الباب السابع

تعقيبًا لما تقدم نوضح ماذا ينبغي أن يَعني بفعل وانفعل. ولقد تلقَّيْنَا من الفلاسفة السابقين لنا نظريات متخالفات بينها في هذا الموضوع، ومع ذلك فإنهم متفقون بإجماع على أن الشبيه لا يمكن أن يقبل شيئًا من الشبيه؛ لأن الواحد منهما ليس أشدَّ فاعلية ولا انفعالية من الآخر، وإن الأشباه لها كيفياتها متماثلة مطلقًا، ثم يزاد أن الأجسام غير المتشابهة والأجسام المختلفة إنما هي التي لها فعل وانفعال على طريق التكافؤ بعضها في بعض، مثال ذلك حينما تطفأ نار بنار أكبر منها يزعم فلاسفتنا أن النار التي هي أقل انفعلت في الواقع بمقتضى مقابلة الأضداد بما أن كثيرًا هو ضد لقليل.١
ديمقريطس هو الوحيد — خلافًا لجميع الآخرين — الذي قدم في هذا رأيًا خاصًّا؛ فهو يقرر أن هذا الذي يفعل وهذا الذي يقبل هو في الحقيقة مماثل ومشابه؛ لأنه لا يوافق على أن أشياء مختلفة ومتغايرة تمامًا يمكنها أن تقبل أيامًا بعضها من بعض، وإذا كان بعض الأشياء، مع كونها متغايرة بينها، لها بعضها على بعض فعل ما متكافئ فهذه الظاهرة — على رأيه — تقع فيها لا بما هي متخالفة، بل بما هي على الضد من ذلك لها نقطة ما من المشابهة والمماثلة.٢
تلك هي إذن الآراء التي قررت قبلنا. ولكن الفلاسفة الذين قرروها قد يظهر أنهم تناقضوا فيما بينهم، والسبب في اختلافهم في هذا الصدد هو أنه في مسألة يلزم فيها اعتبار مجموع الموضوع لم يعتبروا فيه هؤلاء وهؤلاء إلا جزءًا واحدًا.٣

وفي الحق أن ما هو شبيه تمامًا ولا يغاير مطلقًا بأي وجه ما لا يمكنه مطلقًا أن يحتمل شيئًا ولا أن يقبل شيئًا من قبل شبيهه. لماذا؟ في الحق، إن أحد الشيئين يفعل دون الآخر! فإذا كان ممكنًا أن الشيء يقبل بأي طريقة من شبيهه إذن يمكنه أن يقبل أيضًا من ذاته، وحينئذ مع التسليم بهذا فينتج منه أن لا شيء في الدنيا يكون غير قابل للفناء ولا غير متحرك إذا فرض أن الشبيه بما هو شبيه يمكنه أن يفعل ما دام حينئذ كل موجود أيًّا كان يمكنه أن يعطي الحركة لنفسه ويعطيها أيضًا على السواء للموجود المغاير تمامًا، والذي ليس به تماثل ما.

وفي الواقع إن البياض لا يمكنه أن يقبل أي فعل من قبل خط، ولا أن خطًّا ينفعل بشيء من قبل البياض إلا ما ربما يكون بالعرض والواسطة: مثلًا في حالة ما إذا كان الخط بالمصادفة أبيض أو أسود؛ لأن الأشياء لا يمكنها أن تغير طبعها عفوًا من تلقاء أنفسها متى لم تكن أضدادًا بعضها لبعض أو غير آتية من أضداد.٤
ولكن لما أن فعل وانفعل ليسا بالطبع خاصية أي جسم اتفق وأخذ بالمصادفة، وأنهما لا يكونان إلا في الأشياء الأضداد بعضها لبعض أو التي بينها تضاد ما؛ فينتج من ذلك ضرورة أن الفاعل والقابل يجب أن يكونا شبيهين ومتَّحِدين بجنسهما بالأقل، وأن يكونا غير متشابهين ومتضادين بنوعهما، على هذا تريد الطبيعة أن الجسم يقبل فعل الجسم والطعم يقبل فعل الطعم واللون فعل اللون. وعلى جملة من القول إن شيئًا مجانسًا يمكن أن يقبل فعلًا من قبل الشيء المجانس، والسبب فيه أن جميع الأضداد هي من جنس واحد، وأن الأضداد تفعل بعضها في بعض وتقبل بعضها من قبل البعض الآخر؛ إذن يلزم ضرورة أن — من وجه — الفاعل والقابل يكونان متشابهين وفي الحين عينه يلزم أيضًا أن يكونا غير متشابهين ومتغايرين بينهما.٥
ما دام إذن يلزم أن يكون الفاعل والقابل هما متحدين ومتشابهين في الجنس ولا متشابهين في النوع، وإن هذه هي نسب الأضداد فينتج من هذا جليًّا أن الأضداد والأوساط تفعل وتقبل على طريق التكافؤ بعضها إزاء البعض الآخر، فإن فيها مطلقًا يحصل فساد الأشياء وكونها؛ لذلك فبسيط جدًّا أن النار تسخن وأن البرد يبرد، وعلى جملة من القول إن الشيء الذي يفعل يحيل إلى ذاته الشيء الذي يقبل فعله. ما دام أن هذا الذي يفعل وهذا الذي يقبل هما ضدان، وأن الكون هو على التحقيق تحول الشيء إلى ضده، ينتج منه أن بالضرورة الذي ينفعل يتغير بهذا الذي يفعل، وعلى هذا النحو فقط يحصل كون مفضٍ إلى الضد.٦
هذا هو الذي يوضح جيدًا كيف أن فلاسفتنا من غير أن يكرروا صراحة الأقوال أعيانها يمكنهم مع ذلك على الوجهين أن يصلوا إلى استكشاف الطبع والحق. وعلى هذا نقول تارة إنه الموضوع نفسه هو الذي ينفعل متى قلنا إن فلانًا يبرإ وأنه يدفأ وإنه يبرد وإنه يعاني انفعالات من هذا القبيل. وتارة أيضًا نقول مثلًا إن البرودة هي التي تصير ساخنة أو إن المرض هو الذي يصير الصحة، وعلى الوجهين العبارة صادقة.٧
والأمر كذلك أيضًا فيما يخص الفاعل؛ فإننا نقول أحيانًا إنه هو فلان الذي يسخن الشيء الفلاني، ومرة أيضًا إن الحرارة هي التي تسخن؛ لأنه تارة هي المادة التي تقبل الفعل وتارة أيضًا الضد هو الذي يقبل. على ذلك فإنه بنظر الأشياء من هذه الجهة زعم بعضهم أن الموجود الذي يفعل والذي ينفعل يجب أن يكون بينهما شيء من التماثل. وإن الآخرين بنظرهم الأشياء من جهة مخالفة زعموا أن الأمر على الضد من ذلك تمامًا.٨
ولكن التدليل الذي يمكن عمله لإيضاح ما هو يفعل وينفعل هو نفسه الذي به يوضح ما هو يحرك ويتحرك، وعلى ذلك لفظ المحرك يحمل أيضًا على معنيين؛ فأولًا الشيء الذي فيه يوجد مبدأ الحركة يشبه أن يكون المحرك ما دام المبدأ هو أول العلل، وثانيًّا إنما هو الحد الأخير بالإضافة إلى الشيء الذي هو محرك وإلى كون الشيء.٩
وتنطبق الملاحظة نفسها على الفاعل، وعلى هذا النحو نقول على السواء إن الطبيب هو الذي يبرئ أو هو النبيذ الذي أمر به للمريض. وحينئذ لا شيء يمنع من أن المحرك الأول في الحركة التي يعطيها يبقى هو نفسه غير متحرك، بل أحيانًا قد تكون هناك ضرورة إلى أن يكونه، ولكن الحد الأخير يجب دائمًا لأجل أن يحرك أن يكون أولًا قد حرك هو نفسه.١٠

وفي الفعل أيضًا الحد الأول ليس متأثرًا ولا قابلًا، ولكن يلزم أن الحد الأخير — ليمكنه أن يفعل — ينفعل أيضًا هو ذاته بفعلٍ ما بادئ بدء. كل الأشياء التي ليست من مادة واحدة بعينها تفعل دون أن تقبل هي أعيانها، وأن تظل غير قابلة. مثال ذلك صناعة الطب؛ فإنها مع فعلها الصحة لا تقبل أي فعل من قبل الجسم الذي تشفيه. ولكن الغذاء من فعله الصحة يقبل ويلقى هو نفسه أيضًا تأثرًا ما؛ لأنه إما أن يسخن أو يبرد أو يعاني انفعالًا آخر كيفما اتفق في حين أنه يفعل؛ ذلك لأنه من جهة الطب هو ها هنا — بنحو ما — كالمبدأ، في حين أن الغذاء — بنحو آخر — هو الحد الأخير الذي يمس العضو الذي يفعل فيه. على ذلك حينئذ كل الأشياء الفاعلة التي ليس لها صورتها في المادة تبقى غير قابلة، وكل التي لها صورتها في المادة يمكن أن تقبل فعلًا ما، ونقول أيضًا إن المادة هي واحدة على السواء بعينها بالنسبة لأي واحد ما من الحدين المتقابلين، ونعتبرها أنها بالنسبة لهما جنسهما المشترك. ولكن ما يمكنه أن يصير ساخنًا يجب ضرورة أن يسخن حينما الشيء الذي يسخن يكون حاضرًا وقريبًا منه.

فانظر لماذا أن بين الأشياء التي تفعل بعضها — كما قلت آنفًا — هو غير قابل والآخر على ضد ذلك يمكن أن يقبل، وكيف أن الأمر واحد بعينه بالنسبة للفواعل كما هو بالنسبة للحركة، فإن هناك في الواقع المحرك الأولي هو غير متحرك، وهنا بين الفواعل إنما الفاعل الأول هو غير القابل وبمعزل عن كل انفعال.١١
ولكن إذا كان الفاعل علة كما هي حال المحرك سواءً بسواء، فمن أين يجيء أن مبدأ الحركة — أي الغاية التي من أجلها يحدث كل الباقي — لا يحدث هو نفسه فعلًا؟ مثال ذلك الصحة ليست فاعلًا ولا يمكن تسميتها كذلك بالمجاز المحض، ومذ يوجد الفاعل ينتج منه أن القابل الذي يقبل الفعل يصير شيئًا ما، ولكن متى تكون الكيفيات حاصلة تمامًا وحاضرة فليس للفاعل أن يصير؛ فإنه قد كان كل ما يجب أن يكونه. إن صورة الأشياء وغاياتها يمكن أن يقال إنها كيفيات وعادات في حين أن المادة إنما هي التي بما هي مادة قابلة تمامًا. على هذا حينئذ النار لها حرارتها في المادة، وإذا كانت الحرارة شيئًا ما قابلًا للانفصال عن مادة النار فلا يمكنها أن تقبل شيئًا ولا أن تتأثر. ولكنه محال من غير شك أن الحرارة تكون منفصلة عن النار التي تسخن، وإذا كان ثمَّ أشياء منفصلة بهذه المثابة فإن ما قلناه آنفًا لا يكون صادقًا إلا بالنسبة لتلك.١٢
وعلى الجملة نقف عند حد الاعتبارات المتقدمة في إيضاح ماهية فعل وانفعل؛ لنبين بأي الأشياء يتعلق أحدهما والآخر وبأي طريقة يكون الفعل والانفعال وكيف يكونان.١٣

هوامش

(١) بفعل وانفعل: لم يمكنِّي أن أجد في لغتنا عبارات تجعل كلمات النص أكثر وضوحًا. وقد يمكن أن يترجم أيضًا هكذا: «أن يكون فاعلًا وقابلًا.» يفعل وينفعل هما المقولتان الأخيرتان للمقولات العشر، ر. المقولات ب٤ ف١ و٢ من ترجمتنا. تلقينا من الفلاسفة السابقين لنا: يلاحظ فيلوبون أن أرسطو يبقى على عهد طريقته العادية من بسط النظريات السابقة قبل بسط نظريته الخاصة. إن الشبيه لا يمكن أن يقبل شيئًا من الشبيه: ذلك هو أحد المبادئ التي قد يوجد منها عدد عظيم في الفلسفة القديمة لا تستند إلى مشاهدات وافية، وليست إلا نتائج سابقة لأوانها ومنطقية محضة. غير المتشابهة والأجسام المختلفة: هذا التكرير هو في النص. فعل وانفعال: أو إنما هي الفاعلة والقابلة. بنار أكبر: يظهر أنه ليس هنا اختلاف حقيقي. فإن النار الأقل هي تمامًا مشابهة للنار الأقوى من جهة كونها نيرانًا وفقط إحداهما التهمت الأخرى. ولكنه لا ينبغي التشدد في طلب الضبط إلى علم ذلك الزمان. بما أن كثيرًا هو ضد لقليل: هذا حق، ولكنه لا ينتج منه أن نارًا صغيرة تكون ضدًّا لنار كبيرة. ومع ذلك هذا ما كان يجب أن يكون ليصير المثل صحيحًا وحقيقًا بالانطباق.
(٢) ديمقريطس هو الوحيد: يظهر أن أرسطو في جميع مؤلفاته يحفل كثيرًا بديمقريطس وبنظرياته، وهنا يعطيه الحق على الأقل بالجزء ضد جميع الفلاسفة السابقين. رأيًا خاصًّا: كلمة النص ليس لها معنى محدود بهذا المقدار، وربما أفادت أن ديمقريطس قرر رأيًا صوابًا من بعض الوجوه ومعارضًا للنظريات السابقة. من المشابهة والمماثلة: ليس في النص إلا كلمة واحدة.
(٣) تلك هي إذن الآراء: قد يرى أن بسط الآراء السابقة موجز بعض الشيء، ولكن يجب علينا في هذا الصدد أن نثق بصدق أرسطو الذي ما سعى ألبتة في الحط من أقدار أسلافه على رغم التهمة التي اتهمه بها باكون. مجموع الموضوع: ليس النص على هذا القدر من الضبط، ومع ذلك فإن الفكرة التي يعبر عنها أرسطو هي عريقة في الصحة، وذلك يرجع إلى القول بأن هذه المذاهب على العموم أولى بها أن تكون غير تامة من أن تكون باطلة.
(٤) أن يحتمل شيئًا ولا أن يقبل شيئًا: ليس في النص إلا كلمة واحدة. ولكن لما أنه يوجد فيه أداة نفي أردت أن أوفيه القوة بالفعلين ولو أن المعنى واحد تقريبًا. من قبل شبيهه: يعني مما هو على جهة الإطلاق والتماثل مشابه له. أحد الشيئين: زدت هاتين الكلمتين. يفعل: أو ينفعل. يمكنه أن يقبل أيضًا من ذاته: يعني يحتمل فعلًا يحدثه هو نفسه في نفسه، وهذه النظرية دقيقة فيما يظهر. مع التسليم بهذا: أو بعبارة أخرى إذا افترض أن الشبيه يفعل في الشبيه وإن شيئًا يفعل مباشرة في نفسه. غير قابل للفناء ولا غير متحرك: قد قرر أرسطو دائمًا أنه يوجد في الدنيا أشياء غير قابلة للفناء، وأنه بالأقل المحرك الأول هو غير متحرك. يمكنه أن يعطي الحركة لنفسه: ليس النص على هذا الضبط، ويمكن ترجمته أيضًا هكذا: «لنفسه وإن ما هو مغاير له تمامًا، وليس له معه أدنى تماثل يمكنه أن يعطيها لنفسه على السواء.» وقد ظهر لي أن المعنى الآخر أفضل من جهة النحو. وفي الواقع: لا يظهر أن ارتباط المعاني هنا واضح. البياض: الأمثلة لا يظهر أنها قد أحسن اختيارها. من قبل خط: أو بالأولى سطح كما يفسره فيلوبون. بالعرض والواسطة: ليس في النص إلا كلمة واحدة. الخط أو السطح عفوًا من تلقاء أنفسها: ربما صحت ترجمتها أيضًا «بالتبادل».
(٥) أي جسم اتفق وأخذ بالمصادفة: ليس في النص إلا كلمة واحدة، تضاد ما ليس النص على هذه الصراحة. بجنسها … بنوعها: هذا التمييز سيصلح فيما بعد للتوفيق بين الآراء المتعارضة للفلاسفة السابقين، يقبل فعل: أو بعبارة أخرى مماثلة لعبارة النص: «يقبل من الجسم.» وهذا التعبير مع ذلك مبهم، وكان الأولى إيضاحه. مجانسًا: أو من الجنس بعينه، ر. ما سبق ب٦ ف١٠. إذن يلزم ضرورة: تكرير لما سبق آنفًا بالحرف تقريبًا.
(٦) ما دام إذن … الفاعل والقابل: تكرير آخر مساعد مع ذلك على إيضاح الفكرة أكثر منه على إطالتها. نسب الأضداد: ر. المقولات ب١١ ف٦ ص١٢٢ من ترجمتنا. مطلقًا: أو على العموم. إن النار تسخن: ربما كان التعبير عامًّا جدًّا، وربما كان يلزم ذكر مفعول، كأن يقال مثلًا: «تسخن الجسم الذي تفعل فيه.» وأن البرد يبرد: هذا التكرير غير المفيد موجود كذلك بالنص. يحيل إلى ذاته: ها هنا أيضًا العبارة قليلة الضبط، ولو أن المعنى صحيح جدًّا. تحول الشيء إلى ضده: النص غاية في الإيجاز فاضطررت إلى بسطه. الذي ينفعل يتغير بهذا الذي يفعل: قد يكون في العبارة بعض التجاوز؛ لأن الشيء الذي يسخن لا ينقلب نارًا. مفض إلى الضد: النص يستخدم تعبيرًا يشعر بنوع من الحركة، وهذا الذي حاولت تحصيله في ترجمتي.
(٧) فلاسفتنا: عبارة النص أقل ضبطًا. الطبع والحق: ليس في النص إلا كلمة واحدة. إنه الموضوع: يعني الموجود الذي له الكيف المعد لأن يتغير بكيف مضاد. البرودة: يعني الكيف ذاته. وقد لا يكون التمايز بيِّنًا في النص، ولأنه على هذا التمايز يعتمد في التدليل، فكان الألزم أن يكون التعبير أظهر من هذا. وقد أجاد فيلوبون إيضاح هذه الفقرة كلها، ولو أنه أطال في الإيضاح. هي التي تصير ساخنة: في هذا التعبير شيء من الغرابة في النص وفي ترجمتي أيضًا. وعلى الوجهين العبارة صادقة: يعني سواء قصد إلى الموضوع أو قصد إلى الكيفية نفسها التي تتغير.
(٨) والأمر كذلك: يعني أنه يمكن أن يجري هذا التمايز بالنسبة للفاعل والقابل اللذين هما متحدان بالجنس ومختلفان بالنوع. فلان الذي يسخن الشيء الفلاني: ليس النص على هذا القدر من البيان. إن الحرارة هي التي تسخن: من جهةٍ إنه هو الموضوع ومن جهة أخرى إنها هي الكيفية، أو كما سيجيء بعد في هذا النص من جهة المادة ومن جهة أخرى الضد. من هذه الجهة: يعني بالنظر إلى المادة التي هي مقولة بالاشتراك على الفاعل والقابل معًا. من جهة مخالفة: يعني بالنظر إلى الكيفيات المتضادة التي إحداها تتغير إلى الأخرى. إن الأمر على الضد من ذلك تمامًا: ر. ما سبق بيانه في آخر الفقرة الثالثة حيث يعيب أرسطو على كلتا النظريتين أنها لم تعتبر إلا جزءًا من الموضوع الذي كان يجب فحصه في مجموعه.
(٩) التدليل الذي يمكن عمله: الجملة قلقة بعض الشيء في الترجمة كما هي كذلك في النص، ولكن المعنى بين؛ فإن يفعل وينفعل يستوضح معناهما كما يستوضح معنى يحرك ويتحرك. لفظ المحرك يحمل أيضًا على معنيين: تبعًا لما إذا كان القصد المحرك الأول والمحرك الابتدائي، أو المحرك التابع الذي يمكن أن يكون الأخير والأقرب بالنسبة للمتحرك أي الشيء المحرك. الشيء: اخترت التعبير بهذا اللفظ المبهم مجاراة للنص. يشبه أن يكون المحرك: أو «يشبه أن يحرك». المبدأ هو أول العلل: بتعريف كلمتي المبدأ والعلة يبتدئ الكتاب الخامس من كتاب ما بعد الطبيعة. الحد الأخير: يعني المحرك الثانوي الذي هو الأقرب إلى المتحرك. الشيء: زدت هذا المضاف إليه، ويمكن أن توضع بدله «الظاهرة».
(١٠) الملاحظة نفسها: النص أشد إبهامًا، وبعبارة أخرى «أن لفظ الفاعل يمكن أن يحمل على معنى مزدوج مثل لفظ المحرك.» الذي أمر به للمريض: زدت هذه الكلمات التي ظهر لي أنها ضرورية لتمام الفكرة؛ فإن الطبيب هو المحرك الأول والعلة الأولى للشفاء، والنبيذ الذي أمر به للمريض هو المحرك الثانوي والعلة التبعية للصحة المستردة. في الحركة التي يعطيها: هنا رواية أخرى عديمة الأهمية استحبَّها بعض الناشرين ولكنها لا تساوي الرواية التي أثبتناها في القيمة. تكون هناك ضرورة: راجع نظرية المحرك الأول غير المتحرك في كتاب الطبيعة ك٨ ب٦ و٧ و١٥ من ترجمتنا. الحد الأخير: «المحرك الأخير».
(١١) وفي الفعل أيضًا: كما في الحركة، الحد الأول: عبارة النص غير محدودة أصلًا، ويمكن ترجمتها أيضًا «العلة الآولى». ليس متأثرًا ولا قابلًا: ليس في النص إلا كلمة واحدة. ليمكنه أن يفعل: زدت هذه الكلمات. بادئ بدء: زدتها أيضًا. التي ليست من مادة واحدة بعينها: هي والأشياء التي تفعل فيها. لا تقبل أي فعل: عبارة النص «لا تقبل شيئًا». يقبل ويلقى: ليس في النص إلا كلمة واحدة. تأثرًا ما: عبارة النص غير محدودة. يسخن … يبرد: في ظاهرة الهضم التي بها الجهاز الهضمي يتمثله. كالمبدأ: أو بوجه ما المحرك الأول والمبدئي. هو الحد الأخير: هنا أيضًا ليس النص على هذا القدر من الصراحة. التي ليس لها صورتها في المادة: يعني التي هي والقابل التي تفعل فيه ليست من مادة واحدة. هذا الأسلوب كثير التكرار عند أرسطو، ولكنه هنا غير محل للشك بحسب شرح فيلوبون؛ فإن القرينة تسوغ تفسير الشارح. يمكن أن تقبل فعلًا ما: في حين أنها تحدث فعلًا في الشيء الواقع تحت تأثيرها. من الحدين المتقابلين: أو بعبارة أخرى «بالنسبة للفاعل وبالنسبة للقابل». جنسهما المشترك: زدت الكلمة الأخيرة، ر. ما سبق في الفقرة الخامسة. الشيء الذي يسخن: عبارة النص غير محدودة. كما قلت آنفًا: في أول الفقرة السابقة. المحرك الأولي: يعني العلة أيًّا كانت التي هي أول ما يعين الحركة، وأظن أنه يلزم أن يخص اسم المحرك الأول بمبدأ الحركة الكلية؛ فإنه لا يراد هنا إلا حركة جزئية تقوم بها محركات عديدة بعضها توابع بعض. هنا: زدت هذه الكلمة لتكون المقابلة أظهر. غير القابل وبمعزل عن كل انفعال: ليس في النص إلا كلمة واحدة.
(١٢) الغاية التي من أجلها يحدث كل الباقي: أو «اللم» كما هي عبارة النص. الصحة ليست فاعلًا: لأنها الغاية التي ينشدها الطبيب والمريض؛ فالطبيب هو المحرك الأول، والأدوية التي يأمر بها تفعل تحت أوامره لبلوغ الغاية التي هي الشفاء والصحة. القابل الذي يقبل الفعل: ليس النص على هذه الصراحة. يصير شيئًا ما: يعني يكسب كيفًا جديدًا يعطيه إياه الفعل الواقع عليه. حاصلة تمامًا وحاضرة: ليس في النص إلا كلمة واحدة. كل ما يجب أن يكونه: أضفت هذه الكلمات إتمامًا للمعنى. صور: أو «أنواع»؛ فإن صور الأشياء هي طبعها الخاص والنهائي. كيفيات وعادات: في النص كلمة واحدة؛ لأن الكيفيات والعادات لما أنها أشياء مكتسبة فليست محلًّا للتغير، فإن الشيء هو ما هو، فليس يصير شيئًا آخر بأن يكسب كيفية جديدة مخالفة. قابلة تمامًا: من حيث إنها هي المادة التي تقبل على التعاقب الأضداد التي تتناوب عليها بالدور. لها حرارتها في المادة: التعبير مغلق قليلًا على رغم الإيضاحات التي تقدمت. عن مادة النار: أضفت هذه الكلمات تكميلًا للمعنى. أن تقبل شيئًا ولا أن تتأثر: ليس في النص إلا كلمة واحدة. عن النار التي تسخن: أضفت هذه الكلمات. ما قلناه آنفًا: أو بعبارة أخرى «هذه الأشياء تكون غير قابلة ألبتة ولا يمكنها أن تخضع لفعل أي كان.» ر. هذه النظرية نظرية الجوهر والصورة في الطبيعة ك١ ب٨ ص٤٧٣ وما بعدها من ترجمتنا.
(١٣) وعلى الجملة: النص ليس صريحًا هكذا، ولكن هذه الفقرة هي في الواقع محصل كل ما سبق. وبأي طريقة … وكيف: هذا الجزء الخاص من المسألة سيعالج أيضًا في الباب الذي يلي بطريقة أخص وأوسع مما ها هنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤