في ميليسوس وفي إكسينوفان وفي غرغياس

(١) مذاهب ميليسوس

الباب الأول

هو يقرر أنه إن يكن من شيء فذلك الشيء يجب أن يكون أزليًّا ما دام أنه — على رأيه — من المحال أبدًا أن يتولَّد شيء من لا شيء. وسواء أكان في الواقع أن الكل قد خلق أم أن الكل لم يكن يخلق، فيلزم على ذلك من الفرضين أن الأشياء التي خلقت تكون أخرجت من لاشيء ما دام أنه ما من واحد من جميع الأشياء التي تكوَّنت على هذا النحو كان يوجد من قبل.١
وإنه إذا قيل إن من الأشياء ما كان موجودًا من قبل ومنها ما جاء بعد ذلك لينضم إليه، نتج من ذلك أن الكل الذي هو واحد قد زاد بالعدد وبالكم. وهذا نفسه الذي به يصير أكثر عددًا وأكبر يجب أن يأتي أولًا من لاشيء؛ لأن الأكثر لا يمكن أن يكون في الأقل ولا الأكبر في الأصغر.٢
ومتى كان الكل أزليًّا يجب أن يكون بهذا عينه لامتناهيًا؛ لأنه لا يكون هناك مبدأ يأتي منه، كما أنه لا يكون له آخر متى بلغه انتهى. وكل متناهٍ يجب ضرورة أن يكون واحدًا؛ لأنه إذا وجد عدة لامتناهيات بل متناهيان اثنان حدد بعضها بعضًا على التكافؤ.٣
ولما كان واحدًا وجب أن يكون متشابهًا في جميع أجزائه؛ لأنه إذا كان غير متشابه فبهذا وحده لا يكون بعد واحدًا، ولما لم يكن واحدًا كان كثرة. ولما كان الواحد أزليًّا لا قابلًا لأن يقاس، متشابهًا في جميع أجزائه، وجب أن يكون غير متحرك؛ لأنه لا يمكن أن يتحرك إلا في شيء ينطلق أمامه، ولكن الانطلاق لا يمكن أن يكون إلا للذهاب في الملء أو في الخلو؛ فمن جهة الملء لا يمكن بعد أن يقبل شيئًا ومن جهة أخرى الخلو نفسه ليس شيئًا.٤
لما كان الواحد هو ما قلنا آنفًا ينتج من ذلك أنه لا يمكن أن يلحقه تعب ولا ألم، ويجب أن يكون سليمًا وبغير مرض. كما أنه لا يمكن أن يغير وضعه ليتخذ أحسن منه، ولا أن يتحوَّل ليأخذ نوعًا آخر، ولا أن يختلط بشيء آخر. وفي كل هذه الأوضاع الواحد يصير كثرة وإذن يكون اللاموجود هو المتولد، والموجود يكون هو الذي قد فسر بالضرورة.٥
وكل هذا محال مطلقًا. وفي الحق إذا كان الواحد مقولًا على الخليط لأنه تألف من عدة أشياء، فيلزم حينئذ أن يكون مسبوقًا بوجود عدة أشياء، وإن هذه الأشياء تكون قد تحركت بعضها نحو الأخرى. وليس الاختلاط في الواقع إلا تركب عدة أشياء في شيء واحد، أو إنما هو كجمع بين الأشياء المختلطة عن طريق التصنيف. وعلى هذا النحو قد تختلط الأشياء لأنها تنفصل بعضها عن الأخرى. ولما أن هذا الجمع يحصل في سحق الأشياء، فقد يجب أن يوجد جليًّا كل واحد منها برفع الأشياء الأولى التي اختلطت باقترابها بعضها من بعض، وليس توجد واحدة من هاتين الحالتين.٦
وهكذا على هذه الطريقة تكون الأشياء — على رأي ميليسوس — متكثرة، ولا تظهر لنا ألبتة بوحدة. وبالنتيجة لما أنه ليس ممكنًا أن يكون الحال هكذا على هذا الوجه، وأنه لا يمكن أن تكون الأشياء متكثرة، فيلزم القول بأن هذا ليس إلا ظاهرًا خداعًا كما أنه مع ذلك يوجد كثير من الأشياء تخدع حواسنا وتغرها، ولكن العقل يؤكد لنا أن تلك الأشياء ليست موجودة، بل هو يؤكد لنا أن الموجود لا يمكن أن يكون كثرة، وأنه واحد أزلي لامتناهٍ متشابه في جميع أجزائه.٧
وحينئذ هل تكون عنايتنا الأولى بعدم قبول كل ظاهر، وألا نَثِقَ منه إلا بما هو الأحق؟ ولكن إذا كان ما يظهر لنا أنه حق ليس صحيحًا ولا يستحقُّ على ذلك تصديقنا، فقد نحسن صنعًا بعدم قبول هذه القاعدة أيضًا: أنه لا شيء ألبتة يمكن أن يأتي من لاشيء؛ لأنه ربما كان هذا أيضًا واحدًا من تلك الآراء القليلة الصدق والكثيرة العدد التي نحن جميعًا قد تصوَّرناها بواسطة إدراكات قليلة الصدق أو كثيرته.٨
ولكن إذا كانت كل إدراكاتنا ليست فاسدة، وإذا كان بعض آحادها صحيحًا فيلزم أن يختار إما الرأي الذي قام الدليل على صحته، وإما الآراء التي تظهر أنها أحق؛ لأن هذه الأخيرة تكون دائمًا أمتن من الآراء التي يجب أن يدلل عليها من بعد بمساعدة تلك المبادئ الأولى.٩
فلنسلم — إذا شئت — بأن هذين الرأيين مضادان أحدهما للآخر كما يفترض ميليسوس: بادئ بدء إنه عند تأييد الكثرة يضطر إلى استخراجها من اللاموجود، ثم لما كان هذا محالًا وجب أن يستنتج من ذلك أن الموجودات ليست متكثرة والموجود بما هو موجود فقط هو لامتناهٍ وبما هو لامتناهٍ هو واحد.١٠
نزعم أن هذين الرأيين لا يثبتان لأحدهما ولا الآخر أن الموجود هو واحد وأنه كثرة. ولكن إذا كان أحد الاثنين أحقَّ وأمتنَ فتكون النتائج التي تستنتج منه هي أيضًا أجلى وضوحًا؛ فإن كان لنا هذان الاعتقادان معًا: أن لا شيء يمكن أن يأتي من لاشيء، وأن الموجودات هي متكثرة ومتحركة، فلما أن هذا الأخير يظهر لنا حقيقًا بالثقة فهو أولى من الآخر بتصديق الناس. وبالنتيجة إذا كان هذان الرأيان هما متضادين في الواقع، وإذا كان من المحال أن شيئًا يأتي من لاشيء وأن الموجودات متعددة؛ فإن هاتين النظريتين تتباطلان وتتفاسدان على التكافؤ.١١
لكن لماذا إذن يكون رأي ميليسوس أحق؟! إنه يمكن أيضًا تأييد الرأي المضاد ما دام أن ميليسوس قد وضح استدلاله من غير أن يكون قد دلَّل على أن الرأي الذي يصدر عنه هو الحق أو على الأقل أنه أمتن من الرأي الذي يقصد إلى أن يبرهن على فساده. وهذا من جانبه ليس إلا فرضًا محضًا أن يرى أن مجيء الأشياء من لاشيء أشبه بالحق من أن تكون متعددة.١٢

ولقد أصاب من قال على ضد ذلك ها هنا إن أشياء لم تكن قد كانت، وإن كثيرًا من الأشياء أخرج من العدم. وليس هؤلاء الذين افتكروا هذه الأفكار من أناس كيفما اتفق. بل هم مشهورون بأنهم أعقل الناس، مثال ذلك قال هيزيود:

كان العماء موجودًا قبل كل الأشياء
ثم ظهرت الأرض ذات الصدر الفسيح
وهي الأساس الأزلي لكل ما تحمل
… … … … …
ثم بعد ذلك العشق الذي هو أقدر الآلهة.
فعلى رأي هيزيود سائر الأشياء تولد من هذا، ولكن المبادئ الأُوَل لم تتولد من شيء.١٣
ومن الفلاسفة من يقولون بأن لا شيء يكون وأن الكل يصير، وهم يؤكدون كذلك أن كل الأشياء التي تصير تولد من أشياء غير موجودة. وبالنتيجة يمكن أن يقال إن عند بعض الفلاسفة الصيرورة يمكن أن تنتج حتى من اللاموجود.١٤

الباب الثاني

نحن لا نشتغل ببحث ما إذا كان ما يقوله ممكنًا أو ممتنعًا. لكن هنا نقطة يجب علينا أن نعيرها بعض الالتفات، وهي ما إذا كانت مثل تلك النتائج تنتج بلا تخلف من فروضه أو إذا كانت الأشياء يمكن أن تكون ضد ما يعتقد؛ لأنه يمكن في الحق أن يكون الواقع مخالفًا تمام المخالفة.١٥
فهو يقرر بادئ بدء أن ليس شيء يمكن أن يأتي مما هو ليس موجودًا. ولكن يرد عليه هذا السؤال: أمن الضروري إذن أن تكون جميع الأشياء بلا استثناء غير مخلوقة؟ أَوَليس من الممكن أيضًا أن تأتي الأشياء بعضها من بعض، وأن هذه السلسلة يمكن أن تتمشَّى إلى ما لا نهاية؟ أَوَليس من الممكن أيضًا أن تتكون رجعى دائرية بحيث إن الواحد يأتي من الآخر، وأنه على ذلك يوجد دائمًا موجود ما، وأن كل واحد قد أمكن أن يخرج على هذا النحو من جميع الآخر على التكافؤ في عدد غير متناهٍ من المرات؟ على هذا المعنى لا شيء يمنع أن الكل قد خلق وأصبر حتى مع التسليم بذلك الفرض أنه ليس شيء يمكن ألبتة أن يأتي من لاشيء. وبما أن الموجودات على ذلك غير متناهية فيمكن إذن — كما يشاؤه — أن تسمى بجميع الأسماء التي لا تناسب إلا الوحدة؛ لأنه يطبق هو أيضًا على اللامتناهي كيفية أنه كلٌّ وأنه يسمى كلًّا.١٦
حتى من غير أن يفرض أن عدد الموجودات غير متناهٍ، يمكن أن يفهم أن كونها دائري، فإذا كان كل بصير وأن لا شيء يوجد كما يزعم بعضهم، فكيف يوجد إذن أشياء أزلية؟ ولكن ميليسوس يتكلم عن الموجود كأنه كائن وكأنه مسلم به على الإطلاق. فإنه يقول: «إذا الموجود لم يصر وإذا هو يكون فيلزم أن يكون أزليًّا.» وهذا إنما هو تسليم بأن الوجود يتعلَّق ضرورة بالأشياء.١٧
وأكثر من ذلك أنه مع الافتراض — بقدر ما يراد من الافتراض — بأن اللاموجود لا يمكن أن يصير، وأن الموجود لا يمكن أن ينعدم ألبتة، فما الذي يمنع أيضًا أن من الأشياء ما تولد ومنها ما تكون أزلية؟ تلك إنما هي نظرية أمبيدقل نفسه؛ فإنه مع أنه مسلم وفقًا لرأي ميليسوس بأن من الممتنع أن أي شيء اتفق يخرج مما لم يكن وأنه لا سبيل مطلقًا لأن شيئًا وجد مرة يمكن أن ينعدم ألبتة «ما دام أن الموجود يبقى دائمًا حيث أمكن وضعه»، مع كل هذا لا يزال هذا الفيلسوف يؤيد أن من الأشياء ما هو أزلي كالنار والماء والأرض والهواء، وأنه إنما من هذه الأشياء أتت وتأتي جميع الأخر. وعلى رأيه ليس للموجودات كون آخر غير هذا، وأن الكون ليس في الحقيقة إلا اختلاطًا وتحللًا. وهذا ما يسمى عاميًّا كون الأشياء وطبعها.١٨
ومع ذلك فإن أمبيدقل يزعم أن الصيرورة لا تنطبق على الأشياء الأزلية، وأن ما هو موجود لا يصير. فتلك في نظره محالات واضحة؛ إذ يقول: «كيف يمكن في الحق أن يقال: إن شيئًا يزيد الكل؟ ومن أين يأتي ذلك الشيء؟ إنما هو من اختلاط النار وتركبها، ومن جميع العناصر التي تصحبها أن خرج تكثر الأشياء، وبانفصال هذه العناصر وتباعد بعضها عن بعض تنعدم الأشياء من جديد. والتكثر يأتي من الاختلاط والتفرق ولو أنه بالطبع لا يوجد إلا أربعة عناصر بصرف النظر عن العلل، بل عنصر واحد أحد.»١٩
حتى مع افتراض أن العناصر لامتناهية منذ الأصل لتكون الأشياء بتركبها وتفسدها بافتراقها كما يدعي أحيانًا أنه كذلك كان يفكر أنكساغوراس الذي كان يعتبر هذه العناصر الأزلية غير المتناهية كمصدر لجميع الأشياء التي تتكون. وقد لا ينتج من هذا أيضًا أن الكل هو أزلي بلا استثناء، بل يوجد دائمًا بعض أشياء قد تأتي وتكون أتت من موجودات متقدمة وتفنى في جواهر أخرى.٢٠
بل يمكن أيضًا ألا يكون إلا صورة واحدة للكل كما كان يؤكده أنكسيمندروس وأنكسيمين؛ إذ يؤيدان: أحدهما أن الكل هو من الماء، والآخر وهو أنكسيمين أن الكل إنما هو من الهواء.٢١
وإنما هذه هي أيضًا نظرية جميع من يفهمون على هذا النحو «الكل» كوحدة، وذلك إنما هو تبعًا لأن «الواحد» يتغير بالصور أو بعدد أكبر أو أصغر، وتبعًا لأنه رقيق قليلًا أو كثيرًا أو لأنه سميك، أن الأشياء مهما كانت متعددة ولامتناهية تتوالد، وحينئذ «الواحد» مع بقائه هو هو يكوِّن بقية الأشياء ويشكِّلها.٢٢
أما ديمقريطس فإنه من ناحيته يقول على السواء إن الماء والهواء وكل واحد من الأشياء المختلفة هكذا هي متحدة، وإنه لا فرق بينها إلا في المجرى والتماس والاتجاه. وما المانع أيضًا — في هذا الفرض — من أن الأشياء المتكثرة تتولد وتنعدم ما دام «الواحد» يتغير أبدًا من الموجود إلى الموجود بالفروق التي ذكرت من غير أن «الكل» في مجموعه يصير بذلك أبدًا لا أصغر ولا أكبر؟٢٣
وفوق هذا ماذا يمنع أن أجسامنا متعددة كما يشاء تتولد من أجسام أخر وتتحلل إلى أجسام أخر أيضًا، بحيث تكون دائمًا على كمية متساوية في تحللها وبحيث إنها تنعدم من جديد.٢٤
لكن حتى مع التسليم بهذا والتسليم بأنه يوجد شيء غير مخلوق، فماذا يزيد هذا في إثبات أن الموجود هو لامتناهٍ؟ على رأي ميليسوس الموجود لامتناهٍ إذا هو يوجد وألا يكون قد ولد ألبتة؛ لأن الحدود على رأيه هي هنا بداية الكون ونهايته. غير أن الموجود مع أنه غير مخلوق ألا يمكن أن يكون له حدود أخرى غير المذكورة آنفًا؟ فإذا كان اللامتناهي قد خلق فلا بد من أن يكون له على رأي ميليسوس هذه البداية التي منها يخرج ليكون.٢٥
فماذا يمنع إذن — حتى بدون أن يكون قد كون — أن يكون له بالأقل بداية؟ لا البداية التي منها أتى — إذا شئت — بل بداية، أخرى، وإن الأشياء مع كونها أزلية يتحدد بعضها ببعض على طريق التكافؤ.٢٦
بل ماذا يمنع أن «الكل» الذي يكون غير مخلوق أن يكون لامتناهيًا، وأن جميع الأشياء التي هي فيه تكون متناهية باعتبار أن لها بالبساطة بداية ونهاية في كونها.٢٧
ألا يمكن أيضًا كما يبغي برمينيد أن «الكل» مع أنه واحد وغير مخلوق يكون متناهيًا «بأن يكون من جميع الجهات مشابهًا لكتلة كرة مضبوطة الشكل، وأن يكون متساوي الأبعاد من المركز من غير حاجة أصلًا إلى أن يكون في الجزء الفلاني أو الفلاني أكبر أو أجمد مما هو؟»٢٨
ولما أن له وسطًا وأطرافًا فله حد مهما كان غير مخلوق ما دام أن «الكل» مع أنه واحد كما يعترف به ميليسوس نفسه، فإنه — من حيث كونه جسمًا — كل أجزائه بلا استثناء مشابهة بعضها لبعض. ومن هذه الجهة إنما هو يقرر التشابه المطلق «للكل» ولا يقول كما يقول فلاسفة آخرون إن «الكل» مشابه لشيء آخر غير ذاته. تلك هي النظرية التي يبطلها أنكساغوراس بقوله: إذا كان اللامتناهي مشابهًا من جهة أن يكون مشابهًا لمغاير له، فمن ثم هما اثنان بل أكثر، وحينذ لا يوجد بعد لا «واحد» ولا لامتناهٍ.٢٩
ولكن قد يمكن أن ميليسوس يعني هو أيضًا أن اللامتناهي مشابه إضافيًّا لذاته، أو يقول بعبارة أخرى إن «الكل» هو متشابه لأن أجزاءه متشابهة بما أن هذا «الكل» هو مع ذلك من الماء أو من الأرض أو من شيء آخر.٣٠
من البين أن ميليسوس مع تسليمه هكذا بالوحدة يرى أن كل جزء من الأجزاء هو نفسه جسم لا يمكن أن يكون لامتناهيًا؛ لأن «الكل» هو وحده لامتناهٍ، وبالنتيجة أن هذه الأجزاء التي ليست مخلوقة أيضًا يصلح بعضها حدودًا لبعض على التكافؤ.٣١
ولكن إذا كان «الكل» أزليًّا ولامتناهيًا، فكيف يمكن أن يكون «واحدًا» مع كونه جسمًا؟ ثم إذا كان مركبًا من أجزاء متغايرة فإذن يعترف ميليسوس نفسه بأن «الكل» هو كثير ومتعدد. ومع التسليم بأنه من الماء أو من الأرض أو من أي عنصر آخر، فحينئذ يكون للموجود عدة أجزاء، كما أن زينون يحاول أيضًا أن يثبت أن «الكل» يجب أن يكون له أجزاء كثيرة إذا كان هو واحدًا على الوجه الذي يدعون.٣٢
ومتى كانت أجزاؤه متعددة لزم أن يكون بعضها أصغر وبعضها أكبر؛ أعني مختلفة جد الاختلاف حتى بدون أن يأتي التخالف من زيادة جسم ما أو فقد جسم ما. ولكن إذا كان «الكل» ليس له جسم ولا طول ولا عرض، فكيف يكون لامتناهيًا؟ وما المانع إذن أن يكون بمجموعه كثرة وواحدًا بالعدد؟ بل ما المانع أن الأشياء مع كونها هكذا متكثرة وأكثر من واحد أن تكون على عظم غير متناهٍ؟٣٣

قد يزعم إكسينوفان أن عمق الأرض وعمق الهواء غير متناهٍ، ولكن أمبيدقل يُبطِل هذه النظرية؛ إذ يبيِّن في انتقاده المحكم أنه إذا كانت الأشياء كما يزعمون، فمن المحال مطلقًا أن تكون ألبتة.

«إن أسس الكرة والأثير غير الملموس التي كثر ما يكلموننا عنها ليست إلا كلمات فارغات يكررها لسان الحمقى بلا داع.»٣٤
لكن العالم يمكن أن يكون واحدًا من غير أن يكون هناك سخف في افتراض أنه ليس متشابهًا في جميع أجزائه. وفي الحق إذا كان العالم كله ماءً أو كله نارًا أو أي عنصر آخر من هذا القبيل، فيمكن جيدًا أن يقال بوجود عدة أشياء، ولو أن الموجود يبقى واحدًا، وأنه يلزم دائمًا أن يكون كل واحد من هذه العناصر مشابهًا لذاته؛ لأنه لا يمكن أن يكون الجزء الفلاني متخلخلًا والآخر كثيفًا إلا أن يوجد خلو في باطن المتخلخل. ولكن لا شيء يمنع أنه بالنسبة لبعض الأجزاء يوجد في المتخلخل خلو منفصل تمامًا بحيث إن جزءًا بعينه من «الكل» يكون كثيفًا وآخر بعينه يكون متخلخلًا، مع أن الكل مع ذلك باقٍ هو ما هو. ولكن لما أن «الكل» مليء؛ فالمتخلخل حينئذ لا يكون أقل امتلاءً من الكثيف.٣٥
وإذا كان «الكل» غير مخلوق فكيف يمكن أن يستنتج من هذا وحده أنه لامتناهٍ، وأنه لا يمكن أن يوجد أيضًا واحد بعينه أو آخر يكون متناهيًا مثله؟ ولماذا يستلزم كونه غير مخلوق التسليم فوق ذلك بأنه واحد وأنه لامتناهٍ بهذا السبب وحده؟ وكيف حينئذ يكون اللامتناهي هو ذلك «الكل» الذي يتوهمونه؟٣٦
يقول ميليسوس إن الموجود لا متحرك إذا كان ليس ثم من خلو؛ لأن الأشياء لا تتحرك ألبتة إلا بأن تتغير بالأين، غير أنه بادئ بدء كثير من الناس من لا يوافقون على هذه النقطة ومع تسليمهم بوجود الخلو فإنهم لا يقبلون أن يكون جسمًا. يمكن أن يعني بالأشياء هنا نحو ما يعنيه بها هيزيود حين يقول في الخلقة: «إنما هو العماء الذي ظهر بادئ الأمر» مفترضًا بذلك أنه كان يلزم قبل كل شيء أن يوجد محل للموجودات هذا هو ما يعني بالخلو الذي يعتبر كنوع آنية تكون خالية من وسطها.٣٧
على أنه حتى مع عدم وجود خلو فإن العالم يمكن أن يتحرك أيضًا على السواء، وإن أنكساغوراس الذي اشتغل أيضًا بهذه المسألة لم يقنع بإثبات أنه لا يوجد خلو، بل أثبت فوق ذلك أن الموجودات تتحرك على سواء من غير أن يكون الخلو ضروريًّا.٣٨
وفي هذا المعنى عينه قال أمبيدقل إن الأشياء متى تم تركيبها تحركت طوال الزمان من غير أن يوجد — على رأيه — ما لا يفيد في «الكل» ولا أن يوجد خلو كذلك. وفي الحق من أين يمكن أن يحدث الخلو؟ يقول أمبيدقل لأن الأشياء متى تركبت في صورة واحدة بطريقة أنها تؤلف الوحدة:

فلا شيء يكون خلوًا ولا شيء زائد.

أليس يمكن في الواقع أن الأشياء تتحرك بعضها في بعض، وأن الكل يكون دائريًّا ما دام أن الشيء يتغير إلى آخر، وهذا الآخر إلى ثالث. وما دام أن شيئًا بعينه يتغير دائمًا آخر الأمر إلى الأول؟٣٩
وفوق ذلك لا ينبغي نسيان تغير الصورة هذا الذي يغير الشيء ولو أنه يبقى في الحيز عينه، تغير يسميه فلاسفة آخرون وميليسوس نفسه الاستحالة، وإذن لا شيء مما قال يدفع أن هذا النوع من الحركة يوجد في الأشياء حينما تمرُّ من الأبيض إلى الأسود أو من المر إلى الحلو؛ لأنه ليكن الخلو غير موجود وليكن المليء لا يمكن أن يقبل شيئًا؛ فذلك لا يمنع الاستحالة أن تكون ممكنة.٤٠
وبالتبع فلا ضرورة لأن كلًّا يكون أزليًّا وأن كلًّا يكون واحدًا، أو لأن «الكل» يكون لامتناهيًا. ولا ضرورة أيضًا لأن يوجد عدة لامتناهيات ولا وحدة متماثلة في كل مكان ولا وحدة غير متحركة، سواء مع ذلك وجدت الوحدة أو الكثرة.٤١
ومتى سلم هذا لا يرى شيء في نظريات ميليسوس يدفع أن الموجودات تتغير ترتيبًا وكيفًا ما دامت الحركة هي هكذا في الوحدة التي تختلف حينئذ بالأكثر وبالأقل والتي تستحيل بطرائق شتى بدون أن ينضم إليها شيء أو إذا انضم إليها شيء فبدون أن يكون هذا الشيء جسمًا، وإذا كانت عدة أشياء هي التي تنضم فبدون ألا تزيد على أن تمتزج بعضها ببعض وتنفصل على التكافؤ.٤٢
ولكن الاختلاط ليس فيما يظهر هو الجمع أو التركيب اللذين يتكلم عنهما ميليسوس واللذين بدونهما ربما تنعزل الأشياء في الحال، بل بدونهما لا تظهر الأشياء باستغلالها التام إلا بعد أن يباعد بين بعضها وبين البعض الآخر؛ إذ هي تتحاجب، في حين أنه يلزم لوجود اختلاط حقيقي أن كل أجزاء الشيء المختلط تكون بحيث لا يمكن حل تركيبها بعد، لكن بشرط أن كل واحد من الأجزاء المخلوطة يكون على وفاق تام مع مجموع الخليط؛ لأنه بما أنه لا يوجد جواهر فردة فينتج من ذلك أن كل جزء هو مختلط مع كل جزء كيفما اتفق مشابه مطلقًا للكل.٤٣

(٢) مذاهب إكسينوفان

الباب الثالث٤٤

هو يقول إن يوجد من شيء فمحال أن هذا الشيء كان مخلوقًا مطبقًا هذا في حق الله ما دام أنه يلزم بالضرورة أن كل ما هو كائن يتكون من الشبيه أو من اللاشبيه. وكلا الأمرين غير ممكن؛ فإنه بادئ بدء ليس تولد الشبيه من الشبيه أولى من أن يلد الشبيه نفسه؛ لأن هذا يخالف التضايف المتكافئ الذي بين المتساوين والأشباه، وثانيًّا ليس من الممكن أن غير الشبيه يخرج من غير الشبيه. فإذا كان — في الحق — الأقوى يخرج من الأضعف، وإذا كان الأكبر يأتي من الأصغر، والأحسن من الأقبح، أو بالعكس الأقبح من الأحسن، فيكون حينئذ الموجود يأتي من اللاموجود، وهذا محال قطعًا.٤٥
إذن يلزم أن يستنتج من كل هذا أن الله أزلي. إذا كان الله هو سيد الموجودات فيلزم — على رأي إكسينوفان — أن يكون أيضًا أحدًا؛ لأنه لو كان فيه اثنان أو عدة فمن ثَمَّ لا يكون إذن سيد جميع الموجودات ولا أكبرها ما دام من ثم أن كل واحد من هذه الموجودات المتكثرة قد يكون مطلقًا مشابهًا له تمامًا. إن ما يحقق الله في الواقع والقدرة الإلهية إنما هو أن يتسلط على وجه السيادة ولا يكون مسلطًا عليه، أن يكون سيد الجميع وأقدرهم. وبالنتيجة ما دام أنه ليس الأقدر فإنه يفقد بنسبة ذلك شيئًا من ألوهيته، وإن كانوا عدة وكان بعضهم أعلى أو أدنى من الآخرين من بعض الوجوه؛ فأولئك ليسوا آلهة بعد؛ لأن ماهية الإله ألا يعلو عليه أحد، وإن كانوا عدة متساوين فمن ثَمَّ ليس هذا بعد طبع الإله الذي هو أن يكون الأحسن؛ لأن المساوي ليس بالبداهة أقبح ولا أحسن من مساويه.٤٦
ولما كان الله هو حينئذ كما ذكر آنفًا لزم ضرورة أن يكون واحدًا، وإلا لا يمكن أن ينفذ كل ما يشاء، لا يمكنه ذلك ما دام فيه آلهة أُخر، فيلزم حينئذ أن يكون أحدًا.٤٧
ولأنه أحد فهو مشابه لذاته على الإطلاق، يرى من كل جهة ويسمع من كل جهة، وعنده جميع الجهات على مقياس واحد، وإلا لزم أن بعض أجزاء الإله تكون حاكمة ومحكومة على التناوب، وهذا ممتنع بيِّن الامتناع.٤٨
ولما كان الله مشابهًا لذاته مطلقًا ومن كل وجه لزم أن يكون فلكيًّا؛ لأنه ليس كذلك في جزء بعينه دون أن يكونه في أي جزء آخر، لكنه كذلك في جميع الأجزاء بلا استثناء.٤٩
وما دام الله أزليًّا أحدًا فلكيًّا، فينتج منه أنه لا يمكن أن يكون لامتناهيًا ولا أن يكون متناهيًا، فإنما اللاموجود هو اللامتناهي ما دام ليس له أول ولا وسط ولا آخر ولا أي جزء آخر. وهذا هو اللامتناهي. ولكن الموجود ليس كاللاموجود والموجودات ما دامت متكثرة؛ فإنها يحد بعضها بعضًا على التبادل. فالأحد لا يمكن أن يُشبه لا باللاموجود ولا بالموجودات المتكثرة ما دام الأحد لا يحده شيء.٥٠
الأحد — الذي إكسينوفان يسميه الله — لما كان كذلك لا يمكن أن يتحرك ولا أن يكون لامتحركًا؛ فإن اللاموجود هو في الحق لا متحرك؛ لأنه لا موجود يأتي فيه ولا هو يمكن أن يذهب في موجود آخر، ولا حركة إلا متى كانت الموجودات أكثر من واحد؛ لأن من الضروري للحركة أن واحدًا يتحرك في الآخر. ولا يمكن أن يتحرك شيء في اللاموجود ما دام أن اللاموجود لا يوجد مطلقًا في أية جهة. وإذا كانت الأشياء تتغير بعضها إلى بعض فحينئذ يكون الموجود أكثر من واحد.٥١
فانظر كيف يزعم إكسينوفان أنه يلزم شيئان على الأقل أو أكثر من واحد لكي توجد الحركة، وأن اللاشيء هو في سكون ولامتحرك، وأن الأحد على ضد ذلك لا يمكن أن يكون في سكون ولا أن يكون في حركة؛ لأنه لا يشبه اللاموجود ولا الموجودات المتكثرة.٥٢
ومن كل هذه الوجوه فهذا — على رأي إكسينوفان — هو الله أزلي أحد متشابه من كل جهة، وفلكي لا لامتناهٍ ولا متناهٍ، لا هو في سكون ولا هو في حركة.٥٣

الباب الرابع

ننبه تنبيهًا أولَ؛ وهو أن إكسينوفان كميليسوس يفترض أن كل ما يولد ويصير يتولد من الموجود. ومع ذلك فماذا يمنع من أن ما يولد لا يولد لا من الشبيه ولا من اللاشبيه، بل يولد من اللاموجود؟ ولكن الله ليس لامخلوقًا أكثر من الباقي إذا كانت كل الأشياء آتية من الشبيه أو من اللاشبيه؛ ذلك هو ما لا يمكن. وبالنتيجة إما أنه لا شيء خارج عن الله، وإما أن يكون سائر الأشياء هي أيضًا أزلية.٥٤
ولكن إكسينوفان يقبل فوق ذلك أن الله هو المولى، يريد بذلك أن يقول إنه الأقدر والأحسن. ليس هذا ما يعتقده العامة، وإنهم ليقبلون أن الآلهة في كثير من الأشياء أعلى بعضها من بعض. على ذلك لم يستعر إكسينوفان هذا الرأي الجريء من إجماع العامة، ولكن متى قيل إن الله هو القادر على كل شيء فليس معناه أن هذا هو طبع الله بالنسبة لواحد آخر، بل هذا هو شأنه الخاص بالنسبة لذاته. أما في علاقته مع الغير فمن الجائز تمامًا أن الله لا يقدر عليه بعلوه وقوته التي ليس لها من شبيه، بل بضعف الأغيار. وإنه لا أحد يعني على هذا الوجه قدرة الله، بل يفهم الناس أن الله له بذاته كل ما يوجد من الأحسن، وأنه منزه عن النقص أيًّا كان، وأن له كل ما هو طيب وجميل. وبهذه الكمالات كلها فله أيضًا كمال القدرة الكاملة.٥٥
حقًّا إنه قد يمكن أيضًا التسليم بوجود آلهة متعددة موصوفة بالصفات عينها، جامعة بين أكبر الكمالات الممكنة ما دام أنها أكبر قدرة من سائر الموجودات دون أن يكون بعضها أقوى من البعض الآخر، ولكنه يوجد أيضًا على ما يظهر موجودات أخرى غيره.٥٦
في الحق هو يزعم أن الله هو القدير، ويلزم ضرورة أن يكون أقدر من بعض الموجودات. ولكن بهذا السبب؛ وهو أن الله هو الأحد، لا يليق أن يقال إنه يبصر من كل ناحية ويسمع من كل ناحية؛ لأنه ليس لأنه قد لا يبصر من الجزء الفلاني أو الفلاني أنه لا يُحسن البصر، بل فقط أنه لا يبصر من ذلك الجزء بعينه، بل ربما أيضًا حينما يقرر أن الله يحسُّ من كل جهة كان معنى ذلك بالبساطة أنه بهذه الطريقة يكون أيضًا أكمل ما دام أنه متشابه في جميع أجزائه.٥٧
إذا كان الأمر كما قرر آنفًا فلماذا يعطي صورة فلك؟ لماذا لا يكون أولى به شكل آخر ما دام أنه يسمع من كل جهة ويرى من كل جهة؟ لأنه كما أننا حين نقول إن الاسبيداج أبيض في كل نواحيه لا نريد أن نعني شيئًا آخر إلا أن يكون البياض منتشرًا في جميع أجزائه، كذلك ما الذي يمنع حينما يقال إن الله يرى ويسمع ويتسلَّط من كل مكان أن يفهم أن أي جزء من الله كيفما اتفق، له دائمًا هذه الصفات؟ ولا يلزم لذلك بعد أن يكون الله فلكيًّا كما لا يلزم أن يكونه الاسبيداج.٥٨
وفوق ذلك كيف يمكن أن الله من حيث هو جسم ومن حيث إن له عظمًا لا يكون متناهيًا ولا لامتناهيًا ما دام اللامتناهي إنما يقع على ما ليس له حد مع قابليته لأن يكون له حد؟ فإن الحد يجب أن يقع على العظم وعلى العدد وعلى كل كمية … أيًّا كانت، بحيث إن عظمًا لا حد له هو يسمى لامتناهيًا.٥٩
ومتى جعل الله فلكيًّا، فمن الضروري أن يكون له حد؛ لأن له نهايات ما دام أن له مركزًا على أبعد مسافة ممكنة من الحد. وإذن لا بد له من مركز ما دام فلكيًّا؛ إذ إنه يعني بفلكي ما له مركز على مسافة متساوية من النهايات. ولا فرق بين أن يقال إن للجسم حدًّا وإن له نهايات.٦٠
إذا كان اللاموجود لامتناهيًا فلِمَ لا يكون الموجود لامتناهيًا كذلك؟ ما المانع أن يكون للموجود وللاموجود بعض كيوف مشتركة ومتماثلة؟ فإنه لا يمكن فعلًا أن يحس اللاموجود. وكيف يحس ما ليس موجودًا. وكذلك يمكن تمامًا ألا يحس فعلًا ما هو موجود. يمكن قول الاثنين معًا ونصورهما معًا اللاموجود ليس أبيض، ولكن هل ينتج من ذلك وجوب القول بأن كل الموجودات بيض حتى لا يسند شيء واحد إلى الموجود وإلى اللاموجود؟ أو لا يمكن أن يوجد بين الموجودات واحد لا يكون أبيض؟ وإذا كان الأمر هكذا على نقيض القاعدة العتيقة أن الموجود لا ينحصر في أن يكون له أكثر منه في ألا يكون له، فاللامتناهي قد يقبل أيضًا سلبًا ثانيًا. وبالنتيجة فالموجود أيضًا يمكن أن يكون لامتناهيًا أو أن يكون له حد.٦١
ولكن ربما يكون من غير المعقول أن تلزق اللانهاية باللاموجود؛ فإنه لا يمكن أن يقال على كل شيء إنه لامتناهٍ لا لشيء إلا لأنه ليس له حد، كما أنه لا يقال مثلًا على اللاموجود إنه غير متساوٍ.٦٢
ولكن بما أن الله واحد، فلماذا لا يكون له حد؟ لا شك في ذلك، ولكن لا يمكن أن يكون له حد تلقاء إله آخر. إذا كان الله واحدًا كله فيلزم أن تكون جميع أجزاء الله لا تكون أيضًا إلا وحدة محضة؛ لأنه لا يفهم — إذا كانت الأشياء المتكثرة يحد بعضها بعضًا بالتبادل — أنه يلزم على ذلك أن الأحد يكون لا حدَّ له؛ لأن الكثرة والوحدة لهما عدة محمولات متشابهة تمامًا، والموجود مشترك بين إحداهما وبين الأخرى؛ فقد يكون من الغريب أن يذهب إلى إنكار وجود الله، ما دام وجود الكثرة أمرًا مسلمًا حتى لا يشبه الله الأشياء في هذا المعنى.٦٣

لماذا الله مع كونه واحدًا لا يكون متناهيًا ولا يكون له حدود كما يقوله برمينيد، وهو يعترف لله بالوحدانية حين يشبه «بالفلك المستدير تمامًا والمتساوي في جميع النقط ابتداءً من المركز …»

في الواقع إن شيئًا يمكن أن يكون له بالضرورة حد من غير أن يكون ذلك بالإضافة إلى شيء ما، كما أنه ليس من الضروري أن ما له حد يكون له حد إضافي كالمتناهي بالنسبة لغير المتناهي الذي يليه. أن يكون متناهيًا إنما هو أن يكون له نهايات، ولكن ما له نهايات ليست له بالضرورة بالنسبة إلى شيء ما، بل يوجد بعض أشياء تكون معًا متناهية وملامسة شيئًا ما، ولكن من الأشياء أيضًا ما هي متناهية وليست كذلك بالإضافة إلى شيء ما.٦٤
ومن جهة نظر أخرى القول بأن الموجود والأحد ليسا لا متحركين ولا يتحركان مع ذلك بحجة أن اللاموجود لا يتحرك إنما هو قول من الغرابة بمكان ما سبقه على الأقل. إنه لا تماثل قطعًا — كما قد يمكن أن يظن — بين أن يقال إن شيئًا لا يتحرك وبين أن يقال إنه لا متحرك، فمن جهة إنما هذا هو سلب للحركة على جهة ما يقال على شيء إنه لا يكون مساويًا، وهذا يمكن أن يصدق حتى على اللاموجود، في حين أنه من جهة أخرى يقال على شيء إنه لا متحرك لأنه فعلًا على حال ما، كما أنه يقال على شيء إنه لا مساو، فهنا السكون هو ضد الحركة كما أن على العموم جميع السلوب المكونة من همزة الإزالة تنطبق على أضداد. حق أن يقال على اللاموجود إنه لا يتحرك، ولكنه ليس حقًّا أن يقال على اللاموجود إنه في سكون. كما أنه لا ينبغي أن يقال إنه لا متحرك، وهذا ما له المدلول بعينيه، ولكن إكسينوفان يستعمل في حق اللاموجود لفظ السكون، ويقول إن اللاموجود هو في سكون لأنه لا نقلة له.٦٥
وكما قلنا آنفًا قد يكون من الخطأ الجزم — لا لشيء سوى أن محمولًا يصلح حمله على المعدوم — بأن هذا القول لا يكون صالحًا بعد للحمل على الموجود، خصوصًا إذا كانت الكلمة التي تستعمل لذلك ليست إلا سلبًا، نحو قولهم: لا يتحرك ولا ينتقل؛ فإني أكرر أن كثيرًا من المحمولات ما يجوز حمله أيضًا على الموجودات؛ لأنه يوجد أشياء كثيرة لا يصدق عليها القول بأنها ليست آحادًا بحجة أن المعدوم ليس واحدًا. ثم إنه يوجد أشياء فيها السلوب بعينها تنتج الأضداد فيما يظهر. فمثلًا من الضروري أن يوجد إما مساواة وإما لا مساواة ما دام هناك كم؛ وإنه كذلك يوجد إما زوج وإما فرد ما دام هناك عدد. وكذلك أيضًا يلزم أن يوجد إما حركة وإما سكون ما دام هناك جسم.٦٦
غير أنه إذا قيل إن الله والأحد لا يتحرك ألبتة؛ لأن الأشياء المتكثرة تتحرك بعضها نحو البعض الآخر، فما الذي يمنع أيضًا أن الله يتحرك بأن يسعى نحو شيء آخر؟ هذا قطعًا ليس لأنه ليس إلا الله، بل لأنه لا واحد أحد إلا الله. وإذا لم يتحرك هو ذاته فما المانع أن أجزاء الله بتحركها بعضها نحو بعض أن يكون الله هو أيضًا له حركة دائرية؟٦٧
لكن على هذا لا يكون بعد واحدًا كما يعني زينون، إنما هو متعدد كما قد نبه إليه؛ لأن زينون يقرر أن الله جسم، سواء جعله هو الكل الذي نرى أو سماه باسم آخر. وإذا كان الله لاجسمانيًّا فكيف يكون في الواقع فلكيًّا؟ ويلزم أن يكون لاجسمانيًّا؛ أعني لم يكن أصلًا لكي لا يكون له حركة ولا سكون. وإذا كان جسمًا فما المانع أن يتحرك كما قد قيل؟٦٨

(٣) مذاهب غرغياس

الباب الخامس

هو يقرر أن لا شيء بموجود حقيقة، وأنه إن يوجد من شيء فهذا الشيء يبقى مجهولًا عندنا، وإنه إن يوجد شيء ويمكن لامرئ العلم به فإنه لا يمكن التعبير عنه للأغيار.٦٩
فيما يتعلق بهذا القول الأول الذي هو أن لا شيء بموجود حقيقة، يؤلف غرغياس بين نظريات فلاسفة آخرين؛ إذ يقررون أفكارًا متناقضة في أمر الحقيقة كما تظهر لنا. اعتقدوا هؤلاء أنه لا شيء إلا الوحدة وأن الكثرة ممتنعة؛ وأولئك — على ضد ذلك — أن الكثرة وحدها هي الحقيقية، وأن الوحدة ليست حقيقية؛ ذلك بأن بعضهم يرون الأشياء غير مخلوقة والآخرين يرونها مخلوقة.٧٠
يؤلف غرغياس بين هذين الرأيين ليدلل هكذا: «يقول إنه يلزم ضرورة إن كان شيء موجودًا أن يكون هذا الشيء لا واحدًا ولا كثرة، وأن تكون الأشياء لا غير مخلوقة ولا مخلوقة. وحينئذ لا شيء بموجود. وإذا كان في الواقع شيء فيلزم أن يكون إما أحدهما وإما الآخر.» فإما أنه لا وحدة ولا كثرة، وأن الأشياء ليست لا مخلوقة ولا غير مخلوقة؛ فإنه يحاول إيضاح ذلك إما كميليسوس وإما كزينون بعد برهانه الخاص به؛ إذ يثبت على طريقته أن الموجود واللاموجود لا يوجدان لا أحدهما ولا الآخر.٧١
فعنده أنه إذا كان ممكنًا أن اللاموجود يكون اللاموجود، فيكون اللاموجود ليس باقل وجودًا من الموجود؛ لأن هذا اللاموجود يكون اللاموجود، كما أن الموجود يكون الموجود، بحيث إنه لا يمكن أن يقال على الأشياء إنها تكون بأقوى من أن يقال عليها إنها لا تكون.٧٢
يقول غرغياس: «إذا كان اللاموجود موجودًا فمن ثم لا يكون الموجود بعد مقابلة؛ لأنه إذا اللاموجود يكون فيلزم أن الموجود لا يكون. وبالنتيجة أنه لا شيء بموجود؛ إلا أن يكون الموجود واللاموجود شيئًا واحدًا بعينه. ولكن إنما هما في الواقع شيء واحد؛ ومن ثم لا يوجد شيء؛ لأن اللاموجود ليس يكون، فالموجود ليس يكون كذلك ما دام أنه مماثل للاموجود.» هذا هو تدليل غرغياس حرفًا بحرف.٧٣

الباب السادس

لا ينتج ألبتة من أدلة غرغياس أن لا شيء يوجد؛ لأنك ترى كيف يدلل على الأشياء التي يحاول إثباتها. إذا كان اللاموجود يوجد أو بعبارة أعم: لو أن اللاشيء يوجد فالموجود هو كذلك اللاموجود على السواء.٧٤
ولكن لا يظهر ألبتة أن الأمر هكذا، ولا أن هناك أدنى ضرورة لأن يوجد اللاموجود، كما يكون الحال في شيئين أحدهما يكون حقيقة والآخر لا يزيد على أن يظهر. فيلزم بالضرورة أن يكون أحدهما حقًّا والآخر ليس كذلك. كذلك من أن اللاموجود لا يوجد لا ينتج أن الاثنين أو أحدهما يجب أن يكونا أو ألا يكونا. يقول غرغياس: لأن اللاموجود ليس بأقل وجودًا من الوجود إذا كان «ليس يكون» هو أيضًا شيئًا ما. لذلك لا يقال ألبتة إن اللاموجود يكون ألبتة بأي وجه كان، فإذا كان اللاموجود هو في حالة اللاوجود فحينئذ لا يكون اللاموجود على النحو الذي يكون عليه الموجود؛ لأنه ليس إلا حالة اللاوجود، بخلاف الموجود فإنه موجود فعلًا.٧٥
إذا كان حقًّا أن اللاموجود قد وجد بطريقة مطلقة، فيكون على الأقل عجيبًا أن يقال إن اللاموجود موجود. ولكن إذا كان هذا هكذا بالمصادفة فكيف إذن يكون الحال أبدًا بالنسبة للأشياء التي يرجح في أمرها أن تكون على ألا تكون؟ لأنه يظهر أن النقيض نفسه قد يمكن أن يكون حقيقيًّا أيضًا.٧٦
إذا كان اللاموجود يكون وكان الموجود يكون أيضًا، إذن فالكل موجود ما دام أن كل ما هو موجود وكل ما ليس بموجود كلاهما كائن من غير فرق، وإنه ليس من الضروري ألبتة إذا كان الموجود كائنًا أن يكون الموجود غير كائن. عبثًا يقال إن اللاموجود يكون والموجود لا يكون؛ فإن ذلك لم يؤثر شيئًا في أن جميع الأشياء موجودة ما دام أننا لو صدقنا ذلك القول لأصبحت الأشياء التي لا تكون كائنة.٧٧
ولكن إذا كان «يكون ولا يكون» شيئًا واحدًا؛ فمن ثم لا يمكن أن يقال بعد على شيء إنه يكون، كما لا يمكن كذلك أن يقال عليه إنه لا يكون؛ لأنه كما أن غرغياس يقرر أنه إذا كان اللاموجود والموجود هما شيئًا واحدًا، فالموجود ليس يكون بأشدَّ وجودًا من اللاموجود بحيث ينتج أن لا شيء بموجود، كذلك يمكن أن يؤيد العكس أن الكل موجود؛ لأنه لما أن اللاموجود هو كالموجود تمامًا فيستنتج منه أن الكل موجود بالحقيقة.٧٨
بعد هذا الدليل هو يقيم دليلًا آخر يقول: أن يوجد من شيء فإما أن يكون هذا الشيء لامخلوقًا وإما أن يكون مخلوقًا؛ فإذا كان لامخلوقًا فهو لامتناهٍ، على ما يفترض غرغياس بحسب مبادئ ميليسوس، ولكن اللامتناهي ليس في مكان ما، ما دام أنه ليس في نفسه ولا في غيره، وحينئذ يكون إذن لامتناهيان أو عدة لامتناهيات هذا الذي في الآخر وذاك الذي الآخر فيه. ولما لم يكن في مكان ما فهو لاشيء، على حسب أدلة زينون على حيز الموجودات. وبهذه الأدلة يستنتج غرغياس أن الموجود لامخلوق.٧٩
ولكن الموجود لا يمكن كذلك أن يكون قد خلق؛ فإنه لا يمكن في الواقع أن يكون قد خرج من الموجود ولا من المعدوم؛ لأنه إذا كان الموجود يسقط وهو مخلوق فلم يكن إذن الموجود، كما أن اللاموجود لا يكون بعد اللاموجود من وقت أن يصير شيئًا ما. ومن جهة أخرى الموجود لا يمكن أيضًا أن يأتي من اللاموجود؛ لأنه إذا كان اللاموجود لا يكون فممتنع من ثم أن أيًّا كان يتولَّد من لاشيء. وإذا كان بالمصادفة اللاموجود يوجد فإن الأسباب التي تجعل الموجود لا يأتي من الموجود هي عينها تجعله لا يأتي أيضًا من اللاموجود الذي هو كائن.٨٠
فإذا كان حينئذ من الضروري — ما دام أن شيئًا ما موجود — أن هذا الشيء يكون لامخلوقًا أو مخلوقًا، وأن كلا الأمرين ممتنع، فينتج منه أنه ممتنع أيضًا أن يوجد أي شيء ما.٨١
يقول غرغياس: زد على هذا أنه إذا شيء يوجد فيلزم أن يكون هذا الشيء واحدًا أو كثرة. فإذا لم يكن لا واحدًا ولا كثرة فينتج منه ألا يوجد شيء. ذلك الشيء لا يمكن أن يكون واحدًا؛ لأن «الواحد» يجب أن يكون لاجسمانيًّا، واللاجسماني هو لا شيء، كما يقول غرغياس متبعًا في ذلك رأيًا يقرب كثيرًا من رأي زينون. وبما أن الموجود لا واحدًا؛ فإنه ليس أيضًا كثرة من باب أولى. ولكن الموجود بما هو لا واحد ولا كثرة فهو غير موجود ألبتة. وبالنتيجة يقول غرغياس أيضًا: إذا كان كذلك فما هو إلا لاشيء. وفي الواقع إذا لم يكن لا واحدًا ولا كثرة فإنما هو ليس أيًّا كان.٨٢
يزيد على ذلك: لكن لا شيء ليس في حركة؛ لأنه إذا كان الموجود في حركة فلا يكون بعد هو ما هو. وحينئذ الموجود لا يكون بعد واللاموجود يصير شيئًا. وفوق ذلك بما أن الموجود يتحرك وينقطع عن أن يكون متصلًا بانتقاله فعلى هذا المعنى هو لا يكون بعد. وبالنتيجة إذا كان متحركًا في جميع أجزائه فهو منقسم في جميعها على الإطلاق، وإذا كان هكذا فليس موجودًا ألبتة. وفي هذا الصدد يقول غرغياس: إن الموجود هو ناقص من جهة ما هو منقسم، وهو يتكلم على التجربة عوضًا عن أن يتكلم على الخلو كما كتبه لوكيبس فيما يسمى بمقالاته.٨٣
يظن غرغياس أنه في هذا قد وفى البيان حقه. يقول: إذا ثبت حينئذ أن لا شيء فالكل حينئذ يعزب عن علمنا، فلم يبقَ بعد من ثَمَّ إلا ما يتصور. واللاموجود ما دام أنه غير كائن فلا يمكن ألبتة تصوره. ومتى كان هذا كان من المحال — على رأي غرغياس — ألا يكون هناك شيء باطل، بل لا يكون خطأً أن يقال مثلًا: إن «العربات تدرج على أمواج البحر.» لأن كل هذا حق كما أن نقيضه حق.٨٤
ولكن كيف توجد الأشياء التي ترى أو التي تسمع بهذا السبب وحده، وهو أن يتصور كل واحد منها! فإذا لم يكن ذلك هو السبب الذي يجعلها تكون، وإذا كانت الأشياء التي نتصورها لا توجد من أجل ذلك أيضًا، فهل للأشياء التي نشاهدها وجود أدخل في باب الحقيقة والفعل من الأشياء التي نتصورها؟٨٥
في الواقع، كما أنه ممكن جدًّا أن كثيرًا من الناس يشاهد الأشياء، فكذلك من جهة أخرى كثير من الناس يتصورها أيضًا؛ فالأشياء الذهنية هي إذن على الإطلاق مثل الأشياء الخارجية. ولكنه لا يدرى أي الفريقين هو الحقيقي، وبالنتيجة أن يوجد من شيء فمن المحال أن تكون الأشياء معلومة لنا.٨٦
يقول غرغياس: حتى مع التسليم بأنها معلومة لنا، فهل يمكننا أن ننقل التعبير عنها إلى الغير؟ كيف يمكن الإنسان أن يعلم غيره بطريق الكلام ما قد شاهده هو بالنظر؟ وكيف يمكن الإنسان لمجرد سماعه شيئًا أن يفهمه جليًّا إذا لم يكن قد رآه؟ وفي الواقع كما أن النظر لا يدرك الأصوات كذلك السمع لا يسمع الألوان ولا يسمع إلا الأصوات، فالذي يتكلم كلامًا، ولا يتكلم لونًا ولا أي شيء آخر أيًّا كان.٨٧
لكن كيف يمكن أن يلتمس المرء في كلام الغير شيئًا لم يكن هو نفسه قد تصوَّره؟ هل يتفق بالمصادفة أن توجد دلالة أخرى، تعطيك فكرة الشيء إن لم يكن لونه حينما يرى وصوته حينما يسمع؟ لأن المبدأ ها هنا على رأي غرغياس ليس هو لا الصوت ولا اللون، بل هو مجرد الكلام، فلا يفتكر الإنسان لونًا بل يراه، ولا يفتكر صوتًا بل يسمعه.٨٨
لتفترض — إذا شئت — أن ذلك ممكن، وأن الذي يتكلم يعلم الشيء وعند الحاجة يمكنه أن يعرفه كيف أن الذي يسمع الكلام يكون موقنًا بأنه يفهم الشيء بعينه على هذا النحو؟ لأنه ليس ممكنًا أن يكون الشيء بعينه في آن واحد في كائنات عدة وفي كائنات منفصلة؛ لأنه حينئذ يكون الشيء الواحد عدة. يقول غرغياس: ولكن شيئًا واحدًا ولو كان في آن واحد في عدة أذهان وكان فيها هو بعينه فلا شيء يمنع أنه يظهر متماثلًا عند جميع الأشخاص الذين هم أنفسهم ليسوا متماثلين في الظاهر، والذين هم ليسوا على استعداد واحد بعينه.٨٩
لنسلم أيضًا أنهم في استعداد واحد، أفلا يكونون إذن اثنين بالأقل أو عدة؟ ولكن الشخص بعينه ليس له في الوقت الواحد إحساسات متشابهة؛ فإن سمعه وبصره يعطيانه إحساسات مختلفة، والإحساسات التي به في الحال هي مغايرة لإحساسات سابقة؛ فباطل إذن أن تظن أن غيرك يمكن أن يكون له إدراكات شبيهة بإدراكاتك في أي شيء كان.٩٠
على هذا لا يمكن العلم بشيء ما مع التسليم بوجود شيء ما، خصوصًا أنه لا يمكن ألبتة للإنسان أن يعلم غيره ما يعلم هو؛ لأن الأشياء ليست أقوالًا، وإنه لا شخص يمكنه ألبتة أن يفهم بالضبط ما يفهمه شخص آخر.٩١
كل هذه المسائل المحيرة قد أثارها فلاسفة آخرون أقدم عهدًا. وسندرس هذه النظريات عند البحث الذي سنعقده لمذاهبهم المختلفة.٩٢

(٤) قطع من ميليسوس

١

قال سمبليسيوس في شرحه كتاب الطبيعة لأرسطو (الورقة ٢٢): فلننظر إذن إلى أدلة ميليسوس، وهو الأول الذي أنحى عليه أرسطو. إن ميليسوس معتمدًا على مبادئ الطبيعيين٩٣ في كون الأشياء وفسادها؛ يبدأ كتابه بالعبارات الآتية:

إن لم يوجد شيء فكيف يمكن بأي حال اعتبار هذا اللاشيء كأنه شيء ما؟ إن كان يوجد شيء ما فهذا الشيء إما مولود وإما أزلي؛ فإن كان مولودًا وكان قد كون فهو لا يمكن أن يأتي إلا من الموجود أو من اللاموجود، ولكن ليس ممكنًا أن ما ليس شيئًا — وبالأولى ما هو موجود على الإطلاق — يمكن ألبتة أن يأتي مما ليس موجودًا، كما لا يمكن أيضًا أن يأتي مما هو موجود؛ لأن الموجود حينئذ يكون قد وجد ولم يكن به من حاجة إلى أن يصير وأن يوجد. إذن الموجود لا يمكن أن يصير وإذن فهو أزلي، ومن جهة أخرى الموجود لا يمكن أن يفسد؛ لأنه ليس ممكنًا أن الموجود يتغير إلى لا موجود. وتلك هي نقطة يوافق عليها الطبيعيون، ليس ممكنًا أيضًا أن الموجود يتغيَّر إلى اللاموجود؛ لأنه بهذه الطريقة أيضًا الموجود يبقى ولا يفسد؛ على ذلك فالموجود ما كان ليمكن أن يولد وإنه لن ينعدم، فقد كان وسيكون أبدًا.

٢

سمبليسيوس، المرجع السابق:

لكن إذا كان ما قد ولد له أول فالذي لم يولد ليس له أول؛ فإذا كان الموجود ليس مولودًا فلا يمكن أن يكون له أول كذلك. ويمكن أن يزاد على ذلك أن ما قد فسد له آخر، ولكن إذا كان شيء غير قابل للفساد فليس له آخر ممكن؛ إذن فالموجود بما هو غير قابل للفساد ليس له من آخر، وما ليس له لا أول ولا آخر هو بهذا عينه لامتناهٍ؛ وإذن فالموجود لا متناهٍ.

٣

سمبليسيوس، المرجع السابق:

إذا كان الموجود لامتناهيًا فهو واحد؛ لأنه إذا كان موجودان فلا يمكن أن يكونا لامتناهيين ما دام أنهما يحدَّان بعضهما بعضًا. وبما أن الموجود هو لامتناهٍ فالموجودات لا يمكن أن تكون كثرة، وإذن فالموجود هو واحد.

٤

سمبليسيوس، المرجع السابق:

إذا كان الموجود واحدًا فهو بالتبع لا متحرك؛ لأن الموجود بما هو واحد هو على الدوام مشبه لذاته، الموجود بما هو باقٍ على الدوام شبيهًا لذاته لا يمكن أن ينعدم، ولا أن ينمو، ولا أن يتغير، ولا أن يتأثر، ولا أن يضمحلَّ، فإذا كان يعاني أدنى واحد من تلك التأثرات فلا يكون بعد واحدًا؛ لأن موجودًا يعاني حركة من أي جنس كان يتغير من حالة ما إلى أخرى. والموجود لا يمكن أن يكون شيئًا إلا الموجود، وبالنتيجة الموجود لا يمكن أن يكون له حركة.

٥

سمبليسيوس، المرجع السابق:

ومن جهة أخرى لا شيء من الموجود يمكن أن يكون خلوًا؛ لأن الخلو ليس شيئًا، واللاشيء لا يمكن أن يكون، وإذن فالموجود لا يتحرك؛ لأنه ما دام أنه لا خلو فلا مكان فيه يمكنه أن يتحيز. ولكن ليس ممكنًا أن يدخل الموجود في ذاته ما دام أنه يلزم على ذلك إذن أن يكون أكثر تخلخلًا أو أكثر كثافة مما هو. وهذا ممتنع لأن المتخلخل لا يمكن أن يكون مليئًا كالكثيف، وما هو متخلخل هو أشد خلوًا مما يمكن الكثيف أن يكونه، إذن الخلو لا يوجد. للحكم على الموجود أهو مليء أم لا فذلك يمكن معرفته بأن ينظر هل هو يمكنه أو لا يمكنه أن يقبل في ذاته شيئًا ما؛ فإن لم يقبل فذلك بأنه مليء، وإن يقبل فذلك بأنه ليس مليئًا. لكن إذا لم يكن خلو فمن ثم كل شيء مليء، وإذا كان الكل مليئًا فلا حركة بعد؛ لأنه ليس ممكنًا أن تقع الحركة في الملء كما نقوله حين نتكلم على الأجسام. وأخيرًا فالموجود الذي هو الكل لا يمكن أن يتحرك في الموجود ما دام أنه لا شيء خارج عنه، ولا في اللاموجود ما دام اللاموجود ليس موجودًا.

٦

سمبليسيوس، الورقة ٣٤:

لإثبات أن الموجود لا يمكن أن يكون قد خلق، يعتمد ميليسوس على هذه القاعدة العامة: ما قد كان قد كان دائمًا ويكون دائمًا؛ لأنه إذا كان قد ولد في لحظة ما، فيلزم أنه لم يكن شيئًا قبل أن يولد، فإذا لم يكن شيئًا حينئذ فقد كان من «الممتع أن شيئًا يولد من لاشيء».

٧

سمبليسيوس، الورقة ٧، ٩، ٢٣:
قد وجه نقد إلى ميليسوس هو أن لفظ البداية متعدد المعاني؛ فعوضًا عن أن يأخذ البداية بالإضافة إلى الزمان الخاص بالموجود الكائن أخذ البداية بالإضافة إلى الشيء، تلك البداية التي لا يمكن أن تنطبق على الأشياء التي تتغير دفعة واحدة؛ فلقد رأى ميلسوس، حتى قبل أرسطوطاليس، أن كل جسم متناهٍ مع أنه أزلي ليس له إلا قوة متناهية، وأن هذا الجسم معتبر في ذاته، فهو دائمًا على حد الزمان … بحيث إنه بما أن له من جهة العظم بداية ونهاية يجب أن تكونا كلتاهما له على السواء، بالإضافة إلى الزمان. وعلى التكافؤ: ما له بداية ونهاية بالإضافة إلى الزمان لا يمكن معًا أن يكون الكل. ومن أجل ذلك يسند ميليسوس برهانه إلى البداية والنهاية مطبقتين فقط على الزمان، ولا يسمى بلا بداية وبلا نهاية ما ليس الكل. يعني ما ليس معًا العالم أجمع، وهذا لا ينطبق إلا على الأشياء التي لا أجزاء لها وغير المتناهية في وجودها، وينطبق على الخصوص على الموجود المطلق ما دام الموجود المطلق هو بالضبط الكل، وهاك مع ذلك أقوال ميليسوس أعيانها:

على ذلك ما لم يكن قد كون فهو كائن دائمًا، وقد كان دائمًا، وسيكون دائمًا؛ فليس له أول ولا آخر، ولكنه لامتناهٍ، فإذا كان قد كون فيكون له أول لأنه يكون قد بدأ يصير في حين ما، ويكون له أيضًا آخر لأنه يكون قد انقطع أيضًا عن أن يصير؛ فإذا لم يكن قد بدأ قط وإذا لم يكن قد انتهى قط فذلك بأنه قد كان دائمًا ويكون دائمًا بما أنه ليس له لا أول ولا آخر؛ لأن ما ليس الكل لا يمكن أن يصل إلى أن يكونه.

٨

سمبليسيوس، الورقة ٢٣:

كما أن الموجود أزلي كذلك يلزم أن يكون عظمة أبديًّا لامتناهيًا.

٩

سمبليسيوس، المرجع السابق:

ما له أول وآخر لا يمكن ألبتة أن يكون أزليًّا ولا لامتناهيًا.

١٠

سمبليسيوس، المرجع السابق:

إذا لم يكن هو أحد فهو يحد آخر.

١١

سمبليسيوس، الورقة ٢٤:
إن لغة ميليسيوس نفسه يمكن أن تكون قديمة ولكنها ليست غامضة. وقد يمكننا أن نضع تحت الأنظار هذه المؤلفات العتيقة حتى يتهيأ للذين يقرءونها أن يكونوا قضاةً يُحسِنون الحكم في إيضاحات أضبط وأوفى. وهاك إذن ما يقول ميليسوس ملخصًا ما قد بسطه في الماضي ومتابعًا نظريته على الحركة:

على هذا إذن فالعالم — الكل — هو أزلي لامتناهٍ واحد ومتشابه. إنه لا يمكن أن يفنى، ولا يمكن أن ينمو، ولا يمكن أن تتغير صورته، ولا يمكن أن يقبل، ولا يمكن أن يضمحل؛ فإذا هو عانى شيئًا من ذلك فلا يكون واحدًا. وفي الحق أنه إذا صار الموجود غيرًا فيلزم ضرورة ألا يكون متشابهًا، وأن الموجود الأول يفنى وأن اللاموجود يصير، ولو اقتضى الكل ثلاثين ألف عام ليصير غيرًا لانتهى بأن يفنى في كل ما يلي من الزمان.

١٢

سمبليسيوس، المرجع السابق:

ولكن لا يمكن أن تتغير صورته؛ لأن النظام المتقدم للعالم لا ينعدم، والنظام الذي لم يكن بعد لا يتكون، ولكن ما دام أنه لا شيء يولد من جديد، وما دام أنه لا شيء ينعدم، وما دام أنه لا شيء يتغير كيف يمكن أن أي موجود اتفق يمكن أن تتغير صورته؟ إنه يكون قد تحول من قبل إذا كان يمكن أن يصير غير ما هو.

١٣

سمبليسيوس، المرجع السابق:

إنه لا ينفعل؛ لأن الكل لا يمكن أن ينفعل ما دام أنه لا يمكن أن شيئًا قابلًا يكون أزليًّا؛ ومن ثم لن يكون له بعد قوة شيء يكون في كمال الصحة. وكذلك هو لا يكون متشابهًا إذا كان ينفعل. إنه لا يمكن أن ينفعل إلا إذا فقد أو كسب شيئًا، وبهذا وحده ينقطع عن أن يكون متشابهًا. كذلك ليس من الممكن أن شيئًا صحيحًا ينفعل بأي ما كان؛ لأنه حينئذ الموجود وهذا الصحيح ينعدم واللاموجود يكون. والدليل عينه الذي ينطبق على الانفعال ينطبق أيضًا على أي اضمحلال ما للموجود.

١٤

سمبليسيوس، القطعة ٩ و١٧ و٢٤:

لا شيء من الخلو بموجود؛ لأن الخلو ليس شيئًا، وبما هو لاشيء لا يمكن أن يكون. الموجود لا يتحرك؛ لأنه لا محل يمكنه أن يستقر فيه، ولكن الكل هو ملء. إذا كان خلو فالموجود يتحيَّز في الخلو، ولكن ما دام أنه لا خلو فلا محل يستقر فيه. ما دام الكل ملئًا فلا حركة، كذلك لا يكون لا كثيفًا ولا متخلخلًا؛ لأنه ليس ممكنًا أن يكون المتخلخل مليئًا كالكثيف سواءً بسواء. والمتخلخل هو أخلى من الكثيف، إليك كيف يلزم الحكم في الملء والخلو.

وإذا كان شيء يتحيَّز أو يقبل شيئًا ما، فذلك بأنه ليس مليئًا، فإذا لم يتحيَّز أو إذا لم يقبل فذلك بأنه مليء. إذن ليس إلا الملء إذا لم يكن خلو. إذا كان إذن الكل هو ملئًا فلا حركة ممكنة.

١٥

سمبليسيوس، المرجع السابق الورقة ٢٤:

إذا تجزَّأ الموجود تحرك. ولكن حينئذ لا يتحرك كله معًا.

١٦

سمبليسيوس، ما سبق الورقة ١٩:

وإذا كان الموجود يوجد فيلزم أن يكون واحدًا، وبما هو واحد يلزم في آن واحد ألا يكون جسمًا؛ لأنه إذا كان له سمك كان له أيضًا أجزاء ولا يكون بعد واحدًا.

١٧

سمبليسيوس، شرح كتاب السماء، الورقة ١٧٣:
أو سيب وهو يستشهد أرسطوقلس Preparation Evangélique XV هذا هو إذن الدليل الأقوى على إثبات وحدة الموجود. ولكن هاك من جهة أخرى أدلة تثبتها أيضًا. إن كان موجودات متكثرة فيلزم أن يكون كل واحد منها كالموجود الذي أثبتت وحدته. إذا كان الأرض والنار، وإذا كان الهواء والحديد، والذهب والنار، إذا كان الحي والميت، إذا كان الأبيض والأسود وسائر الأشياء التي يعتبرها الناس حقائق، هي موجودة في الواقع كما يقال، فيلزم أن يكون كل شيء على الحقيقة هو ما قد ظهر لنا بادئ الأمر. وإنه لا يتغير حاله، وإنه لا يصير غيرًا، بل يبقى دائمًا هو ما هو، ولكنا نعتقد في حالة الأشياء الراهنة أننا نحسن رؤيتها ونحسن استماعها ونحسن إدراكها. فالحار يظهر لنا أنه يصير باردًا، والبارد يصير حارًّا، والصلب يصير لينًا، واللين يصير صلبًا، والحي يظهر لنا أنه يموت، ويتولد ثانيًا مما ليس حيًّا بعد. فالكل بلا استثناء يظهر لنا أنه يصير غيرًا، ولا شيء يظهر بأنه يبقى في الحالة بعينها التي كان فيها والتي هو فيها. الحديد نفسه مهما كان صلبًا ينبري بملامسة الأصبع، والذهب والحجر وأي جسم آخر مما يظهر لنا صلبًا هكذا تأتى من الماء كما يأتي منه الأرض والحجر. وبالنتيجة يمكن أن يقال إننا لا نرى ولا نعرف الموجودات في حقائقها؛ على ذلك فكل ذلك أبعد من أن يتطابق.

إننا نقول حقًّا على بعض الأشياء إنها أزلية، ومع ذلك نرى صورها كلها وخواصها كلها تتغير تحت أعيننا وتنقطع عن أن تكون على ما قد كنا رأيناها عليه في كل حالة خاصة. إذن يلزم التسليم بأننا لا نحسن رؤية الأشياء، وأن ظهور الأشياء لنا متكثرة إنما هو خطأ؛ لأنها لو كانت حقيقية ما تغيرت، ولكنها تكون على ما يظهر لنا كل واحد منها أنه موجود، ما دام أنه لا شيء فوق الموجود الحقيقي؛ ففي التغير قد هلك الموجود، وهذا الذي يتكون هو اللاموجود، حينئذ مرة ثانية إذا كانت الأشياء متكثرة كما يقال فيلزم أنها كانت على الإطلاق كما يكون الموجود الأحد.

هوامش

(١) (ب١) مذاهب ميليسوس: زدت هذا العنوان الذي ليس في الأصل الإغريقي، ر. ما سبق في التحقيق الذي أجريناه على هذا العنوان وعلى نسبة المذاهب التي يشملها البابان الأولان إلى ميليسوس. هو يقرر: حفظت عبارة النص على إبهامها، وقد كان يحسن أن يسمي الفيلسوف بالتصريح، ومع العنوان الذي سمحت لنفسي بوضعه لهذا الباب يذهب الشك في الشخص المقصود. ولكني لم أسمح لنفسي بأن أدخل هذه الزيادة على النص نفسه في أول جملة وفي بدء هذه الرسالة. وأما في غضون الأبواب فقد زدت اسم ميليسوس مرات عدة كما فعلت بالنسبة لإكسينوفان وغرغياس، وفيما يتعلق بالإسناد إلى ميليسوس ر. ما سيأتي ب٤ ف١. إن يكن من شيء: ر. ما سوف يلي من قطع ميليسوس القطعة الأولى، على رأيه زدت هذه العبارة لأؤدي قوة النص الإغريقي. أم أن الكل لم يكن يخلق، وإنه لم يكن إلا عدد ما من الأشياء كان قد خلق: في الفرضين النص ليس على هذا القدر من الصراحة. التي تكونت على هذا النحو: والتي هي بالنتيجة ليست أزلية.
(٢) أن الكل الذي هو واحد: عبارة النص هي بالبساطة «الواحد» بالعدد وبالكم. عبارة النص: «يصير متعددًا وأعظم.»
(٣) كان الكل أزليًّا: ر. ما سوف يجيء في قطع ميليسوس القطعتين ٢ و٣. بهذا عينه لامتناهيًا: يكاد يكون ذلك تكرارًا؛ لأن الأزلي ليس إلا اللامتناهي في المدة. حدد بعضها بعضًا على التكافؤ: تلك هي العبارات عينها التي ينقلها سمبيليسيوس، ر. ما سوف يجيء من قطع ميليسوس القطعتين ٣ و١٠.
(٤) وجب أن يكون متشابهًا في جميع أجزائه: راجع قطع ميليسوس القطعة ٤. وجب أن يكون غير متحرك: راجع القطعة ٤. في شيء ينطلق أمامه: راجع القطعة ٥ من قطع ميليسوس. الخلو نفسه ليس شيئًا: راجع القطعة الآنفة الذكر.
(٥) لا يمكن أن يلحقه تعب ولا ألم: يمكن أن تحمل هذه العبارة على المادي أو على المعنوي على السواء، ر. القطعة ٤ من قطع ميليسوس. سليمًا وبغير مرض: ربما كانت هذه المعاني أضيق مما ينبغي وفيها يعتبر الواحد كما لو كان جسدًا إنسانيًّا، ر. القطعة ١١. هو المتولد: هذه هي عبارة النص الإغريقي بالضبط.
(٦) إذا كان الواحد مقولًا على الخليط: ر. على نظرية الاختلاط ما سبق في كتاب الكون والفساد ك١ ب١٠. التصنيف: يظهر أن الكلمة التي يستخدمها النص هنا كانت خاصة بلهجة الأبدريأتيبن، ر. تفسير سبليسيوس على كتاب السماء الورقة ١٥١. لأنها تنفصل: أو يمكن أن تنفصل. ومن المحتمل أن يكون لفظ فصل ها هنا مأخوذًا على معنى تمييز. في سحق الأشياء: هذه هي عبارة النص وإن لم تكن مضبوطة تمامًا.
(٧) على رأي ميليسوس: زدت هذه العبارة لأحصل النص في كل قوته. ليس إلا ظاهرًا خداعًا: تلك هي لاأدرية مدرسة إيليا التي بإيتائها العقل أكثر مما ينبغي لم تبقِ للحواس ما يتناسب معها، ر. فيما سوف يجيء شيئًا من هذه المعاني في القطعة ١٧ من قطع ميليسوس. العقل يؤكد لنا: إذا طبق هذا في حق الله فالنظرية لا جدال فيها؛ فوحدانيته بديهية في حكم العقل كلانهايته وكامل قدرته. ولكن ذلك لا يمنع تكثر الكائنات بأشخاصها، ويلزم العقل التسليم به من غير أن يستطيع مع ذلك أن يفسِّره.
(٨) هل تكون عنايتنا: صيغة الإثبات هنا أولى فيما يظهر، ولكني اضطررت إلى اتباع النص. وهذا الممر هو أتم ما تركه لنا الأقدمون على نمط مدرسة إيليا ومنطقها. كل ظاهر: أو كل ما يظهر لعقلنا؛ لأن المراد هنا ليس هو الظاهر الحسي. ليس صحيحًا ولا يستحقُّ على ذلك تصديقنا: ليس النص على هذا القدر من السعة. بعدم قبول هذه القاعدة أيضًا: الأمر على الضد من ذلك؛ فإن مدرسة إيليا قد قبلت هذه القاعدة كل القبول، واتخذتها أساسًا لنظرياتها على الأزلية ووحدة الموجود. قليلة الصدق: ليس النص على هذا القدر من التعيين، ولكنه على التحقيق يشمل هذا المعنى.
(٩) كل إدراكاتنا ليست فاسدة: في هذا التحفظ شرف عظيم لمدرسة إيليا، ويجب اعتباره والاعتداد به؛ فإن السفسطائيين — وعلى الخصوص فروطاغوراس — قد ذهبوا بعيدًا في المعنى المضاد بأن قرروا أن الإنسان هو معيار الكل، وقد جرَّهم هذا الإفراط إلى لاأدرية غرغياس المطلقة، ر. فيما يلي الباب الخامس والسادس من هذا الكتاب، وتحليل مذهب غرغياس الذي قام به سكستوس أمبيريكوس. أما الرأى الذي قام الدليل على صحته: مبدأ جميل قد كرره فيما بعد أفلاطون وديكارت بصورة أخرى ليست أشد جزمًا. التي ستظهر أنها أحق: والتي هي غير قابلة للإيضاح وصالحة — من ثم — لإيضاح سائر البقية. هذا هو المذهب العظيم لأرسطوطاليس في الأنالوطيقا الثانية. وهذا هو الأساس الذي إليه يستند كل برهان، سواء أكان هذا الأساس مكشوفًا أو مخبَّأً، ر. ترجمتنا لأنالوطيقا الثانية، منطق أرسطو ج٣ ك١ ب٢ ص٩. بمساعدة تلك المبادئ الأولى: التي هي في ذاتها غير قابلة للبرهان لأنها بديهية.
(١٠) كما يفترض ميليسوس: عبارة النص فقط «كما يفترضه»، ر. ما سبق ف١ والتحقيق. وهذه الجملة كلها قلقة في ترجمتنا كما هي كذلك في النص الإغريقي. يضطر إلى استخراجها من اللاموجود: ر. ما سبق آنفًا ف١.
(١١) نزعم: قد لا تكون عبارة النص على هذه الصراحة. فتكون النتائج التي تستنتج: أو النتائج التي تستخرج منها. على أن من البيِّن أن المبدأ الذي يسار منه بما أنه هو ذاته أمتن، فالبرهان الذي ينتج منه هو أمتن أيضًا. هذان الاعتقادان: العبارة الإغريقية تدل مباشرة على «فرضين وهميين». لا شيء يمكن أن يأتي من لاشيء: هذا حقٌّ متى طُبِّقَ على موجودات الطبيعة، ولكنه ليس حقًّا بهذا المقدار متى طبق في حق الله. وحينما يكون الأمر متعلقًا بالله فيلزم أن يوصل إلى خلق حقيقي. الموجودات هي متكثرة ومتحركة: كما تشهد لنا به حواسنا شهادة غير مجرحة. هاتين النظريتين تتباطلان: وحينئذ يمكن أن شيئًا ما يأتي من العدم وأن الموجودات هي متحركة.
(١٢) رأي ميليسوس: عبارة النص غير معينة ولا تسمي ميليسوس، ر. ما سبق ف١. ما دام أن ميليسوس: التنبيه السابق. الذي يقصد إلى أن يبرهن على فساده: عبارة النص ببساطة «التي عليه يبرهن». ليس إلا فرضًا محضًا: الحد الذي يستعمله النص ها هنا هو بعينه من جهة الاشتقاق الذي في الفقرة السابقة. أشبه بالحق: أو بعبارة أخرى أن الخلق من العدم أكثر احتمالًا من وحدانية الموجود؛ فإنه يمكن أن يفهم على وجه أحسن أن الأشياء أُتي بها من لاشيء من أن يفهم أنها متعددة. والسبب في ذلك أن التعدد بديهي فيما يظهر في حين أن الخلقة تختفي في ظلمات الماضي والبداية.
(١٣) قد كانت: هذه الجملة في المخطوطات واردة على صيغة النفي لا على صيغة الإثبات كما ينبه إليه م. مللاخ. وقد اقترح أسبلدنج محوها، وإني أرى كما يرى م. مللاخ أنها ضرورية لتتابع المعاني. من أناس كيفما اتفق: من العوام هيزيود، راجع التيوجوني البيت ١١٦ وما بعده ص٣ من طبعة فيرمين ديدو. وإن هذه الأبيات التي لم يستشهد بها ها هنا بالنص موجودة في الطبيعة لأرسطو، ك١ ب٢ ف٧ ص١٤٢ من ترجمتنا، وفي ما بعد الطبيعة ك١ ب٣ ص١٣٨ من ترجمة كوزان. لم تتولد من شيء: أولى بهذا أن يكون نتيجة مستخرجة من أفكار هيزيود لا فكرة من أفكاره الخاصة.
(١٤) ومن الفلاسفة: كان من الحسن أن يسمي هؤلاء الفلاسفة الآخرين. بأن لا شيء يكون أو يوجد، وأن الكل يصير: قد يكون هذا هو رأي هيرقليطس؛ إذ يظن أن كل الأشياء هي في مد أبدي. تولد من أشياء غير موجودة: النتيجة بينة بذاتها فيما يظهر، وإن ما يصير لم يكن قبل أن يصير. الصيرورة يمكن أن تخرج حتى من اللاموجود: أو أن الأشياء التي تتولد تخرج من أشياء ليست موجودة.
(١٥) ما إذا كان ما يقوله: ميليسوس، وقد حفظت النص على ما هو فيه من عدم التعيين الشخصي. بعض الالتفات: وربما يمكن أن يقال «التفاتًا جديَّا». من فروضه: أو «المبادئ التي يسلم بها».
(١٦) فهو يقرر بادئ بدء: ليس النص على هذا القدر من الضبط، وعبارته عامة، وهي ما دام قد تقرر … إلخ. بلا استثناء: زدت هذا القيد لأحصل على قوة العبارة الإغريقية. غير مخلوقة: ر. ما سبق في الفقرة الأولى حيث هذا التحفظ، بعض الأشياء هي أزلية وغير مخلوقة والبعض الآخر ليس كذلك. أن تأتي الأشياء بعضها من بعض: هذا ممكن بلا شك، ولكن لا بد بادئ بدء من افتراض وجود بعض أشياء تكون أزلية بالنتيجة. وهذا الاعتراض لا يرد مباشرة على نظرية ميليسوس. رجعى دائرية: هذا هو ما ذكر آنفًا بعبارة أخرى. ولكن الكون ليكون على التكافؤ يلزم ضرورة أن يكون مسبوقًا بوجود ما قد لا يكون أزليًّا وباقيًا. يوجد دائمًا موجود ما: مؤقت ووسيط، ولكن التعاقب مع ذلك هو أزلي؛ إذ لم تكن الموجودات أزلية. أن الكل قد خلق: في التعاقب لا في البدء. أنه كل وأنه يسمى كلًّا: وبعبارة أخرى اللامتناهي هو كل، وهذا هو ما يسمى بالكل.
(١٧) كونها: بعضها بواسطة البعض الآخر. دائري: وبالنتيجة على التكافؤ؛ فإن الثاني يكون الأول كما أن الأول قد يكون الثاني. كما يزعم بعضهم: هيرقليطس وفروطاغوراس مثلًا. ولكن ميليسوس: عبارة النص «ولكنه» ر. ما سوف يجيء القطعة الأولى وما يليها من قطع ميليسوس. فإنه يقول: هذه الصيغة تدل على أن القول المروي هو من كلام ميليسوس.
(١٨) بأن اللاموجود لا يمكن أن يصير: يعني أن ما لم يكن لا يمكن أن يكون أبدًا. وأن الموجود لا يمكن أن ينعدم: وأنه أزلي. من الأشياء: التي هي موجودة أو التي وجدت فيما سبق. نظرية أمبيدقل: لم يذكر أبيات أمبيدقل بنصها، ولكن المعنى قد حصل بالضبط، ر. قطع أمبيدقل البيتين ١٠٢ و١٠٣ طبعة فيرمين ديدو ص٣. وفقًا لرأي ميليسوس: ليس الاسم في النص الإغريقي، ولكنه يستنتج من العبارة نفسها التي استخدمها المؤلف. ما دام أن الموجود يبقى دائمًا: هذا الشاهد بيت من أبيات أمبيدقل، روي بمعناه بالضبط دون لفظه، ر. البيت ١٠٤ في المرجع السابق. كالنار والماء … إلخ: الأربعة العناصر التي يسلم بها أمبيدقل أيضًا. إلا اختلاطًا وتحللًا: تلك هي عبارة أمبيدقل بالنص، ر. قطع أمبيدقل البيتين ١٠٠ و١٠١ في المرجع السابق، وإن أرسطو يذكر أيضًا هذا البيت في كتاب الكون والفساد ك٢ ب٦ ف٦. عاميًّا: عبارة النص عند الناس. قطع أمبيدقل البيت ١٠١.
(١٩) ومع ذلك فإن أمبيدقل: النص لا يسمِّي ها هنا أمبيدقل. ولكن كل ما يلي يثبت تمامًا أن القول إنما هو بصدده. الصيرورة: أو التولد. كيف يمكن في الحق: ليست هذه تعابير أمبيدقل بالضبط، ولكن المعنى هو معناه، ر. قطعة البيتين ٩٤ و٩٥ في المرجع السابق ذكره، ور. أيضًا الطبيعة لأرسطو ك٨ ب١ ص٤٥٥ من ترجمتنا. بصرف النظر عن العلل: عبارة النص: دون العلل. ومن المحتمل أن أمبيدقل يعني ها هنا بالعلل العشق والتنافر اللذين يجمعان أو يحللان الأشياء بأن يكونا ويفسدا دوريًّا السفيروس، ر. الطبيعة لأرسطو ك٣ ب٤ ف١٣ ص٩٤ من ترجمتنا.
(٢٠) بتركبها … بافتراقها: على حسب نظريات أمبيدقل. أنكساغوراس: ر. الطبيعة لأرسطو ك٣ ب٤ ف٨ ص٩٠ من ترجمتنا. بلا استثناء: أضفت هذه الكلمات. في جواهر أخرى: هذا التعبير يكاد لا يكون أرسطو طاليا، وليس من عادته أن يستعمل لفظ الجوهر في مثل هذا المعنى.
(٢١) ألا يكون إلا صورة واحدة: هذه الجملة هي الترجمة المضبوطة للنص الإغريقي، ولكن ما يلي يثبت أن المعنى بلفظ «الصورة» هو «العنصر»، وأن آراء أنكسيمندروس وأنكسيمين هي معروفة حق المعرفة؛ فإن أحدهما يريد أن يستخرج كل العالم من الماء كما كان يزعم طاليس، والآخر يريد أن يستخرج كل العالم من الهواء.
(٢٢) كوحدة: أو كواحد، ولقد حفظت أسلوب النص، وربما كان أجلى من ذلك أن يتكلم على اتحاد المادة، وحينئذ يرجع إلى مذهب الذرات كما سنبين فيما بعد بمناسبة ديمقريطس. تبعًا لأن الواحد يتغير بالصور: الجملة طويلة بعض الشيء، ولكنها كذلك أيضًا في النص الإغريقي، فوجب علينا الاحتفاظ بأسلوبها. يكون … ويشكلها: ليس في النص إلا فعل واحد.
(٢٣) ديمقريطس: هو في طريقته أيضًا نصير للوحدة؛ لأن ذراته هي على الإطلاق متماثلة ولا تختلف إلا بالعدد وبالصورة وبالتماس وبالحركة. الأشياء المختلفة هكذا: كان الأحسن أن يقول يظهر لنا أنها مختلفة بهذا القدر؛ لأنها في الواقع هي بعينها على حسب ديمقريطس. في المجرى والتماس والاتجاه: هذه الكلمات الثلاثة مستعارة من ديمقريطس، والظاهر أنه واضعها أو على الأقل هو الذي في المجموعة نقلها من معناها العادي. على أني لا أجد هذا الممر من هذا الكتاب موجودًا في قطع ديمقريطس الإغريقية لفيرمين ديدو؛ فإن المجرى والتماس والاتجاه متعلقة بالذرات إذ تتركب في الخلو بعضها مع بعض. من الموجود إلى الموجود: دون أن شيئًا ما يمكن أن يتولد من العدم، وذلك بأن الذرات متصورة أزلية، ر. كتاب السماء ك٣ ب٤ ف٥ ص٢٥٠ من ترجمتنا.
(٢٤) وفوق هذا: هذا يظهر أنه تبع للأفكار المنسوبة ها هنا إلى ديمقريطس، وهذه الفقرة لا تكاد تكون إلا تكريرًا لما سبق. على كمية متساوية: الكمية والعدد الكلي للذرات لا ينقصان، وفقط المركبات التي تركبها تلك الأجزاء التي لا تتجزأ هي التي تحتوي منها على عدد أكبر أو أصغر.
(٢٥) أن الموجود هو لامتناهٍ: ليس النص على هذا القدر من الضبط واللفظ الذي استعمله هو غير محدد. على رأي ميليسوس: هذا يتعلق بميليسوس لا بديمقريطس، ولكن النص قد وضع الفعل مطابقًا لضمير الغائب من غير أن يعين بالاسم الفيلسوف الذي يقصد تعيينه. إذا هو يوجد: ر. ما سبق ف١. وألا يكون قد ولد ألبتة — أن لا نهاية الموجود — تنتج، على رأي ميليسوس، من أزليته. بداية الكون: أو بعبارة أخرى «بداية تغيير الموجود»؛ لأن الموجود بما هو أزلي يمكن أن يصير غير ما هو ويتحول، ولكنه لا يولد على الحقيقة. حدود أخرى غير المذكورة آنفًا: يعني ابتداء التغايير التي يمكن أن يعانيها ونهايتها. على رأي ميليسوس: أضفت هذه الكلمات التي تستنتج من سياق الكلام ومن التعبير الذي يستعمله المؤلف، ر. فيما سوف يلي القطعة ٢ من قطع ميليسوس.
(٢٦) حتى بدون أن يكون قد كون: أعني مع بقائه أزليًّا. بل بداية أخرى: هذا لا ينطبق إلا على التغير الذي يصير الموجود غير ما هو ويحيله من غير أن ينزع شيئًا من أزليته. بتحدد بعضها ببعض: بأن تتوالد على طريقة التكافؤ.
(٢٧) متناهية: بالكم دون أن تكونه بالعدد، وأن يكون بعضها بعضًا بتسلسل مؤبد. بالبساطة: زدت هذه الكلمة التي تفهم من القرينة فيما يظهر لي.
(٢٨) كما يبغي برمينيد: يظهر على حسب هذه الفقرة أن رسالتنا الصغيرة هذه مع انطباقها على ميليسوس وإكسينوفان على وجه الخصوص قد تكون انتقادًا عامًّا لمدرسة إيليا، ر. قطع برمينيد البيت ١٠٢ وما بعده في القطع الفلسفية الإغريقية لفيرمين ديدو ص١٢٤.
(٢٩) ميليسوس نفسه: ليس في النص الاسم الظاهر، بل هو استخدم ضمير الغائب كما هو الحال في كل موطن. هو يقرر: أي ميليسوس، ولكن هذا يمكن على سواء أيضًا أن ينطبق على مذهب برمينيد كما يرى في الأبيات التي ذكرت آنفًا. التي يبطلها أنكساغوراس: قد يمكن أن يفهم منه أيضًا كما فهم م. مللاخ «التي يؤيدها أنكساغوراس». وعلى ذلك يكون أنكساغوراس من رأي ميليسوس وبرمينيد، عوضًا عن أنه يبطل رأي الفلاسفة الذين يقررون أن الكل هو مشابه لآخر غيره وهذا في الواقع شيء واحد، ر. قطع أنكساغوراس لشاوباخ ص١٠١. ولكن نظرية أنكساغوراس يظهر أنها ترجع فقط إلى العقل لا إلى العالم؛ فإن العقل الأعلى لا يمكن في الحق أن يتغير؛ فإنه دائمًا مشابه لذاته، ولا يمكن أن يكون شبيهًا لأي ما كان.
(٣٠) ميليسوس: التنبيه السابق؛ أي إن ميليسوس ليس مسمًّى ها هنا أيضًا. إضافيًّا لذاته: النص أقل ضبطًا: «هل يعني الشبيه نسبيًّا إليه؟»
(٣١) ميليسوس: كررت ها هنا أيضًا اسم ميليسوس كما فعلت فيما سبق ولو لم يكن مذكورًا في النص. كل جزء من الأجزاء هو نفسه جسم: ر. ما سوف يلي من قطع ميليسوس القطعة ١٦. هو وحده لامتناهٍ: زدت كلمة «وحده» لبيان الفكرة. يصلح بعضها حدودًا لبعض على التكافؤ: ر. ما سبق ف١٢.
(٣٢) مع كونه جسمًا: أي إنه بالنتيجة ذو أجزاء مختلفة. ميليسوس نفسه: اسم ميليسوس ليس مذكورًا في النص الذي ليس فيه دائمًا إلا ضمير غائب. كما أن زينون يحاول أيضًا أن يثبت: إن ذكر زينون هنا يسمح لنا أن نقدر رسالتنا الصغيرة هذه كان ينبغي أن تعرض أيضًا لمذهبه على حدة، ر. التحقيق الذي سبق.
(٣٣) بعضها أصغر: حتى من غير اختلاف الامتدادات يكفي أن توحد عدة أجزاء لتكون متميزة ولو كانت مع ذلك متساوية تمام التساوي. من زيادة جسم ما: لا يمكن أن تكون زيادة ولا نقص لأي ما ما دام أن المقصود هو «الكل». متكثرة وأكثر من واحد: ليس في النص إلا كلمة واحدة. على عظم غير متناهٍ: عبارة النص بالضبط «غير متناهية في العظم».
(٣٤) قد يزعم إكسينوفان: رأي إكسينوفان هذا مذكور في كتاب السماء ك٢ ب١٣ ف٧ ص١٩٤ من ترجمتنا. في تلك الفقرة أيضًا يذكر أرسطو انتقاد أمبيدقل، ويستشهد بالبيت عينه الذي استشهد به هنا.
(٣٥) أنه ليس متشابهًا في جميع أجزائه: إن تخالف الأجزاء لا يمنع الوحدة بل قد يكون شرطها. بوجود عدة أشياء: أو بعبارة أخرى أن الموجودات متكثرة بما هي موجودات خاصة، وأن هذا غير مانع وحدة المجموع. لأنه لا يمكن: يقدر مللاخ أن هذه هي نظرية ميليسوس التي يبطلها المؤلف، ولا شيء في النص يعزز أو يرفض هذا التقدير. خلو في باطن المتخلخل: اضطررت لاستخدام هذه الصيغة لتحصيل كل قوة النص الإغريقي. باق هو ما هو: ليس النص على هذا القدر من الضبط. لما أن «الكل» مليء: يمكن أن تقدر هنا هذه العبارة «على رأي ميليسوس» على حسب تقدير مللاخ، ر. القطعة ٥ من قطع ميليسوس.
(٣٦) من هذا وحده: يظهر لي أن الرد واضح للغاية، وما دام العالم واحدًا فيظهر أن من الضروري أن يكون لامتناهيًا؛ لأنه من المحال على عقلنا أن يفترض له حدودًا. ولماذا يستلزم: هذا ليس في معظمه إلا تكريرًا لما سبق. يتوهمونه: صيغة النص صيغة جمع يمكن أن تعود على ميليسوس وإكسينوفان وبرمينيد وزينون.
(٣٧) يقول ميليسوس: وهنا أيضًا ليس ميليسوس مذكورًا بالاسم. بأن تتغير بالأين: تلك هي حركة النقلة، ولكن حركة الاستحالة يمكن أن تحصل من غير تفسير في الأين. هيزيود: ر. ما سبق. ب١ ف١٣ في الخلقة. وأحسن من هذا «في كون الأشياء»، العماء الذي ظهر في بادئ الأمر: العماء لا يشتبه بالخلو. أنه — إذا شئت — عدم النظام ولكن الأشياء موجودة ما دام تدخل العقل ضروريًّا لتنظيمها. هذا هو ما يعني بالخلو: هذا متنازع فيه جدًّا؛ فإن العماء لم يكن ليفهم قط على هذا المعنى.
(٣٨) فإن العالم يمكن أن يتحرك أيضًا على السواء: أو «أن ذلك لا يمنع حصول الحركة». أنكساغوراس الذي اشتغل أيضًا بهذه المسألة: وفي رواية بعض المخطوطات «الذي اشتغل بهذه المسألة من قبله». أنه لا يوجد خلو: ر. الطبيعة لأرسطو ك٤ ب٨ ف٣ ص١٩٤ من ترجمتنا حيث لا يظهر على أرسطو أنه قدر تقديرًا حسنًا نظريات أنكساغوراس على الخلو كما فعل هنا.
(٣٩) متى تم تركيبها: بواسطة العشق على حسب أمبيدقل، وتم افتراقها بعد ذلك بالتنافر، ر. الطبيعة لأرسطو ك٨ ب١ ف٤ ص٤٥٥ من ترجمتنا. طوال الزمان: ليس معنى ذلك أبديًّا، ولكن المقصود هنا هو في مسافة من الزمان فيها السفيروس ينبسط أو ينقبض في ذاته (ر. تعليقات كتاب الكون والفساد ك١ ب١ ف١٠). يقول أمبيدقل: ر. قطع أمبيدقل البيتين ٩٤ و١٦٦ من القطع الفلسفية الإغريقية طبعة فيرمين ديدو. في صولة واحدة: هذه عبارة النص بعينها. فلا شيء يكون جليًّا أن هذا هو رأي أمبيدقل؛ فإن العشق والتنافر بفعلهما على التناوب يؤلفان تمامًا شكل دائرة.
(٤٠) وميليسوس نفسه: وليس اسم ميليسوس مذكورًا في هذه الفقرة أيضًا، ر. ما سبق ب١ ف١. الاستحالة: ر. في الطبيعة ما يختص بحركة الاستحالة ك٣ ب١ ف٨ ص٧١ من ترجمتنا، وكذلك الكون والفساد ك١ ب٤. الاستحالة أن تكون ممكنة: حركة الاستحالة بما أنها تقع في الشيء ذاته لا حاجة لها بحيز جديد كحركة النقلة، بل ولا كحركة النمو ذاتها.
(٤١) وبالتبع: يظهر أن هذا هو ملخص الاعتراضات السابقة كلها، ولكن النتيجة لا يظهر أنها لازمة. كلًّا يكون أزليًّا: كما يزعم ميليسوس. وهذه الجملة التي هي محرفة في أكثر المخطوطات هي كما أؤديها الآن في مخطوطة ليبزج، وكذلك في ترجمة فليسيانو كما نبه إليه مللاخ.
(٤٢) في نظريات ميليسوس: بدلًا من الاسم الظاهر ليس في النص إلا ضمير غير معين، والظاهر أنه يكفي قبول حركة الاستحالة لينهدم دفعة واحدة مذهب ميليسوس في وحدة الموجود ولا تحركه. ترتيبًا وكيفًا: عبارة النص بالضبط «أن تكون الموجودات مرتبة على وجه آخر ولا تكون مستحيلة.» بالأكثر وبالأقل: مثال ذلك أن تكون أكثر أو أقل بياضًا، أكثر أو أقل سوادًا؛ لأن الكلام هنا هو بصدد استحالة بسيطة وليس مقصودًا غيرها حتى ولا النمو. فبدون أن يكون هذا الشيء جسمًا: الواقع أن في الاستحالة ليست هنا إضافة ما من أي نوع كان؛ فإن الاستحالة تقع بحركة للموجود داخلية بحتة. أن تمتزج بعضها ببعض: كما يمكن الكيوف أن تختلط وأن تنفصل على التكافؤ في موجود واحد أحد بعينه.
(٤٣) اللذين يتكلم عنهما ميليسوس: الملاحظة ها هنا كالملاحظة السابقة فيما يتعلق بذكر اسم ميليسوس الذي لم يذكر اسمه هنا أيضًا. والظاهر أن العبارتين المذكورتين في هذا الممر هي من خصائص لغة ميليسوس الفلسفية. بدونهما: جملة النص فيها من التحير والتردد ما في الترجمة، وهاك شرحًا يمكن أن يثير الفكرة: «لا يفهم ميليسوس حق الفهم ما هو الاختلاط؛ إذ يسميه جمعًا وتركيبًا، وهو يظن أنه في الخليط يمكن عند الإرادة عزل الأشياء من جديد في الحال أو على الأقل عزلها تمامًا بعد تنقية بها يظهر كل واحد منها على الحالة الخاصة به. وليس الاختلاط هو ذلك أبدًا، ولأجل أن يكون حقيقيًّا يلزم أن تكون الأجزاء فيه مركبة تمامًا بحيث لا يمكن حل ذلك التركيب، وإن كل جزء يكون مشابهًا مطلقًا للكل الذي هو منه. لا يوجد جواهر فردة؛ ومن ثم كل جزء من الخليط هو بالضرورة مشابه للكل الذي هو منه جزء كيفما اتفق. لوجود اختلاط حقيقي: ر. على نظرية الاختلاط ما سبق في كتاب الكون والفساد ك١ ب١٠. بما أنه لا يوجد جواهر فردة: قد أبطل دائمًا أرسطو مذهب الجزء الذي لا يتجزأ لديمقريطس، ر. الطبيعة المرجع المذكور قبلًا.
(٤٤) (ب٣) مذاهب إكسينوفان: لا ريب في صحة هذا العنوان؛ فإن أربعة المخطوطات: مخطوطة سان مارك، ومخطوطة الفاتيكان، ومخطوطة أوربين، ومخطوطة باريس، تذكره بغاية الوضوح، وبعض مخطوطات أخرى فيها هذا العنوان الخطأ: «في زينون». وإن بحث النظريات مثبت قطعًا أن الكلام إنما هو بصدد إكسينوفان، ر. ما سبق في «التحقيق».
(٤٥) هو يقول ليس إكسينوفان مذكورًا بالاسم هنا كما كان الأمر في ميليسوس، ر. ما سبق ب١ ف١. ولم أشأ أن أذكر اسمه في الجملة الأولى من هذه الرسالة، ولكني سأفعل فيما بعد حتى تكون الفكرة أشد جلاءً. أن يوجد من شيء: هذا الشك — فيما يرى «برنديس» — مضاد لآراء إكسينوفان Commentationes Elladicac ص٢٧ ف١، فهو يرى خطأً أن بداية هذا الباب تكرير لبداية الباب الأول على ميليسوس. مطبقًا هذا في حق الله: لا على العالم كما يفعل ميليسوس فيما يظهر. تولد … يلد: هذا التكرير هو في النص. بين المتساوين: بالكم. والأشباه: بالكيف، وثانيًا: أضفت هذه الكلمة لزيادة البيان.
(٤٦) أن الله أزلي: إن اسم الأزلي هو الاسم الخاص لله في كثير من الأحوال؛ فإن الله هو الوجود بذاته والذي كان موجودًا دائمًا كما أنه يوجد دائمًا. جاء في التوراة «أنا الموجود». وإن فكرة إكسينوفان هي ها هنا تلك الفكرة بعينها. على رأي إكسينوفان: لم يذكر النص اسم إكسينوفان وليس هنا إلا اسم إشارة غير معين، ر. ما سبق ف١. أكبرها: عبارة النص بالضبط «أحسنها». ويلزم أن يلاحظ أن تدليل إكسينوفان هذا متين متانة وجلي جلاءً. وقد تقدم بنحو قرن مذاهب سقراط وأفلاطون، ويجب الاعتقاد بأنه رشح لتلك المذاهب. وكثيرًا ما اتهم إكسينوفان بالشرك، ولكن هذا الشرك لا أثر له ها هنا؛ لذا كان الله مدمجًا في العالم، فلا محل للقول بأنه المولى والقادر على كل شيء. لأن ماهية الإله: كما يستطيع عقل الإنسان أن يفهمها.
(٤٧) لزم ضرورة أن يكون واحدًا: الأدلة اللاحقة ليست أقلَّ في قوتها من السابقة؛ فإن قدرة الله الكاملة تستتبع وحدانيته، وإن الذي حصل هنا هو فكرة إكسينوفان دون عبارته. وقد حاول مللاخ أن يقوم الأبيات في هذا الموطن، وقد قوم ثلاثًا منها ولم يذكرها طبعًا في قطع إكسينوفان.
(٤٨) يرى من كل جهة: كان يمكن المؤلف أن يذكر بيت إكسينوفان بنصه الذي حفظه لنا أيضًا «سكتسوس أمبيريكوس». Adversus mathenoticos Physicos ك٩ ف١١٤ ص٥٩٦ طبعة ١٨٤٢ ينتقد سكستوس أمبيريكوس وصف الإله هذا، ويرى أنه لا ينبغي أن يسند إليه إلا حاسة واحدة: البصر مثلًا.
(٤٩) أن يكون فلكيًّا: تلك هي استعارة جاء بها إكسينوفان بعد أن عاب هو نفسه الصور الباطلة التي بها يحاول الضعف الإنساني أن يتمثَّل بها الله. الله هو الفلك الذي مركزه هو كل مكان، والذي محيطه ليس في أي مكان، ر. أفكار باسكال طبعة م. ي. هافيت ص٣ سنة ١٨٥٢. بلا استثناء: قد أضفت هذا القيد. ويذكر مللاخ بحق بفقرة مشابهة لهذه تمامًا في كتاب السماء ك١ ب١ ف٥ ص٥ من ترجمتنا.
(٥٠) لامتناهيًا … متناهيًا: يظهر على الضد أن معنى اللانهاية يتمشَّى تمامًا مع معنى الله؛ فإن الأزلي معناه غير المتناهي في الزمان، والقدير معناه غير المتناهي في القدرة … إلخ. فإنما اللاموجود هو اللامتناهي: إنما يكون بمجرد سوء الاستعمال للألفاظ أن يخلط بين اللاموجود واللامتناهي؛ فإن اللاموجود ليس إلا اللامتعين. وفي اللغة اليونانية المعنيان مندمجان في كلمة واحدة. ولا أي جزء آخر: كل هذا هو من البداهة بمكان ما دام أن اللاموجود غير موجود. يحد بعضها بعضًا على التبادل: أو «هي متناهية بعضها بالنسبة للبعض الآخر». فالأحد: لا يمكن أن يشبه إلا بنفسه. إنه الموجود ما دام أنه الكل، وليس هو في الكثرة ما دام أنه الوحدة عينها.
(٥١) الذي إكسينوفان يسميه الله: ليس إكسينوفان مذكورًا هنا كما أنه ليس مذكورًا في الفقرة الأولى. وقد يكون هذا الرأي هو سبب اتهام إكسينوفان بالشرك. لكن الله يمكن أن يكون أحدًا مع تميزه عن العالم. أن يتحرك ولا أن يكون لامتحركًا: في الواقع إن من العسير تصور أن الله لامتحرك كما هو من العسير أن يتصور في حركة. أما عند أرسطو فإنه المحرك غير المتحرك، الذي يعطي الحركة للطبيعة بأسرها التي يجذبها إليه وهو باقٍ هو نفسه في سكون أبدي غير متجزئ، ليس له أجزاء لاجسماني … إلخ، ر. ك٨ من الطبيعة الباب الأخير وما بعد الطبيعة ك١٢ ب٥، وراجع أيضًا قطع إكسينوفان المقطوعة الرابعة التي حفظها «سمبليسيوس» و«تفسير الطبيعة لأرسطو» الورقة ٦ Fragmenta a philosopherum grecorum، طبعة فيرمين ديدو ص١٠١. فإن اللاموجود هو في الحق لا متحرك: هذا هو تابع لنظريات إكسينوفان كما يدل عليه صوغ الجملة الإغريقية. لأنه لا موجود يأتي فيه: ما دام أن اللاموجود هو غير موجود. ولا حركة: عبارة النص ليست على هذا القدر من الضبط. لأن من الضروري للحركة: أضفت هذه الكلمات؛ إذ ظهر لي أنها ضرورية. في اللاموجود: عبارة النص بالضبط «نحو اللاموجود». وهو ما يظهر لي قليل الضبط.
(٥٢) فانظر كيف يزعم إكسينوفان: عبارة النص غير معينة، وليس هنا اسم إشارة، ولكن صوغ الجملة بصيغة الحال يستتبع أن العبارة هي تحصيل فكرة إكسينوفان. على الأقل: أضفت هاتين الكلمتين. اللاشيء: هذا هو لفظ النص بعينه. لأنه لا يشبه: قد يكون الدليل غير قوي فيما يظهر، بل يمكن أن يعلو الموجودات إلى اللانهاية من غير أن يشبهها بوجه ما.
(٥٣) على رأي إكسينوفان: الملاحظة عينها التي أبديت في الفقرة السابقة؛ فإن إكسينوفان لم يسمَّ هنا أيضًا، ولكن لا شك في أن الأمر بصدده.
(٥٤) كميليسوس: ها هنا ميليسوس مذكور بالاسم، وهذا دليل آخر على أن الجزء الأول من هذه الرسالة خاص به، ر. ما سبق ب١ ف١ والتحقيق. يفترض: عبارة النص هي على هذا المقدار من القوة. يولد ويصير: ليس في النص إلا كلمة واحدة. ولا من اللاشبيه: هذه الكلمات التي ليست في المخطوطات قد وضعها مللاخ تبعًا لترجمة فيليسيانو. ولكن الله ليس لامخلوقًا: يظهر أن هذا هو رد من أرسطو على مذهب إكسينوفان. ولكن من الجائز أيضًا أن يكون ردًّا من إكسينوفان موجهًا للنظريات المضادة لنظرياته. لا شيء خارج عن الله: هذا الرأي هو من الآراء التي يمكن أنها سببت اتهام إكسينوفان بالشرك. «خارج عن الله» هي رواية مخطوطة ليبزج، وقد كانت موجودة في ترجمة فيليسيانو كما نبَّه إليه مللاخ بحق.
(٥٥) إكسينوفان يقبل: كذلك ليس هنا اسم إكسينوفان أيضًا. ما يعتقده العامة: أو «ما يجب أن يكون معتقدًا طبقًا للقانون». أعلى بعضها من بعض: كذلك الإله «مارس» هو أشد الآلهة حربًا وأشجعهم، و«زهرة» أجمل الإلهات، و«مينرفة» أحكمهم، و«أبللون» أعلمهم … إلخ. لم يستعر إكسينوفان: لم يذكر هنا أيضًا اسم إكسينوفان، ولكن هذا مدح جميل لمذهبه ولملحمته؛ فإنه كان ضد الآراء الشائعة في زمانه. بالنسبة لواحد آخر: كل هذا التدليل غاية في التعمق، ويعطي فكرة سامية عن عبقرية إكسينوفان. التي ليس لها من شبيه: أضفت هذه الكلمات. فله أيضًا كمال القدرة الكاملة: ليس النص على هذا القدر من الضبط؛ فإن عبارته فيها ما فيها من الإبهام، ولكن المعنى لا ريب فيه.
(٥٦) حقًّا إنه قد يمكن أيضًا التسليم: هذه هي بالتقريب كل ملحمة هوميروس، ولو أن آلهة ذلك الشاعر بينها بعض التبعة؛ فإن المشتري هو الأكبر والأقوى بينهم جيمعًا. موجودات أخرى غيره: أو «موجودات أخرى غيرهم»، وقد آثرت تلقاء تردد النص أن أرجع الضمير إلى الله عوضًا عن الآلهة.
(٥٧) هو يزعم: حافظت على صيغة النص عوضًا عن أن أكرر اسم إكسينوفان. من بعض الموجودات: هذا هو إصلاح من عند مللاخ، وهذا الإصلاح ضروري — فيما يظهر — ولو أنه لا تُجِيزه أية مخطوطات. ولكن فيليسيانو في ترجمته كان لديه رواية من هذا القبيل فيما يظهر. أن الله هو الأحد: كما يدعي إكسينوفان. من الجزء الفلاني أو الفلاني: ليس النص على هذا القدر من الضبط. متشابه في جميع أجزائه: لا شك في أن إكسينوفان يريد أن يقول بالبساطة إن الله شاهد في كل مكان.
(٥٨) كما قرر آنفًا: على حسب نظرية إكسينوفان. صورة فلك: هذا في الحق مذهب مضاد لآراء الفيلسوف الذي يعيب الصفات والصور التي يسندها العامي إلى الآلهة. ذلك هو أيضًا قليل الشبه بالمعقول كمذهب المشبهة المعروف. يسمع من كل جهة: الفلك هو الوحدة، وهذا التصوير لا يتفق ومعنى أن الله لامتناهٍ. إن الاسبيداج أبيض في كل نواحيه: هذا التشبيه بالاسبيداج ليس منقادًا ويظهر عليه نوع من الشطط. أي جزء من الله كيفما اتفق: هذه النظريات ينبغي أن تظهر أشدَّ ارتقاءً عن الزمان الذي كان يقررها فيه إكسينوفان. ولا يمكن الشك في أنها نظرياته مع الشهادات التي نقلها لنا الزمن القديم أجمع. أن يكونه الاسبيداج: راجع ملاحظاتنا على التشبيه بالاسبيداج. ومع ذلك فإن الفكرة صحيحة في موضوعها ولو كان في شكلها شيء من الشذوذ.
(٥٩) وفوق ذلك: رد جديد من المؤلف على نظريات إكسينوفان. متناهيًا ولا لامتناهيًا: في الحق من المحال على عقلنا أن يفهم الله إلا على جهة اللامتناهي. ما ليس له حد: هذا حق، ولكن ماسيلي ليس كذلك حقًّا؛ فإن ما هو قابل لأن يكون له حدود لا يمكن أن يكون أبدًا لامتناهيًا حتى ولو لم يكن له حدود. وهذا ليس إلا اللامحدد واللامعين. عظمًا لا حد له هو يسمى لامتناهيًا: وربما كان الأولى أن يقال «كما»؛ وحينئذ يكون التعبير أعم.
(٦٠) ومتى جعل الله فلكيًّا: ليس النص على هذا القدر من الصراحة. فمن الضروري أن يكون له حد: هذا يناقض فكرة لانهاية الله، والرد شديد القوة. إذ إنه يعني بفلكي: هذا في الواقع هو تعريف الفلك كما هو تعريف الدائرة على السواء بفارق واحد هو ما بين الجسم وبين السطح. حدا … نهايات: هذا التماثل موجود في اللغة الفرنساوية كما هو في اللغة الإغريقية؛ لأنه في الذهن دون أن يكون في اللفظ فقط.
(٦١) إذا كان اللاموجود لامتناهيًا: هذه الرواية هي التي كانت عند فيليسيانو كما تدل عليه ترجمته، وهي الوحيدة التي يمكن قبولها بالنظر إلى سياق النص، وإن كانت لا توجد في المخطوطات. بعض كيوف: «أو حالات» عبارة النص غير محررة. يحس ما ليس موجودًا: ظننت واجبًا عليَّ أن أضيف هذه الجملة؛ فإن هذا التكرير ليس في النص. الاثنين: اللذين ينطبقان على السواء على الموجود وعلى اللاموجود. وفي الحق أن ما لا يحس وما لا يدرك بوجه ما هو بالنسبة لنا كأنه لاموجود، ولو كان موجودًا فإنه بالنسبة لنا هو اللاموجود ولو لم يكنه في الواقع. وجوب القول: ليس النص على هذا القدر من السعة. لا يكون أبيض: كما أن اللاموجود لا يكونه كذلك. سلبًا ثانيًا: ليس المعنى بين الظهور؛ لأن اللامتناهي ليس هو ذاته سلبًا، فإنه لا سلب إلا في اللامحدود واللامعين. وقد يمكن التدليل من جهات نظر شتى على أن اللامتناهي أقوى وجودًا من المتناهي أو بالأولى هو الموجود الحقيقي الوحيد. من هذا ترى كيف أن الله هو لامتناهٍ من أية ناحية يعتبره عقلنا الضعيف، سواء في الزمان وفي المكان وفي القدرة وفي العدل وفي الرحمة … إلخ. القاعدة العتيقة: لا أعرف مؤلفًا آخر قد ذكر هذه القاعدة. وربما كان لهذا الممر معنًى آخر غير المعنى الذي اخترته، وقد يعني به بالبساطة «على ضد ما ذكر آنفًا». وكنت أختار هذا المعنى إذا كانت هذه العبارة كررت ولو بجزئها فيما تقدم. ولكني لا أراها جلية فيه. وبالنتيجة فالموجود أيضًا يمكن أن يكون لامتناهيًا: لا يظهر أن هذه النتيجة لازمة، ولكن الفكرة صادقة، فإنما الموجود في الواقع هو اللامتناهي، في حين أن اللاموجود لا يمكن أن يسمى بهذا الاسم إلا بالنسبة للموجود الذي هو سلب له.
(٦٢) أن تلزق: يظهر لي أن هذا النوع من الابتذال موجود أيضًا في النص. اللانهاية: والأحسن: «معنى اللانهاية». لا لشيء إلا لأنه ليس له حد: بين أن الفرق كبير جدًّا بين اللامتناهي واللامحدود. مثلًا: أضفت هذه الكلمة.
(٦٣) لا شك في ذلك، ولكن لا يمكن أن يكون له حد: ليست عبارة النص على هذا المقدار من البيان، ولكن الفكرة بينة فيما يظهر ولو أن المخطوطات ليست متفقة الرواية. تلقاء له آخر: عبارة النص «تلقاء إله»، ومع ذلك فإن كل هذا الموطن قد أصلح تبعًا لما ارتأى «برانديز» وتبرره ترجمة فيليسيانو. وحدة محضة: في هذا ما في الملاحظة السابقة. الأحد يكون لا حد له: ليس ها هنا رواية أخرى، ولكن الفكرة ليست جلية البيان، ولو أن العبارة ذاتها جلية فإن الموجود مفهومًا على جهة الوحدة التي تشمل الكل هو بالضرورة لامتناهٍ. الكثرة والوحدة: ر. ما سبق ب٨ حيث الموجود واللاموجود مقارنان أيضًا في هذا المعنى. وجود الله … وجود الكثرة: هذا التكرار هو في النص. في هذا المعنى: عبارة النص هي كذلك مبهمة. والتناقض المشار إليه ها هنا قد تكرَّر في نظريات الإسكندريين، وقد ذهبوا فيه إلى حد إنكار الوجود على الأحد كما كانوا يتصوَّرونه مع إثباتهم الوجود للأشياء الجزئية.
(٦٤) كما يقوله برمينيد: هذا البيت قد ذكره أرسطو بجزئه في الطبيعة ك٣ ب٩ ف٤ ص١٢٦ من ترجمتنا، ر. أيضًا مقطوعات برمينيد البيتين ١٠٣ و١٠٤ طبعة فيرمين ديدو. ابتداءً من المركز: أو «من مركزه» هذا هو تعريف الفلك كما تعطيه الهندسة. من غير أن يكون ذلك بالإضافة إلى شيء ما: الظاهر على ضد ذلك أن معنى الحد يستتبع ضرورة معنى الإضافة. حد إضافي: أو بالإضافة إلى شيء ما. وملامسة شيء ما: هذا هو معنى المتناهي بعينه. وليست كذلك بالإضافة إلى شيء ما: كان ينبغي أن يذكر المؤلف هذه الأشياء على نحو أضبط من هذا.
(٦٥) ليسا لا متحركين ولا يتحركان مع ذلك: ر. ما سبق ب٣ ف٧، وربما كان يلزم وضع صيغة المفرد موضع صيغة المثنى؛ فإن الموجود والواحد متَّحِدان كلاهما. إن شيئًا لا يتحرك وبين أن يقال إنه لامتحرك: في اللغة العادية لا فرق بين هذين التعبيرين، ولكنه يمكن أيضًا تمييزهما كما قد كان ها هنا. فمتى يقال على شيء إنه لا يتحرك فذلك بأن في طبيعته إمكان التحرك، ومتى يقال على ضد ذلك: إنه لامتحرك فذلك بما أنه ممتنع الحركة على الإطلاق. وهذا يمكن أن يصدق حتى على اللاموجود: ولو أن اللاموجود بكونه لاشيئًا يمكن أن يوصف بكل كيف أو أن يسلب كلَّ كيف على السواء. لأنه فعلًا على حال ما: العبارة مبهمة، ولم أشأ أن أحررها. كما أن على العموم جميع السلوب المكونة: ربما لم يكن هذا إلا تذييلًا أضافه بعض المفسرين. إنه لا يتحرك: يعني أنه دائمًا ينبغي أن يتكلم على اللاموجود بالصيغة السلبية. ومتى يقال على الضد من ذلك «موجود ساكن» «وموجود لامتحرك» فتلكم إيجابات لا يحتملها اللاموجود. وكل ذلك غمض دقيق. وهذا ما له المدلول بعينه: باعتبار أن لا فرق إلا في شكل العبارة بعض الشيء. إكسينوفان: عبارة النص هي «هذا»، ر. ب٣ ف١ وب١ ف١.
(٦٦) وكما قلنا آنفًا: ر. ما سبق ف٨ وف١٢. ليست إلا سلبًا: سلبًا له بالنتيجة علاقة باللاموجود أكثر منها بالموجود. أكرر: ر. ما سبق ف٧ و٨، أيضًا على الموجودات التي يمكن حملها على اللاموجود. ليست آحادًا: أي لا تكون وحدة، وكل الأشياء الشخصية هي في هذه الحالة. تنتج الأضداد فيما يظهر: قد كان ينبغي أن يقال «الأضداد أعيانها»، كما يظهر أن ذلك ينتج من الأمثلة المضروبة. إما حركة وإما سكون: هذه النتيجة ليست أقلَّ ضرورة من الاثنتين الأخريين. غير أن المقابلة الصريحة لا توجد إلا في المثل الأول حيث المساواة واللامساواة معبَّر عنهما بكلمتين أصلهما واحد، ولا تختلفان إلا بالسلب، وفي المثل الثاني والثالث والكلمات مختلفة، ولها جميعًا صورة الإيجاب، ولم أستطع في لغتنا «الفرنسية» أن أحصل هذه الفروق مع شدة رغبتي فيها.
(٦٧) لا يتحرك ألبتة: قد حفظت صيغة المفرد؛ لأن الله والأحد متحدان. بأن يسعى نحو شيء آخر: قد حافظت على تردد النص، ولكن الفكرة ليست صحيحة؛ لأن الله بأنه في كل مكان لا يمكن أن يتحرك كالموجدات الجزئية نحو مكان لم يكن فيه. ليس إلا الله: الفكرة تبقى غامضة كالعبارة خصوصًا متى ادَّكر أن إكسينوفان فيما سبق قد جعل الله على كل شيء قديرًا. أجزاء الله: هذا فيما يظهر إدماج الله والعالم كما قد اتهم به إكسينوفان. له حركة دائرية: باعتبار أن الحركة الدائرية هي وحدها التي يمكن أن تكون لامتناهية وأزلية، ر. الطبيعة ك٨ ب١٢ ص٥٢٩ من ترجمتنا.
(٦٨) زينون: إن ذكر زينون بالصراحة يُجيز الاعتقاد — فيما يظهر — بأن هذه الرسالة يجب أن يكون لها جزء رابع فيه الكلام على زينون، كما أن الكلام في الثلاثة الأخر على ميليسوس وإكسينوفان وغرغياس، ر. ما سبق في التحقيق. إنما هو متعدد: الترجمة الحرفية للنص هي «كثير من الأشياء». الذي نرى: ليس النص على هذا القدر من الضبط. يكون في الواقع فلكيًّا: كما فيما سبق ف١١ في بيت برمينيد. أن يكون لاجسمانيًّا: هذا هو بالضبط ما يؤيده أرسطو في الباب الأخير من الطبيعة ف٢٦ ص٥٦٩ من ترجمتنا. كما قد قيل: أو «كما قد قلت آنفًا».
(٦٩) هو يقرر: ر. ما سبق ب١ ف٣ وب٣ ف١. غرغياس ليس مذكورًا هنا، وشأنه في ذلك شأن ميليسوس وإكسينوفان. ولكن بمخطوطة ليبزج عنوان هذا الجزء من الكتاب: «في أرسطوطاليس على غرغياس»، ولا يمكن أن يكون ها هنا أقل شك في أمر الفيلسوف الذي يخصه هذا التحليل، ر. لا شيء بموجود حقيقة: ر. فيما سبق ب١ ما يتعلَّق بميليسوس، وفيما بعد تحليل سكستوس أمبيريكوس لمذهب غرغياس.
(٧٠) غرغياس: في هذه الفقرة أيضًا لم يسمَّ غرغياس، وليس بها إلا فعل مسند إلى ضمير الغائب. كما تظهر لنا: أو «كما تظهر لهم». يرونها مخلوقة: ر. كتاب السماء ك١ ب١٠ ص٨٣ من ترجمتنا.
(٧١) يؤلف غرغياس: كذلك هنا لم يسمَّ غرغياس. يقول … لا واحدًا ولا كثرة: ر. ما سيلي. تحليل سكستوس أمبيريكوس في أوله. أن يكون إما أحدهما وإما الآخر: قد حفظت عبارة النص في ترددها كله. وبعبارة أخرى «يلزم أن يكون ما كان إما واحدًا أو كثرة، ويلزم أن يكون إما مخلوقًا وإما لامخلوقًا.» إما كميليسوس وإما زينون: من هذه الفقرة التي قد ذكر فيها ميليسوس وزينون بالاسم يمكن استنتاج هاتين النتيجتين: أولًا أن الجزء الأول من هذا الكتاب يتعلق تمامًا بميليسوس، وثانيًا أن هذا الكتاب ناقص منه جزء كان فيه تحليل آراء زينون كما حللت آراء ميليسوس وإكسينوفان وغرغياس، ر. التحقيق. أن الموجود واللاموجود: عبارة النص حرفيًّا هي «أن الموجود واللاموجود لا يكونان.»
(٧٢) أن اللاموجود يكون اللاموجود: كل السفسطة تعتمد على فعل «الكون» مسندًا إلى اللاموجود، وما دام أنه يقال على اللاموجود إنه كائن فيمكن أن يستنتج منه أنه هو والموجود سيان، وتلك هي دقائق غير جدية. وقد أحسن أفلاطون وسقراط في أنهما سخرا بهذه السفسطة. أن يقال على: ليس النص على هذا القدر من الصراحة.
(٧٣) يقول غرغياس: ليس في النص إلا أن الفعل مسند إلى ضمير الغائب، ولم يسمَّ غرغياس، ولكني اضطررت لإظهاره لبيان الفكرة في الترجمة. مقابلة: لفظة المقابلة أعم من التضاد، ر. المقولات ب١٠ ص١٠٩ من ترجمتنا. شيئًا واحدًا بعينه، ويظن غرغياس أنه قد برهن على أنهما متماثلان. ومن ثم لا يوجد شيء: قد يمكن أيضًا أن يستنتج منه أن الكل موجود، الموجود واللا موجود على السواء. وتكون هذه النتيجة صحيحة كالأخرى. حرفًا بحرف: أضفت هذا القيد لأحصل قوة النص الإغريقي.
(٧٤) أدلة غرغياس: هنا أيضًا ليس غرغياس مسمًّى، وليس في النص كما سبق إلا فعل مسند إلى ضمير الغائب. يحاول إثباتها: عبارة النص بالضبط: «التي يبرهن عليها». وقد ظهر لي أن أسلوب عبارتي أفضل. لو أن اللاشيء يوجد: هذه عبارة النص نفسها، وربما كان الأحسن أن يقال «إذا لم يوجد شيء». فالموجود هو كذلك اللاموجود على السواء: يعني أن الموجود هو اللاموجود كما هو الموجود على السواء.
(٧٥) أدنى ضرورة: أدنى ضرورة للبرهان الذي يلجئ إلى الاستنتاج الموجه لجهة أو لأخرى. لا يزيد على أن يظهر: عبارة النص هي فقط «يظهر». من أن اللاموجود لا يوجد: عبارة النص ليست على هذا القدر من الصراحة. يقول غرغياس: اسم غرغياس ليس مذكورًا. إذا كان «ليس يكون» هو أيضًا شيئًا ما: التناقض بيِّن بيانًا حتى في الألفاظ، ولكن السفسطائي ما كان لينظر في الأمر عن كثب هكذا. لا يقال ألبتة لا أحد إلا السفسطائيين كغرغياس والآخرين يعنى ألبتة بأن يؤتى اللاموجود أقل حقيقة ولا أدنى وجود. في حالة اللاوجود: إنما يدور الإبهام على صيغة المصدر ما دام أن اللاموجود هو اللاوجود؛ فإنه موجود في الحقيقة كالوجود سواءً بسواء. على النحو الذي يكون عليه الموجود: الجواب ليس قاطعًا.
(٧٦) قد وجد بطريقة مطلقة: أي على حد سواء هو والموجود ذاته. عجيبًا: ربما كان في الأسلوب الإغريقي نوع من التهكم يناسب في الواقع كل المناسبة الرد على هذه الدقائق في أمرها أن تكون على ألا تكون. هذا بيِّن بذاته، ولكن غرغياس إذن ينال الظفر، وقد استنتج منه أن لا شيء بموجود. فالدليل حينئذ مزدوج الغاية؛ فإنه يمكن أن يستنتج منه الوجود كما يستنتج منه اللاوجود سواءً بسواء. النقيض نفسه: يعني «نقيض ما يقال هو أيضًا حقيقي كالذي يقال.»
(٧٧) اللاموجود يكون: كما يزعم غرغياس. كلاهما كائن: احتفظت بعبارة النص إن لم تكن قطعية فإن اللاموجود حقيقة كالموجود؛ فإن السلب صادق كالإيجاب سواءً بسواء. من غير فوق: أضفت هذه العبارة التي تؤخذ من أسلوب النص. ليس من الضروري ألبتة: من حيث إن في نظريات غرغياس المتناقضات صادقة على السواء، وأن الأمر وضده يمكن إقامة الدليل عليهما أحدهما كالآخر. لو صدقنا ذلك القول: عبارة النص هي «على حسب تدليل هذا» يعني غرغياس.
(٧٨) شيئًا واحدًا: يعني في النظرية التي يعنى المؤلف بإبطالها. أن يقال بعد: ليس النص على هذا القدر من الصراحة. كما أن غرغياس يقرر: عبارة النص هي «هذا» إذا كان اللاموجود والموجود هما شيئًا واحدًا بعينه. هذا هو أساس سفسطة غرغياس: أن لا شيء بموجود: وبعبارة أخرى أن لا شيء موجود لا صادقًا ولا كاذبًا. العكس: أو بعبارة أخرى «بعكس القضية». أن الكل موجود بالحقيقة: النص ليس على هذا القدر من السعة، ر. ما سيلي في تحليل سكستوس أمبيريكوس.
(٧٩) على ما يفترض غرغياس: كذلك ها هنا ليس غرغياس مذكورًا بالاسم. ميليسوس: ميليسوس مذكور بالاسم صراحة، ر. ما سبق ب٥ ف٣ والتحقيق السابق. ولكن اللامتناهي ليس في محل ما: وبما هو ليس في مكان فسينتج منه أنه ليس موجودًا ألبتة كما سيذكر فيما سيلي. زينون: ر. ما سبق ب٥ ف٣. على حيز الموجودات: زدت المضاف إليه الأخير. راجع فيما يتعلق بنظرية زينون الطبيعة لأرسطو ك٤ ب٣ ف٦ ص١٤٦ من ترجمتنا وب٥ ف١٠ ص١٦١. يستنتج غرغياس: ليس غرغياس مذكورًا بالاسم، والنص ليس على هذا القدر من البيان، ر. ما سيلي تحليل سكستوس أمبيريكوس حيث هذا التدليل على بسطة من البيان.
(٨٠) لا يمكن كذلك أن يكون قد خلق: أو «أنه قد صار» هذا هو الجزء الثاني من تدليل غرغياس. فإنه لا يمكن في الواقع: على حسب تدليل غرغياس. يسقط: هذه هي عبارة النص بعينها؛ فإن الموجود ليصير يجب أن يفقد كرامة الوجود ويبتدئ في ألا يكون بعد ليصير شيئًا ما. اللاموجود لا يكون بعد اللاموجود: ولكن يظهر ها هنا أن اللاموجود عوضًا عن أن يسقط فهو يسمو بوجه ما ليصير شيئًا ما. وتلك دقائق لفظية. أيًّا كان يتولد من لا شيء: هذا هو مبدأ ميليسوس، ر. ب١ ف١. بالمصادفة: أضفت هذه الكلمة.
(٨١) لامخلوقًا أو مخلوقًا: ر. ما سبق ف٦، وقد اضطررت إلى استعمال لامخلوق ومخلوق لأني لم أجد خيرًا منهما في لغتنا «الفرنسية»، ولكنهما لا تحصلان بالضبط معنى الكلمات اليونانية؛ فإن شيئًا إذا صار فذلك بأنه ليس أزليًّا وبالأقل من جهة أن يصير وأن يتغير بالنتيجة، فإذا كان على الضد أزليًّا فما كان ليصير، بل يبقى هو ما هو. ممتنع … ممتنع: هذا التكرير هو في النص، ر. فيما سيلي هذا التدليل مبسوطًا بأكثر من ذلك في تحليل سكستوس أمبيريكوس.
(٨٢) يقول غرغياس: النص لا يذكر غرغياس بالاسم، وليس به إلا فعل مسند إلى ضمير الغائب، ر. فيما يتعلق بهذا الدليل الجديد تحليل سكستوس أمبيريكوس. يقول غرغياس: ليس في النص اسم غرغياس. رأي زينون: ر. ما سبق آنفًا ف٦ وب٥ ف٣. يقول غرغياس أيضًا: لم يسمَّ هنا أيضًا.
(٨٣) لا شيء ليس في حركة: هذا الجزء من تدليل غرغياس ليس موجودًا في تحليل سكستوس أمبيريكوس. وربما كانت هذه الأدلة ضد الحركة متعلقة بزينون أكثر من تعلقها بغرغياس. ولكن لا شيء في النص يدل على أنه يلزم نسبتها هنا إلى زينون، فلا يكون بعد هو ما هو: لأن الحركة تقتضي دائمًا تغييرًا. وحينئذ الموجود لا يكون بعد: إذا كان الموجود لا ينعدم بكله فبالأقل يفقد منه جزء ويكون هو الذي يصير غير ما كان. وينقطع عن أن يكون متصلًا: لا يرى لأي شيء يمكن أن يكون هذا لازمًا؛ فإن الموجود يمكن ألا يفقد شيئًا من اتصاله بنقلته. في جميع أجزائه: عبارة النص ليست بينة جد البيان. يقول غرغياس: ليس في النص هنا أيضًا اسم غرغياس. لوكيبس فيما يسمى بمقالاته: يظهر أن المؤلف، كما نبه إليه مللاخ، ليس هنا واثقًا من كتاب لوكيبس، ر. قطع ديمريطس لمللاخ ص٣٧٤، يقول ديوجين اللايرني ب٩ ف٤٦ طبعة فيرمين ديدو ص٢٣٨ أن تيوفراسط كان ينسب إلى لوكيبس كتابًا معنونًا «نظام العالم الكبير» الذي كان المعتقد دائمًا أنه لديمقريطس، ر. أيضًا فيما سبق آراء لوكيبس على الخلو في كتاب الكون والفساد ك١ ب٨ ف٥ ص٨٩، وقد يظهر جليًّا على حسب هذه الفقرة الأخيرة أن لوكيبس كان قد كتب بعض مؤلفات يظهر أن المؤلف قد استخلص منها ما يقوله.
(٨٤) غرغياس: ليس غرغياس مذكورًا هنا أيضًا بالاسم. فالكل حينئذ يعزب عن عملنا: هذه هي النظرية الثانية لغرغياس، ر. ما سبق ب٥ ف١ وتحليل سكستوس أمبيريكوس. فلم يبق من بعد من ثم: ليس النص على هذا القدر من البيان. فلا يمكن ألبتة تصوره: وغرغياس مع ذلك يتصور اللاموجود ما دام أنه يتكلم عنه. وكل هذا مبسوط في تحليل سكستوس أمبيريكوس. على رأي غرغياس: كذلك لم يسمَّ هنا. العربات تدرج على أمواج البحر: ر. فيما سيلي تحليل سكستوس أمبيريكوس حيث هذا المثل مذكور ومضاف إلى مثل غيره.
(٨٥) ولكن كيف: قد احتفظت بصيغة النص، ولكن من البيِّن أن الجملة هنا غاية في الإيجاز وأن الفكرة ليست مبسوطة البسط الكافي، وتحليل سكستوس أفضل في هذا الموطن. لا توجد من أجل ذلك أيضًا: لأننا نبصرها، وفي هذه مجاوزة باللاأدرية إلى مدى بعيد، ولكن تلك كانت هي عادة السفسطائيين؛ إذ يلذُّ لهم أن يقتحموا الذوق العام.
(٨٦) هي إذن على الإطلاق مثل الأشياء الخارجية: ليس النص على هذا القدر من الصراحة، والتعبير الإغريقي أعم ولكن المعنى بيِّن الجلاء. ولكنه لا يدرى: تلك سفسطة محضة؛ لأنه في هذا الخصوص، اللاأدري لا يتردد أكثر من العامي ويعتقد حقيقة إدراكاته. وبالنتيجة؛ النتيجة ليست لازمة. وفي تحليل سكستوس هذا الدليل أقوى وأمتن دون أن يكون بالغًا حد القوة.
(٨٧) حتى مع التسليم: مناقشة النقطة الثالثة، ر. ما سبق ب٥ ف١، وتحليل سكستوس أمبيريكوس. يقول غرغياس: ليس في النص إلا فعل مسند إلى ضمير الغائب. لا يدرك الأصوات: قد كان الأحسن أن يقال: «لا يدري الأصوات.» ولكني اتبعت النص الذي يتخذ تعبيرًا عامًّا كالذي اتخذته. فالذي يتكلم يتكلم كلامًا: هذا التكرير في النص.
(٨٨) أن يلتمس: هذه هي عبارة النص بعينها. بالمصادفة: أضفت هذه الكلمة لبيان الفكرة. دلالة أخرى: ليس النص على هذا القدر من الضبط. على رأي غرغياس: ليس غرغياس مذكورًا بالاسم هنا، وإن المعنى الذي أختاره في ترجمتي هو الأحسن فيما يظهر لي. ولكن يمكن أن تفهم هذه النقطة على وجه آخر: «الذي يتكلم لا يتكلم لا الصوت ولا اللون؛ إنه لا يتكلم إلا الكلام.» ولا يكون هذا إلا تكريرًا لما قيل آنفًا. وهذا هو الذي حملني على اتخاذ المعنى الذي اخترته.
(٨٩) وعند الحاجة: أضفت هذه العبارة. أن يعرفه: «أن يقرأه» متى كان مكتوبًا. يكون موقنًا: عبارة النص «يفهمه». أن يكون الشيء بعينه في آن واحد: هذا يقتضي أن يكون الشيء حقيقيًّا في الذهن كما هو في الخارج، وهذا ما قد ذكر فيما سبق، وعلى حسب هذه النظرية يمكن أن يقال على الشيء إنه محال لا لشيء إلا لأنه معًا في عدة أحياز أو موجودات. ومع ذلك ففي الفكرة شطط. الشيء الواحد: عبارة النص «الواحد». يقول غرغياس: لم يذكر في النص اسمه. في الظاهر: زدت هذه العبارة. على استعداد واحد بعينه: عبارة النص غير محددة.
(٩٠) أفلا يكونون إذن اثنين: ليس المعنى بيِّنًا، وقد حاولت أن أبيِّنه بإضافة كلمة «بالأقل». ومع ذلك يظهر لي أنه يمكن قبول سلسلة هذه المعاني التي هي مؤتلفة النتائج بعضها مع بعض. في الوقت الواحد: عبارة النص هي كالعبارة المذكورة في الفقرة السابقة، ولكنه يكمِّلها بأن أضاف إليها كلمة الوقت التي ربما يلزم أن تكون مقدرة في الفقرة السابقة.
(٩١) على هذا لا يمكن العلم بشيء ما: ملخص نظرية غرغياس، ر. ما سبق ب٥ ف٦. مع التسليم بوجود شيء ما: النقطة الأولى التي كان ينكرها غرغياس الذي هو من التبصر واللاأدرية بمكان.
(٩٢) أقدم عهدًا: من غرغياس. وربما عنى هيرقليدس الآفيزوسي. الذي سنعقده: ليس النص على هذا القدر من الصراحة، ولكن يظهر أنه يَعِدُ بكتاب آخر بعد هذا.
(٩٣) الطبيعيون: هم فلاسفة مدرسة يونيا، ر. الطبيعة لأرسطو ك١ ب٢ ف٩ ص٤٣٣ من ترجمتنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤