كفيلة، عليكِ أن تلتزمي بالمشاركة الإيجابية في صنع مستقبل الشباب عن طريق المخاطرة بالاستثمار فيهم.» كثيرات من النساء اللاتي يشغلن مناصب مرموقة كوَّنَّ شبكات قوية يمكن تعزيزها والاستفادة منها على مستوى العالم.

مثال على ذلك، في عام ٢٠١١ بدأت كلٌّ من سوزان ديفيز؛ عضوة مجلس إدارة أصوات حيوية ورائدة أعمال ناجحة، وآن فينكان؛ مسئولة الاستراتيجية والتسويق في بنك أوف أمريكا، نقاشًا حول قيمة الاستثمار في النساء. كان لكلٍّ منهما جهدها في قضايا أيرلندية، ومنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، تعاونت كلتاهما مع شعب أيرلندا الشمالية من أجل دعم عملية السلام. ورغم أن التقدم المحرز كان بطيئًا، فإنه عقب مؤتمر أصوات حيوية الذي عُقد في بلفاست ١٩٩٨، كانت آن شاهدة على تمكُّن القائدات من إحداث تحوُّل في مجتمعاتهن. وكانت حينها تتطلع إلى تدشين مبادرة في بنك أوف أمريكا من شأنها أن يكون لها تأثير عالمي ونتائج ملموسة. فقد تضامنت منظمتنا مع بنك أوف أمريكا من أجل إطلاق برنامج السفراء العالميين، الذي يهدف لسد الفجوة في القيادة العالمية عن طريق الاستعانة بأبرز القيادات النسائية في مجالات الأعمال والحكومة والإعلام والمجتمع المدني؛ ليكنَّ موجهات للقائدات الصاعدات اللاتي تدعمهن أصوات حيوية في أنحاء العالم. دشن البرنامج برايان موينيهام؛ الرئيس التنفيذي لبنك أوف أمريكا، في مارس ٢٠١٢ في الوقت الذي تعاون فيه البنك مع مجموعة من القيادات النسائية في هاييتي من أجل استحداث المنبر الوطني الأول للمرأة بالبلاد. وهو بذلك يرسل رسالة واضحة من الإدارة بالتزام المؤسسة بتمكين قيادة المرأة من أجل النهوض بالبلدان والمجتمعات.

إن البرامج التوجيهية التي تقدمها منظمة أصوات حيوية مصممة من أجل إحداث تحول في المسارات القيادية للسيدات اللاتي نقدمها لهن. لقد وجدنا أن التوجيه لا يمكِّن القائدات الصاعدات من رصد القيادة وهي تُطبق عمليًّا على مستوى رفيع وحسب، بل يمكِّنهن أيضًا من استيعاب حقيقة أن القيادة فرصة ومسئولية في ذات الوقت. ووجدنا أن القائدات الصاعدات اللاتي يتلقين التوجيه يشعرن بمسئولية أكبر لنقل الخبرة التي اكتسبنها مقارنةً بمن حصلن على تدريب وحسب. وهو اتجاه أكدته دراسة سلوكية مؤسسية وجدت أن من النساء اللاتي يتلقين التوجيه من تزداد فرصهن في أن يصبحن أنفسهن موجهات في المستقبل، مقارنةً بالنساء اللاتي لا يتلقين التوجيه.6

نحن بمنظمة أصوات حيوية نرى اتجاهًا مثيرًا للاهتمام بين أبرز القائدات اللاتي ندعمهن، وهو أنهن يردن المساعدة في إعداد قيادات نسائية جديدة يخلفنهن في يوم من الأيام. وأسلوب «استنساخ الذات» — إن صح التعبير — ملحوظ بين القائدات اللاتي يدركن أهمية مشاركة السلطة والخبرات مع أخريات بما يخدم القضية الأكبر. بالعودة إلى عام ٢٠١٠، تواصلت نساء بشبكتنا؛ أمثال سونيتا كريشنان وسومالي مام، مع سيندي داير؛ نائبة رئيس منظمة أصوات حيوية لشئون حقوق الإنسان، وسألتاها إن كان بإمكان المنظمة مساعدتهما في تنمية المهارات القيادية لدى النساء اللاتي سيخلفنهما. ولما كانت سيندي وكيلة نيابة سابقة كرَّست حياتها من أجل تقديم مرتكبي جرائم العنف بحق النساء إلى العدالة، فإنها تفهمت العواقب الشخصية والمخاطر الجسيمة التي تواجهها القائدات؛ لذا بدأت تبتكر برنامجًا من أجل تلبية هذا المطلب.

نموذج «استنساخ الذات» ليس ملحوظًا فحسب بين القيادات النسائية المدافعة عن حقوق الإنسان، فقد تصدرت عناوين الأخبار آن مولكاي؛ الموجِّهة بمنظمة أصوات حيوية والتنفيذية المتصدرة لقائمة مجلة فورتشن ٥٠٠، عندما كوَّنت وأعلنت شراكة فعالة مع خليفتها أورسولا بيرنز قبل سنوات من مغادرتها منصبها باعتبارها رئيسة تنفيذية لشركة زيروكس؛ فالقائدات المعنيات بقضايا يفهمن أن رؤيتهن للتغيير لا يمكن أن يحققنها بمفردهن، وأنه سيكون عليهن تنمية أخريات كي يمضين قدمًا في استكمال المسيرة.

أحد أكثر الاتجاهات إلهامًا لنا بمنظمة أصوات حيوية ينشأ عندما لا تكتفي القائدات، اللاتي قدمنا لهن تدريبًا ودعمًا، بالتواصل مع أخريات بمجتمعاتهن ومنظماتهن وتوجيههن، بل يُقْدِمن أيضًا على دعم نساء أخريات بشبكتنا. منذ الأيام الأولى من تأسيس المنظمة، شاهدنا سيدات يَقمن دون تخطيط سابق بتبنِّي نماذج عملية نجحت في إحداث تغيير اجتماعي أو قانوني أو اقتصادي في إحدى بقاع العالم وينقلنه إلى بقعة أخرى. لكن النساء في الشبكة كن يدعم بعضهن بعضًا أيضًا على مستوًى فردي في أوقات الأزمات المِهْنية والشخصية الشديدة؛ ففي أغسطس ٢٠٠٩ مُنيت ريبيكا لولوسولي وقرية أوموجا ياسو النسائية بهجوم عنيف. ظهر زوج ريبيكا المنفصل عنها وهو مسلح بسلاح ناري وتهجَّم على ريبيكا. استولى على مقتنيات قيِّمة وادعى أن له الأحقية في تملُّك أرض القرية المسجلة باسم ريبيكا، وهدد بقتلها إن لم تعطِه الأموال التي جنتها من زيادة مبيعات مشغولات الخرز التي تنتجها القرية.

قُرى سامبورو محمية بأسوجة مصنوعة من عِصِيٍّ رفيعة. الهدف من تلك الأسوجة إبعاد الحيوانات البرية الهائمة، وليس منع دخول رجل مسلح موتور. اتصلت ريبيكا بالشرطة المحلية، لكن الشرطة لم تغثها متحججة بأن ذلك خلاف أسري. ولافتقارها إلى أية خيارات أمنية ذات جدوى، غادرت ريبيكا — زعيمة القرية — محاوِلةً التواصل مع شبكة القيادات النسائية التابعة لمنظمة أصوات حيوية في أفريقيا. استجابت المجموعة على الفور، وبتنسيق سابقٍ وفَّرت لريبيكا قبل كل شيء ملاذًا آمنًا تقيم فيه، ورعاية طبية، ودعمًا قانونيًّا. لقد استخدمن شبكتهن في لفت انتباه وسائل الإعلام إلى القضية، وفي الدعوة إلى تغيير قانوني بالشبكات المحلية والوطنية، ورفعن قضية ريبيكا إلى القادة السياسيين وقادة حقوق الإنسان. أُرسلت رسالة واضحة إلى زوج ريبيكا وإلى الشرطة التي حاولت تجاهل بلاغها؛ رسالة مفادها أنها تتمتع بشبكة قوية من الدعم تنتشر في أنحاء البلاد والمنطقة وحول العالم. طريق القيادة أحيانًا يكون شائكًا. وكثيرًا ما قالت مارينا بيسكلاكوفا من روسيا: «منظمة أصوات حيوية تعتني بمن يعتنون بالعالم.» فالقائدات الصاعدات يحتجن إلى موجِّهات لإرشادهن، لكنهن أيضًا في حاجة إلى شبكة من القرينات كي يَطْمَئْنِنَّ أنهن لَسْنَ على الطريق بمفردهن.

دانييل سان-لوت

هاييتي

نحن لا نريد إعادة الإعمار فحسب؛ نحن نريد وضع تصور لهاييتي جديدة تُقدَّر فيها إسهامات المرأة، ويُسمَع صوتها، وتُحمى حقوقها.

إن مؤتمر أصوات حيوية الثالث، الذي عُقد في مونتفيديو في أوروجواي في عام ١٩٩٨ عندما كانت منظمة أصوات حيوية لا تعدو كونها مبادرة من الحكومة الأمريكية؛ جمع شمل أكثر من ثلاثمائة سيدة من مختلف أنحاء نصف الكرة الأرضية الغربي؛ لمناقشة تحديات من بينها الاتجار بالبشر، وتنامي عدد جرائم قتل الإناث على يد عصابات، إضافة إلى غياب تمثيل المرأة في الدوائر السياسية والقوى العاملة.

حضرت دانييل سان-لوت الاجتماع بصحبة ست سيدات أخريات من هاييتي، ووجدن أنه من الملهم الاستماع إلى صانعات السياسة من أنحاءٍ شتى في أمريكا الشمالية وهن يشرحن استراتيجيات ناجحة في إصلاح قوانين العقوبات، وتمرير تشريعات مناهضة للتمييز، وكذا الإنصات إلى قاضيات ووكيلات نيابة وهن يشاركن أفضل الممارسات المتعلقة بالقوانين التي تصنِّف العنف الأسري باعتباره جريمة.

تتذكر دانييل المؤتمر قائلة: «أردنا أن نصطحب الأفكار الأساسية لمنظمة أصوات حيوية معنا إلى أرض الوطن، لكن لم يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ رغبنا في أن نكون جزءًا من شيء أكبر من أنفسنا؛ أردنا تشكيل حركة عالمية من أجل تقدم المرأة.»

figure
شعرت دانييل كذلك بأن نساء هاييتي يواجهن تحديات لا يواجه مثلها غيرهن. التقيت بها أول مرة في ذلك المؤتمر؛ حيث أخبرتني أنها والحضور من نساء هاييتي كن يخططن لعقد مؤتمر لمنظمة أصوات حيوية برعايتهن في العام اللاحق. وبدعم من السفارة الأمريكية في بورت أو برنس، دشنت دانييل وزميلاتها مبادرة تحت اسم «مائة امرأة من هاييتي من أجل أصوات حيوية»، تمخض عنها في العام نفسه إنشاء أول فرع لمنظمة أصوات حيوية هناك، والذي حمل اسم «نساء من أجل الديمقراطية».7 لم يكن الهدف من «نساء من أجل الديمقراطية» نقل أفكار أصوات حيوية إلى نساء هاييتي وحسب، وإنما ترجمة الرسالة إلى حلول محلية ملموسة من شأنها أن تفي بالحاجات العاجلة لنساء هاييتي.
حتى قبل زلزال ٢٠١٠ المدمر، كانت هاييتي أفقر بلد في النصف الغربي من الكرة الأرضية؛ إذ كان أكثر من ٨٠ بالمائة من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، و٥٤ بالمائة في فقر مدقع.8 يعتمد ثلثا شعب هاييتي على القطاع الزراعي في معيشتهم، وكان الهدف الرئيسي من الزراعة الوصول إلى حد الكفاف في المعاش.9 تتهدد سلامتهم الكوارث الطبيعية المتكررة الحدوث، والتي يزيدها سوءًا زيادة معدل إزالة الغابات. تعاني هاييتي من عجز تجاري شديد وغياب الاستثمارات بسبب الشواغل الأمنية ومحدودية البنية التحتية. يبلغ إجمالي التحويلات النقدية ما يقرب من ربع إجمالي الناتج المحلي، وأكثر من ضعف إيرادات الصادرات. تعتمد الحكومة على المساعدات الاقتصادية الدولية الرسمية بهدف الاستدامة المالية. وفي خضم هذه الظروف الميئوس منها، أدركت دانييل أن كثيرات من النساء في أنحاء البلاد لم يكنَّ على دراية بحقوقهن الإنسانية. وعلى ذلك، كان أحد أوائل مشروعات «نساء من أجل الديمقراطية» كتيِّبًا بعنوان «حقوق الإنسان للمرأة في هاييتي من الألف إلى الياء».

كما كان يشغل بال دانييل وزميلاتها حقيقة أن أصوات النساء لم تكن ممثَّلة بالحكومة. في الواقع تحتل هاييتي أدنى مرتبة في العالم من حيث المشاركة السياسية؛ إذ لا تحوز المرأة سوى على ٣ بالمائة فقط من مقاعد البرلمان. والنساء اللاتي سعين إلى المنصب السياسي كثيرًا ما تعرَّضْنَ للترويع، بل ولتهديدات بالقتل. وقد أخبرتني دانييل قائلة: «هاييتي بلد نظامه السياسي متضعضع. نحن بلد به أكثر من ثلاثين حزبًا سياسيًّا، ولم يعتد الناس على رؤية أي شخص يصل الخطوط الفاصلة. أردنا أن نكون مثالًا على ما يمكن تحقيقه في هاييتي.» حذت منظمة «نساء من أجل الديمقراطية» حذو ائتلاف نساء أيرلندا الشمالية، فجمعت شمل المرشحات ودعمت حملاتهن. وفي انتخابات ٢٠٠٦، دعمت المنظمة، بالتدريب، خمسين سيدة ترشحن لمناصب سياسية من مختلف الأحزاب السياسية. وعندما تلقت الصحافيات اللاتي يعددن تقارير عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان تهديداتٍ، فتحت عضوات المنظمة أبواب بيوتهن لتوفير الحماية لهن.

كما مارس الفرع ضغوطًا على البرلمانيين من أجل زيادة مشاركة المرأة في الحكومة. وفي عام ٢٠١١، تمت الموافقة على تعديل دستوري يستحدث حصة تبلغ ٣٠ بالمائة للنساء في جميع مستويات المناصب الحكومية. بين عامي ١٩٩٩ و٢٠١١، درَّبت منظمة «نساء من أجل الديمقراطية» أكثر من ثلاثة آلاف رائدة أعمال صغيرة، وكوَّنت شبكة تضم أكثر من خمسمائة مراقبة انتخابية. تقول دانييل: «نادرًا ما كانت تُسمع أصوات النساء، لكن علاقتنا بمنظمة أصوات حيوية فتحت الأبواب وبدأ الناس يُنصتون إلينا.» جهود «نساء من أجل الديمقراطية» الرامية إلى تمكين النساء في مختلف أنحاء البلاد اكتسبت دعمًا من السفارة الأمريكية، ومصرف التنمية للبلدان الأمريكية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بل والقطاع الخاص.

في نوفمبر ٢٠٠٩، سافرتُ إلى بورت أُو برنس للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس الفرع، وتمكنت أثناء وجودي هناك من المشاركة في المعرض التجاري السنوي السابع، الذي تضمن عروضًا لأعمال الحرفيات ورائدات الأعمال، ووصلهن بالمشترين وأسواق التصدير. بعد ذلك بستة أسابيع، وتحديدًا في ١٢ يناير من عام ٢٠١٠، تبددت أجواء الاحتفال عندما ضرب البلاد زلزال مدمر بقوة ٧ درجات على مقياس ريختر.

ورغم الخسائر التي مُنيت بها دانييل سان-لوت وعضوات منظمة «نساء من أجل الديمقراطية»، فإنهن سارعن إلى التحرك، وفي خلال أربع وعشرين ساعة كانت دانييل تتواصل مع منظمة أصوات حيوية، وتناقش كيف أنه ينبغي للمرأة التي كثيرًا ما تسقط ضحية في أوقات الأزمات أن تكون في مركز إعادة الإعمار. أطلعتني دانييل: «يوجد في هاييتي تركيز متزايد على تشييد البنية التحتية والاستثمار في الأعمال. وعلى أهمية ذلك، إلا أننا يجب أن نستثمر أيضًا في الأشخاص، ويجب أن تكون النساء في مركز هذه العملية.» نظمت دانييل معسكرًا قرب منزلها في مدينة جاكمل، في واحدة من أشد البقاع دمارًا؛ حيث وفَّرت هي وابنتها الملاذ والطعام والماء النظيف والدعم الطبي لمن يحتاجون إليه.

احتشد المجتمع الدولي خلف هاييتي، لكن التعافي كان بطيئًا على نحو مؤلم؛ فبعد عامين من زلزال ٢٠١٠، كان الناس لا يزالون يعيشون في معسكرات مكتظة، غير آمنة، ضعيفة الإضاءة؛ وغالبًا ما كانوا يفتقرون للصرف الصحي والمشرب والمأكل. كانت النساء عرضة للعنف الجنسي؛ إذ خلق عدم الاستقرار السياسي وضعف المؤسسات حصانة للمغتصِبين من العقاب.

لكن رغم شح الموارد، نظمت النساء دوريات أمنية، ووفَّرن الدعم المجتمعي والمشورة القانونية والرعاية الطبية للناجيات من الاغتصاب. الأهم من ذلك، عندما تنزل البلاد نائبة من النوائب، كانت شبكة القائدات التي شكَّلتها دانييل قوية؛ فبالتعاون معًا كان بإمكانهن الاستجابة بسرعة وعلى نطاق واسع للمجموعة الضخمة من المشكلات التي تواجه الناجين في هاييتي. توفر منظمة «نساء من أجل الديمقراطية» قناة للوفاء باحتياجات النساء محليًّا، وفي الوقت نفسه تُوصل أصوات نساء هاييتي إلى المجتمع الدولي؛ لتصلَهنَّ بشريكات لهنَّ حول العالم.

نهى الخطيب وليرون بيليج-هادومي

إسرائيل

أعتقد أن علاقتهما توضح بجلاء النحو الذي يمكن أن تكون عليه الأمور؛ النحو الذي يمكن أن تكون عليه الشراكة بين النساء، بين البشر.

figure

ليرون بيليج-هادومي أخصائية اجتماعية مجتمعية في إسرائيل. منذ أن كانت طالبة جامعية تعاونت مع منظمات غير حكومية تكرِّس جهودها لتعزيز العلاقات بين اليهود والعرب في إسرائيل. كما تُنسق ليرون برامج لإعداد القادة على مستوى مختلفِ القطاعات ومختلف أطياف المجتمع مثل برنامج «ليد حيفا».

ساعدت نهى الخطيب، التي استعرضنا جهودها في الفصل الثالث، على رأب الصدع بين عرب إسرائيل واليهود؛ إذ عملت في البداية معلمةً، ثم شغلت منصب مسئولة مدرسة متكاملة، ومنذ عام ٢٠٠٩ تولت منصب مديرة التعليم المدني والتعليم متعدد الثقافات بوزارة التعليم الإسرائيلية.

التقت السيدتان في عام ٢٠٠٧ في أيرلندا الشمالية بوصفهما مشاركتين في برنامج «السلام والرخاء» الذي أعدته منظمة أصوات حيوية، ورغم أن ليرون يهودية ونُهى فلسطينية إسرائيلية، فقد توطدت العلاقة بينهما سريعًا في رحلة سيارة الأجرة من المطار حتى موقع البرنامج. ورغم تبنيهما آراءً متباينة حول قضايا خلافية، فسرعان ما أصبحتا صديقتين. سافرت ليرون إلى أيرلندا الشمالية وهي في مراحل الحمل الأولى. أولتها نُهى العناية وسهرت على راحتها، ولم يمضِ وقت طويل حتى علمت نُهى أنها حامل هي الأخرى في توءمين. ظلت السيدتان على علاقة وثيقة خلال حملهما بعد أن عادتا إلى وطنهما إسرائيل، وفصل يوم واحد فقط بين ولادتيهما. وما بدأ كصداقة وتوثقت لُحْمته باعتبارهما أُمَّينِ نما إلى شراكة قوية دعمًا لمجتمع مشترك.

في عام ٢٠١٠، دعت نُهى وليرون برنامج «السلام والرخاء» الذي أعدته منظمة أصوات حيوية إلى وطنهما. ومن خلال هذا البرنامج، تساعدان حاليًّا نساءً أخرياتٍ على كسر الحواجز التي تفصل بينهن. وبالتعاون مع عشرين شابة إسرائيلية — عشر يهوديات وعشر عربيات — يُذلل البرنامج الذي وضعتاه تكوين العلاقات والمشروعات المجتمعية التعاونية. وفي ظل تنسيق ليرون ونُهى، حضرت المشاركات أحد عشر اجتماعًا على مدار عام، تناولت موضوعات مثل: تنمية مهارات الحوار العابر للمجتمعات، واستكشاف قصص واقعية، وتحويل الأفكار إلى مشروعات، وإدارة المشروعات، واستخدام وسائل الإعلام لتحقيق التغيير الاجتماعي. شجعت اللقاءات الحوار الفعال وتبادُل الرؤى. الأهم من ذلك، سمحت تلك اللقاءات لموجة جديدة من القائدات بأن يتواصَلْنَ مع أشخاص لم يتوقَّعنَ التواصل معهن. كثيرات من المشاركات ينسبن الفضل إلى البرنامج في السماح لهن بتنحية الانطباعات والتحيزات السابقة جانبًا، وتمكين كلٍّ منهن من رؤية الأخرى كامرأة؛ فالسيدات اللاتي لم يحتككن بعضهن ببعض من قبلُ تمكَّنَّ من تكوين علاقات مهنية وصداقات شخصية، كما فعلت نُهى وليرون.

تقول نُهى: «هكذا يبدأ التغيير، وأنا أومن بالخُطى الصغيرة؛ فهذه القطرات ستأتي في النهاية بالمطر الغزير، وسيهطل المطر. أنا أومن بذلك.» لن تنمحي التوترات في إسرائيل بين عشية وضحاها، لكن كلما زاد عدد الأشخاص العاملين من أجل السلام؛ حلَّ السلام على نحو أسرع. تُمثل نُهى وليرون أفضل قدوة يمكن أن تحذو حذوها النساء اللاتي تساعدانِهنَّ في أن يُصبحْنَ قائدات، وقد قالت إحدى المشاركات: «إنهما تبدوان كما لو أن كلًّا منهما تكمل الأخرى. الأمر أكبر بكثير من كون إحداهما عربية والأخرى يهودية. إنهما تضربان مثالًا رائعًا على التعايش.» توجز ليرون استراتيجيتهما في ثلاث كلمات بسيطة: «التواصل والعلاقات والتأثير.»

أنديشا فريد

أفغانستان

أشعر بأنه يتعين عليَّ فعل شيء من أجل الشعب الأفغاني، ومن أجل الأطفال، ومن أجل مستقبلنا.

figure

وُلدت أنديشا في أفغانستان إبان الاحتلال السوفييتي، فقضت طفولتها في معسكر للاجئين في إيران؛ حيث فر إليه والداها بصحبتها هي وأشقائها السبعة. تتذكر أنديشا وصولها المعسكر وهي فتاة صغيرة لتكتشف عدم وجود ماء للشرب، أو منشآت طبية، أو طعام، أو أي مكان يلعب فيه الأطفال. لم تتمكن أنديشا من الذهاب إلى المدرسة. كان الفقر والمرض والموت يحيطون بها من كل جانب.

تمكَّن والدها من إرسالها إلى باكستان إلى معسكر لاجئين آخر؛ حيث تمكنت على الأقل من ارتياد المدرسة. وأثناء دراستها هناك، قررت أنديشا تعليم النساء والأطفال الأفغان الذين لم يحالفهم الحظ مثلها. في عام ٢٠٠٢، انتقلت أنديشا إلى إسلام آباد لارتياد الجامعة، وهناك تعاونت مجددًا مع الجالية الأفغانية المحلية؛ إذ عملت في البداية معلمة ثم مديرة لمدرسة أفغانية ومتحدثة باسمها، لكن أنديشا كانت تحلم أن تعود في يوم من الأيام إلى أفغانستان لمساعدة أبناء وطنها. ورغم أن أنديشا كانت طفلة من أفغانستان، ورغم أنها نشأت في معسكر للاجئين، فقد حصلت على تعليم مرموق. وقد أرادت أن تثبت أن غيرها من الأطفال الأفغان يمكن أن يكون لهم مستقبل أيضًا.

في عام ٢٠٠٤، عندما كانت في العشرين من عمرها، أنشأت أنديشا ملجأها الأول للأيتام في كابول. لم يكن أغلب الأطفال أيتامًا بالمعنى الحرفي للكلمة؛ فقد كان لهم آباء على قيد الحياة أرادوا لهم الحصول على قسط من التعليم، لكن بدافع من التردي الاقتصادي أُرسلوا للتسول في الشوارع. تقول أنديشا: «حفَّزني هؤلاء الأطفال على اتخاذ إجراء. لقد أرادوا الذهاب إلى المدرسة، وأرادت أسرهم أن يتعلموا.»

بحلول عام ٢٠١١، أصبح ملجأ الأيتام أحد عشر ملجأً؛ خمسة في كابول، وأربعة في أجزاء أخرى من أفغانستان، واثنان للاجئين الأفغان في باكستان. من خلال تلك الملاجئ، تدعم أنديشا مئات الأطفال الأفغان. يصل أغلبهم إلى أحد ملاجئها بين سن السادسة والتاسعة، بعد أن عانوا فقرًا مدقعًا وتعرضوا لصدمات شديدة؛ من رؤيتهم لأحداث يشيب لها الولدان إلى تعرُّضهم للاعتداء. تؤكد أنديشا: «لا أرى فيهم مثل هذه الأشياء، بل أرى فيهم المستقبل كمعلمين أو صحافيين أو محامين أو ضباط شرطة. أرى أنهم قادرون على بلوغ أي طموح.» في مراكزها يمارس الأطفال الرياضة، ويحصلون على التعليم، ويؤدون مهام يومية، ويتناولون وجباتهم معًا كأسرة واحدة. كما يتقدم بعضهم للحصول على منح للدراسة بالخارج. دخلت إحدى الفتيات إلى الملجأ معتلة نفسيًّا يتملكها الخوف والرعب ولا تتكلم. لم تكن تتواصل مع أي شخص. بعد ثماني سنوات وبفضل رعاية أنديشا، حازت منحة دراسية مدتها أربع سنوات في إيطاليا. واليوم تتحدث الفتاة خمس لغات.

في عام ٢٠٠٨، اختيرت أنديشا كواحدة من بين العضوات الأوليات لمبادرة «١٠ آلاف سيدة» برعاية مؤسسة جولدمان ساكس، وحصلت على برنامج تعليمي لإدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في كابول. تدير أنديشا ملاجئها بإتقان وحنكة المديرين التنفيذيين، وتَعتبر الأطفال عملاءها.

تقول أنديشا: «إن القيام بهذا يثلج صدري؛ فبنهاية اليوم عندما أضع رأسي على وسادتي وأغلق عيني، أدرك أنني قدمت شيئًا، وهذا يساعدني على المواصلة ويمنحني الأمل.» إن قوة أنديشا الدافعة هي إيمان راسخ بأن «التعليم بمثابة اتخاذ موقف في وجه القهر». لقد شاهدَتْ أطفالًا يُغيِّرون من حياتهم رغم صعوبة الظروف، وتبذل ما في وسعها من أجل تعويض ذكريات المعاناة لديهم بإحساس بالانتماء والمساواة. وهي تأمُل أن يكتسبوا حب وطنهم بقدر ما تحبه، وأن يشبوا مسلحين بالمهارات والقيم اللتين تُمكِّناهم من إعادة أفغانستان إلى سابق مجدها وكرامتها الوطنية. إنها تريد منهم أن يفخروا بوطنهم ويثقوا في أنفسهم، فتقول: «إن كان بإمكاننا تنشئة أطفالنا لنمنحهم هذا المستقبل، فسوف أفعل هذا.»

كاكينيا نتايا

كينيا

أرى فتيات يحملن أحلامًا كبيرة. أجل، هؤلاء الفتيات سيكُنَّ أصواتًا حيوية في مجتمعنا. حُلمي أن أساعدهن على بلوغ هذا المستقبل المأمول.

figure

خُطبت كاكينيا نتايا للزواج وهي في الخامسة من عمرها. اختار لها والدها صبيًّا أكبر سنًّا من القرية، وأبرم عقدًا مع أسرته يعِدُه بالزواج منها عندما تبلغ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وهو السن المناسب من وجهة نظرهم كي تصبح عروسًا. في عُرف شعب الماساي في إينوسن بكينيا، هذا هو النحو الذي تجري عليه الأمور. تشرح كاكينيا الموقف قائلة: «عندما تبلغ الفتاة السن الذي يَسمَح لها بالمشي، تتعلم كيف تكنس المنزل، وكيف تجلب الماء من النهر، وكيف تحلب الأبقار، وتجمع الحطب، وتطهو الطعام للأسرة. تُربَّى الفتاة كي تكون زوجة وأمًّا، ويُربَّى الفتى كي يكون محاربًا. إنها تقاليد يتبعها شعبي منذ قديم الأزل.»

كاكينيا هي الأكبر سنًّا بين ثمانية أشقاء وشقيقات. وهذا معناه أنها اضطرت لمساعدة أمها في تربيتهم. عمل والدها ضابط شرطة بالمدينة، وكان يتغيب عن المنزل لأسابيع أو حتى أشهرًا في بعض الأحيان، وعندما يعود للمنزل، عادة ما كان يضرب أمها ويبيع دواجن الأسرة ويشتري بثمنها خمرًا. تقول كاكينيا: «كانت حياة أمي غاية في الشقاء. أدركت أنني أريد حياة مختلفة.»

عندما كانت تفرغ كاكينيا من أعمالها المنزلية، كان يُسمح لها بالذهاب للمدرسة. عادة ما ترتاد فتيات شعب الماساي في إينوسن مدرسة ابتدائية، إلا أن تعليمهن لا يُؤخذ بالجدية نفسها التي يُؤخذ بها تعليم الصبية؛ لأنه لا يُتوقع منهن أن يتجاوزن الصف السابع أو الثامن بكثير. تقول كاكينيا: «عندما تبلغ فتاة الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمرها، تُقام لها شعيرة. قيل لنا إن هذه الشعيرة ستجعلك امرأة، وما إن تصبحي امرأة يمكنك الزواج. كنت في نظر الغير محظوظة لأنني كان لي زوج بالفعل ينتظرني.» تتمثل هذه الشعيرة في تقليد يتبعه شعب الماساي؛ وهو ختان الإناث، الذي يعني بالنسبة إليهم بلوغ الفتاة مبلغ النساء، وهو إعلان باستعدادها كي تصبح زوجة. يعني الزواج نهاية تعليم الفتاة؛ لأنه يُنتظر منها أن تتقلد مهام ومسئوليات العناية بالمنزل وبزوجها، وأن تبدأ في إنجاب الأطفال.

تعترف كاكينيا بأنها لم تشعر أنها محظوظة لوجود زوج بانتظارها. لقد أحبت المدرسة وتأثرت كثيرًا بالمعلمين الذين أتوا من مجتمعات أخرى لتعليم أطفال الماساي، وشعرت بأهميتهم بالنسبة إليها. تتذكر كاكينيا قائلة: «حلمتُ أن أكون معلمة؛ لأن المعلمين كانوا ينتعلون أحذية ويرتدون ملابس مختلفة كل يوم، ولم يكونوا مضطرين إلى العمل بالمزارع.»

ومع اقتراب إجراء شعيرة الختان لكاكينيا، أقدمت على المحاولة الوحيدة المتاحة أمامها. عادة لم يكن يُسمح للفتاة بمخاطبة والدها مباشرة. ينبغي لها سؤال والدتها لتتحدث إليه بالنيابة عنها، لكن لخوفها من الضرب الذي يمكن أن تتلقاه أمها، تحدثت كاكينيا إلى والدها بنفسها. أخبرته أنها تريد منه تأجيل زواجها حتى تتمكن من التخرج من المدرسة الثانوية. ووافقت على أن تخضع لشعيرة الختان شريطة أن يمنحها فرصة الحصول على الشهادة الثانوية. وهددته بالهروب وعدم الخضوع لشعيرة الختان إن لم يوافق. كانت الفتاة التي لا تخضع لعملية الختان مصدر عار للأسرة التي تصبح أضحوكة في القرية. ما أدهش الجميع أن والدها قبِل شروطها. خضعت كاكينيا لشعيرة الختان، فقايضت جزءًا من جسدها بحقها في ارتياد المدرسة الثانوية.

ومع اقتراب تخرجها من المدرسة، أدركت أنها في حاجة لعقد صفقة أخرى، إلا أن والدها آنذاك ألمَّ به المرض ولم يعد في موقف يسمح باتخاذ قرارات بشأن أسرته. تقول كاكينيا: «حسب تقاليدنا، كل الرجال في سن والدي كانوا بمثابة والدي في ذلك الوقت؛ فتوجهت إليهم واحدًا تلو الآخر.»

ثمة تقليد متبع لدى شعب الماساي بأن الشخص الذي يزورك قبل شروق الشمس سيجلب لك أنباءً طيبة، وعليه لا يجب رفض طلبه؛ لذا كانت كاكينيا تسير كل صباح قبل شروق الشمس إلى منازل كبراء القرية وتطلب موافقتهم على ارتيادها الجامعة في أمريكا.

عندما وافق جميع كبراء القرية، باع أهل إينوسن بعضًا من أبقارهم وجمعوا المال لشراء تذكرة طيران إلى الولايات المتحدة من أجل كاكينيا. للمرة الأولى سترتاد فتاة من قرية كاكينيا الجامعة. قطعت كاكينيا وعدًا بأنها ستعود، وستجلب معها ثمار ما تعلمته إلى وطنها إينوسن.

سمعتُ عن رحلة كاكينيا المذهلة من شركاء منظمة أصوات حيوية بمؤسسة نايك، الذين شاركوا في تدشين حملة منظمة «جيرل إيفيكت»؛ وهي مسعًى حقوقي لتخصيص أموال التنمية لمشروعات الاستثمار في الفتيات حول العالم. التقيتُ كاكينيا شخصيًّا عام ٢٠٠٦، وبحلول ذلك الوقت كانت هذه الشابة من قرية الماساي قد حصلت على درجة الماجستير، وتفصلها أطروحة واحدة عن استيفاء متطلبات درجة الدكتوراه بجامعة بيتسبيرج.

أخبرتني كاكينيا أنها تحلم بتوفير فرص للفتيات في إينوسن، فبالسماح لها بارتياد الجامعة، منحها مجتمعها فرصة صنع مستقبلها وتعقب أحلامها. كان ذلك استثمارًا أرادت بسببه أن ترد الجميل، فتقول: «تعهدت في اليوم الذي غادرت فيه وطني أن أعود يومًا ما … وأساعد المزيد من الفتيات في مجتمعي على ارتياد المدرسة.» أدركت أنهن إن تمكَّنَّ من الحصول على قسط متميز من التعليم، وحظين بالتشجيع على الاستمرار بالمدرسة؛ فلن تكون هناك حدود تحدُّ من مستقبلهم.

أخبرتني كاكينيا قائلة: «من المتوقع في العقد المقبل أن تتزوج ١٠٠ مليون طفلة، لكنني أرى مستقبلًا مختلفًا لهن. أرى وجوههن تعلوها الابتسامات، ومفعمة بالحيوية والحماس؛ أراهن على استعداد لتغيير مجتمعهن للأفضل.»

في عام ٢٠٠٨، كرمت منظمة أصوات حيوية كاكينيا بمنحها جائزة الأصوات الصاعدة. لم يكن السبب في اختيارها شجاعتها وإنجازاتها والطريق الذي أنارته لأخريات، بل بسبب حلمها الاستثنائي الذي آمنت به من أجل المستقبل. لم يكن حلمًا لنفسها، بل حلمًا لمجتمعها ولعالمنا. سافرتُ ذلك الصيف إلى إينوسن لنشهد حفل افتتاح «مركز كاكينيا للتميز»؛ أول مدرسة ابتدائية داخلية للفتيات في قريتها. ونحن نقترب من القرية، بعد رحلة استغرقت أربع ساعات عبر أرض وعرة نحو قلب إقليم الماساي، شاهدت رجالًا ونساءً يحملون مقاعد على ظهورهم وعلى الدراجات.

سرعان ما أدركتُ أنهم يحضرون المقاعد إلى الحفل الافتتاحي. أعدَّت النساء مأدبة وأخذ الأطفال يرقصون، وبدا كما لو أن كل رجل بالقرية أخبرني أنه شقيق كاكينيا، أو ابن عمها، أو تربطه بها صلة قرابة من قريب أو بعيد. كان فخر مجتمعها بإنجازاتها عظيمًا كعظمة إنجازاتها ذاتها؛ فقد حققت كاكينيا شيئًا استثنائيًّا، إذ استطاعت أن تنتصر بنجاح واحترام على تقاليد استمرت لأجيال. إنها لم تخلق بيئة لتنشئة الفتيات وإعداد القائدات وحسب، بل شكلت مجتمعًا من الأبطال يرى أن تعليم الفتيات يمكن أن يعود بالنفع على الجميع.

في مايو ٢٠٠٩، التحقت اثنتان وثلاثون فتاة بأول فصل في مركز كاكينيا للتميز، ومنذ ذلك الحين يزداد العدد بمعدل ثلاثين فتاة كل عام. وفي عام ٢٠١١، حصلت كاكينيا على درجة الدكتوراه وعادت إلى كينيا؛ حيث تستطيع قضاء وقت أطول مع الفتيات في قريتها، ويمكنها البدء في تطبيق نموذج مركز كاكينيا للتميز في أنحاء أخرى من البلاد.

في النهاية، تزوجت كاكينيا، لكنها تزوجت كما توضح، من رجل كيني من قبيلة كيكويو التقت به في الجامعة. كان بإمكان كاكينيا أن تنسى إينوسن تمامًا بعدما حصلت على درجة الدكتوراه وأصبحت منشغلة بأسرتها الشابة، وكان بإمكانها بناء حياتها في الولايات المتحدة، لكنها لم ترد أن تنتهي القصة بنجاحها الشخصي فحسب؛ إذ شعرت برغبة عارمة في أن تشاركها أخريات هذا النجاح.

منذ أن كانت كاكينيا فتاة صغيرة تحلم بأن تصبح معلمة، كانت تؤمن بأن كل طفل — بغض النظر عن مكانه — يمتلك حلمًا. اعتبارًا من عام ٢٠١١ التحقت تسعون فتاة بمدرستها. تأمل كاكينيا في أن تكون هذه هي البداية لكل واحدة منهن، فتقول: «أتطلع إلى أن يكتسبن مزيدًا من القوة ويحصلن على القدر المناسب من التعليم. أتوقع أن يصبحن مسئولات تنفيذيات بارزات في شركات كبرى، وأن يمتلكن مشروعاتهن الخاصة، ويترأسن وزارات بالحكومة، ويدافعن عن حقوق الإنسان. أريدهن أن يحلمن؛ يحلمن بأحلام أكبر من أحلامي.»

جايا أروناشالام

الهند

لن يتمكن فرد واحد من إحداث التغيير المنشود؛ بل سيتحقق التغيير بفضل جهود آلاف من النساء المُمَكَّنات.

figure

شبَّت جايا أروناشالام وهي تؤمن بأن سبيل إحداث التغيير على نطاق واسع هو بالعمل بالحكومة؛ ولذا حصلت على قدر جيد من التعليم وتطوعت في حزب المؤتمر الوطني الهندي، وجعلت هدفها أن تصبح قائدة سياسية، إلا أنها سرعان ما أدركت أن التحول الحقيقي للهند يجب أن ينبع من الناس أنفسهم. وعلى وجه الخصوص، كانت جايا معنية بوضع النساء الفقيرة في بلدها. كانت على قناعة بأن الهند لن تحقق كامل طاقتها أبدًا إن لم تستغل نصف مواردها الطبيعية المتمثلة في نسائها.

عندما التقيت جايا خلال واحدة من زياراتي الأولى للهند، أخبرتني: «تدنِّي المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمرأة في الهند هو أكبر عائق يعترض سبيل التنمية.» يعيش تحت خط الفقر المدقع نحو ٣٥٠–٤٠٠ مليون شخص، أغلبهم من النساء.10 ويقدَّر عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والرابعة عشرة في الهند ولا يرتادون المدارس بنحو ثمانية ملايين طفل، أغلبهم من الفتيات.11 مع تدنِّي المكانة في المجتمع والافتقار للتعليم، تصبح النساء عرضة للعنف الأسري، والاتجار بالبشر، والإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز. ومما لا شك فيه أن عدم توافر المعلومات لدى النساء حول المرض وكيفية الوقاية منه، إضافة إلى عدم قدرتهن على اتخاذ القرار فيما يتعلق بالأمور الجنسية، يزيد من تعرُّضهن للخطر. بدأت جايا العمل على التشجيع على التحرُّك الجماعي من جانب أشد النساء فقرًا، محفِّزة إياهن على البدء في وضع تصور لمستقبل أفضل لأنفسهن ولأطفالهن.

في أثناء الفترة التي قويت فيها شوكة الحركة النسائية في الغرب، سعت جايا إلى تمكين النساء الهنديات اقتصاديًّا من خلال التمويل المتناهي الصغر، وتقول عن ذلك: «كثير من برامج التمويل المتناهي الصغر تبدأ وتنتهي بفكرة أنه إن أعطيت امرأة فقيرة قرضًا ضئيلًا لبدء مشروع صغير، فإنها لن تتمكن من إعالة أسرتها وحسب، بل إنها ستسدد القرض أيضًا. ونحن بمنتدى المرأة العاملة نؤمن بأن زيادة دخل الأسرة وحده لن ينتشل المرأة من الفقر. مفهوم الفقر لدينا هو انعدام السبيل إلى الموارد والتعليم والحقوق.» دافع منتدى المرأة العاملة منذ تأسيسه عن المبدأ القائل بأنه حتى يتحقق تغيير اجتماعي واقتصادي حقيقي، ينبغي تمكين النساء اقتصاديًّا وبوصفهن مواطنات فاعلات معًا؛ من أجل فهم قيمتهن في المجتمع وحقوقهن.

استخدمت جايا دراسات الحالة لتثقيف النساء بشأن تأثير تعليم أطفالهن وأهمية الرعاية الصحية. وقد نشرت جايا المعلومات لمساعدة النساء في الضغط على مسئولي الحكومة بشأن القضايا التي تمس حياتهن. وبإدراكها أنه ليس بوسع منظمة بعينها النضال من أجل التغيير بمفردها، حشدت جايا شبكة من الحقوقيين للعمل على نحو جماعي من أجل تحقيق التقدم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وسرعان ما وجدت نفسها في قلب ثورة الهند الصامتة؛ وهي حركة لتمكين أشد الناس فقرًا.

منذ عام ١٩٧٨، مكَّن منتدى المرأة العاملة ما يقرب من مليون سيدة فقيرة منتشرات في أنحاء ٣٠٠٠ قرية و١٦٠٠ حي فقير في مختلف أنحاء الهند. باستطاعة هؤلاء النساء اتخاذ القرار بشأن عدد الأطفال الذين يريدون إنجابهم، وكسب دخل للمساعدة في إعالة أسرهن، وفهم حقوقهن القانونية والسياسية والعمالية والإسكانية والنضال من أجلها. ومن خلال المسيرات بالشوارع واللقاءات الجماهيرية، يلفتن انتباه الجمهور إلى شواغلهن.

كثيرات من القائدات بشبكة جايا يُحدثن تغييرًا أكبر بكثير بتمثيل قراهن بالمجالس الحكومية المحلية المعروفة باسم البانشايات. ما يزيد على مليون سيدة يتقلدن مناصب بالبانشايات عن طريق الانتخابات المحلية. ويعد هذا أكبر تمثيل سياسي للمرأة في العالم. أشار تقرير التنمية العالمية المعني بالقضايا الجنسانية لعام ٢٠١١ إلى أن التمثيل النسائي القوي بالبانشايات — حيث تشغل النساء ٣٣ بالمائة من المقاعد في أغلب أقاليم الهند — أدى إلى تحقيق نمو أكبر في البنية التحتية، مثل الطرق والماء النظيف والتعليم، كما أدى إلى انخفاض نسب الفساد الحكومي والهدر.12

تدرك جايا أنه بمجرد أن يتم تمكين المرأة، فإن حياتها تتغير للأبد. عندما ضربت أمواج تسونامي الساحل الجنوبي للهند في ديسمبر ٢٠٠٤، كثيرات من المشتغلات بالصيد اللاتي كنَّ يشكِّلن جزءًا من شبكتها فقدن سبل عيشهم، فسافرت إلى الجنوب من أجل جبر خاطرهن، ومعاينة الدمار الذي حلَّ بالمنطقة، ومساعدتهن على إعادة الإعمار. ولأن هؤلاء النساء كُنَّ مُمكَّنات، عرفن أنهن يحظين بشبكة دعم تعضدهن. ورغم أنهن فقدن كل شيء، فإنهن لم يفقدن ثقتهن بأنفسهن. دعمت جايا أكثر من ألفين من المشتغلات بالصيد، وذلك عن طريق توفير المأكل والملبس والدعم المالي؛ لإعادة بناء مشروعاتهن وحياتهن، ولمواصلة إعالة أسرهن. تؤمن جايا إيمانًا راسخًا بقوتها الدافعة: «إعطاء القدوة والمشاركة فيما تدعو إليه.»

سمر منة الله خان

باكستان

فيما يتعلق بحقوق المرأة أو حقوق الإنسان في باكستان، ثمة نوع من ثقافة الصمت. كان من الأهمية بمكان أن تظهر حركة ما تعتمد على وسائل الإعلام كي تتصدى لنمط التفكير السائد أو تساعد على كسر حاجز الصمت.

figure

بوصفها ناشطة وسينمائية، تخطو سمر منة الله خان خطوات جريئة من أجل تغيير الثقافة السائدة. فلأكثر من عشرين عامًا، ناضلت من أجل حقوق الإنسان في باكستان، مع التركيز على أعمال العنف المجرَّمة قانونًا بحق المرأة والفتاة. وبالاستعانة بالأفلام الوثائقية وتوفير المساعدات للمحتاجين، أعلت سمر من صوت النساء، ومكَّنت الأبطال والحقوقيين من الرجال، وألقت بالضوء على انتهاكات غير مرئية لحقوق الإنسان في أنحاء البلاد.

غُرست بذور القيادة لدى سمر في سن مبكرة؛ فقد نشأت في الإقليم الشمالي الغربي الحدودي من باكستان، وكانت قريبة من والدها، الذي آمن بأهمية التعليم وشجع سمر على تعقب أحلامها. ورغم وفاته عندما كانت سمر في الثالثة عشرة من عمرها، تركت مُثُله التقدمية أثرًا لا يُمحى لديها، ما وفر لها الفرص التي حُرمت منها فتيات كثيرات جدًّا شبَّت سمر بينهن. تعقبت سمر أحلامها، وسافرت إلى جامعة كمبريدج لتحصل على درجة علمية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتنمية. وعندما عادت إلى وطنها باكستان، نظرت إلى بلدها ومجتمعها بمنظور جديد. وحين عاودت الاتصال بصديقاتها وزميلاتها القدامى، أدركت التأثير الذي خلفه والدها على الوجهة التي اتخذتها في حياتها؛ فبفضل ما تلقته من علم وما حظيت به من تمكين، تمتعت سمر بالاستقلال وحرية الاختيار، في حين افتقرت كثيرات من قريناتها للفاعلية وقاسَين العنف بالمنزل. شعرت سمر أن ثقافتها المحلية تنظر للأفراد نظرة مختلفة؛ كلٌّ حسب نوعه؛ إذ يلقى الفتيان التقدير باعتبارهم أفرادًا بالمجتمع. أما الفتيات فيُعتبرن مجرد رموز للشرف. هذا الإدراك الهدَّام حفَّز سمر على التحرك. وإدراكًا منها للفرص التي وفرها لها والدها، بدأت تشجِّع على تبنِّي القيم التقدمية وتتحدى الممارسات الثقافية التمييزية، وتحض على المساواة بين الرجال والنساء في باكستان.

بلد كباكستان في أمسِّ الحاجة إلى قائدات مثل سمر؛ حيث لم تنل المرأة والفتاة حقوقها إلى الآن على أرض الواقع. تشير التقديرات إلى أن ثلاث نساء يقعن ضحايا لجرائم القتل بدعوى الشرف كل يوم، وأن ٨٠ بالمائة من البالغات كافة يتعرضن لاعتداء بدني من شريك حميم. وتعد باكستان منبعًا وقبلة للاتجار في البشر بغرض الجنس على نطاق عالمي، والزواج القسري أو زواج الأطفال، والتعدي بالمواد الكاوية، والعنف الأسري. أضف إلى ذلك حقيقة أن كثيرًا من المجتمعات الباكستانية تمارس عادة يُطلق عليها «سوارا» أو «فاني»؛ وهي تقليد يعود إلى ألف عام مضت يعتبر النساء والفتيات عطايا بغرض إحلال السلام. وتُتبع عادة سوارا عندما تهبُ عشيرةٌ عشيرةً أخرى إحدى عضواتها الإناث من أجل استعادة شرف أو تسوية خلاف، ثم تحدد العشيرة الجديدة مصير المرأة أو الفتاة؛ فأحيانًا تُجبر على الزواج من أحد أفراد العشيرة، وفي أحيان أخرى تُقتل.

في محاولة منها لمقاومة هذه الممارسات وتشكيل ثقافة مختلفة، أسست سمر «إثنوميديا»؛ وهي منظمة غير هادفة للربح، إذ من خلال ابتكار محتوى إعلامي أصيل والدفاع عن الحقوق ومساعدة المحتاجين، أمَّلتْ سمر أن تسلط الضوء على رؤى ومواقف وأولويات المرأة، وفي الوقت نفسه تُبرز العوائق الثقافية المؤذية التي تعترض حصول المرأة الكامل على حقوقها الإنسانية. لاحظت سمر أمرًا مهمًّا عندما بدأت عملها في منظمة إثنوميديا، فكثير من الرجال بمجتمعها يحملون انطباعًا سلبيًّا عن المنظمات غير الهادفة للربح. كانوا يشعرون أن هذه المنظمات تتبنى نظرة انتقادية لكل الرجال، بصرف النظر عن أفعالهم أو معتقداتهم. وإدراكًا من سمر لهذه الانطباعات ووعيها بموروث والدها، بذلت جهودًا استراتيجية لإشراك الرجال في عمل منظمتها. أثناء تطوير سمر للمحتوى الإعلامي، سلطت الضوء على أعضاء المجتمع من الرجال الذين يدعمون حقوق المرأة، والتمست مشاركة الرجال في الدفاع عن قضيتها. اليوم ترى سمر أن إعداد أجيال مستقبلية من الآباء المراعين للاعتبارات الجنسانية جزء لا يتجزأ من عملها.

على مدار العقدين الماضيين، ازداد نشاط منظمة إثنوميديا زيادة مذهلة. ومن خلال هذه المنظمة، أعدت سمر محتوًى إلكترونيًّا ومنشورات، وموضوعات إخبارية، وأفلامًا وثائقية، وبرامج تليفزيونية، وأغاني مصورة؛ ما نقل بفعالية المعلومات حول العنف الموجه ضد المرأة إلى الباحثين وقادة المجتمع المدني وصنَّاع السياسات والجمهور. علاوة على ذلك، أطلقت المنظمة حملات خدمية لنشر الديمقراطية ومكافحة العنف ضد المرأة، وتسليط الضوء على المحن التي تلم بالنساء في أوقات النزاع. ربما الشيء اللافت أن تعاون سمر مع إثنوميديا كُلل بالنجاح في مقاومة عادة سوارا، فبعد تجميع عدد ضخم من الأبحاث وتوثيق تأثير عادة سوارا على المرأة الباكستانية وأسرتها، تصدت سمر لهذه العادة بإشراك علماء إسلاميين وساسة وإقطاعيين في الحوار. وفي محاولة جريئة ومبتكرة من جانب سمر من أجل لفت الأنظار إلى تلك العادة، أقنعت أصحاب الشاحنات والعربات بلصق شعارات مناهضة لعادة سوارا على مركباتهم، مثل «تقديم الفتيات على سبيل التعويض لا يمت للإسلام بصلة فضلًا عن كونه عملًا غير إنساني.» وفي عام ٢٠٠٦، نجحت سمر في نقل نضالها ضد عادة سوارا إلى المحكمة العليا في باكستان. وبفضل جهودها المتواصلة، أصدرت المحكمة حكمًا تاريخيًّا بتجريم فعل «تقديم أو قبول أي طفلة أو امرأة ضد إرادتها الحرة على سبيل التعويض» في شهر يونيو من ذلك العام.

رغم أن جهود سمر عرَّضت سلامتها الشخصية للخطر، فإنها لم تُظهر أي بادرة للتراجع. عندما تفكر سمر في النجاح الذي أحرزته في حياتها المهنية، تتذكر حين تحدَّث إليها ابنها عندما كان في الحادية عشرة من عمره بشأن التهديدات بقتلها. نظر الفتى بجدية إلى أمه وقال لها إنه سيواصل عملها إن أصابها أي مكروه. وحتى اليوم، تَعتبر سمر تلك اللحظة واحدة من أكثر اللحظات المجزية في حياتها المهنية؛ ففي تلك اللحظة برهن لها ابنها أن موروث والدها سيبقى حيًّا في أسرتها وفي مجتمعها. إن الجهود التي تبذلها سمر من أجل توفير فرص للآخرين يعد مثالًا على تأثير رد الجميل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤